بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الائمة و المهديين و سلم تسليما كثيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين و صلّى الله على محمدٍ و آله الطيبين الطاهرين الائمة و المهديين و سلم تسليماً كثيرا.
الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها.
اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
يقول السيد احمد الحسن (ع): لقد ابتلي أمير المؤمنين علي (ع), بمعاوية بن هند، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، وقد ابتليت اليوم كما ابتلي أبي علي بن أبي طالب (ع) ولكن بسبعين معاوية، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون.
والله ما أبقى رسول الله (ص) وآبائي الأئمة (ع) شيء من أمري إلا بيّنوه، فوصفوني بدقة، وسمّوني، وبيّنوا مسكني، فلم يبق لبس في أمري، ولا شبهة في حالي، بعد هذا البيان وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وأني: أول المهديين واليماني الموعود.
و لكن لماذا قلة أنصار الامام المهدي (ع), للإجابة على هذا السؤال لابد أن نرجع إلى قصص الأقوام الذي سبقونا مع أنبياءهم (ع), لان روي عن النبي (ص): ((لتركبن سنن الذي من قبلكم حذوا النعل بالنعل)) و بما أن أكثر الأنبياء و ألاقوام ذكرا في القرآن هم بني إسرائيل و نبي الله موسى (ع) سأذكر بإختصار أسباب إنحراف قوم بني إسرائيل:
أولا العلماء غير العاملين هم أهم الأسباب في إنحراف الإمة في كل زمان, و من جملة هؤلاء العلماء هو بلعم بن باعوراء.
عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم و كان يدعو به فيستجاب له، فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى (عليه السلام) و أصحابه: قال فرعون لبلعم: ادع الله على موسى و أصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى و أصحابه، فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها، فأنطقها الله عز و جل، فقالت: ويلك، على ماذا تضربني، أ تريد أن أجيء معك لتدعو على موسى نبي الله و قوم مؤمنين؟! و لم يزل يضربها حتى قتلها، فانسلخ الاسم من لسانه، و هو قوله: فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ و هو مثل ضربه الله».
قال أبو جعفر (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: «الأصل في [ذلك] بلعم، ثم ضربه الله مثلا لكل مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة».
فقال الرضا (عليه السلام): «فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاث: حمارة بلعم، و كلب أصحاب الكهف، و الذئب، و كان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر «1» قوما مؤمنين و يعذبهم، و كان للشرطي ابن يحبه، فجاء الذئب فأكل ابنه، فحزن الشرطي عليه، فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما أحزن الشرطي».
و أما السامري
عن أبوجعفر (ع) أنه قال: إن الله أختبر بني إسرائيل و اضلهم السامري, بالعجل الذي عبدوه، و كان سبب ذلك أن موسى لما وعده الله أن ينزل عليه التوراة و الألواح إلى ثلاثين يوما أخبر بني إسرائيل بذلك، و ذهب إلى الميقات، و خلف هارون في قومه، فلما جاءت الثلاثون يوما و لم يرجع موسى (عليه السلام) إليهم غضبوا و أرادوا أن يقتلوا هارون، و قالوا: إن موسى كذبنا و هرب منا. فجاءهم إبليس في صورة رجل، فقال لهم: إن موسى قد هرب منكم و لا يرجع إليكم أبدا، فاجمعوا لي حليكم حتى أتخذ لكم إلها تعبدونه. و كان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون و أصحابه، فنظر إلى جبرئيل و كان على حيوان في صورة رمكة «3»، فكانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري و كان من خيار أصحاب موسى (عليه السلام)، فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل و كان يتحرك فصره في صرة و كان عنده يفتخر به على بني إسرائيل فلما جاءهم إبليس و اتخذوا العجل، قال للسامري: هات التراب الذي معك. فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل، فلما وقع التراب في جوفه تحرك، و خار، و نبت عليه الوبر و الشعر، فسجد له بنو إسرائيل، و كان عدد الذين سجدوا سبعين ألفا من بني إسرائيل، فقال لهم هارون كما حكى الله: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى، فهموا بهارون فهرب من بينهم، و بقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله عليه الألواح فيها التوراة و ما يحتاجون إليه من أحكام السير و القصص، ثم أوحى الله إلى موسى: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ و عبدوا العجل و له خوار. فقال موسى (عليه السلام):
يا رب، العجل من السامري، فالخوار ممن؟ فقال: «مني- يا موسى- إني لما رأيتهم قد فاءوا «1» عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة».
و أيضا في الأمة الإسلامية, فنرى في زمن الامام الحسين (ع) شريح القاضي و قد نصبة أميرالمؤمنين (ع) قاضي قضاة الكوفة و قد أفتى بقتل الحسين (ع), و الواقفية و هم من علماء الشيعة و قد منعوا الناس من معرفة إمام زمانهم و هو الإمام الرضا (ع) و كذلك في زمن القائم (ع) سيعاد نفس الإمتحان و لكن بإختلاف المصاديق و هذا هو أهم اسباب قلة أنصار الإمام المهدي (ع).
فما يحدث في العالم ليس هو إلا بلاء و عذاب سينزل على الناس لتكذيبهم الامام المهدي (ع) بتكذيب وصيه و رسوله أحمد الحسن (ع), قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
و قد ذكر أهل البيت (ع) في رواياتهم ما سيحدث قبل قيام القائم (ع)
عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع)، قال: «إن قدام [قيام] القائم علامات، بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين».
قلت: و ما هي؟ قال: «فذلك قول الله عز و جل: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ- قال-: لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم وَ الْجُوعِ بغلاء أسعارهم وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ فساد التجارات و قلة الفضل فيها وَ الْأَنْفُسِ موت ذريع وَ الثَّمَراتِ قلة ريع ما يزرع و قلة بركة الثمار وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بخروج القائم (عليه السلام)».
عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): «لا بد أن يكون قدام قيام القائم سنة يجوع فيها الناس، و يصيبهم خوف شديد من القتل، و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات، و إن ذلك في كتاب الله لبين» ثم تلا هذه الآية: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
عن الثمالي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ. قال: «ذلك جوع خاص، و جوع عام فأما بالشام فإنه عام، و أما الخاص بالكوفة يخص و لا يعم و لكنه يخص بالكوفة أعداء آل محمد (صلى الله عليه و آله) فيهلكهم الله بالجوع، و أما الخوف فإنه عام بالشام، و ذلك الخوف إذا قام القائم (عليه السلام)، و أما الجوع فقبل قيام القائم، و ذلك قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ».
فالذين يرفضون الإمام المهدي (ع) و وصيه السيد أحمد الحسن (ع) و يتصورون بأن حبهم لأمير المؤمنين (ع) سيكون سببا لدخولهم الجنة فهؤلاء يخدعون أنفسهم بهذا الكلام,فلنسألهم هذا السؤال اليس الطائفة الزيدية الذين وقفوا على زيد بن علي بن الحسين (ع) أيضا محبين لعلي بن ابي طالب (ع)؟ اليس الإسماعيلية الذين وقفوا على إسماعيل بن الامام الصادق (ع) أيضا محبين لاميرالمؤمنين (ع)؟ اليس الواقفية كانوا من المحبين لأميرالمؤمنين (ع)؟ فهل حبهم هذا سينفعهم في يوم القيامة؟ يقول الامام الصادق (ع): (المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا) فالذين وقفوا على زيد بن علي و على إسماعيل بن الامام الصادق (ع) و الواقفية الذين وقفوا على الامام الكاظم (ع) لقد نكروا إمام زمانهم و بهذا كأنهم نكروا اميرالمؤمنين (ع).
فعلى الناس أن ينتبهوا لأنفسهم و إلا سيكون جوابهم كما حكى الله سبحانه و تعالى: ( و قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيلا).
نستجير بالله من أن نكون من واقفة عصر الظهور و نسأله الله سبحانه أن يمكن لقائم آل محمد (ع) و أن يجعلنا من أعوانه و أنصاره و من المستشهدين بين يديه.
الخطبة الثانية
(وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)
عن جعفر بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال: «إن الخضر كان نبيا مرسلا، بعثه الله تبارك و تعالى إلى قومه، فدعاهم إلى توحيده، و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه، و كانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، و إنما سمي خضراً لذلك، و كان اسمه تاليا «إليا» بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح (ع)،( فإذاً كان اسمه إيليا و ليس كما يدعي الناس خضر, لأن خضر هي صفة) و إن موسى لما كلمه الله تكليما، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء، و جعل آيته في يده و في عصاه، و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم، و فلق البحر، و أغرق الله عز و جل فرعون و جنوده، و عملت البشرية فيه حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقا أعلم مني. فأوحى الله عز و جل إلى جبرئيل (ع): يا جبرئيل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، و قل: له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه و تعلم منه، فهبط جبرئيل (ع) على موسى (ع) بما أمره به ربه عز و جل، فعلم موسى (عليه السلام) أن ذلك لما حدثته به نفسه.
فمضى هو و فتاه يوشع بن نون (ع) حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر (ع) يعبد الله عز و جل، كما قال الله عز و جل في كتابه فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟ قال له الخضر (ع): إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لأني وكلت بعلم لا تطيقه، و وكلت أنت بعلم لا أطيقه. قال موسى: بل أستطيع معك صبرا. فقال: الخضر: إن القياس لا مجال له في علم الله و أمره وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً؟ قال له موسى:
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فلما استثنى المشيئة قبله. قال: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فقال موسى (ع): لك ذلك علي. فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها الخضر (عليه السلام)، فقال له موسى (ع): أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قال: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؟! قال موسى (ع): لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ أي بما تركت من أمرك وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ الخضر (ع)، فغضب موسى (ع) و أخذ بتلابيبه و قال له: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً؟! قال له الخضر: إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره، بل أمر الله يحكم عليها، فسلم لما ترى مني و اصبر عليه، فقد كنت علمت أنك لن تستطيع معي صبرا. قال موسى (ع): إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ و هي الناصرة، و إليها تنسب النصارى اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فوضع الخضر (ع) يده عليه فأقامه فقال له موسى (ع): لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً؟ قال له الخضر (ع): هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فقال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً فأردت بما فعلت أن تبقى لهم، و لا يغصبهم الملك عليها، فنسب إلا بانة في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب، لأنه أراد أن يعيبها عند الملك حتى إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها، و أراد الله عز و جل صلاحهم بما أمره به من ذلك.
عن صفوان الجمال، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز و جل: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما.
فقال: «أما إنه ما كان ذهبا و لا فضة، و إنما كان أربع كلمات: لا إله إلا أنا، من أيقن بالموت لم يضحك سِنُّه، و من أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، و من أيقن بالقدر لم يخش إلا الله»
فاذاً هذا العبد الصالح كان من ذرية نوح (ع) كما جاء في الرواية عن الإمام الصادق (ع) أي اسمه ((اسمه تاليا «إليا» بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح)), و إذا رجعنا إلى آخر كتاب من كتب السيد أحمد الحسن (ع) و هو المراسي العشرة و نقرأ في رحلة جلجامش إلى جده نوح (ع) فنقرأ فيه
وتبدأ رحلة جلجامش إلى جده نوح )أوتو - نبشتم( والتي يطلب فيها الخلود، خلود الروح وليس خلود الجسم، فجلجامش منذ البداية يعرف أن لا خلود للجسم، فقد مر قوله: ((والآلهة )الصالحين( وحدهم هم الذين يعيشون إلى الأبد مع شمش أما أبناء البشر فأيامهم )) وجده نوح ميت منذ زمن بعيد، وهو يعلم هذا جيدا .
إذن، هي رحلة إلى العالم الآخر.
وفي هذه الرحلة يسحق جلجامش نفسه، فيحقق الخلود الذي سافر في طلبه. يحقق مراده في نفس الرحلة وحتى قبل أن يصل إلى جده نوح )اوتو - نبشتم(:
ويدخل جلجامش عالم الحقيقة ويرى الأ مور على ما هي في رحلته إلى جده أوتو - نبشتم )نوح ).
فإذاً جلجامش هو أيضا من ذرية نوح (ع), و بذلك نصل إلى نتيجة بأن جلجامش و العبد الصالح هما شخصية واحدة و لمعرفة هذه الشخصية نرجع إلى قول الإمام أحمد الحسن (ع) في كتابه رحلة موسى إلى مجمع البحرين حيث قال: ان العبد الصالح أو كما سماه القرآن "مجمع البحرين" و مجمع البحرين لا يكون مكان جغرافي كما يتوهم بعض أهل العلم و إلا لما ضيّعه موسى (ع), لأنه في بداية الأمر وصل الى المكان و لم يلتفت إلى العبد الصالح إذن، لابد أن يكون مراد موسى من مجمع البحرين أمرًا يمكن أن يضّيع وليس مجرد ملتقى نهرين، قال تعالى: ﴿مرج الْبحرين يْلتقيان* بينهما برزخ لَّايبغيان﴾ قال الإمام الصاق (ع) في تفسير هذه الآية: ((علي وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، ﴿يخرج منهما اللُّؤلؤ واْلمرجان﴾ قال: الحسن والحسين عليهما السلام))تفسير القمي: ج2 ص244
وعن جابر عن أبي عبد الله قال (ع) في قوله عزوجل: (( ﴿مرج الْبحرين يْلتقيان﴾ قال: علي وفاطمة، ﴿بينهما برزخ لَّايبغيان﴾ قال: لا يبغي علي على فاطمة ولا تبغي فاطمة على علي ﴿يخرج منهما اللُّؤلؤ واْلمرجان﴾ الحسن و الحسين)) بحار الأنوار: ج24 ص97
وضح جليًا الآن من تدبر الآيات ومن الروايات عن محمد وآل محمد (ع) أن البحرين هما: علي وفاطمة عليهما السلام وأنّ الناتج من لقائهما هم الأئمة والمهديون (ع). فإذاً العبد الصالح هو من ذرية علي و فاطمة (ع). و بعد ختام هذه القصة باختصار أود أن أقرأ نصيحة الإمام أحمد الحسن (ع) إلى الناس حيث يقول:
موسى ضيع مجمع البحرين (العبد الصالح) مع انه كان مستعدًا أن ينفق عمرًا طويلاً في البحث عنه. موسى ضيع هدفه ولم يعرفه مع أنه جلس بقربه. موسى (ع) تجاوز هدفه مع أنه مر به، وفي هذا عبرة وعظة بالغة لموسى (ع) ولكل سائر في طريق الله سبحانه.
أما موسى فقد أخذ عظته في حينها وعلم أن تضييع الهدف ممكن حتى مع المبالغة في طلبه وشدة الاهتمام به، ولهذا كان منكسرًا عندما عاد للعبد الصالح الذي ضيعه وربما يمكن أن نقول: إنه لما مر بقرب هذا الإنسان لم يتصور أنه هو الهدف الذي يطلبه وكان هذا هو الدرس الأول لموسى (ع) حيث بقدر التفاته إلى نفسه وانشغاله بها ضيعه، ولهذا عندما عاد خاطب العبد الصالح بلغة المذنب (هل تقبل بعد أن ضيعتك مع اقترابي منك أن أرافقك وأتعلم منك) ﴿ هل أتِبعك عَلى أن تعلِّمنمما علِّمت رشدًا﴾.
أما نحن فلابد أن نعتبر ونتعظ بما حدث لموسى (ع) مع العبد الصالح فإذا كان موسى (ع) مع شدة طلبه للعبد الصالح حتى أنه جعل إمضاءه الحقب في البحث عنه أمرًا طبيعيًا بالنسبة له أي أنه قرر أن لقاءه بالعبد الصالح أمر عظيم يهون معه إمضاء الدهور بحثًا عنه، مع هذا مر بقربه ولم يعرفه، فهل يمكن أن يضيعوا هدفهم من يطلبون العبد الصالح اليوم؟ مع أنهم ليسوا كموسى (ع) لا من جهة الإخلاص ولا من جهة الاهتمام الذي جعل موسى (ع) يرى أن إمضاء الدهور سائحًا هائمًا على وجهه أمرًا قليلاً إن كانت نتيجته لقاءه بالعبد الصالح، هل يمكن أن يسأل كل إنسان عاقل يخاف سوء العاقبة نفسه هذا السؤال؟
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يرزقنا الإخلاص و التسليم له و لخليفته الإمام المهدي (ع).
خادمكم ابوفاطمة
اللهم صل على محمد و آل محمد الائمة و المهديين و سلم تسليما كثيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين و صلّى الله على محمدٍ و آله الطيبين الطاهرين الائمة و المهديين و سلم تسليماً كثيرا.
الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك مسخر الرياح، فالق الإصباح، ديان الدين، رب العالمين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها.
اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.
(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
يقول السيد احمد الحسن (ع): لقد ابتلي أمير المؤمنين علي (ع), بمعاوية بن هند، وجاءه بقوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، وقد ابتليت اليوم كما ابتلي أبي علي بن أبي طالب (ع) ولكن بسبعين معاوية، ويتبعهم قوم لا يفرقون بين الناقة والجمل، والله المستعان على ما يصفون.
والله ما أبقى رسول الله (ص) وآبائي الأئمة (ع) شيء من أمري إلا بيّنوه، فوصفوني بدقة، وسمّوني، وبيّنوا مسكني، فلم يبق لبس في أمري، ولا شبهة في حالي، بعد هذا البيان وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وأني: أول المهديين واليماني الموعود.
و لكن لماذا قلة أنصار الامام المهدي (ع), للإجابة على هذا السؤال لابد أن نرجع إلى قصص الأقوام الذي سبقونا مع أنبياءهم (ع), لان روي عن النبي (ص): ((لتركبن سنن الذي من قبلكم حذوا النعل بالنعل)) و بما أن أكثر الأنبياء و ألاقوام ذكرا في القرآن هم بني إسرائيل و نبي الله موسى (ع) سأذكر بإختصار أسباب إنحراف قوم بني إسرائيل:
أولا العلماء غير العاملين هم أهم الأسباب في إنحراف الإمة في كل زمان, و من جملة هؤلاء العلماء هو بلعم بن باعوراء.
عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم و كان يدعو به فيستجاب له، فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى (عليه السلام) و أصحابه: قال فرعون لبلعم: ادع الله على موسى و أصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى و أصحابه، فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها، فأنطقها الله عز و جل، فقالت: ويلك، على ماذا تضربني، أ تريد أن أجيء معك لتدعو على موسى نبي الله و قوم مؤمنين؟! و لم يزل يضربها حتى قتلها، فانسلخ الاسم من لسانه، و هو قوله: فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ و هو مثل ضربه الله».
قال أبو جعفر (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: «الأصل في [ذلك] بلعم، ثم ضربه الله مثلا لكل مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة».
فقال الرضا (عليه السلام): «فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاث: حمارة بلعم، و كلب أصحاب الكهف، و الذئب، و كان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر «1» قوما مؤمنين و يعذبهم، و كان للشرطي ابن يحبه، فجاء الذئب فأكل ابنه، فحزن الشرطي عليه، فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما أحزن الشرطي».
و أما السامري
عن أبوجعفر (ع) أنه قال: إن الله أختبر بني إسرائيل و اضلهم السامري, بالعجل الذي عبدوه، و كان سبب ذلك أن موسى لما وعده الله أن ينزل عليه التوراة و الألواح إلى ثلاثين يوما أخبر بني إسرائيل بذلك، و ذهب إلى الميقات، و خلف هارون في قومه، فلما جاءت الثلاثون يوما و لم يرجع موسى (عليه السلام) إليهم غضبوا و أرادوا أن يقتلوا هارون، و قالوا: إن موسى كذبنا و هرب منا. فجاءهم إبليس في صورة رجل، فقال لهم: إن موسى قد هرب منكم و لا يرجع إليكم أبدا، فاجمعوا لي حليكم حتى أتخذ لكم إلها تعبدونه. و كان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون و أصحابه، فنظر إلى جبرئيل و كان على حيوان في صورة رمكة «3»، فكانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري و كان من خيار أصحاب موسى (عليه السلام)، فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل و كان يتحرك فصره في صرة و كان عنده يفتخر به على بني إسرائيل فلما جاءهم إبليس و اتخذوا العجل، قال للسامري: هات التراب الذي معك. فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل، فلما وقع التراب في جوفه تحرك، و خار، و نبت عليه الوبر و الشعر، فسجد له بنو إسرائيل، و كان عدد الذين سجدوا سبعين ألفا من بني إسرائيل، فقال لهم هارون كما حكى الله: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى، فهموا بهارون فهرب من بينهم، و بقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله عليه الألواح فيها التوراة و ما يحتاجون إليه من أحكام السير و القصص، ثم أوحى الله إلى موسى: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ و عبدوا العجل و له خوار. فقال موسى (عليه السلام):
يا رب، العجل من السامري، فالخوار ممن؟ فقال: «مني- يا موسى- إني لما رأيتهم قد فاءوا «1» عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة».
و أيضا في الأمة الإسلامية, فنرى في زمن الامام الحسين (ع) شريح القاضي و قد نصبة أميرالمؤمنين (ع) قاضي قضاة الكوفة و قد أفتى بقتل الحسين (ع), و الواقفية و هم من علماء الشيعة و قد منعوا الناس من معرفة إمام زمانهم و هو الإمام الرضا (ع) و كذلك في زمن القائم (ع) سيعاد نفس الإمتحان و لكن بإختلاف المصاديق و هذا هو أهم اسباب قلة أنصار الإمام المهدي (ع).
فما يحدث في العالم ليس هو إلا بلاء و عذاب سينزل على الناس لتكذيبهم الامام المهدي (ع) بتكذيب وصيه و رسوله أحمد الحسن (ع), قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
و قد ذكر أهل البيت (ع) في رواياتهم ما سيحدث قبل قيام القائم (ع)
عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع)، قال: «إن قدام [قيام] القائم علامات، بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين».
قلت: و ما هي؟ قال: «فذلك قول الله عز و جل: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ- قال-: لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم وَ الْجُوعِ بغلاء أسعارهم وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ فساد التجارات و قلة الفضل فيها وَ الْأَنْفُسِ موت ذريع وَ الثَّمَراتِ قلة ريع ما يزرع و قلة بركة الثمار وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بخروج القائم (عليه السلام)».
عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): «لا بد أن يكون قدام قيام القائم سنة يجوع فيها الناس، و يصيبهم خوف شديد من القتل، و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات، و إن ذلك في كتاب الله لبين» ثم تلا هذه الآية: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
عن الثمالي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ. قال: «ذلك جوع خاص، و جوع عام فأما بالشام فإنه عام، و أما الخاص بالكوفة يخص و لا يعم و لكنه يخص بالكوفة أعداء آل محمد (صلى الله عليه و آله) فيهلكهم الله بالجوع، و أما الخوف فإنه عام بالشام، و ذلك الخوف إذا قام القائم (عليه السلام)، و أما الجوع فقبل قيام القائم، و ذلك قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ».
فالذين يرفضون الإمام المهدي (ع) و وصيه السيد أحمد الحسن (ع) و يتصورون بأن حبهم لأمير المؤمنين (ع) سيكون سببا لدخولهم الجنة فهؤلاء يخدعون أنفسهم بهذا الكلام,فلنسألهم هذا السؤال اليس الطائفة الزيدية الذين وقفوا على زيد بن علي بن الحسين (ع) أيضا محبين لعلي بن ابي طالب (ع)؟ اليس الإسماعيلية الذين وقفوا على إسماعيل بن الامام الصادق (ع) أيضا محبين لاميرالمؤمنين (ع)؟ اليس الواقفية كانوا من المحبين لأميرالمؤمنين (ع)؟ فهل حبهم هذا سينفعهم في يوم القيامة؟ يقول الامام الصادق (ع): (المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا) فالذين وقفوا على زيد بن علي و على إسماعيل بن الامام الصادق (ع) و الواقفية الذين وقفوا على الامام الكاظم (ع) لقد نكروا إمام زمانهم و بهذا كأنهم نكروا اميرالمؤمنين (ع).
فعلى الناس أن ينتبهوا لأنفسهم و إلا سيكون جوابهم كما حكى الله سبحانه و تعالى: ( و قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيلا).
نستجير بالله من أن نكون من واقفة عصر الظهور و نسأله الله سبحانه أن يمكن لقائم آل محمد (ع) و أن يجعلنا من أعوانه و أنصاره و من المستشهدين بين يديه.
الخطبة الثانية
(وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)
عن جعفر بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال: «إن الخضر كان نبيا مرسلا، بعثه الله تبارك و تعالى إلى قومه، فدعاهم إلى توحيده، و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه، و كانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، و إنما سمي خضراً لذلك، و كان اسمه تاليا «إليا» بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح (ع)،( فإذاً كان اسمه إيليا و ليس كما يدعي الناس خضر, لأن خضر هي صفة) و إن موسى لما كلمه الله تكليما، و أنزل عليه التوراة و كتب له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء، و جعل آيته في يده و في عصاه، و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم، و فلق البحر، و أغرق الله عز و جل فرعون و جنوده، و عملت البشرية فيه حتى قال في نفسه: ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقا أعلم مني. فأوحى الله عز و جل إلى جبرئيل (ع): يا جبرئيل، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك، و قل: له: إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه و تعلم منه، فهبط جبرئيل (ع) على موسى (ع) بما أمره به ربه عز و جل، فعلم موسى (عليه السلام) أن ذلك لما حدثته به نفسه.
فمضى هو و فتاه يوشع بن نون (ع) حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجدا هناك الخضر (ع) يعبد الله عز و جل، كما قال الله عز و جل في كتابه فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟ قال له الخضر (ع): إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لأني وكلت بعلم لا تطيقه، و وكلت أنت بعلم لا أطيقه. قال موسى: بل أستطيع معك صبرا. فقال: الخضر: إن القياس لا مجال له في علم الله و أمره وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً؟ قال له موسى:
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فلما استثنى المشيئة قبله. قال: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فقال موسى (ع): لك ذلك علي. فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها الخضر (عليه السلام)، فقال له موسى (ع): أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قال: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؟! قال موسى (ع): لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ أي بما تركت من أمرك وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ الخضر (ع)، فغضب موسى (ع) و أخذ بتلابيبه و قال له: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً؟! قال له الخضر: إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره، بل أمر الله يحكم عليها، فسلم لما ترى مني و اصبر عليه، فقد كنت علمت أنك لن تستطيع معي صبرا. قال موسى (ع): إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ و هي الناصرة، و إليها تنسب النصارى اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فوضع الخضر (ع) يده عليه فأقامه فقال له موسى (ع): لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً؟ قال له الخضر (ع): هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فقال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً فأردت بما فعلت أن تبقى لهم، و لا يغصبهم الملك عليها، فنسب إلا بانة في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب، لأنه أراد أن يعيبها عند الملك حتى إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها، و أراد الله عز و جل صلاحهم بما أمره به من ذلك.
عن صفوان الجمال، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز و جل: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما.
فقال: «أما إنه ما كان ذهبا و لا فضة، و إنما كان أربع كلمات: لا إله إلا أنا، من أيقن بالموت لم يضحك سِنُّه، و من أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، و من أيقن بالقدر لم يخش إلا الله»
فاذاً هذا العبد الصالح كان من ذرية نوح (ع) كما جاء في الرواية عن الإمام الصادق (ع) أي اسمه ((اسمه تاليا «إليا» بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح)), و إذا رجعنا إلى آخر كتاب من كتب السيد أحمد الحسن (ع) و هو المراسي العشرة و نقرأ في رحلة جلجامش إلى جده نوح (ع) فنقرأ فيه
وتبدأ رحلة جلجامش إلى جده نوح )أوتو - نبشتم( والتي يطلب فيها الخلود، خلود الروح وليس خلود الجسم، فجلجامش منذ البداية يعرف أن لا خلود للجسم، فقد مر قوله: ((والآلهة )الصالحين( وحدهم هم الذين يعيشون إلى الأبد مع شمش أما أبناء البشر فأيامهم )) وجده نوح ميت منذ زمن بعيد، وهو يعلم هذا جيدا .
إذن، هي رحلة إلى العالم الآخر.
وفي هذه الرحلة يسحق جلجامش نفسه، فيحقق الخلود الذي سافر في طلبه. يحقق مراده في نفس الرحلة وحتى قبل أن يصل إلى جده نوح )اوتو - نبشتم(:
ويدخل جلجامش عالم الحقيقة ويرى الأ مور على ما هي في رحلته إلى جده أوتو - نبشتم )نوح ).
فإذاً جلجامش هو أيضا من ذرية نوح (ع), و بذلك نصل إلى نتيجة بأن جلجامش و العبد الصالح هما شخصية واحدة و لمعرفة هذه الشخصية نرجع إلى قول الإمام أحمد الحسن (ع) في كتابه رحلة موسى إلى مجمع البحرين حيث قال: ان العبد الصالح أو كما سماه القرآن "مجمع البحرين" و مجمع البحرين لا يكون مكان جغرافي كما يتوهم بعض أهل العلم و إلا لما ضيّعه موسى (ع), لأنه في بداية الأمر وصل الى المكان و لم يلتفت إلى العبد الصالح إذن، لابد أن يكون مراد موسى من مجمع البحرين أمرًا يمكن أن يضّيع وليس مجرد ملتقى نهرين، قال تعالى: ﴿مرج الْبحرين يْلتقيان* بينهما برزخ لَّايبغيان﴾ قال الإمام الصاق (ع) في تفسير هذه الآية: ((علي وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، ﴿يخرج منهما اللُّؤلؤ واْلمرجان﴾ قال: الحسن والحسين عليهما السلام))تفسير القمي: ج2 ص244
وعن جابر عن أبي عبد الله قال (ع) في قوله عزوجل: (( ﴿مرج الْبحرين يْلتقيان﴾ قال: علي وفاطمة، ﴿بينهما برزخ لَّايبغيان﴾ قال: لا يبغي علي على فاطمة ولا تبغي فاطمة على علي ﴿يخرج منهما اللُّؤلؤ واْلمرجان﴾ الحسن و الحسين)) بحار الأنوار: ج24 ص97
وضح جليًا الآن من تدبر الآيات ومن الروايات عن محمد وآل محمد (ع) أن البحرين هما: علي وفاطمة عليهما السلام وأنّ الناتج من لقائهما هم الأئمة والمهديون (ع). فإذاً العبد الصالح هو من ذرية علي و فاطمة (ع). و بعد ختام هذه القصة باختصار أود أن أقرأ نصيحة الإمام أحمد الحسن (ع) إلى الناس حيث يقول:
موسى ضيع مجمع البحرين (العبد الصالح) مع انه كان مستعدًا أن ينفق عمرًا طويلاً في البحث عنه. موسى ضيع هدفه ولم يعرفه مع أنه جلس بقربه. موسى (ع) تجاوز هدفه مع أنه مر به، وفي هذا عبرة وعظة بالغة لموسى (ع) ولكل سائر في طريق الله سبحانه.
أما موسى فقد أخذ عظته في حينها وعلم أن تضييع الهدف ممكن حتى مع المبالغة في طلبه وشدة الاهتمام به، ولهذا كان منكسرًا عندما عاد للعبد الصالح الذي ضيعه وربما يمكن أن نقول: إنه لما مر بقرب هذا الإنسان لم يتصور أنه هو الهدف الذي يطلبه وكان هذا هو الدرس الأول لموسى (ع) حيث بقدر التفاته إلى نفسه وانشغاله بها ضيعه، ولهذا عندما عاد خاطب العبد الصالح بلغة المذنب (هل تقبل بعد أن ضيعتك مع اقترابي منك أن أرافقك وأتعلم منك) ﴿ هل أتِبعك عَلى أن تعلِّمنمما علِّمت رشدًا﴾.
أما نحن فلابد أن نعتبر ونتعظ بما حدث لموسى (ع) مع العبد الصالح فإذا كان موسى (ع) مع شدة طلبه للعبد الصالح حتى أنه جعل إمضاءه الحقب في البحث عنه أمرًا طبيعيًا بالنسبة له أي أنه قرر أن لقاءه بالعبد الصالح أمر عظيم يهون معه إمضاء الدهور بحثًا عنه، مع هذا مر بقربه ولم يعرفه، فهل يمكن أن يضيعوا هدفهم من يطلبون العبد الصالح اليوم؟ مع أنهم ليسوا كموسى (ع) لا من جهة الإخلاص ولا من جهة الاهتمام الذي جعل موسى (ع) يرى أن إمضاء الدهور سائحًا هائمًا على وجهه أمرًا قليلاً إن كانت نتيجته لقاءه بالعبد الصالح، هل يمكن أن يسأل كل إنسان عاقل يخاف سوء العاقبة نفسه هذا السؤال؟
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يرزقنا الإخلاص و التسليم له و لخليفته الإمام المهدي (ع).
خادمكم ابوفاطمة
Comment