الخطبة الاولى:
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، الحمدلله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي السلام عليكم...
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء 75
[ سؤال/ 149: ما معنى الآيات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ ([188]) ؟
الجواب: ... ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾([189]).
﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾؛ لعدم العمل مع ولي الله، فهؤلاء يظهرون الإيمان بولي الله ويدعون الإيمان بالولاية، ولكنهم يقصرون بالعمل بدون عذر حقيقي، إلا النفاق الذي استبطنته قلوبهم، ويقولون إنهم ﴿مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، ولكن استضعافهم غير حقيقي، وإنما جعلوا أنفسهم مستضعفين بحب الدنيا والركون إليها، وحب الحياة والخوف من الموت، فلو كان إيمانهم حقيقياً لأقدموا على العمل مع ولي الله وإن تعرضوا للمخاطر.
﴿أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً﴾: ولي الله هو أرض الله الواسعة ([190]) وعلمه واسع. ﴿فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾: فتهاجروا إلى الله في ولي الله.
﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ أي لا يستطيعون الاحتيال للخلاص من السجن الدنيوي، ولا يهتدون إلى طريقٍ للعمل مع ولي الله، وهؤلاء غلبتهم الظروف. فالرجل المعوق أو المرأة أو الصبي لا يستطيعون مواكبة مسيرة العمل، بسبب ظروفهم الخاصة، فهم يؤمنون بولي الله، ولكنهم يتركون العمل ونصرة ولي الله. وهؤلاء أيضاً عذرهم غير مقبول؛ لأن بإمكان كل منهم العمل بما يستطيع، أما إلقاء الحبل على الغارب فهو تقصير مع ولي الله، وبالتالي تقصير فيما أمرهم به الله.
﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾:
﴿فَأُولَئِكَ عَسَى …﴾: فهم مستحقون للعقاب، والعفو والمغفرة لمن لم يشرك منهم، فهم على الولاية ولكنهم لا يعملون، فالمغفرة لمن يقصر في العمل، وأما ترك الولاية لولي الله أو تولي غيره فهي شرك والشرك لا يغتفر. ... ] المتشابهات ج4
/2668 _3- علي بن إبراهيم، قوله تعالى: إنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ، قال: نزلت في من اعتزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يقاتل معه، فقالت الملائكة لهم عند الموت: فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي لم نعلم مع من الحق. فقال اللّه: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا أي دين اللّه و كتاب اللّه واسع، فتنظروا فيه فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَسٰاءَتْ مَصِيراً ثم استثنى، فقال: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ لاٰ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاٰ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. تفسير القمّيّ 1:149.
99-/2670 _5- وَ عَنْهُ:عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى،عَنْ يُونُسَ،عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ،عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عَنِ الْمُسْتَضْعَفِ؟فَقَالَ:«هُوَ الَّذِي لاَ يَهْتَدِي حِيلَةً إِلَى الْكُفْرِ فَيَكْفُرَ،وَ لاَ يَهْتَدِي سَبِيلاً إِلَى الْإِيمَانِ،لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكْفُرَ،فَهُمُ الصِّبْيَانُ،وَ مَنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ عَلَى مِثْلِ عُقُولِ الصِّبْيَانِ مَرْفُوعٌ عَنْهُمُ الْقَلَمُ». الكافي 2:1/297.
99-/2675 _10- وَ عَنْهُ:عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى،عَنْ يُونُسَ،عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ،عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «مَنْ عَرَفَ اخْتِلاَفَ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُسْتَضْعَفٍ».
عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْجَازِيِّ،عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ،أنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ضُرُوبٌ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً،وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ نَاصِباً فَهُوَ مُسْتَضْعَفٌ. معاني الأخبار:1/200.
عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ،قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): مَا حَدُّ الْمُسْتَضْعَفِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ؟ قَالَ:«مَنْ لاَ يُحْسِنُ سُورَةً مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ،وَ قَدْ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خِلْقَةً مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لاَ يُحْسِنَ». معاني الأخبار:7/202.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ،قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ الْآيَةَ.
قَالَ:«يَا سُلَيْمَانُ،فِي هَؤُلاَءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مَنْ هُوَ أَثْخَنُ رَقَبَةً مِنْكَ، الْمُسْتَضْعَفُونَ قَوْمٌ يَصُومُونَ وَ يُصَلُّونَ، تَعِفُّ بُطُونُهُمْ وَ فُرُوجُهُمْ وَ لاَ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِنَا، آخِذِينَ بِأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فَأُولٰئِكَ عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ إِذَا كَانُوا آخِذِينَ بِالْأَغْصَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا أُولَئِكَ، فَإِنْ عَفَا عَنْهُمْ فَبِرَحْمَتِهِ، وَ إِنْ عَذَّبَهُمْ فَبِضَلالَتِهِمْ عَمَّا عَرَّفَهُمْ». معاني الأخبار:9/202.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ،عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [1](عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ.
