بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
تحدثنا في المقال السابق عن رؤيا دانيال التي وصف فيها مجيء ابن الإنسان، وقلنا هناك أن هذا المجيء حدث أرضي وليس سماوياً كما يتصور المسيحيون، وأن المملكة التي يقيمها هي بدورها مملكة تُقام على هذه الأرض، ووعدنا القارئ بتقديم دليل على هذه الحقيقة من كلام عيسى عليه السلام، فقد ورد في إنجيل متى، وغيره:
( 3وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟ 4فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. 5فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 6وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوب وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 7لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. 8وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. 10وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. 11وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 12وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. 13وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 14وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى.15فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ 16فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 17وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 18وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. 19وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 20وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ، 21لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. 22وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ. 23حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 24لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 25هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. 26فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 27لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 28لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ. 29«وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 30وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا. 32فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 33هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 34اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. 35اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ. 36وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ. 37وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 38لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ، 39وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 40حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ، يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. 41اِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى، تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى.42اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. 43وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. 45فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ 46طُوبَى لِذلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هكَذَا! 47اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. 48وَلكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ الرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. 49فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السُّكَارَى. 50يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، 51فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ )([1]).
هذا النص يبين بجلاء لا لبس فيه إن ما أخبر عنه دانيال النبي ع في رؤياه سيقع كله على هذه الأرض وفي هذا العالم الذي نعيشه، فالحروب والمجاعات والأوبئة كلها تناسب عالمنا هذا، وكذلك نزول رجسة الخراب، أي المملكة الحديدية أو المملكة الرابعة في المكان المقدس، وأيضاً بالتأكيد مجي ابن الإنسان، كل ذلك يحدث في عالمنا هذا، ولذلك نصح عيسى الناس بأن يسهروا ويترقبوا مجيء ابن الإنسان، أو المسيح. والسهر أو الترقب لا يكون له معنى إذا كان متعلقاً بأمر أخروي أو بدينونة الناس التي لن يفلح إنسان في الإفلات منها أو تضييعها، وليس من شك في أن التحفيز على الترقب والانتظار يناسب أمراً يمكن تضييعه.
والنصوص أيضاً تبين أن مجيء ابن الإنسان ومختاريه سيرافقه إلقاء رجسة الخراب إلى وقيد النار وتأسيس دولة العدل الإلهي، أي المملكة التي يحكم فيها المختارون.
وهذا ما توضحه رؤيا أخرى وردت في سفر دانيال، كما يلي:
(31أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. 32رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36هذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ. 37أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. 38وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. 39وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 40وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. 41وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ. 42وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. 43وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. 44وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ)([2]).
إذن المملكة الرابعة في نص الرؤيا السابق هي نفسها المملكة الحديدية في هذه الرؤيا، والمملكة التي تحل بدلاً منها ( مملكة القديسين، أو مملكة العدل الإلهي ) ستكون على هذه الأرض: ( أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا ). وكونه ملأ الأرض كلها يعني انتشاره في كل الأرض.
من هنا يتبين أن ما قال به المسيحيون تفسيراً للرؤيا الواردة في سفر دانيال، من أن المقصود بالمملكة الحديدية هي دولة الرومان، أمر واضح البطلان، فمملكة الله لم تقم بعد دولة الرومان، والظلم لا زال إلى يوم الناس هذا يعمّ الأرض([3]).
للبحث تكملة ستأتي إن شاء الله.
سأنقل الآن نصين عن قاموس الكتاب المقدس يتبين منهما الخلط وسوء الفهم الذي وقع فيه المسيحيون فيما يتعلق بأحداث آخر الزمان:-
النص الأول:
( وقد استعملت عبارة ( ابن الإنسان ) في السفر غير القانوني المنسوب إلى أخنوخ ( ص 46 : 2 و 3 و 48 : 2 و 62 : 7 و 9 و 14 و 63 : 11 و 69 : 26 و 27 و 70 : 1 و 71 : 17) للدلالة على المسيا كما يأتي في يوم القضاء والانتصار )([4]).
