اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، الحمدلله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انصار الله ، عباد الله اوصیکم و نفسی بتقوی الله و لزوم طاعته و نصرة قائم ال محمد عليه السلام .
هل الديمقراطية آلية جيده لإنتخاب الحاكم الأصلح ؟
هذه هي الأيام الأخيرة واللحظات الحاسمة وأيام الواقعة وهي خافضة رافعة، قوم أخذوا يتسافلون حتى استقر بعضهم في هوّة الوادي، وقوم بدؤوا يرتقون حتى كأنهم استقروا على قلل الجبال، وقوم سكارى حيارى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء همج رعاع يميلون مع كل ناعق.
وفي هذه اللحظات الحاسمة لحظات الامتحان الإلهي لأهل الأرض سقط معظم الذين كانوا يدعون أنهم إسلاميون أو يمثلون الإسلام بشكل أو بآخر، ومع الأسف فإنّ أول الساقطين في الهاوية هم العلماء غير العاملين؛ حيث أخذوا يرددون المقولة الشيطانية (حاكمية الناس) التي طالما رددها أعداء الأنبياء والمرسلين والأئمة (ع)، ولكن هذه المرّة جاء بها الشيطان الأكبر فراقهم زبرجها وحليت في أعينهم وسمّاها لهم (الديمقراطية) أو الحرية أو الانتخابات الحرّة أو أي مسمّى من هذه المسميات التي عجزوا عن ردّها، وأصابتهم في مقاتلهم فخضعوا لها واستسلموا لأهلها؛ وذلك لأنّ هؤلاء العلماء غير العاملين ومن اتبعهم ليسوا إلاّ قشور من الدين ولب فارغ فالدين لعق على ألسنتهم ليس إلاّ. وهكذا حمل هؤلاء العلماء غير العاملين حربة الشيطان الأكبر وغرسوها في قلب أمير المؤمنين علي (ع)، وفتحوا جرح الشورى والسقيفة القديم الذي نحّى خليفة الله عن حقّه وأقر حاكمية الناس التي لا يقبلها الله سبحانه وتعالى ولا رسوله ولا الأئمة (ع)، وهكذا أقر هؤلاء العلماء غير العاملين تنحية الأنبياء والمرسلين والأئمة (ع)، وأقر هؤلاء الظلمة قتل الحسين بن علي (ع).
و المؤلم هو أننا لا نجد أحداً يدافع عن حاكمية الله سبحانه وتعالى في أرضه، حتى الذين يقرّون هذه الحاكمية الحقّة تنازلوا عن الدفاع عنها؛ وذلك لأنهم وجدوا في الدفاع عنها وقوفاً عكس التيار الجارف الذي لا يرحم، والأنكى والأعظم أنّ الكل يقرّ حاكمية الناس ويقبلها حتى أهل القرآن وللأسف الشديد، إلاّ القليل ممن وفى بعهد الله مع أنهم يقرؤون فيه: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء﴾.وهكذا نقض هؤلاء العلماء غير العاملين المرتكز الأساسي في الدين الإلهي وهو حاكمية الله وخلافة ولي الله سبحانه وتعالى، فلم يبقَ لأهل البيت (ع) خلفاء الله في أرضه وبقيتهم الإمام المهدي (ع) وجود بحسب الانتخابات أو الديمقراطية التي سار في ركبها هؤلاء العلماء غير العاملين . قبل البدأ نأخذ تعريف من الديمقراطية أي حاكمية الناس .
ما هي الديمقراطية ؟
الديمقراطية؛ هي حكم الشعب نفسه بنفسه. ويتحقق عن طريق انتخاب سلطتين تشريعية وتنفيذية، ويحدد صلاحيات وحقوق وواجبات كلتي السلطتين، دستور أو قانون عام ربما يختلف في بعض الجزئيات بين مكان وآخر بحسب القيم والتقاليد السائدة في المجتمع، ورغم أنّ هذه الأيديولوجية قديمة جداً فقد وصل لنا ما كتبه أفلاطون عنها قبل آلاف السنين إلاّ أنها لم تطبق على أرض الواقع وبشكل قريب من حقيقة الفكر المطروح في الديمقراطية، إلاّ في أمريكا بعد حرب التحرير أو الانفصال التي خاضها الشعب الأمريكي والذي غالبيته من الإنكليز ضد البلد المحتل أو الأم إنكلترا.
ولابد لكل مفكّر منصف أن يعترف أنّ المذهب الديمقراطي قد هَزم جميع المذاهب السياسية الأخرى فكرياً قبل أن يهزمها على أرض الواقع السياسي في أوربا وفي بعض دول أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا؛ وذلك لأنّ جميع تلك المذاهب تتفرّع عن حقيقة واحدة هي تفرّد جماعة أو فرد بالسلطة وتنصّب هؤلاء الجماعة أو الفرد والفكر الشاذ عادة الذي يحملونه كآلهة تشرّع وتسن القوانين وعلى الشعب أن ينفذ دونما اعتراض، والمضحك المبكي أنّ كثيراً من الأنظمة الحاكمة الدكتاتورية والفاشية تدّعي اليوم أنها ديمقراطية وتنظم استفتاءات أو بيعات أو انتخابات صورية لتثبت أنها ديمقراطية، وهذا أعظم دليل على هزيمة جميع الأنظمة الحاكمة أمام المذهب الديمقراطي؛ ولهذا أخذوا يغازلونه وأخذ الجميع يدّعي وصل ليلى أو على الأقل يدّعي أنه سائر على هذا الطريق. وحتى المذاهب الفكرية الدينية أخذت اليوم تغازل المذهب الديمقراطي ويدّعي أصحابها الديمقراطية، وهؤلاء مع الأسف كالحمامة التي أخذت تقلد الغراب لأنه أكبر حجماً فلم تعد حمامة ولم تصبح غراباً.
لنري هذا المذهب الجديد الذي طبل له كل الذين غيروا حكم الله و تنصيبه هل هو آلية جيدة لبيان الأصلح و الأكفأ أم لا و هل هذه المنظومة قادرة على إيصال الأصلح إلى سدة الحكم ، ليكون صلاح الرأس صلاحا للجسد ؟
تناقضات الديمقراطية من كلام السيد احمدالحسن في كتاب حاكمية الله لا حاكمية الناس :
1- الدكتاتورية مستبطنة في الديمقراطية:
وهذا بيّن في الواقع العملي، فعند وصول مذهب فكري إلى السلطة عن طريق حزب معين فإنّه يحاول فرض نظرته السياسية على هذا البلد بشكل أو بآخر، وربما يقال إنّ الناس هم الذين انتخبوا وأوصلوا هذا المذهب إلى السلطة.
أقول: إنّ الناس أوصلوا هذا الحزب وهذا المذهب الفكري بناء على ما هو موجود في الساحة السياسية في فترة الانتخابات، أمّا ما سيؤول إليه الأمر بعد عام فلا يعلمه الناس، فإذا حدث شيء يضر بمصالحهم الدينية أو الدنيوية من هذا النظام الحاكم لا يستطيعون ردّه وكما يقال (وقع الفأس بالرأس).
وهكذا وصل أمثال هتلر الذي عاث في الأرض فساداً عن طريق الانتخابات والديمقراطية المدّعاة، وإذا كان هناك اعتراضات على ما حصل في ألمانيا بسبب عدم نضوج الحالة الديمقراطية فيها في ذلك الوقت فهذا هو حال إيطاليا اليوم فقد وصل إلى السلطة جماعة زجوا بإيطاليا مع أمريكا في حرب عفنة ضد الإسلام والمسلمين، والشعب الإيطالي معارض لهذه الحكومة اليوم والمعارضة تطالب بسحب القوّات الإيطالية، ولكنّ هؤلاء الجماعة المتسلطين يصّرون على بقاء القوات الإيطالية محتلة للعراق، وهكذا عادت الدكتاتورية والفاشية إلى إيطاليا في هذه الفترة، بل إنّ في بريطانيا الديمقراطية الحليف الرئيسي لأمريكا في احتلال العراق والاعتداء على الإسلام والمسلمين خرج في شوارع لندن ملايين ينددون بهذه الحرب الاستعمارية الكافرة على الإسلام والمسلمين دونما تأثير على قرار الحكومة البريطانية، إذن فالدكتاتورية مستبطنة في الديمقراطية.
2- أكبر بلد ديمقراطي في العالم يمارس الدكتاتورية:
مع أنّ النظام في أمريكا وبحسب الظاهر ديمقراطي، ولكنها مع أهل الأرض تمارس أبشع أنواع التسلط والدكتاتورية، وهذا تناقض واضح فالذي يحمل فكراً رصيناً يجب أن يطبقه مع الجميع في كل مكان وزمان دون استثناء، مع أنّ الأمريكان يريدون إذلال أهل الأرض والتسلط عليهم ويتعاملون مع المسلمين باحتقار وازدراء بشكل خاص؛ لأنهم يعلمون أنّ نهاية أمريكا على يدي الإمام المهدي (ع) وهو إمام المسلمين، بل المسلمون الأمريكان في داخل أمريكا يعانون التمييز فأين الديمقراطية.
3- الديمقراطية والمال:
لا مكان في الديمقراطية لمن لا يملك أموالاً ينفقها على الدعاية والكذب وتزوير الحقائق وشراء المرتزقة والأراذل، وهكذا تظهر سلطة المال في النظام الديمقراطي بشكل غير طبيعي، وتبدأ الأحزاب والتنظيمات بنهب أموال الفقراء والمساكين بشكل أو بآخر وتبدأ العمالة، ففي أمريكا يسيطر اليهود بالأموال على مجرى الانتخابات ويحققون نجاحاً لا يقل عن (70%) في تعيين من يريدون على دفّة الحكم في أمريكا لكي يستمر الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، ومسألة الدعاية المخادعة الكاذبة وسلطة الأموال على الديمقراطية مسألة طالما طرحت على صفحات الجرائد في أمريكا نفسها، وأذكر أني قرأت قبل سنوات مقالاً لكاتب أمريكي يؤكد فيه أنّ الديمقراطية في أمريكا مجرّد خدعة ومسرحية هزيلة، وأنّ الحاكم هو الخداع والحيل والأموال لا غير.
4- الديمقراطية والحرية:
لا يوجد نظام في العالم يقرّ الحرية المطلقة حتى النظام الديمقراطي يضع قيوداً على حرية الأفراد والجماعات، ولكن ما مدى هذه القيود التي تحجم الحرية ؟ وإلى أي مدى يمكن أن نطلق العنان للأفراد والجماعات لممارسة ما يريدون؟!
القيود على الحرية في الديمقراطية يضعها الناس، ومن المؤكد أنهم يخطئون وأكثرهم يلهثون وراء الشهوات؛ ولهذا فإنّ القيود على الحرية في الديمقراطية توضع على الدين والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّ في الدين الإلهي قانوناً آخر يناقض القانون الوضعي وهو القانون الإلهي، وفي الديمقراطية تطلق الحرية لإفراغ الشهوات والفساد والإفساد والخوض فيما حرّم الله، وبالتالي فإنّ جميع المجتمعات التي طبقت فيها الديمقراطية أصبحت مجتمعات منحلة متفسخة؛ لأنّ القانون الوضعي يحمي من يمارس الزنا والفساد وشرب الخمر وتعرّي المرأة وما إلى ذلك من مظاهر الفساد.
5- الديمقراطية والدين:
من المؤكد أنّ للدين الإلهي فكراً آخر غير الفكر الديمقراطي، فالدين الإلهي لا يقرّ إلاّ التعيين من الله ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾، وهو المهدي (ع) ولا يقرّ إلاّ القانون الإلهي في زماننا نحن المسلمون ( القرآن )، وبالنسبة لليهود إيليا (ع) والتوراة، وبالنسبة للمسيح عيسى (ع) والإنجيل، فإذا كان الأمر كذلك كيف يدّعي المسلم أو المسيحي أو اليهودي أنّه يؤمن بالله ويقرّ حاكميته المتمثلة بالمهدي (ع) والقرآن، أو عيسى (ع) والإنجيل، أو إيليا (ع) والتوراة، وفي نفس الوقت يقرّ حاكمية الناس والديمقراطية وهي تنقض أساس الدين الإلهي وحاكمية الله في أرضه؟
إذن، فالذي يقرّ الديمقراطية والانتخابات لا يمت للدين الإلهي بصلة وهو كافر بكل الأديان وبحاكمية الله في أرضه.
6- الديمقراطية من المهد إلى اللحد:
ربما عندما تبدأ المسيرة الديمقراطية في أي بلد تتشكل عشرات الأحزاب والتيارات السياسية، ولكن و بما أنّ الخداع والتزوير والكذب والافتراء والدعاية والمال هي الحاكم الحقيقي، فمع مرور الزمن تصفّى كل هذه الأحزاب ولا يبقى إلاّ حزبان في الغالب على الساحة السياسية، بل النتيجة الأخيرة والنهاية المرّة هي هيمنة أحد هذين الحزبين على دفّة القيادة، وهكذا تعود الدكتاتورية باسم الديمقراطية وأقدم بلدين ديمقراطيين هما أوضح مثال لهذه الحالة فهما يمرّان بالمراحل الأخيرة من الديمقراطية، وهما بريطانيا ويهيمن فيها حزب المحافظين وحزب العمال وأمريكا ويهيمن فيها الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وهذه الأحزاب تمر في هذه المرحلة في حالة صراع للهيمنة المطلقة على السلطة، فالديمقراطية تمر بمراحل تسقيط للضعفاء، وهكذا فالناس يمرّون من الديمقراطية إلى الدكتاتورية، بل إنّ هيمنة حزبين وفكرين على دفّة القيادة هي الدكتاتورية بعينها إذا أخذنا بنظر الاعتبار التوافق الفكري بينهما وعدم وجود معارضة فكرية حقيقية. هذا إذا لم تحصل نكسة بعد تسلط جماعة من دعاة الديمقراطية على دفّة الحكم، وقيامهم بإقصاء باقي الأطراف، وبالتالي التحوّل من الديمقراطية إلى الدكتاتورية بين ليلة وضحاها.
وفي هذا يقول الفيلسوف اليوناني أفلاطون: (ويبرز بين دعاة الديمقراطية وحماة الشعب أشدّهم عنفاً وأكثرهم دهاءً، فينفي الأغنياء أو يعدمهم ويلغي الديون ويقسم الأراضي ويؤلف لنفسه حامية يتقي بها شر المؤامرات فيغتبط به الشعب ويستأثر هو بالسلطة، ولكي يمكن لنفسه ويشغل الشعب عنه ويديم الحاجة إليه يشهر الحرب على جيرانه بعد أن كان سالمهم ليفرغ إلى تحقيق أمنيته في الداخل ويقطع رأس كل منافس أو ناقد ويقصي عنه كل رجل فاضل ويقرب إليه جماعة من المرتزقة والعتقاء ويجزل العطاء للشعراء الذين نفيناهم من مدينتنا فيكيلون له المديح كيلاً. وينهب الهياكل ويعتصر الشعب ليطعم حراسه وأعوانه، فيدرك الشعب أنه أنتقل من الحرية إلى الطغيان وهذه هي الحكومة الأخيرة).
بهذه التناقضات أكتفي للاختصار وإلاّ فتناقضات الديمقراطية كثيرة جدّاً.
كما قال أحد أفراد الشعب الأمريكي والعالم من علماء أمريكا الديمقراطية مارتن دودج هو وصف لنا الديمقراطية في منبع الديمقراطية الحديثة، حيث يقول:
(جاءت الديمقراطية لأنّ الناس أرادوا أن يعيشوا أحراراً .... ولم تفد علينا الديمقراطية الأمريكية من تلقاء نفسها بل كان مجيئها نتيجة جهاد وكفاح، إنها تجعل من الأفراد سادة أنفسهم ..... إنها تقدّم إلينا الكثير من الفرص .. بل إنها تلقي بالمسؤوليات على كاهل كل فرد في المجتمع .. ثم إنها تمد الطريق إلى ما لا نهاية له من تقدّم وفلاح .. ثم يقول: .. إنّ النظام الذي درجنا عليه في أمريكا هو من صميم المذهب الديمقراطي الذي لم تحيَ في ظل نظام سواه؛ ولذا فإننا نميل إلى التسليم بصلاحيته. ثم جاءتنا أخيراً لأننا صممنا أن نعيش أحراراً ولأننا نمقت أن نساق جماعات جماعات من مكان إلى آخر.وفكرة الديمقراطية تتلخص في أن يحكم الناس أنفسهم دون أن يكونوا رعايا خاضعين مستعبدين؛ ذلك لأنّ الناس لهم المقام الأول والصدارة، ثم تليهم في المرتبة الثانية السلطات الحاكمة. وفي ظل النظام الديمقراطي يحكم المجتمع نفسه أجل نفسه ويتبوأ الناس أهم المراكز. أول ما نشأت الديمقراطية في اليونان، ولكن جذورها وهي أهم ما في عصرنا الحالي نبتت في إنجلترا منذ سبعة قرون حين وقع الملك جون دستور (الماجنا كارتا) في سنة 1215 ولم يكن يرغب في ذلك من صميم فؤاده؛ لأنّه شعر أنّ فيه تسليماً واعترافاً بقيام قوّة أخرى إلى جانبه تملك بين يديها السلطان. والمعروف أنّ رؤساء الدول وأعضاء الهيئات الحاكمة يرفضون التنازل عن جاههم وسلطانهم الذي استحوذوا عليه، بل يتشبثون به خشية أن يفلت من بين أيديهم . أمّا الديمقراطية؛ فإنها تنص على أنّ قوّة السلطان يجب أن تكون في أيدي الشعب. ومنذ أن تم التوقيع على الماجنا كارتا وقعت في إنجلترا أحداث متعاقبة استمرت زهاء الأربعة قرون. ولقد كانت العملية بطيئة، ولكنها انتهت إلى إقرار النظام البرلماني هناك، عندما وقف السير أدوار كوك في مجلس العموم في مستهل القرن السابع عشر، ونادى في جرأة منقطعة النظير بعدم قانونية بعض المراسيم الملكية لمخالفتها للدستور، وإنها أصبحت غير ملزمة التنفيذ.
وهكذا كانت إنكلترا مهداً للديمقراطية، غير إنها لم تمنح مستعمراتها الأمريكية مثل هذا الامتياز وظلت تعامل سكانها كقطيع من السائمة. وألهبت القيود التي فرضت على المستعمرات من قوّة الكفاح في سبيل الحرية، بدلاً من أن تقضي عليها. وكان هذا - كما نعرف جميعاً - السبب الذي شبّت من أجله نار الثورة الأمريكية التي أسفرت عن قيام أقوى دولة في العالم الحديث هي: الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد اقترن قيامها بتقوية دعائم المذهب الديمقراطي عند (إعلان الاستقلال، والدستور، والملحقات المتصلة به والمعروفة بوثيقة حقوق الإنسان).
وإننا نعترف أننا لم نصل بعد إلى إمكان قيام (حكومة كاملة رشيدة). وعلى الرغم من ذلك فما ظنك في أمر سعادتنا .. ؟ وفي حرّياتنا ؟ وفي تقدّمنا ورقينا ؟ وفي مستوى رخائنا ؟ وفي كياننا الصحي، وسلامة وجودنا المادي والمعنوي مما نحن مدينون به لنظامنا الديمقراطي؟
و هذه هي آراء علماء الديمقراطية الحديثة كما يقولون لكن يا تري هل الانتخابات هي آلية جيده لإنتخاب الحاكم الأصلح ؟ طبعا الجواب لا ، بل الإنتخابات هي آلية فاسدة في اختيار الحاكم و قد تبين هذا الموضوع في طرح تناقضات الديمقراطية للسيد احمدالحسن !!! فنظام الحاكمية الذي يستند إلى صناديق الاقتراع هو في الواقع يكشف عن المأزق الحقيقي الذي يمر به الفكر البشري وعجزه عن الوصول إلى منظومة قادرة على إيصال الأصلح إلى سدة الحكم ، ليكون صلاح الرأس صلاحا للجسد . إن منظومة الاقتراع منظومة فاسدة بالدليل ، حيث القاعدة تقول ؛ إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال ، واستنادا إلى هذه القاعدة القانونية الضابطة لحركة الفكر نسأل ؛ إذا كانت آلية صناديق الاقتراع هي الآلية الأقدر على إيصال الأصلح إلى سدة القيادة ، فهذا يعني أنها آلية محكمة لا سبيل إلى الطعن فيها ، فإذا كانت كذلك ، فعلام كل هذا الضجيج الرسمي والإعلامي الذي يحذر من محاولات تزوير الانتخابات ، وهذه التصريحات النارية التي تعكس إمكانية تزوير الانتخابات وبطرق لا حصر لها؟؟؟!!! إن مجرد تسرب الاحتمال إلى إمكانية تزوير الانتخابات يسقط الاستدلال في كونها السبيل الأنجع لإيصال (الأصلح والأكفأ) إلى سدة القيادة فضلا على أن تكون هي السبيل الوحيد لذلك ـ كما يتم الترويج له اليوم على لسان ساسة العراق المتأمركين ـ واستنادا إلى تلك القاعدة القانونية المنطقية تكون الانتخابات منظومة فاسدة وغير صالحة لتحقيق الهدف المنشود وهو إيصال قيادة صالحة ، والاستناد إلى تلك القاعدة القانونية هنا هو من باب (إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم) حيث أن الناس بسوادهم الأعظم رضخوا إلى تسويق الساسة والمؤسسات الدينية الداعمة للمشروع الديمقراطي الأمريكي ، وحاولوا إقناع الناس بنجاعة منظومة صناديق الاقتراع في إيصال القيادة الصالحة الكفوءة إلى سدة الحكم!!!
إذن فالانتخابات و الديمقراطية و الحرية كما يسمون ليست هي الآلية لبيان الأصلح والأكفأ ، بل ليست هي بآلية أصلا لأنها تفتقر لأبسط الأسس التي تجعلها قادرة على توفير عملية نزيهة بعيدة عن التزوير ، بشتى صورها سواء منها ما كان بشراء الأصوات ، أو تزييف صناديق الاقتراع ، أو تزييف أوراق الاقتراع ، أو تزييف عدد المقترعين ، بل وصل التزييف إلى زجاجة الحبر التي تطمغ الناخب ، فجعلوه حبرا سريع الزوال ليعود من انتخب إلى الانتخاب ثانية ، وهذا ما حصل في ممارسة الانتخاب الخاص في عدد من مراكز الانتخاب ، كما أن آلية الانتخاب تلك ستفتح الباب على مصراعيه لتعدد أقطاب القوة ومن ثم إمكانية الصراع والتناحر قائمة ، وستكون مدعاة للنهب والسلب والتصفيات ، وكيل الاتهامات ، ومحاولات التسقيط ، والتسقيط المقابل ، فهل بعد هذا البلاء الذي سيقبل عليه العراقيون من بلاء؟؟؟!!!
والحمدولله وحده وحده وحده
يا صاحب الأمر
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انصار الله ، عباد الله اوصیکم و نفسی بتقوی الله و لزوم طاعته و نصرة قائم ال محمد عليه السلام .
هل الديمقراطية آلية جيده لإنتخاب الحاكم الأصلح ؟
هذه هي الأيام الأخيرة واللحظات الحاسمة وأيام الواقعة وهي خافضة رافعة، قوم أخذوا يتسافلون حتى استقر بعضهم في هوّة الوادي، وقوم بدؤوا يرتقون حتى كأنهم استقروا على قلل الجبال، وقوم سكارى حيارى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء همج رعاع يميلون مع كل ناعق.
وفي هذه اللحظات الحاسمة لحظات الامتحان الإلهي لأهل الأرض سقط معظم الذين كانوا يدعون أنهم إسلاميون أو يمثلون الإسلام بشكل أو بآخر، ومع الأسف فإنّ أول الساقطين في الهاوية هم العلماء غير العاملين؛ حيث أخذوا يرددون المقولة الشيطانية (حاكمية الناس) التي طالما رددها أعداء الأنبياء والمرسلين والأئمة (ع)، ولكن هذه المرّة جاء بها الشيطان الأكبر فراقهم زبرجها وحليت في أعينهم وسمّاها لهم (الديمقراطية) أو الحرية أو الانتخابات الحرّة أو أي مسمّى من هذه المسميات التي عجزوا عن ردّها، وأصابتهم في مقاتلهم فخضعوا لها واستسلموا لأهلها؛ وذلك لأنّ هؤلاء العلماء غير العاملين ومن اتبعهم ليسوا إلاّ قشور من الدين ولب فارغ فالدين لعق على ألسنتهم ليس إلاّ. وهكذا حمل هؤلاء العلماء غير العاملين حربة الشيطان الأكبر وغرسوها في قلب أمير المؤمنين علي (ع)، وفتحوا جرح الشورى والسقيفة القديم الذي نحّى خليفة الله عن حقّه وأقر حاكمية الناس التي لا يقبلها الله سبحانه وتعالى ولا رسوله ولا الأئمة (ع)، وهكذا أقر هؤلاء العلماء غير العاملين تنحية الأنبياء والمرسلين والأئمة (ع)، وأقر هؤلاء الظلمة قتل الحسين بن علي (ع).
و المؤلم هو أننا لا نجد أحداً يدافع عن حاكمية الله سبحانه وتعالى في أرضه، حتى الذين يقرّون هذه الحاكمية الحقّة تنازلوا عن الدفاع عنها؛ وذلك لأنهم وجدوا في الدفاع عنها وقوفاً عكس التيار الجارف الذي لا يرحم، والأنكى والأعظم أنّ الكل يقرّ حاكمية الناس ويقبلها حتى أهل القرآن وللأسف الشديد، إلاّ القليل ممن وفى بعهد الله مع أنهم يقرؤون فيه: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء﴾.وهكذا نقض هؤلاء العلماء غير العاملين المرتكز الأساسي في الدين الإلهي وهو حاكمية الله وخلافة ولي الله سبحانه وتعالى، فلم يبقَ لأهل البيت (ع) خلفاء الله في أرضه وبقيتهم الإمام المهدي (ع) وجود بحسب الانتخابات أو الديمقراطية التي سار في ركبها هؤلاء العلماء غير العاملين . قبل البدأ نأخذ تعريف من الديمقراطية أي حاكمية الناس .
ما هي الديمقراطية ؟
الديمقراطية؛ هي حكم الشعب نفسه بنفسه. ويتحقق عن طريق انتخاب سلطتين تشريعية وتنفيذية، ويحدد صلاحيات وحقوق وواجبات كلتي السلطتين، دستور أو قانون عام ربما يختلف في بعض الجزئيات بين مكان وآخر بحسب القيم والتقاليد السائدة في المجتمع، ورغم أنّ هذه الأيديولوجية قديمة جداً فقد وصل لنا ما كتبه أفلاطون عنها قبل آلاف السنين إلاّ أنها لم تطبق على أرض الواقع وبشكل قريب من حقيقة الفكر المطروح في الديمقراطية، إلاّ في أمريكا بعد حرب التحرير أو الانفصال التي خاضها الشعب الأمريكي والذي غالبيته من الإنكليز ضد البلد المحتل أو الأم إنكلترا.
ولابد لكل مفكّر منصف أن يعترف أنّ المذهب الديمقراطي قد هَزم جميع المذاهب السياسية الأخرى فكرياً قبل أن يهزمها على أرض الواقع السياسي في أوربا وفي بعض دول أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا؛ وذلك لأنّ جميع تلك المذاهب تتفرّع عن حقيقة واحدة هي تفرّد جماعة أو فرد بالسلطة وتنصّب هؤلاء الجماعة أو الفرد والفكر الشاذ عادة الذي يحملونه كآلهة تشرّع وتسن القوانين وعلى الشعب أن ينفذ دونما اعتراض، والمضحك المبكي أنّ كثيراً من الأنظمة الحاكمة الدكتاتورية والفاشية تدّعي اليوم أنها ديمقراطية وتنظم استفتاءات أو بيعات أو انتخابات صورية لتثبت أنها ديمقراطية، وهذا أعظم دليل على هزيمة جميع الأنظمة الحاكمة أمام المذهب الديمقراطي؛ ولهذا أخذوا يغازلونه وأخذ الجميع يدّعي وصل ليلى أو على الأقل يدّعي أنه سائر على هذا الطريق. وحتى المذاهب الفكرية الدينية أخذت اليوم تغازل المذهب الديمقراطي ويدّعي أصحابها الديمقراطية، وهؤلاء مع الأسف كالحمامة التي أخذت تقلد الغراب لأنه أكبر حجماً فلم تعد حمامة ولم تصبح غراباً.
لنري هذا المذهب الجديد الذي طبل له كل الذين غيروا حكم الله و تنصيبه هل هو آلية جيدة لبيان الأصلح و الأكفأ أم لا و هل هذه المنظومة قادرة على إيصال الأصلح إلى سدة الحكم ، ليكون صلاح الرأس صلاحا للجسد ؟
تناقضات الديمقراطية من كلام السيد احمدالحسن في كتاب حاكمية الله لا حاكمية الناس :
1- الدكتاتورية مستبطنة في الديمقراطية:
وهذا بيّن في الواقع العملي، فعند وصول مذهب فكري إلى السلطة عن طريق حزب معين فإنّه يحاول فرض نظرته السياسية على هذا البلد بشكل أو بآخر، وربما يقال إنّ الناس هم الذين انتخبوا وأوصلوا هذا المذهب إلى السلطة.
أقول: إنّ الناس أوصلوا هذا الحزب وهذا المذهب الفكري بناء على ما هو موجود في الساحة السياسية في فترة الانتخابات، أمّا ما سيؤول إليه الأمر بعد عام فلا يعلمه الناس، فإذا حدث شيء يضر بمصالحهم الدينية أو الدنيوية من هذا النظام الحاكم لا يستطيعون ردّه وكما يقال (وقع الفأس بالرأس).
وهكذا وصل أمثال هتلر الذي عاث في الأرض فساداً عن طريق الانتخابات والديمقراطية المدّعاة، وإذا كان هناك اعتراضات على ما حصل في ألمانيا بسبب عدم نضوج الحالة الديمقراطية فيها في ذلك الوقت فهذا هو حال إيطاليا اليوم فقد وصل إلى السلطة جماعة زجوا بإيطاليا مع أمريكا في حرب عفنة ضد الإسلام والمسلمين، والشعب الإيطالي معارض لهذه الحكومة اليوم والمعارضة تطالب بسحب القوّات الإيطالية، ولكنّ هؤلاء الجماعة المتسلطين يصّرون على بقاء القوات الإيطالية محتلة للعراق، وهكذا عادت الدكتاتورية والفاشية إلى إيطاليا في هذه الفترة، بل إنّ في بريطانيا الديمقراطية الحليف الرئيسي لأمريكا في احتلال العراق والاعتداء على الإسلام والمسلمين خرج في شوارع لندن ملايين ينددون بهذه الحرب الاستعمارية الكافرة على الإسلام والمسلمين دونما تأثير على قرار الحكومة البريطانية، إذن فالدكتاتورية مستبطنة في الديمقراطية.
2- أكبر بلد ديمقراطي في العالم يمارس الدكتاتورية:
مع أنّ النظام في أمريكا وبحسب الظاهر ديمقراطي، ولكنها مع أهل الأرض تمارس أبشع أنواع التسلط والدكتاتورية، وهذا تناقض واضح فالذي يحمل فكراً رصيناً يجب أن يطبقه مع الجميع في كل مكان وزمان دون استثناء، مع أنّ الأمريكان يريدون إذلال أهل الأرض والتسلط عليهم ويتعاملون مع المسلمين باحتقار وازدراء بشكل خاص؛ لأنهم يعلمون أنّ نهاية أمريكا على يدي الإمام المهدي (ع) وهو إمام المسلمين، بل المسلمون الأمريكان في داخل أمريكا يعانون التمييز فأين الديمقراطية.
3- الديمقراطية والمال:
لا مكان في الديمقراطية لمن لا يملك أموالاً ينفقها على الدعاية والكذب وتزوير الحقائق وشراء المرتزقة والأراذل، وهكذا تظهر سلطة المال في النظام الديمقراطي بشكل غير طبيعي، وتبدأ الأحزاب والتنظيمات بنهب أموال الفقراء والمساكين بشكل أو بآخر وتبدأ العمالة، ففي أمريكا يسيطر اليهود بالأموال على مجرى الانتخابات ويحققون نجاحاً لا يقل عن (70%) في تعيين من يريدون على دفّة الحكم في أمريكا لكي يستمر الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، ومسألة الدعاية المخادعة الكاذبة وسلطة الأموال على الديمقراطية مسألة طالما طرحت على صفحات الجرائد في أمريكا نفسها، وأذكر أني قرأت قبل سنوات مقالاً لكاتب أمريكي يؤكد فيه أنّ الديمقراطية في أمريكا مجرّد خدعة ومسرحية هزيلة، وأنّ الحاكم هو الخداع والحيل والأموال لا غير.
4- الديمقراطية والحرية:
لا يوجد نظام في العالم يقرّ الحرية المطلقة حتى النظام الديمقراطي يضع قيوداً على حرية الأفراد والجماعات، ولكن ما مدى هذه القيود التي تحجم الحرية ؟ وإلى أي مدى يمكن أن نطلق العنان للأفراد والجماعات لممارسة ما يريدون؟!
القيود على الحرية في الديمقراطية يضعها الناس، ومن المؤكد أنهم يخطئون وأكثرهم يلهثون وراء الشهوات؛ ولهذا فإنّ القيود على الحرية في الديمقراطية توضع على الدين والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّ في الدين الإلهي قانوناً آخر يناقض القانون الوضعي وهو القانون الإلهي، وفي الديمقراطية تطلق الحرية لإفراغ الشهوات والفساد والإفساد والخوض فيما حرّم الله، وبالتالي فإنّ جميع المجتمعات التي طبقت فيها الديمقراطية أصبحت مجتمعات منحلة متفسخة؛ لأنّ القانون الوضعي يحمي من يمارس الزنا والفساد وشرب الخمر وتعرّي المرأة وما إلى ذلك من مظاهر الفساد.
5- الديمقراطية والدين:
من المؤكد أنّ للدين الإلهي فكراً آخر غير الفكر الديمقراطي، فالدين الإلهي لا يقرّ إلاّ التعيين من الله ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾، وهو المهدي (ع) ولا يقرّ إلاّ القانون الإلهي في زماننا نحن المسلمون ( القرآن )، وبالنسبة لليهود إيليا (ع) والتوراة، وبالنسبة للمسيح عيسى (ع) والإنجيل، فإذا كان الأمر كذلك كيف يدّعي المسلم أو المسيحي أو اليهودي أنّه يؤمن بالله ويقرّ حاكميته المتمثلة بالمهدي (ع) والقرآن، أو عيسى (ع) والإنجيل، أو إيليا (ع) والتوراة، وفي نفس الوقت يقرّ حاكمية الناس والديمقراطية وهي تنقض أساس الدين الإلهي وحاكمية الله في أرضه؟
إذن، فالذي يقرّ الديمقراطية والانتخابات لا يمت للدين الإلهي بصلة وهو كافر بكل الأديان وبحاكمية الله في أرضه.
6- الديمقراطية من المهد إلى اللحد:
ربما عندما تبدأ المسيرة الديمقراطية في أي بلد تتشكل عشرات الأحزاب والتيارات السياسية، ولكن و بما أنّ الخداع والتزوير والكذب والافتراء والدعاية والمال هي الحاكم الحقيقي، فمع مرور الزمن تصفّى كل هذه الأحزاب ولا يبقى إلاّ حزبان في الغالب على الساحة السياسية، بل النتيجة الأخيرة والنهاية المرّة هي هيمنة أحد هذين الحزبين على دفّة القيادة، وهكذا تعود الدكتاتورية باسم الديمقراطية وأقدم بلدين ديمقراطيين هما أوضح مثال لهذه الحالة فهما يمرّان بالمراحل الأخيرة من الديمقراطية، وهما بريطانيا ويهيمن فيها حزب المحافظين وحزب العمال وأمريكا ويهيمن فيها الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وهذه الأحزاب تمر في هذه المرحلة في حالة صراع للهيمنة المطلقة على السلطة، فالديمقراطية تمر بمراحل تسقيط للضعفاء، وهكذا فالناس يمرّون من الديمقراطية إلى الدكتاتورية، بل إنّ هيمنة حزبين وفكرين على دفّة القيادة هي الدكتاتورية بعينها إذا أخذنا بنظر الاعتبار التوافق الفكري بينهما وعدم وجود معارضة فكرية حقيقية. هذا إذا لم تحصل نكسة بعد تسلط جماعة من دعاة الديمقراطية على دفّة الحكم، وقيامهم بإقصاء باقي الأطراف، وبالتالي التحوّل من الديمقراطية إلى الدكتاتورية بين ليلة وضحاها.
وفي هذا يقول الفيلسوف اليوناني أفلاطون: (ويبرز بين دعاة الديمقراطية وحماة الشعب أشدّهم عنفاً وأكثرهم دهاءً، فينفي الأغنياء أو يعدمهم ويلغي الديون ويقسم الأراضي ويؤلف لنفسه حامية يتقي بها شر المؤامرات فيغتبط به الشعب ويستأثر هو بالسلطة، ولكي يمكن لنفسه ويشغل الشعب عنه ويديم الحاجة إليه يشهر الحرب على جيرانه بعد أن كان سالمهم ليفرغ إلى تحقيق أمنيته في الداخل ويقطع رأس كل منافس أو ناقد ويقصي عنه كل رجل فاضل ويقرب إليه جماعة من المرتزقة والعتقاء ويجزل العطاء للشعراء الذين نفيناهم من مدينتنا فيكيلون له المديح كيلاً. وينهب الهياكل ويعتصر الشعب ليطعم حراسه وأعوانه، فيدرك الشعب أنه أنتقل من الحرية إلى الطغيان وهذه هي الحكومة الأخيرة).
بهذه التناقضات أكتفي للاختصار وإلاّ فتناقضات الديمقراطية كثيرة جدّاً.
كما قال أحد أفراد الشعب الأمريكي والعالم من علماء أمريكا الديمقراطية مارتن دودج هو وصف لنا الديمقراطية في منبع الديمقراطية الحديثة، حيث يقول:
(جاءت الديمقراطية لأنّ الناس أرادوا أن يعيشوا أحراراً .... ولم تفد علينا الديمقراطية الأمريكية من تلقاء نفسها بل كان مجيئها نتيجة جهاد وكفاح، إنها تجعل من الأفراد سادة أنفسهم ..... إنها تقدّم إلينا الكثير من الفرص .. بل إنها تلقي بالمسؤوليات على كاهل كل فرد في المجتمع .. ثم إنها تمد الطريق إلى ما لا نهاية له من تقدّم وفلاح .. ثم يقول: .. إنّ النظام الذي درجنا عليه في أمريكا هو من صميم المذهب الديمقراطي الذي لم تحيَ في ظل نظام سواه؛ ولذا فإننا نميل إلى التسليم بصلاحيته. ثم جاءتنا أخيراً لأننا صممنا أن نعيش أحراراً ولأننا نمقت أن نساق جماعات جماعات من مكان إلى آخر.وفكرة الديمقراطية تتلخص في أن يحكم الناس أنفسهم دون أن يكونوا رعايا خاضعين مستعبدين؛ ذلك لأنّ الناس لهم المقام الأول والصدارة، ثم تليهم في المرتبة الثانية السلطات الحاكمة. وفي ظل النظام الديمقراطي يحكم المجتمع نفسه أجل نفسه ويتبوأ الناس أهم المراكز. أول ما نشأت الديمقراطية في اليونان، ولكن جذورها وهي أهم ما في عصرنا الحالي نبتت في إنجلترا منذ سبعة قرون حين وقع الملك جون دستور (الماجنا كارتا) في سنة 1215 ولم يكن يرغب في ذلك من صميم فؤاده؛ لأنّه شعر أنّ فيه تسليماً واعترافاً بقيام قوّة أخرى إلى جانبه تملك بين يديها السلطان. والمعروف أنّ رؤساء الدول وأعضاء الهيئات الحاكمة يرفضون التنازل عن جاههم وسلطانهم الذي استحوذوا عليه، بل يتشبثون به خشية أن يفلت من بين أيديهم . أمّا الديمقراطية؛ فإنها تنص على أنّ قوّة السلطان يجب أن تكون في أيدي الشعب. ومنذ أن تم التوقيع على الماجنا كارتا وقعت في إنجلترا أحداث متعاقبة استمرت زهاء الأربعة قرون. ولقد كانت العملية بطيئة، ولكنها انتهت إلى إقرار النظام البرلماني هناك، عندما وقف السير أدوار كوك في مجلس العموم في مستهل القرن السابع عشر، ونادى في جرأة منقطعة النظير بعدم قانونية بعض المراسيم الملكية لمخالفتها للدستور، وإنها أصبحت غير ملزمة التنفيذ.
وهكذا كانت إنكلترا مهداً للديمقراطية، غير إنها لم تمنح مستعمراتها الأمريكية مثل هذا الامتياز وظلت تعامل سكانها كقطيع من السائمة. وألهبت القيود التي فرضت على المستعمرات من قوّة الكفاح في سبيل الحرية، بدلاً من أن تقضي عليها. وكان هذا - كما نعرف جميعاً - السبب الذي شبّت من أجله نار الثورة الأمريكية التي أسفرت عن قيام أقوى دولة في العالم الحديث هي: الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد اقترن قيامها بتقوية دعائم المذهب الديمقراطي عند (إعلان الاستقلال، والدستور، والملحقات المتصلة به والمعروفة بوثيقة حقوق الإنسان).
وإننا نعترف أننا لم نصل بعد إلى إمكان قيام (حكومة كاملة رشيدة). وعلى الرغم من ذلك فما ظنك في أمر سعادتنا .. ؟ وفي حرّياتنا ؟ وفي تقدّمنا ورقينا ؟ وفي مستوى رخائنا ؟ وفي كياننا الصحي، وسلامة وجودنا المادي والمعنوي مما نحن مدينون به لنظامنا الديمقراطي؟
و هذه هي آراء علماء الديمقراطية الحديثة كما يقولون لكن يا تري هل الانتخابات هي آلية جيده لإنتخاب الحاكم الأصلح ؟ طبعا الجواب لا ، بل الإنتخابات هي آلية فاسدة في اختيار الحاكم و قد تبين هذا الموضوع في طرح تناقضات الديمقراطية للسيد احمدالحسن !!! فنظام الحاكمية الذي يستند إلى صناديق الاقتراع هو في الواقع يكشف عن المأزق الحقيقي الذي يمر به الفكر البشري وعجزه عن الوصول إلى منظومة قادرة على إيصال الأصلح إلى سدة الحكم ، ليكون صلاح الرأس صلاحا للجسد . إن منظومة الاقتراع منظومة فاسدة بالدليل ، حيث القاعدة تقول ؛ إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال ، واستنادا إلى هذه القاعدة القانونية الضابطة لحركة الفكر نسأل ؛ إذا كانت آلية صناديق الاقتراع هي الآلية الأقدر على إيصال الأصلح إلى سدة القيادة ، فهذا يعني أنها آلية محكمة لا سبيل إلى الطعن فيها ، فإذا كانت كذلك ، فعلام كل هذا الضجيج الرسمي والإعلامي الذي يحذر من محاولات تزوير الانتخابات ، وهذه التصريحات النارية التي تعكس إمكانية تزوير الانتخابات وبطرق لا حصر لها؟؟؟!!! إن مجرد تسرب الاحتمال إلى إمكانية تزوير الانتخابات يسقط الاستدلال في كونها السبيل الأنجع لإيصال (الأصلح والأكفأ) إلى سدة القيادة فضلا على أن تكون هي السبيل الوحيد لذلك ـ كما يتم الترويج له اليوم على لسان ساسة العراق المتأمركين ـ واستنادا إلى تلك القاعدة القانونية المنطقية تكون الانتخابات منظومة فاسدة وغير صالحة لتحقيق الهدف المنشود وهو إيصال قيادة صالحة ، والاستناد إلى تلك القاعدة القانونية هنا هو من باب (إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم) حيث أن الناس بسوادهم الأعظم رضخوا إلى تسويق الساسة والمؤسسات الدينية الداعمة للمشروع الديمقراطي الأمريكي ، وحاولوا إقناع الناس بنجاعة منظومة صناديق الاقتراع في إيصال القيادة الصالحة الكفوءة إلى سدة الحكم!!!
إذن فالانتخابات و الديمقراطية و الحرية كما يسمون ليست هي الآلية لبيان الأصلح والأكفأ ، بل ليست هي بآلية أصلا لأنها تفتقر لأبسط الأسس التي تجعلها قادرة على توفير عملية نزيهة بعيدة عن التزوير ، بشتى صورها سواء منها ما كان بشراء الأصوات ، أو تزييف صناديق الاقتراع ، أو تزييف أوراق الاقتراع ، أو تزييف عدد المقترعين ، بل وصل التزييف إلى زجاجة الحبر التي تطمغ الناخب ، فجعلوه حبرا سريع الزوال ليعود من انتخب إلى الانتخاب ثانية ، وهذا ما حصل في ممارسة الانتخاب الخاص في عدد من مراكز الانتخاب ، كما أن آلية الانتخاب تلك ستفتح الباب على مصراعيه لتعدد أقطاب القوة ومن ثم إمكانية الصراع والتناحر قائمة ، وستكون مدعاة للنهب والسلب والتصفيات ، وكيل الاتهامات ، ومحاولات التسقيط ، والتسقيط المقابل ، فهل بعد هذا البلاء الذي سيقبل عليه العراقيون من بلاء؟؟؟!!!
والحمدولله وحده وحده وحده
يا صاحب الأمر