فَقَالَ:«الْبَلْهَاءُ فِي خِدْرِهَا،وَ الْخَادِمَةُ تَقُولُ لَهَا:صَلِّي، فَتُصَلِّي لاَ تَدْرِي إِلاَّ مَا قُلْتَ لَهَا،وَ الْجَلِيبُ [2] الَّذِي لاَ يَدْرِي إِلاَّ مَا قُلْتَ لَهُ،وَ الْكَبِيرُ الْفَانِي،وَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ،هَؤُلاَءِ الْمُسْتَضْعَفُونَ، فَأَمَّا رَجُلٌ شَدِيدُ الْعُنُقِ جَدِلٌ خَصِمٌ، يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَ الْبَيْعَ،لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَغْبُنَهُ فِي شَيْءٍ،تَقُولُ:هَذَا مُسْتَضْعَفٌ؟ لاَ،وَ لاَ كَرَامَةَ». معاني الأخبار:10/203.
تفسير البرهان – البحراني: ج2 ص(155-160)
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس]
***
الخطبة الثانية:
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد وصل على علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي السجاد ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجة الخلف الهادي المهدي وأحمد ابن محمد وصي الامام المهدي والمهديين من ولده حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة.
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء 75
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: المستضعفون. أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها.
الدر المنثور السيوطي ج2 ص593
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء 97
أخرج البخاري ... عن ابن عباس. أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمي به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل. فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}.
وأخرج ابن جرير ... عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة اسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } إلى آخر الآية. قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا، فلحقهم المشركون فاعطوهم الفتنة، فأنزلت فيهم هذه الآية { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } [العنكبوت: 10] إلى آخر الآية. فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير، فنزلت فيهم { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } [النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فاخرجوا، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل.
وأخرج ... وابن جرير عن عكرمة في قوله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله {وساءت مصيراً} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبي العاص بن منية بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف. قال: لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبان كارهين، كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد، فقتلوا ببدر كفاراً ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الذين سميناهم. ...
... وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان قوم بمكة قد أسلموا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله {إلا المستضعفين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: هم أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلم يخرجوا معه إلى المدينة، وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر، فأصيبوا يوم بدر فيمن أصيب. فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: " لما أسر العباس، وعقيل، ونوفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:افد نفسك وابن أخيك. قال: يا رسول الله ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم ثم تلا عليه هذه الآية {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}" " فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر {إلا المستضعفين} الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} حيلة في المال، والسبيل الطريق. قال ابن عباس: كنت أنا منهم من الولدان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: حدثت أن هذه الآية أنزلت في أناس تكلموا بالإسلام من أهل مكة، فخرجوا مع عدو الله أبي جهل، فقتلوا يوم بدر فاعتذروا بغير عذر، فأبى الله أن يقبل منهم، وقوله {إلا المستضعفين} قال: أناس من أهل مكة عذرهم الله فاستثناهم. قال: وكان ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
... وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال "لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وظهروا ونبع الإيمان نبع النفاق معه فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال فقالوا: يا رسول الله لولا أنا نخاف هؤلاء القوم يعذبونا، ويفعلون ويفعلون لأسلمنا، ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فكانوا يقولون ذلك له، فلما كان يوم بدر قام المشركون فقالوا: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره، واستبحنا ماله. فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القول للنبي صلى الله عليه وسلم معهم، فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة، قال: فأما الذين قتلوا فهم الذين قال الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلها {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم {أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} ثم عذر الله أهل الصدق فقال {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} اقامتهم بين ظهري المشركين. وقال الذين أسروا: يا رسول الله انك تعلم انا كنا نأتيك فنشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأن هؤلاء القوم خرجنا معهم خوفاً؟ فقال الله { { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم } } [الأنفال: 70] صنيعكم الذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم. { { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل } } [الأنفال: 71] خرجوا مع المشركين فأمكن منهم".
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانو يدعو في دبر كل صلاة: اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا"
. وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده. ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف"
. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله {إلا المستضعفين} يعني الشيخ الكبير، والعجوز، والجواري الصغار، والغلمان.
