خطبة الجمعة الموحدة بمناسبة ولادة بقية الله الاعظم
الخطبة الاولى
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الحَمْدُ للهِ وَالحَمْدُ حَقُهُ كَما يَسْتِحِقُّهُ حَمْداً كَثِيراً، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِي؛ إِنَّ النَّفْسَ لاَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ مارَحِمَ رَبِّي، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ الَّذِي يَزِيدُنِي ذَنْباً إِلى ذَنْبِي، وَاحْتَرِزُ بِهِ مِنْ كُلِّ جَبّارٍ فاجِرٍ، وَسُلْطانٍ جائِرٍ، وَعَدُوٍ قاهِرٍ. اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ جُنْدِكَ فَإِنَّ جُنْدَكَ هُمُ الغالِبُونَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ حِزْبِكَ فَإِنَّ حِزْبَكَ هُمُ المُفْلِحُونَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أوْلِيائِكَ فَإِنَّ أَوْلِياَئكَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُون)
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وَخاتَمِ النَّبِيِّينَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ، .... اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الاَئِمَّةِ الهادِينَ، العُلَماءِ الصَّادِقِينَ الاَبْرارِ المُتَّقِينَ، دَعائِمِ دِينِكَ، وَأَرْكانِ تَوْحِيدِكَ، وَتراجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلى خَلْقِكَ، وَخُلَفائِكَ فِي أَرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلى عِبادِكَ وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرامَتِكَ وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِملائِكَتِكَ . . اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ المُحْيِي سُنَّتَكَ، القائِمِ بِأَمْرِكَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ، الدَّلِيلِ عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ وَخَلِيفَتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ. اللّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ وَمُدَّ فِي عُمْرِهِ، وَزَيِّنِ الاَرْضَ بِطُولِ بَقائِهِ... اللّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ، وَرَعِيَّتِهِ وَخاصَّتِهِ وَعامَّتِهِ، وَعَدُوِّهِ وَجَمِيعَ أَهْلِ الدُّنْيا ماتُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ...).
نبارك لرسول الله وأهل بيته ولكم جميعاً ذكرى ولادة الامام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.
ولد الامام المهدي (ع) في الخامس عشر من شهر شعبان المعظم عام 255 هـ .
وله غيبتان، (بدأت غيبته مع أول يوم من إمامته، وهو يوم التاسع من ربيع الأول 260 هـ . ق. وفي هذه السنوات الخمس لم يعرف ولادته ولم يره إلاّ الخلّص من الشيعة. فهو (ع) محجوب عن الناس منذ ولادته للحفاظ على حياته، وهذا لأنّ أئمة الجور والضلال من العباسيين ...كانوا يترقبون ولادته للقضاء عليه وقتله).
وفي هذه المناسبة العطرة والمحطة التاريخية والعقدية المهمة ينبغي علينا تسليط الضوء على اسباب غيبة الامام المهدي (ع).
إن وجود الامام بين الناس نعمة عظيمة ولطف الهي، ولكن لماذا غاب الامام (ع) وبالتالي فقدت الامة نعمة وجودة ظاهراً بينهم ؟
لربما يحاول البعض تعليل ذلك بأمور ترفع التقصير عن ساحة الامة وتبين ان الامر غيباً خفي الاسباب، ولكن الحقيقة ان هناك سبباً لغيبته اشارت اليه الروايات.
قال أبو جعفر الباقر (ع): (إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم).
الحقيقة الواضحة التي ينبغي الاقرار بها ان غيبة الامام (ع) جاءت نتيجة ابتعاد الامة واعراضها، فالامام المهدي محمد بن الحسن ع منتظِر – بالكسر – وليس منتظَر – بالفتح – فهو (ع) ينتظر وجود القابل له، ولهذا بينت الروايات ان ظهوره منوط باكمال الحلقة.
وعن أبي بصير قال: (سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (ع): كم يخرج مع القائم (عليه السلام)؟ فإنهم يقولون: إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، قال: وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف»).
