الخطبة الاولى:
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، الحمدلله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي السلام عليكم...
(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ) [سورة النجم 8 - 18]
[ ... سأل أبو بصير أبا عبد الله (ع)، فقال: (جعلت فداك كم عرج برسول الله (ص) ؟
فقال (ع): مرتين، فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إنّ ربك يصلي ، فقال (ص): يا جبرائيل وكيف يصلي ؟
قال: يقول: سُبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي.
فقال (ص): اللهم عفوك عفوك.
قال: وكان كما قال الله: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾([59]).
فقال له أبو بصير: جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى ؟
قال (ع): ما بين سيتها إلى رأسها ([60])، فقال (ع): كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ([61])، ولا أعلمه إلاّ وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سم الإبرة ([62]) إلى ما شاء الله من نور العظمة.
فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد.
قال: لبيك ربي. (...) ) ([63]).
فمحمد (ص) في الآن الذي يفنى في الذات الإلهية لا يبقى إلاّ الله الواحد القهّار، ولا يبق إلاّ نور لا ظلمة معه، وهو الله سبحانه وتعالى، فيكون هذا العبد قد كشف عنه الغطاء حتى عرف الله حق معرفته. فهو فقط الذي يمكن أن يُعرّف الخلق بالله بشكل كامل وتام، وكذلك هو فقط خليفة الله الكامل، أي الذي تجلّى فيه اللاهوت، أو الذات الإلهية بأكمل ما هو ممكن للإنسان. ... ] النبوة الخاتمة (مقتطفان)
[60]- قال ابن منظور: بينهما قاب قوس، وقيب قوس، وقاد قوس، وقيد قوس، أي قدر قوس.
والقاب: ما بين المقبض والسية. ولكل قوس قابان، وهما ما بين المقبض والسية) لسان العرب: ج1 ص693.وسية القوس: ما عطف من طرفيه . [62]- سم الإبرة: ثقبها .
[ بل إنّهم في مقاماتهم المحمودة - لمّا عرفوا أنّهم لا يزالون مشوبين بالعدم وظلمته والنقص وحقيقته - عدّوا وجودهم وبقاءهم ذنباً، فاستغفروا الله منه وتابوا إليه وطلبوا عفوه ورحمته. هذا مع أنّ وجودهم رهن بقاء هذا الحجاب، وبقاؤهم رهن تشوبهم بالظلمة والعدم، وهذا أمير المؤمنين علي (ع) يقول: (إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها، فلها الويل إن لم تغفر لها) ([4]).
فعدَّ التفاته إلى وجوده ذنباً، بل لعلّي أقول: عدَّ وجوده ذنباً لِمَا فيه من شائبة العدم، التي بدونها لا يبقى له اسم ولا رسم، بل يفنى ولا يبقى إلاّ الله الواحد القهار.
وفي الحديث عن الصادق (ع): (فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: (...)
أمّا طلب النبي للعفو فقد تبيّن، وأمّا خفق الحجاب فهو: استجابة منه جلَّ شأنه لطلب النبي للعفو، وإماطة حجاب العدم والظلمة عن صفحة وجوده المباركة، ولكنّها استجابة جزئيّة بما هو أهله سبحانه، فلو رفع الحجاب لما عاد للنبي أسم ولا رسم ولا حقيقة. ... ] شيء من تفسير سورة الفاتحة (مقتطفان)
[ أما الحجب النورانية: فهي كلمات الله سبحانه وتعالى، والفيض النازل منه سبحانه إلى خلقه ولها حال في كل مقام ولكل إنسان سالك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، فهي بالنسبة لخير الخلق محمد (ص) (القرآن أو الحجاب الذي يخفق) كما ورد في الرواية عن الصادق (ع) قال: (فأوقفه جبرائيل موقفاً، ...
وهذا الحجاب الزبرجد الأخضر الذي يخفق هو إشارة إلى حجب الظلمة وحجب النور، وارتفاع حجب الظلمة بالفتح في مثل سم الإبرة، وارتفاع حجب النور بالخفق الحاصل للحجاب، فحجب الظلمة تخرق بالتخلي عن جنود الجهل والأنا، وحجب النور يحتويها الإنسان ويفنى فيها عندما يتحلى بجنود العقل والأخلاق الكريمة، وهكذا الإنسان في مسيرته التكاملية يسعى إلى أن يصل إلى رفع الأنا عن صفحة وجوده، والتحلي بجميع جنود العقل وهذا هو الفتح المبين ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ ([51]).