الدر المنثور في التفسير بالماثور – السيوطي: ج2 ص(646-649)
اختم بهذا الدعاء ان شاء الله
[ ... من دعاءه في استذكار الموت:
((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واكْفِنَا طُولَ الْأَمَلِ، وقَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ حَتَّى لَا نُؤَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ، ولَا اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ، ولَا اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ، ولَا لُحُوقَ قَدَمٍ بِقَدَمٍ وسَلِّمْنَا مِنْ غُرُورِهِ، وآمِنَّا مِنْ شُرُورِهِ، وانْصِبِ الْمَوْتَ بَيْنَ أَيْدِينَا نَصْباً، ولَا تَجْعَلْ ذِكْرَنَا لَهُ غِبّاً واجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ عَمَلًا نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إِلَيْكَ، ونَحْرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللَّحَاقِ بِكَ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأْنَسَنَا الَّذِي نَأْنَسُ بِهِ، ومَأْلَفَنَا الَّذِي نَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وحَامَّتَنَا الَّتِي نُحِبُّ الدُّنُوَّ مِنْهَا فَإِذَا أَوْرَدْتَهُ عَلَيْنَا وأَنْزَلْتَهُ بِنَا فَأَسْعِدْنَا بِهِ زَائِراً، وآنِسْنَا بِهِ قَادِماً، ولَا تُشْقِنَا بِضِيَافَتِهِ، ولَا تُخْزِنَا بِزِيَارَتِهِ، واجْعَلْهُ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ مَغْفِرَتِكَ، ومِفْتَاحاً مِنْ مَفَاتِيحِ رَحْمَتِكَ أَمِتْنَا مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ، طَائِعِينَ غَيْرَ مُسْتَكْرِهِينَ، تَائِبِينَ غَيْرَ عَاصِينَ ولَا مُصِرِّينَ، يَا ضَامِنَ جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ، ومُسْتَصْلِحَ عَمَلِ الْمُفْسِدِينَ.)) ] ٢ ٩ ٢٠٢١، ٢٤ محرم ١٤٤٣ (ليلة شهادة السجاد ع) ظهرا
هذا والحمدلله رب العالمين، وأستغفر الله لي ولكم
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آ مَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر]
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، الحمدلله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي السلام عليكم...
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء 75
[ سؤال/ 149: ما معنى الآيات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ ([188]) ؟
الجواب: ... ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾([189]).
﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾؛ لعدم العمل مع ولي الله، فهؤلاء يظهرون الإيمان بولي الله ويدعون الإيمان بالولاية، ولكنهم يقصرون بالعمل بدون عذر حقيقي، إلا النفاق الذي استبطنته قلوبهم، ويقولون إنهم ﴿مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، ولكن استضعافهم غير حقيقي، وإنما جعلوا أنفسهم مستضعفين بحب الدنيا والركون إليها، وحب الحياة والخوف من الموت، فلو كان إيمانهم حقيقياً لأقدموا على العمل مع ولي الله وإن تعرضوا للمخاطر.
﴿أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً﴾: ولي الله هو أرض الله الواسعة ([190]) وعلمه واسع. ﴿فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾: فتهاجروا إلى الله في ولي الله.
﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ أي لا يستطيعون الاحتيال للخلاص من السجن الدنيوي، ولا يهتدون إلى طريقٍ للعمل مع ولي الله، وهؤلاء غلبتهم الظروف. فالرجل المعوق أو المرأة أو الصبي لا يستطيعون مواكبة مسيرة العمل، بسبب ظروفهم الخاصة، فهم يؤمنون بولي الله، ولكنهم يتركون العمل ونصرة ولي الله. وهؤلاء أيضاً عذرهم غير مقبول؛ لأن بإمكان كل منهم العمل بما يستطيع، أما إلقاء الحبل على الغارب فهو تقصير مع ولي الله، وبالتالي تقصير فيما أمرهم به الله.
﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾:
﴿فَأُولَئِكَ عَسَى …﴾: فهم مستحقون للعقاب، والعفو والمغفرة لمن لم يشرك منهم، فهم على الولاية ولكنهم لا يعملون، فالمغفرة لمن يقصر في العمل، وأما ترك الولاية لولي الله أو تولي غيره فهي شرك والشرك لا يغتفر. ... ] المتشابهات ج4
/2668 _3- علي بن إبراهيم، قوله تعالى: إنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ، قال: نزلت في من اعتزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يقاتل معه، فقالت الملائكة لهم عند الموت: فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي لم نعلم مع من الحق. فقال اللّه: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا أي دين اللّه و كتاب اللّه واسع، فتنظروا فيه فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَسٰاءَتْ مَصِيراً ثم استثنى، فقال: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ لاٰ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاٰ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. تفسير القمّيّ 1:149.