النص الثاني:
( ويقول كاتب سفر أخنوخ أن (ابن الإنسان) كان موجودا قبل خلق العالم أنظر ص 48 : 2 و 3 وأنه سيدين العالم أنظر ص 69 : 27 وأنه سيملك على الشعب البار أنظر ص 62 : 1 – 6 )([5]).
في هذين النصين إشارة إلى يوم الدينونة الصغرى أو القيامة الصغرى كما تسميها المصادر الإسلامية، والمقصود منها أن مجيء المسيح المنتظر سيرافقه، كما تحدث عيسى في النص المنقول أعلاه عن إنجيل متى، زلازل وبراكين وحروب والكثير من الآيات الإلهية التي يُصب من خلالها العذاب على أهل الأرض المتمردين على خالقهم عز وجل، ويكون فيه الفصل بين الحق والباطل، ولكل هذا سُمي بيوم القيامة الصغرى. ولأن الحوادث فيه تُشبه الحوادث التي تجري في يوم القيامة الكبرى أو الدينونة الكبرى، أو اليوم الآخر فإن المسيحيين قد وقعوا في اللبس وظنوا هذا اليوم الأرضي هو نفسه اليوم الآخر.
توضيح من رؤيا يوحنا:-
ولو عدنا إلى رؤيا يوحنا، وأعتقد أن القارئ لن تفوته ملاحظة التقارب المضموني الواضح بين هذه الرؤيا والرؤى الواردة في سفر دانيال، فهي تلقي ضوءاً باهراً يكشف كل ما عسى أن يكون غامضاً في رؤى سفر دانيال، أقول في رؤيا يوحنا ما يؤكد أن كل ما وصفته رؤى سفر دانيال سيقع في زمن لاحق لزمن عيسى ع، وبالنتيجة لا يمكن أن تكون رجسة الخراب هي الدولة الرومانية كما ذهب له بعض المفسرين، فقد ورد في الإصحاح الرابع:
( بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً: اصعد إلى هنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا )([6]).
فالأحداث التي تسردها رؤيا يوحنا – وهي الأحداث ذاتها التي صورتها رؤى دانيال – ستقع في زمن لاحق لزمن الرؤيا نفسها وهي متأخرة زمنيا عن عيسىu كما هو معلوم.
وللتدليل على أن الأحداث هنا وهناك واحدة نقتبس من الرؤيا ما يلي:
(12وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ، لكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ. 13هؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ. 14هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ )([7]).
وأيضاً: ( 7لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. 8وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ».9وَقَالَ لِيَ:«اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ … 11ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ )([8]).
إذن ابن الإنسان أو المسيح المنتظر أو الخروف سيحارب ملوك الأرض وسيغلبهم، والحرب هذه حدث أرضي. ومما يؤكده أن المختارين يتم جمعهم، أي تكون هناك دعوة محورها نصرة المسيح المنتظر أو ابن الإنسان، والبعض يفشل في الاختبار، ويمتنع عن الحضور ويأخذ مكانه غيره، ومن بين من ينجحون في الامتحان أناس كانوا مخطئين ثم يتوبون، والتوبة لا تتناسب إلا مع الوجود على الأرض وفي الحياة الدنيا، أما في الآخرة وبعد أن ينتهي الامتحان الإلهي فلا مكان للتوبة، وهذا ما يقوله إنجيل متى:
(1وَجَعَلَ يَسُوعُ يُكَلِّمُهُمْ أَيْضًا بِأَمْثَال قَائِلاً: 2«يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ، 3وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى الْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. 4فَأَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ قَائِلاً: قُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ: هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ! 5وَلكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ، 6وَالْبَاقُونَ أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. 7فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ غَضِبَ، وَأَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولئِكَ الْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ. 8ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. 9فَاذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى الْعُرْسِ. 10فَخَرَجَ أُولئِكَ الْعَبِيدُ إِلَى الطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَارًا وَصَالِحِينَ. فَامْتَلأَ الْعُرْسُ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ )([9]).
