بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وال محمد الائمه والمهدیین وسلم تسلیما
آريوس (256 - 336 م ) لاهوتي نصراني من سكانالإسكندرية، وهو مؤسس مذهب الآريوسية في الديانة المسيحية الذي يقول بأنّ السيدالمسيح مخلوق وليس بإله. وقد رفض مجمع نيقية عام 325 هذا المذهب واعتبره ضربا ً منالهرطقة.
نشأته
ولد أريوس في قورينا ( ليبيا الحالية) عام ؟270 م ،لأباسمه أمونيوس من أصل ليبي أو أمازيغ[1]. . بعد منتصف القرن الثالث بقليل، ودرستعليمه اللاهوتي بمدرسة لوكيانوس بأنطاكية حيث كان زميل دراسة لبعض الأشخاص الذينأرتقوا فيما بعد إلى درجات الرئاسة الكهنوتية. وهم الذين عضدوه ودفعوا به للمضى فيطريق الكفاح لأجل نشر أفكاره.
وكل هؤلاء الزملاء الذين درسوا في مدرسةلوكيانوس صاروا يلقبون بأسم "اللوكيانيين" أو "الاتحاد اللوكيانى". وهذا لا يمنع أنآريوس درس أيضاً في مدرسة الاسكندرية اللاهوتية قبل دراسته بأنطاكية.
ويمكنأن يقال أن آريوس جمع في تعليمه بين إتجاهين مختلفين لمدرستى أنطاكية والاسكندرية. وفيما بعد أخذ المنتمون لمدرسة أنطاكية يهاجمونه ويتهمونه بأنه سكندرى، في حين أنالمنتمين إلى مدرسة الأسكندرية كانوا يحاربونه متهمينه بأنه أنطاكى.
أستوطنأريوس في الاسكندرية حيث رسمه الأسقف بطرس كاهنا.. وأظهر في أول حياته ميولاًمتعصبة متمردة لأنه قبل رسامته وبعدها كان منضماً للأسقف المنشق ميليتوس أسقفليكوبوليس (أسيوط).
ولهذا السبب جرد من رتبته الكهنوتية، إلا أنه فيما بعدأعيد مرة أخرى إلى رتبته على يد الأسقف أخيلاس خليفة الأسقف بطرس. وما لبث أن عملعلى تأييد انتخاب الكسندروس أسقفاً للاسكندرية خلفاً لأخيلاس. وإن كان أريوس نفسهقد أستطاع بتأثير ثقافته وصفاته الشخصية أن يصير ذو شأن كبير فيالمدينة.
إلا أنه بعد بضعة سنوات (حوالي عام 318م) اصطدم مع الكسندروس بسببالإختلاف حول تفسير نص في الكتاب المقدس خاص بشخص ابن الله. وكان الكسندروس قدأعطاه – كما أعتاد الأسقف أن يفعل مع الكهنة – موضوعاً ليبحثه. وفى الشرح الذى قدمهأريوس حاول أن يعبر عن ابن الله بمفاهيم مخالفة للإيمان المستقيم.
رأىالكسندروس في تقرير آريوس محاولة للتقليل من شأن ابن الله وتحقيره… وأثبتتالاتصالات بين الرجلين على أن آريوس أصر على رأيه وأعتبر أفكار الكسندروس أنهاسابيلية(1). وبالرغم من هذا فإن الأسقف لم يتعجل في اتخاذ أى اجراء ضد كاهنه. إلاأنه فيما بعد أضطر الأسقف أن يتخذ قراراً من مجمع قسوس الكنيسة، أدان فيه أريوسبسبب بدعته وقطعه من شركة الكنيسة.
رحل أريوس إلى فلسطين ثم اتجه إلى سوريافاسيا الصغرى. وتمكن من أن يجمع حوله عدد من الأساقفة وافقوه على آرائه، وكان منبين هؤلاء "أوسابيوس أسقف فيقوميديا" اللوكيانى، "وأوسانيوس أسقف قيصرية" الأوريجانى. وان الأساقفة الذين تجمعوا حوله قد أيدوه وبرأوه في مجمع عقدوه. وطالبوا بأن يعود مرة أخرى إلى الكنيسة.. وسرعان من كتب أريوس أقراراً وافقوا عليهفي مجمع عقدوه في نيقوميديا، وأرسله كرسالة إلى أسقف الاسكندرية الذى رفضه. ودعابالطبع إلى مجمع بالاسكندرية سنة 318م اعتمد ادانة أريوس.
وبعد ذلك بقليل،بسبب الاضطرابات التي نشأت نتيجة للمصادمات التي وقعت بين قسطنطين الكبيروليكينيوس، تمكن آريوس من العودة مرة أخرى إلى الاسكندرية. حيث أخذ بعمل بحماس شديدوبأساليب مبتكرة لأجل ترويج أرائه ونشرها بين الجماهير عن طريق الأحاديث والأشعار… وقد ساعد على نشر أريوسيته ما كان يظهر به أريوس من مظاهر الورع والتقوى إلى جانبما يتصف به من الكبرياء والتباهى وحبه للنضال.. وكان يجرى مباحثاته اللاهوتية معالشعب. فأنتهز الوثنيون تلك الفرصة وأخذوا يسخرون من المسيحية في مسارحهم بسبب تلكالمناقشات(2).
