إبطال ما استدل به لإمامة أبي بكر
يقول صاحب كتاب شرح المواقف :
المقصد الرابع : في الإمام الحق بعد رسول الله ، هو عندنا أبو بكر ، وعند الشيعة علي . . . لنا وجهان - أي دليلان - الأول : إن طريقه وتعيين الإمام إما النص أو الإجماع . . . أما النص فلم يوجد ، وأما الإجماع فلم يوجد على غير أبي بكر اتفاقا من الأمة . . . الإجماع منعقد على حقية إمامة أحد الثلاثة : أبي بكر وعلي والعباس [ أي الشبهة منحصرة ومحصورة بين هؤلاء الثلاثة ] ثم إنهما [ أي علي والعباس ] لم ينازعا أبا بكر ، ولو لم يكن على الحق [ أبو بكر ] لنازعاه . إذن يتم الدليل على إمامة أبي بكر عن طريق الإجماع ، ويعترف بعدم وجود النص . فالدليل الأول على إمامة أبي بكر هو الإجماع والنص مفقود .
ويقول صاحب شرح المقاصد في المبحث الثالث في طريق ثبوت الإمامة : إن الطريق إما النص وإما الاختيار ، والنص منتف في حق أبي بكر ، مع كونه إماما بالإجماع .
فظهر إلى الآن أن لا نص على أبي بكر ، وأن الدليل هو الإجماع .يبقى طريق ثالث ، هم أيضا يتعرضون لذلك الطريق ، وهو طريق الأفضلية، فكما نبحث نحن يبحثون هم أيضا عن الأفضلية ، ولكنهم عندما يبحثون عن الأفضلية يختلفون في اشتراطها في الإمام ، فمن أنكر اعتبار الأفضلية فلا داعي له للإصرار على أفضلية أبي بكر ، كالفضل ابن روزبهان ، وأما الذي يعتبر الأفضلية في الإمام ، فلا بد وأن يصر على أفضلية أبي بكر ، لأنه قائل بإمامة أبي بكر ، ومن هؤلاء القائلين بالأفضلية ابن تيمية ، ولذا يصر على أفضلية أبي بكر ، ويكذب كلما يستدل به الإمامية على أفضلية علي ( عليه السلام ) .
أدلة القوم على أفضلية أبي بكر:
حينئذ نرجع إلى بحث الأفضلية في كتاب المواقف وشرح المواقف يقول :
المقصد الخامس : في أفضل الناس بعد رسول الله ، هو عندنا وأكثر قدماء المعتزلة أبو بكر ، وعند الشيعة وعند أكثر متأخري المعتزلة علي . فيظهر إلى هنا : إن الدليل عندهم على إمامة أبي بكر : الإجماع والأفضلية ، بناء على اعتبار الأفضلية في الإمام ، والنص عندهم مفقود . أما نحن ، فقد أقمنا الأدلة الثلاثة كلها على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام . هم يقولون بعدم النص على أبي بكر ويعترفون بهذا ، فتبقى دعوى الأفضلية ، ثم دعوى الإجماع على إمامة أبي بكر .
فلننظر إلى أدلتهم في الأفضلية :
الدليل الأول: قوله تعالى ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى ). يقول في شرح المواقف : قال أكثر المفسرين وقد اعتمد عليه العلماء : إنها نزلت في أبي بكر ، فهو أتقى ، ومن هو أتقى فهو أكرم عند الله تعالى ، لقوله عز وجل : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )، فيكون أبو بكر هو الأفضل عند الله سبحانه وتعالى . ولا ريب أن من كان الأفضل والأكرم عند الله ، فهو المتعين للإمامة والخلافة بعد رسول الله ، وهذا لا إشكال فيه ، من كان الأكرم والأفضل عند الله فهو المتعين للإمامة والخلافة بعد رسول الله ، فيكون أبو بكر هو الأفضل ، الأفضل من الأمة كلها بعد رسول الله ، فهو المتعين للخلافة بعده ( صلى الله عليه وسلم ) .
الدليل الثاني : قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . فإن اقتدوا أمر ، والخطاب لعموم المسلمين ، وهذا الخطاب العام يشمل عليا ، فعلي أيضا مأمور بالاقتداء بالشيخين ، فيجب على علي أن يكون مقتديا بالشيخين ، والمقتدى هو الإمام . وهذا حديث نبوي يروونه في كتبهم ، فحينئذ يكون دليلا على إمامة أبي بكر ، وخلافة عمر فرع خلافة أبي بكر ، فإذا ثبتت خلافة أبي بكر ثبتت خلافة عمر ، وليس البحث الآن في خلافة عمر بن الخطاب .
الدليل الثالث: إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأبي الدرداء : والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر . وهذا في الحقيقة يصلح أن يكون نصا على إمامة أبي بكر ، والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على رجل أفضل من أبي بكر ، فيكون أبو بكر أفضل من علي ، وتقديم المفضول على الفاضل أو تقديم الفاضل على الأفضل قبيح ، فيكون أبو بكر هو المتعين للخلافة والإمامة بعد رسول الله .
الدليل الرابع: قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي بكر وعمر : هما سيدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين . ومن كان سيد القوم ، ومن كان كبير القوم ، فهو الإمام بينهم ، هو المقتدى بينهم ، هو المتبع لهم ، وعلي أيضا من الناس ، فيكون علي من جملة من عليه أن يتبع الشيخين وهما سيدا كهول أهل الجنة .
الدليل الخامس: قوله ( عليه السلام ) : ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه غيره . إذن ، غير أبي بكر لا يجوز أن يتقدم على أبي بكر ، وهذا يشمل عليا أيضا ، فعلي لا يجوز له أن يتقدم على أبي بكر ، ولا يجوز لأحد أن يدعي التقدم لعلي على أبي بكر ، لأنه سيخالف قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
الدليل السادس : تقديمه - أي تقديم النبي أبا بكر - في الصلاة مع أنها أفضل العبادات ، فأبو بكر صلى في مكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مرض النبي ، وكانت صلاته تلك على ما يروون بأمر من النبي ، والصلاة أفضل العبادات ، فإذا صلى أحد في مكان النبي وأم المسلمين بأمر من النبي ، فيكون هذا الشخص صالحا لأن يكون إماما للمسلمين بعد النبي .
الدليل السابع: قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : خير أمتي أبو بكر ثم عمر . وهذا أيضا حديث يروونه في كتبهم .
الدليل الثامن: قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : لو كنت متخذا خليلا دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلا .
الدليل التاسع: قوله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد ذكر عنده أبو بكر فقال رسول الله : وأين مثل أبي بكر ، كذبني الناس وصدقني ، وآمن بي وزوجني ابنته ، وجهزني بماله ، وواساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف .
الدليل العاشر: قول علي ( عليه السلام ) : خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم .
هذه هي عمدة أدلتهم على أفضلية أبي بكر ، تجدون هذه الأدلة في : كتب الفخر الرازي ، وفي الصواعق المحرقة ، وفي شرح المواقف ، وفي شرح المقاصد ، وفي عامة كتبهم من المتقدمين والمتأخرين ، وحتى المعتزلة ، أي المعتزلة أيضا يشاركون الأشاعرة في الاستدلال بمثل هذه الأدلة على إمامة أبي بكر ، إلا المعتزلة المتأخرين الذين لا يقولون بأفضلية أبي بكر ، وإنما يقولون بأفضلية علي ، لكن المصلحة اقتضت أن يتقدم أبو بكر على علي في الإمامة .
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
Comment