شبهات حول الصديق والرد عليها
بعض الشبهات حول الصدّيق والرد عليها
(( مع رجاء قراءة الحواشي للإستفادة ))
فمنها أنه صعد يوماً على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له السبطان (( أنزل عن منبر جدنا )) فعلم ان ليس له لياقة الإمامة . والجواب – على فرض التسليم (1 ) – ان السبطين كانا إذ ذاك صغيرين ، فإن الحسن ولد في الثالثة من الهجرة في رمضان والحسين في الرابعة منها في شعبان ، والخلافة في أول الحادية عشرة ، فأفعالهما إن أعتبرت بحيث تترتب عليها الأحكام لزم ترك التقية الواجبة ، وإلا فلا نقص ولا عيب ، فمن دأب الأطفال أنهم إذا رأوا أحداً في مقام محبوبهم ولو برضائه يزاحمونه ويقولون له قم عن هذا المقام ، فلا يعتبر العقلاء هذا الكلام ، وهم وإن ميزوا عن غيرهم لكن للصبي أحكاماً ، ولهذا أشترط في الإقتداء البلوغ إلى حد كمال العقل . ألا ترى أن الأنبياء لم يبعثوا إلا على راس الأربعين إلا نادراً كعيسى ، والنادر كالمعدوم .
--------------------------
ومنها انه درأ الحد عن خالد بن الوليد أمير الأمراء عنده ولم يقتص منه ايضاً ، ولهذا أنكر عليه عمر لأنه قتل مالك بن نويرة مع اسلامه ونكح امرأته في تلك الليلة ولم تمض عدة الوفاة . وجوابه أن في قتله شبهة ، إذ قد شهد عنده ان مالكاً وأهله أظهروا السرور فضربوا بالدفوف وشتموا أهل الإسلام عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (2) ، بل وقد قال في حضور خالد في حق النبي صلى الله عليه وسلم قال رجلكم أو صاحبكم كذا ، ، وهذا التعبير إذ ذاك من شعار الكفار والمرتدين .
وثبت ايضاً أنه لما سمع بالوفاة رد صدقات قومه عليهم وقال : قد نجوت من مؤنة هذا الرجل ، فلما حكى هذا للصديق لم يوجب على خالد القصاص ولا الحد إذ لا موجب لهما (3) . فتدبر .
وعدم الاستبراء بحيضة لا يضر ابا بكر ، وخالد غير معصوم ، على أنه لم يثبت أنه جامعها في تلك الليلة في كتاب معتبر (4) . وقد أجيب عنه بان مالكاً كان قد طلقها وحبسها عن الزواج على عادة الجاهلية مدة مضى العدة ، فالنكاح حلال .
ثم أن الصديق قد حكم في درء القصاص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قد ثبت في التواريخ أن خالداً هذا أغار على قوم مسلمين (5) فجرى على لسانهم (( صبأنا صبأنا )) أى صرنا بلا دين ، وكان مرادهم انا تبنا عن ديننا القديم ودخلنا الصراط المستقيم فقتلهم خالد ، حتى غضب عبدالله بن عمر فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم فاسف وقال : اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد ، ولم يقتص منه (6) ، فالفعل هو الفعل . على أن الصديق أداهم الدية .
ويجاب أيضاً أنه لو توقف الصديق في القصاص طعناً لكان توقف الأمير في قتلة عثمان أطعن . وليس ، فليس . وأيضاً أستيفاء القصاص إنما يكون واجباً لو طلبه الورثة . وليس ، فليس . بل ثبت أن أخاه متمم بن نويره أعترف بارتداده في حضور عمر مع عشقه له ومحبته فيه محبة تضرب بها الأمثال ، وفيه قال :
وكنا كندمانى جذيمة حقبة
فلما تفرقنا كأنى ومالكاً
من الدهر حتى قيل لن يتصعدها
لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً
ثم إن عمر ندم عما كان من إنكاره زمن الصديق (7) والله ولي التوفيق .
