بسمه تعالى
ماهي الفائدة التي من الممكن أن نجنيها من إمام غائب ؟
( الجــــــــــــــواب )
أولاً / غيبة الإمام لا تعني انقطاعه عن الأمة :
لعل منشأ السؤال هو توهم السائلين أن الغيبة تساوي عدم الوجود ، مع أن الفرق كبير جداً بين المعنيين فغيبة الإمام المهدي u لا تساوي عدم وجوده ، ولا تعني انقطاعه عن الدنيا ، أو ابتعاده عن المجتمع وانعزاله عن الناس وعدم اتصاله بالآخرين ، كما لا يترتب عليها عدم المعرفة بالأحداث ، والتدخل في معالجة شتى القضايا وسائر الأمور .
ولو كان الأمر كذلك لما كان هناك من داع إلى وجود الإمام u ، بل ولأصبح وجوده عبثاً - والعياذ بالله – ولكن الواقع
أن غيبة الإمام
- سواء كانت بمعنى اختفاء شخصه أو خفاء عنوانه –
لا تعني انقطاع الإمام عن الأمة ولا تحجبه عن مراقبة الأحداث ولا تعيقه عن التدخل المباشر أو غير المباشر في معالجة الأمور ، فهو u - على كلا التفسيرين لمعنى الغيبة موجود بيننا يعيش في أوساطنا ، ويطلع على أحوالنا ، ويتعرف على أمورنا ، ويعالج الكثير من قضايانا الدينية والدنيوية .... ولا يتوقف قيامه u بكل ذلك على وجوب رؤيتنا له أو معرفتنا بشخصه ولا على ضرورة أن نعلم بأن تلك الأعمال صادرة عن شخصه المقدس ، بل بإمكانه u أن يقوم بكل أعماله دون أن نعرفه بشخصه ودون أن نعلم أن تلك الأعمال صادرة عنه صلوات الله وسلامه عليه ، تماماً كما هو الحال في ذلك الولي الصالح الذي كان في زمن نبي الله موسى بن عمران u وكان يؤدي أعماله ويقوم بواجباته ومسؤولياته المناطة به من رب العالمين دون أن يعرفه أحد بشخصه بما في ذلك الكليم موسى ابن عمران الذي لم يتعرف عليه إلاّ بتعريف من الله تبارك وتعالى .
والقصة مذكورة بتفاصيلها في القرآن الكريم من الآية ( 60 ) إلى الآية ( 82 ) من سورة الكهف
فلو تأملنا تلك الآيات الكريمات جيداً ، واستعنا في فهمها بما ورد حولها من روايات شريفة يرويها الفريقان ، لوقفنا على حقائق مهمة نستطيع أن نجملها فيما يلي :
ماهي الفائدة التي من الممكن أن نجنيها من إمام غائب ؟
( الجــــــــــــــواب )
أولاً / غيبة الإمام لا تعني انقطاعه عن الأمة :
لعل منشأ السؤال هو توهم السائلين أن الغيبة تساوي عدم الوجود ، مع أن الفرق كبير جداً بين المعنيين فغيبة الإمام المهدي u لا تساوي عدم وجوده ، ولا تعني انقطاعه عن الدنيا ، أو ابتعاده عن المجتمع وانعزاله عن الناس وعدم اتصاله بالآخرين ، كما لا يترتب عليها عدم المعرفة بالأحداث ، والتدخل في معالجة شتى القضايا وسائر الأمور .
ولو كان الأمر كذلك لما كان هناك من داع إلى وجود الإمام u ، بل ولأصبح وجوده عبثاً - والعياذ بالله – ولكن الواقع
أن غيبة الإمام
- سواء كانت بمعنى اختفاء شخصه أو خفاء عنوانه –
لا تعني انقطاع الإمام عن الأمة ولا تحجبه عن مراقبة الأحداث ولا تعيقه عن التدخل المباشر أو غير المباشر في معالجة الأمور ، فهو u - على كلا التفسيرين لمعنى الغيبة موجود بيننا يعيش في أوساطنا ، ويطلع على أحوالنا ، ويتعرف على أمورنا ، ويعالج الكثير من قضايانا الدينية والدنيوية .... ولا يتوقف قيامه u بكل ذلك على وجوب رؤيتنا له أو معرفتنا بشخصه ولا على ضرورة أن نعلم بأن تلك الأعمال صادرة عن شخصه المقدس ، بل بإمكانه u أن يقوم بكل أعماله دون أن نعرفه بشخصه ودون أن نعلم أن تلك الأعمال صادرة عنه صلوات الله وسلامه عليه ، تماماً كما هو الحال في ذلك الولي الصالح الذي كان في زمن نبي الله موسى بن عمران u وكان يؤدي أعماله ويقوم بواجباته ومسؤولياته المناطة به من رب العالمين دون أن يعرفه أحد بشخصه بما في ذلك الكليم موسى ابن عمران الذي لم يتعرف عليه إلاّ بتعريف من الله تبارك وتعالى .
والقصة مذكورة بتفاصيلها في القرآن الكريم من الآية ( 60 ) إلى الآية ( 82 ) من سورة الكهف
فلو تأملنا تلك الآيات الكريمات جيداً ، واستعنا في فهمها بما ورد حولها من روايات شريفة يرويها الفريقان ، لوقفنا على حقائق مهمة نستطيع أن نجملها فيما يلي :
1/ أن ذلك الولي ( الذي هو الخضر كما في الروايات ) قد شمله الله برحمة خاصة أسبغها عليه دون توسط الأسباب ، كما أن علمه هو علم لدنيّ لم يكتسبه الخضر من أحد وإنما أفاضه عليه رب العاليمن كما نستفيد ذلك من قوله تعالى :
(( فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه
من لدنا علما )).
2/ أن للخضر غيبة ( هي غيبة العنوان ) ، والناس يرونه ولكنهم لا يعرفونه ، فها هو يركب مع سائر الناس في السفينة ، ثم يذهب إلى القرية ويقابل أهلها ويطلب منهم الطعام ، ومع ذلك لم يتمكن أحد من معرفته ، بل أن نبي الله موسى u لم يتعرف عليه إلاّ حين أرشده الله إليه وعرّفه عليه .
3/ أن غيبة الخضر u لم تمنعه عن متابعة الأمور ومراقبة الأحداث ، بل كان دقيقاً جداً في المراقبة والمتابعة إلى درجة أنه لم يخفَ عليه أمر ذلك الملك الظالم الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا ، ولم يجهل أمر ذلك الغلام الذي لو بقي حياً لأرهق والديه طغياناً وكفرا، ولم يغب عنه خبر اليتيمين اللذين كانا في المدينة وكان أبوهما صالحاً ولهما كنز تحت جدار كاد أن يسقط في تلك القرية التي مرّ عليها وبرفقته موسى بن عمران u.