ولبيان الامر بشكل اكثر تفصيلاً انقل ما بينه السيد احمد الحسن (ع) حيث قال: ( الإمام (ع) لطف إلهي بالمؤمنين، ووجوده ظاهراً بينهم فيه حثّ كبير لهم على الالتزام الديني، فإذا امتنع ظهوره لخوف القتل مثلاً، فإنّ وجود سفير له ع أفضل بكثير من غيبته التامة؛ لأنّ السفير هو القائد البديل للإمام) ع (الذي ينقل أوامره (ع)، فوجوده - أي السفير - كذلك لطف إلهي؛ لأنّ وجوده شبه وجود المعصوم، حيث بوجود السفير يمكن الاتصال بالإمام ومعرفة الأحكام الشرعية الصحيحة، وخصوصاً ما يستجد منها مع مرور الزمن، وإذا كان الأمر كذلك فما هو سبب الغيبة التامة؟!
وللإجابة هناك عدّة فروض منها:
1- الخوف من اغتياله من قبل الطواغيت:
وهذا يمكن أن يكون صحيحاً إذا كان الإمام ظاهراً للجميع، أمّا إذا كان غائباً غيبة غير تامة، أي بوجود سفير فيكون الإمام (ع) بعيد عن أعين الطواغيت ومكرهم السيئ، خصوصاً أنّه (ع) مؤيد من الله. وفي نفس الوقت يتصل بالمؤمنين ويوصل إليهم الأحكام الشرعية والتوجيهات التي يحتاجونها، إذن للتخلّص من خطر الطواغيت يكفي الغيبة غير التامة مع السفارة، فلا داعي للغيبة التامة، ...
2- عدم وجود شخص مؤهل للسفارة والنيابة الخاصة عن الإمام (ع):
..وهذا يمكن أن يكون سبباً للغيبة التامة، ولكن عدم وجود شخص واحد مؤهل للسفارة أمر بعيد، هذا وقد ورد في حديثهم ما معناه: إنّ الإمام لا يستوحش من وحدته (ع) في زمن الغيبة مع وجود ثلاثين مؤمن من الصالحين.
3- إعراض الأمة عن الإمام (ع):
وعدم الاستفادة منه استفادة حقيقية، وعدم التفاعل معه كقائد للأمة، فتكون الغيبة التامة عقوبة للأمة، وربما يكون من أهدافها إصلاح الأمة بعد تعرضها لنكبات ومآسي بسبب غياب القائد المعصوم. فتكون الغيبة الكبرى شبيهة بتيه بني إسرائيل في صحراء سيناء، أي: إنها عقوبة إصلاحية، الهدف منها خروج جيل من هذه الأمة مؤهل لحمل الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض، جيل لا يرضى إلاّ بالمعصوم قائداً، ولا يرضى إلاّ بالقرآن دستوراً وشعاراً ومنهاجاً للحياة. . . .
والدال على أنّ سبب الغيبة التامة هو إعراض الأمة عدّة أمور، .....) الى اخر كلامه (ع) الذي اورده في كتاب العجل.
ايها الناس؛ ان فرجكم بمجيء المنقذ الذي اجمعت على البشارة به الاديان، والذي هو المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع).
وها انتم ترون اليوم ما ألت اليه الامور في العالم اجمع وفي العراق بالخصوص، من الزلازل والفيضانات المدمرة، والفقر والحرمان، وانتشار الالحاد حتى دخل الحرم الجامعي وغزى الشارع العراقي واختطف شبابنا، وها انتم ترون انتشار المخدرات في المجتمع العراقي... المجتمع العراقي الذي سجل له التاريخ مواقفه النبيله في التضحية والكرم والعطاء... وترون كيف اصبحت دماء هذا الشعب رخيصة واريقت في الحروب الطائفية والتصفيات السياسية والمؤامرات الاستكبارية.
ولقد اخبرنا رسول الله واهل البيت (ع) بجميع ذلك وها نحن نراه ونشاهده باعيننا، وفي هذا بيان واضح لا عذر بعده.
فقد روى المسلمون العديد من العلامات التي تسبق ظهوره المبارك.
أخرج ابن المنادى في الملاحم – وهو من مصادر ابناء العامة- (عن علي رضي الله عنه قال:" ليخرجن رجل من ولدي عند اقتراب الساعة حتى تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان لما لحقهم من الضرر والشدة والجوع والقتل وتواتر الفتن والملاحم العظام، وإماتة السنن وإحياء البدع، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...)
وأما الشيعة فقد روت المصادر العديد من العلامات.
عن الإمام الحسن بن علي (ع): (لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، و يتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قلت: ما في ذلك خير، قال: الخير كله في ذلك، يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه).
عن الصادق (ع)، قال: (إنّه قدّام القائم ع بلوى من الله، قلت: وما هو جعلت فداك؟ فقرأ (ع): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، ثم قال (ع): الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات، وقلة الفضل فيها ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، ثم قال (ع): ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم (ع)).
ومن العلامات ما عد من المحتوم، فعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، والسفياني ، والصيحة وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء).
واليماني عُدَّ علامة حتمية لابد منها ورايته اهدى الرايات كونه يدعوا الى الحق والى امامنا المهدي ويمهد لظهوره ويجمع له انصاره فهو الهادي في زمن الضلال والفتن الى الحق والطريق المستقيم.
ايها الناس؛ ارجعوا الى الله واطلبوا منه الفرج وكشف الغمة، واطلبوا امامكم وقائدكم وها هو وصيه ورسوله اليكم واليماني الموعود ينادي فيكم لينجيكم، فأجيبوه تهتدوا وتدركوا ما كنتم توعدون.
(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ( 193 ) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( 194 ) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ( 195 )
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله الذي قصدته فبلغني، وأردته فأعانني، وقبلني ولم يقطع بي، ووجهه أردت فسلمني . فهو حصني وكهفي، وحرزي وظهري ، وملاذي وملجئي، ومنجاي وذخري، وعدتي في شدتي ورجائي).
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ الأَوْصِياء الرَّاضِينَ المَرْضِيِّينَ بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ، وَباركْ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ بَرَكاتِكَ).
ايها المؤمنون لا يفوتنا في هذه الجمعة المباركة والمناسبة العطرة ان نوصي بامور:
1. علينا اللجوء الى الله تعالى والارتباط به سبحانه فلا نجاه الا به، ومن التجأ اليه تعالى سدده ووفقه ورزقه الحكمة، (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا). فمن افلت يده من يد الله سبحانه لن يجد له دليلاً فيبقى ضائعاً تائهاً وكلما تقدم الزمن ازداد بعداً عن الحق واقترب الى الهاوية نعوذ بالله.
ولتكن قلوبنا بيتاً لله تعالى. فقد جاء في الحديث القدسي؛ يقول الله عز وجل: (لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن). ومن كان قلبه بيتاً لله فقد صلح قلبه ونبتت فيه الحكمة.
عن النبي (ص) قال: (إن في جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت، فسد الجسد كله. ألا وهي القلب).
وبعدها لنتوجه الى الله بهذه القلوب الصالحة ونضج اليه باصواتنا ليمكن لأمامنا كي نرى راية الحق؛ (راية آل محمد عليهم السلام) خفاقة عالية.
2. علينا ان نسعى جاهدين للعمل ونشر دعوة الامام المهدي (ع) لاجل تمكين امامنا، فلن نترك جهداً او مالاً مذخوراً مزوياً عن نصرته كي يرزقنا الله شرف الممهدين له ونصرته والفوز بالاخرة.
فسيحفظ الله سبحانه جميع الجهود التي بذلت لنصرة دينه والدفاع عن خلفائه، كما ان التاريخ سيكتب في صفحاته هذه الايام المباركة ويحفظ جهود المؤمنين كما حفظها لاصحاب اهل البيت (ع)
روى المفيد في الاختصاص ان عمرو بن الحمق الخزاعي قال لأمير المؤمنين (ع): [والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطينيها ولا لالتماس السلطان ترفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله صلوات الله عليهما وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام وأبو الذرية التي بقيت لرسول الله صلى الله عليه وآله وأعظم سهما " للإسلام من المهاجرين والأنصار، والله لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي أبدا حتى يأتي علي يومي وفي يدي سيفي أهز به عدوك وأقوي به وليك ويعلو به الله كعبك ويفلج به حجتك ما ظننت أني أديت من حقك كل الحق الذي يجب لك علي . فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم نور قلبه باليقين واهده إلى الصراط المستقيم، ليت في شيعتي مائة مثلك).
ولنعلم اننا مهما عملنا فهو بفضل الله علينا وكرمه، فعلينا شكره (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
3. علينا العمل على وحدة الصف المؤمن، فلا يوجد خطر اشد من تنافر القلوب واختلاف الكلمة وتنازع الاراء على استقرار المجتمعات وبنائها بناء صالحاً؛ قال سبحانه: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
وعن النبي (ص) قال: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا).
فمن اهم اسباب السقوط الاختلاف والتنازع والتفرق المفضي للفشل والخسران، قال سبحانه: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
فعلينا التحلي بفهم الاخرين وانصافهم وتجنب الظنون السيئة ونبذ التعصب لآراءنا الشخصية لنكون مجتمعاً صالحاً في نفسه ومصلحاً لغيره من المجتمعات الاخرى، فمسؤولية انصار القائم (ع) تملي عليهم النصيحة والتضحية إسوة بإمامنا اليماني الذي ضحى وتحمل وصبر من اجل دين الله واصلاح المجتمع.
فينبغي ان يعين احدنا الاخر في نصرة الحق وبيانه ونشره، كما وعلينا الوقوف في بيت الانصار المتمثل بمكتب السيد احمد الحسن (ع) ومؤسسات الامام المهدي (ع)، ودعمها وتطويرها.
قال سبحانه؛ ﴿إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك...
[ اللّهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ باسْمِكَ المَكْنُونِ المَخْزُونِ الطَّاهِرِ الطُّهرِ المُبارَكِ، وَأَسأَلُكَ بِاسْمِكَ العَظِيْمِ وَسُلْطانِكَ القَدِيمِ، يا واهِبَ العَطايا وَيا مُطْلِقَ الاُسارى، وَيافَكَّاكَ الرِّقابِ مِنَ النَّارِ، أَسأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تُعْتِقَ رَقَبَتِي مِنَ النَّار، وَأَنْ تُخْرِجَنِي مِنَ الدُّنْيا سالِما وَتُدْخِلَنِي الجَنَّةَ آمِنا، وَأَنْ تَجْعَلَ دُعائِي أَوَّلَهُ فَلاحاً وَأَوْسَطَهُ نَجاحاً وَآخِرَهُ صَلاحاً. إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الغُيُوبِ ].
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( 1 ) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ( 2 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ( 3).
مكتب السيد احمد الحسن/النجف الاشرف
13/شعبان/1440هـ
19/4/2019م
الخطبة الاولى
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الحَمْدُ للهِ وَالحَمْدُ حَقُهُ كَما يَسْتِحِقُّهُ حَمْداً كَثِيراً، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِي؛ إِنَّ النَّفْسَ لاَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ مارَحِمَ رَبِّي، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ الَّذِي يَزِيدُنِي ذَنْباً إِلى ذَنْبِي، وَاحْتَرِزُ بِهِ مِنْ كُلِّ جَبّارٍ فاجِرٍ، وَسُلْطانٍ جائِرٍ، وَعَدُوٍ قاهِرٍ. اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ جُنْدِكَ فَإِنَّ جُنْدَكَ هُمُ الغالِبُونَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ حِزْبِكَ فَإِنَّ حِزْبَكَ هُمُ المُفْلِحُونَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أوْلِيائِكَ فَإِنَّ أَوْلِياَئكَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنُون)
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وَخاتَمِ النَّبِيِّينَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ، .... اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الاَئِمَّةِ الهادِينَ، العُلَماءِ الصَّادِقِينَ الاَبْرارِ المُتَّقِينَ، دَعائِمِ دِينِكَ، وَأَرْكانِ تَوْحِيدِكَ، وَتراجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلى خَلْقِكَ، وَخُلَفائِكَ فِي أَرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلى عِبادِكَ وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرامَتِكَ وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِملائِكَتِكَ . . اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ المُحْيِي سُنَّتَكَ، القائِمِ بِأَمْرِكَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ، الدَّلِيلِ عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ وَخَلِيفَتِكَ فِي أَرْضِكَ، وَشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ. اللّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ وَمُدَّ فِي عُمْرِهِ، وَزَيِّنِ الاَرْضَ بِطُولِ بَقائِهِ... اللّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشِيعَتِهِ، وَرَعِيَّتِهِ وَخاصَّتِهِ وَعامَّتِهِ، وَعَدُوِّهِ وَجَمِيعَ أَهْلِ الدُّنْيا ماتُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ...).
نبارك لرسول الله وأهل بيته ولكم جميعاً ذكرى ولادة الامام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.
ولد الامام المهدي (ع) في الخامس عشر من شهر شعبان المعظم عام 255 هـ .
وله غيبتان، (بدأت غيبته مع أول يوم من إمامته، وهو يوم التاسع من ربيع الأول 260 هـ . ق. وفي هذه السنوات الخمس لم يعرف ولادته ولم يره إلاّ الخلّص من الشيعة. فهو (ع) محجوب عن الناس منذ ولادته للحفاظ على حياته، وهذا لأنّ أئمة الجور والضلال من العباسيين ...كانوا يترقبون ولادته للقضاء عليه وقتله).
وفي هذه المناسبة العطرة والمحطة التاريخية والعقدية المهمة ينبغي علينا تسليط الضوء على اسباب غيبة الامام المهدي (ع).
إن وجود الامام بين الناس نعمة عظيمة ولطف الهي، ولكن لماذا غاب الامام (ع) وبالتالي فقدت الامة نعمة وجودة ظاهراً بينهم ؟
لربما يحاول البعض تعليل ذلك بأمور ترفع التقصير عن ساحة الامة وتبين ان الامر غيباً خفي الاسباب، ولكن الحقيقة ان هناك سبباً لغيبته اشارت اليه الروايات.
قال أبو جعفر الباقر (ع): (إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم).
الحقيقة الواضحة التي ينبغي الاقرار بها ان غيبة الامام (ع) جاءت نتيجة ابتعاد الامة واعراضها، فالامام المهدي محمد بن الحسن ع منتظِر – بالكسر – وليس منتظَر – بالفتح – فهو (ع) ينتظر وجود القابل له، ولهذا بينت الروايات ان ظهوره منوط باكمال الحلقة.
وعن أبي بصير قال: (سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (ع): كم يخرج مع القائم (عليه السلام)؟ فإنهم يقولون: إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، قال: وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف»).
ولبيان الامر بشكل اكثر تفصيلاً انقل ما بينه السيد احمد الحسن (ع) حيث قال: ( الإمام (ع) لطف إلهي بالمؤمنين، ووجوده ظاهراً بينهم فيه حثّ كبير لهم على الالتزام الديني، فإذا امتنع ظهوره لخوف القتل مثلاً، فإنّ وجود سفير له ع أفضل بكثير من غيبته التامة؛ لأنّ السفير هو القائد البديل للإمام) ع (الذي ينقل أوامره (ع)، فوجوده - أي السفير - كذلك لطف إلهي؛ لأنّ وجوده شبه وجود المعصوم، حيث بوجود السفير يمكن الاتصال بالإمام ومعرفة الأحكام الشرعية الصحيحة، وخصوصاً ما يستجد منها مع مرور الزمن، وإذا كان الأمر كذلك فما هو سبب الغيبة التامة؟!
وللإجابة هناك عدّة فروض منها:
1- الخوف من اغتياله من قبل الطواغيت:
وهذا يمكن أن يكون صحيحاً إذا كان الإمام ظاهراً للجميع، أمّا إذا كان غائباً غيبة غير تامة، أي بوجود سفير فيكون الإمام (ع) بعيد عن أعين الطواغيت ومكرهم السيئ، خصوصاً أنّه (ع) مؤيد من الله. وفي نفس الوقت يتصل بالمؤمنين ويوصل إليهم الأحكام الشرعية والتوجيهات التي يحتاجونها، إذن للتخلّص من خطر الطواغيت يكفي الغيبة غير التامة مع السفارة، فلا داعي للغيبة التامة، ...
2- عدم وجود شخص مؤهل للسفارة والنيابة الخاصة عن الإمام (ع):
..وهذا يمكن أن يكون سبباً للغيبة التامة، ولكن عدم وجود شخص واحد مؤهل للسفارة أمر بعيد، هذا وقد ورد في حديثهم ما معناه: إنّ الإمام لا يستوحش من وحدته (ع) في زمن الغيبة مع وجود ثلاثين مؤمن من الصالحين.
3- إعراض الأمة عن الإمام (ع):
وعدم الاستفادة منه استفادة حقيقية، وعدم التفاعل معه كقائد للأمة، فتكون الغيبة التامة عقوبة للأمة، وربما يكون من أهدافها إصلاح الأمة بعد تعرضها لنكبات ومآسي بسبب غياب القائد المعصوم. فتكون الغيبة الكبرى شبيهة بتيه بني إسرائيل في صحراء سيناء، أي: إنها عقوبة إصلاحية، الهدف منها خروج جيل من هذه الأمة مؤهل لحمل الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض، جيل لا يرضى إلاّ بالمعصوم قائداً، ولا يرضى إلاّ بالقرآن دستوراً وشعاراً ومنهاجاً للحياة. . . .
والدال على أنّ سبب الغيبة التامة هو إعراض الأمة عدّة أمور، .....) الى اخر كلامه (ع) الذي اورده في كتاب العجل.
ايها الناس؛ ان فرجكم بمجيء المنقذ الذي اجمعت على البشارة به الاديان، والذي هو المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع).
وها انتم ترون اليوم ما ألت اليه الامور في العالم اجمع وفي العراق بالخصوص، من الزلازل والفيضانات المدمرة، والفقر والحرمان، وانتشار الالحاد حتى دخل الحرم الجامعي وغزى الشارع العراقي واختطف شبابنا، وها انتم ترون انتشار المخدرات في المجتمع العراقي... المجتمع العراقي الذي سجل له التاريخ مواقفه النبيله في التضحية والكرم والعطاء... وترون كيف اصبحت دماء هذا الشعب رخيصة واريقت في الحروب الطائفية والتصفيات السياسية والمؤامرات الاستكبارية.
ولقد اخبرنا رسول الله واهل البيت (ع) بجميع ذلك وها نحن نراه ونشاهده باعيننا، وفي هذا بيان واضح لا عذر بعده.
فقد روى المسلمون العديد من العلامات التي تسبق ظهوره المبارك.
أخرج ابن المنادى في الملاحم – وهو من مصادر ابناء العامة- (عن علي رضي الله عنه قال:" ليخرجن رجل من ولدي عند اقتراب الساعة حتى تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان لما لحقهم من الضرر والشدة والجوع والقتل وتواتر الفتن والملاحم العظام، وإماتة السنن وإحياء البدع، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...)
وأما الشيعة فقد روت المصادر العديد من العلامات.
عن الإمام الحسن بن علي (ع): (لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، و يتفل بعضكم في وجه بعض، وحتى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قلت: ما في ذلك خير، قال: الخير كله في ذلك، يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه).
عن الصادق (ع)، قال: (إنّه قدّام القائم ع بلوى من الله، قلت: وما هو جعلت فداك؟ فقرأ (ع): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، ثم قال (ع): الخوف من ملوك بني فلان، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص من الأموال من كساد التجارات، وقلة الفضل فيها ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، ثم قال (ع): ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم (ع)).
ومن العلامات ما عد من المحتوم، فعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، والسفياني ، والصيحة وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء).
واليماني عُدَّ علامة حتمية لابد منها ورايته اهدى الرايات كونه يدعوا الى الحق والى امامنا المهدي ويمهد لظهوره ويجمع له انصاره فهو الهادي في زمن الضلال والفتن الى الحق والطريق المستقيم.
ايها الناس؛ ارجعوا الى الله واطلبوا منه الفرج وكشف الغمة، واطلبوا امامكم وقائدكم وها هو وصيه ورسوله اليكم واليماني الموعود ينادي فيكم لينجيكم، فأجيبوه تهتدوا وتدركوا ما كنتم توعدون.
(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ( 193 ) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( 194 ) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ( 195 )
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله الذي قصدته فبلغني، وأردته فأعانني، وقبلني ولم يقطع بي، ووجهه أردت فسلمني . فهو حصني وكهفي، وحرزي وظهري ، وملاذي وملجئي، ومنجاي وذخري، وعدتي في شدتي ورجائي).
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ الأَوْصِياء الرَّاضِينَ المَرْضِيِّينَ بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ، وَباركْ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ بَرَكاتِكَ).
ايها المؤمنون لا يفوتنا في هذه الجمعة المباركة والمناسبة العطرة ان نوصي بامور:
1. علينا اللجوء الى الله تعالى والارتباط به سبحانه فلا نجاه الا به، ومن التجأ اليه تعالى سدده ووفقه ورزقه الحكمة، (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا). فمن افلت يده من يد الله سبحانه لن يجد له دليلاً فيبقى ضائعاً تائهاً وكلما تقدم الزمن ازداد بعداً عن الحق واقترب الى الهاوية نعوذ بالله.
ولتكن قلوبنا بيتاً لله تعالى. فقد جاء في الحديث القدسي؛ يقول الله عز وجل: (لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن). ومن كان قلبه بيتاً لله فقد صلح قلبه ونبتت فيه الحكمة.
عن النبي (ص) قال: (إن في جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت، فسد الجسد كله. ألا وهي القلب).
وبعدها لنتوجه الى الله بهذه القلوب الصالحة ونضج اليه باصواتنا ليمكن لأمامنا كي نرى راية الحق؛ (راية آل محمد عليهم السلام) خفاقة عالية.
2. علينا ان نسعى جاهدين للعمل ونشر دعوة الامام المهدي (ع) لاجل تمكين امامنا، فلن نترك جهداً او مالاً مذخوراً مزوياً عن نصرته كي يرزقنا الله شرف الممهدين له ونصرته والفوز بالاخرة.
فسيحفظ الله سبحانه جميع الجهود التي بذلت لنصرة دينه والدفاع عن خلفائه، كما ان التاريخ سيكتب في صفحاته هذه الايام المباركة ويحفظ جهود المؤمنين كما حفظها لاصحاب اهل البيت (ع)
روى المفيد في الاختصاص ان عمرو بن الحمق الخزاعي قال لأمير المؤمنين (ع): [والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطينيها ولا لالتماس السلطان ترفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله صلوات الله عليهما وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام وأبو الذرية التي بقيت لرسول الله صلى الله عليه وآله وأعظم سهما " للإسلام من المهاجرين والأنصار، والله لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي أبدا حتى يأتي علي يومي وفي يدي سيفي أهز به عدوك وأقوي به وليك ويعلو به الله كعبك ويفلج به حجتك ما ظننت أني أديت من حقك كل الحق الذي يجب لك علي . فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم نور قلبه باليقين واهده إلى الصراط المستقيم، ليت في شيعتي مائة مثلك).
ولنعلم اننا مهما عملنا فهو بفضل الله علينا وكرمه، فعلينا شكره (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
3. علينا العمل على وحدة الصف المؤمن، فلا يوجد خطر اشد من تنافر القلوب واختلاف الكلمة وتنازع الاراء على استقرار المجتمعات وبنائها بناء صالحاً؛ قال سبحانه: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
وعن النبي (ص) قال: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا).
فمن اهم اسباب السقوط الاختلاف والتنازع والتفرق المفضي للفشل والخسران، قال سبحانه: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
فعلينا التحلي بفهم الاخرين وانصافهم وتجنب الظنون السيئة ونبذ التعصب لآراءنا الشخصية لنكون مجتمعاً صالحاً في نفسه ومصلحاً لغيره من المجتمعات الاخرى، فمسؤولية انصار القائم (ع) تملي عليهم النصيحة والتضحية إسوة بإمامنا اليماني الذي ضحى وتحمل وصبر من اجل دين الله واصلاح المجتمع.
فينبغي ان يعين احدنا الاخر في نصرة الحق وبيانه ونشره، كما وعلينا الوقوف في بيت الانصار المتمثل بمكتب السيد احمد الحسن (ع) ومؤسسات الامام المهدي (ع)، ودعمها وتطويرها.
قال سبحانه؛ ﴿إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك...
[ اللّهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ باسْمِكَ المَكْنُونِ المَخْزُونِ الطَّاهِرِ الطُّهرِ المُبارَكِ، وَأَسأَلُكَ بِاسْمِكَ العَظِيْمِ وَسُلْطانِكَ القَدِيمِ، يا واهِبَ العَطايا وَيا مُطْلِقَ الاُسارى، وَيافَكَّاكَ الرِّقابِ مِنَ النَّارِ، أَسأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تُعْتِقَ رَقَبَتِي مِنَ النَّار، وَأَنْ تُخْرِجَنِي مِنَ الدُّنْيا سالِما وَتُدْخِلَنِي الجَنَّةَ آمِنا، وَأَنْ تَجْعَلَ دُعائِي أَوَّلَهُ فَلاحاً وَأَوْسَطَهُ نَجاحاً وَآخِرَهُ صَلاحاً. إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الغُيُوبِ ].
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( 1 ) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ( 2 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ( 3).
مكتب السيد احمد الحسن/النجف الاشرف
13/شعبان/1440هـ
19/4/2019م