[align=justify]
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما
اقدم بين يدي الاخوة الكرام اختصار لاحد الكتب التي اراها مهمة وهو كتاب ( هبة السماء ) لمؤلفه علي الشيخ وهو مسيحي الاصل ثم استسلم، وهو يطرح ردود مهمة وايضاحات حول الديانة المسيحية، وباسلوب سهل، فارتأيت ان اختصر هذا الكتاب على اهم الامور ، عسى ان تتم الفائدة منه باسرع وقت، ولا انسى ان اذكر ان المؤلف قد يخطأ احيانا في تفسير بعض النصوص الانجيلية.
ونسألكم الدعاء.
ويعتقد بعض علماء الكتاب المقدس أن العهد الجديد قد كتب بلغة يونانية تسمى (بالكوني) وهي اللغة العامية ممزوجة ببعض الاصطلاحات العبرانية، وأهم النسخ الكاملة من العهد الجديد هي النسخة السينائية والنسخة الفاتيكانية إذ يعتقد أنهما كتبتا في القرن الرابع الميلادي، وكذلك النسخة الاسكندرانية المكتوبة في القرن الخامس الميلادي.
ويتألف العهد الجديد من (27) سفرا وهي: الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل وعدة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويهوذا ويوحنا مع رؤية يوحنا، وإليك نبذة تاريخية مختصرة عن كل واحد من هذه الأسفار.
وهو أول الأناجيل ويرجح أن يكون كاتبه هو الرسول متي أحد الاثني عشر رسولا، وهو لاوي بن حلفي وكان عشارا يجمع الأموال للحكومة الرومانية. وقد أختلف القول بخصوص هذا الإنجيل في لغته وزمان تأليفه فذهب البعض إلى أنه كتب أولا بالعبرانية أو الآرامية (التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام) وترجم بعد ذلك إلى اليونانية، وذهب آخرون إلى أنه كتب باليونانية كما هو الآن. وأما زمان تأليفه فقد أختلف فيه أيضا إذ يحتمل أنه كتب بين 37 إلى 63 ميلادي. ويسمى هذا الإنجيل مع إنجيلي مرقس ولوقا بالأناجيل المتوافقة أو الإزائية وذلك لأنها متشابهة إلى حد كبير.
و يتميز هذا الإنجيل عن الأناجيل الثلاثة الباقية بأنه يحكي حوادث وأمثالا لا توجد في الإنجيل الأخرى، كما أنه الإنجيل الوحيد الذي يشير إلى الكنيسة ويذكرها باسم (الكنيسة) على وجه التخصيص.
2 - إنجيل مرقس:
ويعتقد بأن مؤلف هذا الإنجيل هو مرقس أحد تلامذة بطرس الرسول، فهو ليس من تلاميذ السيد المسيح (عليه السلام).
وكان الاعتقاد السائد في أواخر القرن الأول الميلادي أن هذا الإنجيل قد كتب في روما ووجه إلى المسيحيين الرومانيين.
فقد كتب بابيوس مستندا إلى ما استقاه من يوحنا الرسول:
هذا أيضا ما قاله الشيخ أن مرقس وقد كان مفسرا لبطرس ومترجما لآرائه، سجل جميع الأشياء التي تذكرها من أقوال المسيح (عليه السلام) وأعماله وذلك لم يسمع الرب (يسوع) ولا كان من أتباعه ولكنه أتبع بطرس فيما بعد.
وأما تاريخ هذا الإنجيل فهو يتراوح بين سنة 64 م وسنة 70 م.
وفي هذا الصدد يقول الأب (إيرينيوس) أحد آباء الكنيسة الأولين أن مرقس كتب البشارة التي تحمل اسمه قائلا بعد أن نادى بطرس وبولس بالإنجيل في روما وبعد انتقالهما سلم لنا مرقس كتابة مضمون ما نادى به بطرس وعلى هذا يحتمل كتابة هذا الإنجيل بين عام 65 م و 68 م.
ومرقس هذا كما زعم البعض فهو الشاب الذي تبع يسوع لما أخذه اليهود في بستان الزيتون وأقاموا الدليل على ذلك أن مرقس انفرد برواية ما جرى لذلك الشاب وكأنه يريد أن يشير إلى نفسه
فيقول:
وتبعه شاب ليس عليه غير إزار فأمسكوه. فتخلى عن الإزار وهرب عريانا (إنجيل مرقس 14: 51 - 52). وكان مرقس نسيب الرسول برنابا، أحد وجهاء كنيسة أورشليم القدس وكبار المبشرين بالإنجيل وكان ابن امرأة اسمها مريم ساكنة في أورشليم والظاهر أنه اهتدى إلى الإيمان المسيحي بواسطة خدمة بطرس الذي كان يتردد على بيت أمه، وصاحب بولس وبرنابا في أورشليم إلى أنطاكية، ولكنه فارقهما لأسباب لم تعرف. ويعتبر إنجيل مرقس أقصر الأناجيل الأربعة.