--------------------------
ومنها أن أبا بكر كان يقول إن لي شيطاناً يعتريني ، فإن أستقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني . ومن هذا حاله لا يليق للإمامة . ويجاب بأن هذا غير ثابت عندنا ، فلا إلزام . بل الثابت أنه اوصى عمر قبل الوفاة فقال : (( والله ما نمت فحلمت ، وما شبهت فتوهمت ، وإنى لعلى السبيل ما زغت ، ولم آل جهداً . وإني أوصيك بتقوى الله تعالى )) ألخ . نعم قال في أول خطبة خطبها على ما في مسند الإمام أحمد : يا أصحاب الرسول أنا خليفة الرسول فلا تطلبوا مني الأمرين الخاصين بالنبي صلى الله عليه وسلم : الوحي ، والعصمة من الشيطان . وفي آخرها : إني لست معصوماً فإطاعتي فرض عليكم فيما وافق الرسول وشريعة الله تعالى من أمور الدين ، ولو أمرتكم بخلافها فلا تقبلوه مني ونبهوني عليه . وهذا عين الإنصاف . ولما كان الناس معتادين عند المشكلات الرجوع إلى وحي إلهي وإطاعة النبي صلى الله عليه وسلم كان لازماً على الخليفة التنبيه على الإختصاص بالجناب الكريم .
وأيضاً روى في ( الكافى ) للكليني في رواية صحيحة عن جعفر الصادق أن لكل مؤمن شيطاناً يقصد إغواءه ، وفي الحديث المشهور ما يؤيد هذا ايضاً فقد قال صلى الله عليه وسلم (( ما منكم من احد إلا وقد وكل به قرينه من الجن )) فقالت الصحابة : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال (( نعم ، ولكن الله غلبني عليه لأسلم وآمن من شره )) فأي طعن فيما ذكروه ؟
والمؤمن يعتريه الشيطان بالوسوسة فينتبه ، قال تعالى ] إن الذين أتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ . نعم إن النقصان في أتباع الشيطان ، وهو بمعزل عنه .
--------------------------
ومنها أنه روى عن عمر بن الخطاب أنه قال ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله المؤمنين شرها ، فمن عاد بمثلها فاقتلوه قالوا : ويؤيد هذه الرواية رواية البخاري في صحيحه فقد دلت صراحة على بيعة أبي بكر قد وقعت بغتة بلا تأمل ولا مشورة ، وإنها غير تمسك بدليل ، فلم يكن إماماً بحق . والجواب أن هذا الكلام صدر من عمر في زجر رجل كان يقول : إن مات عمر أبايع فلاناً وحدي أو مع آخر كما كان في مبايعة أبي بكر ثم أستقر الأمر عليها ، فمعنى كلام الفاروق في ردة لهذا القول أن بيعة رجل أو رجلين شخصياً من غير تأمل سابق ومراجعة أهل الحل والعقد ليست بصحيحة ، وبيعة ابي بكر وإن كانت فجأة بسبب مناقشة الأنصار وعدم وجود فرصة للمشورة فقد حلت محلها وصادفت أهلها للدلائل على ذلك والقرائن على ما هنالك كإمامة الصلاة ونحوها وهذا معنى (( وقي الله المؤمنين شرها )) فلا يقاس غيره به . وفي آخر هذه الرواية التى رواها الشيعة (( وأيكم مثل أبي بكر )) أي في الأفضلية والخبرية وعدم الاحتياج إلى المشورة . على أنه قد يثبت عند أهل السنة وصح أن سعد بن عبادة وأمير المؤمنين علياً والزبير قد بايعوه بعد تلك المناقشة واعتذروا له عن التخلف أول الأمر .
