الخطبة الاولى:
1436 - 2015" بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ ، وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ اِلهاً وَلا وَلِيّاً . اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، ولا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ ، وَلا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبادَتِهِ ، بِكَلِماتِهِ قامَتِ السَّماواتُ ، وَاسْتَقَرَّتِ الْأَرَضُونَ ، وَثَبَتَتِ الْجِبالُ الرَّواسي ، وَجَرَتِ الرِّياحُ اللَّواقِحُ ، وَسارَ في جَوِّ السَّمآءِ السَّحابُ ، وَقامَتْ عَلى حُدُودِهَا الْبِحارُ ، قاهِرٌ يَخْضَعُ لَهُ الْمُعِزُّونَ ، وَيَذِلُّ طَوْعاً وَكُرْهاً لَهُ الْعالَمُونَ . نَحْمَدُهُ كَما حَمِدَ نَفْسَهُ وَكَما هُوَ اَهْلُهُ ، وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَنَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَنَبِيُّهُ ، وَرَسُولُهُ اِلى خَلْقِهِ ، وَاَمينُهُ عَلى وَحْيِهِ، قَدْ بَلَّغَ رِسالاتِ رَبِّهِ ، وَجاهَدَ في اللَّهِ ، الْمُوَلِّينَ عَنْهُ الْعادِلينَ بِهِ ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتّى اَتاهُ الْيَقينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ . ونشهدُ أنَّ خليفتَه علياً والأئمةَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةُ هدىً ، وسادةُ تقىً ، ونورٌ يُسلك به إلى الرضوان ، ويُنال به جنانُ الرحمن . ونشهدُ أنّ المهديَّ والمهديينَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةٌ أبرارٌ أخيار ، وقوّامٌ أطهار ، ورعاةٌ صالحون ، وقادةٌ منصَّبون ، وسادةٌ يُقتدى بهم ، ويُستضاءُ بنورِ علمهِم وسمتِهم وهداهُم ، صلى الله عليهم ما بقي الليلُ والنهار ، وما طلعت شمسٌ أو غربت إلى أبد الآبدين.
عبادَ الله .. اُوصيكُمْ وَنَفْسي بِتَقْوَى اللَّهِ ، الَّذي لا تَنْفَدُ مِنْهُ نِعْمَةٌ ، وَلا تفْقَدُ لَهُ رَحْمَةٌ ، الَّذي رَغَّبَ بِالتَّقْوى ، وَزَهَّدَ في الدُّنْيا، وَحَذَّرَ مِنَ الْمَعاصي ، وَتَعَزَّزَ بِالْبَقآءِ ، وَذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنآءِ ، فَالْمَوْتُ غايَةُ الْمَخْلُوقينَ ، وَسَبيلُ الْعالَمينَ ، وَمَعْقُودٌ لِنَواصِي الْباقينَ ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ ، واستعطفوهُ يُعطف عليكم ، ويفيض عليكم من شآبيب رحمته ، وينجيكم ويحميكم ويدافع عنكم بجوده وفضله ، فإنه الجوادُ الرحيم ، الغيورُ الكريم ، تباركتَ وتعاليتَ من ربٍّ عظيم .
أيها المؤمنون .. مباركٌ لكم عيد الأضحى ، طوبى لمن استجلى فيه الدروسَ والعبر ، واستزاد فيه لمعادِه عظيمَ الزادِ بعد التأمّلِ والنظر ، فآهٍ آه من قلةِ الزادِ وبعدِ السفر ، آهٍ من وحشةِ الطريقِ وعظمِ الخطر ، فشمّروا - عباد الله - عن سواعدِ الهمّةِ بالجدِّ والعمل ، ولا يشغلنّكم عن آخرتِكم غرورٌ أو خطل ، أو لعبٌ أو هزل ، فاليوم المضمار وغداً السباق والسبقة الجنّة ، فاعترفوا لله سبحانه بالفضلِ والمنّة ، وسلوه التوفيقَ والتسديد ، والنصرَ والتأييد ، ينصركم ويثبت أقدامكم.
أحبتي الكرام .. لا يخفى عليكم ما في هذا الشهرِ الكريم ، ذي الحجة الحرام ، من مواقفَ عظيمة ، وذكرياتِ جليلة ، تستحقُّ منّا الارتحالَ إليها ، والوقوفَ عليها ، لعلّنا نحظى بالاعتبارِ بها ، والسيرِ على خطاها ، رحلةً أحوجُ ما نكونُ إليها ، لتطيبَ القلوبُ والنفوس ، بعد استقائها من معينِ الدروس ..
في ذي الحجة الحرام .. وفي يوم التروية من عام 60 للهجرة ، شاء الله سبحانه أن يسقي أول الهاشميين تضحيةً شجرةَ حاكميةِ الله بدمه المهراق ، إنه سفيرُ الحسين ورسولُه إلى أهل العراق ، ثقتُه وابنُ عمِّه مسلمُ ابن عقيل ، وما جرى عليه من خطبٍ ورزءٍ جليل ، فكم أنت عظيمٌ أيها العبد الصالح وأنت تسطّر للأجيال ملحمةَ العطاءِ والتضحيةِ لدين الله بمهجتك ، ولم يثنك عن ذلك غربتك ووحدتك ، حملت الحقَّ وحدك ، ونهضتَ بأعباء رسالةِ مرسلِك فأدّيتها بأروع ما يكون ، ودافعت عن إمامك وسيدك ، حتى أُثخنت بالجراح ، وسقطت ثناياك ولم يبرد عطشُ قلبِك بالماء القراح ، فتجرّعت كأسَ المنون ، ولم يرف لك جفنٌ أو تطرف لك عين ، نعم .. دمعت عيناك لذكر حسين وآل حسين ، لأنك تعلم أنهم على إثرك قادمون ، وأنت الخبير بما سيلاقون .