3 - إنجيل لوقا:
حسب الاعتقاد السائد في القرن الثاني للميلاد فإن كاتب هذا الإنجيل هو لوقا وهو رفيق وصديق بولس، ويحتمل أيضا أنه كاتب سفر أعمال الرسل، ولهذا فما هو معروف عنه مأخوذ من سفر الأعمال حيث يذكر أنه كان مع بولس في قسم من أسفاره. ولد لوقا من أبوين يونانيين في أنطاكية - سورية - وكان يمارس الطب وزعم البعض أنه كان رساما، وتتلمذ لبولس وكان غالبا في صحبته إلى أن استشهد بولس فتركه، إلا أنه لا يعرف أين قضى بقية عمره ولا أين مات غير أن الكنيسة تكرمه تكريم الشهداء (1).
وكتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية، وأما تاريخ كتابة هذا الإنجيل فيعتقد أن أعمال الرسل قد كتب بعد كتابة الإنجيل بوقت قصير، ويرجح أن سفر أعمال الرسل كتب سنة 62 أو 63 ميلادية ولهذا يحتمل علماء الكتاب المقدس أنه مكتوب في سنة 60 ميلادية تقريبا. كما قد ورد في هذا الإنجيل بعض الحوادث التي لم تذكر في غيره من الأناجيل. ويظهر من مقدمة إنجيله أنه لم يكن معاينا للحوادث التي كتبها بل ألف إنجيله من شهادة الذين عرفوا السيد.
ومما يخص به هو نقل الحوادث التي جرت قبل ولادة المسيح (عليه السلام). وبعدها والظاهر أنه أخذها عن كتابة ربما نقلت عن أم الرب (مريم) لأنه لم يعرف أحد غيرها كثيرا مما ذكر بهذا الشأن.
4 - إنجيل يوحنا:
وهو الإنجيل الرابع والذي يختلف كثيرا عن الأناجيل الثلاثة، إذ يعتقد أن 90 % من هذا الإنجيل غير موجود في الأناجيل الثلاثة، وهو من أكثر الأناجيل التي دارت حولها الشكوك بين علماء الكتاب المقدس، فذهب البعض إلى أن كاتبه هو يوحنا ابن زبدي الرسول وأحد التلاميذ المقربين جدا ليسوع المسيح (عليه السلام)، ويذكر المؤرخون أن يوحنا الرسول كان تلميذا ليوحنا المعمدان (يحيى) (عليه السلام) ومن ثم دعاه عيسى (عليه السلام) فاتبعه وأخيه يعقوب، فأصبح هو ويعقوب وبطرس من التلامذة المقربين ليسوع (عليه السلام).
وينقل أيضا أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الشيخ ويعتقد أنه (يوحنا الشيخ) هو نفسه يوحنا الرسول. وقد ذكر أن الهدف من كتابة هذا الإنجيل هو تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح (عليه السلام) وناسوته ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكنيين، والغنوسيين وغيرها.
ويوحنا هذا مع أنه هرب مع بقية التلاميذ لما أمسك بالمسيح (عليه السلام) ولكنه كما ينقل يوحنا في إنجيله (19 - 26) أودعه المسيح (عليه السلام) العناية بأمه العذراء مريم (عليها السلام).
ويشكك بعض علماء العهد الجديد في صحة نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا، إذ ينقل (برطشنيدر) إن هذا الإنجيل كله وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه، بل إنما صنفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس. ورجح البعض الآخر أن هذا الإنجيل هو من تأليف طالب من طلبة الاسكندرية. وأما زمن كتابة هذا الإنجيل فيحتمل أنه كتب بين سنة 96 - 100 ميلادية.
وإذا عرف زمان شهادة يوحنا الرسول لأمكن معرفة صحة انتساب هذا الإنجيل إليه أو لا، ولكن في زمن شهادته اختلاف أيضا، إذ يقول البعض أنه استشهد سنة 100 ميلادية، بينما يعتقد آخرون أنه كان سنة 70 ميلادية.
وأما مضمون هذا الإنجيل فإنه يختلف تماما عن بقية الأناجيل كما ذكرنا، إذ أنه يجسد بوضوح الناحية الإلهية من حياة يسوع المسيح (عليه السلام). والمسيحيون يعتمدون على هذا الإنجيل في إثبات ألوهية المسيح (عليه السلام) أكثر من بقية الأناجيل، إضافة إلى ذلك فإنه ينقل للمسيح (عليه السلام) بعض المعاجز التي لم تذكر في أي من الأناجيل السابقة.
وابرز شخصية في القسم الأول من السفر هي شخصية بطرس الرسول رئيس الكنيسة، وأما الشخصية البارزة في القسم الثاني من السفر فهي شخصية بولس.
إضافة إلى ذلك فإن السفر يذكر شخصيات وأعمال غيرهما من الرسل في مناسبات عدة.
والسفر معنون باسم رجل يدعى ثاوفيليس، وهو نفسه الذي كان قد أهداه الإنجيل. ويعتقد أن مؤلف هذا السفر هو نفسه لوقا الإنجيلي، وقد كتب بين سنة 64 - 70 ميلادية، باللغة اليونانية التي كتب بها إنجيل لوقا.
رسائل بولس: نرى من الضروري قبل كل شئ التعريف بشخصية بولس فنذكر نبذة مختصرة عن حياته:
أن المعلومات المتوفرة عن شخصية بولس موزعة بين سفر أعمال الرسل ورسائله.
ولد بولس في طرسوس من قيلقيية في السنة العاشرة للميلاد تقريبا، وكان أبوه يهوديا من سبط بنيامين، وكسائر صبيان اليهود تعلم حرفة صنع الخيام للاكتساب منها، وبدأ تحصيله في طرسوس التي كانت مركزا علميا إذ كانت مركزا للفلسفة الرواقية التي ظهر تأثيرها في كثير من تعبيرات بولس عن المبادئ المسيحية.