ويجب أن نلتفت إلى أن متابعة الخضر للأحداث ومراقبته لها لم تنحصر في هذه الأمور فقط وإنما هي تمتد لتشمل أموراً أخرى كثيرة ولكن القرآن الكريم لم يقص علينا منها إلاّ ما كان مرتبطا بقصة مرافقة نبي الله موسى له فقط ، ولم يتوسع في ذكر متابعته لسائر الأمور الأخرى وما قام به من أعمال في مواجهتها ومعالجتها .
4/ كما أن غيبة الخضر لم تمنعه من متابعة الأحداث كذلك لم تعقه عن التدخل لمعالجتها بما يراه مناساباً ، فهاهو يقوم بخرق السفينة ويقتل الغلام ويقيم الجدار الذي يريد أن ينقض .. فهو إذن متمكن من التصرف وغيبته لم تسلبه القدرة عن فعل ما فيه مصلحة البلاد والعباد .
5/ لم يقم الخضر بكل ما قام به من تلقاء نفسه ، وإنما انطلق في كل ذلك من خلال التوجيهات والأوامر الإلهية الصادرة إليه من الله تبارك وتعالى ، يدلنا على ذلك قوله بعد ما بين لموسى فلسفة أعماله وأفعاله:
(( وما فعلته عن أمري)).
فهوإذن من الأئمة الهداة الذين يعملون مافيه الخير والصلاح للبشرية ، ويأخذون بأيدي الناس إلى الحق ويهدونم للتي هي أقوم في ظل التسديد الإلهي الذي شملهم به الباري جل وعلا كما يقول سبحانه:
(( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا )).
6/ أن هؤلاء الأولياء الإلهيين قد يقومون بأعمال إصلاحية كبيرة ، ولكن سائر الناس يجهلون تلك الأعمال ولا يعرفون عنها شيئاً ، أو يطلعون عليها ولكنهم يعجزون عن فهمها وعن معرفةالمنافع المترتبة عليها ، بل قد يعدونها من الجرائم المستنكرة والشرور المستطيرة ، وقد رأينا الخضر يخرق سفينة ويقتل غلاماً ، وهذا في ظاهره من الأعمال القبيحة التي استنكرها حتى نبي الله موسى رغم علمه أنها صادرة من عبد صالح آتاه الله رحمة من عنده وعلّمه من لدنه علما ولذا قال للخضر حين خرق السفينة:
(( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا))
كما قال له بعد قتله الغلام:
((أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا )).
إذن فقد يقوم الولي بأعمال يجهلها الناس , وإن علموا بها جهلوا حكمتها ولم يتمكنوا من معرفة أسرارها مالم يكشف لهم الولي نفسه عن ذلك .
والخلاصة التي نريد الوصول إليها هي
أن خفاء عنوان الشخص وعدم معرفة الناس له
لا يعيقه عن القيام بدوره في الحياة ، بل على العكس قد يجعله ذلك متمكناً من القيام بدوره أكثر مما لو كان معروفاً عند الآخرين ، ألا ترى رجال الأمن والشرطة إذا أرادوا انجاز المهمات الكبيرة أو القبض على العصابات الخطيرة كيف يتنكرون ويظهرون للناس في غير شخصياتهم الحقيقية حتى يظنهم الكل من العامة ، فيكون هذا التنكر وعدم معرفة الآخرين لشخصياتهم هو خير وسيلة لهم تمكنهم من متابعة الأحداث ومراقبة الأمور إلى أن ينجزوا مهماتهم بنجاح باهر .
وهكذا نرى أن تنكر هؤلاء الأشخاص وخفاء شخصياتهم الحقيقية على الآخرين . ليس فقط لم يعقهم عن أداء رسالتهم والقيام بواجبهم ، بل كان هو خير معين لهم على ذلك.
وهكذا الحال بالنسبة للإمام المهدي u فإن غيبته وخفاء عنوانه ليس فقط لن يعيقه عن أداء رسالته، بل هو خير معين له على ذلك ، فلو كان ظاهراً للناس معروفاً بينهم لأصبح مهدداً بالقتل مطارداً من قبل الطغاة والمجرمين مما يضطره إلى الفرار منهم ، والإختفاء عنهم في الملاجئ وحينها لن يتمكن من القيام بأي دور في الحياة .
ولكن غيبته المباركة منحته الأمن والطمأنينة ، ومكنته من القيام بأعماله الإصلاحية على أكمل وجه .
فكم له وهو في غيبته u من مساعدة محتاج وإرشاد ضال ، وتفريج هم ، وكشف كرب ، ومعالجة مريض ، وحل مشاكل ، وتوجيه عالم إلى بيان مسألة يجهل حلها ... إلى ما هنالك من أمور وقضايا وقفنا على بعضها وما خفي عنا منها كان أعظم.
ولا بأس أن نذكر غيضاً من فيض مما وقفنا عليه في المصادر من أعمال جليلة وكثيرة قام بها الإمام المهدي u وهو
في غيبته .
فمن ذلك تدخله المباشر u لفتح الطريق إلى كربلاء أمام زوار الإمام الحسين u وكان ذلك في عهد الدولة العثمانية وحكمها للعراق ، ومن قواد عسكرها الذين ورد ذكرهم في الحادثة
(( كنج محمد آغا ، وصفرآتما ))
وكانت الحادثة في النصف من شعبان .
ففي ذلك العهد كانت عشيرة [ عنيزة ] تقطع الطريق على الزوار الوافدين من (الحلة) وأطرافها والقادمين من (النجف) ونواحيه ، وتحاصرهم وتنهب أمتعتهم ، حتى لاقى الزوار على أيديهم شدة وبلاء ... فتدخل الإمام بنفسه في كشف هذا الكرب واجلاء عشيرة عنيزة بعد أن هدد رجالها بالموت والدمار إن كرروا الإعتداء على زوار أبي عبدالله u ... والقصة طويلة ولا مجال لذكرها تفصيلاً .
ومن ذلك قيامه بمعالجة الأمراض المزمنة ، متخذاً من ذلك وسيلة لهداية الناس إلى الحق ، ومن مصاديق ذلك ماحدث به (السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني) من أن أباه (عطوة) لم يكن معترفاً بالإمام المهدي u وغير مقر بوجوده ، وكان مريضاًفقال :
إذا جاء الإمام وأبرأني من هذا المرض أصدق قولكم .
وكرر هذا القول، فبينا نحن مجتمعون وقت العشاء الأخيرة صاح أبونا فأتيناه سراعاً فقال:
الحقوا الإمام ، في هذه الساعة خرج من عندي .
فخرجنا فلم نرّ أحداً ، وجئنا إليه فقال :
دخل إليّ شخص وقال : ياعطوة .
فقلت : لبيك ، من أنت ؟ !
قال : أنا المهدي جئت إليك لأشفي مرضك .
ثم مد يده المباركة وعصر وركي وراح ، فصار مثل الغزال .
قال علي بن عيسى : سألت عن هذه القصة غير ابنه فأقر بها
وهذه الحادثة ليست مروية عن الشيعة لنتهمهم بالكذب والدجل،وإنما رواها أحد أجلة أعلام أهل السنة والجماعة وهوالشيخ الفاضل سليمان القندوزي،في كتابه ينابيع المودة الجزء الثالث الباب الحادي والثمانون ص 120.
وليست هي الحادثة الوحيدة المروية في مصادرأخوتنا من السنة،بل كم يوجد لها من نظائر،ودونك المصادر والمراجع فراجع.
فلاحظ كيف هداه الإمام المهدي u إلى الحق عن طريق الإعجاز ، فناداه أولاً باسمه ، ثم لم يعلاجه عن طريق العقاقير الطبية وإنما عن طريق المسح بيده المباركة على المرض كما كان يفعل المسيح عيسى بن مريم u .
ولأن هذا الرجل كان منكراً لوجوده u عرفه بنفسه ليقيم عليه الحجة ، فدوره u هنا ليس العلاج فقط وإنما الهداية
للناس أيضاً .
وللإمام المهدي u دوره في تسديد العلماء ، وبيان ما أشكل عليهم من المسائل التي لم يهتدوا إلى حلها .
يقول الشيخ المجلسي:
أخبرني جماعة عن السيد الفاضل أمير علاّم قال :
كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة (بالغري) على مشرفها السلام وقد ذهب كثير من الليل ، فبينا أنا أجول فيها ، إذ رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدسة، فأقبلت إليه فلما قربت منه عرفت أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا
(أحمد الأردبيلي) قدس الله روحه ، فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب وكان مغلقاً ، فانفتح له عند وصوله إليه ودخل الروضة ، فسمعته يكلّم كأنه يناجي أحداً ، ثم خرج وأُغلق الباب ، فمشيت خلفه حتى خرج من (الغري) وتوجه نحو (مسجد الكوفة) ، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عنده ، ومكث طويلاً ثم رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو (الغري) ، فكنت خلفه حتى قرب من (الحنّانة) فأخذني سعال لم أقدر على دفعه ، فالتفت إليّ فعرفني وقال :
أنت أمير علاّم ؟ .
قلت : نعم .
قال : ما تصنع ههنا ؟
قلت : كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن ، وأقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة ، من البداية إلى النهاية .
فقال : أخبرك على أن لا تخبر به أحداً مادمت حياً .
فلما توثق ذلك مني قال :
كنت أفكر في بعض المسائل وقد أغلقت عليّ ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين u وأسأله عن ذلك ، فلما وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك ، فسمعت صوتاً من القبر :
أن ائت مسجد الكوفة وسل عن القائم u فإنه إمام زمانك .
فأتيت عند المحراب ، وسألته عنها وأجبت
وها أنا أرجع إلى بيتي.
والإستطراد في سرد ماوقعت عليه ، ورأيته مثبوتا في الكتب من حوادث وقضايا متنوعة تدخل فيها الإمام المهدي u لا يدفعني فقط إلى الإطالة وإنما إلى افراد كتاب كبير قائم بذاته ، ولأن قصدي الإشارة فقط دون التوسع في الموضوع ،فإني اكتفي بماذكرت ومن أراد التوسع فليرجع إلى المصادر المختلفة التي تتناول هذا الموضوع .
ومن بينها على سبيل المثال وليس الحصر الجزء الثالث من ينابيع المودة لأحد الأعلام من أخوتنا أهل السنة ، وتاريخ الغيبة الصغرى ومنتخب الأثر ، والمجلدين 52 و 53 من البحار – وغير ذلك من المصادر .
وإن لم تكن هذه الحوادث في آحادها متواترة ، فإنها بمجموعها تفيد التواتر ، وإن لم تورث القطع فلا أقل من تويثها الظن القوي الباعث على الإطمئنان .... وقد قال لطف الله الصافي بعد ماذكر بعضاً من هذه الحوادث والقضايا الكثيرة ، التي أظهر فيها الإمام المهدي u المعجزات الباهرات ، وأقام البينات الواضحات وحلّ المشكلات المعضلات وكشف الشدائد والكربات ... :
(( وقد ذكر في البحار حكايات كثيرة جداً في ذلك ، وهكذا ذكر المحدث النوري في دار السلام وجنة المأوى والنجم الثاقب ، والفاضل الميثمي العراقي في دار السلام وغيرهم من المحدثين والعلماء ، معجزات كثيرة تتجاوز عن حد التواتر قطعاً ، وإسناد كثير منها في غاية الصحة والمتانة
رواها الزهاد الأتقياء من العلماء .
هذا مع ما نرى في كل يوم وليلة من بركات وجوده ، وثمرات التوسل والإستشفاع به مما جربناه مراراً ، جعلنا الله من أنصاره وشيعته والمجاهدين بين يديه بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين )).
ثانياً / وجود الإمام أمن من العذاب :
وأحب أن أشير هنا بأننا لم نستدل على إمكانية الإنتفاع بالإمام المهدي u وهو في غيبته إلا بما يدل عليه العقل والنقل باتفاق الجميع من أن غيبة الشخص وخفاء عنوانه على الآخرين
لا يمنعه من متابعة الأحداث ولا يعيقه عن التدخل فيها كما رأينا في قصة الخضر وموسى u وكما ضربنا في ذلك مثلاً برجال الأمن والشرطة ، وتركنا الإستدلال بما يرتبط بالجانب العقائدي لدينا وإن كان مدعماً بالأدلة والبراهين الوارد بعضها من طريق الفريقين من أن في وجود الإمام المهدي u وإن كان غائباً رحمة للأمة وأمناً لها من العذاب وأن الأرض لو خلت يوماً من حجة لله على عباده لساخت بأهلها .
ولندع كل ماورد عن طريق الشيعة في هذا المعنى ونكتفي من كل ماورد من طريق أهل السنة بما رواه ابن حجر – رغم تعنته وتعصبه – عن أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
(( النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي
ذهب أهل الأرض )).
وعلى الذين لا يؤمنون إلاّ بالعلل المادية ويكفرون بالعلل المعنوية ، ويستبعدون أن يجعل الله تبارك وتعالى النبي وأهل بيته عليهم السلام العلة الغائية للخلق والإيجاد ، وأن يعلق سبحانه استمرار وجود الموجودات على استمرار وجود المعصوم وأن يكون وجوده u سبباً للأمن والرحمة ودفع البلاء ورفع عذاب الإستئصال ... ويكذبون بكل ماورد في هذا المعنى من نصوص متواترة عن النبي وعترته الطاهرة ، ويتهمون كل من يعتقد ذلك إما بالجنون والتخريف أو الغلو
في المعصومين عليهم السلام .
أقول :
على هؤلاء وأمثالهم أن يكذبوا ماورد في القرآن الكريم من نص صريح في أن الله تعالى أرسل رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين ، وجعل وجوده سبباً للأمن والأمان ، ورفع عذاب الإستئصال كما يقول سبحانه وتعالى:
(( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم
وهم يستغفرون )).
وإذا كنا نؤمن بأن وجود النبي صلى الله عليه وآله كان سبباً لرفع العذاب استناداً إلى النص القرآني الكريم ، فكذلك آمنا بهذا المعنى في الإمام المعصوم استناداً إلى النصوص النبوية
الصادرة عن الذي
(( ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ))
والتي كان من بينها الحديث الذي سبق أن ذكرناه وندعمه الآن بحديث آخر أيضاً رواه وخرجه أهل السنة والجماعة .
ففي مناقب ابن المغازلي الشافعي:
عن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي المرتضى u عن أبيه عن جده الحسن السبط قال :
خطب جدي صلى الله عليه وآله يوماً فقال بعد ما حمد الله
وأثنى عليه :
(( معاشر الناس ، إني أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، ولا تخلو الأرض منهم ،
ولو خلت لانساخت بأهلها ...))
وأي نفع يريده السائلون عن فائدتنا من وجود الإمام المهدي u وهو في غيبته أعظم من أن يكون وجوده u رحمة لنا وبركة علينا وسبباً لرفع العذاب عنا ؟ !!!.
(( فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه
من لدنا علما )).
2/ أن للخضر غيبة ( هي غيبة العنوان ) ، والناس يرونه ولكنهم لا يعرفونه ، فها هو يركب مع سائر الناس في السفينة ، ثم يذهب إلى القرية ويقابل أهلها ويطلب منهم الطعام ، ومع ذلك لم يتمكن أحد من معرفته ، بل أن نبي الله موسى u لم يتعرف عليه إلاّ حين أرشده الله إليه وعرّفه عليه .
3/ أن غيبة الخضر u لم تمنعه عن متابعة الأمور ومراقبة الأحداث ، بل كان دقيقاً جداً في المراقبة والمتابعة إلى درجة أنه لم يخفَ عليه أمر ذلك الملك الظالم الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا ، ولم يجهل أمر ذلك الغلام الذي لو بقي حياً لأرهق والديه طغياناً وكفرا، ولم يغب عنه خبر اليتيمين اللذين كانا في المدينة وكان أبوهما صالحاً ولهما كنز تحت جدار كاد أن يسقط في تلك القرية التي مرّ عليها وبرفقته موسى بن عمران u.
ويجب أن نلتفت إلى أن متابعة الخضر للأحداث ومراقبته لها لم تنحصر في هذه الأمور فقط وإنما هي تمتد لتشمل أموراً أخرى كثيرة ولكن القرآن الكريم لم يقص علينا منها إلاّ ما كان مرتبطا بقصة مرافقة نبي الله موسى له فقط ، ولم يتوسع في ذكر متابعته لسائر الأمور الأخرى وما قام به من أعمال في مواجهتها ومعالجتها .
4/ كما أن غيبة الخضر لم تمنعه من متابعة الأحداث كذلك لم تعقه عن التدخل لمعالجتها بما يراه مناساباً ، فهاهو يقوم بخرق السفينة ويقتل الغلام ويقيم الجدار الذي يريد أن ينقض .. فهو إذن متمكن من التصرف وغيبته لم تسلبه القدرة عن فعل ما فيه مصلحة البلاد والعباد .
5/ لم يقم الخضر بكل ما قام به من تلقاء نفسه ، وإنما انطلق في كل ذلك من خلال التوجيهات والأوامر الإلهية الصادرة إليه من الله تبارك وتعالى ، يدلنا على ذلك قوله بعد ما بين لموسى فلسفة أعماله وأفعاله:
(( وما فعلته عن أمري)).
فهوإذن من الأئمة الهداة الذين يعملون مافيه الخير والصلاح للبشرية ، ويأخذون بأيدي الناس إلى الحق ويهدونم للتي هي أقوم في ظل التسديد الإلهي الذي شملهم به الباري جل وعلا كما يقول سبحانه:
(( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا )).
6/ أن هؤلاء الأولياء الإلهيين قد يقومون بأعمال إصلاحية كبيرة ، ولكن سائر الناس يجهلون تلك الأعمال ولا يعرفون عنها شيئاً ، أو يطلعون عليها ولكنهم يعجزون عن فهمها وعن معرفةالمنافع المترتبة عليها ، بل قد يعدونها من الجرائم المستنكرة والشرور المستطيرة ، وقد رأينا الخضر يخرق سفينة ويقتل غلاماً ، وهذا في ظاهره من الأعمال القبيحة التي استنكرها حتى نبي الله موسى رغم علمه أنها صادرة من عبد صالح آتاه الله رحمة من عنده وعلّمه من لدنه علما ولذا قال للخضر حين خرق السفينة:
(( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا))
كما قال له بعد قتله الغلام:
((أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا )).
إذن فقد يقوم الولي بأعمال يجهلها الناس , وإن علموا بها جهلوا حكمتها ولم يتمكنوا من معرفة أسرارها مالم يكشف لهم الولي نفسه عن ذلك .
والخلاصة التي نريد الوصول إليها هي
أن خفاء عنوان الشخص وعدم معرفة الناس له
لا يعيقه عن القيام بدوره في الحياة ، بل على العكس قد يجعله ذلك متمكناً من القيام بدوره أكثر مما لو كان معروفاً عند الآخرين ، ألا ترى رجال الأمن والشرطة إذا أرادوا انجاز المهمات الكبيرة أو القبض على العصابات الخطيرة كيف يتنكرون ويظهرون للناس في غير شخصياتهم الحقيقية حتى يظنهم الكل من العامة ، فيكون هذا التنكر وعدم معرفة الآخرين لشخصياتهم هو خير وسيلة لهم تمكنهم من متابعة الأحداث ومراقبة الأمور إلى أن ينجزوا مهماتهم بنجاح باهر .
وهكذا نرى أن تنكر هؤلاء الأشخاص وخفاء شخصياتهم الحقيقية على الآخرين . ليس فقط لم يعقهم عن أداء رسالتهم والقيام بواجبهم ، بل كان هو خير معين لهم على ذلك.
وهكذا الحال بالنسبة للإمام المهدي u فإن غيبته وخفاء عنوانه ليس فقط لن يعيقه عن أداء رسالته، بل هو خير معين له على ذلك ، فلو كان ظاهراً للناس معروفاً بينهم لأصبح مهدداً بالقتل مطارداً من قبل الطغاة والمجرمين مما يضطره إلى الفرار منهم ، والإختفاء عنهم في الملاجئ وحينها لن يتمكن من القيام بأي دور في الحياة .
ولكن غيبته المباركة منحته الأمن والطمأنينة ، ومكنته من القيام بأعماله الإصلاحية على أكمل وجه .
فكم له وهو في غيبته u من مساعدة محتاج وإرشاد ضال ، وتفريج هم ، وكشف كرب ، ومعالجة مريض ، وحل مشاكل ، وتوجيه عالم إلى بيان مسألة يجهل حلها ... إلى ما هنالك من أمور وقضايا وقفنا على بعضها وما خفي عنا منها كان أعظم.
ولا بأس أن نذكر غيضاً من فيض مما وقفنا عليه في المصادر من أعمال جليلة وكثيرة قام بها الإمام المهدي u وهو
في غيبته .
فمن ذلك تدخله المباشر u لفتح الطريق إلى كربلاء أمام زوار الإمام الحسين u وكان ذلك في عهد الدولة العثمانية وحكمها للعراق ، ومن قواد عسكرها الذين ورد ذكرهم في الحادثة
(( كنج محمد آغا ، وصفرآتما ))
وكانت الحادثة في النصف من شعبان .
ففي ذلك العهد كانت عشيرة [ عنيزة ] تقطع الطريق على الزوار الوافدين من (الحلة) وأطرافها والقادمين من (النجف) ونواحيه ، وتحاصرهم وتنهب أمتعتهم ، حتى لاقى الزوار على أيديهم شدة وبلاء ... فتدخل الإمام بنفسه في كشف هذا الكرب واجلاء عشيرة عنيزة بعد أن هدد رجالها بالموت والدمار إن كرروا الإعتداء على زوار أبي عبدالله u ... والقصة طويلة ولا مجال لذكرها تفصيلاً .
ومن ذلك قيامه بمعالجة الأمراض المزمنة ، متخذاً من ذلك وسيلة لهداية الناس إلى الحق ، ومن مصاديق ذلك ماحدث به (السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني) من أن أباه (عطوة) لم يكن معترفاً بالإمام المهدي u وغير مقر بوجوده ، وكان مريضاًفقال :
إذا جاء الإمام وأبرأني من هذا المرض أصدق قولكم .
وكرر هذا القول، فبينا نحن مجتمعون وقت العشاء الأخيرة صاح أبونا فأتيناه سراعاً فقال:
الحقوا الإمام ، في هذه الساعة خرج من عندي .
فخرجنا فلم نرّ أحداً ، وجئنا إليه فقال :
دخل إليّ شخص وقال : ياعطوة .
فقلت : لبيك ، من أنت ؟ !
قال : أنا المهدي جئت إليك لأشفي مرضك .
ثم مد يده المباركة وعصر وركي وراح ، فصار مثل الغزال .
قال علي بن عيسى : سألت عن هذه القصة غير ابنه فأقر بها
وهذه الحادثة ليست مروية عن الشيعة لنتهمهم بالكذب والدجل،وإنما رواها أحد أجلة أعلام أهل السنة والجماعة وهوالشيخ الفاضل سليمان القندوزي،في كتابه ينابيع المودة الجزء الثالث الباب الحادي والثمانون ص 120.
وليست هي الحادثة الوحيدة المروية في مصادرأخوتنا من السنة،بل كم يوجد لها من نظائر،ودونك المصادر والمراجع فراجع.
فلاحظ كيف هداه الإمام المهدي u إلى الحق عن طريق الإعجاز ، فناداه أولاً باسمه ، ثم لم يعلاجه عن طريق العقاقير الطبية وإنما عن طريق المسح بيده المباركة على المرض كما كان يفعل المسيح عيسى بن مريم u .
ولأن هذا الرجل كان منكراً لوجوده u عرفه بنفسه ليقيم عليه الحجة ، فدوره u هنا ليس العلاج فقط وإنما الهداية
للناس أيضاً .
وللإمام المهدي u دوره في تسديد العلماء ، وبيان ما أشكل عليهم من المسائل التي لم يهتدوا إلى حلها .
يقول الشيخ المجلسي:
أخبرني جماعة عن السيد الفاضل أمير علاّم قال :
كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة (بالغري) على مشرفها السلام وقد ذهب كثير من الليل ، فبينا أنا أجول فيها ، إذ رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدسة، فأقبلت إليه فلما قربت منه عرفت أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا
(أحمد الأردبيلي) قدس الله روحه ، فأخفيت نفسي عنه حتى أتى الباب وكان مغلقاً ، فانفتح له عند وصوله إليه ودخل الروضة ، فسمعته يكلّم كأنه يناجي أحداً ، ثم خرج وأُغلق الباب ، فمشيت خلفه حتى خرج من (الغري) وتوجه نحو (مسجد الكوفة) ، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عنده ، ومكث طويلاً ثم رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو (الغري) ، فكنت خلفه حتى قرب من (الحنّانة) فأخذني سعال لم أقدر على دفعه ، فالتفت إليّ فعرفني وقال :
أنت أمير علاّم ؟ .
قلت : نعم .
قال : ما تصنع ههنا ؟
قلت : كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلى الآن ، وأقسم عليك بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة ، من البداية إلى النهاية .
فقال : أخبرك على أن لا تخبر به أحداً مادمت حياً .
فلما توثق ذلك مني قال :
كنت أفكر في بعض المسائل وقد أغلقت عليّ ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين u وأسأله عن ذلك ، فلما وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك ، فسمعت صوتاً من القبر :
أن ائت مسجد الكوفة وسل عن القائم u فإنه إمام زمانك .
فأتيت عند المحراب ، وسألته عنها وأجبت
وها أنا أرجع إلى بيتي.
والإستطراد في سرد ماوقعت عليه ، ورأيته مثبوتا في الكتب من حوادث وقضايا متنوعة تدخل فيها الإمام المهدي u لا يدفعني فقط إلى الإطالة وإنما إلى افراد كتاب كبير قائم بذاته ، ولأن قصدي الإشارة فقط دون التوسع في الموضوع ،فإني اكتفي بماذكرت ومن أراد التوسع فليرجع إلى المصادر المختلفة التي تتناول هذا الموضوع .