المجمع المسكونى الأول
Crystal Clear app kdict.png مقالتفصيلي :مجمع نيقية
وهكذا أثار هذا الموقف قلق قادة الكنيسة. كما أزعجالامبراطور أيضاً، الذى رأى أن هذه المشاكل ستكون خطراً على السلام الذى حققه بجهودمضنية وكفاح مرير ولكنه لم يتوقع أن تكون خطراً على السلام على المدى البعيد. لذلكفهو إذ رأى أن هذه المعركة تبدو أمراً تافهاً لا يستحق أن يصدر له نطقاً سامياً،فأكتفى بأن أرسل "هوسيوس" أسقف قرطبة بأسبانيا إلى الاسكندرية بخطاب إلى رؤساءالأطراف المتنازعة(3). ولكن هذه المحاولة لم تأت بأية نتيجة. عندئذ دعا الأمبراطورإلى مجمع عام يعقد في نيقية عام 325 والذى أشتهر بأسم، "المجمع المسكونىالأول"…
وقد أدان هذا المجمع تعاليم أريوس وحرم أسقف نيقوميدية مع ثلاثةأساقفة أخرين لتأييدهم لتعاليم أريوس. أما أريوس فأنه في البدء أُرسل إلى نيقوميديامكبلاً بالقيود، ثم نفى بعد ذلك إلى الليريا… ألا أنه على الرغم من هذه التدابيرفإن هذه المحاولة للتهدئة لم تنجح، لأن أصدقاء أريوس أستمروا في نشر مبادئهوتعاليمه… ولذا أقتنع قسطنطين – بواسطة العناصر المهادنة للأريوسية والمحبة لها،وتأثر بهم. مما جعله يستدعى أريوس من منفاه عام 327. وبعد تحريض من أسقف نيقوميدياعرضوا صيغة اعتراف إيمان على الأمبراطور أخفوا عنه فيها. حقيقة عقيدة أريوس، وكانتكنيسة نيقوميديا قد وافقت على هذه الصيغة في المجمع الذى عقد بها. إلا أنالأرثوذكسيين لم يجبروا على منح أريوس العفو. حتى أن الكسندروس أسقف الأسكندريةوأثناسيوس الذى خلفه لم يقبلاه في الاسكندرية.
ولم يرغب قسطنطين حينئذ أنيؤزم المسائل أكثر بأن يفرض على أسقف الاسكندرية – بأن يقل أريوس. بل أنه في الواقععندما طلب أنصار أريوس من الأمبراطور – برسالة محررة بلهجة شديدة – أن يتدخل لأجلتأمين عودة أريوس إلى الاسكندرية، غضب قسطنطين وأعاد أدانتهم بمرسوم آخر أسماهم فيه "بالبورفوريين" أى أنهم مشايعون لتعليم "بورفيريوس"(4).
وبعد وساطات متعددةغيروا مرة أخرى من مشاعر قسطنطين ورحل أريوس إلى القسطنطينية حيث أعترف بالإيمانالأرثوذكسى أمام الأمبراطور وتمسك بأن يصير مقبولاً بطريقة رسمية على نطاق أوسعبالكنيسة. إلا أن الأمر بتحديد موعد بقبوله في كنيسة القسطنطينية قد تلاشى نهائياً،إذ أن أريوس سقط ومات في مرحاض عام فجأة ليلة الموعد المحدد لقبوله(5). (يعتقد بشدةان آريوس مات مسموما وواقعة موتة هو انه كان يسير برفقة زملائة فباغتة مغص شديدفإستأذنهم ليلبي نداء الطبيعة ولكنة فوجئ بخروج الدم وقطع من لحم بطنه وأمعائة..ثمسقط ميتا من فوره فوق ماخرج من بطنة) *عن سيرة الراهب المصري هيبا المترجمة للعربيةبرواية عزازيل للكاتب المصري يوسف زيدان.
مؤلفاته
أستحوذ أريوس على مركزهام في التاريخ الكنسى، لكنه لم يترك أثاراً كثيرة. فقد كتب أعمالاً قليلة نسبياًوصلنا منها النذر اليسير. وهذه الكتابات التي وصلتنا عبارة عن رسائل خارجية. إلاأنها في واقع الأمر تحوى إعترافاته وهى:-
(أ) رسالة إلى أسقفنيقوميدية
وقد حفظها لنا إبيفانيوس في كتابه "باناريون"(6). وكذلكثيئودوريتس في كتابه "التاريخ الكنسى"(7). وفى هذه الرسالى يحتج على تحاملالكسندروس ضده وضد أتباعه ويعرض أراءه وتعاليمه في صراحة تامة. ويقول أن الابن إلهلكنه "ليس غير مولود Agenntos" "ولا جزء من غير المولود" وفى النهاية يستنجدباوسابيوس أسقف نيقوميديا مسميا إياه أنه من "الاتحاد اللوكيانى".
(ب) رسالة إلىالكسندروس أسقف الاسكندرية
حفظت هذه الرسالة في أعمال "أثناسيوس عنالمجامع"(8). وفى كتاب "باناريون" لابيفانيوس(9). كما حفظت باللغة اللاتينية فيكتاب "الثالوث لايلارى"(10). وهى الاعتراف الإجمالى إلى كان قد قدمه لمجمعنيقوميديا الأول والذى عقده الأريوسيون المنفيون. وفى هذه الرسالة تحاشى التعبيراتالمثيرة وأعتبر أن "الأبن قد ولد قبل كل الدهور". إلا أنه لم يكن موجوداً من قبل أنيولد.
(ج) اعتراف الإيمان
حفظت هذه الرسالة في التاريخ الكنسى لسقراط(11) والتاريخ الكنسى لسوزومينوس(12). وفى هذه الرسالة حجب عقيدته الحقيقية وقال بأنالإبن قد ولد قبل كل الدهور (لأنه لو كتبت كلمة gegennimenos المولود" بحذف حرف n منها أى gegenimenos لتغير معناها وأصبحت تعنى المخلوق وليس المولود.
(د) "ثاليــا"
حفظ أثناسيوس في كتاباته بعض نصوص هذا الكتاب(13). وكلمة "ثالثا" معناها مأدبة أدبية. وقد دبجها كلها تقريباً بأبيات منظومة وبلحن نسائى. وفىإفتتاحيتها نجده يظهر نفسه أنه مملوء بالعقيدة والعواطف الشجية عندما يتعرض للحديثعن الله..
"بحسب إيمان مختارى الله… عارفى الله…
أبناء قديسين. ذوىالتعاليم الشرعية الثابتة.. حاصلين على روح الله القدس…
أنا نفسى تعلمت هذا .. من حكمة المشاركين.. السابقين.. عارفى الله..
حسب كل أقوال الحكماء.. أتيتأنا مقتفياً أثر كل هؤلاء..
وأنا ذو السمعة الحميدة.. متمش بنفسالعقيدة..
ومتحمل كثيراً من أجل مجد الله.. بنفس حكمة الله..
وفيماعدا هذا، يبدو أنه كان لأريوس مجموعة أخرى من الأشعار لكل مناسبة من مناسباتالحياة(14). (كما أشار بذلك أثناسيوس) في المجموعة التي تسمى "البحرية"، "الرحى" "الرحلة".. الخ.
