بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد و آل محمد الأئمة و المهديين و سلم تسليماً كثيراً
هنا مصر الفاطمية : أحييكم جميعاً وأقص عليكم في السطور التالية حكاية تشيعي واستبصاري والتي دائماً ما أوردها تحت عنوان ( لقد شيعني البخاري ) :اللهم صلي على محمد و آل محمد الأئمة و المهديين و سلم تسليماً كثيراً
ولدت في أسرة تحب آل البيت حباً لا يساويه حب – ولكنهم من السنة – ، وورثنا نحن عن هذه الأسرة حب وعشق آل البيت عليهم السلام ، وكان والدي رحمه الله كثير الاطلاع والشغف لكل ما يكتب عن آل البيت وكانت له ( رحمه الله ) معنا حوارات ومناقشات دائماً ما يختمها بقول يا بني ألا تعلم أنه قيل : (( نحن آل البيت لا يقاس بنا أحد )).
وفي أحد الأيام تناقشنا معه ( أنا وأخي الأكبر ) حول مسألة الخلافة ـ وكان ذلك بعد قراءة كتاب عبد الرحمن الشرقاوي ( علي إمام المتقين ) وكانت المناقشة عبارة عن اعتراض مني أنا وشقيقي على قول عبد الرحمن الشرقاوي بأن أمير المؤمنين كان أحق وأولى بالخلافة ـ رغم حبنا لآل البيت ـ ، فرد الوالد بأدلته من القرآن والسنة بأحقية أمير المؤمنين . . . والحق أقول : إن كل أدلة والدي التي صاغها لنا قرأتها بعد ذلك بسنوات . . .
وكان لنا بين الحين والآخر مناقشات ومساجلات منها : كنا نقرأ الصحف اليومية في مصر فترة الحرب العراقية الإيرانية وكانت الصحف المصرية تشن حرباً شرسة على شخص آية الله الخوميني ، وذات يوم رأى والدي كاريكاتير يصور آية الله الخوميني بصورة ( تحفظاً أقول غير مقبولة ) ، فثار والدي وقال : كيف يفعلون هذا مع أعلم أهل الأرض وأكثرهم حباً وعشقاً لآل محمد . . .
وتمضي الأيام وتوفي والدي وقام شقيقي الأكبر بتغسيله وتكفينه ، وجئنا للجنازة فتقدم عمي ـ وكان إمام وخطيب المسجد وكان من أهل السنة الذين يميلون إلى الإخوان المسلمين ـ وقام بأداء تكبيرات الجنازة على والدي ، وفوجئ الجميع بأنه يكبر خمساً ، فقلنا أخطأ . . . وبعدها بسنوات نعلم أن هذه الصلاة هي الصلاة الصحيحة . . .
تمر الأيام وفي عام 1995 أثير موضوع التشيع في مصر بقوة وبرغم حبي الشديد لآل البيت تحفظت كثيراً على الموضوع وأردت البحث لأرد على الذين أثاروا الموضوع فقمت بقراءة كتب السنة التي ورثتها من أبي وهي مكتبة كبيرة وقيمة تحتوي على كثير من المؤلفات – وجدت فيها فيما بعد كتباً للإمامية من أهمهما كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين والذي قرأته قرابة المائتي مرة فإنه لا غنى عن ذلك السفر النفيس .
واصطدمت بمجموعة من الأحاديث أصابتني إصابة بالغة منها ما أخرجه البخاري في صحيحه :
عن الزهري أنه قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت .
وفي رواية أخرى :
قال : ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . قيل : الصلاة ؟ قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها ؟ ! صحيح البخاري 1 / 133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها ، باب تضييع الصلاة عن وقتها .
ثم قرأت في موطأ مالك : - كتاب الصلاة - باب مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلاَةِ
154. وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ، جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُؤْذِنُهُ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ . فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ .
155. وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ إِلاَّ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ .
ثم تنقلت بين كتب السنة أقرأ فيها وأستعير مالا أملكه في مكتبتي فوقفت عند هذه الأحاديث :
منها : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، والترمذي في سننه وصححه ، والنسائي في سننه ، وأحمد في المسند عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله - في حديث - قال : ألا وإنه يجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول كما قال العبد الصالح : (( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم )).
صحيح البخاري 6 / 69 كتاب التفسير ، باب سورة المائدة ، 6 / 122 سورة الأنبياء ، 8 / 136 كتاب الرقاق ، باب 45 .
صحيح مسلم 4 / 2195 كتاب الجنة . . . باب 14 ، سنن الترمذي 5 / 321 - 322 قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . سنن النسائي 4 / 117 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2 / 449 . مسند أحمد 1 / 235 ، 253 .
ومنها : ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلون ( أي يطردون ويبعدون ) عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى .
صحيح البخاري 8 / 150 كتاب الرقاق ، باب في الحوض .
وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال : يرد علي الحوض رجال من أصحابي ، فيحلؤون عنه ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى .
صحيح البخاري 8 / 150 كتاب الرقاق ، باب في الحوض .
ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد بن حنبل في المسند وغيرهما عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم ، فأقول : يا رب ، أصحابي أصحابي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
صحيح مسلم 4 / 1796 كتاب الفضائل ، باب رقم 9 . مسند أحمد بن حنبل 1 / 384 ، 406 ، 407 ، 425 ، 453 .
ومنها : ما أخرجه البخاري - واللفظ له - ومسلم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني فرطكم على الحوض ، من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم .
قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول : إنهم مني . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي .
صحيح البخاري 8 / 150 . صحيح مسلم 4 / 1793 .
ومنها : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وأحمد في المسند وغيرهم ، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ليردن علي ناس من أصحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي . فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك .
صحيح البخاري 8 / 149 . صحيح مسلم 4 / 1800 . مسند أحمد بن حنبل 3 / 281 ، 5 / 48 ، 50 .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي رواها حفاظ الحديث من أهل السنة بطرق كثيرة جدا وبألفاظ متقاربة ، وفيما ذكرته كفاية .
راجع إن شئت صحيح البخاري 8 / 148 - 150 ، وصحيح مسلم 1 / 217 ، 4 / 1794 - 1796 ، سنن الترمذي 4 / 615 - 616 . سنن ابن ماجة 2 / 1016 . مسند أحمد 1 / 254 ، 402 ، 439 ، 455 ، 3 / 28 ، 102 ، 5 / 388 ، 393 ، 400 ، 412 . صحيح ابن خزيمة 1 / 7 . مجمع الزوائد 10 / 364 - 365 . صحيح سنن ابن ماجة 2 / 182 . الموطأ ، ص 23 . مختصر إتحاف السادة المهرة 10 / 594 . مسند ابن أبي شيبة 1 / 86 ، 94 .
وقد قرأت في شرح هذه الأحاديث :1. قوله صلى الله عليه وآله : أقوام يدل على كثرة من بدل وأحدث بعد النبي صلى الله عليه وآله ، ومنه يستفاد كثرة ما حرف في الدين وبدل .
2. وقوله صلى الله عليه وآله : من أصحابي ظاهر في أن أولئك المبدلين في الدين والمحدثين فيه هم ممن صحب النبي خالطه .
3. وقوله صلى الله عليه وآله : ارتدوا على أدبارهم القهقرى : الارتداد : هو الرجوع ، أعم من أن يكون من الدين أو من غيره ، وإن غلب إطلاقه على الرجوع عن الدين ، وهو محتمل في هذه الأحاديث ، إلا أن قوله : أحدثوا ظاهر في أنهم كانوا باقين على الإسلام ، لأن المرتد عن الدين بعد النبي صلى الله عليه وآله لا يمكنه أن يحدث في الإسلام شيئا ، اللهم إلا إذا كان يبطن خلاف ما يظهر ، ولعل المراد بالارتداد هو الرجوع عن بعض الواجبات الدينية المهمة ، والتنصل منها بعد توكيدها ، كبيعة أمير المؤمنين بالخلافة .
وعلى هذا يكون المراد في هذه الأحاديث : أنهم أحدثوا في الدين ما أحدثوا ، وبدلوا في أحكام الله ما بدلوا . وبما أن هذا المعنى يثير سؤالا ، وهو : أنهم إذا كانوا قد اتبعوا الخليفة الحق المنصوص عليه من قبل النبي صلى الله عليه وآله فكيف تأتي لهم أن يحدثوا في الدين ما شاءوا ؟ أجاب بقوله : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى أي رجعوا عن ما وقع منهم أو أمروا به من البيعة لأمير المؤمنين .
ولكن جاء استبصاري العاجل والفوري عندما قرأت في صحيح البخاري في كتاب المرضى : باب قول المريض قوموا عني :
5345 - حدثنا إبراهيم بن موسى: حدثنا هشام ، عن معمر . وحدثني عبد الله بن محمد : حدثنا عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن الزُهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
لما حُضِرَ رسول الله في البيت رجال ، فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هَلُمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده) . فقال عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرِّبوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (قوموا).
قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرَّزيَّة كل الرَّزيَّة ما حال بين رسول الله بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، من اختلافهم ولغطهم .
وصُدمتُ عندما قرأت في بعض الروايات أنه بدلاً من كلمة ( غلبه الوجع ) قال ( إنه يهجر ) ، وتساءلت : كيف يقال هذا لسيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله ، فكان استبصاري الغير المعلن بسبب هذا الحديث حديث ( رزية يوم الخميس ) . . . . . . .
ثم فوجئت في أحد الأيام بشقيقي الأكبر يدخل عليَّ ويقول متساءلاً : هل تحب آل البيت كما علَّمنا والدنا ؟
فأجبته بدون تردد : طبعاً يا أخي وهل لنا في الكون من نور سوى آل البيت .
فسألني السؤال التالي : فماذا تفعل لو علمت أن هناك أناس يحبون آل البيت أكثر منَّا ؟
فأجبته : أكثر منا ! لا أظن أن هناك أحد يحب آل البيت كما نحبهم ؟ فمن تقصد ؟
فقال شقيقي : الشيعة .
قلت : ( وفي قلبي بركان يغلي مما قرأته سابقاً ) مجادلاً أخي لأستطلع هل ما أخبرتني به والدتنا من أن شقيقي الأكبر تشيع صدق أم اختلط الأمر عليها : ولكنني أسمع أنهم يحرِّفون الدين ؟
قال : هذه حرب يشنها البعض عليهم لأن حجتهم من كتب غيرهم ، فدائما حجة الشيعة هي كتب السنة .
فكانت مفاجئتي لشقيقي بأن أوردت له ملخص ما قرأت واعتراضي عليه وأنني على أعتاب الاستبصار وطلبت منه أن يتركني لقلبي وعقلي ولا يؤثر عليَّ .
فوافق ولكن بعد أن قرأ لي ما حدث للزهراء ، وقرأنا خطبتها في كتاب نثر الدر للآبي ، فغلبني البكاء ونمت في ليلة حزينة ـ مما قرأت من أحداث جرت على البضعة الطاهرة ـ فرأيت والدي مقبلاً عليَّ مرتدياً عمامة سوداء مبتسماً مقبلاً عليَّ بمجامعه قائلاً : الحق مع آل محمد وفيهم ومنهم فالزمهم ، ألم أحدثكم بهذا طيلة حياتي .
استيقظت مستبشراً في ذلك اليوم ـ وكان من أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب ـ فذهبت للمعرض ووجدت كتاباً صغيراً اسمه ( لماذا اخترت مذهب أهل البيت للأنطاكي ) وكان هذا الكتاب أول الكتب التي اقرأها بقلبي وعقلي معاً ثم توالت قراءاتي ومناقشاتي حتى عُرف عني أنني وأهل بيتي جميعاً من شيعة آل محمد والحمد لله رب العالمين .
وكفاني أنني دائماً ما أردد :
ولايتي لأمير النحل تكفيني * * * عند الممات وتغسيلي وتكفيني
وطينتي عُجنت من قبل تكويني * * * بحبِّ حيدر كيف النار تكويني
Comment