وسافر بولس إلى أورشليم - القدس وعمره 20 أو 22 سنة
حينما شرع المسيح برسالته.
وبولس له اسمان الأول عبري وهو شاؤل ومعناه (المطلوب) وهو المذكور في أعمال الرسل حتى الفصل الثالث عشر. والآخر بولس ومعناه (الصغير) وهو المذكور في بقية فصول سفر أعمال الرسل وفي كل الرسائل.
وحضر في أورشليم عند أحد أكابر علماء الشريعة اليهودية واسمه (جملاييل): وكانت له ثقافة يونانية - رومانية إضافة إلى ثقافته اليهودية، وكان يعرف اللغة الآرامية والعبرية واليونانية. وكان حارا حاذقا شديد الانفعال، وكان من طبعه أنه لا ينقاد إلى الاتفاق مع الذين يخالفونه، على أن الله قهر عنفه الطبيعي وحدة خلقه.
والنقطة المهمة والمتيقن منها في حياة بولس هي أنه تبوأ مكانة عند علماء اليهود، وعند ظهور الدعوة المسيحية شن حربا شعواء ضد المسيحيين، فقد كان يضطهدهم كثيرا، وكان من الذين ساقوا التهم إلى أول شهيد في المسيحية (إستفانوس)! فكان شخصا متعصبا لليهودية، وكان له النصيب الأوفر في ملاحقة أتباع المسيح (عليه السلام) وقطع دابرهم، ولم يكتف بملاحقتهم في أورشليم بل لا حقهم خارجها أيضا.
فالتمس من عظيم الأحبار في أورشليم رسائل إلى مجامع دمشق حتى يسوق إلى أورشليم كل من كان على هذه الملة، وفي طريقة إلى دمشق وحسب سفر أعمال الرسل: تراءى له يسوع المسيح (عليه السلام) وقاله له شاول، وشاول لماذا تضطهدني فانقلب حاله ثم دخل دمشق وبعد ثلاثة أيام جاءه حننيا وعمده، فتحول بولس من مضطهد إلى مناصر للمسيحية، وبعدها أختاره المسيح (عليه السلام) ليبشر بالعقيدة المسيحية إلى الوثنيين.
فبدأ تبشيره إلى جميع الأمم في آسيا وأوربا فذهب إلى بلاد العرب وفلسطين وسوريا ولبنان وتركيا ويونان وقبرص ورومية وربما أيضا إسبانيا، وكانت خاتمة حياته أنه استشهد في روما سنة 67 م.
وفي الحقيقة نستطيع القول أن بولس هذا صار الرجل الأول في المسيحية بعد يسوع (عليه السلام) إذ أنه ارتفع صيته وشهرته حتى على الرسل الاثني عشر، وترجع أغلب عقائد المسيحية إليه وسنشير إلى ذلك لاحقا أن شاء الله تعالى.
ولم يكتب بولس أكثر هذه الرسائل بل أملاها على غيره وكثيرا ما كان يخرج عن موضوعه لسبب عروض كلمة أو أمر تذكره أو كان يخشاه.
............... هذه هي الأسفار التي يشتمل عليها العهد الجديد، ويظهر أنها كتبت خلال نصف قرن تقريبا ما بين سنة 55 - 110 ميلادية، فهي لم تر النور دفعة واحدة، ومما يلفت النظر فإن المسيحيين يعتقدون أن المسيح (عليه السلام) لم يكتب شيئا ولم يأمر أحدا من تلاميذه بتدوين أقواله وأعماله، ولكن قد طلب منهم أن يشهدوا ويبشروا بما رأوا وسمعوا فكانت نقطة الانطلاق للرسل هي البشارة والشهادة للمسيح (عليه السلام).
ومن هنا بدأ التقليد المسيحي وهو التذكير المشترك بهذه الحوادث من جيل إلى جيل. (ولهذا فالتقليد الشفوي يعتبر الينبوع الذي نهل منه الرسل وتلاميذ الرسل ليدونوا أسفار العهد الجديد. على أن هذا التدوين للتقليد الشفوي لم يتم بإرادة الرسل أيضا فمرقس مثلا حسب أوزابيوس قد دفعه إلى التدوين المستمعون لبطرس الرسول الذي وجد نفسه أمام الأمر الواقع، فبطرس حسب اكليمنضوس لم يتدخل لا راضيا ولا رافضا).
وأما الشروع في كتابة الأناجيل رغم عدم طلب يسوع المسيح (عليه السلام) من التلاميذ ذلك فيعزونه إلى أسباب عديدة منها، (رغبة المسيحيين بالحصول على معلومات أكثر عن حياة وتعاليم المسيح (عليه السلام) يحتفظون بها، وكذلك تقدم السن بالرسل الأولين وشدة الاضطهادات التي كانت تحيط بهم، إضافة إلى ظهور الأفكار العقائدية الباطلة تحت تأثير الوثنية واليهودية والتي انتشرت بسرعة مسببة القلق والشك في صفوف المؤمنين الجدد، وغيرها من الأمور، كل ذلك دفع بالمسيحيين الأولين إلى تدوين تعاليمهم حتى لا تنسى).
والمسألة المهمة في هذا الموضوع هي أن الكنيسة تعتقد أن الأناجيل كتبت بالوحي والإلهام الإلهي، فنرى في مقدمة الإنجيل مكتوبا: كتب العهد الجديد بوحي من الروح القدس في مدة لا تتعدى المائة من السنين، ولقد حفظ الله الإنجيل في هذه النصوص على مر السنين رغم الاضطهادات والأخطار).
ومما يجدر الإشارة إليه أن الكنيسة الأولى لم تكن تعرف هذه الكتب على أساس أنها مكتوبة بالإلهام والوحي، بل إنما اعتبرت كذلك بعد كتابة هذه الكتب بعدة قرون، ففي القرون الأولى للميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي لم يكن أحد يتكلم عن الالهام في هذه الكتب، بل حتى الكنيسة لم تكن تقبل سوى العهد القديم كتابا مقدسا، إلا أن تعدد الكتب في القرن الأول والثاني للميلاد والتي تجاوزت المائة، وظهور العقائد المختلفة في الكنيسة، دفعت الكنيسة إلى تشكيل المجامع المحلية والتي تعددت كثيرا (كمجمع نيقية 325، مجمع هيبون في 393، وقرطجنة 397 و 418) ومن خلال هذه المجامع أعطيت اللوائح الرسمية للعهد الجديد وتم اختيار (27 سفرا) على أنها مكتوبة بالوحي والإلهام الإلهي.
وأما الكتب الأخرى فقد ألغيت ولم تقبلها الكنيسة، وأول من اعتبر هذه الأسفار (27) هو مجمع نيقية السكوني سنة (325) م ثم جاء البابا جيلاسيوس الأول (492 - 496)، إذ أعطى المرسوم الرسولي سنة 495 ميلادي مقدما اللائحة التي نملكها اليوم للعهد الجديد. وأعتقد أن إلغاء كل تلك الكتب الأخرى أضاع تراثا عظيما كان يمكن الاعتماد عليه لفهم الحقائق عن المسيحية بصورة أفضل وأدق وأقرب للواقع. وأما سبب اختيار هذه الكتب دون غيرها، فلأنها (على حد قول المسيحيين) (تعطي بشكل أفضل ما كانت تؤمن به الكنيسة الأولى، ولكن هذا لا يعني أن الكنيسة هي التي منحت صفة الالهام لهذه الأسفار، بل أن محتوى الأسفار ذاته هو الذي دفع بالكنيسة لتمييزها عن الكتب الأخرى).
وأما كيفية الوحي والإلهام في كتابة هذه الأسفار فيعتقد المسيحيون أن الالهام الكتابي الذي يقصدونه هو غير الالهام النبوي، فالإلهام الكتابي يدل على عمل الله (فوق الطبيعي) الذي يمارسه على مؤلفي الكتاب ليدفعهم إلى تدوين الحقائق التي أوحاها وأعطاها للبشر وذلك بمساعدته الدائمة والمباشرة.
فالكاتب يعبر عما يريد الله أن يطلع الناس عليه ولكنه ليس كقطعة الإسفنج في نقل الماء، تحمله ولكن لا تفعل غير ذلك.
أن وحي الكتاب المقدس يختلف في مفهومه عن مفهوم الوحي في الإسلام، إذ يعتقد المسلمون أن النبي لم يكن سوى ناقل لكلام الله، ولا دخل له فيه، وأما الوحي الكتابي عند المسيحيين، فهو من عمل الله والانسان معا، فالكاتب في هذا الالهام يحتفظ بشخصيته وعبقريته وأسلوبه في الكتابة، وأما الإلهام النبوي فإن النبي لا يعدو كونه أداة طيعة يتكلم بأسم الرب لا غير، ومن هنا فالإلهام الكتابي يختلف عن الالهام النبوي، ولهذا نرى التمايز بين الأسفار المكتوبة بالإلهام تبعا لتغاير أسلوب كتابها.
وعلى ذلك فإن الكاتب الملهم من قبل الله يكون معصوما عن الخطأ فيما يكتبه، لأن الله لا يخطأ ولا يخدع أحدا، وأما دائرة العصمة (والقول للمسيحيين) فهي تشمل الحقائق الدينية والالهية الموحاة من قبله، وأما الحقائق الدنيوية التي ليست من حقل الحقائق الإلهية فيمكن للكاتب أن يخطأ فيها، فالله سبحانه لا يبتغي أن يجعل منه رجلا كاملا في العلوم.
هذا باختصار نبذة عن العهد الجديد واعتقاد المسيحيين به، فهو الأساس لكل العقائد المسيحية.
وقبل الإشارة إلى بعض النقاط والتساؤلات التي تدور حول هذه الأسفار، وتتميما للفائدة نشير بإيجاز إلى بعض الكتب الأخرى التي رفضتها الكنيسة لتتضح لنا صورة ما عنها:
[/align]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما
اقدم بين يدي الاخوة الكرام اختصار لاحد الكتب التي اراها مهمة وهو كتاب ( هبة السماء ) لمؤلفه علي الشيخ وهو مسيحي الاصل ثم استسلم، وهو يطرح ردود مهمة وايضاحات حول الديانة المسيحية، وباسلوب سهل، فارتأيت ان اختصر هذا الكتاب على اهم الامور ، عسى ان تتم الفائدة منه باسرع وقت، ولا انسى ان اذكر ان المؤلف قد يخطأ احيانا في تفسير بعض النصوص الانجيلية.
ونسألكم الدعاء.
العهد الجديد
أن كتاب العهد الجديد له مكانته الخاصة عند المسيحيين، فهو يعتبر متمما ومصدقا لما جاء في العهد القديم، وهو الأساس لكل العقائد المسيحية ولهذا فأني سأحاول التوسع فيه بعض الشئ.ويعتقد بعض علماء الكتاب المقدس أن العهد الجديد قد كتب بلغة يونانية تسمى (بالكوني) وهي اللغة العامية ممزوجة ببعض الاصطلاحات العبرانية، وأهم النسخ الكاملة من العهد الجديد هي النسخة السينائية والنسخة الفاتيكانية إذ يعتقد أنهما كتبتا في القرن الرابع الميلادي، وكذلك النسخة الاسكندرانية المكتوبة في القرن الخامس الميلادي.
ويتألف العهد الجديد من (27) سفرا وهي: الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل وعدة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويهوذا ويوحنا مع رؤية يوحنا، وإليك نبذة تاريخية مختصرة عن كل واحد من هذه الأسفار.
(الأناجيل الأربعة)
1 - إنجيل متي:وهو أول الأناجيل ويرجح أن يكون كاتبه هو الرسول متي أحد الاثني عشر رسولا، وهو لاوي بن حلفي وكان عشارا يجمع الأموال للحكومة الرومانية. وقد أختلف القول بخصوص هذا الإنجيل في لغته وزمان تأليفه فذهب البعض إلى أنه كتب أولا بالعبرانية أو الآرامية (التي كانت لغة فلسطين في تلك الأيام) وترجم بعد ذلك إلى اليونانية، وذهب آخرون إلى أنه كتب باليونانية كما هو الآن. وأما زمان تأليفه فقد أختلف فيه أيضا إذ يحتمل أنه كتب بين 37 إلى 63 ميلادي. ويسمى هذا الإنجيل مع إنجيلي مرقس ولوقا بالأناجيل المتوافقة أو الإزائية وذلك لأنها متشابهة إلى حد كبير.
و يتميز هذا الإنجيل عن الأناجيل الثلاثة الباقية بأنه يحكي حوادث وأمثالا لا توجد في الإنجيل الأخرى، كما أنه الإنجيل الوحيد الذي يشير إلى الكنيسة ويذكرها باسم (الكنيسة) على وجه التخصيص.
2 - إنجيل مرقس:
ويعتقد بأن مؤلف هذا الإنجيل هو مرقس أحد تلامذة بطرس الرسول، فهو ليس من تلاميذ السيد المسيح (عليه السلام).
وكان الاعتقاد السائد في أواخر القرن الأول الميلادي أن هذا الإنجيل قد كتب في روما ووجه إلى المسيحيين الرومانيين.
فقد كتب بابيوس مستندا إلى ما استقاه من يوحنا الرسول:
هذا أيضا ما قاله الشيخ أن مرقس وقد كان مفسرا لبطرس ومترجما لآرائه، سجل جميع الأشياء التي تذكرها من أقوال المسيح (عليه السلام) وأعماله وذلك لم يسمع الرب (يسوع) ولا كان من أتباعه ولكنه أتبع بطرس فيما بعد.
وأما تاريخ هذا الإنجيل فهو يتراوح بين سنة 64 م وسنة 70 م.
وفي هذا الصدد يقول الأب (إيرينيوس) أحد آباء الكنيسة الأولين أن مرقس كتب البشارة التي تحمل اسمه قائلا بعد أن نادى بطرس وبولس بالإنجيل في روما وبعد انتقالهما سلم لنا مرقس كتابة مضمون ما نادى به بطرس وعلى هذا يحتمل كتابة هذا الإنجيل بين عام 65 م و 68 م.
ومرقس هذا كما زعم البعض فهو الشاب الذي تبع يسوع لما أخذه اليهود في بستان الزيتون وأقاموا الدليل على ذلك أن مرقس انفرد برواية ما جرى لذلك الشاب وكأنه يريد أن يشير إلى نفسه
فيقول:
وتبعه شاب ليس عليه غير إزار فأمسكوه. فتخلى عن الإزار وهرب عريانا (إنجيل مرقس 14: 51 - 52). وكان مرقس نسيب الرسول برنابا، أحد وجهاء كنيسة أورشليم القدس وكبار المبشرين بالإنجيل وكان ابن امرأة اسمها مريم ساكنة في أورشليم والظاهر أنه اهتدى إلى الإيمان المسيحي بواسطة خدمة بطرس الذي كان يتردد على بيت أمه، وصاحب بولس وبرنابا في أورشليم إلى أنطاكية، ولكنه فارقهما لأسباب لم تعرف. ويعتبر إنجيل مرقس أقصر الأناجيل الأربعة.
3 - إنجيل لوقا:
حسب الاعتقاد السائد في القرن الثاني للميلاد فإن كاتب هذا الإنجيل هو لوقا وهو رفيق وصديق بولس، ويحتمل أيضا أنه كاتب سفر أعمال الرسل، ولهذا فما هو معروف عنه مأخوذ من سفر الأعمال حيث يذكر أنه كان مع بولس في قسم من أسفاره. ولد لوقا من أبوين يونانيين في أنطاكية - سورية - وكان يمارس الطب وزعم البعض أنه كان رساما، وتتلمذ لبولس وكان غالبا في صحبته إلى أن استشهد بولس فتركه، إلا أنه لا يعرف أين قضى بقية عمره ولا أين مات غير أن الكنيسة تكرمه تكريم الشهداء (1).
وكتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية، وأما تاريخ كتابة هذا الإنجيل فيعتقد أن أعمال الرسل قد كتب بعد كتابة الإنجيل بوقت قصير، ويرجح أن سفر أعمال الرسل كتب سنة 62 أو 63 ميلادية ولهذا يحتمل علماء الكتاب المقدس أنه مكتوب في سنة 60 ميلادية تقريبا. كما قد ورد في هذا الإنجيل بعض الحوادث التي لم تذكر في غيره من الأناجيل. ويظهر من مقدمة إنجيله أنه لم يكن معاينا للحوادث التي كتبها بل ألف إنجيله من شهادة الذين عرفوا السيد.
ومما يخص به هو نقل الحوادث التي جرت قبل ولادة المسيح (عليه السلام). وبعدها والظاهر أنه أخذها عن كتابة ربما نقلت عن أم الرب (مريم) لأنه لم يعرف أحد غيرها كثيرا مما ذكر بهذا الشأن.
4 - إنجيل يوحنا:
وهو الإنجيل الرابع والذي يختلف كثيرا عن الأناجيل الثلاثة، إذ يعتقد أن 90 % من هذا الإنجيل غير موجود في الأناجيل الثلاثة، وهو من أكثر الأناجيل التي دارت حولها الشكوك بين علماء الكتاب المقدس، فذهب البعض إلى أن كاتبه هو يوحنا ابن زبدي الرسول وأحد التلاميذ المقربين جدا ليسوع المسيح (عليه السلام)، ويذكر المؤرخون أن يوحنا الرسول كان تلميذا ليوحنا المعمدان (يحيى) (عليه السلام) ومن ثم دعاه عيسى (عليه السلام) فاتبعه وأخيه يعقوب، فأصبح هو ويعقوب وبطرس من التلامذة المقربين ليسوع (عليه السلام).
وينقل أيضا أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الشيخ ويعتقد أنه (يوحنا الشيخ) هو نفسه يوحنا الرسول. وقد ذكر أن الهدف من كتابة هذا الإنجيل هو تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح (عليه السلام) وناسوته ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكنيين، والغنوسيين وغيرها.
ويوحنا هذا مع أنه هرب مع بقية التلاميذ لما أمسك بالمسيح (عليه السلام) ولكنه كما ينقل يوحنا في إنجيله (19 - 26) أودعه المسيح (عليه السلام) العناية بأمه العذراء مريم (عليها السلام).
ويشكك بعض علماء العهد الجديد في صحة نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا، إذ ينقل (برطشنيدر) إن هذا الإنجيل كله وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه، بل إنما صنفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس. ورجح البعض الآخر أن هذا الإنجيل هو من تأليف طالب من طلبة الاسكندرية. وأما زمن كتابة هذا الإنجيل فيحتمل أنه كتب بين سنة 96 - 100 ميلادية.
وإذا عرف زمان شهادة يوحنا الرسول لأمكن معرفة صحة انتساب هذا الإنجيل إليه أو لا، ولكن في زمن شهادته اختلاف أيضا، إذ يقول البعض أنه استشهد سنة 100 ميلادية، بينما يعتقد آخرون أنه كان سنة 70 ميلادية.
وأما مضمون هذا الإنجيل فإنه يختلف تماما عن بقية الأناجيل كما ذكرنا، إذ أنه يجسد بوضوح الناحية الإلهية من حياة يسوع المسيح (عليه السلام). والمسيحيون يعتمدون على هذا الإنجيل في إثبات ألوهية المسيح (عليه السلام) أكثر من بقية الأناجيل، إضافة إلى ذلك فإنه ينقل للمسيح (عليه السلام) بعض المعاجز التي لم تذكر في أي من الأناجيل السابقة.
سفر أعمال الرسل
هذا هو عنوان السفر الخامس من أسفار العهد الجديد. وترجع هذه التسمية إلى القرن الثاني الميلادي، وفي الحقيقة فإن هذا الاسم لا يدل على أن السفر يذكر كل أعمال الرسل، بل القصد من السفر هو إظهار كيفية تأسيس الكنيسة المسيحية، وانتشار المسيحية بين اليهود.وابرز شخصية في القسم الأول من السفر هي شخصية بطرس الرسول رئيس الكنيسة، وأما الشخصية البارزة في القسم الثاني من السفر فهي شخصية بولس.
إضافة إلى ذلك فإن السفر يذكر شخصيات وأعمال غيرهما من الرسل في مناسبات عدة.
والسفر معنون باسم رجل يدعى ثاوفيليس، وهو نفسه الذي كان قد أهداه الإنجيل. ويعتقد أن مؤلف هذا السفر هو نفسه لوقا الإنجيلي، وقد كتب بين سنة 64 - 70 ميلادية، باللغة اليونانية التي كتب بها إنجيل لوقا.
الرسائل
وتتألف الرسائل من قسمين رئيسين، أولهما رسائل بولس وثانيهما الرسائل العامة.رسائل بولس: نرى من الضروري قبل كل شئ التعريف بشخصية بولس فنذكر نبذة مختصرة عن حياته:
أن المعلومات المتوفرة عن شخصية بولس موزعة بين سفر أعمال الرسل ورسائله.
ولد بولس في طرسوس من قيلقيية في السنة العاشرة للميلاد تقريبا، وكان أبوه يهوديا من سبط بنيامين، وكسائر صبيان اليهود تعلم حرفة صنع الخيام للاكتساب منها، وبدأ تحصيله في طرسوس التي كانت مركزا علميا إذ كانت مركزا للفلسفة الرواقية التي ظهر تأثيرها في كثير من تعبيرات بولس عن المبادئ المسيحية.
وسافر بولس إلى أورشليم - القدس وعمره 20 أو 22 سنة
حينما شرع المسيح برسالته.
وبولس له اسمان الأول عبري وهو شاؤل ومعناه (المطلوب) وهو المذكور في أعمال الرسل حتى الفصل الثالث عشر. والآخر بولس ومعناه (الصغير) وهو المذكور في بقية فصول سفر أعمال الرسل وفي كل الرسائل.
وحضر في أورشليم عند أحد أكابر علماء الشريعة اليهودية واسمه (جملاييل): وكانت له ثقافة يونانية - رومانية إضافة إلى ثقافته اليهودية، وكان يعرف اللغة الآرامية والعبرية واليونانية. وكان حارا حاذقا شديد الانفعال، وكان من طبعه أنه لا ينقاد إلى الاتفاق مع الذين يخالفونه، على أن الله قهر عنفه الطبيعي وحدة خلقه.
والنقطة المهمة والمتيقن منها في حياة بولس هي أنه تبوأ مكانة عند علماء اليهود، وعند ظهور الدعوة المسيحية شن حربا شعواء ضد المسيحيين، فقد كان يضطهدهم كثيرا، وكان من الذين ساقوا التهم إلى أول شهيد في المسيحية (إستفانوس)! فكان شخصا متعصبا لليهودية، وكان له النصيب الأوفر في ملاحقة أتباع المسيح (عليه السلام) وقطع دابرهم، ولم يكتف بملاحقتهم في أورشليم بل لا حقهم خارجها أيضا.
فالتمس من عظيم الأحبار في أورشليم رسائل إلى مجامع دمشق حتى يسوق إلى أورشليم كل من كان على هذه الملة، وفي طريقة إلى دمشق وحسب سفر أعمال الرسل: تراءى له يسوع المسيح (عليه السلام) وقاله له شاول، وشاول لماذا تضطهدني فانقلب حاله ثم دخل دمشق وبعد ثلاثة أيام جاءه حننيا وعمده، فتحول بولس من مضطهد إلى مناصر للمسيحية، وبعدها أختاره المسيح (عليه السلام) ليبشر بالعقيدة المسيحية إلى الوثنيين.
فبدأ تبشيره إلى جميع الأمم في آسيا وأوربا فذهب إلى بلاد العرب وفلسطين وسوريا ولبنان وتركيا ويونان وقبرص ورومية وربما أيضا إسبانيا، وكانت خاتمة حياته أنه استشهد في روما سنة 67 م.
وفي الحقيقة نستطيع القول أن بولس هذا صار الرجل الأول في المسيحية بعد يسوع (عليه السلام) إذ أنه ارتفع صيته وشهرته حتى على الرسل الاثني عشر، وترجع أغلب عقائد المسيحية إليه وسنشير إلى ذلك لاحقا أن شاء الله تعالى.
ولم يكتب بولس أكثر هذه الرسائل بل أملاها على غيره وكثيرا ما كان يخرج عن موضوعه لسبب عروض كلمة أو أمر تذكره أو كان يخشاه.
............... هذه هي الأسفار التي يشتمل عليها العهد الجديد، ويظهر أنها كتبت خلال نصف قرن تقريبا ما بين سنة 55 - 110 ميلادية، فهي لم تر النور دفعة واحدة، ومما يلفت النظر فإن المسيحيين يعتقدون أن المسيح (عليه السلام) لم يكتب شيئا ولم يأمر أحدا من تلاميذه بتدوين أقواله وأعماله، ولكن قد طلب منهم أن يشهدوا ويبشروا بما رأوا وسمعوا فكانت نقطة الانطلاق للرسل هي البشارة والشهادة للمسيح (عليه السلام).
ومن هنا بدأ التقليد المسيحي وهو التذكير المشترك بهذه الحوادث من جيل إلى جيل. (ولهذا فالتقليد الشفوي يعتبر الينبوع الذي نهل منه الرسل وتلاميذ الرسل ليدونوا أسفار العهد الجديد. على أن هذا التدوين للتقليد الشفوي لم يتم بإرادة الرسل أيضا فمرقس مثلا حسب أوزابيوس قد دفعه إلى التدوين المستمعون لبطرس الرسول الذي وجد نفسه أمام الأمر الواقع، فبطرس حسب اكليمنضوس لم يتدخل لا راضيا ولا رافضا).
وأما الشروع في كتابة الأناجيل رغم عدم طلب يسوع المسيح (عليه السلام) من التلاميذ ذلك فيعزونه إلى أسباب عديدة منها، (رغبة المسيحيين بالحصول على معلومات أكثر عن حياة وتعاليم المسيح (عليه السلام) يحتفظون بها، وكذلك تقدم السن بالرسل الأولين وشدة الاضطهادات التي كانت تحيط بهم، إضافة إلى ظهور الأفكار العقائدية الباطلة تحت تأثير الوثنية واليهودية والتي انتشرت بسرعة مسببة القلق والشك في صفوف المؤمنين الجدد، وغيرها من الأمور، كل ذلك دفع بالمسيحيين الأولين إلى تدوين تعاليمهم حتى لا تنسى).
والمسألة المهمة في هذا الموضوع هي أن الكنيسة تعتقد أن الأناجيل كتبت بالوحي والإلهام الإلهي، فنرى في مقدمة الإنجيل مكتوبا: كتب العهد الجديد بوحي من الروح القدس في مدة لا تتعدى المائة من السنين، ولقد حفظ الله الإنجيل في هذه النصوص على مر السنين رغم الاضطهادات والأخطار).
ومما يجدر الإشارة إليه أن الكنيسة الأولى لم تكن تعرف هذه الكتب على أساس أنها مكتوبة بالإلهام والوحي، بل إنما اعتبرت كذلك بعد كتابة هذه الكتب بعدة قرون، ففي القرون الأولى للميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي لم يكن أحد يتكلم عن الالهام في هذه الكتب، بل حتى الكنيسة لم تكن تقبل سوى العهد القديم كتابا مقدسا، إلا أن تعدد الكتب في القرن الأول والثاني للميلاد والتي تجاوزت المائة، وظهور العقائد المختلفة في الكنيسة، دفعت الكنيسة إلى تشكيل المجامع المحلية والتي تعددت كثيرا (كمجمع نيقية 325، مجمع هيبون في 393، وقرطجنة 397 و 418) ومن خلال هذه المجامع أعطيت اللوائح الرسمية للعهد الجديد وتم اختيار (27 سفرا) على أنها مكتوبة بالوحي والإلهام الإلهي.
وأما الكتب الأخرى فقد ألغيت ولم تقبلها الكنيسة، وأول من اعتبر هذه الأسفار (27) هو مجمع نيقية السكوني سنة (325) م ثم جاء البابا جيلاسيوس الأول (492 - 496)، إذ أعطى المرسوم الرسولي سنة 495 ميلادي مقدما اللائحة التي نملكها اليوم للعهد الجديد. وأعتقد أن إلغاء كل تلك الكتب الأخرى أضاع تراثا عظيما كان يمكن الاعتماد عليه لفهم الحقائق عن المسيحية بصورة أفضل وأدق وأقرب للواقع. وأما سبب اختيار هذه الكتب دون غيرها، فلأنها (على حد قول المسيحيين) (تعطي بشكل أفضل ما كانت تؤمن به الكنيسة الأولى، ولكن هذا لا يعني أن الكنيسة هي التي منحت صفة الالهام لهذه الأسفار، بل أن محتوى الأسفار ذاته هو الذي دفع بالكنيسة لتمييزها عن الكتب الأخرى).
وأما كيفية الوحي والإلهام في كتابة هذه الأسفار فيعتقد المسيحيون أن الالهام الكتابي الذي يقصدونه هو غير الالهام النبوي، فالإلهام الكتابي يدل على عمل الله (فوق الطبيعي) الذي يمارسه على مؤلفي الكتاب ليدفعهم إلى تدوين الحقائق التي أوحاها وأعطاها للبشر وذلك بمساعدته الدائمة والمباشرة.
فالكاتب يعبر عما يريد الله أن يطلع الناس عليه ولكنه ليس كقطعة الإسفنج في نقل الماء، تحمله ولكن لا تفعل غير ذلك.
أن وحي الكتاب المقدس يختلف في مفهومه عن مفهوم الوحي في الإسلام، إذ يعتقد المسلمون أن النبي لم يكن سوى ناقل لكلام الله، ولا دخل له فيه، وأما الوحي الكتابي عند المسيحيين، فهو من عمل الله والانسان معا، فالكاتب في هذا الالهام يحتفظ بشخصيته وعبقريته وأسلوبه في الكتابة، وأما الإلهام النبوي فإن النبي لا يعدو كونه أداة طيعة يتكلم بأسم الرب لا غير، ومن هنا فالإلهام الكتابي يختلف عن الالهام النبوي، ولهذا نرى التمايز بين الأسفار المكتوبة بالإلهام تبعا لتغاير أسلوب كتابها.
وعلى ذلك فإن الكاتب الملهم من قبل الله يكون معصوما عن الخطأ فيما يكتبه، لأن الله لا يخطأ ولا يخدع أحدا، وأما دائرة العصمة (والقول للمسيحيين) فهي تشمل الحقائق الدينية والالهية الموحاة من قبله، وأما الحقائق الدنيوية التي ليست من حقل الحقائق الإلهية فيمكن للكاتب أن يخطأ فيها، فالله سبحانه لا يبتغي أن يجعل منه رجلا كاملا في العلوم.
هذا باختصار نبذة عن العهد الجديد واعتقاد المسيحيين به، فهو الأساس لكل العقائد المسيحية.
وقبل الإشارة إلى بعض النقاط والتساؤلات التي تدور حول هذه الأسفار، وتتميما للفائدة نشير بإيجاز إلى بعض الكتب الأخرى التي رفضتها الكنيسة لتتضح لنا صورة ما عنها:
[/align]
Comment