99-/2670 _5- وَ عَنْهُ:عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى،عَنْ يُونُسَ،عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ،عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عَنِ الْمُسْتَضْعَفِ؟فَقَالَ:«هُوَ الَّذِي لاَ يَهْتَدِي حِيلَةً إِلَى الْكُفْرِ فَيَكْفُرَ،وَ لاَ يَهْتَدِي سَبِيلاً إِلَى الْإِيمَانِ،لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكْفُرَ،فَهُمُ الصِّبْيَانُ،وَ مَنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ عَلَى مِثْلِ عُقُولِ الصِّبْيَانِ مَرْفُوعٌ عَنْهُمُ الْقَلَمُ». الكافي 2:1/297.
99-/2675 _10- وَ عَنْهُ:عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى،عَنْ يُونُسَ،عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ،عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): «مَنْ عَرَفَ اخْتِلاَفَ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُسْتَضْعَفٍ».
عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْجَازِيِّ،عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ،أنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ضُرُوبٌ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً،وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ نَاصِباً فَهُوَ مُسْتَضْعَفٌ. معاني الأخبار:1/200.
عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ،قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): مَا حَدُّ الْمُسْتَضْعَفِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ؟ قَالَ:«مَنْ لاَ يُحْسِنُ سُورَةً مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ،وَ قَدْ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خِلْقَةً مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لاَ يُحْسِنَ». معاني الأخبار:7/202.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ،قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ الْآيَةَ.
قَالَ:«يَا سُلَيْمَانُ،فِي هَؤُلاَءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مَنْ هُوَ أَثْخَنُ رَقَبَةً مِنْكَ، الْمُسْتَضْعَفُونَ قَوْمٌ يَصُومُونَ وَ يُصَلُّونَ، تَعِفُّ بُطُونُهُمْ وَ فُرُوجُهُمْ وَ لاَ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِنَا، آخِذِينَ بِأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فَأُولٰئِكَ عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ إِذَا كَانُوا آخِذِينَ بِالْأَغْصَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا أُولَئِكَ، فَإِنْ عَفَا عَنْهُمْ فَبِرَحْمَتِهِ، وَ إِنْ عَذَّبَهُمْ فَبِضَلالَتِهِمْ عَمَّا عَرَّفَهُمْ». معاني الأخبار:9/202.
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ،عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [1](عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ.
فَقَالَ:«الْبَلْهَاءُ فِي خِدْرِهَا،وَ الْخَادِمَةُ تَقُولُ لَهَا:صَلِّي، فَتُصَلِّي لاَ تَدْرِي إِلاَّ مَا قُلْتَ لَهَا،وَ الْجَلِيبُ [2] الَّذِي لاَ يَدْرِي إِلاَّ مَا قُلْتَ لَهُ،وَ الْكَبِيرُ الْفَانِي،وَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ،هَؤُلاَءِ الْمُسْتَضْعَفُونَ، فَأَمَّا رَجُلٌ شَدِيدُ الْعُنُقِ جَدِلٌ خَصِمٌ، يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَ الْبَيْعَ،لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَغْبُنَهُ فِي شَيْءٍ،تَقُولُ:هَذَا مُسْتَضْعَفٌ؟ لاَ،وَ لاَ كَرَامَةَ». معاني الأخبار:10/203.
تفسير البرهان – البحراني: ج2 ص(155-160)
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس]
***
الخطبة الثانية:
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد وصل على علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي السجاد ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والحجة الخلف الهادي المهدي وأحمد ابن محمد وصي الامام المهدي والمهديين من ولده حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة.
(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء 75
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: المستضعفون. أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها.
الدر المنثور السيوطي ج2 ص593
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء 97
أخرج البخاري ... عن ابن عباس. أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمي به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل. فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}.
وأخرج ابن جرير ... عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة اسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } إلى آخر الآية. قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا، فلحقهم المشركون فاعطوهم الفتنة، فأنزلت فيهم هذه الآية { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } [العنكبوت: 10] إلى آخر الآية. فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير، فنزلت فيهم { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } [النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فاخرجوا، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل.