ووفقاً لما يقوله أثناسيوس فإن كل هذه القصائد قد دبجتبلهجة ونغمة داعرة مثل التي كان يكتب بها سوتيادوس أشعاره القومية.. كانوا يتغنونبها في مأدبهم بضجيج ضخب وعبث..
تعاليم أريوس
لا يتضح من تعاليم أريوستناسقاً في كل ما وصلنا من نصوصه حيث أن بعضها كانت تخفى وراءها واقع الأمروحقيقته. إذ كانت تعاليمه مضللة.. ويبدو هذا جلياً في رسالته إلى أسقف نيقوميدية،وفى باقته الشعرية "ثالثا". ولم تقتصر تعاليمه هذه على مدرسة واحدة، كما قال كثيرون – أى أنها لم تنطلق لا عن وحدانية الله الكتابية التي أعتنقها الأنطاكيون المتطرفونالذين أعتقدوا بأن الابن تهذب وتشكل بهبوط قوة إلهية مجردة على يسوع..، كما أنها لمتنطلق عن فكرة الوحدانية التي أعتنقها السكندريون المتطرفون الذين أعتقدوا بأن هذهالوحدانية الإلهية اتسعت لتحوى كل الموجودات الإلهية، بل هى نشأت عن فلسفةالوحدانية. وحيث أن أريوس كان موحداً متطرفاً فإنه أراد أن يؤكد أن الله كان واحداًوأنه في نفس الوقت متحول. أن حل وحدانية الله إنما سيعنى تمييزالله إلى أب وابن. أما حل التحول إنما سيكون بواسطة خليقة هذا العالم. وهو أمر سئ في كلالأحوال.
وبحسب هذه الأفكار، فإن الله واحد، غير مولود وحده، سرمدى وحده،ليس له بداية وحده. الحقيقى وحده، الذى له الخلود وحده(15). وبجانب الله، لا يوجدكائن آخر.. ولكن عن طريقه توجد قوة عامة (لا شخصية) هى "الحكمة والكلمة".. وهذهالتعاليم مأخوذة عن "الوحدانية المقتدرة" التي لبولس الساموساطى. ولكن فكرهاللاهوتى يوضح اعتماداً أكثر على "المدافعين". وتأثيرات "الغنوسيين". فيما أن اللهكان واحداً فهو لم يكن أباً "الله لم يكن دائماً أباً. أما فيما بعد فقد صارأباً".
ولقد صار الله أباً عندما أراد أن يخلق العالم. عندئذ خلق كائناًواحداً. هذا الكائن أسماه الابن، ويسمى استعاريا الكلمة أو الحكمة.
إذن فحسبتعاليم أريوس توجد حكمتان:
1. - قوة الله الواحدة العامة.
2. - وكائنإلهى ذاتى واحد. وهذا الكائن هو الحكمة الثانية الذى جاء إلى الوجود من العدم. ومنثم فهو مخلوق. إذ يقول "كلمة الله ذاته خلق من العدم.. وكان هناك وقت ما حينما لميكن موجوداً. وقبل أن يصير لم يكن موجوداً.. بل أنه هو نفسه أول الخليقة لأنه صار" ويقول أيضاً "الله وحده كان وحده دون أن يكون هناك الكلمة والحكمة.. ومن بعد ذلكعندما أراد أن يخلقنا عندئذ بالضبط خلق شخصاً وهو الذى دعاه الكلمة والابن، وذلك كىيخلقنا بواسطته"(17). ولكى يؤيد تعاليمه استخدم نصاً خاصاً اقتبسه من سفر الأمثال: "الرب أقامنى أول طرقه.." (أم22:8)، وكان أوريجانوس من قبل قد تحدث عن "خضوعالابن"، كما تحدث عن "ميلاد الكلمة الأزلى" وهنا أخذ أريوس الجزء الأول فقط منتعايم أوريجانوس، وذلك عندما أضطر فيما بعد أن يقر "بالميلاد قبل الدهور" مفسراًذلك بأنه يعنى فقط الزمن الذى سبق خلقه العالم.
فعند أريوس. يبدأ هذا العالمبخلق الابن، عندما بدأ الزمن أيضاً أن يوجد.. والابن هو المولود الأول ومهندسالخليقة.. ومن المستحيل عنده أن يعتبر الابن إله كامل. ويعتبر أن معرفته محدودةلأ،ه لا يرى الآب ولا يعرفه.. والأمر الأكثر أهمية أنه يمكن أن يتحول ويتغير كمايتحول ويتغير البشر.. "وبحسب الطبيعة فإنه مثل جميع الكائنات، هكذا أيضاً الكلمةذاته قابل للتغيير والتحويل ولكن بنفس أرادته المطلقة، طالما أنه يرغب في أن يبقىصالحاً.. حينئذ عندما يريد فإنه في استطاعته هو أيضاً أن يتحول مثلنا، حيث أنطبيعته قابلة للتغير"(18).
أن بولس الساموساطى استعمل اصطلاح "القدرة علىالاكتمال الذى أتخذ منه أريوس كل تعبيراته.. وفقاً لتعليمه وهو أن المسيح هو ظهوربسيط للكلمة في إنسان. ومن ناحية أخرى فهو يعتبر إنسان كامل فقط وليس إله كامل.. وبالتالى فإن الأبن يمكن أن يدعى الله إستعارياً فقط. وهو نفس الأسم الذى يمكن أنيدعى به البسطاء من الناس أيضاً حينما يصلون إلى درجة كاملة من الروحانيةوالأخلاق.. وهنا يتضح كل تعليم هرطقة "التبنى Adoptionism" عن المسيح.
* النتيجة الأولى لهذا التعليم:
هو أن الإيمان بالثالوث يتلاشى ويذوب.. بالطبعتحدث أريوس أيضاً عن الثالوث إلا أنه اعتبره أنه قد صدر متأخراً ولم يكن أصلياًوأزلياً. لأنه وفقاص لتعليمه فإن الآب وحده كان إلهاً أزلياً.
* أماالنتيجة الثانية:
فهى أن الحياة الجديدة للإنسان التي صيغت كنتيجة لتأنسالكلمة، لا تتكون نتيجة تأليه بل بواسطة سمو روحى وأخلاقى.. وبهذا يتمكن أى شخص أنيقول أن هذا الموقف قد اقتبسه أريوس من المدافعين(19) الذين وفقاً للتقاليد نشؤوامن مدارس فلسفية. وكانوا قد أتخذوا موقفاً مماثلاً عن الحياة الجديدة.. إلا أن موقف "المدافعين" يجد له مبرراً بسبب العصر الذى عاشوا فيه والعالم الذى كانوا يتوجهونإليه بالحديث. أما فيما يتعلق بأريوس فإن الموقف يظهر ركود أفكاره التي ولو أنهاكانت حادة. إلا أنها خالية من الحركة والعمق.
ونتيجة لتعاليم أريوس بقوله أنكلمة الله مخلوق وقوله عن المسيح أنه إنسان مؤله (بضم الميم وفتح الواو). بسسببكمال روحى وخلقى. هذه التعاليم نجم عنها نزاع شديد زعزع أركان الكنيسة والدولةالرومانية.. أن البدعة الأريوسية لم يتم تنظيمها بطريقة سرية مثل غيرها من البدعوالهرطقات. بل دخل في صفوفها رجال رسميين في الكنيسة وفى الدولة. وهددت بالاستيلاءعلى التنظيم الكنسى بأكمله.. وقد أستمرت المصالحة السياسية التي تبعت ذلك حتى موتأريوس وقسطنطين بدون أن تكون على حساب قرارات مجمع نيقية – وذلك عن طريق تفسيرهمالمتباين والمؤول بطريقة يشوبها الالتباس.. إلا أن تعاليمهم لم تأت بنتائج. وذلكلأن زعماء الأرثوذكسية لم يقبلوا أريوس في الكنيسة وذلك بسبب إعترافاته المشتبهفيها.. حقاً إنه أثناء هذه الفترة لوحظ تقدم ملحوظ في الحركة التي قادت أيضاً إلىتفوق طفيف للأريوسية. وفى الواقع أن الأريوسيين – بواسطة سلسلة المجامع التي أشرفواعليها بأنفسهم – نجحوا في تنحية وأبعاد الرؤساء من خصومهم بإتهامات باطلة واهية. وهؤلاء الرؤساء هم أوستاتيوس الأنطاكى عام 330م. وأثناسيوس الاسكندرى عام 335م،وماركيلوس الانقيرى عام 336م.
ساءت الأحوال بعد وفاة قسطنطين الكبير، لأنحاكم الشرق قنسطانطيوس، فرض الأريوسية على المناطق التي كان يحكمها.. أما بعد وفاةأخيه قسطنس عام 350م، فقد فرضها على جميع أنحاء الامبراطورية.. وسحق هذا الحاكمنشاط معارضيه ومقاوميه الأرثوذكسيين وانشغل بإحلال أساقفة أريوسيين بدلاً منالأساقفة الشرعيين في أهم مراكز الشرق وبعض جهات الغرب.
وبعد وفاةقنسطانطيوس أنهار فجأة بناء الأريوسيين الشامخ. لأن يوليانوس الذى كان يدينبالعقيدة الوثنية عامل جميع المذاهب المسيحية معاملة متساوية. وعندئذ عاد المنفيونإلى أماكنهم. وبدأت الأرثوذكسية في أعادة تنظيم شملها. مما جعلها تسود وتنتصر. وقدوصلت إلى أكبر درجة من السيادة أثناء حكم الامبراطور الأرثوذكسى يوفيانوس…
الفرقالأريوسية
كان البناء الأريوسى في عهد قسطنديوس على الأقل، يبدو عظيماً فيالظاهر.. إلا أنه كان من البدء عملاً مزعزعاً. وذلك ليس فقط لأنه حصل على قوته منعناصر كنسية منشقة، ولكن أيضاً لأن إتجاهه اللاهوتى لم يكن متحداً.. فإن جميعالأريوسيين رفضوا اصطلاحات مجمع نيقية.. ولكن ليس لأجل الاسباب دائماً.. لذا فإنالخلافات فيما بينهم انكشفت وتحددت عند كثيرين منهم عن طريق موقفهم من اصطلاحات هذاالمجمع.
ولقد استخدم أباء مجمع نيقية في قانون الإيمان اصطلاح؟ هومو أوسيوس" أى "الواحد في الجوهر مع .. أو المساوى في الجوهر لـ..". وأرادوا أن يثبتوا بهذاالاصطلاح أن الابن مع الآب هما واحد. وأن هذا الجوهر هو كيان أساسى واحد.. وأضافنفس الآباء بعد قانون الإيمان – بسبب المحرومين – نصاً قالوا فيه بأن الابن "ليس منهيبوستاسيس آخر" أى " ليس من جوهر أخر".. وهكذا فقد أغضب الاصطلاح الأول الأريوسيينالمتشددين، أما الاصطلاح الثانى فقد أغضب الأريوسيين المعتدلين.. (أو أنصافالأريوسيين Semi – arians) ويبدو أن القانون دبجه لاهوتى غربي من المحتمل أن يكون "هوسيوس" أسقف قرطبة. وكلمة "Hypostasis"(20) "هيبوستاسيس" فيه هى ترجمة للكلمةاللاتينية" Substantia" إلا أنه في الغرب – نظراً لعجز اللغة اللاتينية حيث كانتكلمة Substantia تعنى كلاً من "أوسيا" Oucia أى الجوهر أو الكيان. وكلمة "هيبوستاسيس" Hypostasis أى القوام أو الأقنوم. لذا أوضح أباء نيقية وحدة تشابههذين الاصطلاحين لأنهم كانوا يخشون لوأنهم اعترفوا باثنين هيبوستاسيس (أى قوامين) – أن يتهموا بأنهم يقبلون الاعتراف بجوهرين أى يكونوا مثل الأريوسيين.
الأريوسيونالمعتدلون
كان الأريوسيون المعتدلون (Semi – Arians) أوريجانيين قدامى وكانيتزعمهم أسقف قيصرية أوسابيوس، وهم الذين قبلوا بتعاطف عن رضى تعليماً واحداً يرتكزعلى النظرية الأوريجانية الخاصة بخضوع الابن، هؤلاء أصروا على التمييز المشدد بينالآب والابن.. ورفضوا أيضاً اصطلاحى مجمع نيقيا واعتبروهما سابيليان. ولأنهما لميردا بين نصوص الانجيل.. إلا أنهم كانوا على استعداد لقبول معنى "التساوى في الجوهر Omooucios" لكن بتعبير مخالف.. لهذا تمسكوا بالتعبير "مماثل للآب في كل شئ"(21).
نشأته
ولد أريوس في قورينا ( ليبيا الحالية) عام ؟270 م ،لأباسمه أمونيوس من أصل ليبي أو أمازيغ[1]. . بعد منتصف القرن الثالث بقليل، ودرستعليمه اللاهوتي بمدرسة لوكيانوس بأنطاكية حيث كان زميل دراسة لبعض الأشخاص الذينأرتقوا فيما بعد إلى درجات الرئاسة الكهنوتية. وهم الذين عضدوه ودفعوا به للمضى فيطريق الكفاح لأجل نشر أفكاره.
وكل هؤلاء الزملاء الذين درسوا في مدرسةلوكيانوس صاروا يلقبون بأسم "اللوكيانيين" أو "الاتحاد اللوكيانى". وهذا لا يمنع أنآريوس درس أيضاً في مدرسة الاسكندرية اللاهوتية قبل دراسته بأنطاكية.
ويمكنأن يقال أن آريوس جمع في تعليمه بين إتجاهين مختلفين لمدرستى أنطاكية والاسكندرية. وفيما بعد أخذ المنتمون لمدرسة أنطاكية يهاجمونه ويتهمونه بأنه سكندرى، في حين أنالمنتمين إلى مدرسة الأسكندرية كانوا يحاربونه متهمينه بأنه أنطاكى.
أستوطنأريوس في الاسكندرية حيث رسمه الأسقف بطرس كاهنا.. وأظهر في أول حياته ميولاًمتعصبة متمردة لأنه قبل رسامته وبعدها كان منضماً للأسقف المنشق ميليتوس أسقفليكوبوليس (أسيوط).
ولهذا السبب جرد من رتبته الكهنوتية، إلا أنه فيما بعدأعيد مرة أخرى إلى رتبته على يد الأسقف أخيلاس خليفة الأسقف بطرس. وما لبث أن عملعلى تأييد انتخاب الكسندروس أسقفاً للاسكندرية خلفاً لأخيلاس. وإن كان أريوس نفسهقد أستطاع بتأثير ثقافته وصفاته الشخصية أن يصير ذو شأن كبير فيالمدينة.
إلا أنه بعد بضعة سنوات (حوالي عام 318م) اصطدم مع الكسندروس بسببالإختلاف حول تفسير نص في الكتاب المقدس خاص بشخص ابن الله. وكان الكسندروس قدأعطاه – كما أعتاد الأسقف أن يفعل مع الكهنة – موضوعاً ليبحثه. وفى الشرح الذى قدمهأريوس حاول أن يعبر عن ابن الله بمفاهيم مخالفة للإيمان المستقيم.
رأىالكسندروس في تقرير آريوس محاولة للتقليل من شأن ابن الله وتحقيره… وأثبتتالاتصالات بين الرجلين على أن آريوس أصر على رأيه وأعتبر أفكار الكسندروس أنهاسابيلية(1). وبالرغم من هذا فإن الأسقف لم يتعجل في اتخاذ أى اجراء ضد كاهنه. إلاأنه فيما بعد أضطر الأسقف أن يتخذ قراراً من مجمع قسوس الكنيسة، أدان فيه أريوسبسبب بدعته وقطعه من شركة الكنيسة.
رحل أريوس إلى فلسطين ثم اتجه إلى سوريافاسيا الصغرى. وتمكن من أن يجمع حوله عدد من الأساقفة وافقوه على آرائه، وكان منبين هؤلاء "أوسابيوس أسقف فيقوميديا" اللوكيانى، "وأوسانيوس أسقف قيصرية" الأوريجانى. وان الأساقفة الذين تجمعوا حوله قد أيدوه وبرأوه في مجمع عقدوه. وطالبوا بأن يعود مرة أخرى إلى الكنيسة.. وسرعان من كتب أريوس أقراراً وافقوا عليهفي مجمع عقدوه في نيقوميديا، وأرسله كرسالة إلى أسقف الاسكندرية الذى رفضه. ودعابالطبع إلى مجمع بالاسكندرية سنة 318م اعتمد ادانة أريوس.
وبعد ذلك بقليل،بسبب الاضطرابات التي نشأت نتيجة للمصادمات التي وقعت بين قسطنطين الكبيروليكينيوس، تمكن آريوس من العودة مرة أخرى إلى الاسكندرية. حيث أخذ بعمل بحماس شديدوبأساليب مبتكرة لأجل ترويج أرائه ونشرها بين الجماهير عن طريق الأحاديث والأشعار… وقد ساعد على نشر أريوسيته ما كان يظهر به أريوس من مظاهر الورع والتقوى إلى جانبما يتصف به من الكبرياء والتباهى وحبه للنضال.. وكان يجرى مباحثاته اللاهوتية معالشعب. فأنتهز الوثنيون تلك الفرصة وأخذوا يسخرون من المسيحية في مسارحهم بسبب تلكالمناقشات(2).
المجمع المسكونى الأول
Crystal Clear app kdict.png مقالتفصيلي :مجمع نيقية
وهكذا أثار هذا الموقف قلق قادة الكنيسة. كما أزعجالامبراطور أيضاً، الذى رأى أن هذه المشاكل ستكون خطراً على السلام الذى حققه بجهودمضنية وكفاح مرير ولكنه لم يتوقع أن تكون خطراً على السلام على المدى البعيد. لذلكفهو إذ رأى أن هذه المعركة تبدو أمراً تافهاً لا يستحق أن يصدر له نطقاً سامياً،فأكتفى بأن أرسل "هوسيوس" أسقف قرطبة بأسبانيا إلى الاسكندرية بخطاب إلى رؤساءالأطراف المتنازعة(3). ولكن هذه المحاولة لم تأت بأية نتيجة. عندئذ دعا الأمبراطورإلى مجمع عام يعقد في نيقية عام 325 والذى أشتهر بأسم، "المجمع المسكونىالأول"…
وقد أدان هذا المجمع تعاليم أريوس وحرم أسقف نيقوميدية مع ثلاثةأساقفة أخرين لتأييدهم لتعاليم أريوس. أما أريوس فأنه في البدء أُرسل إلى نيقوميديامكبلاً بالقيود، ثم نفى بعد ذلك إلى الليريا… ألا أنه على الرغم من هذه التدابيرفإن هذه المحاولة للتهدئة لم تنجح، لأن أصدقاء أريوس أستمروا في نشر مبادئهوتعاليمه… ولذا أقتنع قسطنطين – بواسطة العناصر المهادنة للأريوسية والمحبة لها،وتأثر بهم. مما جعله يستدعى أريوس من منفاه عام 327. وبعد تحريض من أسقف نيقوميدياعرضوا صيغة اعتراف إيمان على الأمبراطور أخفوا عنه فيها. حقيقة عقيدة أريوس، وكانتكنيسة نيقوميديا قد وافقت على هذه الصيغة في المجمع الذى عقد بها. إلا أنالأرثوذكسيين لم يجبروا على منح أريوس العفو. حتى أن الكسندروس أسقف الأسكندريةوأثناسيوس الذى خلفه لم يقبلاه في الاسكندرية.
ولم يرغب قسطنطين حينئذ أنيؤزم المسائل أكثر بأن يفرض على أسقف الاسكندرية – بأن يقل أريوس. بل أنه في الواقععندما طلب أنصار أريوس من الأمبراطور – برسالة محررة بلهجة شديدة – أن يتدخل لأجلتأمين عودة أريوس إلى الاسكندرية، غضب قسطنطين وأعاد أدانتهم بمرسوم آخر أسماهم فيه "بالبورفوريين" أى أنهم مشايعون لتعليم "بورفيريوس"(4).
وبعد وساطات متعددةغيروا مرة أخرى من مشاعر قسطنطين ورحل أريوس إلى القسطنطينية حيث أعترف بالإيمانالأرثوذكسى أمام الأمبراطور وتمسك بأن يصير مقبولاً بطريقة رسمية على نطاق أوسعبالكنيسة. إلا أن الأمر بتحديد موعد بقبوله في كنيسة القسطنطينية قد تلاشى نهائياً،إذ أن أريوس سقط ومات في مرحاض عام فجأة ليلة الموعد المحدد لقبوله(5). (يعتقد بشدةان آريوس مات مسموما وواقعة موتة هو انه كان يسير برفقة زملائة فباغتة مغص شديدفإستأذنهم ليلبي نداء الطبيعة ولكنة فوجئ بخروج الدم وقطع من لحم بطنه وأمعائة..ثمسقط ميتا من فوره فوق ماخرج من بطنة) *عن سيرة الراهب المصري هيبا المترجمة للعربيةبرواية عزازيل للكاتب المصري يوسف زيدان.
مؤلفاته
أستحوذ أريوس على مركزهام في التاريخ الكنسى، لكنه لم يترك أثاراً كثيرة. فقد كتب أعمالاً قليلة نسبياًوصلنا منها النذر اليسير. وهذه الكتابات التي وصلتنا عبارة عن رسائل خارجية. إلاأنها في واقع الأمر تحوى إعترافاته وهى:-
(أ) رسالة إلى أسقفنيقوميدية
وقد حفظها لنا إبيفانيوس في كتابه "باناريون"(6). وكذلكثيئودوريتس في كتابه "التاريخ الكنسى"(7). وفى هذه الرسالى يحتج على تحاملالكسندروس ضده وضد أتباعه ويعرض أراءه وتعاليمه في صراحة تامة. ويقول أن الابن إلهلكنه "ليس غير مولود Agenntos" "ولا جزء من غير المولود" وفى النهاية يستنجدباوسابيوس أسقف نيقوميديا مسميا إياه أنه من "الاتحاد اللوكيانى".
(ب) رسالة إلىالكسندروس أسقف الاسكندرية
حفظت هذه الرسالة في أعمال "أثناسيوس عنالمجامع"(8). وفى كتاب "باناريون" لابيفانيوس(9). كما حفظت باللغة اللاتينية فيكتاب "الثالوث لايلارى"(10). وهى الاعتراف الإجمالى إلى كان قد قدمه لمجمعنيقوميديا الأول والذى عقده الأريوسيون المنفيون. وفى هذه الرسالة تحاشى التعبيراتالمثيرة وأعتبر أن "الأبن قد ولد قبل كل الدهور". إلا أنه لم يكن موجوداً من قبل أنيولد.
(ج) اعتراف الإيمان
حفظت هذه الرسالة في التاريخ الكنسى لسقراط(11) والتاريخ الكنسى لسوزومينوس(12). وفى هذه الرسالة حجب عقيدته الحقيقية وقال بأنالإبن قد ولد قبل كل الدهور (لأنه لو كتبت كلمة gegennimenos المولود" بحذف حرف n منها أى gegenimenos لتغير معناها وأصبحت تعنى المخلوق وليس المولود.
(د) "ثاليــا"
حفظ أثناسيوس في كتاباته بعض نصوص هذا الكتاب(13). وكلمة "ثالثا" معناها مأدبة أدبية. وقد دبجها كلها تقريباً بأبيات منظومة وبلحن نسائى. وفىإفتتاحيتها نجده يظهر نفسه أنه مملوء بالعقيدة والعواطف الشجية عندما يتعرض للحديثعن الله..
"بحسب إيمان مختارى الله… عارفى الله…
أبناء قديسين. ذوىالتعاليم الشرعية الثابتة.. حاصلين على روح الله القدس…
أنا نفسى تعلمت هذا .. من حكمة المشاركين.. السابقين.. عارفى الله..
حسب كل أقوال الحكماء.. أتيتأنا مقتفياً أثر كل هؤلاء..
وأنا ذو السمعة الحميدة.. متمش بنفسالعقيدة..
ومتحمل كثيراً من أجل مجد الله.. بنفس حكمة الله..
وفيماعدا هذا، يبدو أنه كان لأريوس مجموعة أخرى من الأشعار لكل مناسبة من مناسباتالحياة(14). (كما أشار بذلك أثناسيوس) في المجموعة التي تسمى "البحرية"، "الرحى" "الرحلة".. الخ.
ووفقاً لما يقوله أثناسيوس فإن كل هذه القصائد قد دبجتبلهجة ونغمة داعرة مثل التي كان يكتب بها سوتيادوس أشعاره القومية.. كانوا يتغنونبها في مأدبهم بضجيج ضخب وعبث..
تعاليم أريوس
لا يتضح من تعاليم أريوستناسقاً في كل ما وصلنا من نصوصه حيث أن بعضها كانت تخفى وراءها واقع الأمروحقيقته. إذ كانت تعاليمه مضللة.. ويبدو هذا جلياً في رسالته إلى أسقف نيقوميدية،وفى باقته الشعرية "ثالثا". ولم تقتصر تعاليمه هذه على مدرسة واحدة، كما قال كثيرون – أى أنها لم تنطلق لا عن وحدانية الله الكتابية التي أعتنقها الأنطاكيون المتطرفونالذين أعتقدوا بأن الابن تهذب وتشكل بهبوط قوة إلهية مجردة على يسوع..، كما أنها لمتنطلق عن فكرة الوحدانية التي أعتنقها السكندريون المتطرفون الذين أعتقدوا بأن هذهالوحدانية الإلهية اتسعت لتحوى كل الموجودات الإلهية، بل هى نشأت عن فلسفةالوحدانية. وحيث أن أريوس كان موحداً متطرفاً فإنه أراد أن يؤكد أن الله كان واحداًوأنه في نفس الوقت متحول. أن حل وحدانية الله إنما سيعنى تمييزالله إلى أب وابن. أما حل التحول إنما سيكون بواسطة خليقة هذا العالم. وهو أمر سئ في كلالأحوال.
وبحسب هذه الأفكار، فإن الله واحد، غير مولود وحده، سرمدى وحده،ليس له بداية وحده. الحقيقى وحده، الذى له الخلود وحده(15). وبجانب الله، لا يوجدكائن آخر.. ولكن عن طريقه توجد قوة عامة (لا شخصية) هى "الحكمة والكلمة".. وهذهالتعاليم مأخوذة عن "الوحدانية المقتدرة" التي لبولس الساموساطى. ولكن فكرهاللاهوتى يوضح اعتماداً أكثر على "المدافعين". وتأثيرات "الغنوسيين". فيما أن اللهكان واحداً فهو لم يكن أباً "الله لم يكن دائماً أباً. أما فيما بعد فقد صارأباً".
ولقد صار الله أباً عندما أراد أن يخلق العالم. عندئذ خلق كائناًواحداً. هذا الكائن أسماه الابن، ويسمى استعاريا الكلمة أو الحكمة.
إذن فحسبتعاليم أريوس توجد حكمتان:
1. - قوة الله الواحدة العامة.
2. - وكائنإلهى ذاتى واحد. وهذا الكائن هو الحكمة الثانية الذى جاء إلى الوجود من العدم. ومنثم فهو مخلوق. إذ يقول "كلمة الله ذاته خلق من العدم.. وكان هناك وقت ما حينما لميكن موجوداً. وقبل أن يصير لم يكن موجوداً.. بل أنه هو نفسه أول الخليقة لأنه صار" ويقول أيضاً "الله وحده كان وحده دون أن يكون هناك الكلمة والحكمة.. ومن بعد ذلكعندما أراد أن يخلقنا عندئذ بالضبط خلق شخصاً وهو الذى دعاه الكلمة والابن، وذلك كىيخلقنا بواسطته"(17). ولكى يؤيد تعاليمه استخدم نصاً خاصاً اقتبسه من سفر الأمثال: "الرب أقامنى أول طرقه.." (أم22:8)، وكان أوريجانوس من قبل قد تحدث عن "خضوعالابن"، كما تحدث عن "ميلاد الكلمة الأزلى" وهنا أخذ أريوس الجزء الأول فقط منتعايم أوريجانوس، وذلك عندما أضطر فيما بعد أن يقر "بالميلاد قبل الدهور" مفسراًذلك بأنه يعنى فقط الزمن الذى سبق خلقه العالم.
فعند أريوس. يبدأ هذا العالمبخلق الابن، عندما بدأ الزمن أيضاً أن يوجد.. والابن هو المولود الأول ومهندسالخليقة.. ومن المستحيل عنده أن يعتبر الابن إله كامل. ويعتبر أن معرفته محدودةلأ،ه لا يرى الآب ولا يعرفه.. والأمر الأكثر أهمية أنه يمكن أن يتحول ويتغير كمايتحول ويتغير البشر.. "وبحسب الطبيعة فإنه مثل جميع الكائنات، هكذا أيضاً الكلمةذاته قابل للتغيير والتحويل ولكن بنفس أرادته المطلقة، طالما أنه يرغب في أن يبقىصالحاً.. حينئذ عندما يريد فإنه في استطاعته هو أيضاً أن يتحول مثلنا، حيث أنطبيعته قابلة للتغير"(18).
أن بولس الساموساطى استعمل اصطلاح "القدرة علىالاكتمال الذى أتخذ منه أريوس كل تعبيراته.. وفقاً لتعليمه وهو أن المسيح هو ظهوربسيط للكلمة في إنسان. ومن ناحية أخرى فهو يعتبر إنسان كامل فقط وليس إله كامل.. وبالتالى فإن الأبن يمكن أن يدعى الله إستعارياً فقط. وهو نفس الأسم الذى يمكن أنيدعى به البسطاء من الناس أيضاً حينما يصلون إلى درجة كاملة من الروحانيةوالأخلاق.. وهنا يتضح كل تعليم هرطقة "التبنى Adoptionism" عن المسيح.
* النتيجة الأولى لهذا التعليم:
هو أن الإيمان بالثالوث يتلاشى ويذوب.. بالطبعتحدث أريوس أيضاً عن الثالوث إلا أنه اعتبره أنه قد صدر متأخراً ولم يكن أصلياًوأزلياً. لأنه وفقاص لتعليمه فإن الآب وحده كان إلهاً أزلياً.
* أماالنتيجة الثانية:
فهى أن الحياة الجديدة للإنسان التي صيغت كنتيجة لتأنسالكلمة، لا تتكون نتيجة تأليه بل بواسطة سمو روحى وأخلاقى.. وبهذا يتمكن أى شخص أنيقول أن هذا الموقف قد اقتبسه أريوس من المدافعين(19) الذين وفقاً للتقاليد نشؤوامن مدارس فلسفية. وكانوا قد أتخذوا موقفاً مماثلاً عن الحياة الجديدة.. إلا أن موقف "المدافعين" يجد له مبرراً بسبب العصر الذى عاشوا فيه والعالم الذى كانوا يتوجهونإليه بالحديث. أما فيما يتعلق بأريوس فإن الموقف يظهر ركود أفكاره التي ولو أنهاكانت حادة. إلا أنها خالية من الحركة والعمق.
ونتيجة لتعاليم أريوس بقوله أنكلمة الله مخلوق وقوله عن المسيح أنه إنسان مؤله (بضم الميم وفتح الواو). بسسببكمال روحى وخلقى. هذه التعاليم نجم عنها نزاع شديد زعزع أركان الكنيسة والدولةالرومانية.. أن البدعة الأريوسية لم يتم تنظيمها بطريقة سرية مثل غيرها من البدعوالهرطقات. بل دخل في صفوفها رجال رسميين في الكنيسة وفى الدولة. وهددت بالاستيلاءعلى التنظيم الكنسى بأكمله.. وقد أستمرت المصالحة السياسية التي تبعت ذلك حتى موتأريوس وقسطنطين بدون أن تكون على حساب قرارات مجمع نيقية – وذلك عن طريق تفسيرهمالمتباين والمؤول بطريقة يشوبها الالتباس.. إلا أن تعاليمهم لم تأت بنتائج. وذلكلأن زعماء الأرثوذكسية لم يقبلوا أريوس في الكنيسة وذلك بسبب إعترافاته المشتبهفيها.. حقاً إنه أثناء هذه الفترة لوحظ تقدم ملحوظ في الحركة التي قادت أيضاً إلىتفوق طفيف للأريوسية. وفى الواقع أن الأريوسيين – بواسطة سلسلة المجامع التي أشرفواعليها بأنفسهم – نجحوا في تنحية وأبعاد الرؤساء من خصومهم بإتهامات باطلة واهية. وهؤلاء الرؤساء هم أوستاتيوس الأنطاكى عام 330م. وأثناسيوس الاسكندرى عام 335م،وماركيلوس الانقيرى عام 336م.
ساءت الأحوال بعد وفاة قسطنطين الكبير، لأنحاكم الشرق قنسطانطيوس، فرض الأريوسية على المناطق التي كان يحكمها.. أما بعد وفاةأخيه قسطنس عام 350م، فقد فرضها على جميع أنحاء الامبراطورية.. وسحق هذا الحاكمنشاط معارضيه ومقاوميه الأرثوذكسيين وانشغل بإحلال أساقفة أريوسيين بدلاً منالأساقفة الشرعيين في أهم مراكز الشرق وبعض جهات الغرب.
وبعد وفاةقنسطانطيوس أنهار فجأة بناء الأريوسيين الشامخ. لأن يوليانوس الذى كان يدينبالعقيدة الوثنية عامل جميع المذاهب المسيحية معاملة متساوية. وعندئذ عاد المنفيونإلى أماكنهم. وبدأت الأرثوذكسية في أعادة تنظيم شملها. مما جعلها تسود وتنتصر. وقدوصلت إلى أكبر درجة من السيادة أثناء حكم الامبراطور الأرثوذكسى يوفيانوس…
الفرقالأريوسية
كان البناء الأريوسى في عهد قسطنديوس على الأقل، يبدو عظيماً فيالظاهر.. إلا أنه كان من البدء عملاً مزعزعاً. وذلك ليس فقط لأنه حصل على قوته منعناصر كنسية منشقة، ولكن أيضاً لأن إتجاهه اللاهوتى لم يكن متحداً.. فإن جميعالأريوسيين رفضوا اصطلاحات مجمع نيقية.. ولكن ليس لأجل الاسباب دائماً.. لذا فإنالخلافات فيما بينهم انكشفت وتحددت عند كثيرين منهم عن طريق موقفهم من اصطلاحات هذاالمجمع.
ولقد استخدم أباء مجمع نيقية في قانون الإيمان اصطلاح؟ هومو أوسيوس" أى "الواحد في الجوهر مع .. أو المساوى في الجوهر لـ..". وأرادوا أن يثبتوا بهذاالاصطلاح أن الابن مع الآب هما واحد. وأن هذا الجوهر هو كيان أساسى واحد.. وأضافنفس الآباء بعد قانون الإيمان – بسبب المحرومين – نصاً قالوا فيه بأن الابن "ليس منهيبوستاسيس آخر" أى " ليس من جوهر أخر".. وهكذا فقد أغضب الاصطلاح الأول الأريوسيينالمتشددين، أما الاصطلاح الثانى فقد أغضب الأريوسيين المعتدلين.. (أو أنصافالأريوسيين Semi – arians) ويبدو أن القانون دبجه لاهوتى غربي من المحتمل أن يكون "هوسيوس" أسقف قرطبة. وكلمة "Hypostasis"(20) "هيبوستاسيس" فيه هى ترجمة للكلمةاللاتينية" Substantia" إلا أنه في الغرب – نظراً لعجز اللغة اللاتينية حيث كانتكلمة Substantia تعنى كلاً من "أوسيا" Oucia أى الجوهر أو الكيان. وكلمة "هيبوستاسيس" Hypostasis أى القوام أو الأقنوم. لذا أوضح أباء نيقية وحدة تشابههذين الاصطلاحين لأنهم كانوا يخشون لوأنهم اعترفوا باثنين هيبوستاسيس (أى قوامين) – أن يتهموا بأنهم يقبلون الاعتراف بجوهرين أى يكونوا مثل الأريوسيين.
الأريوسيونالمعتدلون
كان الأريوسيون المعتدلون (Semi – Arians) أوريجانيين قدامى وكانيتزعمهم أسقف قيصرية أوسابيوس، وهم الذين قبلوا بتعاطف عن رضى تعليماً واحداً يرتكزعلى النظرية الأوريجانية الخاصة بخضوع الابن، هؤلاء أصروا على التمييز المشدد بينالآب والابن.. ورفضوا أيضاً اصطلاحى مجمع نيقيا واعتبروهما سابيليان. ولأنهما لميردا بين نصوص الانجيل.. إلا أنهم كانوا على استعداد لقبول معنى "التساوى في الجوهر Omooucios" لكن بتعبير مخالف.. لهذا تمسكوا بالتعبير "مماثل للآب في كل شئ"(21).
Comment