--------------------------
ومنها أن أبا بكر كان يقول للصحابة : إني لست بخير منكم ، وعلى فيكم . فإن كان صادقاً في هذا القول لم يكن لائقاً للإمامة البتة ، إذ المفضول لا يليق مع وجود الفاضل . وإن كان كاذباً فكذلك عد الكاذب فاسق والفاسق لا يصلح للإمامة . والجواب على فرض التسليم بما يجاب من قبلهم عما يثبت في الصحيفة الكاملة وهي من الكتب الصحيحة عندهم من قول الإمام السجاد (( انا الذى أفنت الذنوب عمره الخ )) فإن كان صادقاً بهذا الكلام لم يكن لائقاً للإمامة أن الفاسق المرتكب للذنوب لا يصلح للإمامة ، وكذا إن كان كاذباً ، لما مر . فما هو جوابهم فهو جوابنا . وزاد بعض الشيعة على قول (( إني لست بخير منكم )) لفظ (( اقيلوني أقيلوني )) فأعترض على هذا البهتان بأن أبا بكر قد أستعفى عن الإمامة فلا يكون قابلاً لها . والجواب – على فرض تسليمه – بما يجاب عما صح في كتب الشيعة من أن الأمير لم يكن يقبل الخلافة بعد شهادة عثمان إلا بعد أن كثر إلحاح المهاجرين والأنصار ، على أنه لو صح ذلك عن أبي بكر لكان دليلاً على عدم طمعه وحبه للرياسة والإمام بل إن الناس قد أجبروه على قبولها .
--------------------------
ومنها أن أبا بكر ما كان يعلم بعض المسائل الشرعية ، فقد أمر بقطع يد السارق اليسرى ، واحرق لوطياً ، لم يعلم مسألة الجدة والكلالة ، فلا يكون لائقاً للإمامة غذ العلم بالأحكام الشرعية من شروط الإمامة بإجماع الفريقين . الجواب عن الأمر الأول أن قطع يد السارق اليسرى في السرقة الثالثة موافق للحكم الشرعي . فقد روى الإمام محيى السنة البغوى في ( شرح السنة ) عن ابي هريرة قال : قال رسول الله r في حق السارق (( إن سرق فأقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فأقطعوا رجله )) . قال البغوي : أتفق أهل العلم على أن السارق أول مرة تقطع يده اليمنى ، ثم إذا سرق ثانياً تقطع رجله اليسرى ، ثم إذا سرق ثالثاً تقطع يده اليسرى بناء على قول الأكثر ، ثم إذا سرق رابعاً تقطع رجله اليمنى ثم إذا سرق بعده يعزر ويحبس . والذى قطع أبو بكر يده اليسر كان في المرة الثالثة فحكمه موافق لحكمة r . والجواب عن الثاني أن الصديق لم يحرق أحداً في حال الحياة ، لأن الرواية الصحيحة إنما جاءت عن سويد عن أبي ذر أنه امر بلوطي فضربت عنقه ثم أمر به فأحرق ، وإحراق الميت لعبرة الناس جائز كالصلب ، ولذلك فإن الميت لا تعذيب له بمثل هذه الأمور لعدم الحياة . وعلى فرض تسليم روايتهم فالذى يجيبون به عن إحراق علي بعض الزنادقة فهو جوابنا ، وقد ثبت ذلك في كتبهم ، فقد روى المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدي في كتاب ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) أن علياً أحرق رجلاً أتى غلاماً في دبره . والجواب عن الثالث أن هذا الطعن لا يوجب إلزام أهل السنة ، إذ العلم بجميع الأحكام بالفعل ليس شرطاً في الإمامة عندهم ، بل الإجتهاد . ولما لم تكن النصوص مدونه في زمنه ولا روايات الأحاديث مشهورة في ايام خلافته استفسر من الصحابة . قال في ( شرح التجريد ) أما مسألة الجدة والكلالة فليست بدعاً من المجتهدين ، إذ يبحثون عن مدارك الأحكام ويسألون من أحاط بها علماً ، ولهذا رجع علي في بيع أمهات الأولاد إلى قول عمر ، وذلك لا يدل على عدم علمه ، بل هذا التفحص والتحقيق يدل على أن أبا بكر الصديق كان يراعي في أحكام الدين كمال الاحتياط ويعمل في قواعد الشريعة بشرائط الاهتمام التام . ولهذا لما أظهر المغيرة مسألة الجدة سأله : هل معك غيرك ؟ وإلا فليس التعدد شرطاً في الرواية ، فهذا الأمر في الحقيقة منقبه عظمى له . وقد روى عبدالله بن بشر أن علياً سئل عن مسألة فقال (( لا علم لي بها )) . جازى الله تعالى هذه الفرقة الضالة بعدله حيث يجعلون المنقبة منقصة .
فرصاص من احببتــه ذهب كمـا ذهب الذى لم ترض عنــه رصـاص
( 1 ) وهذا الفرض لضيق المقام عن المناقشة في صحته ، ولأنه لا يستحق المناقشة إذ المقرر عند جميع عقلاء المذاهب والأمم أن الأصل في مثل هذه الأخبار الكذب في جميع كتب الشيعة حتى المحترمة منها . فكل خبر مصدره شيعي يحتاج الشيعي أن يثبت صحته بصدق رواته قبل أن يحتاج غير الشيعي إلى أن يثبت عكس ذلك ، لأن الأصل هو العكس دائماً بلا استثناء .
( 2 ) وزاد مالك بن نويرة على ذلك انه التحق بسجاح المتنبئة . ويقول البلاذرى في فتوح البلدان إن مالكاً وقومه قاتلوا سرايا خالد في البطاح فنصر الله سرايا خالد عليهم وأسروا مالكاً وأصحابه .
( 3 ) وفي شرح الحماسة للخطيب التبريزي أن أبا بكر هو الذى امر خالداً بقتل مالك ولم يفعل هذا إلا بما عنده من العلم عن ردة مالك وفساد سريرته وما ترتب على ذلك من فساد علانيته .
( 4 ) بل المقرر في الروايات المعتبرة عند أبن جرير وفي البداية والنهاية لابن كثير أن خالداً لم يدخل بهذه السبية إلا بعد انقضاء عدتها . وللأستاذ الشيخ أحم شاكر تحقيق نفيس في امر مالك بجزء شعبان سنة 1364 من مجلة الهدي النبوي لسنتها التاسعة فارجع إليه .
( 5 ) هم بنو جذيمة .
( 6 ) لأن خالداً كان معذوراص فيما فعل بعد أن سمعهم ردتهم بقولهم (( صبأنا صبأنا )) أما براءته r مما فعل خالد فلا علان أنه لم يامره بذلك . ولولا أنه r رأى خالداً معذوراً فيما فعل لعزله وأقتص منه .
( 7) لأن عمر تاثر أولا بمبالغات ابي قتادة ثم استوعب الحقيقة فندم على ما كان من تعجله.
بعض الشبهات حول الصدّيق والرد عليها
(( مع رجاء قراءة الحواشي للإستفادة ))
فمنها أنه صعد يوماً على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له السبطان (( أنزل عن منبر جدنا )) فعلم ان ليس له لياقة الإمامة . والجواب – على فرض التسليم (1 ) – ان السبطين كانا إذ ذاك صغيرين ، فإن الحسن ولد في الثالثة من الهجرة في رمضان والحسين في الرابعة منها في شعبان ، والخلافة في أول الحادية عشرة ، فأفعالهما إن أعتبرت بحيث تترتب عليها الأحكام لزم ترك التقية الواجبة ، وإلا فلا نقص ولا عيب ، فمن دأب الأطفال أنهم إذا رأوا أحداً في مقام محبوبهم ولو برضائه يزاحمونه ويقولون له قم عن هذا المقام ، فلا يعتبر العقلاء هذا الكلام ، وهم وإن ميزوا عن غيرهم لكن للصبي أحكاماً ، ولهذا أشترط في الإقتداء البلوغ إلى حد كمال العقل . ألا ترى أن الأنبياء لم يبعثوا إلا على راس الأربعين إلا نادراً كعيسى ، والنادر كالمعدوم .
--------------------------
ومنها انه درأ الحد عن خالد بن الوليد أمير الأمراء عنده ولم يقتص منه ايضاً ، ولهذا أنكر عليه عمر لأنه قتل مالك بن نويرة مع اسلامه ونكح امرأته في تلك الليلة ولم تمض عدة الوفاة . وجوابه أن في قتله شبهة ، إذ قد شهد عنده ان مالكاً وأهله أظهروا السرور فضربوا بالدفوف وشتموا أهل الإسلام عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (2) ، بل وقد قال في حضور خالد في حق النبي صلى الله عليه وسلم قال رجلكم أو صاحبكم كذا ، ، وهذا التعبير إذ ذاك من شعار الكفار والمرتدين .
وثبت ايضاً أنه لما سمع بالوفاة رد صدقات قومه عليهم وقال : قد نجوت من مؤنة هذا الرجل ، فلما حكى هذا للصديق لم يوجب على خالد القصاص ولا الحد إذ لا موجب لهما (3) . فتدبر .
وعدم الاستبراء بحيضة لا يضر ابا بكر ، وخالد غير معصوم ، على أنه لم يثبت أنه جامعها في تلك الليلة في كتاب معتبر (4) . وقد أجيب عنه بان مالكاً كان قد طلقها وحبسها عن الزواج على عادة الجاهلية مدة مضى العدة ، فالنكاح حلال .
ثم أن الصديق قد حكم في درء القصاص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قد ثبت في التواريخ أن خالداً هذا أغار على قوم مسلمين (5) فجرى على لسانهم (( صبأنا صبأنا )) أى صرنا بلا دين ، وكان مرادهم انا تبنا عن ديننا القديم ودخلنا الصراط المستقيم فقتلهم خالد ، حتى غضب عبدالله بن عمر فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم فاسف وقال : اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد ، ولم يقتص منه (6) ، فالفعل هو الفعل . على أن الصديق أداهم الدية .
ويجاب أيضاً أنه لو توقف الصديق في القصاص طعناً لكان توقف الأمير في قتلة عثمان أطعن . وليس ، فليس . وأيضاً أستيفاء القصاص إنما يكون واجباً لو طلبه الورثة . وليس ، فليس . بل ثبت أن أخاه متمم بن نويره أعترف بارتداده في حضور عمر مع عشقه له ومحبته فيه محبة تضرب بها الأمثال ، وفيه قال :
وكنا كندمانى جذيمة حقبة
فلما تفرقنا كأنى ومالكاً
من الدهر حتى قيل لن يتصعدها
لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً
ثم إن عمر ندم عما كان من إنكاره زمن الصديق (7) والله ولي التوفيق .
--------------------------
ومنها أن أبا بكر كان يقول إن لي شيطاناً يعتريني ، فإن أستقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني . ومن هذا حاله لا يليق للإمامة . ويجاب بأن هذا غير ثابت عندنا ، فلا إلزام . بل الثابت أنه اوصى عمر قبل الوفاة فقال : (( والله ما نمت فحلمت ، وما شبهت فتوهمت ، وإنى لعلى السبيل ما زغت ، ولم آل جهداً . وإني أوصيك بتقوى الله تعالى )) ألخ . نعم قال في أول خطبة خطبها على ما في مسند الإمام أحمد : يا أصحاب الرسول أنا خليفة الرسول فلا تطلبوا مني الأمرين الخاصين بالنبي صلى الله عليه وسلم : الوحي ، والعصمة من الشيطان . وفي آخرها : إني لست معصوماً فإطاعتي فرض عليكم فيما وافق الرسول وشريعة الله تعالى من أمور الدين ، ولو أمرتكم بخلافها فلا تقبلوه مني ونبهوني عليه . وهذا عين الإنصاف . ولما كان الناس معتادين عند المشكلات الرجوع إلى وحي إلهي وإطاعة النبي صلى الله عليه وسلم كان لازماً على الخليفة التنبيه على الإختصاص بالجناب الكريم .
وأيضاً روى في ( الكافى ) للكليني في رواية صحيحة عن جعفر الصادق أن لكل مؤمن شيطاناً يقصد إغواءه ، وفي الحديث المشهور ما يؤيد هذا ايضاً فقد قال صلى الله عليه وسلم (( ما منكم من احد إلا وقد وكل به قرينه من الجن )) فقالت الصحابة : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال (( نعم ، ولكن الله غلبني عليه لأسلم وآمن من شره )) فأي طعن فيما ذكروه ؟
والمؤمن يعتريه الشيطان بالوسوسة فينتبه ، قال تعالى ] إن الذين أتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ . نعم إن النقصان في أتباع الشيطان ، وهو بمعزل عنه .