وبودي الآن أن أختم ببعض كلمات فقهاء المسيحية حول الموضوع لنرى فيها تخبطهم الواضح في مقاربته، وسأبدأ بالأنبا إثناسيوس الذي يعلق على نص إنجيل متى التالي: (23وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ.)([10]) بقوله: (لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان) لها احد معنيين:
1- إن الرب لا يصل إلى أورشليم حتى يكون الرسل قد انتهوا من نشر دعوته في جميع مدن إسرائيل.
2- إن الدينونة لا تجيء قبل أن تتم الكرازة لجميع إسرائيل الجديد الذي هو الكنيسة وتخلص آخر نفس من أولاد الله )([11]).
يقصد الأنبا في المعنى الأول إن عيسى قبل رفعه لا يدخل أورشليم إلا بعد أن يبلغ التلاميذ كامل مدن إسرائيل، وهو ما لم يحصل بدليل استمرارية تبليغهم في هذه المدن بعد رفع عيسى ع، وعليه لا يمكن أن يكون هذا المعنى مقصوداً لكلمة عيسى ع. وعلينا أن نلاحظ هنا إن الأنبا يفهم مجيء ابن الإنسان في هذا المعنى الأول على أنه حدث أرضي، ولكنه يحدده على أنه الدخول الأول لعيسى ع إلى أورشليم، على الرغم من وضوح النص في الإشارة إلى أحداث مستقبلية تتحقق بعد رفع عيسى عن الأرض.
وهذا هو السياق الذي ورد فيه حديثه:
(16هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. 17وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. 18وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. 19فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، 20لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. 21وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ، 22وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 23وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ )([12]).
ولو سألنا الأنبا: متى أُسلم التلاميذ، ومتى حدث إن الأخ يُسلم أخاه إلى الموت، والأب ولده ؟ أليس كل هذا حدث بعد رفع عيسى؟
طبعاً عيسى ع كان يتحدث عن الأوقات الصعبة التي سيمر بها العالم قبل أن يأذن الله بتحقق دولة العدل الإلهي، ولكن الأنبا لا يقرأ النصوص كما يفعل الناس، فهو لديه عقيدة مسبقة يريد إخضاع النصوص لها.
ومن هنا هو يضع احتمالين لفهم النص على الرغم من معرفته بأن ما قاله في المعنى الأول لا يعدو عن كونه مغالطة واضحة.
أما المعنى الثاني فيقصد منه أن مجيء ابن الإنسان يحدث بعد أن يتم التكريز أو الدعوة والتبشير بين الأمم الذين سيدخلون المسيحية ويصبحوا بديل إسرائيل أي إسرائيل مجازا، وتكون الكنيسة هي أورشليم الجديدة !
ليقرأ الأنبا معي هذا النص:
(1وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ، 2قِائِلاً: كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. 3وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي!. 4وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، 5فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي!. 6وَقَالَ الرَّبُّ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. 7أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ 8أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟ )([13]).
والآن أسأله: أليس هؤلاء المختارون الصارخون نهاراً وليلاً هم من أبناء الأرض؟ أليس عيسى ع قال إن الله ينصفهم سريعاً، فكيف يظن الأنبا إن هذا الإنصاف سيتأخر إلى ما بعد عالم الدنيا؟ ثم عن أي أورشليم مجازية يتحدث الأنبا؟ ألعله يظن أن ابن الإنسان متى جاء يجد إيماناً على الأرض؟ نعم على الأرض وليس في عالم آخر.
كان أجدر بالأنبا أن يتحلى بشجاعة الدكتور وليم أدي الذي يقول عن (رجسة الخراب):
( لا ريب إن الرسل – أي التلاميذ – عرفوا ما أراد المسيح برجسة الخراب لكن يعسر علينا الآن معرفته)([14]).
ومثله يقول متى هنري: إن النصارى لا يجدون تبريرا للمراد من رجسة الخراب([15]).
