إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

جانب من خطبة صلاة الجمعة في سيدني بتاريخ 29 جمادي الثاني 1434

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • from_au
    عضو نشيط
    • 29-08-2011
    • 131

    جانب من خطبة صلاة الجمعة في سيدني بتاريخ 29 جمادي الثاني 1434

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد و آل محمد الأئمة و المهديين و سلم تسليما كثيرا
    في الخطبة الأولى أشرنا الى شخصية حكيمة في القرآن و هو لقمان و تطرقنا الى حياته و كيف اراه الله ان يختاره خليفة له:

    قال تعالى: ((وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميد* وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم)) لقمان 12-13
    عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ((كان لقمان الحكيم معمرا قبل داود (عليه السلام) في أعوام كثيرة، و إنه أدرك أيامه، و كان معه يوم قتل جالوت، و كان طول جالوت ثمان مائة ذراع، و طول داود عشرة أذرع، فلما قتل داود جالوت رزقه الله النبوة بعد ذلك، و كان لقمان معه إلى أن ابتلي بالخطيئة، و إلى أن تاب الله عليه...))
    عن سليمان بن داود المنقري، عن حماد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لقمان و حكمته التي ذكرها الله عز و جل.
    فقال: «أما و الله ما اوتي لقمان الحكمة بحسب، و لا مال، و لا أهل، و لا بسط في جسم، و لا جمال، و لكنه كان رجلا قويا في أمر الله، متورعا في الله، ساكتا سكيتا ، عميق النظر، طويل الفكر، حديد النظر، مستغن عن الغير ، لم ينم نهارا قط، و لم يره أحد من الناس على بول و لا غائط و لا اغتسال، لشدة تستره، و عمق نظره، و تحفظه في أمره، و لم يضحك من شي‏ء قط مخافة الإثم، و لم يغضب قط، و لم يمازح إنسانا قط، و لم يفرح بشي‏ء أتاه من أمر الدنيا، و لا حزن منها على شي‏ء قط، و قد نكح من النساء و ولد له من الأولاد الكثير، و قدم أكثرهم إفراطا، فما بكى على موت أحد منهم.
    و لم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما، و لم يمض عنهما حتى تحاجزا ، و لم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره و عمن أخذه، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء. و كان يغشى القضاة و الملوك، و الحكام، و السلاطين، فيرثي القضاة بما ابتلوا به، و يرحم الملوك و السلاطين لغرتهم بالله، و طمأنينتهم في ذلك، و يعتبر، و يتعلم ما يغلب به نفسه، و يجاهد به هواه، و يحترز به من الشيطان، و كان يداوي قلبه بالفكر، و يداوي نفسه بالعبر، و كان لا يظعن إلا فيما يعنيه ، فبذلك أوتي الحكمة، و منح العصمة، فإن الله تبارك و تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار و هدأت العيون بالقائلة، فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم، فقالوا: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع و الطاعة، لأنه إن فعل بي ذلك أعانني عليه و علمني و عصمني، و إن هو خيرني قبلت العافية.
    فقالت الملائكة: يا لقمان، لم قلت ذلك؟ قال: لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين، و أكثرها فتنا و بلاء، و يخذل و لا يعان، و يغشاه الظلم من كل مكان، و صاحبه فيه بين أمرين: إن أصاب فيه الحق فبالحري أن يسلم، و إن أخطأ أخطأ طريق الجنة، و من يكن في الدنيا ذليلا و ضعيفا، و كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكيما سريا شريفا، و من اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما، تزول هذه و لا يدرك تلك- قال- فتعجبت الملائكة من حكمته، و استحسن الرحمن منطقه.
    فلما أمسى و أخذ مضجعه من الليل، أنزل الله عليه الحكمة، فغشاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم، و غطاه بالحكمة غطاء، فاستيقظ و هو أحكم الناس في زمانه، و خرج على الناس ينطق بالحكمة و يبثها فيها- قال- فلما اوتي الحكم، و لم يقبله، أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة، فقبلها و لم يشترط فيها بشرط لقمان، فأعطاه الله الخلافة في الأرض و ابتلي فيها غير مرة، كل ذلك يهوي في الخطأ و يقيله الله و يغفره له.
    و كان لقمان يكثر زيارة داود (عليه السلام)، و يعظه بمواعظه و حكمته و فضل علمه، و كان داود يقول له: طوبى لك- يا لقمان- أوتيت الحكمة، و صرفت عنك البلية، و اعطي داود الخلافة، و ابتلي بالحكم و الفتنة».
    قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
    قال: «فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطر و انشق ، فكان فيما وعظه به- يا حماد- أن قال له: يا بني، إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها و استقبلت الآخرة، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد.
    يا بني، جالس العلماء و زاحمهم بركبتيك، و لا تجادلهم فيمنعوك، و خذ من الدنيا بلاغا، و لا ترفضها فتكون عيالا على الناس، و لا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك، و صم صوما يقطع شهوتك، و لا تصم صوما يمنعك عن الصلاة، فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام.
    يا بني، إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الإيمان، و اجعل شراعها التوكل، و اجعل زادك فيها تقوى الله، فإن نجوت فبرحمة الله، و إن هلكت فبذنوبك.
    يا بني، إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا، و من عني بالأدب اهتم به، و من اهتم به تكلف علمه، و من تكلف علمه اشتد طلبه، و من اشتد طلبه أدرك منفعته، فاتخذه عادة، فإنك تخلف في سلفك، و ينتفع به من خلفك، و يرتجيك فيه راغب، و يخشى صولتك راهب، و إياك و الكسل عنه بالطلب لغيره، فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة، و إذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة، و اجعل في أيامك و لياليك و ساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم، فإن فاتك لم تجد له تضييعا أشد من تركه، و لا تمارين فيه لجوجا، و لا تجادلن فقيها، و لا تعادين سلطانا، و لا تماشين ظلوما و لا تصادقنه، و لا تصاحبن فاسقا نطفا ، و لا تصاحبن متهما، و اخزن علمك كما تخزن ورقك.
    يا بني، خف الله خوفا لو أتيت القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك، و ارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر لك.
    فقال له ابنه: يا أبت، فكيف أطيق هذا، و إنما لي قلب واحد؟
    فقال له لقمان: يا بني، لو استخرج قلب المؤمن فشق، لوجد فيه نوران: نور للخوف، و نور للرجاء، لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله، و من يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله، و من لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله، فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض، فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا، و من عمل لله خالصا ناصحا، فقد آمن بالله صادقا، و من أطاع الله خافه، و من خافه فقد أحبه، و من أحبه اتبع أمره، و من اتبع أمره استوجب جنته و مرضاته، و من لم يتبع رضوان الله فقد حان عليه سخطه، نعوذ بالله من سخط الله.
    يا بني، لا تركن إلى الدنيا، و لا تشغل قلبك بها، فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها، ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين، و لم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين؟».
    البرهان في تفسير القرآن، ج‏4، ص: 368


    الخطبة الثانية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدلله ربّ العالمين و صلّى الله على محمدٍ و آله الطيبين الطاهرين الائمة و المهديين و سلم تسليماً كثيرا.
    الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. اللهم صلي على محمد النبي...
    في هذا الخطبة نستكمل قضية التيه في الأمم السابقة و الامة الاسلامية, و تعرضنا الى الطواغيت و أعوانهم و سنتعرض في هذا الخطبة الى الذين استسلموا للطواغيت وخضعوا لهم وهم يزعمون أنهم مسلمون فهم خارجون من ولاية الله ولكنهم لا يعلمون، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُريدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعيدا
    ويزج بهم الطواغيت في حروب مع الشعوب الإسلامية ولا يتورعون عن معاونتهم خوفًا منهم، ويقاتلون أولياء الله وينتهكون حرمات المؤمنين، فأي حال أسوء من حالهم وأي كفر أعظم من كفرهم وهم ينصرون أعداء الله؟!
    قال تعالى: الَّذينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَ الَّذينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ في‏ سَبيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعيفاً
    ولعل بعضهم يتعذر بأنه يخاف من الطواغيت ويخاف من القتل، ولكنه عذر قبيح غير مقبول فإذا كان لابد من حمل السلاح فلنحمله بوجه الطواغيت لا لنصرتهم، قال تعالى: إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي‏ أَنْفُسِهِمْ قالُوا فيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصيراً
    و قال تعالى: قالَ الَّذينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذينَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى‏ بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمين* وَ قالَ الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ في‏ أَعْناقِ الَّذينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُون
    وكما إنّ معاونة الطواغيت والركون إليهم محرمة كذلك، فإن ترك الجهاد وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محرمة، فإن الابتعاد عن حياة المسلمين لا يسقط التكليف، ومن بات لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم وإن كان فقيهًا يدعي النيابة العامة عن الإمام (ع) ولينظر كل إنسان مسلم إلى قلبه وما فيه؛ أخشية الله أم خشية الطاغوت؟ والخوفان لا يجتمعان في قلب المؤمن فإن الخوف من الله يصير الطواغيت في عين المؤمن أحقر من البعوض فلا يكون لهم أي تأثير عليه أو على قراراته إلا في حدود التقية الواجبة، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ قيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَريقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَريبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَليلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‏ وَ لا تُظْلَمُونَ فَتيلا
    والحمد لله أن الأمة الإسلامية اليوم بدأت في طريق العودة إلى الله، وفي طريق الصحوة الدينية الإسلامية التي نراها كل يوم تتسع لتشمل البلاد الإسلامية كلها، و تهدّد عروش الطغاة الذين تسلطوا على هذه الأمة واستفرغوا كل ما بوسعهم لإغراق الشباب المسلم في الشهوات المادية والجنسية، ونشروا الملاهي والخمور والفجور في البلاد الإسلامية وبثّوا من خلال التلفزيون وغيره كل ما حرّم الله من الأغاني ونساء عاريات وقصص عن حياة الغربيين، الهدف منها تفكيك الأسرة الإسلامية ولكن الله أفشل خططهم وأتى بنيانهم من القواعد، وسيخر السقف على رؤوسهم قريباً إن شاء الله.
    لقد توهّم هؤلاء الطغاة كما توهم من سبقهم إنّهم يستطيعون طمس معالم دين التوحيد الحقيقية، ومسخ الإسلام وقتل العقائد الصحيحة فيه التي تهدد عروشهم وخصوصًا عقيدة انتظار المهدي (ع) ولكن أنى لهم ذلك والقرآن بين أيدينا يهتف في أسماعنا: وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثين* وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُون, وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُون*إِنَّ في‏ هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدين, وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني‏ لا يُشْرِكُونَ بي‏ شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُون
    ولا تزال المعاني التي أطلقها رسول الله (ص) تهتف في آذاننا: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لخرج من ولدي من يملئها قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجوراً)
    والمهدي (ع) بيننا ينتفع به المسلمون كما تنتفع الأرض ومن عليها بالشمس إذا غيبها السحاب.
    أيّها المسلمون والمسلمات، أيّها الأحبة آمنوا بالله واكفروا بالطاغوت وتمسكوا بالعروة الوثقى حجة الله في أرضه المهدي (ع) واعلموا أن الإيمان بالله ملازم للكفر بالطاغوت، وهما شيء واحد كذهاب الظلمة وبزوغ النور فلا يمكن أن يفهم شيء من ذهاب الظلمة غير بزوغ النور.
    قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فقد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‏ لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَميعٌ عَليم
    خافوا الشيطان وهوى النفس واتبعوا ما جاءكم به رسول الله صلى الله عليه وآله الأطهار عن الله سبحانه إن الله يغفر الذنوب جميعًا لكنه لا يغفر أن يشرك به.
    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى‏ إِثْماً عَظيما
    والإيمان بالطاغوت والتحاكم إليه ومعاونته والركون والخضوع والاستسلام له كّلها شرك بالله وضلال عن طريق الله المستقيم، وأي ضلال هل ترون أن كافرًا بالله أو مشركًا به إذا صام وصلى تقبل صلاته وصومه ؟ إن العبادات جعلت ليثبت العبد من خلالها طاعة الله فإذا كان طائعًا للطاغوت وهو عدو لله فأي معنى بقي للعبادات، إن اللحظة التي ينصاع فيها الإنسان لأوامر الطاغوت وقوانينه هي لحظة كفر بالله وخروج من ولايته إلى ولاية الطاغوت، ومن النور إلى الظلمات.
    قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُريدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعيدا
    فطريق العودة إلى الله وولايته هو نفسه طريق الكفر بالطاغوت والخروج من ولايته، وكلاهما طريق واحد في الحقيقة، وهو الصراط المستقيم الذي تقبل به الأعمال؛ لأنّها لله الواحد الأحد، فإذا كنا نريد العودة الحقيقية إلى الإسلام المحمدي الأصيل فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء به محمد بن عبد الله (ص) علينا أن نؤمن بكل الإسلام وأحكامه لا أن نؤمن بما يوافق أهواءنا منها ونترك الباقي، علينا أن نلازم الطريق الذي رسمه أوصياء محمد (ع) فهم سفن النجاة والمتقدّم عليهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق.
    أمّا الذين يكفرون ببعض الكتاب ويؤمنون ببعض فسيجدون أنفسهم في النهاية يلهثون وراء سراب في الصحراء، وليكن لنا - كمؤمنين - في السحرة الذين آمنوا بموسى (ع) قدوة، ومثل هؤلاء المؤمنين كانوا بعيدين عن المنهج الرباني الإلهي، بل كانوا أولياء للطاغوت ووقفوا مع فرعون لعنه الله في بادئ الأمر ليحاجوا موسى (ع) ولكنهم عندما خالفوا أهواءهم تبيّن لهم الحق فأمنوا بالله وكفروا بفرعون، وأشرق نور الحق في قلوبهم وانجلت ظلمة الطاغوت عن بصائرهم ووقفوا هذه المرّة مع موسى (ع) ليجاهدوا في سبيل الله ويقارعوا فرعون لعنه الله وليبيّنوا للناس كذبه وهوانه وضعفه.
    قال تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسى*قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ في‏ جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى*قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى‏ ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الَّذي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضي‏ هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا
    إن هؤلاء العباد المؤمنين هانت الدنيا في أعينهم غاية الهوان فلم يكن لتهديد فرعون لعنه الله بأن يقطع أيديهم وأرجلهم ويصلبهم أي تأثير على قرارهم بإتباع الحق، ولم يؤثروا الحياة بل اتضحت لهم حقيقة الدنيا وهذا العالم المادي الذي يتكالب عليه فرعون وهامان وقارون وأمثالهم، ونجح السحرة في الامتحان واجتازوا العقبة ففازوا برضا الله فطوبى لهم وحسن مآب.
    قال ذبيح آل محمد الحسين (ع):
    إذا كانت الدنيا تعد نفيسة . . . فدار ثواب الله أعلى وأنبلُ
    وإن كانت الأرزاق قسمًا مقدرًا . . . فقِلَة حرص المرء بالكسب أجملُ
    وإن كانت الأموال للترك جمعها . . . فما بال متروك به المرء يبخَلُ
    وإن كانت الأبدان للموت أنشئت . . فقتل امرئ بالسيف في الله أفضلُ
    وحري بنا أن نتساءل: أما آن لقلوبنا أن تخشع لذكر الله ونتوب إلى الله توبة حقيقية فنوالي أولياء الله ونعادي أعداء الله، ونجعل الإسلام دستورًا ومنهاجًا لحياتنا، والقرآن شعارًا لنا، وكلمة لا إله إلا الله ملجًأ وحصنًا لنا!!
    أما آن لنا أن نقول للطاغوت اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا!!
    أما آن لنا أن نختار حكم الإسلام وننبذ حكم الجاهلية!!
    أما آن لقلوبنا أن تشرق بنور الحق؛ لتنجلي عنها ظلمة الطاغوت!!
    هل سنبقى في هذا التيه، وفي هذه الصحراء نلهث وراء سراب، والخروج بأيدينا، والماء قريب منّا ؟
    قال تعالى: وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُون


    خادمكم ابوفاطمة
  • ناصر السيد احمد
    مشرف
    • 22-02-2009
    • 1385

    #2
    رد: جانب من خطبة صلاة الجمعة في سيدني بتاريخ 29 جمادي الثاني 1434

    الله يتقبل منكم ومنا صالح الاعمال ونسألكم الدعاء
    اللهُمَ صَلِّ عَلىَ مُحَمَدٍ وَآَلِ مُحَمَدٍ الأئَمّةِ والمَهدِيينْ وَسَلّمْ تَسْلِيمَا
    اللهم اشغل الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين

    Comment

    • from_au
      عضو نشيط
      • 29-08-2011
      • 131

      #3
      رد: جانب من خطبة صلاة الجمعة في سيدني بتاريخ 29 جمادي الثاني 1434

      الله يتقبل أعمالكم سيدنا الغالي و نسألكم الدعا

      Comment

      Working...
      X
      😀
      🥰
      🤢
      😎
      😡
      👍
      👎