سيدي يا ابن عقيل .. كم نحن بحاجة إلى الاقتداء بك في خط الرسالات الإلهية ، وإلى بذل مثل هذا العطاء والتضحيات لإقامة دولة الحق الربانية ، فسلامٌ عليك من قلوب لكم تائقة ، وعلى مصائبكم تئن شاهقة ، وعند الله تحتسب دماءكم الطاهرة ، فهو حسبنا ونعم الوكيل .
في ذي الحجة الحرام .. يحقُّ للمؤمن أن يقف على عطائك مذهولاً يا حسين ، ويتبع ذهولَه بكاءً وأنيناً ، على ما ألمَّ بكَ ودهاك ، وما أصابكَ واعتراك ، حيث قُتلتَ عُطشاناً ، وذهبتَ إلى ربِّك ظمآناً ، تعلوكَ السيوفُ ببواترِها ، وتطأُكَ الخيولُ بحوافرِها ، كلُّ ذلك من أجلِ رضا ربِك وهدايةِ خلقِه ، وتثبيتِ أركانِ دينهِ وحاكميتِه ودولتِه .. كان بوسعك يا سيدَ الشهداء أن تلوذَ ببيتِه الحرام في شهرِه الحرام ، متعلّقاً بأستار قبلتِه ، طائفاً حول بيتِه وكعبتِه ، ساعياً بين صفاه ومروتِه ، متوسلاً به في عرفة ، راجياً إيّاه في منى ، طالباً منه الأمنيات ، رامياً عقب ذلك الجمرات ، فيكتمل حجُّك وفق تصوّر الحجيج ، وما يفتي به كبارُهم من ضجيج ، ولكنّك تركتَ كلَّ ذلك يوم التروية يا سليلَ الهدى ، وآثرت إلّا أن تفارقَ زمزم والصفا ، وعرفةَ ومنى ، منصرفاً عن تمنّي الأمنيات ورمي الجمرات ، والطواف حول بيت الرب وقبلة المعبود ، ميمّماً إلى العراق وجهك ، سائراً بضعنك وأهل بيتك ، زينب والبنين ، يصحبك بدورُ الهاشميين ، وقلةٌ ممّن وفّوا بعهد الله طائعين ملبّين.
أنت بهذا - يا ذبيح الله - وضعتَ الحجيجَ وكلَّ مَن يقدّس أحجار بيت الرب في موضعٍ لا يُحسدون عليه ، تركتهم يطوفون حول أحجار ليس إلّا ، يسعون بين وهمهم وخيالهم ، يقفون في عرفة بجهلهم وجحودهم ، لا يتمنّون غير الطمع والدنيا ، يحسبون أنهم يرمون الشيطان ونفوسهم أولى بأن تُرمى ، فإنّما وضع الله الحج – كما يقول صادق آل محمد – ليَعْرِض المؤمنون على خليفة الله ولايَتَهم ونصرَتَهم ، ليتطهّروا من ذنوبهم ويكونوا حقاً على الله ضيوف ، فعلى مَن يَعْرِض المتخلّفون عنك ولايتَهم بعد انصرافك وارتحالك من بينهم ، وإعراضك عنهم .. هل يكفيهم أن يحسبوا أنفسهم على الرحمن ضيوفاً ، وهل يعقل أن يقابل الرحمن ضيفه بصواعق ورعود ، وقذف بالأحجار والصخور والتراب ، فينتشر الموت والذعر وينزف الدم داخل البيت الحرام !
إذن – وكما يقول ولدك اليماني المظلوم - : "يا حسين ، تركتها يوم التروية ، ولا زالت تصب لعنة غضبها عليهم، فإليك حججت يا قبلة الله".
بهذا نعرف حقيقة ربما جهلها الكثير وهي أنّ القبلةَ الحقيقية والحج الحقيقي هو خليفة الله ، وغايته هي اتباعه والتسليم له وطاعته ونصرته والذود عنه ، عدا ذلك لا يعدو أن يكون الحج صفيراً وتصفيقاً "وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ".
في ذي الحجة الحرام .. نحن والعالم أجمع على موعد مع عيد الله الأكبر ، عيد الغدير الأغر ، يوم اكتمال الدين وتمامه ، بتنصيب أمير المؤمنين خليفة ووصياً لسيد الخلق محمد (ص) ، يتلوه من بعده أبناؤه الميامين ، الذين تجرّعوا كؤوس المرار والألم ؛ من سجون وتشريد ، وقتل وتعذيب ، في سبيل إنقاذ الخلق من الردى ، والأخذ بأيديهم إلى جادة الحق والهدى .
في ذي الحجة الحرام أيضاً .. نحن على موعد مع عطاء إلهي محمدي آخر ، من أجل هداية الخلق وإنقاذهم مرة أخرى ، يتجسّد بإرسال الإمام المهدي (ص) لنفس بريئة ، طاهرة زكية ، من أهل بيته الكرام ، إلى قريشَ آخر الزمان ، فيستقبلوه كاستقبال أسلافهم للأنبياء والرسل ، وليتهم اكتفوا برميه بما رمى به آباؤهم جده محمد في مكة عند بعثته ، إنما زادوا على آبائهم إجراماً ، ولم تكتفِ نفوسهم التوّاقة لدماء الأولياء ما فعله أسلافهم بآل محمد قتلاً ، فيعمدوا إليه فيقتلوه ، فتحزن لمقتله الأرض والسماء ، ويثأر لدمه الملأ الأعلى ، ويوتر آل محمد بعزيز من جديد ، فينقطع العذر ويقترب النصر.
أيها المؤمنون .. يا أنصار الإمام المهدي (ص) :
إنّ المحطات التي وقفنا عليها معاً باختصار خلال رحلتنا هذه في رحاب شهر ذي الحجة الحرام ، لهي محطات إلهية وعَدَ الله سبحانه أنها الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان يوم يقف بين يديه في ساحته ، وبها يمتاز الخلق جميعاً ..
يقول السيد أحمد الحسن (ع) لمن سأله عن معيار التمايز بين الناس في الآخرة :
(( التمايز في الآخرة على أساس الإيمان والعمل الذي قدمه الانسان لآخرته .. "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى"، "وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورا"، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ". فالله لا يضيع عمل عامل للآخرة وسيجزيه بأحسن الجزاء، فقط الآية الأخيرة لو تلاحظ ما هي الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان في الساحة الالهية "فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ " .. يُهجّرون بسبب إيمانهم ، يُؤذون بسبب إيمانهم ، يُسجنون بسبب إيمانهم ، يُعذبون بسبب إيمانهم بخليفة الله ، هذه الابتلاءات التي ربما يتذمّر البعض منها هي أفضل الأعمال إذا كانت خالصة وحدثت للمؤمن بسبب نصرته لخليفة الله )) انتهى.
وقد اتضح لنا من خلال عرض المحطات أعلاه أنّ خلفاء الله ومن التحق بركبهم (رحمهم الله) هم أول من خاض غمار هذه الأعمال الكبرى وارتحلوا إلى ربهم الكريم متوّجين بها .
ختاماً نقول : إن عرفنا هذا وعقلناه ، وعاهدنا الله على العمل به حتى اخر نفس ، حق لنا ان نحتسب هذا اليوم عيداً رغم الحزن والألم الذي يعتصر القلوب النقية لذكره ، ولكن ما خلقنا للدنيا والراحة فيها ، وللآخرة خير وأبقى .
السلام على الحسين الذي ذبح عطشاناً ..
السلام على السائرين على نهجه ودربه من الأولين والآخرين ..
السلام على المقتولين والمعذبين والمظلومين والمسجونين من أجل نصرة خليفة الله في زمانهم.
والحمد لله رب العالمين. ... " 1436 - 2015
(هذه كانت خطبة موحدة في عام 2015، وفي الخطبة الثانية سأقرأ عليكم جزء من خطبة عيد الاضحى الموحدة لمكتب السيد أحمد الحسن في النجف الاشرف تنشرت عام 2018..)
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس]
***
الخطبة الثانية:
1439 – 2018 " الخطبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقة محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.
[ اللّهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَبُعْدَ المَعْصِيَةِ وَصِدْقَ النِيَّةِ وَعِرْفانَ الحُرْمَةِ ، وَأَكْرِمْنا بالْهُدى وَالاسْتِقامَةِ وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنا بِالصَّوابِ وَالحِكْمَةِ ، وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ ، وَطَهِّرْ بُطُونَنا مِنَ الحَرامِ وَالشُّبْهَةِ ، وَاكْفُفْ أَيْدِيَنا عَنْ الظُّلْمِ وَالسَّرِقَةِ ، وَاغْضُضْ أَبْصارَنا عَنْ الفُجُورِ وَالخيانَةِ ، وَاسْدُدْ أَسْماعَنا عَنْ اللَّغْوِ وَالغِيْبَةِ ، وَتَفَضَّلْ عَلى عُلَمائِنا بِالزُّهْدِ وَالنَّصِيحَةِ وَعَلى المُتَعَلِّمِينَ بالجِهْدِ وَالرَّغْبَةِ وَعَلى المُسْتَمِعِينَ بِالاتِّباعِ وَالمَوْعِظَةِ ، وَعَلى مَرْضى المُسْلِمِينَ بِالشِّفاءِ وَالرَّاحَةِ ، وَعَلى مَوْتاهُمْ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَعَلى مَشايِخِنا بِالْوِقارِ وَالسَّكِينَةِ ، وَعَلى الشَّبابِ بِالاِنابَةِ وَالتَّوْبَةِ ، وَعَلى النِّساءِ بالحَياءِ وَالعِفَّةِ ، وَعَلى الاَغْنِياءِ بِالتَّواضِعِ وَالسِّعَةِ ، وَعَلى الُفَقراءِ بِالْصَبْرِ وَالقَناعَةِ وَعَلى الغُزاةِ بِالْنَصْرِ وَالغَلَبَةِ ، وَعَلى الاُسَراءِ بِالْخَلاصِ وَالرَّاحَةِ ، وَعَلى الاُمَراءِ بِالعَدْلِ وَالشَّفَقَةِ ، وَعَلى الرَّعِيَّةِ بِالإنْصافِ وَحُسْنِ السَّيرَةِ ، وَبارِكْ لِلْحُجّاجِ وَالزُّوّارِ فِي الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ ، وَاقْضِ ماأَوْجَبْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).
نبارك لولي الله الاعظم امامنا وسيدنا ومولانا الامام المهدي مكن الله له في الارض ووصيه ورسوله الى الناس كافة مولانا الامام احمد الحسن اليماني (ع) وجميع الاخوة الانصار في مشارق الارض ومغاربها والعالم الانساني بمناسبة حلول عيد الاضحى المبارك... اعاده علينا وعلى الجميع باليمن والبركة والتمكين لقائم ال محمد (ع).
قال تعالى في كتابه العزيز (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
من الفرائض التي كتبها الله على عباده هي فريضة الحج، والكثير من الناس يجهلون حقيقة هذه الشعيرة العظيمة ويتصورون ان الحج هو مجرد الطواف حول الكعبة المشرفة ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة وغيرها !
لكن الأمر يختلف عند اهل البيت عليهم السلام الذين كشفوا النقاب عن حقيقة هذه الشعيرة وانها لم تكن مجرد طقوساً وافعالاً خارجية، بل حقيقة الحج هو الارتباط بخليفة الله (ع) في كل زمان، وقد أطلق القرآن الكريم على حج من اتى البيت وهو جاحد لخليفة الله بالمكاء والتصدية ! اي: التصفيق والتصفير !!
{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ - عليه السلام -، قَالَ: (نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ - عليه السلام -: هَكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ وَيَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}.
عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: (أنتم الصلاة في كتاب الله - عز وجل - وأنتم الزكاة وأنتم الحج؟
فقال: يا داود نحن الصلاة في كتاب الله - عز وجل -، ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله، قال الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، ونحن الآيات ونحن البينات، وعدونا في كتاب الله - عز وجل -: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير، يا داود إن الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضداداً وأعداءً، فسمانا في كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه، وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عباده المتقين).
وكان التفرق في الدين ظاهراً، فلكل قبيلة تلبية خاصة، تختلف عن تلبية القبيلة الاخرى، فبدل ان تكون هذه الشعيرة معلماً ترى فيه وحدتهم وتسليمهم لرب البيت الحرام؛ تشاهد التفرقة والتشتت.
ولنترك بيان حقيقة الحج لليماني أحمد الحسن (ع) قال: (الحج في الإسلام باختصار هو الحضور في وقت معين من السنة في مكان معين، وهو بيت الله المحرم أو الكعبة، فلابد لنا من معرفة صفة الوقت والمكان أولاً.
فالمكان: وهو الكعبة، إنما هو تجلي وظهور للبيت المعمور، وهو تجلي وظهور للضراح، والضراح في السماء السادسة وهي أعلى سماء ملكوتية مثالية، وبعدها السماء السابعة وهي سماء كلية لا مثالية. وإنما خلق الضراح بعد أن ردّ الملائكة على الله سبحانه وتعالى لما أخبرهم بخلق آدم (ع)، فطاف عليه الملائكة ليغفر الله لهم ويتوب عليهم بعد إساءتهم واعتراضهم عليه سبحانه وتعالى.
وتجلّى الضراح في السماوات الخمس الأدنى من السماء السادسة فكان في كل سماء بيت مناسب لشأنها، يطوف عليه ملائكة تلك السماء؛ ليغفر لهم الله سبحانه وتعالى ويتوب عليهم، فكان في السماء الرابعة البيت المعمور، وتجلى وظهر هذا البيت في الأرض فكان بيت الله الحرام أو الكعبة. فلما نزل آدم (ع) إلى الأرض طاف به فغفر له الله وأعلى مقامه وشأنه بفضله ومنه سبحانه وتعالى.
أما الوقت: فهو ذو الحجة، وأهم ما يتصف به هذا الشهر هو أنه الشهر الذي يخرج به الإمام المهدي (ع) في مكة ويرسل النفس الزكية لأهل مكة فيقتلونه بين الركن والمقام فيقوم بعد ذلك في العاشر من المحرم.
إذن، فبيت الله وضع في السماوات لتطوف به الملائكة وتستغفر بعد اعتراضهم على حجة الله آدم (ع)، ووضع في الأرض ليطوف به آدم بعد تعدّيه على شجرة علم آل محمد أو شجرة الولاية.
﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾: أي على تحمل الولاية لآل محمد، وهم حجة الله على آدم (ع)، فالطواف بالبيت إنما للاعتراف لحجة الله على الخلق بالولاية، والانصياع لأوامره وطاعته.
فعلة الحج هي الاستغفار عن التقصير في حق الحجة على الخلق (ع) في كل زمان، وهو في زماننا الإمام المهدي (ع). وقد ورد عنهم (ع) ما معناه: (إنما جعل الله الحج على الناس ليعرضوا علينا ولايتهم).
أما الغرض من الحج فهو التجمع في هذا المكان وفي هذا الزمان من كل عام ترقباً لقيام المصلح المنتظر المهدي (ع) للجهاد بين يديه، فهو صاحب الآذان في زماننا، إن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن: يأتوك أنت يا حجتي على خلقي لا يأتوني أنا، قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق﴾.
﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق﴾.
وقضاء التفث: أي التنظيف والتطهر، وهو يكون بحسب الظاهر قصّ الأظافر وحلاقة الشعر، أما بحسب اللبّ والحقيقة فالمراد منه لقاء الإمام الحجة (ع)، وحلاقة الشعر إنما تمثل التجرد من كل فكرة والتسليم للحجة (ع) والانصياع لأوامره.
وإنما سمي البيت العتيق؛ لأنّ من يطوف به يعتق من ذنب تقصيره مع الإمام المهدي - عليه السلام - الحجة على الخلق {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، فحرمات الله وشعائر الله هم حجج الله سبحانه وتعالى على الخلق) انتهى كلامه (ع).
فللحج حقيقة خلف تلك الطقوس الشريفة، وجاء الشرف والقداسة لتلك الطقوس التي تحمل تلك الحقيقة، فإذا خلت تلك الطقوس من تلك الحقيقة فستكون مكاء وتصدية كما قال سبحانه.
... " 1439- 2018
https://m.facebook.com/story.php?sto...07186909390999
1439 – 2018 " فالسلام على الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى انصار الحسين وعلى من سار على مبدأ الحسين في كل زمان.
قال الحسين (ع) في دعاءه يوم عرفة: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ وَلا تَخْفى عَلَيْهِ الطَلائِعِ وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ جازي كُلِّ صانِعٍ وَرايِشُ كُلِّ قانِعٍ وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ مُنْزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ وَللْكُرُباتِ دافِعٌ وَلِلْدَّرَجاتِ رافِعٌ وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ؛ فَلا إِلهَ غَيْرُهُ وَلا شَيْء يَعْدِلُهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ،...).
يقول الراوي: (ثم رفع (ع) طرفه إلى السماء ودموعه تجري على خديه ورفع صوته عاليا: يا أسمع السامعين ، يا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد السادة الميامين، وأسئلك اللهم حاجتي التي إن أعطيتناها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسئلك فكاك رقبتي من النار، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت على كل شئ قدير، يا رب يا رب.
ولم يزل يقول " يا رب " حتى ضج الجميع بالبكاء على بكائه).
هذا، والحمد لله رب العالمين، ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3)).
وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. " 1439 - 2018
https://m.facebook.com/story.php?sto...07186909390999
1436 - 2015" بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ، ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ ، وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ اِلهاً وَلا وَلِيّاً . اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، ولا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ ، وَلا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبادَتِهِ ، بِكَلِماتِهِ قامَتِ السَّماواتُ ، وَاسْتَقَرَّتِ الْأَرَضُونَ ، وَثَبَتَتِ الْجِبالُ الرَّواسي ، وَجَرَتِ الرِّياحُ اللَّواقِحُ ، وَسارَ في جَوِّ السَّمآءِ السَّحابُ ، وَقامَتْ عَلى حُدُودِهَا الْبِحارُ ، قاهِرٌ يَخْضَعُ لَهُ الْمُعِزُّونَ ، وَيَذِلُّ طَوْعاً وَكُرْهاً لَهُ الْعالَمُونَ . نَحْمَدُهُ كَما حَمِدَ نَفْسَهُ وَكَما هُوَ اَهْلُهُ ، وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَنَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَنَبِيُّهُ ، وَرَسُولُهُ اِلى خَلْقِهِ ، وَاَمينُهُ عَلى وَحْيِهِ، قَدْ بَلَّغَ رِسالاتِ رَبِّهِ ، وَجاهَدَ في اللَّهِ ، الْمُوَلِّينَ عَنْهُ الْعادِلينَ بِهِ ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتّى اَتاهُ الْيَقينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ . ونشهدُ أنَّ خليفتَه علياً والأئمةَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةُ هدىً ، وسادةُ تقىً ، ونورٌ يُسلك به إلى الرضوان ، ويُنال به جنانُ الرحمن . ونشهدُ أنّ المهديَّ والمهديينَ من ولدِه حججُ الله ، أئمةٌ أبرارٌ أخيار ، وقوّامٌ أطهار ، ورعاةٌ صالحون ، وقادةٌ منصَّبون ، وسادةٌ يُقتدى بهم ، ويُستضاءُ بنورِ علمهِم وسمتِهم وهداهُم ، صلى الله عليهم ما بقي الليلُ والنهار ، وما طلعت شمسٌ أو غربت إلى أبد الآبدين.
عبادَ الله .. اُوصيكُمْ وَنَفْسي بِتَقْوَى اللَّهِ ، الَّذي لا تَنْفَدُ مِنْهُ نِعْمَةٌ ، وَلا تفْقَدُ لَهُ رَحْمَةٌ ، الَّذي رَغَّبَ بِالتَّقْوى ، وَزَهَّدَ في الدُّنْيا، وَحَذَّرَ مِنَ الْمَعاصي ، وَتَعَزَّزَ بِالْبَقآءِ ، وَذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنآءِ ، فَالْمَوْتُ غايَةُ الْمَخْلُوقينَ ، وَسَبيلُ الْعالَمينَ ، وَمَعْقُودٌ لِنَواصِي الْباقينَ ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ ، واستعطفوهُ يُعطف عليكم ، ويفيض عليكم من شآبيب رحمته ، وينجيكم ويحميكم ويدافع عنكم بجوده وفضله ، فإنه الجوادُ الرحيم ، الغيورُ الكريم ، تباركتَ وتعاليتَ من ربٍّ عظيم .
أيها المؤمنون .. مباركٌ لكم عيد الأضحى ، طوبى لمن استجلى فيه الدروسَ والعبر ، واستزاد فيه لمعادِه عظيمَ الزادِ بعد التأمّلِ والنظر ، فآهٍ آه من قلةِ الزادِ وبعدِ السفر ، آهٍ من وحشةِ الطريقِ وعظمِ الخطر ، فشمّروا - عباد الله - عن سواعدِ الهمّةِ بالجدِّ والعمل ، ولا يشغلنّكم عن آخرتِكم غرورٌ أو خطل ، أو لعبٌ أو هزل ، فاليوم المضمار وغداً السباق والسبقة الجنّة ، فاعترفوا لله سبحانه بالفضلِ والمنّة ، وسلوه التوفيقَ والتسديد ، والنصرَ والتأييد ، ينصركم ويثبت أقدامكم.
أحبتي الكرام .. لا يخفى عليكم ما في هذا الشهرِ الكريم ، ذي الحجة الحرام ، من مواقفَ عظيمة ، وذكرياتِ جليلة ، تستحقُّ منّا الارتحالَ إليها ، والوقوفَ عليها ، لعلّنا نحظى بالاعتبارِ بها ، والسيرِ على خطاها ، رحلةً أحوجُ ما نكونُ إليها ، لتطيبَ القلوبُ والنفوس ، بعد استقائها من معينِ الدروس ..
في ذي الحجة الحرام .. وفي يوم التروية من عام 60 للهجرة ، شاء الله سبحانه أن يسقي أول الهاشميين تضحيةً شجرةَ حاكميةِ الله بدمه المهراق ، إنه سفيرُ الحسين ورسولُه إلى أهل العراق ، ثقتُه وابنُ عمِّه مسلمُ ابن عقيل ، وما جرى عليه من خطبٍ ورزءٍ جليل ، فكم أنت عظيمٌ أيها العبد الصالح وأنت تسطّر للأجيال ملحمةَ العطاءِ والتضحيةِ لدين الله بمهجتك ، ولم يثنك عن ذلك غربتك ووحدتك ، حملت الحقَّ وحدك ، ونهضتَ بأعباء رسالةِ مرسلِك فأدّيتها بأروع ما يكون ، ودافعت عن إمامك وسيدك ، حتى أُثخنت بالجراح ، وسقطت ثناياك ولم يبرد عطشُ قلبِك بالماء القراح ، فتجرّعت كأسَ المنون ، ولم يرف لك جفنٌ أو تطرف لك عين ، نعم .. دمعت عيناك لذكر حسين وآل حسين ، لأنك تعلم أنهم على إثرك قادمون ، وأنت الخبير بما سيلاقون .
سيدي يا ابن عقيل .. كم نحن بحاجة إلى الاقتداء بك في خط الرسالات الإلهية ، وإلى بذل مثل هذا العطاء والتضحيات لإقامة دولة الحق الربانية ، فسلامٌ عليك من قلوب لكم تائقة ، وعلى مصائبكم تئن شاهقة ، وعند الله تحتسب دماءكم الطاهرة ، فهو حسبنا ونعم الوكيل .
في ذي الحجة الحرام .. يحقُّ للمؤمن أن يقف على عطائك مذهولاً يا حسين ، ويتبع ذهولَه بكاءً وأنيناً ، على ما ألمَّ بكَ ودهاك ، وما أصابكَ واعتراك ، حيث قُتلتَ عُطشاناً ، وذهبتَ إلى ربِّك ظمآناً ، تعلوكَ السيوفُ ببواترِها ، وتطأُكَ الخيولُ بحوافرِها ، كلُّ ذلك من أجلِ رضا ربِك وهدايةِ خلقِه ، وتثبيتِ أركانِ دينهِ وحاكميتِه ودولتِه .. كان بوسعك يا سيدَ الشهداء أن تلوذَ ببيتِه الحرام في شهرِه الحرام ، متعلّقاً بأستار قبلتِه ، طائفاً حول بيتِه وكعبتِه ، ساعياً بين صفاه ومروتِه ، متوسلاً به في عرفة ، راجياً إيّاه في منى ، طالباً منه الأمنيات ، رامياً عقب ذلك الجمرات ، فيكتمل حجُّك وفق تصوّر الحجيج ، وما يفتي به كبارُهم من ضجيج ، ولكنّك تركتَ كلَّ ذلك يوم التروية يا سليلَ الهدى ، وآثرت إلّا أن تفارقَ زمزم والصفا ، وعرفةَ ومنى ، منصرفاً عن تمنّي الأمنيات ورمي الجمرات ، والطواف حول بيت الرب وقبلة المعبود ، ميمّماً إلى العراق وجهك ، سائراً بضعنك وأهل بيتك ، زينب والبنين ، يصحبك بدورُ الهاشميين ، وقلةٌ ممّن وفّوا بعهد الله طائعين ملبّين.
أنت بهذا - يا ذبيح الله - وضعتَ الحجيجَ وكلَّ مَن يقدّس أحجار بيت الرب في موضعٍ لا يُحسدون عليه ، تركتهم يطوفون حول أحجار ليس إلّا ، يسعون بين وهمهم وخيالهم ، يقفون في عرفة بجهلهم وجحودهم ، لا يتمنّون غير الطمع والدنيا ، يحسبون أنهم يرمون الشيطان ونفوسهم أولى بأن تُرمى ، فإنّما وضع الله الحج – كما يقول صادق آل محمد – ليَعْرِض المؤمنون على خليفة الله ولايَتَهم ونصرَتَهم ، ليتطهّروا من ذنوبهم ويكونوا حقاً على الله ضيوف ، فعلى مَن يَعْرِض المتخلّفون عنك ولايتَهم بعد انصرافك وارتحالك من بينهم ، وإعراضك عنهم .. هل يكفيهم أن يحسبوا أنفسهم على الرحمن ضيوفاً ، وهل يعقل أن يقابل الرحمن ضيفه بصواعق ورعود ، وقذف بالأحجار والصخور والتراب ، فينتشر الموت والذعر وينزف الدم داخل البيت الحرام !
إذن – وكما يقول ولدك اليماني المظلوم - : "يا حسين ، تركتها يوم التروية ، ولا زالت تصب لعنة غضبها عليهم، فإليك حججت يا قبلة الله".
بهذا نعرف حقيقة ربما جهلها الكثير وهي أنّ القبلةَ الحقيقية والحج الحقيقي هو خليفة الله ، وغايته هي اتباعه والتسليم له وطاعته ونصرته والذود عنه ، عدا ذلك لا يعدو أن يكون الحج صفيراً وتصفيقاً "وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ".
في ذي الحجة الحرام .. نحن والعالم أجمع على موعد مع عيد الله الأكبر ، عيد الغدير الأغر ، يوم اكتمال الدين وتمامه ، بتنصيب أمير المؤمنين خليفة ووصياً لسيد الخلق محمد (ص) ، يتلوه من بعده أبناؤه الميامين ، الذين تجرّعوا كؤوس المرار والألم ؛ من سجون وتشريد ، وقتل وتعذيب ، في سبيل إنقاذ الخلق من الردى ، والأخذ بأيديهم إلى جادة الحق والهدى .
في ذي الحجة الحرام أيضاً .. نحن على موعد مع عطاء إلهي محمدي آخر ، من أجل هداية الخلق وإنقاذهم مرة أخرى ، يتجسّد بإرسال الإمام المهدي (ص) لنفس بريئة ، طاهرة زكية ، من أهل بيته الكرام ، إلى قريشَ آخر الزمان ، فيستقبلوه كاستقبال أسلافهم للأنبياء والرسل ، وليتهم اكتفوا برميه بما رمى به آباؤهم جده محمد في مكة عند بعثته ، إنما زادوا على آبائهم إجراماً ، ولم تكتفِ نفوسهم التوّاقة لدماء الأولياء ما فعله أسلافهم بآل محمد قتلاً ، فيعمدوا إليه فيقتلوه ، فتحزن لمقتله الأرض والسماء ، ويثأر لدمه الملأ الأعلى ، ويوتر آل محمد بعزيز من جديد ، فينقطع العذر ويقترب النصر.
أيها المؤمنون .. يا أنصار الإمام المهدي (ص) :
إنّ المحطات التي وقفنا عليها معاً باختصار خلال رحلتنا هذه في رحاب شهر ذي الحجة الحرام ، لهي محطات إلهية وعَدَ الله سبحانه أنها الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان يوم يقف بين يديه في ساحته ، وبها يمتاز الخلق جميعاً ..
يقول السيد أحمد الحسن (ع) لمن سأله عن معيار التمايز بين الناس في الآخرة :
(( التمايز في الآخرة على أساس الإيمان والعمل الذي قدمه الانسان لآخرته .. "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى"، "وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورا"، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ". فالله لا يضيع عمل عامل للآخرة وسيجزيه بأحسن الجزاء، فقط الآية الأخيرة لو تلاحظ ما هي الأعمال الكبرى التي تبرز للإنسان في الساحة الالهية "فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ " .. يُهجّرون بسبب إيمانهم ، يُؤذون بسبب إيمانهم ، يُسجنون بسبب إيمانهم ، يُعذبون بسبب إيمانهم بخليفة الله ، هذه الابتلاءات التي ربما يتذمّر البعض منها هي أفضل الأعمال إذا كانت خالصة وحدثت للمؤمن بسبب نصرته لخليفة الله )) انتهى.
وقد اتضح لنا من خلال عرض المحطات أعلاه أنّ خلفاء الله ومن التحق بركبهم (رحمهم الله) هم أول من خاض غمار هذه الأعمال الكبرى وارتحلوا إلى ربهم الكريم متوّجين بها .
ختاماً نقول : إن عرفنا هذا وعقلناه ، وعاهدنا الله على العمل به حتى اخر نفس ، حق لنا ان نحتسب هذا اليوم عيداً رغم الحزن والألم الذي يعتصر القلوب النقية لذكره ، ولكن ما خلقنا للدنيا والراحة فيها ، وللآخرة خير وأبقى .
السلام على الحسين الذي ذبح عطشاناً ..
السلام على السائرين على نهجه ودربه من الأولين والآخرين ..
السلام على المقتولين والمعذبين والمظلومين والمسجونين من أجل نصرة خليفة الله في زمانهم.
والحمد لله رب العالمين. ... " 1436 - 2015
(هذه كانت خطبة موحدة في عام 2015، وفي الخطبة الثانية سأقرأ عليكم جزء من خطبة عيد الاضحى الموحدة لمكتب السيد أحمد الحسن في النجف الاشرف تنشرت عام 2018..)
نتوقف عند هذا القدر ونكمل في الخطبة الثانية ان شاء الله...
هذا والحمدلله رب العالمين
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس]
***
الخطبة الثانية:
1439 – 2018 " الخطبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقة محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.
[ اللّهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَبُعْدَ المَعْصِيَةِ وَصِدْقَ النِيَّةِ وَعِرْفانَ الحُرْمَةِ ، وَأَكْرِمْنا بالْهُدى وَالاسْتِقامَةِ وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنا بِالصَّوابِ وَالحِكْمَةِ ، وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ ، وَطَهِّرْ بُطُونَنا مِنَ الحَرامِ وَالشُّبْهَةِ ، وَاكْفُفْ أَيْدِيَنا عَنْ الظُّلْمِ وَالسَّرِقَةِ ، وَاغْضُضْ أَبْصارَنا عَنْ الفُجُورِ وَالخيانَةِ ، وَاسْدُدْ أَسْماعَنا عَنْ اللَّغْوِ وَالغِيْبَةِ ، وَتَفَضَّلْ عَلى عُلَمائِنا بِالزُّهْدِ وَالنَّصِيحَةِ وَعَلى المُتَعَلِّمِينَ بالجِهْدِ وَالرَّغْبَةِ وَعَلى المُسْتَمِعِينَ بِالاتِّباعِ وَالمَوْعِظَةِ ، وَعَلى مَرْضى المُسْلِمِينَ بِالشِّفاءِ وَالرَّاحَةِ ، وَعَلى مَوْتاهُمْ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَعَلى مَشايِخِنا بِالْوِقارِ وَالسَّكِينَةِ ، وَعَلى الشَّبابِ بِالاِنابَةِ وَالتَّوْبَةِ ، وَعَلى النِّساءِ بالحَياءِ وَالعِفَّةِ ، وَعَلى الاَغْنِياءِ بِالتَّواضِعِ وَالسِّعَةِ ، وَعَلى الُفَقراءِ بِالْصَبْرِ وَالقَناعَةِ وَعَلى الغُزاةِ بِالْنَصْرِ وَالغَلَبَةِ ، وَعَلى الاُسَراءِ بِالْخَلاصِ وَالرَّاحَةِ ، وَعَلى الاُمَراءِ بِالعَدْلِ وَالشَّفَقَةِ ، وَعَلى الرَّعِيَّةِ بِالإنْصافِ وَحُسْنِ السَّيرَةِ ، وَبارِكْ لِلْحُجّاجِ وَالزُّوّارِ فِي الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ ، وَاقْضِ ماأَوْجَبْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ).
نبارك لولي الله الاعظم امامنا وسيدنا ومولانا الامام المهدي مكن الله له في الارض ووصيه ورسوله الى الناس كافة مولانا الامام احمد الحسن اليماني (ع) وجميع الاخوة الانصار في مشارق الارض ومغاربها والعالم الانساني بمناسبة حلول عيد الاضحى المبارك... اعاده علينا وعلى الجميع باليمن والبركة والتمكين لقائم ال محمد (ع).
قال تعالى في كتابه العزيز (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
من الفرائض التي كتبها الله على عباده هي فريضة الحج، والكثير من الناس يجهلون حقيقة هذه الشعيرة العظيمة ويتصورون ان الحج هو مجرد الطواف حول الكعبة المشرفة ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة وغيرها !
لكن الأمر يختلف عند اهل البيت عليهم السلام الذين كشفوا النقاب عن حقيقة هذه الشعيرة وانها لم تكن مجرد طقوساً وافعالاً خارجية، بل حقيقة الحج هو الارتباط بخليفة الله (ع) في كل زمان، وقد أطلق القرآن الكريم على حج من اتى البيت وهو جاحد لخليفة الله بالمكاء والتصدية ! اي: التصفيق والتصفير !!
{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ - عليه السلام -، قَالَ: (نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ - عليه السلام -: هَكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ وَيَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}.
عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: (أنتم الصلاة في كتاب الله - عز وجل - وأنتم الزكاة وأنتم الحج؟
فقال: يا داود نحن الصلاة في كتاب الله - عز وجل -، ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله، قال الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، ونحن الآيات ونحن البينات، وعدونا في كتاب الله - عز وجل -: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير، يا داود إن الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضداداً وأعداءً، فسمانا في كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه، وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلى عباده المتقين).
وكان التفرق في الدين ظاهراً، فلكل قبيلة تلبية خاصة، تختلف عن تلبية القبيلة الاخرى، فبدل ان تكون هذه الشعيرة معلماً ترى فيه وحدتهم وتسليمهم لرب البيت الحرام؛ تشاهد التفرقة والتشتت.
ولنترك بيان حقيقة الحج لليماني أحمد الحسن (ع) قال: (الحج في الإسلام باختصار هو الحضور في وقت معين من السنة في مكان معين، وهو بيت الله المحرم أو الكعبة، فلابد لنا من معرفة صفة الوقت والمكان أولاً.
فالمكان: وهو الكعبة، إنما هو تجلي وظهور للبيت المعمور، وهو تجلي وظهور للضراح، والضراح في السماء السادسة وهي أعلى سماء ملكوتية مثالية، وبعدها السماء السابعة وهي سماء كلية لا مثالية. وإنما خلق الضراح بعد أن ردّ الملائكة على الله سبحانه وتعالى لما أخبرهم بخلق آدم (ع)، فطاف عليه الملائكة ليغفر الله لهم ويتوب عليهم بعد إساءتهم واعتراضهم عليه سبحانه وتعالى.
وتجلّى الضراح في السماوات الخمس الأدنى من السماء السادسة فكان في كل سماء بيت مناسب لشأنها، يطوف عليه ملائكة تلك السماء؛ ليغفر لهم الله سبحانه وتعالى ويتوب عليهم، فكان في السماء الرابعة البيت المعمور، وتجلى وظهر هذا البيت في الأرض فكان بيت الله الحرام أو الكعبة. فلما نزل آدم (ع) إلى الأرض طاف به فغفر له الله وأعلى مقامه وشأنه بفضله ومنه سبحانه وتعالى.
أما الوقت: فهو ذو الحجة، وأهم ما يتصف به هذا الشهر هو أنه الشهر الذي يخرج به الإمام المهدي (ع) في مكة ويرسل النفس الزكية لأهل مكة فيقتلونه بين الركن والمقام فيقوم بعد ذلك في العاشر من المحرم.
إذن، فبيت الله وضع في السماوات لتطوف به الملائكة وتستغفر بعد اعتراضهم على حجة الله آدم (ع)، ووضع في الأرض ليطوف به آدم بعد تعدّيه على شجرة علم آل محمد أو شجرة الولاية.
﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾: أي على تحمل الولاية لآل محمد، وهم حجة الله على آدم (ع)، فالطواف بالبيت إنما للاعتراف لحجة الله على الخلق بالولاية، والانصياع لأوامره وطاعته.
فعلة الحج هي الاستغفار عن التقصير في حق الحجة على الخلق (ع) في كل زمان، وهو في زماننا الإمام المهدي (ع). وقد ورد عنهم (ع) ما معناه: (إنما جعل الله الحج على الناس ليعرضوا علينا ولايتهم).
أما الغرض من الحج فهو التجمع في هذا المكان وفي هذا الزمان من كل عام ترقباً لقيام المصلح المنتظر المهدي (ع) للجهاد بين يديه، فهو صاحب الآذان في زماننا، إن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن: يأتوك أنت يا حجتي على خلقي لا يأتوني أنا، قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق﴾.
﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق﴾.
وقضاء التفث: أي التنظيف والتطهر، وهو يكون بحسب الظاهر قصّ الأظافر وحلاقة الشعر، أما بحسب اللبّ والحقيقة فالمراد منه لقاء الإمام الحجة (ع)، وحلاقة الشعر إنما تمثل التجرد من كل فكرة والتسليم للحجة (ع) والانصياع لأوامره.
وإنما سمي البيت العتيق؛ لأنّ من يطوف به يعتق من ذنب تقصيره مع الإمام المهدي - عليه السلام - الحجة على الخلق {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، فحرمات الله وشعائر الله هم حجج الله سبحانه وتعالى على الخلق) انتهى كلامه (ع).
فللحج حقيقة خلف تلك الطقوس الشريفة، وجاء الشرف والقداسة لتلك الطقوس التي تحمل تلك الحقيقة، فإذا خلت تلك الطقوس من تلك الحقيقة فستكون مكاء وتصدية كما قال سبحانه.
... " 1439- 2018
https://m.facebook.com/story.php?sto...07186909390999
1439 – 2018 " فالسلام على الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى انصار الحسين وعلى من سار على مبدأ الحسين في كل زمان.
قال الحسين (ع) في دعاءه يوم عرفة: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ وَلا تَخْفى عَلَيْهِ الطَلائِعِ وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ جازي كُلِّ صانِعٍ وَرايِشُ كُلِّ قانِعٍ وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ مُنْزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ وَللْكُرُباتِ دافِعٌ وَلِلْدَّرَجاتِ رافِعٌ وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ؛ فَلا إِلهَ غَيْرُهُ وَلا شَيْء يَعْدِلُهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ،...).
يقول الراوي: (ثم رفع (ع) طرفه إلى السماء ودموعه تجري على خديه ورفع صوته عاليا: يا أسمع السامعين ، يا أبصر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد السادة الميامين، وأسئلك اللهم حاجتي التي إن أعطيتناها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسئلك فكاك رقبتي من النار، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت على كل شئ قدير، يا رب يا رب.
ولم يزل يقول " يا رب " حتى ضج الجميع بالبكاء على بكائه).
هذا، والحمد لله رب العالمين، ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3)).
وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. " 1439 - 2018
https://m.facebook.com/story.php?sto...07186909390999