خطبة الجمعة الموحدة
(12 / شوال / 1438 هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
(يَا مَنْ تُحَلُّ بِه عُقَدُ الْمَكَارِه، ويَا مَنْ يَفْثَأُ بِه حَدُّ الشَّدَائِدِ، ويَا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْه الْمَخْرَجُ إِلَى رَوْحِ الْفَرَجِ. ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعَابُ، وتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأَسْبَابُ، وجَرَى بِقُدرَتِكَ الْقَضَاءُ، ومَضَتْ عَلَى إِرَادَتِكَ الأَشْيَاءُ. فَهِيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وبِإِرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ. أَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمَّاتِ، وأَنْتَ الْمَفْزَعُ فِي الْمُلِمَّاتِ، لَا يَنْدَفِعُ مِنْهَا إِلَّا مَا دَفَعْتَ، ولَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا إِلَّا مَا كَشَفْتَ وقَدْ نَزَلَ بِي يَا رَبِّ مَا قَدْ تَكَأَّدَنِي ثِقْلُه، وأَلَمَّ بِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُه. وبِقُدْرَتِكَ أَوْرَدْتَه عَلَيَّ وبِسُلْطَانِكَ وَجَّهْتَه إِلَيَّ. فَلَا مُصْدِرَ لِمَا أَوْرَدْتَ، ولَا صَارِفَ لِمَا وَجَّهْتَ، ولَا فَاتِحَ لِمَا أَغْلَقْتَ، ولَا مُغْلِقَ لِمَا فَتَحْتَ، ولَا مُيَسِّرَ لِمَا عَسَّرْتَ، ولَا نَاصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ.
فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، وافْتَحْ لِي يَا رَبِّ بَابَ الْفَرَجِ بِطَوْلِكَ، واكْسِرْ عَنِّي سُلْطَانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، وأَنِلْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا شَكَوْتُ، وأَذِقْنِي حَلَاوَةَ الصُّنْعِ فِيمَا سَأَلْتُ، وهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وفَرَجاً هَنِيئاً، واجْعَلْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَخْرَجاً وَحِيّاً ...).
من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في عهده لمالك الاشتر (ع):
(ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ، أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْلٍ وجَوْرٍ، وأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ، ويَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ، فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ. وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَأِ.
أَنْصِفِ اللَّهً وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، ومَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ. ولَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ، وهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ).
أيها المؤمنون الكرام؛ لقد سمعتم كيف يؤكد أميرُ المؤمنين (ع) على العدل في الرعية والانصاف والمساواة، والكيل بمكيال واحد للقريب والبعيد وللموافق والمخالف، وتطبيق العدل والقسط على القوي والضعيف. وكذلك يؤكد أمير المؤمنين (ع) على ضرورة الرحمة بالرعية والتعامل مع جميع فئات المجتمع بروح المحبة والرأفة، كما في قوله (ع): (ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ).
فالأرضُ أرضُ الله، والبلدُ وطنٌ لمن يسكنه، وواجب الحكام والولاة المحافظة على أمن وسلامة جميع أطياف المجتمع بغض النظر عن العقيدة والفكر. ومن الخيانة العظمى استغلال المناصب والنفوذ بدوافع شخصية أو فئوية لظلم بعض أطياف وفئات المجتمع، أو تهميشهم والإعراض والتغافل عن حمايتهم ونصرتهم على من ظلمهم واعتدى عليهم، فهذه هي الطائفية المقيتة التي يبرأ منها الله سبحانه ورسلُه والأولياءُ والصالحون وكلُّ الشرفاءِ والمنصفين.
فعندما يكون الحُكام أنصاراً لفكر أو عقيدة أو طائفة على بقية العقائد والطوائف والأفكار الأخرى؛ فسيتحول المجتمع الى غابة تتحكم فيها لغة القوة والبطش (من غلب على شيء فعله) كما يقول أمير المؤمنين (ع). وسيسود المنطق الفرعوني سيء الصيت، كما يحكيه الله سبحانه في القرآن الكريم:
قال الله سبحانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:123].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 26 – 28].
أيها المؤمنون الكرام؛ هذا هو المنطق الفرعوني الذي لا يمكن أبداً أن يبني مجتمعاً آمناً يسوده الأمن والأمان والحب والألفة ولغة العلم والمعرفة، والحوار والمجادلة بالحسنى ..، بينما المنطق الإلهي قد حكاه الله سبحانه في آيات محكمات واضحات منها:
قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].