--------------------------
ومنها أنه روى عن عمر بن الخطاب أنه قال ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله المؤمنين شرها ، فمن عاد بمثلها فاقتلوه قالوا : ويؤيد هذه الرواية رواية البخاري في صحيحه فقد دلت صراحة على بيعة أبي بكر قد وقعت بغتة بلا تأمل ولا مشورة ، وإنها غير تمسك بدليل ، فلم يكن إماماً بحق . والجواب أن هذا الكلام صدر من عمر في زجر رجل كان يقول : إن مات عمر أبايع فلاناً وحدي أو مع آخر كما كان في مبايعة أبي بكر ثم أستقر الأمر عليها ، فمعنى كلام الفاروق في ردة لهذا القول أن بيعة رجل أو رجلين شخصياً من غير تأمل سابق ومراجعة أهل الحل والعقد ليست بصحيحة ، وبيعة ابي بكر وإن كانت فجأة بسبب مناقشة الأنصار وعدم وجود فرصة للمشورة فقد حلت محلها وصادفت أهلها للدلائل على ذلك والقرائن على ما هنالك كإمامة الصلاة ونحوها وهذا معنى (( وقي الله المؤمنين شرها )) فلا يقاس غيره به . وفي آخر هذه الرواية التى رواها الشيعة (( وأيكم مثل أبي بكر )) أي في الأفضلية والخبرية وعدم الاحتياج إلى المشورة . على أنه قد يثبت عند أهل السنة وصح أن سعد بن عبادة وأمير المؤمنين علياً والزبير قد بايعوه بعد تلك المناقشة واعتذروا له عن التخلف أول الأمر .
--------------------------
ومنها أن أبا بكر كان يقول للصحابة : إني لست بخير منكم ، وعلى فيكم . فإن كان صادقاً في هذا القول لم يكن لائقاً للإمامة البتة ، إذ المفضول لا يليق مع وجود الفاضل . وإن كان كاذباً فكذلك عد الكاذب فاسق والفاسق لا يصلح للإمامة . والجواب على فرض التسليم بما يجاب من قبلهم عما يثبت في الصحيفة الكاملة وهي من الكتب الصحيحة عندهم من قول الإمام السجاد (( انا الذى أفنت الذنوب عمره الخ )) فإن كان صادقاً بهذا الكلام لم يكن لائقاً للإمامة أن الفاسق المرتكب للذنوب لا يصلح للإمامة ، وكذا إن كان كاذباً ، لما مر . فما هو جوابهم فهو جوابنا . وزاد بعض الشيعة على قول (( إني لست بخير منكم )) لفظ (( اقيلوني أقيلوني )) فأعترض على هذا البهتان بأن أبا بكر قد أستعفى عن الإمامة فلا يكون قابلاً لها . والجواب – على فرض تسليمه – بما يجاب عما صح في كتب الشيعة من أن الأمير لم يكن يقبل الخلافة بعد شهادة عثمان إلا بعد أن كثر إلحاح المهاجرين والأنصار ، على أنه لو صح ذلك عن أبي بكر لكان دليلاً على عدم طمعه وحبه للرياسة والإمام بل إن الناس قد أجبروه على قبولها .
--------------------------
ومنها أن أبا بكر ما كان يعلم بعض المسائل الشرعية ، فقد أمر بقطع يد السارق اليسرى ، واحرق لوطياً ، لم يعلم مسألة الجدة والكلالة ، فلا يكون لائقاً للإمامة غذ العلم بالأحكام الشرعية من شروط الإمامة بإجماع الفريقين . الجواب عن الأمر الأول أن قطع يد السارق اليسرى في السرقة الثالثة موافق للحكم الشرعي . فقد روى الإمام محيى السنة البغوى في ( شرح السنة ) عن ابي هريرة قال : قال رسول الله r في حق السارق (( إن سرق فأقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فأقطعوا رجله )) . قال البغوي : أتفق أهل العلم على أن السارق أول مرة تقطع يده اليمنى ، ثم إذا سرق ثانياً تقطع رجله اليسرى ، ثم إذا سرق ثالثاً تقطع يده اليسرى بناء على قول الأكثر ، ثم إذا سرق رابعاً تقطع رجله اليمنى ثم إذا سرق بعده يعزر ويحبس . والذى قطع أبو بكر يده اليسر كان في المرة الثالثة فحكمه موافق لحكمة r . والجواب عن الثاني أن الصديق لم يحرق أحداً في حال الحياة ، لأن الرواية الصحيحة إنما جاءت عن سويد عن أبي ذر أنه امر بلوطي فضربت عنقه ثم أمر به فأحرق ، وإحراق الميت لعبرة الناس جائز كالصلب ، ولذلك فإن الميت لا تعذيب له بمثل هذه الأمور لعدم الحياة . وعلى فرض تسليم روايتهم فالذى يجيبون به عن إحراق علي بعض الزنادقة فهو جوابنا ، وقد ثبت ذلك في كتبهم ، فقد روى المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدي في كتاب ( تنزيه الأنبياء والأئمة ) أن علياً أحرق رجلاً أتى غلاماً في دبره . والجواب عن الثالث أن هذا الطعن لا يوجب إلزام أهل السنة ، إذ العلم بجميع الأحكام بالفعل ليس شرطاً في الإمامة عندهم ، بل الإجتهاد . ولما لم تكن النصوص مدونه في زمنه ولا روايات الأحاديث مشهورة في ايام خلافته استفسر من الصحابة . قال في ( شرح التجريد ) أما مسألة الجدة والكلالة فليست بدعاً من المجتهدين ، إذ يبحثون عن مدارك الأحكام ويسألون من أحاط بها علماً ، ولهذا رجع علي في بيع أمهات الأولاد إلى قول عمر ، وذلك لا يدل على عدم علمه ، بل هذا التفحص والتحقيق يدل على أن أبا بكر الصديق كان يراعي في أحكام الدين كمال الاحتياط ويعمل في قواعد الشريعة بشرائط الاهتمام التام . ولهذا لما أظهر المغيرة مسألة الجدة سأله : هل معك غيرك ؟ وإلا فليس التعدد شرطاً في الرواية ، فهذا الأمر في الحقيقة منقبه عظمى له . وقد روى عبدالله بن بشر أن علياً سئل عن مسألة فقال (( لا علم لي بها )) . جازى الله تعالى هذه الفرقة الضالة بعدله حيث يجعلون المنقبة منقصة .
فرصاص من احببتــه ذهب كمـا ذهب الذى لم ترض عنــه رصـاص
( 1 ) وهذا الفرض لضيق المقام عن المناقشة في صحته ، ولأنه لا يستحق المناقشة إذ المقرر عند جميع عقلاء المذاهب والأمم أن الأصل في مثل هذه الأخبار الكذب في جميع كتب الشيعة حتى المحترمة منها . فكل خبر مصدره شيعي يحتاج الشيعي أن يثبت صحته بصدق رواته قبل أن يحتاج غير الشيعي إلى أن يثبت عكس ذلك ، لأن الأصل هو العكس دائماً بلا استثناء .
( 2 ) وزاد مالك بن نويرة على ذلك انه التحق بسجاح المتنبئة . ويقول البلاذرى في فتوح البلدان إن مالكاً وقومه قاتلوا سرايا خالد في البطاح فنصر الله سرايا خالد عليهم وأسروا مالكاً وأصحابه .
( 3 ) وفي شرح الحماسة للخطيب التبريزي أن أبا بكر هو الذى امر خالداً بقتل مالك ولم يفعل هذا إلا بما عنده من العلم عن ردة مالك وفساد سريرته وما ترتب على ذلك من فساد علانيته .
( 4 ) بل المقرر في الروايات المعتبرة عند أبن جرير وفي البداية والنهاية لابن كثير أن خالداً لم يدخل بهذه السبية إلا بعد انقضاء عدتها . وللأستاذ الشيخ أحم شاكر تحقيق نفيس في امر مالك بجزء شعبان سنة 1364 من مجلة الهدي النبوي لسنتها التاسعة فارجع إليه .
( 5 ) هم بنو جذيمة .
( 6 ) لأن خالداً كان معذوراص فيما فعل بعد أن سمعهم ردتهم بقولهم (( صبأنا صبأنا )) أما براءته r مما فعل خالد فلا علان أنه لم يامره بذلك . ولولا أنه r رأى خالداً معذوراً فيما فعل لعزله وأقتص منه .
( 7) لأن عمر تاثر أولا بمبالغات ابي قتادة ثم استوعب الحقيقة فندم على ما كان من تعجله.
Comment