(عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

[منى محمد]

---

الفصل الأول
عالم الذر حقيقة ثابتة في الثقلين

وفيه مبحثان :

• المبحث الأول: الاستدلال بالآيات القرآنية.
• المبحث الثاني: الاستدلال بالروايات

إن الكلام عن عالم الذر من الأمور العقائدية والطريق الحق الذي نسلكه في إثباته هو اتباع الثقلين الكتاب الكريم والعترة ففيهما تبيان لكل شيء وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بتولي الله والرسول وآله ، إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ، وأوصانا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) باتباع الثقلين، فقد تواتر نقل حديث الثقلين عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). (٢)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
١. المائدة: ۵۵-۵۹.

٢. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق. تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري. المطبعة والناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة. سنة الطبع: محرم الحرام 1405ه، ص64.
الغدير، الشيخ الأميني. الطبعة: الرابعة، المطبعة والناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. سنة الطبع: ۱۹۷۷ م. ج ۱ ص ۱۷۹.
مسند أحمد؛ أحمد بن حنبل. المطبعة والناشر: دار صادر - بيروت - لبنان. ج ۳ ص14.
المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري. طبعة مزيدة بفهرس الأحاديث الشريفة. بإشراف د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي. دار المعرفة. بيروت - لبنان. ج ۳ ص ۱۶۸.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

ولعل من المعلوم أن عالم الذر لا سبيل إلى إثباته عقلية أو تجريبية، والسبيل الوحيد لإثباته هو النصوص الواردة في القرآن الكريم، وأحاديث الطاهرين (عليهم السلام) بوصفهم الناطقين عن الله سبحانه، لذلك سينتظم الفصل في مبحثين هما:

الأول: الاستدلال بالآيات القرآنية.
الثاني: الاستدلال بالروايات.

المبحث الأول: الاستدلال بالآيات القرآنية

يعد عالم الذر من الأمور العقائدية، التي لا تثبت إلا بنص قرآني قطعي الدلالة، أو روائي قطعي الصدور والدلالة، ولذا سيستند البحث في استدلاله إلى النصوص القرآنية المحكمة، والروايات الصادرة عن الطاهرين (عليهم السلام).
وفي هذا المبحث سنتعرض للآيات القرآنية التي تكلمت عن عالم الذر مستدلين بها ليثبت المطلوب. هذا من جهة. ومن جهة أخرى: لا نكتفي بذكر الآية فقط، بل نعضدها بالروايات التي تحكمها وتفسرها وتبين المراد منها.

واعتمادنا الاستدلال بهذه الطريقة خوفا من الوقوع في محذور تفسير القرآن بالرأي، وهو منهي عنه. وكي لا يعترض علينا بأن الآيات التي نستدل بها متشابهة وان القرآن حمال وجوه فلا ندري أي وجه عنت الآية.
كما أن القرآن يعرفه من خوطب به وهم أهل البيت (عليهم السلام) حيث لا يفترق عنهم فهم الأعلم بتفسيره وتأويله ومحكمه ومتشابهه.
والنصوص القرآنية الدالة على إثبات عالم الذر كثيرة منها ما ذكر فيها عالم الذر صراحة ومنها ما ذكر فيها موقف حصل في الذر ومنها ما أشارت إليه. وسنوردها على شكل أدلة فنذكر بعضا منها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الأول: آية الامتحان وأخذ العهد والميثاق من بني آدم.

قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ.(١) وتعد هذه الآية من الآيات الصريحة في إثبات عالم الذر وقد استدل بها كل من اثبت وجود عالم الذر"، وناقش فيها كل من شكك فيه أو انكره ، فعليها مدار بحثهم عن عالم الذر.
وهي بظاهرها تؤكد خلق بني آدم في عالم غير عالم الدنيا، عالم خلقت فيه الأنفس قبل الأبدان وجرى عليها الامتحان وأخذ الشهادة على من جرى عليهم الامتحان وتم حفظها عند صاحب العهد والميثاق.فهذه الآية تدل على إثبات وجود عالم الذر من عدة جهات:
الجهة الأولى: اخذ الذرية من ظهور بني آدم، والأخذ من بني آدم يعني الأخذ من آدم (عليه السلام) لأنه من نفسه خلقت انفس ذريته ، كما أن الروايات المفسرة للأية الكريمة تبين أن الأخذ كان من آدم. يعني أن الآية تتكلم عن بداية خلق آدم وذريته فالذرية خلقت من نفس آدم ونفس آدم خلقت من الطين المرفوع وبث الروح فيه.

الجهة الثانية: انه عالم انفس وليس المراد به عالم الأجسام المادي لقوله تعالى: "وأشهدهم على أنفسهم" والآية واضحة أنه كان عالم أنفس .

الجهة الثالثة: وجود امتحان للأنفس في عالمها وهذا الامتحان تلخص بسؤال واحد: "ألست بربكم" وكان الجواب بنحو مجمل "قالوا بلى" .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
١. الأعراف: ۱۷۲.
۲. ينظر: الميزان في تفسير القران السيد الطباطبائي: ج ۸ ص ۳۱۸. سعد السعود السيد ابن طاووس .ص ۲۰۱. الأمثل فيتفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مکارم الشيرازي: ج۳ ص۱۳۰.
۳. ينظر: تصحيح اعتقادات الامامية؛ الشيخ المفيد: ص ۸۳. المسائل المرورية .ص 47. الامالي، السيد المرتضى: ج ۱ ص ۲۰.مجمع البيان؛ الطبرسي: ج 4 ص ۳۸۹. مفاتيح الغيب؛ فخر الدين الرازي: ج ۱۵ ص۳۹۸ | 4.
ينظر: عقائد الإسلام السيد احمد الحسن: ص ۲۹۹.
۵. ينظر: المصدر نفسه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

فأشهدهم على انفسهم وقطع عليهم العذر "أن تقولوا يوم القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ.". فالاعتذار يوم الحساب بالغفلة عن الامتحان والشهادة والإقرار بالربوية مرفوض.

الجهة الرابعة: شهادة الله عليهم وملائكته وخلفائه كما ورد في الروايات وحفظ هذه الشهادة عند الحجر الذي استودع الله عنده مواثيق العباد، والحجر الأسود الموجود في ركن الكعبة المشرفة يرمز له.
هذه دلالة الأية باختصار وسيأتي تفصيل الحديث عنها في مستقبل البحث.

قد تواترت الروايات من طرق الفريقين التي تبين دلالة الأية على عالم الذر وكيفية إخراج ذرية آدم ووقوع الامتحان فيه وحفظ مواثيق العباد، نذكر منها:

(.. عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا أجاجة، فامتزج الماءان، فأخذ طينا من أديم الأرض فعرکه عركا شديدا، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي، ثم قال: "ألست بربکم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين" ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربکم وأن هذا محمد رسولي، وأن هذا علي أمير المؤمنين ؟ قالوا: بلى فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي..) .

(..عن أبي عبد الله (عليه السلام) قوله تعالى: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى" إلى آخر الآية قال: أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه قال: ألست بربکم؟ قالوا: بلى. قال: فان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبدي ورسولي وان عليا أمير المؤمنين خليفتي وأميني) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
١. الكافي، الشيخ الكليني: ج۲ ص۸.
۲. تفسير فرات الكوفي ، فرات بن إبراهيم الكوفي. تحقيق: محمد الكاظم. الطبعة: الأولى سنة الطبع: ۱۶۱۰
۱۹۹۰۰ م.
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران. ص ۱۶۹.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

(..عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ." قال: اخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا وهم كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه ولولا ذلك ما عرف أحد ربه وذلك قوله تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقول الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون") (۱).

( عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ" قال ثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه يوما ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه) .

(..... عين الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام لم جُعل استلام الحجر فقال إن الله عز وجل حيث أخذ ميثاق بني آدم دعا الحجر من الجنة فأمره فالتقم الميثاق وهو يشهد لمن وافاه بالموافاة (٢)

.. عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى لما أخذ مواثيق العباد أمر الحجر فالتقمها ولذلك قال ( أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة.)

(..... عن ابن عباس في قوله "وإذ أخذ ربك من بني آدم ..." الآية. قال: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه، وكتب أجله ورزقه ومصيبته، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم) .(۵)

(.. عن ابن عباس في قوله "وإذ أخذ ربك من بني آدم" الآية. قال : لما خلق الله آدم أخذ ذريته من ظهره کهيئة الذر، ثم سماهم بأسمائهم فقال: هذا فلان بن فلان يعمل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
.. الفصول المهمة في أصول الأئمة الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي. تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين
القائيني، الناشر: المؤسسة معارف اسلامي إمام رضا (ع) ۱۶۱۸ ه. جا ص۲۳.
۲. علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ج۱ ص ۱۱۷. باب علة المعرفة والجحود
٣.الكافي، الكليني: ج4 ص ۱۸۶. | ٤.
المصدر نفسه.
(۵) الدر المنثور في التأويل بالمأثور، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي. طبعة دار الفكر - بيروت. موقع التفاسير. ج ۳ ص ۵۹۸.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

كذا وكذا، وهذا فلان بن فلان يعمل كذا وكذا، ثم أخذ بيده قبضتين فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار) (١).

والروايات الواردة في تفسير هذه الآية كثيرة جدا فاقت حد التواتر لا يمكن معها إنكار وجود عالم ذر حقيقي. وبالتالي من خلال دلالة هذه الآية الكريمة والروايات المفسرة لها يثبت وجود الامتحان في عالم الذر، وثبوت الامتحان فيه هو فرع إثبات وجود عالم الذر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

1. المصدر نفسه: ج ۳ ص ـ۵۹۸.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الثاني: الآيات التي ذكرت بداية خلق الإنسان من الطين.

عند مطالعة الآيات القرآنية والتأمل فيها نجد أنها بينت أن خلق الإنسان بدأ من الطين، قال تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٢) . وقال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ۖ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٣). فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ(٤). هكذا كانت بداية خلق الإنسان من الطين، ثم نفخ الله فيه من روحه ، وبعد نفخ الله فيه من روحه امر الملائكة بالسجود له، قال تعالى:
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. (٥). فهذه الآيات وغيرها واضحة الدلالة في أن بداية خلق الإنسان كان من طين.

وأول إنسان خلق الله نفسه في عالم الذرهو أبونا آدم (عليه السلام) وامر الملائكة بالسجود له وبين لهم بانه خلق آدم أول خليفة الله كان بشرا من الطين وأمرهم بالسجود له. وحينما تخلف إبليس عن السجود لآدم كان يحتج بانه خير منه لأنه مخلوق من النار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
٢. السجدة: ٧.
٣ .الأنعام: ۲.
٤. الصافات: ۱۱.
٥. ص: ۷۱ - ۷۲.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وآدم من الطين، قال تعالى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(1)
إذن كانت بداية خلق الإنسان من طين. وهذا ما عبرت عنه بعض الروايات بالطينة المرفوعة إلى السماء الأولى التي تمثل جميع ما في الأرض من ماء وتراب، فعرکہا الخالق عركاً ثم نفخ فيها من روحه فتكونت نفس آدم (عليه السلام) وهذا ما أوضحته أخبار الطينة التي تعرضت للخلق في عالم الذر. نذكر منها:

.. (.. عن زرارة عن أبي جفر عليه السلام قال لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان إن الله عز وجل قبل أن يخلق الخلق قال كن ماء عذبة أخلق بك جنتي وأهل طاعتي وكن ملحاً أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثم أخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديدا فإذا هم كالذريدبُّون ...) (٢).

۲. (. عن زرارة أن رجلا سأل أبا جعفر عليه السلام عن قوله عز وجل وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ... الآية. فقال وأبوه يسمع: حدثني أبي أن الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم عليه السلام" فصب عليها الماء العذب الفرات وتركها أربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الأجاج فتركها أربعين صباحا فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله...) (۳).

٣. (. أتى أمير المؤمنين يهودي فقال: لم سمي آدم أدم، وحواء حواء ؟ قال: إنما سمي آدم آدم لأنه خلق من أديم الأرض ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل عليه السلام وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات: طينة بيضاء وطينة حمراء، طينة غبراء، وطينة سوداء، وذلك من سهلها وحزنها، ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه: ماء عذب ، وماء ملح، وماء مر، وماء منتن، ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين، وأدمه الله بيده فلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. الأعراف: ۱۲.
٢. الكافي للكليني: ج۲ ص ۷.
٣. مختصر بصائر الدرجات الحسن بن سليمان الحالي. الطبعة: الأولى سنة الطبع: ۱۳۷۰ - ۱۹۵۰ م. الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف. ص ۱۵۱.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يفضل شيء من الطين يحتاج إلى الماء، ولا من الماء شيء يحتاج إلى الطين، فجعل الماء العذب في حلقه، وجعل الماء المالح في عينيه، وجعل الماء المُر في أذنيه، وجعل الماء المنتن في أنفه، وإنما سميت حواء حواء لأنها خلقت من الحيوان)

4. (. علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله عز وجل لما أراد أن يخلق آدم ع أرسل الماء على الطين ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقّها فرقتين بيده ثم ذرأهم فإذا هم يدبُّون ..) (٢) .

والأحاديث التي ذكرت بدأ خلق الإنسان من الطينة المرفوعة إلى السماء الأولى فاقت حد التواتر فيمكن القطع بصدور بعضها على الأقل إن لم نقل اغلبها.

وقال السيد احمد الحسن (عليه السلام) في بيان الخلق من الطين المرفوع: (رفعت طينة آدم من الأرض إلى السماء الأولى ) (عالم الذر)، ثم بث روح الإيمان فيها فتكونت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
۱. علل الشرائع الشيخ الصدوق. منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف. ۱۳۸۵ ه - ۱۹۹۹ م. ج ۱ ص ۱۲.
٢. الكافي للكليني: ج۲ ص ۷.
٣. في بيان معنى الرفع قال السيد احمد الحسن: (الرفع: هو العودة خطوة أو أكثر باتجاه المبدأ أو المصدر، وهذا يعني لو صورنا الإنسان - وكذلك بقية الخلق أيضأ - على أنه تجلي اللاهوت في العدم القابل للوجود، فسيكون لدينا مرتبة معينة كلما ابتعدنا (معرفية) عن مصدر التجلي، وستكون هذه المرتبة المعينة أقل نوراً وأكثر ظلمة (العدم الذي يتخللها). ولنفرض أن عالم المادة الذي فيه أجسامنا مكون من نسبة نور قدرها ۱۰% ونسبة ظلمة (عدم) قدرها ۹۰% وأن كل خطوة يتقدمها النور باتجاه الظلمة المطلقة (العدم المطلق - انعدام المعرفة والإدراك) تمثل رقماً واحداً صحيحاً، فيكون الرفع خطوة واحدة لجسم مادي "كطينة آدم (عليه السلام) هو عبارة عن نقله إلى العالم الموازي الذي نسبة النور فيه % ۱۱ ونسبة الظلمة (العدم) فيه ۸۹% أي العالم الذي سبقه. والعوالم لابد أن تقسم تقسيماً مثالياً؛ لأن موجدها مطلق فلابد أن تكون أقرب ما يمكن للمطلق؛ لأنها تمثل الصادر الأول منه (محمد = كل العوالم). وهذا يعني رياضياً التقريب الفهم) أن شريحة التقسيم هي أصغر ما يمكن تخيله يعني يمكنك أن تتخيل أنه يوجد رقم هو أقرب رقم للصفر، ولكن لا يمكنك معرفة هذا الرقم العشري، فمثلا لو قلت إنه ( ۰
. ۰۰۰۱) فإن ( ۰ . ۰۰۰۰۱) أصغر منه وهكذا سيستمر الأمر إلى رقم يمكن الجزم بأنه موجود ومعرفة بعض صفاته ولكن لا يمكن معرفته أبداً، وهذا الرقم لو وضعته في مقام أي قسمة فسيكون ناتج القسمة هو أقرب ما يكون إلى ما لا نهاية له؛ لأن المقام في القسمة هو أقرب ما يمكن للصفر، وهذا يعني أننا لو قدر لنا أن نرى شخصا يرفع أمام أعيننا فيمكن أن نراه يختفي تدريجية أي نرى جسمأ ثم شبحأ ثم يختفي، وهو في الحقيقة لم يختف أبدأ بل كل ما هناك انتقل إلى عالم موازي لعالمنا وأرقي منه مرتبة باتجاه النور، أو يمكن أن نقول: إنه عاد باتجاه المبدأ أو المصدر خطوة أو خطوات بحسب حالة الرفع لذلك الجسم المادي، وفي كل الأحوال فإن مجموع النور والظلمة أو الوجود وعدم الوجود خارج مصدر النور أو الوجود يساوي صفراً أي لا يوجد شيء على نحو حقيقي خارج
المصدر
مثال: لنتصور مصدراً للضوء، والضوء يتحرك منه باتجاه معين، وكلما تقدم الضوء خطوة للأمام تكثف بعضه مكونة غشاءً مادياً ويرشح من هذا الغشاء بعض الضوء، وهكذا أصبح أمام مصدر الضوء عددا من الأغشية التي كوّنها الضوء نفسه، ويرشح منها بعض الضوء، وعدد الأغشية هو أقرب ما يمكن إلى ما لا نهاية له، وبين الأغشية فراغ مليء بجسيمات

مضادة (عدم المادة) يساوي مجموع مادة الأغشية وطاقة الضوء، أي أن مجموع المادة والطاقة خارج مصدر الضوء يساوي صفراً أي يمكننا أن نقول: إنه لا يوجد شيء على نحو الحقيقة خارج مصدر الضوء.) عقائد الإسلام: ص ۲۹۳.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النفس الإنسانية الأولى، ثم بثت روح القدس فيه وأمر الملائكة بالسجود له، وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. (١) وهكذا تكونت النفس الإنسانية الأولى من طينة آدم المرفوعة والروح التي بثت فيها)(٢).

فبداية خلق الإنسان الآدمي كانت من الطينة المرفوعة إلى السماء الأولى وبثت فيها الروح فتكونت نفس آدم في سماء الأنفس وفي عالم الذر.
وهذا يعني أن عالم الذر موجود وثابت فان إثبات رفع الطينة إليه وخلق النفس الإنسانية فيه فرع إثبات عالم الذر الذي وقع فيه الرفع والخلق. وبهذا يثبت المطلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. الحجر: ۲۹.
۲. عقائد الإسلام السيد احمد الحسن: ص۲۹۶ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الثالث: الآيات التي ذكرت خلق نفس آدم وزوجته وبنيه.

قال تعالى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(٣).

وقال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (٤) .

الآيات واضحة الدلالة وصريحة في أن الخلق خلق انفس وليس مرادها خلق الجسم المادي، وحينما يرد خلق الأنفس يعني أن الكلام عن عالم الأنفس الذي في السماء الأولى وهو عالم الذر.

حيث خلق الله فيه نفس آدم (عليه السلام) من الطين المرفوع إلى السماء الأولى وبث فيه الروح فتكونت نفس آدم من تركيب طينة ونفخ الروح فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٣. النساء: ۱
٤. الزمر: ٦.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد بين السيد أحمد الحسن (عليه السلام) كيفية وسبب خلق الأنفس الإنسانية في عالم الذر بقوله: (الله سبحانه وتعالى بدأ خلق آدم في السماء الأولى (سماء الأنفس)، ولكن لكي يكون آدم وذريته مؤهلين للنزول إلى الأرض والاتصال بالأجساد، فلابد من رفع الطينة للسماء الأولى وخلق نفس آدم (عليه السلام) وبقية الناس منها، فهذا أمر ضروري: حيث إن الروح بثت في هذه الطينة المرفوعة وأصبحت هذه الطينة المرفوعة هي آلة اتصال الروح بالجسد، فالروح لا يمكن أن تمس الجسد لأنهما في - ومن - عالمين مختلفين وبينهما عوالم، فكان لابد من وجود آلة لها وجود في كل مراتب التدرج والعوالم بين السماء الجسمانية والسماء الأولى وعندما يرفع الجسم يكون له هذه المراتب فله أن يتحرك ضمن حدودها. وهكذا، فالطينة التي رفعت (وهي تمثل كل ما في الأرض) أصبح لها هذا المجال في الحركة بين عالمي الأجسام والأرواح، أو لنقل: بين عالم الأجسام عند بداية السماء الأولى وصولا للتماس بالسماء الثانية، أو لنقل: عالم الأرواح عند بداية السماء الثانية (سماء الروح، والجنة الملكوتية).

أيضا: كانت بداية خلق آدم من طين الأرض ومائها: لتحمل نفسه التي ستخلق في السماء الأولى ما في الأرض من قوة وشهوة تؤهله للتكاثر وللعيش في كل بقعة على الأرض وتؤهله ليهيمن على الأرض، فأخذت الملائكة بأمر من الله سبحانه شيئا من تراب وماء الأرض ورفع إلى السماء الأولى وصب منه جسم آدم اللطيف في السماء الأولى ووضع في الجنة الدنيوية، أي في نهاية السماء الأولى أي في باب السماء الملكوتية (السماء الثانية)، وهي أولى الجنان الملكوتية تمر عليه الملائكة) (١).

ثم من نفس آدم خلق الله نفس حواء. فالنفس الواحدة التي خلق منها زوجها هي نفس آدم (عليه السلام). (ومن ثم إن الله سبحانه وتعالى خلق نفس حواء (عليها السلام) من نفس آدم (عليه السلام)، قال تعالى: : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
۱. عقائد الإسلام السيد احمد الحسن: ص۲۹۹.
٢. المصدر نفسه ص۲۹۸.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد وردت عدة روايات تبين أن حواء خلقت من آدم وهذه الروايات أن ورد فيها تصريح على خلق النفس من النفس فهو المطلوب، وان ورد فيها أن حواء خلقت من آدم، فلابد أن يكون فهمنا لها على أن المراد بها أن نفس حواء خلقت من نفس آدم. وفقا للدلالة المأخوذة من الآيات القرآنية فتكون الروايات موافقة المنطوق الآيات. ومن تلك الروايات التي لابد من حملها على أن المراد خلق النفس لا الجسم .

(.. عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «إن الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حواء من آدم) .(١).

(.. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سميت حواء حواء لأنها خلقت من حي، قال الله عز وجل ( خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) (٢).

فالإمام الصادق (عليه السلام) هنا يستدل بالآية الكريمة التي تقدم بيان المراد منها وهو خلق الأنفس وان نفس حواء خلقت من نفس آدم ، كما وان قوله (عليه السلام) "سميت حواء حواء لأنها خلقت من حي" يتبين منه أن مراده (عليه السلام) أن حواء خلقت بعد أن بث الله الحياة في أدم ومن المعلوم كما تقدم بيانه انه بعد رفع الطينة وبث الروح فيها تكونت النفس الإنسانية لآدم ودبت فيها الحياة، فحواء خلقت بعد حياة آدم يعني من نفس آدم . وبذلك تكون دلالة الرواية واضحة على المطلوب.

وبذلك يتضح انه من نفس آدم خلقت نفس حواء في عالم الذر.

ومن نفسيهما (آدم وحواء) خلق الله انفس ذريتهما (ومن ثم أخرج ذريتهما وامتحنهم جميعاً الامتحان الأول في عالم الذر (عالم الأنفس)، وكان الامتحان بسؤال واحد: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. قصص الأنبياء؛ قطب الدين الرواندي. تحقيق: غلام رضا عرفانيان اليزدي. الناشر: مجمع البحوث الإسلامية. الطبعة:
الأولى: ص ۲.
۲. علل الشرائع . الصدوق: ج ۱ ص ۱۹.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي أنه كان عالم أنفس، فالمتقدم في الامتحان والفائز في السباق هو من يرى ويسمع أولا ويجيب أولا) (١).

ولم تذكر النصوص الدينية أن اخذ انفس الذرية كان بنحو التناكح والتناسل كما في عالم الدنيا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚفعالم الأنفس نشأة مختلفة عن نشأة الدنيا.

وخلق انفس آدم وحواء وذريتهما بهذه الصورة كان في عالم الأنفس وهو عالم الذر الذي وقع فيه امتحان الأنفس بعد خلقها. فيثبت بذلك أن عالم الذر الذي هو عالم الأنفس ثابت وموجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ .عقائد الإسلام . السيد احمد الحسن، ص۲۹۸.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الرابع: إن جنة أدم في عالم الأنفس.

إن الجنة التي عاش فيها آدم كانت في السماء الأولى وهي عالم الأنفس (عالم الذر).

قال تعالى:وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(٢).

وقال تعالى: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣).

إن الكلام عن جنة آدم ليس عن عالم الآخرة ليكون المراد جنة الخلد التي وعدها الله لعباده المؤمنين. وأيضا الكلام ليس عن عالم الدنيا ليكون المراد أنها بستان من بساتينها.

بل كلامنا عن عالم الذر وعالم الأنفس الذي يقع في السماء الأولى، فلا تكون جنة آدم من جنان الأخرة ولا من بساتين الأرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢. البقرة: ۳۵.
٣. الأعراف: ۱۹.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن التعبير في بعض الروايات (١) بأنها جنة دنيوية هل يعني أنها في عالم الأجسام وفي هذه الدنيا وعلى هذه الأرض المادية ؟
کلا، لا يعني ذلك إطلاقا، لان السماء الدنيا تتكون من جزئين أو مرتبتين (٢):

المرتبة الأولى: السماء الجسمانية وهي هذه السماء المادية الجسمانية التي فيها الأجسام والأجرام والأرض التي نعيش فيها.

المرتبة الثانية: السماء الأولى وهي سماء الأنفس، وفيها خلقت أنفس آدم وحواء وذريتهما، وهي نفسها سماء عالم الذر.

وهنا يراد منها المرتبة الثانية أي عالم الأنفس والسماء الأولى وفيها جنة آدم .

فجنة آدم ورد التعبير عنها بأنها جنة من جنان الدنيا لأنها موجودة في أحد جزئي السماء الدنيا أو مرتبتها ويراد منها عالم الأنفس المحل الذي خلق وعاش فيه آدم قبل هبوطه إلى الأرض، وأنها جنة حقيقية كما وصفها الله في كتابه وليست من جنان الخلد ولا من جنان الأرض، وتقع في السماء الأولى وعالم الأنفس وهو عالم الذر الذي خلق فيه نفس آدم وحواء وذريتهما.

وعاش آدم وحواء في تلك الجنة وأباح الله لهما الأكل من كل ما فيها باستثناء شجرة نهيا عن الأكل منها، قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(٣).

وقال تعالى: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ *
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ*وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ *فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ .(١).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
١ .علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن ميسر قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جنة أدم (عليه السلام) فقال: جنة من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا. الكافي . الكليني: ج ۳ ص ۲۶۷.
۲. ينظر عقائد الإسلام . السيد احمد الحسن: حاشية ص ۲۷۲.
٣. البقرة: ۳۵
١. طه: ١١٧ـ ١٢١.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
فالآيات واضحة أن آدم (عليه السلام) لم يكن أرضية، ولم يخلق في الأرض ابتداء بل في الجنة في السماء الأولى، وهي غير جنة الخلد " فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ "، وهذه الجنة ليست كالأرض التي يمكن أن يجوع فيها الإنسان ويعري ويعطش ويضحي وتؤذيه الشمس والظروف الجوية إذا لم يعمل ويجمع الثمار أو يزرع ويصيد أو يربي الحيوانات ويتخذ احتياطاته لدفع الضرر، إذن هي شيء آخر غير أرضي)(٢).

ثم بعد أن أكلا من الشجرة أخرجهما الله من الجنة وأهبطهما إلى الأرض الجسمانية (۳).
إذن، جنة آدم موجودة في عالم الأنفس وهو عالم الذر فيثبت أن عالم الذرموجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
۲. عقائد الإسلام السيد احمد الحسن: ص. ۲۷. ٣. سيأتي تفصيل الكلام عن جنة ادم في الفصل الثاني من هذا البحث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الخامس: سجود الملائكة لآدم (عليه السلام) كان في عالم الذر.

قال تعالى: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ *(٤)

إن الأمر الإلهي بسجود الملائكة لآدم كان بعد نفخ الروح فيه وقد تقدم إثبات أن آدم خلق في السماء الأولى من الطين المرفوع وبثت فيه الروح فتكونت في عالم الأنفس في السماء الأولى وبعد تكوين النفس الإنسانية لآدم سجدت الملائكة له، وكان هذا قبل هبوطه إلى الأرض.

فهذه الآية تدل على أن سجود الملائكة لآدم كان في السماء وليس في الأرض، كان في عالم الأنفس وليس في عالم الأجسام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٤. ص: ۷۱-۷۲
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * (١).

إن امتحان الملائكة في السجود لآدم وإلقاء الحجة عليهم وتعليم آدم إياهم، لم يكن في عالم الدنيا بل كان في العالم الذي خلقت فيه نفس آدم وهو عالم الذر، وبعد توبتهم اخذ عليهم العهد والميثاق في ذلك العالم .

وأضف لما تقدم أن سجود الملائكة لآدم كان قبل هبوطه من الجنة إلى الأرض، وهذا يعني أن السجود له كان وهو في عالم الذر. وبهذا يثبت المطلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- سورة البقرة: ۲۹ - ۳۳.
۲. ينظر عقائد الإسلام . السيد احمد الحسن: ص۲۹.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل السادس: إن عالم الذر هو النشأة الأولى.

قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ(۳).

أي كانت نشأة سابقة على نشأتكم في الدنيا ولكنكم لا تتذكرون بسبب غفلتكم وانغماسكم بالدنيا وانشغالكم بتدبير البدن، فكان هذا سبباً في نسيان نشأتكم السابقة في عالم الذر.

في بيان دلالة الأية على أن المراد بالنشأة الأولى عالم الذرقال السيد احمد الحسن (عليه السلام): (النشأة الأولى: هي عالم الذر، وفيها الامتحان الأول، وقد أحاط بها بنو آدم علما، ولكنهم لما جاءوا إلى هذا العالم حجبتهم الكثافة الجسمانية، ثم شهواتهم ومعاصيهم وغفلتهم عن ذكر الله، والأولياء من الأنبياء والرسل والحجج يتذكرون هذه النشأة ويعرفون أولياءهم فيها، وكل من كانت فطرته نقية يتذكر هذا العالم السابق، ويعلم حاله فيه، ولكن عامة الناس ( نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ )ۚ، فبسبب غفلتهم عن الله واهتمامهم بالعالم الجسماني وانغماسهم في الشهوات لا يتذكرون شيئا عن أنفسهم والعالم السابق الذي عاشوا فيه وحالهم فيه .(١).

وكون عالم الذر نشأة أولى لا يعني انه أول العوالم فهو مسبوق بعوالم النور التي هي أعلى رتبة منه.

وإنما المراد النشأة الأولى والخلق الأول للنفس الإنسانية وامتحانها الأول وأول عوالم الظلمة وقوس النزول. وهو العالم المنسي عند اكثر بني ادم.

وبذلك يتضح بأن النشأة الأولى هي نشأة عالم الذر وهو المطلوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
. ٣. الواقعة: ۱۲.
.١. المتشابهات؛ السيد احمد الحسن: ج۳ ص ۱۷۹.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل السابع: قوله تعالى: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ(٢).

قد جاء في تفسيرها عن آل محمد (عليهم السلام) بأن المراد بالميثاق في الآية هو الميثاق المأخوذ على العباد في عالم الذر بولاية محمد وآل محمد.

(.. عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: .. ونزلت هذه الآية في آل محمد، وما عاهدهم عليه، وما أخذ عليهم من الميثاق في الذر من ولاية أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) بعده، وهو قوله: " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ " الآية، ثم ذكر أعداءهم، فقال: " وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ " يعني في أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو الذي أخذ الله عليهم في الذر، وأخذ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم ثم قال: " أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ " (٣).
وبهذا يتضح دلالة الآية على وجود عالم الذر وهو المطلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
. ٢. الرعد: ٢٠
٣. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم الحسيني البحراني. تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة - قم. ج ۳
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الثامن: قوله تعالى: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٤).

والذي كذبوا به من قبل هو الولاية حينما امتحنهم الله بها في عالم الذر، وكذلك كذبوا بها في عالم الدنيا. فالتكذيب القبلي بها كان في الامتحان الأول حين اخذ العهد والميثاق على العباد.

( في تفسير علي بن إبراهيم قال: لا يؤمنون في الدنيا بما كذبوا في الذر. وهو رد على من أنكر الميثاق في الذّر الأول. ثم قال حدثني أبي عن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ ... الآية قلت معناه كان هذا ثم ثبت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه فمنهم من أقر بلسانه في عالم الذر ولم يؤمن في قلبه فقال الله تعالى: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ )(١).

فتكون الآية دالة على وجود عالم الذر.
ــــــــــــ
٤.يونس ٧٤.
١ .تفسير القمي؛ علي بن إبراهيم القمي. تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري. الطبعة: الثالثة. سنة
الطبع: صفر1404. الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - ایران. ج ۲ ص ۳۷۲.
ــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل التاسع: قوله تعالى: هَٰذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَىٰ (٢).

هذه الآية تدل على وجود منذرين في مرحلة متقدمة على عالم الدنيا عبّر عنها بالأولى أي النشأة الأولى، كان فيها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من النذر الأولى، ولا يمكن تفسير الآية بعالم الدنيا لان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) آخر الأنبياء المنذرین فيها، والآية قالت الأولى. فمحمد من النذر الأولى في النشأة الأولى وفي عالم الذر، أما في عالم الدنيا فكان النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله).

(.. عن علي بن أسباط بن علي بن معمر عن أبيه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام عن قول تعالى: " هَٰذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَىٰ " قال: (إن الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذر الأول فأقامهم صفوفا وبعث الله محمدا فآمن به قوم و أنكره قوم فقال الله: " هَٰذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى "، يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حيث دعاهم إلى الله عزو جل في الذر الأول)(٣).
وبهذا يتضح دلالة الآية على وجود عالم الذر.
___________________________
٢. النجم: ٥٦.
٣. البرهان في تفسير القران: ج۵ ص۲۱۰.
ـــــــــــــــــــــــــــــــيتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل العاشر: قوله تعالى: " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(١).

فقد علم الله إيمانهم وكفرهم في عالم الذر حين امتحنهم واخذ عليهم الميثاق، فمن أن خلقهم من نفس واحدة علم حالهم.

(..عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: سألت الصادق عن قوله: " فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ۚ"، فقال: عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم اخذ عليهم الميثاق وهم في عالم الذروفي صلب آدم) .

فتكون الآية دالة على عالم الذر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. التغابن: ۲.
٢. تفسير القمي: ج۲ ص ٣٧١---------------------- يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الحادي عشر: اخذ الميثاق من الأنبياء ومن أولي العزم منهم.

قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (٣).

فإن الله سبحانه اخذ في عالم الذر میثاق أولي العزم من الأنبياء على ولاية محمد وعلي أمير المؤمنين والأئمة من ولده وكذا أخذ منهم الميثاق بالإيمان بالمهدي وبه ثبت العزم للأنبياء أولي العزم. وهذه الحقيقة مروية عن أهل البيت (عليهم السلام):

١.. (.. عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا وماء مالحا أجاجة، فامتزج الماءان، فأخذ طينا من أديم الأرض فعرکه عركا شديدا، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذّريدبّون إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي، ثم قال: "ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين" ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربکم وأن هذا محمد رسولي، وأن هذا علي أمير المؤمنين ؟ قالوا: بلى فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي (عليهم السلام) وأن المهدي أنتصر به لديني واظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا: أقْرَرْنا يا رب وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عز وجل: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(١).

٢(.. عن ابن سنان، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام): أول من سبق إلى الميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنه كان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما أسري به إلى السماء: تقدم - يا محمد - فقد وطئت موطئاً لم يطأه ملك مقرب، ولا نبي مُرسل ، ولولا أن روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، فكان من الله عز وجل كما قال الله تعالى: ( قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ) أي بل أدنى، فلما خرج الأمر، وقع من الله إلى أوليائه (عليهم السلام) فقال الصادق (عليه السلام): كان الميثاق مأخوذا عليهم الله بالربوبية، ولرسوله بالنبوة، ولأمير المؤمنين والأئمة بالإمامة، فقال: ألست بربکم، ومحمد نبيكم، وعلي إمامكم، والأئمة الهادون أئمتكم؟ فقالوا: بلى، شهدنا. فقال الله تعالى: أن تقولوا يوم القيامة - أي لئلا تقولوا يوم القيامة - إنا كنا عن هذا غافلين. فأول ما أخذ الله عز وجل الميثاق على الأنبياء له بالربوبية، وهو قوله: ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) فذكر جملة الأنبياء، ثم أبرز عز وجل أفضلهم بالأسامي، فقال: (وَمِنْكَ) یا محمد، فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه أفضلهم (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضلهم، ثم أخذ بعد ذلك میثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الأنبياء بالإيمان به، وعلى أن ينصروا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ ) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّه يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، تخبروا أممكم بخبره، وخبر وليه من الأئمة (عليهم السلام)(٢) .

فتكون الآية المباركة من الآيات الدالة على وجود عالم الذر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
٣. الأحزاب: ۷.
١. الكافي. الشيخ الكليني: ج ۲ ص ۸.
٢. البرهان في تفسير القران . السيد هاشم البحراني: ج4 ص 419.
ـــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الثاني عشر: اخذ الميثاق من الأنبياء في الذر
بنصرة رسول الله وأمير المؤمنين.

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (١).

هذه الآية تتكلم عن اخذ الميثاق في الذر من جميع الأنبياء وليس من أولي العزم فقط كما في الآية السابقة، ففيها دلالة على إثبات عالم الذر والعهد والميثاق فيه.

وقد وردت في بيانها عدة روايات منها :
١.. (.. عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ما بعث الله نبيا من لدن آدم (عليه السلام) فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو قوله: ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) يعني رسول الله (وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قال لهم في الذر: ( أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي: (قَالُو أَقْرَرْنَا ) قال الله للملائكة : ( فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ). وهذه مع الآية التي في سورة الأحزاب في قوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) الآية، والآية التي في سورة الأعراف في قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ قد كُتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور) (٢)

٢. (..عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى أحد واحد، تفرد في وحدانيته، ثم تكلم بكلمة فصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمدا (صلى الله عليه وآله)، وخلقني وذريتي، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنها الله تعالى في ذلك النور، وأسكنه في أبداننا، فنحن روح الله، وكلماته، وبنا احتج على خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، ولا عين تطرف نعبده ونقدسه ونسبحه قبل أن يخلق خلقه، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا، وذلك قوله عز وجل : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني ( لَتُؤْمِنُنَّ ) بمحمد (صلى الله عليه وآله) ولتنصرن وصيّه، فقد آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وآله) ولم ينصروا وصيه ، وسينصرونه جميعا، وإن الله أخذ میثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله) بالنصرة بعضنا البعض، فقد نصرت محمدا (صلى الله عليه وآله) وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوه، ووفيت الله بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله)، ولم ينصرني أحد من أنبيائه ورسله، وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني) .(١)

وبذلك يتضح دلالتها على عالم الذر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
١. آل عمران: ۸۱.
٢ . تفسير القمي: ج۱ ص۱۰۹.
١ . البرهان في تفسير القران . السيد هاشم البحراني: ج ۱ ص 647.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

[منى محمد]

رد: (عالم الذّر حقيقة ثابتة في الثقلين) الاستدلال بالآيات القرآنية.

الدليل الثالث عشر: قوله تعالى : وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٢).

قال فيها السيد احمد الحسن: (فإنها في عالم الذر نزلت وإياه عنت) (٣)
فتكون دلالة الآية على عالم الذر.

أما كيف تدل عليه ؟
فإن الإنسان بعد ولادته في هذا العالم غفل عن عالم الأنفس نتيجة انشغاله بالدنيا وزينتها وملذاتها وتدبير بدنه ورغباته وشهواته، فصار نظره إلى الأنا وانحسر في ظلمات المادة، فلم يرفع طرفه إلى النور ولم يلتفت لله بل نسي ربه رغم إرسال الرسل ودعوتهم إلى الله، إلا أن الكثير من بني آدم قصروا نظرهم على الأنا والدنيا فهم قد نسوا الله وانشغلوا عنه وضيعوا الهدف الحقيقي من خلقهم، ومن نسي الله ينسيه نفسه ونشأتها في عالم الأنفس وامتحانها واخذ العهد والميثاق. وبالتالي تكون الآية واضحة الدلالة على العالم الذي أتت منه الأنفس.

فاكثر الناس غفلت عن العهد والميثاق المأخوذ عليهم في الذر وعن امتحانهم فيه بنصرة ولاة أمورهم الذين تمثل بهم الدين وهم محمد وآل محمد (عليهم السلام) الذين من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم عاداه، (فالدين كله متمثل بخليفة الله الذي يمثل الله في الخلق وهو الإمام في كل زمان فمن نسي إمامه يعني نسي الله ومن غفل عنه غفل عن الله، ومن نسي إمامه وغفل عنه فقد غفل عن نفسه ولم يعد له حظ من الوجود في العوالم العلوية وبذلك يتردى ليكون كالأنعام بل أضل سبيلا).وليس في ساحة الله ظلم لأحد ولا إجبار على شيء بل الله عادل مع الجميع فقد وهب الجميع الاختيار وأعطاهم المؤهلات للرقي والتردي فصار كل إنسان حر في اختيار النور أو الظلمة وفي النظر إلى الأنا أو إليه سبحانه. فمن اختار الظلمة والانا ونسي الله قد نسي نفسه وعالمها الذي أتت منه والامتحان الواقع فيه والعهد والميثاق المأخوذ عليه، وفشل في الامتحان الثاني في الدنيا، ولو أعيد امتحانه الف مرة لكرر نفس الفشل " (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ).(١)

هذه بعض الأدلة من النصوص القرآنية التي ورد تفسيرها عن آل محمد (عليهم السلام) والتي تثبت وجود عالم الأنفس وهو عالم الذر وثبت من خلالها انه عالم حقيقي ولا يمكن معها إنكاره أو التشكيك فيه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢. الحشر: ۱۹.
٣. المتشابهات؛ السيد احمد الحسن: ج۲ ص۹۲.

١ الأنعام: ۲۸.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ انتهى .

المصدر: كتاب النشأة الأولى / للسيد واثق الحسيني.