وقوله سبحانه مخاطباً نبيه المصطفى (ص): {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].
وكذلك قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272].
فقد خلق الله عباده أحراراً فلا يحق لأحد أنْ يستعبدهم أو أنْ يجعلهم بين خيارين أحلاهما مرّ؛ إما أنْ يتبعوا دينه وفكره وتنظيره أو أنْ يعيشوا محرومين من الأمن والأمان، وليتوقعوا أنْ تُعَصَّب برؤوسهم التُهم والافتراء والمكائد لكي يسهل تجريمهم وتهميشهم وبالتالي تقييدهم وظلمهم واستئصالهم باسم الدين والقانون ! ذلك القانون الذي طالما كان طوقاً في رقاب الفقراء والمستضعفين على مرّ التاريخ للأسف الشديد !
نعم؛ إنَّه منهج الحكام الظالمين الذين حذّرهم أميرُ المؤمنين (ع) بقوله: (ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، ومَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ). فكيف يفلح من كان خصماً لله جبار السماوات والأرض ؟!
ونحن أنصار الإمام المهدي (ع) أتباع السيد أحمد الحسن اليماني الموعود في العراق الحبيب؛ عراقيو الآباء والأجداد، في هذا البلد المقدس نبتتْ وترسختْ جذورُنا، واخضرتْ وامتدتْ أغصانُنا وأينعتْ ثمارُنا. وقد حاربْنا الطاغيةَ صدام الملعون وحزبه سيء الصيت وجاهدْناه، وتحملنا الظلم والجور والسجن والتعذيب والتشريد، ولم نداهن أو نساوم أو نتنازل عن وفائنا لديننا وبلدنا الحبيب، وكل من عاشرنا وصاحبنا يعرف ذلك جيداً. وكذلك قدَّمنا أبناءنا وأخوتنا شهداءَ دفاعاً عن الوطن والمقدسات ضد الإرهاب الوهابي الداعشي الخبيث وما زال أبناؤنا وأخوتنا مرابطون في ساحات الوغى قد أرخصوا أنفسهم في سبيل الأرض والعِرض والمقدسات.
واليوم قد استمر الظلم والجور علينا، لا لجرمٍ فعلناه أو ذنبٍ اقترفناه، سوى تمسكنا بعقيدتنا وفكرنا الذي آمنا به وفق ما قادنا إليه الدليل من القرآن والسُّنة المطهرة للرسول محمد (ص) ولعترته الطاهرة (ع). فقد جرتْ سُّنة السِجن والتعذيب والتشريد علينا منذ سقوط الطاغية صدام والى اليوم، ولم نحظ بما يحظى به حتى الملاحدة ومنكرو الرسالات في هذا البلد الحبيب، رغم حرصنا على الأمن والأمان واحترام جميع أطياف المجتمع العراقي.
فكلُ منصفٍ ومتحررٍ يعلم جيداً؛ أنًّه لا يحق لأي شخص مهما كان فرض عقيدة أو فكر أو تفسير على أي مواطن عراقي ولا على أي إنسان. لأنَّه –وببساطة- لا يوجد متولي قد خوَّله الخالق إجبار الناس على عقيدة أو دين معين أو إجبارهم على قبول تفسير معين لأي جهة من جهات الدين أو العقيدة. وحتى الأنبياء والأوصياء وحجج الله تعالى لم يقوموا بقهر الناس وإجبارهم على قبول دعواتهم ورسالاتهم السماوية.
قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]ٍ.
وقال الله سبحانه: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [المائدة:99].
وقال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118].
ورغم ذلك فاتباع السيد أحمد الحسن لم يخالفوا ضرورة من ضرورات الإسلام، ولا ضرورة من ضرورات المذهب، ولم ندعوا أبداً الى ما يُعكِّر التعايش السلمي بين فئات المجتمع، ولا الى ما ينعكس سلباً على الأنظمة الخدمية. فهذه ضرورات نراها ونعتقد بكونها ثوابت لا ينبغي المساس بها أبداً.
أمَّا في غير ضرورات الإسلام والمذهب، وفي غير ما يتعلق بحفظ الأمن والأمان؛ فهي آراء وتفسيرات ومذاهب فكرية مضمارها الحوار العلمي الموضوعي الأخلاقي، لا الجبر والقهر والإكراه وهدر الدماء وهتك الحرمات، ولا يجوز أبداً الحكم بإخراج المخالفين فكرياً من الإسلام أو المذهب. لأنَّ كلا المختلفين متساوون بالعقل والتفكير ولا توجد وصايةٌ لأحدٍ على أحد، ولا إمامةٌ لأحدٍ على أحد، ولا يوجد طرف يتصف بأنَّه إلهٌ أو نِصفُ إلهٍ مثلاً كما كان يعتقد بعض المصريين القدامى وغيرهم في قادتهم وحكامهم.
فالقناعة هي سيد الموقف في قبول واعتقاد المذاهب العَقَديِّة والفكرية. وتبقى الطاعة المطلقة لله تعالى ولحججه على خلقه. وقد عَرَفنا أنَّ الله سبحانه لم يجبر ولم يقهر الناس على الإيمان به أو برسله وأنبيائه. فكيف يَحق لغير الله أنَّ يجبر الناس على الإيمان أو أنْ يفكر نيابة عنهم ليُقرِرَ لهم مصير دنياهِم وآخرتِهم ؟!
فهناك من يحاول أنْ يجعل مِنَّا شَمَّاعة ليعلق علينا أخطاءه وفشله وفساده ! فكلما حصلت احتجاجات جماهرية للمطالبة بالحقوق وتحسين الخدمات واستنكار الفساد؛ قالوا بأنَّ جماعة اليماني هم من خطط وحرض على ذلك، ثم يتبين أنَّ الاحتجاجات والمظاهرات عفوية شعبية غير مسيسة .. وهكذا الحال منذ ثلاثة عشر عاماً تم تضييق الخِناق علينا وتكبيلنا، وسجن وتعذيب أخوتنا وأحبتنا، وحرماننا من أبسط الحقوق، استناداً الى اشاعات وافتراءات يتبين عاجلاً للجميع عدم صحتها وبعدها عن الواقع.
وهناك أشخاص وجهات متنفذة في الحكومة تستغل اسم الحكومة والجهات الأمنية ليشوهوا سمعتنا، وليمتهنوا مطاردتنا ومداهمة مؤسساتنا العلمية والتعليمية والإعلامية، وهتك حرمتها والعبث بممتلكاتها وتخريبها ونهبها، واعتقال من فيها، بدوافع شخصية وفئوية بلا مسوغ قانوني أو قضائي. وكأنَّ الدستور والقضاء لم يوجد إلا ليكون أداةً تخدم توجهات هؤلاء الذين يسيئون للجهات التي ينتمون لها !
فكل الجهات والأشخاص الذين اعتدوا علينا بدوافع شخصية وبلا مبرر حقيقي سنقاضيهم اليوم أو غداً .. وإنْ حال اليوم حائل دون محاسبتهم قضائياً وقانونياً؛ فسنوصي بذلك أبناءنا وأهلنا وعشائرنا ومحبينا وكل الشرفاء والمنصفين .. وسيأتي اليوم الذي يحاسبهم فيه القضاء والقانون العادل والشعب العراقي الشريف، وسيكتب التاريخ للأجيال ماذا فعل هؤلاء وأي منهج اتبعوا في التعامل مع مخالفيهم في الرأي والفكر ؟!
كما ونأمل أنْ تصل مظلوميتنا هذه الى كل الشرفاء والمنصفين في الحكومة المركزية في بغداد والى كل الحكومات المحلية في سائر المحافظات العراقية، ونأمل منهم التحلي بالمهنية الصادقة في تطبيق القانون والتعامل مع الناس على وفق المواطنة لا على وفق الاعتقاد والفكر والانتماء .. فنحن نعلم أنَّ كثيراً منهم قد تعرضوا للظلم والاضطهاد في زمن الطاغية المقبور .. مما يعني أنَّهم يعلمون ويشعرون جيداً بما يسببه الظلم والجور من ألمٍ وأذى وأسى وحرمان.
فنأمل منهم ومن كل الشرفاء العراقيين أنْ يقفوا في وجه الجهات والشخصيات المتنفذة والتي تستخدم عناوين رسمية لاستهداف بعض المواطنين العراقيين وخطفهم وترويع عوائلهم واطفالهم وانتهاك حرماتهم بلا مسوغ قانوني أو قضائي. فالظلم يُغيِّر النعم ويُعجِّل النقم كما قال أمير المؤمنين (ع):
(ولَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّه وتَعْجِيلِ نِقْمَتِه؛ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّه سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ).
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
(12 / شوال / 1438 هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
(يَا مَنْ تُحَلُّ بِه عُقَدُ الْمَكَارِه، ويَا مَنْ يَفْثَأُ بِه حَدُّ الشَّدَائِدِ، ويَا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْه الْمَخْرَجُ إِلَى رَوْحِ الْفَرَجِ. ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعَابُ، وتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأَسْبَابُ، وجَرَى بِقُدرَتِكَ الْقَضَاءُ، ومَضَتْ عَلَى إِرَادَتِكَ الأَشْيَاءُ. فَهِيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وبِإِرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ. أَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمَّاتِ، وأَنْتَ الْمَفْزَعُ فِي الْمُلِمَّاتِ، لَا يَنْدَفِعُ مِنْهَا إِلَّا مَا دَفَعْتَ، ولَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا إِلَّا مَا كَشَفْتَ وقَدْ نَزَلَ بِي يَا رَبِّ مَا قَدْ تَكَأَّدَنِي ثِقْلُه، وأَلَمَّ بِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُه. وبِقُدْرَتِكَ أَوْرَدْتَه عَلَيَّ وبِسُلْطَانِكَ وَجَّهْتَه إِلَيَّ. فَلَا مُصْدِرَ لِمَا أَوْرَدْتَ، ولَا صَارِفَ لِمَا وَجَّهْتَ، ولَا فَاتِحَ لِمَا أَغْلَقْتَ، ولَا مُغْلِقَ لِمَا فَتَحْتَ، ولَا مُيَسِّرَ لِمَا عَسَّرْتَ، ولَا نَاصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ.
فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، وافْتَحْ لِي يَا رَبِّ بَابَ الْفَرَجِ بِطَوْلِكَ، واكْسِرْ عَنِّي سُلْطَانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، وأَنِلْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا شَكَوْتُ، وأَذِقْنِي حَلَاوَةَ الصُّنْعِ فِيمَا سَأَلْتُ، وهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وفَرَجاً هَنِيئاً، واجْعَلْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَخْرَجاً وَحِيّاً ...).
من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في عهده لمالك الاشتر (ع):
(ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ، أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْلٍ وجَوْرٍ، وأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ، ويَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ، فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ. وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَأِ.
أَنْصِفِ اللَّهً وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، ومَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ. ولَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ، وهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ).
أيها المؤمنون الكرام؛ لقد سمعتم كيف يؤكد أميرُ المؤمنين (ع) على العدل في الرعية والانصاف والمساواة، والكيل بمكيال واحد للقريب والبعيد وللموافق والمخالف، وتطبيق العدل والقسط على القوي والضعيف. وكذلك يؤكد أمير المؤمنين (ع) على ضرورة الرحمة بالرعية والتعامل مع جميع فئات المجتمع بروح المحبة والرأفة، كما في قوله (ع): (ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ).
فالأرضُ أرضُ الله، والبلدُ وطنٌ لمن يسكنه، وواجب الحكام والولاة المحافظة على أمن وسلامة جميع أطياف المجتمع بغض النظر عن العقيدة والفكر. ومن الخيانة العظمى استغلال المناصب والنفوذ بدوافع شخصية أو فئوية لظلم بعض أطياف وفئات المجتمع، أو تهميشهم والإعراض والتغافل عن حمايتهم ونصرتهم على من ظلمهم واعتدى عليهم، فهذه هي الطائفية المقيتة التي يبرأ منها الله سبحانه ورسلُه والأولياءُ والصالحون وكلُّ الشرفاءِ والمنصفين.
فعندما يكون الحُكام أنصاراً لفكر أو عقيدة أو طائفة على بقية العقائد والطوائف والأفكار الأخرى؛ فسيتحول المجتمع الى غابة تتحكم فيها لغة القوة والبطش (من غلب على شيء فعله) كما يقول أمير المؤمنين (ع). وسيسود المنطق الفرعوني سيء الصيت، كما يحكيه الله سبحانه في القرآن الكريم:
قال الله سبحانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:123].
وقال الله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 26 – 28].
أيها المؤمنون الكرام؛ هذا هو المنطق الفرعوني الذي لا يمكن أبداً أن يبني مجتمعاً آمناً يسوده الأمن والأمان والحب والألفة ولغة العلم والمعرفة، والحوار والمجادلة بالحسنى ..، بينما المنطق الإلهي قد حكاه الله سبحانه في آيات محكمات واضحات منها:
قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].
وقوله سبحانه مخاطباً نبيه المصطفى (ص): {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].
وكذلك قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272].
فقد خلق الله عباده أحراراً فلا يحق لأحد أنْ يستعبدهم أو أنْ يجعلهم بين خيارين أحلاهما مرّ؛ إما أنْ يتبعوا دينه وفكره وتنظيره أو أنْ يعيشوا محرومين من الأمن والأمان، وليتوقعوا أنْ تُعَصَّب برؤوسهم التُهم والافتراء والمكائد لكي يسهل تجريمهم وتهميشهم وبالتالي تقييدهم وظلمهم واستئصالهم باسم الدين والقانون ! ذلك القانون الذي طالما كان طوقاً في رقاب الفقراء والمستضعفين على مرّ التاريخ للأسف الشديد !
نعم؛ إنَّه منهج الحكام الظالمين الذين حذّرهم أميرُ المؤمنين (ع) بقوله: (ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، ومَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ). فكيف يفلح من كان خصماً لله جبار السماوات والأرض ؟!
ونحن أنصار الإمام المهدي (ع) أتباع السيد أحمد الحسن اليماني الموعود في العراق الحبيب؛ عراقيو الآباء والأجداد، في هذا البلد المقدس نبتتْ وترسختْ جذورُنا، واخضرتْ وامتدتْ أغصانُنا وأينعتْ ثمارُنا. وقد حاربْنا الطاغيةَ صدام الملعون وحزبه سيء الصيت وجاهدْناه، وتحملنا الظلم والجور والسجن والتعذيب والتشريد، ولم نداهن أو نساوم أو نتنازل عن وفائنا لديننا وبلدنا الحبيب، وكل من عاشرنا وصاحبنا يعرف ذلك جيداً. وكذلك قدَّمنا أبناءنا وأخوتنا شهداءَ دفاعاً عن الوطن والمقدسات ضد الإرهاب الوهابي الداعشي الخبيث وما زال أبناؤنا وأخوتنا مرابطون في ساحات الوغى قد أرخصوا أنفسهم في سبيل الأرض والعِرض والمقدسات.
واليوم قد استمر الظلم والجور علينا، لا لجرمٍ فعلناه أو ذنبٍ اقترفناه، سوى تمسكنا بعقيدتنا وفكرنا الذي آمنا به وفق ما قادنا إليه الدليل من القرآن والسُّنة المطهرة للرسول محمد (ص) ولعترته الطاهرة (ع). فقد جرتْ سُّنة السِجن والتعذيب والتشريد علينا منذ سقوط الطاغية صدام والى اليوم، ولم نحظ بما يحظى به حتى الملاحدة ومنكرو الرسالات في هذا البلد الحبيب، رغم حرصنا على الأمن والأمان واحترام جميع أطياف المجتمع العراقي.
فكلُ منصفٍ ومتحررٍ يعلم جيداً؛ أنًّه لا يحق لأي شخص مهما كان فرض عقيدة أو فكر أو تفسير على أي مواطن عراقي ولا على أي إنسان. لأنَّه –وببساطة- لا يوجد متولي قد خوَّله الخالق إجبار الناس على عقيدة أو دين معين أو إجبارهم على قبول تفسير معين لأي جهة من جهات الدين أو العقيدة. وحتى الأنبياء والأوصياء وحجج الله تعالى لم يقوموا بقهر الناس وإجبارهم على قبول دعواتهم ورسالاتهم السماوية.
قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99]ٍ.
وقال الله سبحانه: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [المائدة:99].
وقال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118].
ورغم ذلك فاتباع السيد أحمد الحسن لم يخالفوا ضرورة من ضرورات الإسلام، ولا ضرورة من ضرورات المذهب، ولم ندعوا أبداً الى ما يُعكِّر التعايش السلمي بين فئات المجتمع، ولا الى ما ينعكس سلباً على الأنظمة الخدمية. فهذه ضرورات نراها ونعتقد بكونها ثوابت لا ينبغي المساس بها أبداً.
أمَّا في غير ضرورات الإسلام والمذهب، وفي غير ما يتعلق بحفظ الأمن والأمان؛ فهي آراء وتفسيرات ومذاهب فكرية مضمارها الحوار العلمي الموضوعي الأخلاقي، لا الجبر والقهر والإكراه وهدر الدماء وهتك الحرمات، ولا يجوز أبداً الحكم بإخراج المخالفين فكرياً من الإسلام أو المذهب. لأنَّ كلا المختلفين متساوون بالعقل والتفكير ولا توجد وصايةٌ لأحدٍ على أحد، ولا إمامةٌ لأحدٍ على أحد، ولا يوجد طرف يتصف بأنَّه إلهٌ أو نِصفُ إلهٍ مثلاً كما كان يعتقد بعض المصريين القدامى وغيرهم في قادتهم وحكامهم.
فالقناعة هي سيد الموقف في قبول واعتقاد المذاهب العَقَديِّة والفكرية. وتبقى الطاعة المطلقة لله تعالى ولحججه على خلقه. وقد عَرَفنا أنَّ الله سبحانه لم يجبر ولم يقهر الناس على الإيمان به أو برسله وأنبيائه. فكيف يَحق لغير الله أنَّ يجبر الناس على الإيمان أو أنْ يفكر نيابة عنهم ليُقرِرَ لهم مصير دنياهِم وآخرتِهم ؟!
فهناك من يحاول أنْ يجعل مِنَّا شَمَّاعة ليعلق علينا أخطاءه وفشله وفساده ! فكلما حصلت احتجاجات جماهرية للمطالبة بالحقوق وتحسين الخدمات واستنكار الفساد؛ قالوا بأنَّ جماعة اليماني هم من خطط وحرض على ذلك، ثم يتبين أنَّ الاحتجاجات والمظاهرات عفوية شعبية غير مسيسة .. وهكذا الحال منذ ثلاثة عشر عاماً تم تضييق الخِناق علينا وتكبيلنا، وسجن وتعذيب أخوتنا وأحبتنا، وحرماننا من أبسط الحقوق، استناداً الى اشاعات وافتراءات يتبين عاجلاً للجميع عدم صحتها وبعدها عن الواقع.
وهناك أشخاص وجهات متنفذة في الحكومة تستغل اسم الحكومة والجهات الأمنية ليشوهوا سمعتنا، وليمتهنوا مطاردتنا ومداهمة مؤسساتنا العلمية والتعليمية والإعلامية، وهتك حرمتها والعبث بممتلكاتها وتخريبها ونهبها، واعتقال من فيها، بدوافع شخصية وفئوية بلا مسوغ قانوني أو قضائي. وكأنَّ الدستور والقضاء لم يوجد إلا ليكون أداةً تخدم توجهات هؤلاء الذين يسيئون للجهات التي ينتمون لها !
فكل الجهات والأشخاص الذين اعتدوا علينا بدوافع شخصية وبلا مبرر حقيقي سنقاضيهم اليوم أو غداً .. وإنْ حال اليوم حائل دون محاسبتهم قضائياً وقانونياً؛ فسنوصي بذلك أبناءنا وأهلنا وعشائرنا ومحبينا وكل الشرفاء والمنصفين .. وسيأتي اليوم الذي يحاسبهم فيه القضاء والقانون العادل والشعب العراقي الشريف، وسيكتب التاريخ للأجيال ماذا فعل هؤلاء وأي منهج اتبعوا في التعامل مع مخالفيهم في الرأي والفكر ؟!
كما ونأمل أنْ تصل مظلوميتنا هذه الى كل الشرفاء والمنصفين في الحكومة المركزية في بغداد والى كل الحكومات المحلية في سائر المحافظات العراقية، ونأمل منهم التحلي بالمهنية الصادقة في تطبيق القانون والتعامل مع الناس على وفق المواطنة لا على وفق الاعتقاد والفكر والانتماء .. فنحن نعلم أنَّ كثيراً منهم قد تعرضوا للظلم والاضطهاد في زمن الطاغية المقبور .. مما يعني أنَّهم يعلمون ويشعرون جيداً بما يسببه الظلم والجور من ألمٍ وأذى وأسى وحرمان.
فنأمل منهم ومن كل الشرفاء العراقيين أنْ يقفوا في وجه الجهات والشخصيات المتنفذة والتي تستخدم عناوين رسمية لاستهداف بعض المواطنين العراقيين وخطفهم وترويع عوائلهم واطفالهم وانتهاك حرماتهم بلا مسوغ قانوني أو قضائي. فالظلم يُغيِّر النعم ويُعجِّل النقم كما قال أمير المؤمنين (ع):
(ولَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّه وتَعْجِيلِ نِقْمَتِه؛ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّه سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ).
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
Comment