ومن بينها على سبيل المثال وليس الحصر الجزء الثالث من ينابيع المودة لأحد الأعلام من أخوتنا أهل السنة ، وتاريخ الغيبة الصغرى ومنتخب الأثر ، والمجلدين 52 و 53 من البحار – وغير ذلك من المصادر .
وإن لم تكن هذه الحوادث في آحادها متواترة ، فإنها بمجموعها تفيد التواتر ، وإن لم تورث القطع فلا أقل من تويثها الظن القوي الباعث على الإطمئنان .... وقد قال لطف الله الصافي بعد ماذكر بعضاً من هذه الحوادث والقضايا الكثيرة ، التي أظهر فيها الإمام المهدي u المعجزات الباهرات ، وأقام البينات الواضحات وحلّ المشكلات المعضلات وكشف الشدائد والكربات ... :
(( وقد ذكر في البحار حكايات كثيرة جداً في ذلك ، وهكذا ذكر المحدث النوري في دار السلام وجنة المأوى والنجم الثاقب ، والفاضل الميثمي العراقي في دار السلام وغيرهم من المحدثين والعلماء ، معجزات كثيرة تتجاوز عن حد التواتر قطعاً ، وإسناد كثير منها في غاية الصحة والمتانة
رواها الزهاد الأتقياء من العلماء .
هذا مع ما نرى في كل يوم وليلة من بركات وجوده ، وثمرات التوسل والإستشفاع به مما جربناه مراراً ، جعلنا الله من أنصاره وشيعته والمجاهدين بين يديه بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين )).
ثانياً / وجود الإمام أمن من العذاب :
وأحب أن أشير هنا بأننا لم نستدل على إمكانية الإنتفاع بالإمام المهدي u وهو في غيبته إلا بما يدل عليه العقل والنقل باتفاق الجميع من أن غيبة الشخص وخفاء عنوانه على الآخرين
لا يمنعه من متابعة الأحداث ولا يعيقه عن التدخل فيها كما رأينا في قصة الخضر وموسى u وكما ضربنا في ذلك مثلاً برجال الأمن والشرطة ، وتركنا الإستدلال بما يرتبط بالجانب العقائدي لدينا وإن كان مدعماً بالأدلة والبراهين الوارد بعضها من طريق الفريقين من أن في وجود الإمام المهدي u وإن كان غائباً رحمة للأمة وأمناً لها من العذاب وأن الأرض لو خلت يوماً من حجة لله على عباده لساخت بأهلها .
ولندع كل ماورد عن طريق الشيعة في هذا المعنى ونكتفي من كل ماورد من طريق أهل السنة بما رواه ابن حجر – رغم تعنته وتعصبه – عن أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
(( النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي
ذهب أهل الأرض )).
وعلى الذين لا يؤمنون إلاّ بالعلل المادية ويكفرون بالعلل المعنوية ، ويستبعدون أن يجعل الله تبارك وتعالى النبي وأهل بيته عليهم السلام العلة الغائية للخلق والإيجاد ، وأن يعلق سبحانه استمرار وجود الموجودات على استمرار وجود المعصوم وأن يكون وجوده u سبباً للأمن والرحمة ودفع البلاء ورفع عذاب الإستئصال ... ويكذبون بكل ماورد في هذا المعنى من نصوص متواترة عن النبي وعترته الطاهرة ، ويتهمون كل من يعتقد ذلك إما بالجنون والتخريف أو الغلو
في المعصومين عليهم السلام .
أقول :
على هؤلاء وأمثالهم أن يكذبوا ماورد في القرآن الكريم من نص صريح في أن الله تعالى أرسل رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين ، وجعل وجوده سبباً للأمن والأمان ، ورفع عذاب الإستئصال كما يقول سبحانه وتعالى:
(( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم
وهم يستغفرون )).
وإذا كنا نؤمن بأن وجود النبي صلى الله عليه وآله كان سبباً لرفع العذاب استناداً إلى النص القرآني الكريم ، فكذلك آمنا بهذا المعنى في الإمام المعصوم استناداً إلى النصوص النبوية
الصادرة عن الذي
(( ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ))
والتي كان من بينها الحديث الذي سبق أن ذكرناه وندعمه الآن بحديث آخر أيضاً رواه وخرجه أهل السنة والجماعة .
ففي مناقب ابن المغازلي الشافعي:
عن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي المرتضى u عن أبيه عن جده الحسن السبط قال :
خطب جدي صلى الله عليه وآله يوماً فقال بعد ما حمد الله
وأثنى عليه :
(( معاشر الناس ، إني أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، ولا تخلو الأرض منهم ،
ولو خلت لانساخت بأهلها ...))
وأي نفع يريده السائلون عن فائدتنا من وجود الإمام المهدي u وهو في غيبته أعظم من أن يكون وجوده u رحمة لنا وبركة علينا وسبباً لرفع العذاب عنا ؟ !!!.
ثالثاً / شعورنا بوجوده يدفعنا إلى تهذيب أنفسنا :
ولك أن تضيف إلى هذا الدليل العقائدي ذلك الدليل الوجداني الذي لا يحسه ولا يعرفه إلاّ المعتقدون بوجود الإمام المنتظر المؤمنون بغيبته العارفون بأن هذه الغيبة لا تعيقه عن الإتصال بنا والإطلاع على أحوالنا والقضاء لحوائجنا والإشراف على أعمالنا ....
فإن لكل ذلك آثاره الإيجابية المنعكسة على نفوسنا ، فكلما وقعنا في شدة توسلنا إلى الله به وسألناه تعالى كشف الكرب بحقه وجاهه u أوتوجهنا إليه صلوات الله عليه مباشرة ورجوناه أن يشفع لنا عند الله وأن يستغفر لنا ذنوبنا كما طلب أخوة يوسف من أبيهم يعقوب أن يستغفر لهم ذنوبهم .
كما أن شعورنا بوجوده ومراقبته يدفعنا إلى تهذيب النفس وإصلاحها وتربيتها على العفة والطهارة حياءً منه u وأملاً في أن يساعدنا ذلك على أن نحظى بقبوله ونكون من أنصاره والمتشرفين بخدمته والسير في ركابه .
وقد نصت الأحاديث الشريفة على بركات وجود الإمام المهدي u وأننا ننتفع به كانتفاعنا بالشمس وإن غيبها السحاب .
ففي الحديث عن جابر بن عبدالله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
(( المهدي من ولدي ، الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان .
فقلت : يارسول الله ، هل لأوليائه الإنتفاع به في غيبته ؟
فقال : والذي بعثني بالحق نبياً ، إنهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس إذا سترها حجاب .
يا جابر ، هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه ،
فاكتمه إلاّ عن أهله )) الينابيع.
وعن الإمام المهدي نفسه u:
(( وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء )).
وأخرج الحمويني ـ وهومن السنة ـ بسنده عن الأعمش عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين
رضي الله عنهم قال:
(( نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالي المسلمين ، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذي بنا تمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذن الله ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض ولولا ما على الأرض منا لاتساخت بأهلها
ثم قال :
ولم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم u من حجة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة فيها ولولا ذلك لم يعبد الله .
قال الأعمش قلت لجعفر الصادق رضي الله عنه :
كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال :
كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب )).
وأذكر أن هذا الحديث مروي عن طريق السنة.
رابعاً / جهلنا بالمنفعة لا يدل على عدمها :
فالأدلة العقلية والنقلية كلها تؤكد انتفاعنا بالإمام المهدي u رغم غيبته u وتثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك والريب ، ولو سلمنا أننا نجهل كيفية الإنتفاع من الإمام وهو غائب فإن ذلك يدل على جهلنا وقصورنا عن إدراك تلك المنفعة ولا يصح أن نأخذ من عدم معرفتنا بتلك المنفعة دليلاً على عدم وجودها للفرق الواضح بين الأمرين وعدم وجود الملازمة بينهما ، وكلنا نعلم أن
عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود
، وأن الإنسان – بعلمه القليل وإدراكه المحدود – لا يتمكن من إدراك كل الحقائق ، ومعرفة فلسفة كل الأمور
وسبق لنا أن قلنا في بعض مؤلفاتنا :
(( إن هذا الإنسان الناقص القاصر – مهما تكاثرت معلوماته ومعارفه إلا أنه لا يمكنه أن يتعرف على جميع الأشياء ولا أن يصل إلى فهم جميع فلسفات الأمور ، بل أن هذا الإنسان
– رغم ما وصل إليه من التقدم العلمي والتكنولوجي –
يبقى ذلك الجاهل الذي يجهل أضعاف ما يعرف ويعلم ، وأنه مهما بحث وحاول فلن يصل إلى معرفة جميع الحقائق وما تنطوي عليه من فلسفة وحكمة ، وذلك لسببين هما كالتالي :
الأول :
أن العقل البشري محدود وليست لديه القدرة على إدراك جميع الحقائق ، ومعرفة جميع الأشياء ، وفهم فلسفة جيمع الأحداث ، بل هو معرض للوقوع في الخطأ والاشتباه سواء في معرفة واكتشاف الأشياء ، أو في تحليلها .
الثاني
إن طبع الإنسان – في الأصل – الجهل وعدم المعرفة
كما يقول سبحانه
(( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ))
والآية صريحة في نفي العلم عن الإنسان ، وهذا يعني أن الإنسان كان في الأصل جاهلاً وليس له من المعرفة أي شيء.
وفي آية أخرى يؤكد المولى الباري أن العلم كله لله ، وأن الإنسان لا يمكنه أن يحيط بشيء منه إلاّ بما شاء هو سبحانه وتعالى فيقول جل وعلا :
(( ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء )).
إذن فنحن لم نحط بشيء من العلوم ولم نطلع على شيء من المعارف إلاّ في حدود ماشاء لنا الله سبحانه وتعالى ، وأما ماعدا ذلك فهو في خزائن الله التي لم نطلع عليها ولا نعرف منها إلاّ ماقدره سبحانه وتعالى كما في قوله عز من قائ :
(( وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله إلاّ بقدر معلوم ))والعلم من تلك الأشياء التي في تلك الخزائن ولا حظ لنا منها إلاّ في حدود ما قدره العزيز العليم سبحانه وتعالى .
والواقع أن الله عز وجل لم يرزقنا من علمه إلاّ الشيء القليل كما يقول جلت قدرته وعز سلطانه:
(( وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا ))
وهذا يدل على أن هناك علماً كثيراً لم نطلع عليه
ولا نعرف عنه شيئاً ..... )).
وعليه فإننا حين نسلم ـ جدلاً ـ أننا نجهل حكمة الغيبة والمصالح المترتبه عليها ، فإن مرد ذلك ما شرحناه من قصور العقل وقلة العلم ، وإذا ثبتت عندنا ولادة الإمام المهدي وغيبتهu وجب علينا الاعتقاد بذلك ولا يجب أن نعلم بحكمته والمصالح المترتبه عليه ، ويكفينا أن نعلم أن ذلك من فعل الحكيم المنزهة أفعاله عن العبث والمعللة بالغايات والمصالح .
وهذا هو عين ما أجاب به الإمام الصادق u عبدالله بن الفضل الهاشمي حين سأله عن حكمة غيبة الإمام المهدي u ، فقد كان مما قال له في جوابه :
(( يا بن الفضل ، هذا الأمر ، أمر من أمر الله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم ، صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا )).
و الإمام المهدي u يرشدنا إلى أن العلم بحكمة غيبته والفوائد المترتبة عليها ليس واجباً علينا ، وينصحنا بعدم السؤال عما لا يعنينا ، ويبين لنا أن ما يجب علينا هو الدعاء
له u بتعجيل الفرج
فيقول u لمن سأل عن حكمة غيبته :
(( اغلغوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم )) .
ومع هذا فالإمام u يبين لنا أنه
– وإن كان في غيبته –
إلاّ انه ليس غائباً عنا ، وانه يرعانا ويعمل من أجل صالحنا
ولولا ذلك لهلكنا
فيقول u :
(( نحن وإن كنا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنا نحيط علماً بأنبائكم ، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون .
إنا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء فاتقو الله جل جلاله ، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله ، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا ، والله متم نوره ولو كره المشركون) .
ولك أن تضيف إلى هذا الدليل العقائدي ذلك الدليل الوجداني الذي لا يحسه ولا يعرفه إلاّ المعتقدون بوجود الإمام المنتظر المؤمنون بغيبته العارفون بأن هذه الغيبة لا تعيقه عن الإتصال بنا والإطلاع على أحوالنا والقضاء لحوائجنا والإشراف على أعمالنا ....
فإن لكل ذلك آثاره الإيجابية المنعكسة على نفوسنا ، فكلما وقعنا في شدة توسلنا إلى الله به وسألناه تعالى كشف الكرب بحقه وجاهه u أوتوجهنا إليه صلوات الله عليه مباشرة ورجوناه أن يشفع لنا عند الله وأن يستغفر لنا ذنوبنا كما طلب أخوة يوسف من أبيهم يعقوب أن يستغفر لهم ذنوبهم .