نعم هم يجهلون ولكنهم مع ذلك لا يعترفون لأن الاعتراف يكلفهم مراجعة عقيدتهم كما لا يخفى، وإلا لو تساءلنا: كيف يتصور المسيحيون مجيء ابن الإنسان مع ملائكته؟ هل يعتقدون مثلاً انه ينزل من السماء بموكب مهيب نوراني تضج فيه الملائكة؟ وكيف لا يكون مثل هذا المنظر مرئيا ومتيقنا من الناس ليأتي عيسى ع ويقول من قال لكم انه هنا أو هناك لا تصدقوه؟ أليس الكلمة الأخيرة دالة على انه يكون في الأرض كرجل عادي؟ للبحث بقية ستأتي إن شاء الله.
([1]) متى: 24. وانظر: مرقس: 13
([2]) دانيال: 2.
([3]) سيأتي تفسير رؤيا دانيال في محله من هذا الكتاب.
([4]) قاموس الكتاب المقدس – مجمع الكنائس الشرقية – ص 124
([5]) نفسه ص32
([6]) رؤيا يوحنا:4- 1.
([7]) رؤيا:17.
([8]) رؤيا:19.
([9]) متى:22.
([10]) متى:10.
([11]) تفسير متى: ص160 نقلا عن حجازي: المصدر السابق ج2ص167- 168
([12]) متى: 10.
([13]) لوقا:18.
([14]) الكنز الجليل: ج1 ص336 نقلا عن حجازي: المصدر السابق ج2 ص207.
([15]) تفسير انجيل متى: ج 4 ص142 نقلا عن حجازي ج2ص307.
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 32 – السنة الثانية – بتاريخ 1-3-2011 م – 25 ربيع الأول 1432 هـ.ق)
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
تحدثنا في المقال السابق عن رؤيا دانيال التي وصف فيها مجيء ابن الإنسان، وقلنا هناك أن هذا المجيء حدث أرضي وليس سماوياً كما يتصور المسيحيون، وأن المملكة التي يقيمها هي بدورها مملكة تُقام على هذه الأرض، ووعدنا القارئ بتقديم دليل على هذه الحقيقة من كلام عيسى عليه السلام، فقد ورد في إنجيل متى، وغيره:
( 3وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟ 4فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. 5فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 6وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوب وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 7لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. 8وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. 10وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. 11وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 12وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ. 13وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 14وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى.15فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ 16فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 17وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 18وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. 19وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 20وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ، 21لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. 22وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ. 23حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 24لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 25هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. 26فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 27لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 28لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ. 29«وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 30وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا. 32فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 33هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 34اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. 35اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ. 36وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ. 37وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 38لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ، 39وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 40حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ، يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. 41اِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى، تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى.42اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. 43وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. 45فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ 46طُوبَى لِذلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هكَذَا! 47اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. 48وَلكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ الرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. 49فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السُّكَارَى. 50يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، 51فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ )([1]).
هذا النص يبين بجلاء لا لبس فيه إن ما أخبر عنه دانيال النبي ع في رؤياه سيقع كله على هذه الأرض وفي هذا العالم الذي نعيشه، فالحروب والمجاعات والأوبئة كلها تناسب عالمنا هذا، وكذلك نزول رجسة الخراب، أي المملكة الحديدية أو المملكة الرابعة في المكان المقدس، وأيضاً بالتأكيد مجي ابن الإنسان، كل ذلك يحدث في عالمنا هذا، ولذلك نصح عيسى الناس بأن يسهروا ويترقبوا مجيء ابن الإنسان، أو المسيح. والسهر أو الترقب لا يكون له معنى إذا كان متعلقاً بأمر أخروي أو بدينونة الناس التي لن يفلح إنسان في الإفلات منها أو تضييعها، وليس من شك في أن التحفيز على الترقب والانتظار يناسب أمراً يمكن تضييعه.
والنصوص أيضاً تبين أن مجيء ابن الإنسان ومختاريه سيرافقه إلقاء رجسة الخراب إلى وقيد النار وتأسيس دولة العدل الإلهي، أي المملكة التي يحكم فيها المختارون.
وهذا ما توضحه رؤيا أخرى وردت في سفر دانيال، كما يلي:
(31أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ. هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ قُبَالَتَكَ، وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ. 32رَأْسُ هذَا التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. 33سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. 34كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. 35فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الْحَدِيدُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ فِي الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. 36هذَا هُوَ الْحُلْمُ. فَنُخْبِرُ بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ. 37أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّمَاوَاتِ أَعْطَاكَ مَمْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا. 38وَحَيْثُمَا يَسْكُنُ بَنُو الْبَشَرِ وَوُحُوشُ الْبَرِّ وَطُيُورُ السَّمَاءِ دَفَعَهَا لِيَدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا. فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ. 39وَبَعْدَكَ تَقُومُ مَمْلَكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمَمْلَكَةٌ ثَالِثَةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. 40وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالْحَدِيدِ، لأَنَّ الْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هؤُلاَءِ. 41وَبِمَا رَأَيْتَ الْقَدَمَيْنِ وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالْمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّكَ رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ. 42وَأَصَابِعُ الْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ الْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيًّا وَالْبَعْضُ قَصِمًا. 43وَبِمَا رَأَيْتَ الْحَدِيدَ مُخْتَلِطًا بِخَزَفِ الطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ النَّاسِ، وَلكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ الْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْخَزَفِ. 44وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 45لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ)([2]).
إذن المملكة الرابعة في نص الرؤيا السابق هي نفسها المملكة الحديدية في هذه الرؤيا، والمملكة التي تحل بدلاً منها ( مملكة القديسين، أو مملكة العدل الإلهي ) ستكون على هذه الأرض: ( أَمَّا الْحَجَرُ الَّذِي ضَرَبَ التِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا ). وكونه ملأ الأرض كلها يعني انتشاره في كل الأرض.
من هنا يتبين أن ما قال به المسيحيون تفسيراً للرؤيا الواردة في سفر دانيال، من أن المقصود بالمملكة الحديدية هي دولة الرومان، أمر واضح البطلان، فمملكة الله لم تقم بعد دولة الرومان، والظلم لا زال إلى يوم الناس هذا يعمّ الأرض([3]).
للبحث تكملة ستأتي إن شاء الله.
سأنقل الآن نصين عن قاموس الكتاب المقدس يتبين منهما الخلط وسوء الفهم الذي وقع فيه المسيحيون فيما يتعلق بأحداث آخر الزمان:-
النص الأول:
( وقد استعملت عبارة ( ابن الإنسان ) في السفر غير القانوني المنسوب إلى أخنوخ ( ص 46 : 2 و 3 و 48 : 2 و 62 : 7 و 9 و 14 و 63 : 11 و 69 : 26 و 27 و 70 : 1 و 71 : 17) للدلالة على المسيا كما يأتي في يوم القضاء والانتصار )([4]).
النص الثاني:
( ويقول كاتب سفر أخنوخ أن (ابن الإنسان) كان موجودا قبل خلق العالم أنظر ص 48 : 2 و 3 وأنه سيدين العالم أنظر ص 69 : 27 وأنه سيملك على الشعب البار أنظر ص 62 : 1 – 6 )([5]).
في هذين النصين إشارة إلى يوم الدينونة الصغرى أو القيامة الصغرى كما تسميها المصادر الإسلامية، والمقصود منها أن مجيء المسيح المنتظر سيرافقه، كما تحدث عيسى في النص المنقول أعلاه عن إنجيل متى، زلازل وبراكين وحروب والكثير من الآيات الإلهية التي يُصب من خلالها العذاب على أهل الأرض المتمردين على خالقهم عز وجل، ويكون فيه الفصل بين الحق والباطل، ولكل هذا سُمي بيوم القيامة الصغرى. ولأن الحوادث فيه تُشبه الحوادث التي تجري في يوم القيامة الكبرى أو الدينونة الكبرى، أو اليوم الآخر فإن المسيحيين قد وقعوا في اللبس وظنوا هذا اليوم الأرضي هو نفسه اليوم الآخر.
توضيح من رؤيا يوحنا:-
ولو عدنا إلى رؤيا يوحنا، وأعتقد أن القارئ لن تفوته ملاحظة التقارب المضموني الواضح بين هذه الرؤيا والرؤى الواردة في سفر دانيال، فهي تلقي ضوءاً باهراً يكشف كل ما عسى أن يكون غامضاً في رؤى سفر دانيال، أقول في رؤيا يوحنا ما يؤكد أن كل ما وصفته رؤى سفر دانيال سيقع في زمن لاحق لزمن عيسى ع، وبالنتيجة لا يمكن أن تكون رجسة الخراب هي الدولة الرومانية كما ذهب له بعض المفسرين، فقد ورد في الإصحاح الرابع:
( بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً: اصعد إلى هنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا )([6]).
فالأحداث التي تسردها رؤيا يوحنا – وهي الأحداث ذاتها التي صورتها رؤى دانيال – ستقع في زمن لاحق لزمن الرؤيا نفسها وهي متأخرة زمنيا عن عيسىu كما هو معلوم.
وللتدليل على أن الأحداث هنا وهناك واحدة نقتبس من الرؤيا ما يلي:
(12وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ، لكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ. 13هؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ. 14هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ )([7]).
وأيضاً: ( 7لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. 8وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ».9وَقَالَ لِيَ:«اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ … 11ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ )([8]).
إذن ابن الإنسان أو المسيح المنتظر أو الخروف سيحارب ملوك الأرض وسيغلبهم، والحرب هذه حدث أرضي. ومما يؤكده أن المختارين يتم جمعهم، أي تكون هناك دعوة محورها نصرة المسيح المنتظر أو ابن الإنسان، والبعض يفشل في الاختبار، ويمتنع عن الحضور ويأخذ مكانه غيره، ومن بين من ينجحون في الامتحان أناس كانوا مخطئين ثم يتوبون، والتوبة لا تتناسب إلا مع الوجود على الأرض وفي الحياة الدنيا، أما في الآخرة وبعد أن ينتهي الامتحان الإلهي فلا مكان للتوبة، وهذا ما يقوله إنجيل متى:
(1وَجَعَلَ يَسُوعُ يُكَلِّمُهُمْ أَيْضًا بِأَمْثَال قَائِلاً: 2«يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ، 3وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى الْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. 4فَأَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ قَائِلاً: قُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ: هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ! 5وَلكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ، 6وَالْبَاقُونَ أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. 7فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ غَضِبَ، وَأَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولئِكَ الْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ. 8ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. 9فَاذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى الْعُرْسِ. 10فَخَرَجَ أُولئِكَ الْعَبِيدُ إِلَى الطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَارًا وَصَالِحِينَ. فَامْتَلأَ الْعُرْسُ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ )([9]).
وبودي الآن أن أختم ببعض كلمات فقهاء المسيحية حول الموضوع لنرى فيها تخبطهم الواضح في مقاربته، وسأبدأ بالأنبا إثناسيوس الذي يعلق على نص إنجيل متى التالي: (23وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ.)([10]) بقوله: (لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان) لها احد معنيين:
1- إن الرب لا يصل إلى أورشليم حتى يكون الرسل قد انتهوا من نشر دعوته في جميع مدن إسرائيل.
2- إن الدينونة لا تجيء قبل أن تتم الكرازة لجميع إسرائيل الجديد الذي هو الكنيسة وتخلص آخر نفس من أولاد الله )([11]).
يقصد الأنبا في المعنى الأول إن عيسى قبل رفعه لا يدخل أورشليم إلا بعد أن يبلغ التلاميذ كامل مدن إسرائيل، وهو ما لم يحصل بدليل استمرارية تبليغهم في هذه المدن بعد رفع عيسى ع، وعليه لا يمكن أن يكون هذا المعنى مقصوداً لكلمة عيسى ع. وعلينا أن نلاحظ هنا إن الأنبا يفهم مجيء ابن الإنسان في هذا المعنى الأول على أنه حدث أرضي، ولكنه يحدده على أنه الدخول الأول لعيسى ع إلى أورشليم، على الرغم من وضوح النص في الإشارة إلى أحداث مستقبلية تتحقق بعد رفع عيسى عن الأرض.
وهذا هو السياق الذي ورد فيه حديثه:
(16هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. 17وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. 18وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. 19فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، 20لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. 21وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ، 22وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 23وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ فَاهْرُبُوا إِلَى الأُخْرَى. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ )([12]).