وهذا هو المقام المحمود الذي وصل إليه الرسول الكريم محمد (ص) وقد تجلى في هذا المقام الله سبحانه وتعالى لمحمد (ص) في آنات (وكان بينهما حجاب يتلألأ ويخفق) أي: إنّ الحجاب يرتفع في آنٍ ويعود في آنٍ آخر، وحال ارتفاعه لا يبقى محمد (ص) بل يفنى ويحترق، ولا يبقى وجه الله محمد (ص) بل لا يبقى إلا الله الواحد القهار.
...
ج س - د: اتضح مما سبق أنها رفعت بشكل تام لمحمد (ص)، ولكن ليس على الدوام بل في آنات، كما اتضح أن العلّة في عدم رفعها بشكل دائم هي أنها لو رفعت بشكل دائم لا يبقى للعبد هوية، بل لا يبقى إلا الله الواحد القهار بعد احتراق العبد وفنائه في الذات الإلهية، ولم ترفع هذه الحجب بشكل تام لغير محمد (ص) وهو صاحب المقام المحمود، وقال سيد العارفين علي (ع): (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً) ([53]). فالغطاء والحجاب الذي رفع لمحمد (ص)حجاب اللاهوت، وإلا فعلي (ع) كشف له الغطاء بالمراتب الأدنى من هذه المرتبة التي ذكرها (ع)، وقد كان (ع) يسير في جبانة الكوفة ويكلم الموتى كما روى حبة العرني ([54]). ] المتشابهات ج2 س28 (3 مقتطفات)
[ ولأن محمداً (ص) هو صاحب الفتح المبين، وهو الذي فتح له مثل سم الإبرة، وكشف له شيء من حجاب اللاهوت، فرأى من آيات ربه الكبرى ([33]). وهو مدينة العلم ([34])، وهي صورة لمدينة الكمالات الإلهية أو الذات الإلهية. ] المتشابهات ج1 س2
[ ... وهذا هو الفتح المبين لمحمد (ص) قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ ([417])، فالحجاب يخفق وفي آنٍ لا يبقى إلا الله الواحد القهار، وهذا هو غفران الذنب الباقي مع بقاء محمد (ص) لأنه الأنا والشخصية (اقرأ تفسير الفاتحة والمتشابهات لتتوضح لك مسألة الفتح المبين).
إذن، عند الفتح لا يبقى إلا الله، لا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه؛ لأن الظلمة هي الذنب المغفور لمحمد (ص)، أي المرفوع عن صفحة وجوده (ص)، وبهذا لا يبقى لمحمد (ص)، إلا الكنه والحقيقة أو (الاسم الأعظم الأعظم الأعظم) أو الاسم المكنون المخزون عنده سبحانه أو يوم الغيبة أو الحرف ... ] المتشابهات ج4 س180
[ كان لرسول الله محمد (ص) حالةً مع ربه سبحانه وتعالى لم يكن لأمير المؤمنين علي (ع) ولا لغيره من الأنبياء والمرسلين نصيب فيها. ورسول الله (ص) خُصّ بأنّ قرينه أسلم ؛ لأنه في آنات كشف الحجاب والفتح المبين لا تبقى شائبة الظلمة والعدم ولا يبقى محمد (ص)، بل لا يبقى إلا الله الواحد القهار، نور لا ظلمة فيه سبحانه وتعالى عما يشركون. ] المتشابهات ج3 من السؤال78
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس]
***
الخطبة الثانية:
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد وصل على علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي السجاد ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجة الخلف الهادي المهدي وأحمد ابن محمد وصي الامام المهدي والمهديين من ولده حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة.