وأخرج ... وابن جرير عن عكرمة في قوله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله {وساءت مصيراً} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبي العاص بن منية بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف. قال: لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبان كارهين، كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد، فقتلوا ببدر كفاراً ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الذين سميناهم. ...
... وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان قوم بمكة قد أسلموا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله {إلا المستضعفين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: هم أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلم يخرجوا معه إلى المدينة، وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر، فأصيبوا يوم بدر فيمن أصيب. فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: " لما أسر العباس، وعقيل، ونوفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:افد نفسك وابن أخيك. قال: يا رسول الله ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم ثم تلا عليه هذه الآية {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}" " فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر {إلا المستضعفين} الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} حيلة في المال، والسبيل الطريق. قال ابن عباس: كنت أنا منهم من الولدان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: حدثت أن هذه الآية أنزلت في أناس تكلموا بالإسلام من أهل مكة، فخرجوا مع عدو الله أبي جهل، فقتلوا يوم بدر فاعتذروا بغير عذر، فأبى الله أن يقبل منهم، وقوله {إلا المستضعفين} قال: أناس من أهل مكة عذرهم الله فاستثناهم. قال: وكان ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
... وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال "لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وظهروا ونبع الإيمان نبع النفاق معه فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال فقالوا: يا رسول الله لولا أنا نخاف هؤلاء القوم يعذبونا، ويفعلون ويفعلون لأسلمنا، ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فكانوا يقولون ذلك له، فلما كان يوم بدر قام المشركون فقالوا: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره، واستبحنا ماله. فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القول للنبي صلى الله عليه وسلم معهم، فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة، قال: فأما الذين قتلوا فهم الذين قال الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلها {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم {أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} ثم عذر الله أهل الصدق فقال {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً} يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} اقامتهم بين ظهري المشركين. وقال الذين أسروا: يا رسول الله انك تعلم انا كنا نأتيك فنشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأن هؤلاء القوم خرجنا معهم خوفاً؟ فقال الله { { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم } } [الأنفال: 70] صنيعكم الذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم. { { وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل } } [الأنفال: 71] خرجوا مع المشركين فأمكن منهم".
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانو يدعو في دبر كل صلاة: اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا"
. وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده. ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف"
. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله {إلا المستضعفين} يعني الشيخ الكبير، والعجوز، والجواري الصغار، والغلمان.
الدر المنثور في التفسير بالماثور – السيوطي: ج2 ص(646-649)
اختم بهذا الدعاء ان شاء الله
[ ... من دعاءه في استذكار الموت:
((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واكْفِنَا طُولَ الْأَمَلِ، وقَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ حَتَّى لَا نُؤَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ، ولَا اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ، ولَا اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ، ولَا لُحُوقَ قَدَمٍ بِقَدَمٍ وسَلِّمْنَا مِنْ غُرُورِهِ، وآمِنَّا مِنْ شُرُورِهِ، وانْصِبِ الْمَوْتَ بَيْنَ أَيْدِينَا نَصْباً، ولَا تَجْعَلْ ذِكْرَنَا لَهُ غِبّاً واجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ عَمَلًا نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إِلَيْكَ، ونَحْرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللَّحَاقِ بِكَ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأْنَسَنَا الَّذِي نَأْنَسُ بِهِ، ومَأْلَفَنَا الَّذِي نَشْتَاقُ إِلَيْهِ، وحَامَّتَنَا الَّتِي نُحِبُّ الدُّنُوَّ مِنْهَا فَإِذَا أَوْرَدْتَهُ عَلَيْنَا وأَنْزَلْتَهُ بِنَا فَأَسْعِدْنَا بِهِ زَائِراً، وآنِسْنَا بِهِ قَادِماً، ولَا تُشْقِنَا بِضِيَافَتِهِ، ولَا تُخْزِنَا بِزِيَارَتِهِ، واجْعَلْهُ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ مَغْفِرَتِكَ، ومِفْتَاحاً مِنْ مَفَاتِيحِ رَحْمَتِكَ أَمِتْنَا مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ، طَائِعِينَ غَيْرَ مُسْتَكْرِهِينَ، تَائِبِينَ غَيْرَ عَاصِينَ ولَا مُصِرِّينَ، يَا ضَامِنَ جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ، ومُسْتَصْلِحَ عَمَلِ الْمُفْسِدِينَ.)) ] ٢ ٩ ٢٠٢١، ٢٤ محرم ١٤٤٣ (ليلة شهادة السجاد ع) ظهرا
هذا والحمدلله رب العالمين، وأستغفر الله لي ولكم
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آ مَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر]