الخطبة الأولى
اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً، اَلْحَمْدُ للهِ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّهَا، عَلى جَميعِ نِعَمِهِ كُلِّها اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا مُضادَّ لَهُ في مُلْكِهِ، وَلا مُنازِعَ لَهُ في اَمْرِهِ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا شَريكَ لَهُ في خَلْقِهِ، وَلا شَبيهَ لَهُ في عَظَمَتِهِ ...
والصلاة والسلام على المحمود الأحمد، والمصطفى الأمجد، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا. اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله ...
حديثنا سيكون إن شاء الله عن عالم الذر ... هل ذكر عالم الذر في القرآن وروايات أهل البيت (ع) أم هو شئٌ مستحدث؟ وما هي حيثيات ذلك العالم؟ وأين هو؟ وما نوع الإمتحان المرافق لذلك العالم؟
من الثقلين:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: (اخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا وهم كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه ولو لا ذلك ما عرف أحد ربه وذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: (عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر والله بما تعملون بصير).
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}. يوضح الله جل جلالة بأن خلق الإنسان يكون على مراحل ومن ضمن هذه المراحل هي مرحلة عالم الذر حيث استخدم ضمير الجمع في { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ} الآية، يعني أننا خلقناكم أجمعين في عالم الذر حيث كنتم أرواحا ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم حيث أن كلمة (ثم) تفيد الترتيب، فيعني ذلك أن مرتبة الخلق متقدمة على مرتبة الصورة وكل من الخلق والصور مقدم على السجود لآدم.
من أقول الإمام أحمد الحسن (ع) عن عالم الذر:
سؤال/ 63: قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ ([172]).
هل أنّ عالم الذر هو عالم حقيقي موجود بالفعل، وأين وجوده؟
الجواب: عالم الذر عالم حقيقي وليس وهمياً ولا افتراضياً، وإنما نسيه الغافلون والمتغافلون، ولم ينسه الأنبياء والمرسلون والأوصياء (ع)، بل هم يتذكرونه ويعرفونه ويعرفون أولياءهم فيه ويميزونهم في هذه الحياة الدنيا، فعلي بن أبي طالب (ع) سيد الأوصياء يقول ما معناه: (إني لا أعرفك) لمن قال له: أني من شيعتك .... وحقيقة عالم الذر: أنه عالم الأنفس وهو في هذه السماء الدنيا، وتنزل منه إلى الأرض نطف بني آدم، فإذا نمت النطفة بعد أن أخذت طريقها إلى وعائها وتهيأت الصورة الجسمانية لولوج النفس إليها، ولجت النفس في تلك الصورة الجسمانية وتعلقت بالنطفة التي نزلت منها، فإذا مات الإنسان خرجت منه تلك النطفة مرة أخرى من فمه أو من أي مكان آخر مع خروج نفسه من جسمه، وبقيت هذه النطفة متعلقة بالنفس الإنسانية، فالنفس متعلقة بالنطفة والنطفة متعلقة بالنفس وهما من عالم واحد وهو عالم الذر أو عالم الأنفس، فإذا نزلت النطفة إلى الأرض تبعتها النفس، وإذا فارقت النفسُ الجسمَ تبعتها النطفة. (المتشابهات الجزء الثاني).
ويقول الإمام أحمد الحسن (ع) في كتاب إضاءات من دعوات المرسلين (ع):
( قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾([36])، أي إنكم كنتم في عالم الذر مخلوقين وامتحنكم الله ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾
وفي دعاء يوم الغدير الذي رواه عمارة بن الجوين أبي هارون العبدي، قال أبو عبد الله الصادق (ع): (…اللهم إني أسألك بأن لك الحمد وحدك لا شريك لك ... رأفة منك ورحمة إلى أن جددت ذلك العهد لي تجديدا بعد تجديدك خلقي، وكنت نسياً منسياً ناسياً ساهياً غافلاً. فأقمت نعمتك بأن ذكرتني ذلك ومننت به على وهديتني له فليكن من شأنك يا الهي وسيدي ومولاي، أن تتم لي ذلك ولا تسلبنيه حتى تتوفاني على ذلك، وأنت عنى راض ... )
وقوله (ع): (بعد تجديدك خلقي): أي انك خلقتني في هذه الدنيا بعد أن خلقتني في الذر، وقوله (ع): (جددت ذلك العهد لي تجديداً): أي ذكَّرتَّني وجعلتني أقر بولاية أوليائك (الأنبياء والأوصياء (ع)) في هذه الدنيا كما أقررت بها لما خلقتني في الذر بفضلك. فلماذا لا تتذكرون، وأيضاً لماذا لا تسعون إلى الله ليذكركم ؟! وتتذكرون لما ترفع الحجب ويكشف للإنسان حقائق الملكوت كأنبياء الله (ع) ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾
وأيضاً الخطاب في أول سورة يوسف (ع) للرسول (ص) وهو خير خلق الله ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾، أي إنك يا محمد (ص) أنزلت إلى هذا العالم، وحجبت عنك حقيقتك وامتحنك الله بهذا الامتحان الثاني في هذا العالم، وكنت الفائز بالسباق مرة أخرى، بعد أن كنت الفائز بالسباق في الامتحان الأول في عالم الذر .... إذن، فالأنبياء والأوصياء (ع) ممتحنون بهذا العالم، فكما حجب غيرهم وأغفل عن الامتحان الأول والإيمان الأول في عالم الذر، حجبوا (ع) ليكون هذا الامتحان الثاني عادلاً فالكل أغفلوا عن عالم الذر بحجاب الجسد، والمطلوب تجريد الروح بمرتبة ليعرف الإنسان الحقيقة وينظر في ملكوت السماوات، وقد تجرد الأنبياء والأوصياء، والمطلوب من الكل التجرد لينجحوا في الامتحان كما أن الله سبحانه وتعالى ساوى كل بني آدم في الفطرة لتتم كلمته سبحانه أنه هو العادل الحكيم، فالكل مفطورون على معرفة أسماء الله سبحانه، ليكونوا وجه الله وأسماءه الحسنى، وكل من قصَّر فحظه ضيَّع. )
وورد هذا السؤال في الجواب المنير عبر الأثير: العالم الجسماني هل فيه متسع للتصحيح والتوبة أم هو تحصيل حاصل لعالم الذر، وفي الفرضين إلى أي حد هو كذلك ؟
فكان جوابه صلوات الله وسلامه عليه: هو أكيد فرصة أخرى وامتحان آخر، ولكن إن كنت تسأل عن النتيجة فيه فهي نفسها في الذر، ليس لأن الناس مجبورون على تحقيق نفس النتيجة، وإنما هم يعيدون نفس التقصير.
والحمد لله وحده
سورة الكوثر .... وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الاول قبل الإنشاء والإحياء، والآخر بعد فناء الأشياء، العليم الذي لا ينسى من ذكره، ولا ينقص من شكره، بيده الخير وهو على كل شي قدير. الحمد لله الذي لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين الأئمة والمهديين. اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة الزهراء، وعلى الحسن الزكي، وعلى الحسين الشهيد، وعلى التسعة المعصومين من ولد الحسين؛ السجاد علي، والباقر محمد، والصادق جعفر، والكاظم موسى، والرضا علي، والتقي محمد، والنقي علي، والزكي العسكري، والحجة الخلف القائم المهدي، اللهم وصل على أول المهديين أحمد الحسن، والأحدى عشر مهدياً من ولده صلاة كثيرة دائمة. اللهم مكن لهم في الأرض وزين الأرض بطول بقائهم، اللهم زد في أعمارهم وآجالهم وبلغهم أقصى ما يأملون ديناً ودنياً وآخره إنك على كل شي قدير.
نستكمل حديثنا إن شاء الله ...
تطرق الإمام (ع) للعالم الجسماني والامتحانات التي مر بها الإنسان وسيمر بها أيضاً في أجوبته على أحد السائلين في كتاب الجواب المنير عبر الأثير –الجزء الثاني- فقال (ع): ( ... نحن بني آدم أنزلنا الله إلى هذا العالم الدنيوي الظلماني للامتحان الثاني، وحجبنا بالأجساد وأنسانا ما كنّا فيه من الامتحان الأول في عالم الذر الذي سبق وكنا فيه. وفي عالم الذر تحدّد حال كل منّا فأشقى الأشقياء من قصر نظره على نفسه فلم يرَ إلاّ الأنا، والفائز بالسباق صلوات الله عليه وعلى آله مَن قصر نظره على ربّه ولم يلتفت إلى نفسه لما تجلّى لنا الله سبحانه.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾([162])، وبين هذين المقامين ترتب بقية بني آدم. ولم يكن هذا الامتحان الثاني إلاّ ليحتج الله على الناس ولئلا يقول أحد لم نُعط فرصة ثانية، ولم يكن هذا الامتحان الثاني إلاّ لكرم الله سبحانه وتعالى، وسيكون هناك امتحان ثالث لمن محض الإيمان محضاً ولمن محض الكفر محضاً؛ لأنّ ثواب أولياء الله عظيم وعقاب أعداء الله شديد فيدخلون امتحاناً ثالثاً لبيان أنّ نتيجتهم هي هي، ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾([163])، ولتتم حجة الله على الخلق بتفضيل أوليائه والانتقام من أعدائه (الذين محضوا الإيمان والذين محضوا الكفر)، فلا يقُل أحد لِمَ أعطيت هؤلاء هذا المقام العظيم، ولِمَ عذبت هؤلاء هذا العذاب الذي لم تعذّبه أحداً من العالمين؟؟ وهم مع تكرّر الفرص التي أعطاهم الله ومع أنّ الله أعاد امتحانهم لن يكتفوا بل سيقولون: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾ ([164])، والله حذّر الناس أن تكون عاقبتهم بعد الموت الندم، وهذا القول: ﴿رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾([165]).
فأرجو أن تكون قد فهمت أنّ ولادة الإنسان في هذا العالم لا تعني أول خلقه، بل غاية ما تعنيه أنّها أول دخوله إلى هذا العالم الجسماني للامتحان الثاني، وبعد أن أنساه الله الامتحان الأول ونتيجته فيه.
قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾([166])، أي: على أن نحييكم في حياة جديدة وفي عالم جديد، بل أنتم كنتم في حياة سابقة فلماذا لا تتذكرون، بل ولا يتذكر الإنسان إلاّ بمشيئة الله وإرادته سبحانه. ...)
من كتاب الامام مع "العبد الصالح" يقول سألت العبد الصالح (ع)، فقلت: المعروف أنّ عالم الذر هو عالم الامتحان الأول لبني آدم، ولكن هل كانت تلبية العباد عند الاستشهاد "ألست بربكم" بعد عمل منهم، أم كان عالماً لبيان النتائج فقط والعمل هنا.
فأجابني (ع): ( تقصد بالعمل صلاة وصياماً و .. و ..، أم ذكراً فقط).
فقلت: كل ما يسهم في تقرير المصير وأخذ النتيجة التي اختارها العبد .
فقال (ع) (بعد إثباته صلوات الله عليه بأن الإمتحان في عالم الذر والعالم الجسماني واحد): ( إذن، فالآن أصبح الجواب واضحاً وهو أنّ الامتحان نفسه، وهو واحد في هذا العالم وعالم الذر وعالم الرجعة، ولو قدّر الله أن يمتحن الناس ألف مرة سيمتحنهم نفس الامتحان؛ لأن علة الخلق واحدة وهي المعرفة ([111])، نعم تفاصيل الامتحان تختلف لعلة اختلاف العوالم، فالصلاة والصيام والحج والزكاة و.. و.. و .. جميعها كانت في الذر وامتحننا الله بها ولكن بحسب ذلك العالم، فالصلاة كانت شيئاً واحداً وهي أن أركز نظري على ما يصدر عنه سبحانه، والصيام كان ألغي نفسي، والحج كان أن أسير إليه وأطوف ببابه سبحانه منتظراً أمره، والزكاة أن أعطيه نفسي أن أنحر نفسي بين يديه بمحاربة الأنا ..... ، وهكذا.
كل هذا العمل هل تتصور يحتاج لمدة طويلة مع العلم أنّ عالم الذر ليس فيه زمن ولا حتى مكان، أم تتصور أنه يحتاج ليكون في أكثر من حدث ؟ وهل لو أنه جمع في حدث واحد لا يكون عملاً مثلاً ؟! أكيد أنه سيكون عملاً ولو جمع في حدث واحد).
فقلت: أسأل فقط عن الأمر الأخير ، أي " لو جمع في حدث واحد " ، ما هو ذلك العمل الواحد .
فقال (ع): (يعني " أنا أو هو "، أنظر لنفسي وأغفل عنه، أم أغفل عن نفسي وأنظر إلى ما يصدر عنه ؟ إن كنت الأول فلن أجيب وأقول "بلى" عندما يسأل "ألست بربكم"، وإن كنت الثاني فسأكون أول من يجيب، وبين الأول والثاني ترتب الخلق، وقد بينت لك كيف أن الصلاة والصيام والحج والزكاة تكون في " أنا أو هو " فقط). ).
والحمد لله وحده.
اللهم إجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم مكن للإمام المهدي الحجة ابن الحسن (ع) وإبنه اليماني أحمد الحسن (ع) في الأرض وآتهم ما وعدتهم على رسلك إنك لا تخلف الميعاد، اللهم رد عنهم إرادة الظالمين واحفظهم من أيدي الباغيين وفرج عنهم كرباتهم إله الحق آميـــن. اللهم أنصرنا بنصرك يا ناصر يا ناصر يا ناصر، وإجعل ذلك قريباً عاجلاً غير آجل يا رب العالمين ... اللهم لا تمتنا إلا على الولاية الحقه؛ بالتمسك بولاية أوليائك الإمام المهدي الحجة ابن الحسن والإمام اليماني أحمد الحسن عليهم السلام الذين إنتجبتهم على عبادك. اللهم عرفنا نتيجة إمتحاننا في عالم الذر فإنك أنت العالم ونحن الجاهلون فتفضل علينا بذلك ولك الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وأنت على كل شئٍ قدير.
سورة العصر .... وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا.
اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً، اَلْحَمْدُ للهِ بِجَميعِ مَحامِدِهِ كُلِّهَا، عَلى جَميعِ نِعَمِهِ كُلِّها اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا مُضادَّ لَهُ في مُلْكِهِ، وَلا مُنازِعَ لَهُ في اَمْرِهِ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لا شَريكَ لَهُ في خَلْقِهِ، وَلا شَبيهَ لَهُ في عَظَمَتِهِ ...
والصلاة والسلام على المحمود الأحمد، والمصطفى الأمجد، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا. اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله ...
حديثنا سيكون إن شاء الله عن عالم الذر ... هل ذكر عالم الذر في القرآن وروايات أهل البيت (ع) أم هو شئٌ مستحدث؟ وما هي حيثيات ذلك العالم؟ وأين هو؟ وما نوع الإمتحان المرافق لذلك العالم؟
من الثقلين:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: (اخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا وهم كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه ولو لا ذلك ما عرف أحد ربه وذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: (عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر والله بما تعملون بصير).
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}. يوضح الله جل جلالة بأن خلق الإنسان يكون على مراحل ومن ضمن هذه المراحل هي مرحلة عالم الذر حيث استخدم ضمير الجمع في { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ} الآية، يعني أننا خلقناكم أجمعين في عالم الذر حيث كنتم أرواحا ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم حيث أن كلمة (ثم) تفيد الترتيب، فيعني ذلك أن مرتبة الخلق متقدمة على مرتبة الصورة وكل من الخلق والصور مقدم على السجود لآدم.
من أقول الإمام أحمد الحسن (ع) عن عالم الذر:
سؤال/ 63: قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ ([172]).
هل أنّ عالم الذر هو عالم حقيقي موجود بالفعل، وأين وجوده؟
الجواب: عالم الذر عالم حقيقي وليس وهمياً ولا افتراضياً، وإنما نسيه الغافلون والمتغافلون، ولم ينسه الأنبياء والمرسلون والأوصياء (ع)، بل هم يتذكرونه ويعرفونه ويعرفون أولياءهم فيه ويميزونهم في هذه الحياة الدنيا، فعلي بن أبي طالب (ع) سيد الأوصياء يقول ما معناه: (إني لا أعرفك) لمن قال له: أني من شيعتك .... وحقيقة عالم الذر: أنه عالم الأنفس وهو في هذه السماء الدنيا، وتنزل منه إلى الأرض نطف بني آدم، فإذا نمت النطفة بعد أن أخذت طريقها إلى وعائها وتهيأت الصورة الجسمانية لولوج النفس إليها، ولجت النفس في تلك الصورة الجسمانية وتعلقت بالنطفة التي نزلت منها، فإذا مات الإنسان خرجت منه تلك النطفة مرة أخرى من فمه أو من أي مكان آخر مع خروج نفسه من جسمه، وبقيت هذه النطفة متعلقة بالنفس الإنسانية، فالنفس متعلقة بالنطفة والنطفة متعلقة بالنفس وهما من عالم واحد وهو عالم الذر أو عالم الأنفس، فإذا نزلت النطفة إلى الأرض تبعتها النفس، وإذا فارقت النفسُ الجسمَ تبعتها النطفة. (المتشابهات الجزء الثاني).
ويقول الإمام أحمد الحسن (ع) في كتاب إضاءات من دعوات المرسلين (ع):
( قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾([36])، أي إنكم كنتم في عالم الذر مخلوقين وامتحنكم الله ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾
وفي دعاء يوم الغدير الذي رواه عمارة بن الجوين أبي هارون العبدي، قال أبو عبد الله الصادق (ع): (…اللهم إني أسألك بأن لك الحمد وحدك لا شريك لك ... رأفة منك ورحمة إلى أن جددت ذلك العهد لي تجديدا بعد تجديدك خلقي، وكنت نسياً منسياً ناسياً ساهياً غافلاً. فأقمت نعمتك بأن ذكرتني ذلك ومننت به على وهديتني له فليكن من شأنك يا الهي وسيدي ومولاي، أن تتم لي ذلك ولا تسلبنيه حتى تتوفاني على ذلك، وأنت عنى راض ... )
وقوله (ع): (بعد تجديدك خلقي): أي انك خلقتني في هذه الدنيا بعد أن خلقتني في الذر، وقوله (ع): (جددت ذلك العهد لي تجديداً): أي ذكَّرتَّني وجعلتني أقر بولاية أوليائك (الأنبياء والأوصياء (ع)) في هذه الدنيا كما أقررت بها لما خلقتني في الذر بفضلك. فلماذا لا تتذكرون، وأيضاً لماذا لا تسعون إلى الله ليذكركم ؟! وتتذكرون لما ترفع الحجب ويكشف للإنسان حقائق الملكوت كأنبياء الله (ع) ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾
وأيضاً الخطاب في أول سورة يوسف (ع) للرسول (ص) وهو خير خلق الله ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾، أي إنك يا محمد (ص) أنزلت إلى هذا العالم، وحجبت عنك حقيقتك وامتحنك الله بهذا الامتحان الثاني في هذا العالم، وكنت الفائز بالسباق مرة أخرى، بعد أن كنت الفائز بالسباق في الامتحان الأول في عالم الذر .... إذن، فالأنبياء والأوصياء (ع) ممتحنون بهذا العالم، فكما حجب غيرهم وأغفل عن الامتحان الأول والإيمان الأول في عالم الذر، حجبوا (ع) ليكون هذا الامتحان الثاني عادلاً فالكل أغفلوا عن عالم الذر بحجاب الجسد، والمطلوب تجريد الروح بمرتبة ليعرف الإنسان الحقيقة وينظر في ملكوت السماوات، وقد تجرد الأنبياء والأوصياء، والمطلوب من الكل التجرد لينجحوا في الامتحان كما أن الله سبحانه وتعالى ساوى كل بني آدم في الفطرة لتتم كلمته سبحانه أنه هو العادل الحكيم، فالكل مفطورون على معرفة أسماء الله سبحانه، ليكونوا وجه الله وأسماءه الحسنى، وكل من قصَّر فحظه ضيَّع. )
وورد هذا السؤال في الجواب المنير عبر الأثير: العالم الجسماني هل فيه متسع للتصحيح والتوبة أم هو تحصيل حاصل لعالم الذر، وفي الفرضين إلى أي حد هو كذلك ؟
فكان جوابه صلوات الله وسلامه عليه: هو أكيد فرصة أخرى وامتحان آخر، ولكن إن كنت تسأل عن النتيجة فيه فهي نفسها في الذر، ليس لأن الناس مجبورون على تحقيق نفس النتيجة، وإنما هم يعيدون نفس التقصير.
والحمد لله وحده
سورة الكوثر .... وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الاول قبل الإنشاء والإحياء، والآخر بعد فناء الأشياء، العليم الذي لا ينسى من ذكره، ولا ينقص من شكره، بيده الخير وهو على كل شي قدير. الحمد لله الذي لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين الأئمة والمهديين. اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة الزهراء، وعلى الحسن الزكي، وعلى الحسين الشهيد، وعلى التسعة المعصومين من ولد الحسين؛ السجاد علي، والباقر محمد، والصادق جعفر، والكاظم موسى، والرضا علي، والتقي محمد، والنقي علي، والزكي العسكري، والحجة الخلف القائم المهدي، اللهم وصل على أول المهديين أحمد الحسن، والأحدى عشر مهدياً من ولده صلاة كثيرة دائمة. اللهم مكن لهم في الأرض وزين الأرض بطول بقائهم، اللهم زد في أعمارهم وآجالهم وبلغهم أقصى ما يأملون ديناً ودنياً وآخره إنك على كل شي قدير.
نستكمل حديثنا إن شاء الله ...
تطرق الإمام (ع) للعالم الجسماني والامتحانات التي مر بها الإنسان وسيمر بها أيضاً في أجوبته على أحد السائلين في كتاب الجواب المنير عبر الأثير –الجزء الثاني- فقال (ع): ( ... نحن بني آدم أنزلنا الله إلى هذا العالم الدنيوي الظلماني للامتحان الثاني، وحجبنا بالأجساد وأنسانا ما كنّا فيه من الامتحان الأول في عالم الذر الذي سبق وكنا فيه. وفي عالم الذر تحدّد حال كل منّا فأشقى الأشقياء من قصر نظره على نفسه فلم يرَ إلاّ الأنا، والفائز بالسباق صلوات الله عليه وعلى آله مَن قصر نظره على ربّه ولم يلتفت إلى نفسه لما تجلّى لنا الله سبحانه.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾([162])، وبين هذين المقامين ترتب بقية بني آدم. ولم يكن هذا الامتحان الثاني إلاّ ليحتج الله على الناس ولئلا يقول أحد لم نُعط فرصة ثانية، ولم يكن هذا الامتحان الثاني إلاّ لكرم الله سبحانه وتعالى، وسيكون هناك امتحان ثالث لمن محض الإيمان محضاً ولمن محض الكفر محضاً؛ لأنّ ثواب أولياء الله عظيم وعقاب أعداء الله شديد فيدخلون امتحاناً ثالثاً لبيان أنّ نتيجتهم هي هي، ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾([163])، ولتتم حجة الله على الخلق بتفضيل أوليائه والانتقام من أعدائه (الذين محضوا الإيمان والذين محضوا الكفر)، فلا يقُل أحد لِمَ أعطيت هؤلاء هذا المقام العظيم، ولِمَ عذبت هؤلاء هذا العذاب الذي لم تعذّبه أحداً من العالمين؟؟ وهم مع تكرّر الفرص التي أعطاهم الله ومع أنّ الله أعاد امتحانهم لن يكتفوا بل سيقولون: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾ ([164])، والله حذّر الناس أن تكون عاقبتهم بعد الموت الندم، وهذا القول: ﴿رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾([165]).
فأرجو أن تكون قد فهمت أنّ ولادة الإنسان في هذا العالم لا تعني أول خلقه، بل غاية ما تعنيه أنّها أول دخوله إلى هذا العالم الجسماني للامتحان الثاني، وبعد أن أنساه الله الامتحان الأول ونتيجته فيه.
قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ﴾([166])، أي: على أن نحييكم في حياة جديدة وفي عالم جديد، بل أنتم كنتم في حياة سابقة فلماذا لا تتذكرون، بل ولا يتذكر الإنسان إلاّ بمشيئة الله وإرادته سبحانه. ...)
من كتاب الامام مع "العبد الصالح" يقول سألت العبد الصالح (ع)، فقلت: المعروف أنّ عالم الذر هو عالم الامتحان الأول لبني آدم، ولكن هل كانت تلبية العباد عند الاستشهاد "ألست بربكم" بعد عمل منهم، أم كان عالماً لبيان النتائج فقط والعمل هنا.
فأجابني (ع): ( تقصد بالعمل صلاة وصياماً و .. و ..، أم ذكراً فقط).
فقلت: كل ما يسهم في تقرير المصير وأخذ النتيجة التي اختارها العبد .
فقال (ع) (بعد إثباته صلوات الله عليه بأن الإمتحان في عالم الذر والعالم الجسماني واحد): ( إذن، فالآن أصبح الجواب واضحاً وهو أنّ الامتحان نفسه، وهو واحد في هذا العالم وعالم الذر وعالم الرجعة، ولو قدّر الله أن يمتحن الناس ألف مرة سيمتحنهم نفس الامتحان؛ لأن علة الخلق واحدة وهي المعرفة ([111])، نعم تفاصيل الامتحان تختلف لعلة اختلاف العوالم، فالصلاة والصيام والحج والزكاة و.. و.. و .. جميعها كانت في الذر وامتحننا الله بها ولكن بحسب ذلك العالم، فالصلاة كانت شيئاً واحداً وهي أن أركز نظري على ما يصدر عنه سبحانه، والصيام كان ألغي نفسي، والحج كان أن أسير إليه وأطوف ببابه سبحانه منتظراً أمره، والزكاة أن أعطيه نفسي أن أنحر نفسي بين يديه بمحاربة الأنا ..... ، وهكذا.
كل هذا العمل هل تتصور يحتاج لمدة طويلة مع العلم أنّ عالم الذر ليس فيه زمن ولا حتى مكان، أم تتصور أنه يحتاج ليكون في أكثر من حدث ؟ وهل لو أنه جمع في حدث واحد لا يكون عملاً مثلاً ؟! أكيد أنه سيكون عملاً ولو جمع في حدث واحد).
فقلت: أسأل فقط عن الأمر الأخير ، أي " لو جمع في حدث واحد " ، ما هو ذلك العمل الواحد .
فقال (ع): (يعني " أنا أو هو "، أنظر لنفسي وأغفل عنه، أم أغفل عن نفسي وأنظر إلى ما يصدر عنه ؟ إن كنت الأول فلن أجيب وأقول "بلى" عندما يسأل "ألست بربكم"، وإن كنت الثاني فسأكون أول من يجيب، وبين الأول والثاني ترتب الخلق، وقد بينت لك كيف أن الصلاة والصيام والحج والزكاة تكون في " أنا أو هو " فقط). ).
والحمد لله وحده.
اللهم إجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم مكن للإمام المهدي الحجة ابن الحسن (ع) وإبنه اليماني أحمد الحسن (ع) في الأرض وآتهم ما وعدتهم على رسلك إنك لا تخلف الميعاد، اللهم رد عنهم إرادة الظالمين واحفظهم من أيدي الباغيين وفرج عنهم كرباتهم إله الحق آميـــن. اللهم أنصرنا بنصرك يا ناصر يا ناصر يا ناصر، وإجعل ذلك قريباً عاجلاً غير آجل يا رب العالمين ... اللهم لا تمتنا إلا على الولاية الحقه؛ بالتمسك بولاية أوليائك الإمام المهدي الحجة ابن الحسن والإمام اليماني أحمد الحسن عليهم السلام الذين إنتجبتهم على عبادك. اللهم عرفنا نتيجة إمتحاننا في عالم الذر فإنك أنت العالم ونحن الجاهلون فتفضل علينا بذلك ولك الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وأنت على كل شئٍ قدير.
سورة العصر .... وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا.
Comment