[ ومحمد (ص) هو الحجاب بين الحق والخلق لفنائه في القرآن، ثم خفقه بين الإنسانية وبين الذات الإلهية فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، ولم أقل: فلا يبقى إلا الله الرحمن الرحيم؛ لأن محمداً (ص) هو الرحمة في الخلق فإذا فني في الذات الإلهية لم تبق إلا النقمة والقهر، حيث إن نظر الله سبحانه وتعالى إلى محمد (ص)، قال تعالى: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾. ] التوحيد
[ ولو أعرضنا عن كل ما تقدم فبيان باطلهم يكفيه هذا البيان إن كانوا يعقلون، وهو:
إن الله نور لا ظلمة فيه، وكل عوالم الخلق هي نور مختلط بالظلمة وموجودات ظهرت بتجلي نوره سبحانه في الظلمات، ولذا فلا يمكن اعتبار أن الله قد حل في مخلوق أو ظهر في مخلوق ظهوراً تاماً في عوالم الخلق - كما يدعون بعيسى وروح القدس - ؛ لأن معنى هذا أنها لا تبقى بل تفنى ولا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه، أي لا يبقى خلق بل فقط الله سبحانه وهو نور لا ظلمة فيه، ولذا قلنا وكررنا إن محمداً يخفق بين اللاهوت والأنا والإنسانية، وأكدت هذا لكي لا يتوهم متوهم أن الله - وهو نور لا ظلمة فيه - يحل في عوالم الخلق تعالى الله علواً كبيراً، والأمر بيّن واضح فمعنى ظهور النور الذي لا ظلمة فيه في عوالم الخلق ظهوراً تاماً هو فناؤها واندثارها ولا يبقى لها اسم ولا رسم ولا معنى، بل لا يبقى إلا الله النور الذي لا ظلمة فيه تعالى الله علواً كبيراً. ] التوحيد
[ ... محمداً (ص) في المراحل الثلاث الأولى (سرادق, العرش, الكرسي) برزخ بين الحق والخلق فهو يخفق فساعة لا يبقى إلا الله الواحد القهار وساعة يعود إلى الأنا والشخصية، أما في مرتبة العرش العظيم فهو مستقر في الخلق وهو عبد الله. ] التوحيد
[ ... والقرآن هو نقطة النون، وهو الفيض النازل من الله لمحمد (ص) عبد الله، والقرآن وجه الله الذي واجه به محمداً (ص)، والقرآن هو الحجاب النوري بين الله ومحمد (ص)، كما ورد في الرواية عن الصادق (ع): (... وبينهما حجاب يخفق ...) ([126]).
والقرآن هو سرادق عرش الله الأعظم، وهو عرش الله الأعظم المواجه لباب الله أو الذات (الرحمن)، وفي دعاء الحسين (ع) في عرفة: (يا من استوى برحمانيته فصار العرش غيباً في ذاته محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار، يا من احتجب في سرادقات عرشه ...) ([127]).
وقال تعالى : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ ([128])، فباب الله (الرحمن) احتجب بالعرش، وتجلّى لمحمد (ص) بالعرش الأعظم أو القرآن، وفي آنات يرفع هذا الحجاب لمحمد (ص)، وذلك بأن يحتوي محمد (ص) حُجُب النور أو القرآن، وتتجلّى فيه. وفي هذه الآنات يكون محمد (ص) والقرآن واحداً، أو محمد (ص) والعرش الأعظم واحد. ثم لا يبقى محمد (ص) أو العرش الأعظم أو القرآن: (… فصار العرش غيباً في ذاته محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار …)، ولا يبقى في هذه الآنات إلا الله الواحد القهار، وهكذا فمحمد (ص) يخفق مع خفق الحجاب. ] المتشابهات ج3 س81
[ ... والحديث أعلاه المروي عنهم (ع) لا ينفي الكشف لحجب الظلمة والنور مطلقاً، بل ينفي الكشف التام الدائم، أما الكشف التام في آنات فهو حاصل لمحمد (ص)، وهو (ص) يخفق مع خفق الحجاب والكون كله يخفق مع محمد (ص)، ولو قرأت القرآن لخفقت مع خفقه ذهاباً ومجيئاً دون قصد منك لهذا الفعل، بل كأنك مضطر إليه. ... ] المتشابهات ج2 س28
[ تنبيه: مسألة التفاوتات الكمية في الفضاء أو ظهور الجسيمات أو الأوتار التي تحمل طاقة موجبة ومضاداتها وفناءها يدل بوضوح على ما نقوله دائماً وهو أن المخلوق الأول (محمد) يخفق بين الظهور والفناء أو لنسميها كما يسميها علماء الفيزياء اليوم مجموع طاقتين موجبة وسالبة تظهر وتختفي، والأكوان كلها ومنها كوننا تتبعه في خفقه ولهذا نجد أنه من الممكن جداً بل ومن الطبيعي أن تظهر وتختفي الطاقات في المستوى ما دون الذري في عملية أشبه ما تكون بالخفق الذي وصفه الإمام الصادق (عليه السلام) بأنه حجاب يخفق أو لنقل كستارة موضوعة أمام باب وتحركها الريح فتخفق.
فقد سأل أبو بصير الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال: [جعلت فداك كم عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ... ] وهم الالحاد ص562
نختم بهذا الدعاء ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين، وأستغفر الله لي ولكم
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آ مَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر]
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، الحمدلله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي السلام عليكم...
(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَىٰ * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ) [سورة النجم 8 - 18]
[ ... سأل أبو بصير أبا عبد الله (ع)، فقال: (جعلت فداك كم عرج برسول الله (ص) ؟
فقال (ع): مرتين، فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إنّ ربك يصلي ، فقال (ص): يا جبرائيل وكيف يصلي ؟
قال: يقول: سُبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي.
فقال (ص): اللهم عفوك عفوك.
قال: وكان كما قال الله: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾([59]).
فقال له أبو بصير: جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى ؟
قال (ع): ما بين سيتها إلى رأسها ([60])، فقال (ع): كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ([61])، ولا أعلمه إلاّ وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سم الإبرة ([62]) إلى ما شاء الله من نور العظمة.
فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد.
قال: لبيك ربي. (...) ) ([63]).
فمحمد (ص) في الآن الذي يفنى في الذات الإلهية لا يبقى إلاّ الله الواحد القهّار، ولا يبق إلاّ نور لا ظلمة معه، وهو الله سبحانه وتعالى، فيكون هذا العبد قد كشف عنه الغطاء حتى عرف الله حق معرفته. فهو فقط الذي يمكن أن يُعرّف الخلق بالله بشكل كامل وتام، وكذلك هو فقط خليفة الله الكامل، أي الذي تجلّى فيه اللاهوت، أو الذات الإلهية بأكمل ما هو ممكن للإنسان. ... ] النبوة الخاتمة (مقتطفان)
[60]- قال ابن منظور: بينهما قاب قوس، وقيب قوس، وقاد قوس، وقيد قوس، أي قدر قوس.
والقاب: ما بين المقبض والسية. ولكل قوس قابان، وهما ما بين المقبض والسية) لسان العرب: ج1 ص693.وسية القوس: ما عطف من طرفيه . [62]- سم الإبرة: ثقبها .
[ بل إنّهم في مقاماتهم المحمودة - لمّا عرفوا أنّهم لا يزالون مشوبين بالعدم وظلمته والنقص وحقيقته - عدّوا وجودهم وبقاءهم ذنباً، فاستغفروا الله منه وتابوا إليه وطلبوا عفوه ورحمته. هذا مع أنّ وجودهم رهن بقاء هذا الحجاب، وبقاؤهم رهن تشوبهم بالظلمة والعدم، وهذا أمير المؤمنين علي (ع) يقول: (إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها، فلها الويل إن لم تغفر لها) ([4]).
فعدَّ التفاته إلى وجوده ذنباً، بل لعلّي أقول: عدَّ وجوده ذنباً لِمَا فيه من شائبة العدم، التي بدونها لا يبقى له اسم ولا رسم، بل يفنى ولا يبقى إلاّ الله الواحد القهار.
وفي الحديث عن الصادق (ع): (فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: (...)
أمّا طلب النبي للعفو فقد تبيّن، وأمّا خفق الحجاب فهو: استجابة منه جلَّ شأنه لطلب النبي للعفو، وإماطة حجاب العدم والظلمة عن صفحة وجوده المباركة، ولكنّها استجابة جزئيّة بما هو أهله سبحانه، فلو رفع الحجاب لما عاد للنبي أسم ولا رسم ولا حقيقة. ... ] شيء من تفسير سورة الفاتحة (مقتطفان)
[ أما الحجب النورانية: فهي كلمات الله سبحانه وتعالى، والفيض النازل منه سبحانه إلى خلقه ولها حال في كل مقام ولكل إنسان سالك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، فهي بالنسبة لخير الخلق محمد (ص) (القرآن أو الحجاب الذي يخفق) كما ورد في الرواية عن الصادق (ع) قال: (فأوقفه جبرائيل موقفاً، ...
وهذا الحجاب الزبرجد الأخضر الذي يخفق هو إشارة إلى حجب الظلمة وحجب النور، وارتفاع حجب الظلمة بالفتح في مثل سم الإبرة، وارتفاع حجب النور بالخفق الحاصل للحجاب، فحجب الظلمة تخرق بالتخلي عن جنود الجهل والأنا، وحجب النور يحتويها الإنسان ويفنى فيها عندما يتحلى بجنود العقل والأخلاق الكريمة، وهكذا الإنسان في مسيرته التكاملية يسعى إلى أن يصل إلى رفع الأنا عن صفحة وجوده، والتحلي بجميع جنود العقل وهذا هو الفتح المبين ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ ([51]).