ولو سألنا الأنبا: متى أُسلم التلاميذ، ومتى حدث إن الأخ يُسلم أخاه إلى الموت، والأب ولده ؟ أليس كل هذا حدث بعد رفع عيسى؟
طبعاً عيسى ع كان يتحدث عن الأوقات الصعبة التي سيمر بها العالم قبل أن يأذن الله بتحقق دولة العدل الإلهي، ولكن الأنبا لا يقرأ النصوص كما يفعل الناس، فهو لديه عقيدة مسبقة يريد إخضاع النصوص لها.
ومن هنا هو يضع احتمالين لفهم النص على الرغم من معرفته بأن ما قاله في المعنى الأول لا يعدو عن كونه مغالطة واضحة.
أما المعنى الثاني فيقصد منه أن مجيء ابن الإنسان يحدث بعد أن يتم التكريز أو الدعوة والتبشير بين الأمم الذين سيدخلون المسيحية ويصبحوا بديل إسرائيل أي إسرائيل مجازا، وتكون الكنيسة هي أورشليم الجديدة !
ليقرأ الأنبا معي هذا النص:
(1وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ، 2قِائِلاً: كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. 3وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي!. 4وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، 5فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي!. 6وَقَالَ الرَّبُّ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. 7أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ 8أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا! وَلكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟ )([13]).
والآن أسأله: أليس هؤلاء المختارون الصارخون نهاراً وليلاً هم من أبناء الأرض؟ أليس عيسى ع قال إن الله ينصفهم سريعاً، فكيف يظن الأنبا إن هذا الإنصاف سيتأخر إلى ما بعد عالم الدنيا؟ ثم عن أي أورشليم مجازية يتحدث الأنبا؟ ألعله يظن أن ابن الإنسان متى جاء يجد إيماناً على الأرض؟ نعم على الأرض وليس في عالم آخر.
كان أجدر بالأنبا أن يتحلى بشجاعة الدكتور وليم أدي الذي يقول عن (رجسة الخراب):
( لا ريب إن الرسل – أي التلاميذ – عرفوا ما أراد المسيح برجسة الخراب لكن يعسر علينا الآن معرفته)([14]).
ومثله يقول متى هنري: إن النصارى لا يجدون تبريرا للمراد من رجسة الخراب([15]).
نعم هم يجهلون ولكنهم مع ذلك لا يعترفون لأن الاعتراف يكلفهم مراجعة عقيدتهم كما لا يخفى، وإلا لو تساءلنا: كيف يتصور المسيحيون مجيء ابن الإنسان مع ملائكته؟ هل يعتقدون مثلاً انه ينزل من السماء بموكب مهيب نوراني تضج فيه الملائكة؟ وكيف لا يكون مثل هذا المنظر مرئيا ومتيقنا من الناس ليأتي عيسى ع ويقول من قال لكم انه هنا أو هناك لا تصدقوه؟ أليس الكلمة الأخيرة دالة على انه يكون في الأرض كرجل عادي؟ للبحث بقية ستأتي إن شاء الله.
([1]) متى: 24. وانظر: مرقس: 13
([2]) دانيال: 2.
([3]) سيأتي تفسير رؤيا دانيال في محله من هذا الكتاب.
([4]) قاموس الكتاب المقدس – مجمع الكنائس الشرقية – ص 124
([5]) نفسه ص32
([6]) رؤيا يوحنا:4- 1.
([7]) رؤيا:17.
([8]) رؤيا:19.
([9]) متى:22.
([10]) متى:10.
([11]) تفسير متى: ص160 نقلا عن حجازي: المصدر السابق ج2ص167- 168
([12]) متى: 10.
([13]) لوقا:18.
([14]) الكنز الجليل: ج1 ص336 نقلا عن حجازي: المصدر السابق ج2 ص207.
([15]) تفسير انجيل متى: ج 4 ص142 نقلا عن حجازي ج2ص307.
( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 32 – السنة الثانية – بتاريخ 1-3-2011 م – 25 ربيع الأول 1432 هـ.ق)