كما أن شعورنا بوجوده ومراقبته يدفعنا إلى تهذيب النفس وإصلاحها وتربيتها على العفة والطهارة حياءً منه u وأملاً في أن يساعدنا ذلك على أن نحظى بقبوله ونكون من أنصاره والمتشرفين بخدمته والسير في ركابه .
وقد نصت الأحاديث الشريفة على بركات وجود الإمام المهدي u وأننا ننتفع به كانتفاعنا بالشمس وإن غيبها السحاب .
ففي الحديث عن جابر بن عبدالله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
(( المهدي من ولدي ، الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان .
فقلت : يارسول الله ، هل لأوليائه الإنتفاع به في غيبته ؟
فقال : والذي بعثني بالحق نبياً ، إنهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس إذا سترها حجاب .
يا جابر ، هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه ،
فاكتمه إلاّ عن أهله )) الينابيع.
وعن الإمام المهدي نفسه u:
(( وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء )).
وأخرج الحمويني ـ وهومن السنة ـ بسنده عن الأعمش عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين
رضي الله عنهم قال:
(( نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالي المسلمين ، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذي بنا تمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذن الله ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض ولولا ما على الأرض منا لاتساخت بأهلها
ثم قال :
ولم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم u من حجة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة فيها ولولا ذلك لم يعبد الله .
قال الأعمش قلت لجعفر الصادق رضي الله عنه :
كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال :
كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب )).
وأذكر أن هذا الحديث مروي عن طريق السنة.
رابعاً / جهلنا بالمنفعة لا يدل على عدمها :
فالأدلة العقلية والنقلية كلها تؤكد انتفاعنا بالإمام المهدي u رغم غيبته u وتثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك والريب ، ولو سلمنا أننا نجهل كيفية الإنتفاع من الإمام وهو غائب فإن ذلك يدل على جهلنا وقصورنا عن إدراك تلك المنفعة ولا يصح أن نأخذ من عدم معرفتنا بتلك المنفعة دليلاً على عدم وجودها للفرق الواضح بين الأمرين وعدم وجود الملازمة بينهما ، وكلنا نعلم أن
عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود
، وأن الإنسان – بعلمه القليل وإدراكه المحدود – لا يتمكن من إدراك كل الحقائق ، ومعرفة فلسفة كل الأمور
وسبق لنا أن قلنا في بعض مؤلفاتنا :
(( إن هذا الإنسان الناقص القاصر – مهما تكاثرت معلوماته ومعارفه إلا أنه لا يمكنه أن يتعرف على جميع الأشياء ولا أن يصل إلى فهم جميع فلسفات الأمور ، بل أن هذا الإنسان
– رغم ما وصل إليه من التقدم العلمي والتكنولوجي –
يبقى ذلك الجاهل الذي يجهل أضعاف ما يعرف ويعلم ، وأنه مهما بحث وحاول فلن يصل إلى معرفة جميع الحقائق وما تنطوي عليه من فلسفة وحكمة ، وذلك لسببين هما كالتالي :
الأول :
أن العقل البشري محدود وليست لديه القدرة على إدراك جميع الحقائق ، ومعرفة جميع الأشياء ، وفهم فلسفة جيمع الأحداث ، بل هو معرض للوقوع في الخطأ والاشتباه سواء في معرفة واكتشاف الأشياء ، أو في تحليلها .
الثاني
إن طبع الإنسان – في الأصل – الجهل وعدم المعرفة
كما يقول سبحانه
(( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ))
والآية صريحة في نفي العلم عن الإنسان ، وهذا يعني أن الإنسان كان في الأصل جاهلاً وليس له من المعرفة أي شيء.
وفي آية أخرى يؤكد المولى الباري أن العلم كله لله ، وأن الإنسان لا يمكنه أن يحيط بشيء منه إلاّ بما شاء هو سبحانه وتعالى فيقول جل وعلا :
(( ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء )).
إذن فنحن لم نحط بشيء من العلوم ولم نطلع على شيء من المعارف إلاّ في حدود ماشاء لنا الله سبحانه وتعالى ، وأما ماعدا ذلك فهو في خزائن الله التي لم نطلع عليها ولا نعرف منها إلاّ ماقدره سبحانه وتعالى كما في قوله عز من قائ :
(( وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزله إلاّ بقدر معلوم ))والعلم من تلك الأشياء التي في تلك الخزائن ولا حظ لنا منها إلاّ في حدود ما قدره العزيز العليم سبحانه وتعالى .
والواقع أن الله عز وجل لم يرزقنا من علمه إلاّ الشيء القليل كما يقول جلت قدرته وعز سلطانه:
(( وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا ))
وهذا يدل على أن هناك علماً كثيراً لم نطلع عليه
ولا نعرف عنه شيئاً ..... )).
وعليه فإننا حين نسلم ـ جدلاً ـ أننا نجهل حكمة الغيبة والمصالح المترتبه عليها ، فإن مرد ذلك ما شرحناه من قصور العقل وقلة العلم ، وإذا ثبتت عندنا ولادة الإمام المهدي وغيبتهu وجب علينا الاعتقاد بذلك ولا يجب أن نعلم بحكمته والمصالح المترتبه عليه ، ويكفينا أن نعلم أن ذلك من فعل الحكيم المنزهة أفعاله عن العبث والمعللة بالغايات والمصالح .
وهذا هو عين ما أجاب به الإمام الصادق u عبدالله بن الفضل الهاشمي حين سأله عن حكمة غيبة الإمام المهدي u ، فقد كان مما قال له في جوابه :
(( يا بن الفضل ، هذا الأمر ، أمر من أمر الله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم ، صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا )).
و الإمام المهدي u يرشدنا إلى أن العلم بحكمة غيبته والفوائد المترتبة عليها ليس واجباً علينا ، وينصحنا بعدم السؤال عما لا يعنينا ، ويبين لنا أن ما يجب علينا هو الدعاء
له u بتعجيل الفرج
فيقول u لمن سأل عن حكمة غيبته :
(( اغلغوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم )) .
ومع هذا فالإمام u يبين لنا أنه
– وإن كان في غيبته –
إلاّ انه ليس غائباً عنا ، وانه يرعانا ويعمل من أجل صالحنا
ولولا ذلك لهلكنا
فيقول u :
(( نحن وإن كنا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنا نحيط علماً بأنبائكم ، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون .
إنا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء فاتقو الله جل جلاله ، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله ، وهي أمارة لأزوف حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا ، والله متم نوره ولو كره المشركون) .