وهذا هو المقام المحمود الذي وصل إليه الرسول الكريم محمد (ص) وقد تجلى في هذا المقام الله سبحانه وتعالى لمحمد (ص) في آنات (وكان بينهما حجاب يتلألأ ويخفق) أي: إنّ الحجاب يرتفع في آنٍ ويعود في آنٍ آخر، وحال ارتفاعه لا يبقى محمد (ص) بل يفنى ويحترق، ولا يبقى وجه الله محمد (ص) بل لا يبقى إلا الله الواحد القهار.
...
ج س - د: اتضح مما سبق أنها رفعت بشكل تام لمحمد (ص)، ولكن ليس على الدوام بل في آنات، كما اتضح أن العلّة في عدم رفعها بشكل دائم هي أنها لو رفعت بشكل دائم لا يبقى للعبد هوية، بل لا يبقى إلا الله الواحد القهار بعد احتراق العبد وفنائه في الذات الإلهية، ولم ترفع هذه الحجب بشكل تام لغير محمد (ص) وهو صاحب المقام المحمود، وقال سيد العارفين علي (ع): (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً) ([53]). فالغطاء والحجاب الذي رفع لمحمد (ص)حجاب اللاهوت، وإلا فعلي (ع) كشف له الغطاء بالمراتب الأدنى من هذه المرتبة التي ذكرها (ع)، وقد كان (ع) يسير في جبانة الكوفة ويكلم الموتى كما روى حبة العرني ([54]). ] المتشابهات ج2 س28 (3 مقتطفات)
[ ولأن محمداً (ص) هو صاحب الفتح المبين، وهو الذي فتح له مثل سم الإبرة، وكشف له شيء من حجاب اللاهوت، فرأى من آيات ربه الكبرى ([33]). وهو مدينة العلم ([34])، وهي صورة لمدينة الكمالات الإلهية أو الذات الإلهية. ] المتشابهات ج1 س2
[ ... وهذا هو الفتح المبين لمحمد (ص) قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ ([417])، فالحجاب يخفق وفي آنٍ لا يبقى إلا الله الواحد القهار، وهذا هو غفران الذنب الباقي مع بقاء محمد (ص) لأنه الأنا والشخصية (اقرأ تفسير الفاتحة والمتشابهات لتتوضح لك مسألة الفتح المبين).
إذن، عند الفتح لا يبقى إلا الله، لا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه؛ لأن الظلمة هي الذنب المغفور لمحمد (ص)، أي المرفوع عن صفحة وجوده (ص)، وبهذا لا يبقى لمحمد (ص)، إلا الكنه والحقيقة أو (الاسم الأعظم الأعظم الأعظم) أو الاسم المكنون المخزون عنده سبحانه أو يوم الغيبة أو الحرف ... ] المتشابهات ج4 س180
[ كان لرسول الله محمد (ص) حالةً مع ربه سبحانه وتعالى لم يكن لأمير المؤمنين علي (ع) ولا لغيره من الأنبياء والمرسلين نصيب فيها. ورسول الله (ص) خُصّ بأنّ قرينه أسلم ؛ لأنه في آنات كشف الحجاب والفتح المبين لا تبقى شائبة الظلمة والعدم ولا يبقى محمد (ص)، بل لا يبقى إلا الله الواحد القهار، نور لا ظلمة فيه سبحانه وتعالى عما يشركون. ] المتشابهات ج3 من السؤال78
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس]
***
الخطبة الثانية:
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد وصل على علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي السجاد ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجة الخلف الهادي المهدي وأحمد ابن محمد وصي الامام المهدي والمهديين من ولده حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة.
