بسم الله الرحمن الرحيم
حسرة في قلبي لما جرى على اهل بيت النبي صلى الله عليه وأله حتى انه في البخاري حديث عن النبي ص يقول أن أول من يجثو بين يدي ربه للخصومة يوم القيامة هو الامام امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فللأسف غدر به كثير من صحابة النبي ص بعد ان سمعوا وصايا كثيرة من النبي ص لهم في أحقية علي عليه السلام منها حديث الثقلين
. ( حديث الثقلين في كتب المخالفين ) مصادر حديث الثقلين ( كتاب الله وعترتي((260 مصدر في كتب المخالفين
فمنها : ما أخرجه مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم قال :
« قام رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خماً بين مكّة والمدينة ، فمحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد ألا يا أيّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما كتاب الله فيه الهُدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ... » (2) .
ومنها : ما أخرجه أحمد بإسناده عن زيد بن ثابت قال :
« قال رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السّماء والأرض ، أو ما بين السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض
واخرج ابن ابي حاتم وابن مردويه عن بن عباس قال : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين –لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما دام بين أظهرهم -- فأمان قبضه الله تعالى إليه وأمان بقي فيكم
وهذا قوله سبحانه : وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فهذه الاية اشارة الى هذا القول
عموما الأدلة كثيرة جدا وحديث الثقلين على سبيل المثال ولكن وجدنا رسالة بين محمد بن ابي بكر بن ابي قحافة وبين معاوية ولا تعليق فهي تفضح ما فعله الخليفة الاول ابو بكر وفاروقه في سرقة الخلافة من صاحبها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع
من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر:
سلام على أهل طاعة الله، ممّن هو سلم لأهل ولاية الله، أمّا بعد:
فإنّ الله بجلاله وعظمته، وسلطانه وقدرته، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوّته، ولا حاجة به إلى خلقهم، لكنّه خلقهم عبيداً وجعل منهم غوياً ورشيداً، وشقياً وسعيداً، ثمّ اختار على علم فاصطفى وانتخب منهم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاختصه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولا ومبشراً ونذيراً، مصدّقاً لما بين يديه من الكتب، ودليلا على الشرائع، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة.
فكان أوّل من أجاب وأناب وأمن وصدق وأسلم وسلم، أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، صدَّقه بالغيب المكتوم، وآثره على كلّ حميم، ووقاه بنفسه كلّ هول، وواساه بنفسه في كلّ خوف، وحارب حربه وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله.
وقد رأيتك تساميه، وأنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كلّ خير، أوّل الناس إسلاماً، وأصدق الناس نيّة، وأفضل الناس ذريّة، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عمّ، أخوه الشاري لنفسه يوم مؤتة، وعمّه سيّد الشهداء
يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن حوزته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلّبان عليه القبائل.
على هذا مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من تدني، ويلجأ إليك من بقية الأحزاب، ورؤساء النفاق والشقاق لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والشاهد لعليّ مع فضله المبين وسابقته القديمة أنصاره الذين معه الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن، ففضَّلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب يجالدون حوله بأسيافهم، ويهرقون دماءهم دونه، يرون الحقّ في اتباعه والشقاء في خلافه.
فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ، وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيّه وأبو ولده، وأوّل الناس له اتباعاً وأقربهم به عهداً، يخبره بسرّه، ويطلعه على أمره، وأنت عدوّه وابن عدوه؟!
فتمتّع في دنياك ما استطعت بباطلك، و ليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأنّ أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، وسوف يتبيّن لك لمن تكون العاقبة العليا!
واعلم أنّك إنّما تكايد ربّك الذي قد أمنت كيده، وآيست من روحه، وهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور. والسلام على من اتبع الهدى(1).
* * *
____________
1- مروج الذهب للمسعودي 3: 11، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 188، أنساب الأشراف للبلاذري: 393.
وهذه الرسالة التي كتبها محمّد بن أبي بكر فيها حقائق دامغة لكلّ باحث عن الحقيقة، فهي تصف معاوية بأنّه ضالّ مضلّ، وأنّه لعين ابن لعين، وأنّه يعمل كلّ ما في وسعه لإطفاء نور الله، ويبذل الأموال لتحريف الدين، ويبغي لدين الله الغوائل، و أنّه عدوّ لله ولرسوله، ويعمل بالباطل بإعانة عمرو بن العاص.
كما وأنّ الرسالة تكشف عن فضائل ومزايا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) التي لم يسبقه إليها سابق، ولا يلحقه إليها لاحق.
والحقّ أنّ لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من الفضائل والمزايا أكثر ممّا عدّده محمّد بن أبي بكر بكثير، ولكنّ الذي يهمّنا في هذا الباب هو ردّ معاوية بن أبي سفيان على هذه الرسالة، لتعرف أيّها الباحث عن الحقيقة خفايا ودسائس التاريخ، وتكتشف من خلالها خيوط المؤامرة التي أبعدت الخلافة عن صاحبها الشرعي، وتسبّبت في انحراف الأُمّة، فإليك الردّ:
ردّ معاوية على محمّد بن أبي بكر
من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر.
سلام على أهل طاعة الله.
أما بعد:
فقد أتاني كتابك، تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه، وما أصفى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع كلام كثير ألَّفته ووضعته لرأيك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف.
ذكرك فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونصرته له ومواساته إياه في كلّ هول وخوف، فكان احتجاجك عليَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد رباً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.
فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبينا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلمّا اختار الله لنبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده، وأتمّ له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج حجّته، وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ; كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا.
ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما،
ولا يطلعانه على سرّهما، حتى قبضهما الله، وانقضى أمرهما، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما.
فخذ حذرك يا بن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمُهُ، و لا تلين على قسر قناته، ولا يدرك ذو مدى أناته.
أبوك مهَّد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلّمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعبْ أباك بما بدالك أو دع، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب(1).
* * *
ونستنتج من هذا الردّ بأنّ معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه، ولكنّه تجرّأ عليه احتذاء بأبي بكر وعمر، ولولاهما لما استصغر شأن عليّ (عليه السلام)، ولا تقدّم عليه أحد من الناس، كما يعترف معاوية بأنّ أبا بكر هو الذي مهَّد لبني أُميّة، وهو الذي بنى ملكهم وشاده.
ونفهم من هذه الرسالة بأنّ معاوية لم يقتدِ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يهتدِ بهديه، عندما اعترف بأنّ عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما وبذلك يتبيّن لنا بوضوح بأنّهم جميعاً تركوا سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) واقتدى بعضهم ببدعة بعض، كما أنّ معاوية لم ينكر بأنّه من الضالين الذين يعملون بالباطل، وأنّه لعين ابن لعين على لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)).
.فهل بعد ذلك لديكم حجه يا اتباع معاويه.....
____________
1- مروج الذهب للمسعودي 3: 12، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 189، أنساب الأشراف: 396.
حسرة في قلبي لما جرى على اهل بيت النبي صلى الله عليه وأله حتى انه في البخاري حديث عن النبي ص يقول أن أول من يجثو بين يدي ربه للخصومة يوم القيامة هو الامام امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فللأسف غدر به كثير من صحابة النبي ص بعد ان سمعوا وصايا كثيرة من النبي ص لهم في أحقية علي عليه السلام منها حديث الثقلين
. ( حديث الثقلين في كتب المخالفين ) مصادر حديث الثقلين ( كتاب الله وعترتي((260 مصدر في كتب المخالفين
فمنها : ما أخرجه مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم قال :
« قام رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خماً بين مكّة والمدينة ، فمحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد ألا يا أيّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما كتاب الله فيه الهُدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ... » (2) .
ومنها : ما أخرجه أحمد بإسناده عن زيد بن ثابت قال :
« قال رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السّماء والأرض ، أو ما بين السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض
واخرج ابن ابي حاتم وابن مردويه عن بن عباس قال : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين –لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما دام بين أظهرهم -- فأمان قبضه الله تعالى إليه وأمان بقي فيكم
وهذا قوله سبحانه : وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فهذه الاية اشارة الى هذا القول
عموما الأدلة كثيرة جدا وحديث الثقلين على سبيل المثال ولكن وجدنا رسالة بين محمد بن ابي بكر بن ابي قحافة وبين معاوية ولا تعليق فهي تفضح ما فعله الخليفة الاول ابو بكر وفاروقه في سرقة الخلافة من صاحبها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع
من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر:
سلام على أهل طاعة الله، ممّن هو سلم لأهل ولاية الله، أمّا بعد:
فإنّ الله بجلاله وعظمته، وسلطانه وقدرته، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوّته، ولا حاجة به إلى خلقهم، لكنّه خلقهم عبيداً وجعل منهم غوياً ورشيداً، وشقياً وسعيداً، ثمّ اختار على علم فاصطفى وانتخب منهم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاختصه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه على أمره، وبعثه رسولا ومبشراً ونذيراً، مصدّقاً لما بين يديه من الكتب، ودليلا على الشرائع، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة.
فكان أوّل من أجاب وأناب وأمن وصدق وأسلم وسلم، أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، صدَّقه بالغيب المكتوم، وآثره على كلّ حميم، ووقاه بنفسه كلّ هول، وواساه بنفسه في كلّ خوف، وحارب حربه وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله.
وقد رأيتك تساميه، وأنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كلّ خير، أوّل الناس إسلاماً، وأصدق الناس نيّة، وأفضل الناس ذريّة، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عمّ، أخوه الشاري لنفسه يوم مؤتة، وعمّه سيّد الشهداء
يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن حوزته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلّبان عليه القبائل.
على هذا مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من تدني، ويلجأ إليك من بقية الأحزاب، ورؤساء النفاق والشقاق لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والشاهد لعليّ مع فضله المبين وسابقته القديمة أنصاره الذين معه الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن، ففضَّلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، فهم معه كتائب وعصائب يجالدون حوله بأسيافهم، ويهرقون دماءهم دونه، يرون الحقّ في اتباعه والشقاء في خلافه.
فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ، وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيّه وأبو ولده، وأوّل الناس له اتباعاً وأقربهم به عهداً، يخبره بسرّه، ويطلعه على أمره، وأنت عدوّه وابن عدوه؟!
فتمتّع في دنياك ما استطعت بباطلك، و ليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأنّ أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، وسوف يتبيّن لك لمن تكون العاقبة العليا!
واعلم أنّك إنّما تكايد ربّك الذي قد أمنت كيده، وآيست من روحه، وهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور. والسلام على من اتبع الهدى(1).
* * *
____________
1- مروج الذهب للمسعودي 3: 11، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 188، أنساب الأشراف للبلاذري: 393.
وهذه الرسالة التي كتبها محمّد بن أبي بكر فيها حقائق دامغة لكلّ باحث عن الحقيقة، فهي تصف معاوية بأنّه ضالّ مضلّ، وأنّه لعين ابن لعين، وأنّه يعمل كلّ ما في وسعه لإطفاء نور الله، ويبذل الأموال لتحريف الدين، ويبغي لدين الله الغوائل، و أنّه عدوّ لله ولرسوله، ويعمل بالباطل بإعانة عمرو بن العاص.
كما وأنّ الرسالة تكشف عن فضائل ومزايا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) التي لم يسبقه إليها سابق، ولا يلحقه إليها لاحق.
والحقّ أنّ لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من الفضائل والمزايا أكثر ممّا عدّده محمّد بن أبي بكر بكثير، ولكنّ الذي يهمّنا في هذا الباب هو ردّ معاوية بن أبي سفيان على هذه الرسالة، لتعرف أيّها الباحث عن الحقيقة خفايا ودسائس التاريخ، وتكتشف من خلالها خيوط المؤامرة التي أبعدت الخلافة عن صاحبها الشرعي، وتسبّبت في انحراف الأُمّة، فإليك الردّ:
ردّ معاوية على محمّد بن أبي بكر
من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر.
سلام على أهل طاعة الله.
أما بعد:
فقد أتاني كتابك، تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه، وما أصفى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع كلام كثير ألَّفته ووضعته لرأيك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف.
ذكرك فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونصرته له ومواساته إياه في كلّ هول وخوف، فكان احتجاجك عليَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد رباً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.
فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبينا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلمّا اختار الله لنبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده، وأتمّ له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج حجّته، وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ; كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا.
ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما،
ولا يطلعانه على سرّهما، حتى قبضهما الله، وانقضى أمرهما، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما.
فخذ حذرك يا بن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمُهُ، و لا تلين على قسر قناته، ولا يدرك ذو مدى أناته.
أبوك مهَّد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلّمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعبْ أباك بما بدالك أو دع، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب(1).
* * *
ونستنتج من هذا الردّ بأنّ معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه، ولكنّه تجرّأ عليه احتذاء بأبي بكر وعمر، ولولاهما لما استصغر شأن عليّ (عليه السلام)، ولا تقدّم عليه أحد من الناس، كما يعترف معاوية بأنّ أبا بكر هو الذي مهَّد لبني أُميّة، وهو الذي بنى ملكهم وشاده.
ونفهم من هذه الرسالة بأنّ معاوية لم يقتدِ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يهتدِ بهديه، عندما اعترف بأنّ عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما وبذلك يتبيّن لنا بوضوح بأنّهم جميعاً تركوا سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) واقتدى بعضهم ببدعة بعض، كما أنّ معاوية لم ينكر بأنّه من الضالين الذين يعملون بالباطل، وأنّه لعين ابن لعين على لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)).
.فهل بعد ذلك لديكم حجه يا اتباع معاويه.....
____________
1- مروج الذهب للمسعودي 3: 12، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 189، أنساب الأشراف: 396.
Comment