[ ومحمد (ص) هو الحجاب بين الحق والخلق لفنائه في القرآن، ثم خفقه بين الإنسانية وبين الذات الإلهية فلا يبقى إلا الله الواحد القهار، ولم أقل: فلا يبقى إلا الله الرحمن الرحيم؛ لأن محمداً (ص) هو الرحمة في الخلق فإذا فني في الذات الإلهية لم تبق إلا النقمة والقهر، حيث إن نظر الله سبحانه وتعالى إلى محمد (ص)، قال تعالى: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾. ] التوحيد
[ ولو أعرضنا عن كل ما تقدم فبيان باطلهم يكفيه هذا البيان إن كانوا يعقلون، وهو:
إن الله نور لا ظلمة فيه، وكل عوالم الخلق هي نور مختلط بالظلمة وموجودات ظهرت بتجلي نوره سبحانه في الظلمات، ولذا فلا يمكن اعتبار أن الله قد حل في مخلوق أو ظهر في مخلوق ظهوراً تاماً في عوالم الخلق - كما يدعون بعيسى وروح القدس - ؛ لأن معنى هذا أنها لا تبقى بل تفنى ولا يبقى إلا نور لا ظلمة فيه، أي لا يبقى خلق بل فقط الله سبحانه وهو نور لا ظلمة فيه، ولذا قلنا وكررنا إن محمداً يخفق بين اللاهوت والأنا والإنسانية، وأكدت هذا لكي لا يتوهم متوهم أن الله - وهو نور لا ظلمة فيه - يحل في عوالم الخلق تعالى الله علواً كبيراً، والأمر بيّن واضح فمعنى ظهور النور الذي لا ظلمة فيه في عوالم الخلق ظهوراً تاماً هو فناؤها واندثارها ولا يبقى لها اسم ولا رسم ولا معنى، بل لا يبقى إلا الله النور الذي لا ظلمة فيه تعالى الله علواً كبيراً. ] التوحيد
[ ... محمداً (ص) في المراحل الثلاث الأولى (سرادق, العرش, الكرسي) برزخ بين الحق والخلق فهو يخفق فساعة لا يبقى إلا الله الواحد القهار وساعة يعود إلى الأنا والشخصية، أما في مرتبة العرش العظيم فهو مستقر في الخلق وهو عبد الله. ] التوحيد
[ ... والقرآن هو نقطة النون، وهو الفيض النازل من الله لمحمد (ص) عبد الله، والقرآن وجه الله الذي واجه به محمداً (ص)، والقرآن هو الحجاب النوري بين الله ومحمد (ص)، كما ورد في الرواية عن الصادق (ع): (... وبينهما حجاب يخفق ...) ([126]).
والقرآن هو سرادق عرش الله الأعظم، وهو عرش الله الأعظم المواجه لباب الله أو الذات (الرحمن)، وفي دعاء الحسين (ع) في عرفة: (يا من استوى برحمانيته فصار العرش غيباً في ذاته محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار، يا من احتجب في سرادقات عرشه ...) ([127]).
وقال تعالى : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ ([128])، فباب الله (الرحمن) احتجب بالعرش، وتجلّى لمحمد (ص) بالعرش الأعظم أو القرآن، وفي آنات يرفع هذا الحجاب لمحمد (ص)، وذلك بأن يحتوي محمد (ص) حُجُب النور أو القرآن، وتتجلّى فيه. وفي هذه الآنات يكون محمد (ص) والقرآن واحداً، أو محمد (ص) والعرش الأعظم واحد. ثم لا يبقى محمد (ص) أو العرش الأعظم أو القرآن: (… فصار العرش غيباً في ذاته محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار …)، ولا يبقى في هذه الآنات إلا الله الواحد القهار، وهكذا فمحمد (ص) يخفق مع خفق الحجاب. ] المتشابهات ج3 س81
[ ... والحديث أعلاه المروي عنهم (ع) لا ينفي الكشف لحجب الظلمة والنور مطلقاً، بل ينفي الكشف التام الدائم، أما الكشف التام في آنات فهو حاصل لمحمد (ص)، وهو (ص) يخفق مع خفق الحجاب والكون كله يخفق مع محمد (ص)، ولو قرأت القرآن لخفقت مع خفقه ذهاباً ومجيئاً دون قصد منك لهذا الفعل، بل كأنك مضطر إليه. ... ] المتشابهات ج2 س28
[ تنبيه: مسألة التفاوتات الكمية في الفضاء أو ظهور الجسيمات أو الأوتار التي تحمل طاقة موجبة ومضاداتها وفناءها يدل بوضوح على ما نقوله دائماً وهو أن المخلوق الأول (محمد) يخفق بين الظهور والفناء أو لنسميها كما يسميها علماء الفيزياء اليوم مجموع طاقتين موجبة وسالبة تظهر وتختفي، والأكوان كلها ومنها كوننا تتبعه في خفقه ولهذا نجد أنه من الممكن جداً بل ومن الطبيعي أن تظهر وتختفي الطاقات في المستوى ما دون الذري في عملية أشبه ما تكون بالخفق الذي وصفه الإمام الصادق (عليه السلام) بأنه حجاب يخفق أو لنقل كستارة موضوعة أمام باب وتحركها الريح فتخفق.
فقد سأل أبو بصير الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال: [جعلت فداك كم عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ... ] وهم الالحاد ص562
نختم بهذا الدعاء ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين، وأستغفر الله لي ولكم
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آ مَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر]