بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
آل محمد (عليهم السلام) في عصر الظهور:
عند ملاحظة الروايات الشريفة التي تتحدث عن عصر الظهور بإنصاف تتكشّف حقيقة وجود شخصيتين من العترة الطاهرة في زمن الظهور المقدس:
الأولى: الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، وبكل تأكيد إنّ الروايات التي ذكرته كثيرة جداً وهي تبيِّن ولادته ونشأته وشمائله ومقامه وفضله وعلمه وألقابه وأسماءه وعلامات ظهوره وتوقيعاته ولقاءاته وسيرته وغير ذلك.
الثانية: شخصية رجل آخر من آل محمد ع، وقد وردت روايات كثيرة أيضاً في بيان اسمه وصفاته وفضله ومقامه وسيرته وألقابه وأسمائه ومهامِّه في زمن الظهور والتمهيد لقيام دولة العدل الإلهي وغير ذلك.
ولأجل إثبات هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان الكثيرين أطرح النقاط التالية:
الدكتور علاء السالم - كتاب رســـــالــة في وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني
------------------
1- اسم المهدي:
لا شك في أنّ الإمام المهدي (ع) يوسَم بهذا الاسم، ولكن ليس صحيحاً حمل كل الروايات التي تذكر (المهدي) في زمن الظهور عليه، لوضوح أنها لا تقصده،
وهذه بعض الأمثلة:
عن حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله ص يقول - وذكر المهدي-:
(إنه يبايع بين الركن والمقام اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها)
(غيبة الطوسي: ص454 ح463.).
والأسماء المذكورة للمهدي المبايَع له ليست أسماءً للإمام المهدي (ع)، يتضح ذلك بقراءة خاتمة وصية رسول الله ص ليلة وفاته والمتضمنة لذكر الإمام المهدي ومهدي آخر موجود في زمن الظهور أيضاً وهو ابنه ووصيه (أحمد)،
حيث ذكرت أسماء الأوصياء وعند وصولها إلى الإمام العسكري (ع) قالت:
(.. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين)
(غيبة الطوسي: ص151 ح111.).
وعن الاصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين (ع) فوجدته ينكث في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، مالي أراك مفكراً تنكت في الأرض أرغبة منك فيها ؟ قال:
(لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. قلت: يا مولاي، فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين ..)
(غيبة الطوسي: ص165 ح127.).
واضح أنّ الحادي عشر من ظهر أمير المؤمنين (ع) هو الإمام المهدي (ع)، ولكن هذا المولود والمسمَّى بالمهدي أيضاً يكون من ظهره، كما أنّ غيبته والحيرة فيه مدتها مرددة بين الستة أيام والستة أشهر والست سنين وهي بكل تأكيد ليست مدة غيبة الإمام (ع).
وعن حذلم بن بشير، قال:
قلت لعلي بن الحسين (ع): صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال:
(يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك)
(غيبة الطوسي: ص444 ح437.).
وليس بخافٍ على أحد أنّ السفياني هو من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (ع)، لا أنه (ع) ظاهر قبله ليختفي عند ظهوره، فالرواية إذن تتكلم عن مهدي كان ظاهراً قبل السفياني ثم بظهوره يختفي مدة ثم يخرج بعد ذلك.
-----------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
2- وصف القائم:
صحيح جداً القول بأنّ كل آل محمد ع قوّام
(عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن القائم، فقال: (كلنا قائم بأمر الله، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان) الكافي: ج1 ص536 ح2.)،
وصحيح أيضاً أنّ (القائم) وَصْفٌ يطلق على الإمام المهدي (ع)، ولكنه يطلق كذلك على شخصية أخرى من آل محمد ع في زمن الظهور المقدس:
عن أبي حمزة الثمالي، قال: (قلت لأبي جعفر (ع): خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد ع محتوم..)
( الإرشاد - الشيخ المفيد: ج1 ص347.).
وعن محمد بن علي الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم ..)
(الكافي: ج1 ص310 ح484.).
وأكيد أنّ العلامة شيء وما تدل عليه العلامة شيء آخر، ولا يصح أبداً حمل لفظ (القائم) في الرواية على الإمام (ع)؛ لأنها بصدد ذكر العلامات الحتمية لظهوره.
ولأنّ العلامات الحتمية يقع فيها البداء (وقوع البداء في الحتميات ليس بمعنى عدم حصولها بالمرة، إنما بمعنى حصول تغيير في التفاصيل والجزئيات، فمثلاً: السفياني من المحتوم أي أن أصل وجوده امر محتوم، وحصول البداء في هذا المحتوم يعني تغير في تفاصيله فقد يكون السفياني فلان أو فلان، أو في مكان حركته أو زمانها، وهكذا.)،
ولأنّ هناك قائماً مذكوراً بينها كما رأينا، خشي بعض الشيعة أن يكون (القائم) واقعاً ضمنها، فبيَّن آل محمد ع أنّ حاله يختلف وأنه من الميعاد الذي لا يتخلَّف حتى على مستوى تفاصيل ما يخصُّه فضلاً عن أصل وجوده.
عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: (كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا "عليهما السلام" فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر "عليهما السلام": هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، فقال: إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد)
(غيبة النعماني: ص303.).
ومما يؤكد إطلاق وصف (القائم) على غير الإمام المهدي (ع) أيضاً، ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (ع)، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي)
(الكافي: ج1 ص532 ح9، وبمضمونها روايات أخرى:
منها: عن أبي جعفر (ع)قال: (قال رسول الله ص: من ولدي اثنا عشر نقيبا، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً)
الكافي: ج1 ص534 ح18.
ومنها: عن زرارة قال : (سمعت أبا جعفر (ع) يقول : الاثنا عشر الإمام من آل محمد عليهم السلام كلهم محدث من رسول الله ص ومن ولد علي ورسول الله وعلي عليهما السلام هما الوالدان)
الكافي: ج1 ص531 ح7.).
ولا يختلف اثنان في أنّ الإمام المهدي (ع) هو الحادي عشر من ولد السيدة فاطمة عليها السلام، فيبقى أن يكون الثاني عشر من ولدها هو من ظهره، وهو من تفكّر فيه جده أمير المؤمنين (ع) كما سمعناه في رواية الاصبغ المتقدمة.
ثم أضيف أيضاً ما بيَّنه الإمام الصادق (ع) من كلام جده أمير المؤمنين (ع) وهو يتحدث عن علامات تطهير الأرض من الظالمين، وبعد ذكر بعض الأحداث قال:
(.. ثم يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول، له الشرف والفضل وهو من ولدك يا حسين لا ابن مثله، يظهر بين الركنين في دريسين باليين ..)
(غيبة النعماني: ص283.).
والسؤال: هل يعتقد أحد أنّ الإمام المهدي (ع) إمام مجهول ؟! مع أنّ المجهولية إن كانت فهي في معرفة وتحديد شخصه من بين الناس أو مكانه وما شابه،
لا في كونه إماماً عدلاً وهو من ثوابت عقيدة الشيعة، ولكن الرواية عبّرت عن هذا القائم بأنه إمام مجهول، فمن يكون غير القائم الذي ورد ذكره ضمن العلامات الحتمية ووصف بأنه من الميعاد.
والتأمُّل في دعاء الافتتاح الوارد ضمن أدعية شهر رمضان يكشف هذه الحقيقة أيضاً، فبعد أن يتم الصلاة على الأئمة الاثني عشر:
(وصلِّ على أئمة المسلمين علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف المهدي، حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة)، يصلي بعدهم على قائم مؤمل هذه بعض صفاته:
(اللهم وصل على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر واحففه بملائكتك المقربين وأيده بروح القدس يا رب العالمين، اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكن له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً ..).
ولا شك أنّ الإمام المهدي (ع) إمام مفترض الطاعة وخليفة من خلفاء الله في أرضه منذ مئات السنين، فمن يكون هذا القائم الذي يُدعا له بأن يستخلفه الله في أرضه كما استخلف مَنْ سبقه مِنْ آل محمد ع؟!
ولأنّ وصف القائم يطلق على شخصيتين من آل محمد ع في عصر الظهور، بيَّن الامام الباقر (ع)وهو يذكر "القائم" أنّ: (.. له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد)
(كمال الدين وتمام النعمة: ص653.).
إذن، هناك قائم مأمول لآل محمد مخفي اسمه عند الناس، والآن قد تَوَضَّح وهو (أحمد)، وقد تقدم في رواية حذيفة أنّ صاحب هذا الاسم (أي أحمد) يطلق عليه مهدي أيضاً.
--------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
3- وصف صاحب الأمر:
وهو وصف يطلق على الإمام المهدي (ع) بكل تأكيد، ولكنه في نفس الوقت يطلق على شخصية أخرى من آل محمد ع أيضاً،
تماماً كما عرفناه في فقرتي (المهدي) و(القائم).
فالإمام المهدي (ع) أمه السيدة نرجس وهي حفيدة الوصي شمعون (وصي عيسى (ع)) وليس بشرتها سوداء كما هو معلوم،
في حين أنّ هناك رجلاً من آل محمد ع أطلق عليه هذا الوصف أيضاً ولكن أمّه أَمَةٌ سوداء:
عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر (ع)يقول:
(إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله أمره في ليلة واحدة)
(غيبة النعماني: ص163.).
كما أنّ الإمام المهدي (ع) لم يُعرف عنه أصلاً أنه يُسجَن من قِبَل أحد، ولكن ورد أنّ هناك من يُطلق عليه هذا الوصف وفيه سُنّةٌ من يوسف (ع) وهي السجن:
عن أبى بصير، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (ع) يقول:
(في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب، قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة، قلت: وما سنة محمد ص ؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله ص إلا أنه يبين آثار محمد ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى رضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله ؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة)
(غيبة النعماني: ص164.).
ثم إنّ غيبة الإمام المهدي (ع) عن الظالمين لم يكن ليعقبها الفرج، بل على العكس تماماً فقد أخبر أئمة الهدى ع بطول غيبته إلى حد قسوة القلوب وارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة (قال الإمام الصادق (ع):
(.. وكذلك القائم (ع)تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والامن المنتشر في عهد القائم (ع) ..)
بحار الأنوار: ج51 ص222.)،
ولكن ورد عمَّن أُطلق عليه (صاحب الأمر) أنّ الفرج يُترقب بعد غيبته عن دور الظالمين:
عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (ع) أسأله عن الفرج، فكتب إليّ:
(إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج)
كمال الدين وتمام النعمة: ص380.).
-----------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
4- شبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وشبيه موسى (عليه السلام):
روايات كثيرة بيَّنت أوصاف الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) وشبهه برسول الله صوهذا نموذج لوصفهما الشريف:
عن أمير المؤمنين (ع):
(كان حبيبي رسول الله ص صلت الجبين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى الأنف، دقيق المسربة، كث اللحية، براق الثنايا، كأن عنقه إبريق فضة، كان له شعيرات من لبته إلى سرته ملفوفة كأنها قضيب كافور لم يكن في بدنه شعيرات غيرها، لم يكن بالطويل الذاهب ولا بالقصير النـزر ..)
(بحار الأنوار: ج10 ص4.).
وأما صفة الإمام المهدي (ع) فهي: (.. ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدور الهامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر ..)
(غيبة الطوسي: ص 266 ح228.).
وعن شبهه بجده رسول الله محمد ص، روى جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله: المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً..)
(بحار الأنوار: ج36 ص309.).
هذا، وقد ورد وصف جسدي آخر لشخصية أخرى، هذا نموذج منها:
عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر (ع): (جعلت فداك إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً أو تجيبني فيما أسألك عنه، فقال: يا حمران، سل تجب، ولا تبعّض دنانيرك، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله أنت صاحب هذا الأمر والقائم به ؟ قال: لا، قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي؟ فقال: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى)
(غيبة النعماني: ص215.).
ويكفي في معرفة الفرق بين الوصفين أنّ الإمام (ع) بخده الأيمن خال وبخد الثاني أثر، والإمام شبيه جده محمد ص والثاني شبيه موسى بن عمران (ع).
ويبقى من المهم أيضاً أن نعرف أنّ صاحب الصفات في هذه الرواية وُصِف أنه (قائم) و(صاحب هذا الأمر)، وهو ليس الإمام المهدي (ع) كما هو واضح.
ونفس هذا الصفات الجسدية التي ذكرها الإمام الباقر (ع) لمن وصفه بالقائم، ذكرت له أيضًا فيما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: (قلت له: جعلت فداك إني أريد أن ألمس صدرك، فقال: افعل، فمسست صدره ومناكبه، فقال: ولم يا أبا محمد ؟ فقلت: جعلت فداك إني سمعت أباك وهو يقول: إنّ القائم واسع الصدر مسترسل المنكبين عريض ما بينهما. فقال: يا ] أبا[ محمد، إنّ أبي لبس درع رسول الله ص وكانت تستخب)
(بصائر الدرجات: ص209.).
* * *
ورغم أنّ الحقيقة باتت واضحة في ما أروم إثباته، ولا أقل نقلت إلى الآن ما يقرب من السبع عشرة رواية، ولكني مع هذا أضيف الآن أربعة أخرى تسير بنا في ذات السياق:
الأولى: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، قال: (يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل الحافظ لما استودع يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً)
( بحار الأنوار: ج25 ص269.).
وإذا كان المذكور أخيراً هو الإمام المهدي (ع)، فمن هو الرجل العامل بالهدى (من أهل البيت) الآتي قبله ؟! ثم إنّ الإمام الصادق (ع) يقسم أنه يعرفه باسمه واسم أبيه، ولا وجه لِقَسَمِهِ إلا إذا كان خافياً على بقية الناس ما يعرفه هو (ع)، وهو ما يؤكد وجود رجل من آل محمد ص في عصر الظهور مجهول لا تعرفه الناس.
الثانية: عن سليم بن قيس، عن رسول الله ص: (.. ثم ضرب بيده على الحسين (ع) فقال: يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام ابن إمام، عالم ابن عالم، وصي ابن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به)
(كتاب سليم بن قيس: ص429، تحقيق محمد باقر الأنصاري.).
ربما يُعْذَر سابقاً من يكون في حيرة من أمره في كيفية حمل الرواية على الإمام المهدي (ع) والحال أنه أفضل من الأئمة التسعة من ولد الحسين (ع) بنصوص روايات كثيرة، كما أنه لا يليه أبوه العسكري (ع). ولكن بعد أن علمنا أنّ هناك رجلاً من آل محمد يأتي قبل الإمام المهدي (ع) ومن أسمائه (المهدي) أيضاً ويكون متزامناً مع ظهور السفياني بل قبله؛ لأنه ورد أنه يختفي عند ظهور أمر اللعين ليعود ويخرج بعد ذلك، عرفنا جلياً أنّ المقصود بالمهدي في رواية سلمان هو المهدي الأول (أحمد) الوارد ذكره في وصية رسول الله ص والموصوف فيها بأنه أول مُقرَّب إلى أبيه الإمام وأول مؤمن بدعوته. وبكل تأكيد إنّ الإمام المهدي (ع) أفضل من ابنه المهدي الأول وباقي المهديين الأوصياء؛ لأن الله هداهم به.
الثالثة: ومما يؤكد مجيء (المهدي الأول أحمد) قبل أبيه الإمام (ع) ممهداً له أيضاً، ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال:
(.. يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس ..)
(الممهدون للكوراني: ص110.)، ومَن مِن أهل بيت الإمام موجود في زمن الظهور غير ابنه (أول مقرب إليه وأول مؤمن به).
الرابعة: عن الإمام الباقر (ع)، قال: (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: "أحمد أحمد"، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج)
(منتخب الأنوار المضيئة: ص343.).
ولو أردنا استعراض بقية الروايات التي يتوضَّح بطرحها وجود شخص آخر من آل محمد ع في عصر الظهور، لاحتاج أن يكون مُصنَّفاً برأسه، وفي ما طرحناه كفاية لطالب الحق. على أنّ بقية بحوث هذا المختصر ستحوي بين طياتها روايات عديدة تؤكد هذه الحقيقة أيضاً.
وصار بوسعنا تلخيص ما انتهينا إليه:
1- وجود رجل آخر من آل محمد ع في عصر الظهور غير الإمام المهدي (ع).
2- تكفَّلت الروايات العديدة بيان اسمه وصفته ومقامه وغير ذلك، وقد اتضح من عرض بعضها أنّ اسمه أحمد وأيضاً هو مهدي وقائم وصاحب هذا الأمر.
والآن، هل بقي بوسع أحد أن يحمل كل رواية يُذكر فيها عنوان (صاحب الأمر) أو (القائم) أو (المهدي) على الإمام المهدي (ع) ؟! بكل تأكيد أنّ من يخاف الله لا يفعل ذلك. ويبقى صاحب الحق وحده منفرداً بمعرفة حلها، وهو أحد أسرار الظهور الذي يُشخص أحقيته ويهتدي إليه من شاء الاهتداء، وفعلاً قد حلها المهدي الأول أحمد (ع) اليوم بمجيئه وأحكم ما تشابه منها بعد أن زلّت فيها أقدام أدعياء العلم والتخصُّص وأقلامهم وباتوا يَذْرُون حكمة آل محمد وروايتهم الشريفة ذروَ الريحِ للهشيم.
عن مالك الجهني، قال:
(قلت: لأبي جعفر (ع) إنا نصف صاحب الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس، فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه)
(غيبة النعماني: ص220.).
------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
أحمد هو المهدي الأول:
هذا ما أكدته وصية رسول الله ص ليلة وفاته، وهذا نصها:
(عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ع، قال: قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (ع): يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك.
يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفناتعلي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك إثنا عشر إماماً.
ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين)
(غيبة الطوسي: ص151 ح111.).
وختام الوصية المقدسة واضح في التصريح بأنّ (الوصي أحمد) هو:
1- المهدي الأول من المهديين الأوصياء ع.
2- أول المقربين إلى أبيه الإمام (ع) في عصر الظهور المقدس.
3- أول المؤمنين بدعوته وحركته.
أما عَدُّ المهدي الأول (أحمد) ضمن أوصياء رسول الله محمد ص، فهو كافٍ لإثبات أنه خليفة من خلفاء الله في أرضه، ومعصوم يهدي إلى الحق والطريق المستقيم.
وأما كونه أول مقرَّب ومؤمن بالإمام المهدي (ع) عند بداية أمره، فهو كافٍ لإثبات وجوده ودوره في عصر الظهور المقدس.
ثم لو أننا قمنا بعرض هذه النتائج على ما انتهينا إليه سابقاً لوجدناه في غاية الاتساق والانتظام والإحكام، ولزيادة الفائدة أقول:
انتهينا (وفق رواية حذيفة) إلى أنّ هناك مهدياً من آل محمد يأخذ البيعة من الناس أسماؤه ثلاثة: (أحمد وعبد الله والمهدي)، وظهر الآن أنها أسماء المهدي الأول. وكونه يأخذ البيعة يؤكد بكل وضوح على أنّ له دوراً كبيراً في قيام دولة العدل الإلهي، وقد أوضحت الوصية المقدسة وجوده ومعاصرته أحداث قيامها بل سبقه في القرب لأبيه والإيمان والتصديق بدعوته تماماً كسبق أمير المؤمنين (ع)للرسول الأعظم ص عند ابتدائه بدعوته.
وانتهينا (وفق رواية الأصبغ) إلى أنّ هناك مهدياً يولد من ظهر الإمام المهدي (ع) (الحادي عشر من ولد الإمام علي (ع))، يكون له اختفاء وغيبة مدتها قصيرة جداً قياساً بمدة غيبة الإمام المهدي (ع)، و(وفق رواية حذلم بن بشير) يكون ظاهراً قبل السفياني ثم يختفي ويخرج بعد ذلك، أي يكون مجيء هذا المهدي للناس قبل الإمام المهدي (ع) كما نص على ذلك أيضاً (رواية سليم بن قيس، وما رواه أمير المؤمنين (ع) عن خروج رجل من أهل بيت الإمام المهدي قبله بالمشرق يحمل السيف على عاتقه، وما رواه أبو بصير عن مجيء رجل من أهل البيت قبل الإمام المهدي (ع))، والمهدي الأول أحمد بنص الوصية رجل من أهل البيت بل من أهل بيت الإمام المهدي بالذات وأول مؤمن به ومقرّب إليه فهو إذن موجود في عصر الظهور بل والآخذ البيعة له من الناس.
كما أننا لو عرضنا روايات القائم المخفي الاسم والعلامة الحتمية وشبيه موسى بن عمران، وقد حدَّدت اسمه بعض الروايات (أحمد)، لتطابق ذلك مع الوصية أيضاً، ولكن مع هذا سأفرد نقطة للتوضيح أكثر فيما يتعلق بالقائم بالسيف.
وأكتفي الآن بإعطاء النتيجة التالية: (المهدي الأول = أحمد)، وقد توضَّح لنا نَسَبُه وَدَورُه وشيءٌ من مقامه.
-----------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
المهدي الأول هو (القائم) المبايع له:
قال الإمام الصادق (ع) للمفضل بن عمر:
(يا مفضل، كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعة كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايع لها والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم (ع) ظهره إلى الحرم ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" الآية، فيكون أول من يقبل يده جبرئيل (ع)ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء، ويصبح الناس بمكة فيقولون من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة، وما هذا الخلق الذين معه وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلها ؟ فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات، فيقول بعضهم لبعض: انظروا هل تعرفون أحداً ممن معه ؟ فيقولون: لا نعرف أحداً منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدونهم بأسمائهم، ويكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم.
فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين، يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد ويسميه باسم جده رسول الله ص ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر، إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين، بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا، فأول من يقبل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يبقي ذو أذن من الخلائق إلا سمع ذلك النداء، ويقبل الخلائق من البدو والحضر والبر والبحر يحدث بعضهم بعضاً ويستفهم بعضهم بعضاً ما سمعوا بآذانهم.
فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها، يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فبايعوه تهتدوا ولا تخالفوا عليه فتضلوا، فيرد عليه الملائكة والجن والنقباء قوله ويكذبونه ويقولون له سمعنا وعصينا، ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلا ضل بالنداء الأخير وسيدنا القائم صلوات الله عليه مسنداً ظهره إلى الكعبة ويقول، يا معشر الخلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنذا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام فها أنذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنذا إبراهيم وإسماعيل، ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنذا عيسى وشمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد ص وأمير المؤمنين صلوات الله عليه فها أنذا محمد ص وأمير المؤمنين (ع)، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام فها أنذا الحسن والحسين عليهما السلام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين ع فها أنذا الأئمة من ولد الحسين ع.
أجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به وما لم تنبئوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني، ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم وشيث عليهما السلام وتقول أمة آدم وشيث هبة الله هذه والله هي الصحف حقاً ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان اُسقط منها وبدل وحرف. ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم عليهما السلام والتورية والإنجيل والزبور، فيقول أهل التورية والإنجيل والزبور هذه والله صحف نوح وإبراهيم عليهما السلام حقاً وما اُسقط منها وبدل وحرف منها، هذه والله التورية الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها. ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقاً الذي أنزله الله تعالى على محمد ص ..) (مختصر بصائر الدرجات: ص183.).
الرواية بكل وضوح تتحدث عن القائم ومهدي آل محمد الذي يتزامن ظهوره مع ظهور السفياني بل قبل ظهوره؛ لأنّ ظهور السفياني في الرواية معطوف على ظهور القائم بـ (ثم)، والقائم هنا ليس الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، ذلك:
أنّ ظهوره لا يكون متزامناً مع السفياني فضلاً عن أن يكون قبله، بل إنّ ظهور الأخير يكون قبل مجيء الإمام وعلامة حتمية له، هذا أولاً.
وثانياً: إنّ حمل (القائم) في الرواية على الإمام المهدي (ع) يعني بطلان راية اليماني وحاشاه، لأنها راية ترفع قبل ظهور الإمام المهدي (ع) للناس، ولكن رايته كما أخبر الإمام الباقر (ع) هي راية هدى بل إن الملتوي عليه من أهل النار، فكيف تكون بيعته بيعة طاغوت إذن ؟! وهذا يعني أنّ ثمة ربط بين عنواني اليماني والقائم، وهو ما يتضح في نقطة لاحقة إن شاء الله تعالى.
وثالثاً: توضَّح لدينا فيما سبق أنّ عنوان (القائم) و(المهدي) في عصر الظهور، يُطلق على رجلين من آل محمد ع، وإذ امتنع الآن صرفه إلى الإمام المهدي (ع)؛ لأنه يوجب طرح روايات كثيرة وهو باطل جزماً، يتعيّن إذن حمله على القائم (العلامة الحتمية والمخفي الاسم) والمتزامن ظهوره مع السفياني (العلامة الحتمية الأخرى)، بل تؤكد هذه الرواية - كما قلنا - على ظهوره قبله، وقد عرفنا فيما مضى في رواية حذلم بن بشير وغيرها أنّ هناك (مهدي من آل محمد وهو ابن الإمام المهدي) يكون ظاهراً قبل السفياني ويأتي قبل أبيه الإمام (ع) ويأخذ البيعة من الناس.
ورابعاً: إنّ صفة بيعة القائم ومهدي أمة محمد التي ذكرها الإمام الصادق (ع) في الرواية تكفي لمعرفة أنه خليفة من خلفاء الله في أرضه، إذ عبَّر عن مد يده للبيعة (هذه يد الله وعن الله وبأمر الله) ثم تلاوته لآية (إنّ الذين يبايعونك ..)
وبيعة جبرئيل والملائكة له. والآن إذ عرفنا أنّ القائم في الرواية لا يمكن أن يكون الإمام المهدي (ع)للأسباب المتقدمة، فمن يكون غير (المهدي الأول أحمد) وقد انتهينا إلى أنه خليفة من خلفاء الله ووصي من أوصياء محمد ع الطاهرين، وله دور كبير في قيام دولة العدل الإلهي والتمهيد لها.
وخامساً: بعد أن توضّح أنّ المهدي الأول أحمد هو مَن يأخذ البيعة من الناس، وأنّ اسمه اسم جده رسول الله ص (أحمد) بنص الوصية المقدسة (اسم كاسمي .. وهو .. أحمد)، أدعو الجميع إعادة النظر إلى الوصية لتحديد اسم (المهدي الأول) ثم ينسبوه إلى الوصي (الحادي عشر) كما بيَّن الإمام الصادق (ع) اسم القائم في الرواية: (ويسميه باسم جده رسول الله صويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر)، فماذا سيكون الناتج المجموع من (الاسم ونسبته) ؟ إنه (أحمد الحسن) أليس كذلك يا أمة محمد ؟؟
إنّ وجود قائم لآل محمد ع في عصر الظهور اسمه (أحمد) لم يكن لتقتصر عليه هذه الرواية الشريفة فحسب، بل تقدم نقل روايتي الإمام الباقر (ع) عن القائم المخفي الاسم عند الناس واتضح أنّ اسمه أحمد، وكذلك قوله (ع) في بيان شعار الجيش الزاحف لقيام دولة العدل، الذي أمرونا آل محمد أن نأتيه ولو حبواً على الثلج، وهو "أحمد أحمد".
وروى السيد ابن طاووس عن رسول الله ص، قال: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي)
(الملاحم والفتن: ص54، المطبعة الحيدرية وقد طبعت على نسخة الشيخ محمد بن طاهر السماوي المصححة على نسخة بخط المؤلف ابن طاووس نفسه، عام 1365 هـ. وقد ذكرت بعض طبعات الكتاب الأخيرة لفظ: (خليفة الله المهدي)،
ومع هذا فالرواية لا يمكن حملها على الإمام المهدي (ع)؛ لوضوح أنه ليس في الرايات المنطلقة من الشرق، والتي تقاتل السفياني وتمهد لدولة العدل الإلهي، بل إنه (ع) ليس بظاهر للناس أصلاً عند حركتها، إنما المقصود به المهدي الأول أحمد؛ لما أوضحناه في أكثر من موضع.).
وخليفة الإمام المهدي (ع) هو المهدي الأول أحمد بنص الوصية المقدسة.
وبهذا يظهر أنّ (المهدي الأول أحمد = القائم المبايَع له وقائد الرايات السود المشرقية).
--------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
تتميم:
برغم أنّ كل آل محمد ع قوَّام بالحق، ولكن مَن تتبّع الروايات وجد أنّ هناك قائماً يباشر القتال وَوُصِف بأنه صاحب السيف والقائم بالسيف:
عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن القائم، فقال:
(كلنا قائم بأمر الله، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان) (الكافي: ج1 ص536 ح2.).
وعن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (ع) في حديث يذكر فيه من يحيي أرضاً من المسلمين، إلى أن يقول:
(.. حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله ص ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم)
(الاستبصار: ج3 ص108 ح383.).
وعن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم)
(غيبة النعماني: ص233.).
ولذا أدّب الأئمة ع شيعتهم على تمنّي القائم في عافية، عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع)قال:
(إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية، فإنّ الله بعث محمداً ص رحمة ويبعث القائم نقمة)
(الكافي: ج8 ص233 ح306.).
وقد توضَّح أنّ من (يحمل السيف) على عاتقه هو:
• القائم المبايع له وقائد جيش الفتح الإلهي، وهو ابن الإمام المهدي (ع) كما تقدَّم في رواية أمير المؤمنين (ع) حيث قال: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر).
• وهو القائم المقابل للسفياني والمقاتل له والتي تبدأ حركته وظهوره قبله كما تبيَّن.
• وهو أيضاً صاحب الأمر الذي رُوي أنه يُسْجَن كما ورد في رواية أبي بصير المتقدمة عن الإمام الباقر (ع)، إذ ورد فيها:
(قلت: فما سنة يوسف ؟ قال: السجن والغيبة، قلت: وما سنة محمد ص ؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله ص إلا أنه يبين آثار محمد، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى رضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله ؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة).
وحيث اتضح أنّ القائم بالسيف (أحمد) خليفة من خلفاء الله ووصي من أوصياء رسول الله محمد ص، صار إنكاره والعياذ بالله إنكاراً لكل أئمة الهدى من آبائه من رسول الله وأمير المؤمنين إلى الإمام المهدي صلوات الله عليهم أجمعين، لأنّ المنكر لآخرهم كالمنكر لأولهم كما ورد عنهم (قال الإمام الصادق (ع): (المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا)
الاعتقادات للصدوق: ص104.).
ولهذا رَوَى علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (ع)، أنه قال في قول الله عز وجل: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل"، فقال (ع):
(الآيات هم الائمة، والآية المنتظرة هو القائم (ع)، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدم من آبائه ع)
(الإمامة والتبصرة: ص102.).
---------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
المهدي الأول هو اليماني الموعود:
عن أبي بصير عن الإمام الباقر (ع) في حديث يبتدئ فيه بذكر الصيحة والنداء باسم القائم، ثم يقول:
(.. لا يقوم القائم (ع) إلا على خوف شديد من الناس، زلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس، وتشتت في دينهم وتغير من حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً، فخروجه إذا خرج عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن ناواه وخالفه، وخالف أمره، وكان من أعدائه.
وقال (ع): إذا خرج يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنة جديدة وقضاء جديد، على العرب شديد، وليس شأنه إلا القتل، لا يستبقي أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ثم قال (ع): إذا اختلفت بنو فلان فيما بينهم، فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم (ع)، إن الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة، وخرج السفياني.
وقال: لابد لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم وتشتت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني هذا من المشرق، وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم أحداً. ثم قال (ع):
خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد في يوم واحد ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم. وليس في الرايات أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. ثم قال لي: إن ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار، وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذ سقطت من يده وهو ساه عنها فانكسرت، فقال حين سقطت: هاه، شبه الفزع، فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه)
(غيبة النعماني: ص262 – 264.).
ويمكننا هنا أن نشير إلى عدة أمور:
الأول: إنّ الرواية ابتدأت ببيان الصيحة والنداء باسم (القائم)، والذي سَيُصَدِّقُ به القلة جداً ويكذبه أغلب مَن يدّعي ولاية آل محمد ع كما نصّوا هم، وسيتضح ذلك مع معرفة (القائم) الذي ستكون الصيحة باسمه في نقطة قادمة إن شاء الله.
الثاني: إنها بيَّنت حال الناس وما يمرون به من تشتُّتٍ واختلافٍ وضيق، ثم ذَكَرَت فرجهم بخروج القائم (ع) بعد قنوطهم من أن يروا فرجاً، وحدَّدَت علامة ذلك الفرج وقربه باختلاف بني فلان (ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة، وخرج السفياني)، وهذا يعني أنّ الرواية تتحدث - وبكل وضوح - عن القائم المتزامنة حركته مع حركة السفياني، وقد تبيَّن لنا فيما سبق أنه القائم أحمد (المهدي الأول). ثم إنّ قول الإمام الباقر (ع) هذا يذكِّرنا بقول ابنه الصادق (ع) المتقدم الذي رواه أبو بصير أيضاً:
(يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ..)، وقد توضَّحَ أنه المهدي الأول والقائم أحمد.
الثالث: إنّ ذهاب ملك بني فلان (العلامة المهمة على اقتراب الفرج وخروج السفياني والقائم) قد ذُكر قبل وبعد المقطع المتعلق باليماني، والملفت حقاً أننا بدل أن نسمع من الإمام الباقر (ع) وصفه صاحب راية الحق بـ (القائم) لأنه يتحدث عنه وعن فرج شيعته برفع رايته في مقابل راية (السفياني) اللعين، بدل ذلك رأيناه (ع) هذه المرة وصف صاحب راية الهدى بـ (اليماني)، فمن هو اليماني وما هو دوره يا ترى ؟
الرابع: إنّ إنصافاً ولو يسيراً من قبل من يطالع خصائص اليماني التي أوضحها لنا الإمام الباقر (ع) يكشف لنا:
1- إن رايته راية هدى، وارتباطها بالإمام المهدي (ع) واضح وبيِّن.
2- إنه خليفة من خلفاء الله في أرضه، بدليل قوله: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار)، "فلا يكون شخص حجة على الناس، بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا، إلا إذا كان من (خلفاء الله في أرضه)، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين"
( من كلام للسيد أحمد الحسن في بيان حدود شخصية اليماني: المتشابهات ج4 سؤال رقم (144).).
وقال بعضهم: إنّ الرواية لا تثبت خلافة اليماني الإلهية، لأنّ النار مصير من التوى على مسلم بن عقيل أو أحد السفراء الأربعة أيضاً، مع أنهم ليسوا بخلفاء لله في أرضه. وجوابه يتضح من خلال معرفة أنّ المذكورين وأمثالهم ممن أمر المعصوم بطاعتهم، لا تكون النار مصير الملتوي عليهم بأنفسهم، بل لأجل الالتواء على أمر المعصوم فيهم،
واليماني ليس حاله كحالهم؛ لأنّ الرواية صريحة في أنّ الالتواء عليه هو يوجب النار، لا لأمر الأئمة أو الإمام المهدي (ع) فيه، وهو دليل واضح على أنه خليفة وحجة من حجج الله على خلقه.
3- إنه معصوم والرواية نصٌّ على عصمته، لأنها صرحت عنه: (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، ومقتضى إطلاق قول الإمام (ع) يعني أنّ اليماني يهدي إلى الحق والطريق المستقيم في كل أقواله وأفعاله دائماً وأبداً، ولا يتصرف - ولو لمرة واحدة - تصرف يخرج به أتباعه من الحق أو يدخلهم في ضلال، وهذا هو معنى العصمة التي يتحلّى بها جميع خلفاء الله. "وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني، أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) فإنه يجعل هذا الكلام منهم ع بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني وحاشاهم ع من ذلك" (المصدر السابق.). فتلخّص أنّ اليماني (صاحب راية الهدى في عصر الظهور) خليفة من خلفاء الله في أرضه ومعصوم يهدي إلى الحق والطريق المستقيم.ولو عطفنا نَظَرَنا واستحضرنا ما انتهينا إليه فيما مضى من نتائج قطعية، عرفنا أنّ اليماني هو نفسه المهدي الأول أحمد. ولترسّخ هذه الحقيقة في بال المؤمنين أكثر، أقول:
أولاً: عرفنا أنّ أوصياء محمد ع هم الأئمة الاثنا عشر والمهديون الاثنا عشر بنص الوصية المقدسة، ولا خليفة وحجة لله على خلقه من بعده وإلى آخر يوم على هذه الأرض غيرهم أبداً، وبعد اتضاح كون اليماني حجة من حجج الله ومعصوم، فهو إذن من آل محمد ع، إذ لا حجة لله من غيرهم، قال تعالى: (ذُرِّيّةً بعضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
(آل عمران: 34.)،
وعليه فلابد أن يكون مذكوراً في الوصية المقدسة، ولما كان دوره في زمن الظهور فلا يبقى إلا أن يكون هو المهدي الأول لا غير.
وثانياً: إنّ المهدي الأول أحمد بنص الوصية خليفة إلهي ومن ثم يحرم الالتواء عليه ومعصوم يهدي إلى الحق والصراط المستقيم، وهي ذاتها هوية اليماني ومشخصاته, حيث أكدت رواية الباقر (ع) على أنّه خليفة إلهي يحرم الالتواء عليه وأيضاً معصوم يهدي إلى الحق والصراط المستقيم.
وثالثاً: إنْ أَبَى أحدٌ وتَنكَّرَ لاتحاد شخصية المهدي الأول واليماني نقول له: توضَّحَ للجميع أنّ المهدي الأول موجود في زمن الظهور المقدَّس بعد كونه أول مقرب إلى أبيه الإمام وأول مؤمن به والآخذ للبيعة من الناس وغير ذلك مما تقدّم ذكره في الوصية المقدسة وغيرها، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، اليماني أيضاً موجود في زمن الظهور بل هو صاحب أهدى الرايات والدور الرئيس في التمهيد للإمام المهدي (ع) ويجب على الجميع نصرته ويحرم عليهم الالتواء عليه، والآن:
إما أن يكون (المهدي الأول واليماني) شخصٌ واحد، إذن ثبت المطلوب. وإلا فعلى المنكر أن يجيب السؤال التالي: مَنْ يتبع مَنْ، ومَنْ ينضوي تحت راية مَنْ، إذ لآل محمد راية واحدة وليس رايات كما لا يخفى (قال أمير المؤمنين (ع): (إن لنا أهل البيت راية من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق، ومن تبعها لحق)
كمال الدين وتمام النعمة: ص654.) ؟
فإن أجاب بأنّ المتبوع هو اليماني، فهو باطل جزماً؛ إذ به يصير المهدي الأول تابعاً لغيره ومنضوياً تحت رايته، والحال أنه حجة من حجج الله ووصياً من الأوصياء كما توضَّح بنص الوصية، فهل في عقيدة الشيعة أن يُقاد المعصوم وينضوي تحت راية غيره ويحرُم عليه أن يلتوي على ذلك الغير ؟ إضافة إلى أنّ فيه رداً للروايات المبينة أنّ (المهدي أحمد) هو الآخذ البيعة من الناس والقائد لجيش الفتح.
وإن أجاب بأنه المهدي الأول، فهو باطل أيضاً؛ لأنه يجعل من دور اليماني ثانوياً ويصيَّره تابعاً للمهدي أحمد، وحينئذٍ فالأولى أن يكون صاحب أهدى الرايات المهدي الأول أحمد وليس اليماني، وفيه رد صريح على الإمام الباقر (ع) والعياذ بالله. وبهذا فالبطلان يلزم المنكر لاتحاد شخصية اليماني والمهدي الأول من كلا الطرفين. ومن ثم تبرز الحقيقة الناصعة التالية: أنّ (المهدي الأول أحمد = اليماني).
وحيث تَبيَّن لنا فيما سبق أنّ المهدي الأول هو نفسه قائم آل محمد المواكب لحركة السفياني والمقاتل له، بل الظاهر قبله أصلاً، وتبيَّن لنا الآن أنّ اليماني هو نفسه المهدي الأول، يتضَّح إذن أنّ (المهدي الأول = قائم آل محمد)، وبه نعرف السر في ذكر وصفي (القائم) و(اليماني) في نفس الرواية التي تحدَّث فيها الإمام الباقر (ع) عن الشخص المحمدي الذي يكون بخروجه فرج شيعة آل محمد. وإكمالاً لتوضيح هذا أضيف أيضاً:
رابعاً: إنّ رواية اليماني نفسها تثبت أنّ اليماني هو القائم. يقول السيد أحمد الحسن (ع):
(إنّ حرمة بيع السلاح على المخالفين قضية بيَّنها آل محمد ع، وأنها تكون عند ظهور القائم منهم ع، وبهذا يكون هذا القيد "حَرُمَ بيع السلاح" في رواية اليماني بياناً لمن يفقهون كلامهم ع بأنّ اليماني هو نفسه القائم؛ لأنهم ع في أحاديث حصروا حرمة البيع بحدث المباينة عند خروج القائم، والآن يقولون "إذا خرج اليماني حرم بيع السلاح"، إذن تبيَّن بوضوح أنّ اليماني هو نفسه القائم. فالإمام في قوله (ع): "فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم" يريد أن يبيَّن أنّ اليماني هو نفسه القائم الذي يحرم بيع السلاح عند ظهوره وحصول المباينة، إضافة إلى ما في الرواية من بيان يوضح أنّ اليماني هو القائم وحجة من حجج الله كما بيَّنت سابقاً
(بيَّنه في كتاب المتشابهات: ج4 سؤال رقم (144).).
وهذه بعض الروايات التي تبيَّن أنّ حرمة بيع السلاح إنما تكون عند خروج القائم وعند المباينة والحرب بينه وبين أعدائه:
عنْ هِنْدٍ السَّرَّاجِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنِّي كُنْتُ أَحْمِلُ السِّلَاحَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ فَأَبِيعُهُ مِنْهُمْ فَلَمَّا أَنْ عَرَّفَنِيَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ ضِقْتُ بِذَلِكَ وَقُلْتُ لَا أَحْمِلُ إِلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ. فَقَالَ: احْمِلْ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِهِمْ عَدُوَّنَا وَعَدُوَّكُمْ يَعْنِي الرُّومَ وَبِعْهُمْ فَإِذَا كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَنَا فَلَا تَحْمِلُوا فَمَنْ حَمَلَ إِلَى عَدُوِّنَا سِلَاحاً يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَيْنَا فَهُوَ مُشْرِكٌ)
الكافي: ج5 ص112.
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَقَالَ لَهُ حَكَمٌ السَّرَّاجُ: مَا تَرَى فِيمَنْ يَحْمِلُ السُّرُوجَ إِلَى الشَّامِ وَأَدَاتَهَا؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ بِمَنْزِلَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِنَّكُمْ فِي هُدْنَةٍ فَإِذَا كَانَتِ الْمُبَايَنَةُ حَرُمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا إِلَيْهِمُ السُّرُوجَ وَالسِّلَاحَ) انتهى.
وخامساً: ومما يؤكد اتحاد شخصية اليماني والقائم أيضاً، الروايات التي تحدد العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (ع) للناس، فعند ملاحظتها نجد أنّ بعضها يذكر (القائم) ضمن العلامات كما عرضنا بعضاً من ذلك في ما سبق، والبعض الآخر يذكر (اليماني) بدل القائم، ولولا اتحاد الشخصية لما كان لذكر كل منها منفرداً وجه، والقول بالتعدد يلزم منه تعدد صاحب راية الهدى وهو باطل بنص الروايات كما عرفنا، وهذا مثال من روايات الحتميات: عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (ع)، قال:
(خمس قبل قيام القائم من العلامات: الصيحة، والسفياني والخسف بالبيداء، وخروج اليماني، وقتل النفس الزكية)
(غيبة الطوسي: ص436 ح427.).
وعن محمد بن علي الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم ..)
(الكافي: ج1 ص310 ح484.).
ثم إنّ اليماني والقائم بالسيف على علاقة بالإمام المهدي (ع)، لأنه وصيه وأول مقرب إليه ومؤمن به من جهة، كما أنه قائم بأمره وصاحب راية الهدى من جهة ثانية، وهو يمانيه ومن يرسله إلى الناس ليبدأ عملية التمهيد لقيام دولة العدل الالهي من جهة ثالثة.
وبهذا يتجلّى بكل وضوح أنّ (المهدي الأول = قائم آل محمد = اليماني الموعود)، ويكون المهدي أحمد وصي الإمام المهدي (ع) ورسوله إلى الناس.
------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
مَنْ الآتي محتجاً ؟
بعد أن عرفنا أنّ هناك رجلين من آل محمد في عصر الظهور كلاهما خليفة إلهي وحجة من حجج الله في أرضه، وقد وصف كل منهما بـ (القائم وصاحب الأمر والمهدي)،
وهما: الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) وابنه المهدي الأول أحمد.
فالسؤال: مَنْ منهما الذي يحتج على الناس لإثبات حقه ؟
أزعم أنّ إجابة هذا السؤال باتت واضحة؛ إذ عرفنا أنّ الآتي للناس أولاً، عند إذن الله بقيام دولة العدل وبداية نهاية الظلم والظالمين، هو القائم المخفي الاسم وصاحب السيف واليماني الموعود أحمد. ولما كان هو الآتي أولاً وهو خليفة من خلفاء الله ووصي من الأوصياء، ولما كان الناس جميعاً مأمورين بنصرته ويحرم عليهم الالتواء عليه عندما يرفع رايته، فهم بحاجة إذن إلى أن يتثبتوا من دعوته لتصديقه ونصرته، وبالتالي فهو الذي يحتج عليهم لإثبات حقه.
وأما الإمام المهدي (ع)، فهو ليس بحاجة إلى ذلك؛ لأنه يأتي لاحقاً بعده، وبعد أن يمهِّد له وصيه ورسوله، فيكون التعرُّفُ عليه عندئذٍ عبر وصيِّه ويمانيه، ويجب على الناس تصديقه في ذلك؛ لأنه - كما تقدَّم - وصي من أوصياء محمد ص.
إنّ كفاية التعرف على اليماني والمهدي الأول والرجل المشرقي الذي يقود رايات الفتح الممهدة للإمام المهدي (ع) للتعرُّف على الإمام، أمر أكَّده آل محمد ع في رواياتهم، قال أمير المؤمنين (ع) في رواية طويلة يبيِّن فيها حال مَنْ يدُّعون التشيع في آخر الزمان وتفرقهم واختلافهم، وتكفير بعضهم بعضاً، وبصق بعضهم في وجه بعض، وتأميلهم الفتح من غير جهته، وانضواء الكثير منهم تحت راية السفياني، إلى أن يقول:
(.. واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص فتداويتم من العمى والصم والبكم، وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق، ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون")
(الكافي: ج8 ص66 ح22.).
و(كفيتم مؤونة الطلب) يعني: أنّ معرفتكم بطالع المشرق يكفيكم مؤونة طلب إمامكم ومعرفته، فإنّ غايتكم تتحقَّقُ بمعرفة طالع المشرق، وقد تبيَّن مَن هو بالبحوث المتقدمة كالشمس في رابعة النهار.
كما أنّ رواية اليماني كافية هي الأخرى لإثبات هذه الحقيقة، فإنّ التعرُّف على رَجُلٍ أوجب آل محمد النهوض إليه لنصرته وحرَّموا الالتواء عليه (الكاشف عن كونه خليفة إلهي كما قلنا)، أكيد كافٍ في تحقيق الوصول إلى الإمام المهدي (ع) ومعرفته.
ومن ثم يكون القول بأنه (أي اليماني) الآتي محتجاً على الناس أمر في غاية الوضوح.
------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
لماذا بُشِّر بالمهدي أحمد بعنوان "الخليفة" و"اليماني" ؟
إنّ ملاحظة الروايات التي تتحدث عن المهدي الأول (أحمد)، والتي استعرضنا بعضاً منها فيما مضى، يوقفنا على صنفين أساسين من الروايات:الأول: يبيِّن أنه خليفة من خلفاء الله في أرضه وحجة من حجج الله ووصي من الأوصياء، وأنه خليفة الإمام المهدي (ع)، وأنه من الميعاد وما شابه.
الثاني: يبيِّن أنه اليماني الموعود وصاحب الأمر القائم بالسيف والمخفي الاسم وما شابه.ولو ركّزنا على وصفي (الخليفة) و(اليماني)، وسألنا عن سبب ذلك، فبماذا وسعنا أن نجيب ؟
عن الفضيل بن يسار، قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله ص من جهال الجاهلية، قلت: وكيف ذاك ؟ قال: إن رسول الله ص أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر)
(غيبة النعماني: ص297.).
إذن، هناك شبه بين ابتداء رسول الله ص بدعوته وبين ابتداء ابنه القائم (ع) بدعوته، فكلاهما يبعث في جاهلية، بل الرواية واضحة في أنّ الجاهلية الثانية أشد من الأولى. ولو عدنا إلى بعثة رسول الله ص في الأقوام المنتظرة، لوجدناه مذكوراً في ما بين أيديهم من نصوص بوصفين هما: أنه حجة من حجج الله، وأنه يماني.
أما البشارة برسول الله ص بوصف أنه خليفة وحجة إلهي مذكور باسمه في النصوص التي كان يعتقد بها المنتظرون، فهو ما بيَّنه الإمام الرضا (ع) في محاججته جاثليق النصارى في وقته، وهذا مقطع منها:
(.. قال الجاثليق: صفه - أي رسول الله ص- قال: لا أصفه إلا بما وصفه الله هو صاحب الناقة والعصا والكساء ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾
( الأعراف: 157.)، يهدي إلى الطريق الأفضل والمنهاج الأعدل والصراط الأقوم، سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله وكلمته هل تجد هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجاثليق ملياً وعلم أنه إن جحد الإنجيل فقد كفر، فقال: نعم، هذه الصفة في الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ص وقد صح في الإنجيل فأقررت بما فيه صفة محمد ص.
فقال: فخد عليّ في السفر الثاني فأني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين ص، فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا (ع) عالم بالتوراة والإنجيل، فقالا: والله لقد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود الإنجيل والتوراة والزبور، وقد بشّر به موسى وعيسى (عليهما السلام) جميعاً، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون إنه محمدكم.
فقال الرضا (ع): احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد، وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟ فأحجموا عن جوابه ..)
(بحار الأنوار: ج49 ص75 فما بعد.).
هذا هو الإثبات الأساسي على نبوة محمد ص في التوراة والإنجيل والذي استخدمه الإمام الرضا (ع) في الاحتجاج عليهم.
وهناك وصف آخر ورد عندهم لرسول الله ص، ولكن هذه المرة ليس باسمه وإنما بوصف (اليماني)، وفي بيان بعضها وتحديد معناه يقول السيد أحمد الحسن (ع):
(حبقوق - الأصحاح الثالث: "1 صلوة لحبقوق النبي على الشجوية 2 يا رب قد سمعت خبرك فجزعت. يا رب عملك في وسط السنين أحيه. في وسط السنين عرف. في الغضب أذكر الرحمة 3 الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه. 4 وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى".
المعنى: "الله جاء من تيمان" أي: الله جاء من اليمن، "والقدوس من جبل فاران" أي: القدوس جاء من مكة، وتعالى الله أن يوصف بالمجيء من السماء فكيف من الأرض؛ لأن الإتيان والمجيء تستلزم الحركة وبالتالي الحدوث وبالتالي نفي الإلوهية المطلقة، فلا يمكن أن يعتبر أنّ الذي يجيء من تيمان أو اليمن هو الله سبحانه وتعالى، ولا الذي يجيء من فاران هو القدوس سبحانه وتعالى. هذا فضلاً عن الأوصاف الأخرى كاليد تعالى الله عنها علوا كبيرا "وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى"، بل الذي يجيء هو عبد الله محمد ص وآله ص من بعده حيث إنهم من مكة ومحمد وآل محمد ص يمانيون أيضاً.
فمجيء محمد ص هو مجيء الله؛ لأن محمد هو الله في الخلق ومحمد هو ظهور الله في فاران كما بينته سابقاً في أكثر من موضع، وكون تيمان هي اليمن قد ورد حتى في الإنجيل على لسان عيسى (ع)عندما وصف ملكة اليمن بملكة التيمن (أو تيمان).
إنجيل متى - الأصحاح الثاني عشر: "ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهوذا أعظم من سليمان ههنا".
إنجيل لوقا - الأصحاح الحادي عشر: "ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان") انتهى.
وكون مجيء محمد مجيء الله ورد مثله في دعاء السمات الشريف أيضاً، إذ اعتبر آل محمد ص أنّ عيسى (ع) يمثل طلعة الله، وأنّ محمد صيمثل ظهور الله.
وبهذا تبيَّن أنّ رسول الله ص ذُكر للمنتظرين في الجاهلية الأولى باسمه مرة وبوصف اليماني ثانية، ومثله كان ابنه المهدي الأول (أحمد) والقائم الذي يحتج على الناس في الجاهلية الثانية، فهو أيضاً ذكر باسمه مرة، وبوصف اليماني أخرى، وقد عرفنا فيما تقدم بعض الروايات التي أوضحت ذلك.
وعطفاً على ما سبق، يقول السيد أحمد الحسن (ع):
(إنّ مسألة اليماني ليست جديدة، بل محمد ص أيضاً كان معروفاً عند أهل الكتاب ومبشراً به على أنه اليماني، لهذا ترك اليهود أرض الميعاد المهمة جداً عندهم واستوطن كثير منهم أرض اليمن، أي المسماة باليمن تاريخياً وليس حالياً فقط، والمدينة أيضاً من اليمن. ولا يزال اليهود في اليمن مستوطنين إلى اليوم؛ لأنهم أيضاً مبشرون باليماني وينتظرونه، أي بمحمد ص وباليماني من ذريته، تماماً كالبشارة بأحمد وأنها تنطبق على أكثر من مصداق في أزمان مختلفة.
فاليماني الأول محمد ص بُعث في اليمن أي في مكة لأنها من اليمن، واليماني الثاني من ذرية اليماني الأول يُبعث في المشرق في مسيرة عودة الإبراهيمية إلى موطنها الأصلي العراق. ولذا كان أكثر قبور الأئمة في العراق مع أنهم لم يولدوا في العراق، هذه مشيئة الله، ليثبتوا عودة الدين الإبراهيمي إلى العراق باليماني الموعود به في الديانات الثلاث. فاليهود وضح أنهم مبشرون باليماني، والمسيحيون مبشرون باليماني؛ لأنهم يعترفون بالعهد القديم التوراة أيضاً، والمسلمون السنة والشيعة مبشرون باليماني. فاليماني ليس شخصاً ورد فيه رواية الإمام الباقر (ع) فقط)
(من جواب له (ع) على سؤال وجهته له مباشرة.)، انتهى.
--------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
كيف يعرف الناس خليفة الله ؟
لا يخفى أنّ موقع خليفة الله بمستوى من الخطورة والأهمية، تُلخِّص الدين كله، يقول الإمام الصادق (ع): (.. أصل الدين هو رجل، وذلك الرجل هو اليقين، وهو الإيمان، وهو إمام أهل زمانه، فمن عرفه عرف الله ودينه وشرائعه، ومن أنكره أنكر الله ودينه، ومن جهله جهل الله ودينه وشرائعه، ولا يعرف الله ودينه بغير ذلك الإمام، كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله ..)
(مختصر بصائر الدرجات: ص80.).
وإذا كان (دين الله = خليفة الله)، إذن فقانون التعرف عليه في غاية الأهمية أيضاً، لأنّ الجهل بالخليفة وتضييعه يعني تضييع دين الله كله. ثم إنّ القانون الذي يراد تصويره، بغض النظر عن واضعه الآن، لابد من أن يتوفر عليه الخليفة منذ أول لحظة يبعث فيها ويحتج على الناس؛ لأنّ تأخره عن ذلك ولو للحظة واحدة يعني فقدان الخليفة لدليل يثبت به صدقه، كما أنه يمنح من يموت أو يتخلّف عن التصديق في تلك الفترة عذراً وحجة له على الله تعالى، وكلاهما باطل جزماً. وها هنا تصويران:
الأول: إنّ خليفة الله يعرف بقانون خصَّ الله به خلفاءه في أرضه منذ أول خليفة على هذه الأرض وحتى آخرهم، وبه تكون لله الحجة البالغة ولا حجة لأحد من الناس عليه أبداً. وهو قانون أوضحته الآيات المحكمة والروايات المتكاثرة.
يقول السيد أحمد الحسن (ع) في بيانه:
(إنّ مقتضى الحكمة الإلهية هو وضع قانون لمعرفة خليفة الله في أرضه في كل زمان، ولابد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه، فلا يمكن أن يكون هذا القانون طارئاً في إحدى رسالات السماء المتأخرة عن اليوم الأول؛ لوجود مكلفين منذ اليوم الأول، ولا أقل أن القدر المتيقن للجميع هو وجود إبليس كمكلف منذ اليوم الأول، والمكلف يحتاج هذا القانون لمعرفة صاحب الحق الإلهي، وإلا فإنه سيعتذر عن إتباع صاحب الحق الإلهي بأنه لم يكن يستطيع التمييز، ولا يوجد لديه قانون الهي لمعرفة هذا الخليفة المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى. والقدر المتيقن للجميع حول تاريخ اليوم الأول الذي جعل فيه الله خليفة له في أرضه هو:
1- إن الله نص على آدم وإنه خليفته في أرضه بمحضر الملائكة ع وإبليس.
2- بعد أن خلق الله آدم (ع) علَّمه الأسماء كلها.
3- ثم أمر الله من كان يعبده في ذلك الوقت الملائكة وإبليس بالسجود لآدم.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾،
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾،
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾،
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾.
هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه وهذه الأمور الثلاثة قانوناً سَنَّه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾،
﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾)
(إضاءات من دعوات المرسلين: ج3، السيد أحمد الحسن.).
ثم بيَّن آل محمد ع هذا القانون الإلهي، بروايات كثيرة، هذا نموذج منها:
فبالنص أو الوصية: احتج نوح (ع) على قومه بنص ذكره فيه نبي الله آدم (ع)، قال عنه الإمام الرضا (ع): (.. وقد كان آدم أوصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوح في زمانه الذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمداً ..)
(كمال الدين وتمام النعمة: ص215.).
وكذا إبراهيم وموسى وعيسى ع، حيث قال الإمام الصادق (ع) في حديث له عن الوصية: (.. وأوصى نوح إلى سام .. ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل (ع)، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف .. ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران (ع)، وأوصى موسى إلى يوشع بن النون ... ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم (ع)، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا ..)
(أمالي الصدوق: ص242.)،
وهكذا إلى أن وصلت رسول الله محمداً ص.
وكان من تعريف الله سبحانه لموسى به ع ما يوضِّحُه الحديث القدسي التالي: (.. أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وأنه راكع ساجد راغب راهب، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون ..)
(الكافي: ج8 ص63 ح8.). ثم صار موسى (ع) يوضح ذلك للمؤمنين به.
وبمثل ذلك بشّر عيسى به ع ونص عليه باسمه، قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾( الصف: 6.).
وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال:
(.. فلما أن بعث الله المسيح (ع) قال المسيح لهم: إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل (ع) يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم ..)
(الكافي: ج1 ص434 ح3.).
وبالعلم: عُرف إبراهيم (ع): ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾( مريم: 43.).
وموسى (ع): ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾( القصص: 14.).
وعيسى (ع): ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾( الزخرف: 63.).
ومحمد ص: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾( الجمعة: 2.).
وأما طاعة خليفة الله ودعوته إلى حاكمية الله (فقرة القانون الإلهي الثالثة)، فالكتب السماوية كلها مملوءة بذلك.
وهذا القانون الإلهي هو ذاته الذي أشار إليه أئمة الهدى ص، لما سئلوا عن طريق التعرُّفِ عليهم، وهذا مثال منها:
عن هشام بن سالم وحفص بن البختري، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (قيل لأبي عبد الله (ع): بأي شيء يعرف الإمام ؟ قال: بالوصية الظاهرة وبالفضل، إنّ الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه ذلك)
(الكافي: ج1 ص284 ح3.).
وعن عبد الأعلى، قال: (قلت لأبي عبد الله (ع): المتوثب على هذا الأمر المدعي له، ما الحجة عليه ؟ قال: يسأل عن الحلال والحرام،قال: ثم أقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الامر: أن يكون أولى الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان ؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان)
(الكافي: ج1 ص284 ح2.).
وعن الحارث بن المغيرة، قال: (قلت لأبي عبد الله (ع): بأي شيء يعرف الإمام ؟ قال: بالسكينة والوقار،قلت: وبأي شيء ؟ قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله ص، قلت: يكون إلا وصياً ابن وصي؟ قال: لا يكون إلا وصياً وابن وصي)
(غيبة النعماني: ص242.).
وعن أبي الجارود، قال: (قلت لأبي جعفر (ع): إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت فبأي شيء يعرف من يجيء بعده ؟ قال: بالهدى والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يسأل عن شيء بين صدفيها إلا أجاب)
(غيبة النعماني: ص242.).
وعن الإمام الصادق (ع)، قال: (أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ! لا والله، ولكن عهد من الله ورسوله ص لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه)
(الكافي: ج1 ص278 ح2.).
وعن أمير المؤمنين (ع): (لا يقاس بآل محمد ص من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة)
(نهج البلاغة، وعنه بحار الأنوار: ج23 ص117.). وغيرها الكثير.
-----------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
تابع للحلقة (12)
وهذه كلمات بعض كبار علماء الشيعة في معرفة الإمام من آل محمد ص: قال الشيخ الطوسي رحمه الله:
(.. لأنّ الإمام لا يعلم أنه إمام إلا ينصّ عليه نبي، فإذا نص عليه النبي، أو ادعى هو الإمامة جاز أن يظهر الله تعالى على يده علماً معجزاً، كما نقوله في صاحب الزمان إذا ظهر، فصار النص هو الأصل ..) (الاقتصاد: ص194.).
وبعد بيان الفرق بين النبي والإمام والصالح، قال أيضاً: (.. فعلى هذا لا يلزم أن يظهر الله على يد كل إمام معجزاً، لأنه يجوز أن يعلم إمامته بنص أو طريق آخر، ومتى فرضنا أنه لا طريق إلى معرفة إمامته إلا المعجز وجب إظهار ذلك عليه وجرى مجرى النبي سواء ..)
(المصدر السابق: ص160.).
وقال الشيخ المفيد رحمه الله: (فصل: وأما مسألتهم من أين صار النص أولى من الاختيار؟ فالجواب أنه كان كذلك؛ لأنّ من شرط الإمام أنه الأفضل عند الله والأعلم الأشجع الأصلح، وذلك مما لا يعلم المستحق له على التعيين بالعقل ولا بالحدس، فثبت أنه لا طريق إليه إلا بالنص من العالم بالسرائر، والتوقيف منه عليه. وأيضاً: فإن الإمام يجب أن يكون معصوماً كعصمة النبي ص ولا طريق إلى العلم بالعصمة إلا من جهة النص من صادق عن الله، أو علم معجز خارق للعادات) (المسائل العكبرية: ص52.).
وقال أيضاً: (.. فأما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو عَلَم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ..)
(أوائل المقالات: ص38.).
وقال العلامة الحلي رحمه الله: (النظر الخامس: في نقل (هكذا وردت وربما الأصح: (نقد).) مذهب الخصم وإبطاله: اعلم أن الناس اتفقوا على أنّ الإمام لا يصير إماماً بنفس الصلاحية للإمامة، بل لابد من أمر متجدد .. ثم اتفقت الأمة بعد ذلك على أنّ نص النبي ص على شخص بأنه الإمام طريق إلى كونه إماماً، وكذلك الإمام إذا نص على إنسان بعينه على أنه إمام بعده، ثم اختلفوا في أنه هل غير النص طريق إليها أم لا، فقالت الإمامية: لا طريق إليها إلا النص بقول النبي ص أو الإمام المعلومة إقامته بالنص، أو بخلق المعجز على يده ..)
(كتاب الألفين: ص42.).
وقال أيضاً الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه، لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى، فلابدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه، أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه)
(الباب الحادي عشر: ص48.).
وقال المقداد السيوري في التعليق: (هذه إشارة إلى طريق تعيين الإمام، وقد حصل الإجماع على أنّ التنصيص من الله ورسوله، وإمام سابق سبب مستقل في تعيين الإمام (ع)، وإنما الخلاف في أنه هل يحصل تعيينه بسبب غير النص أم لا، فمنع أصحابنا الإمامة من ذلك مطلقاً وقالوا لا طريق إلا النص، لأنا قد بينا أن العصمة شرط في الإمامة، والعصمة أمر خفي لا إطلاع عليه لأحد إلا الله فلا يحصل حينئذ العلم بها، في أي شخص هي، إلا بإعلام عالم الغيب وذلك يحصل بأمرين: أحدهما: إعلامه بمعصوم كالنبي ص فيخبرنا بعصمة الإمام (ع) وتعيينه. وثانيهما: إظهار المعجزة على يده الدالة على صدقه في ادعائه الإمامة ..)
(شرح الباب الحادي عشر: ص94 – 95.).
ومطالعة هذه الكلمات من كبار علماء الشيعة يكشف عن حرصهم في اعتماد قانون الله في معرفة خلفائه الطاهرين، فالتأكيد على النص والعلم نراه أصلاً بادياً بكل وضوح فيها، وما سواه إما أنه لا يكفي إلا بانضمام الأصل إليه، أو أنه لا يشترط حصوله أصلاً بل هو راجع إلى مشيئة الله سبحانه إن شاء أظهره وإلا فلا.وفي مقابل ذلك، يطرح بعض أنصاف المتعلمين هذه الأيام قانوناً آخر يريدون أن يتعرفوا على خلفاء الله من خلاله، وهذا بيانه:
الثاني: إنّ القانون الذي يحتج به خليفة الله على الناس هو: (معرفته بكل اللغات، وأنه لا ظل له، ويؤثر قدمه في الحجر، ولا تأكله السباع، والختان من الولادة، وينزل من رحم أمه ساجداً، وتنام عينه ولا ينام قلبه ..... إلخ)، بل حتى وصلت الجرأة لدى بعضهم إلى افتراض معرفته بالحمض النووي، كما سمعناه من بعض شيعة المراجع أخيراً.
يعتقدون بهذا، في ذات الوقت الذي يعلمون هم قبل غيرهم بما اشترطه علماء العقائد الشيعة من ضرورة تحصيل العلم واليقين في العقيدة، والذي يتحقق بآية قرآنية قطعية الدلالة، أو تواتر الروايات عليه، وأضاف بعضهم الدليل العقلي القطعي والصريح.والسؤال: إنّ من أعرض عن قانون الله في معرفة خلفائه واقترح قانوناً من نفسه، هل أقام على اقتراحه دليلاً بأحد الوجوه الثلاثة لإثبات عقائدية المسألة ؟ كلا.
وهل اعتمد روايات صحيحة السند عنده، فضلاً عن إقامة التواتر فيها، وفضلاً عن إثبات عدم مخالفتها للثقلين ؟ كلا أيضاً. وأقصى ما زعموه دالاً على مقترحاتهم هي روايات آحاد شاذة، وهي:
• إما أنها لا سند لها ولا أصل (كما في الحكاية المنسوبة إلى الإمام الرضا (ع) في قضية زينب الكذابة، وقد حاول بعضهم جعلها قانوناً يعرف به الإمام، وهذا نصها:
(أنه كان بخراسان امرأة تسمى زينب فادعت أنها علوية من سلالة فاطمة عليها السلام، وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها، فسمع بها علي الرضا (ع) فلم يعرف نسبها فأحضرت إليه فرد نسبها وقال: هذه كذابة، فسفهت عليه وقالت: كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك. فأخذته الغيرة العلوية فقال (ع) لسلطان خراسان وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع، فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين يسمى ذلك الموضع بركة السباع، فأخذ الرضا (ع) بيد تلك المرأة وأحضرها عند ذلك السلطان وقال: هذه كذابة على علي وفاطمة عليهما السلام، وليست من نسلهما فانّ من كان حقاً بضعة من علي وفاطمة فان لحمه حرام على السباع فألقوها في بركة السباع فان كانت صادقة فانّ السباع لا تقربها، وإن كانت كاذبة فتفترسها السباع ..)
ثم تذكر الحكاية بأن الإمام (ع) نزل ولم تقربه السباع ثم أمر بإلقائها فأنزلت قسراً وافترستها، انظر: بحار الأنوار: ج49 ص61.
ونفس هذه الحكاية (زينب الكذابة) نقلها المجلسي عن خرائج الراوندي، ولكن هذه المرة منسوبة الإمام الهادي (ع) في زمن المتوكل، إذ ورد فيها:
(.. قال: لحوم بني فاطمة محرمة على السباع فأنزلها إلى السباع فان كانت من ولد فاطمة فلا تضرها ..) انظر: بحار الأنوار: ج50 ص149.ويكفيهم رادعاً عن أخذ عقيدة من أمثال هذه القصص أن يعرفوا:أولاً: إنها مجرد حكايات منسوبة إلى آل محمد عليهم السلام ولا سند لها أصلاً، فكيف استساغوا الاعتقاد على ضوئها مع أنّ هذا مخالف لمنهج أخذ العقائد الذي عليه علماء الشيعة جميعاً ؟!وثانياً: إنها تسيء لأهل البيت عليهم السلام وتصور فعلهم كفعل الطواغيت - وحاشاهم - في أنهم يأمرون بإلقاء امرأة حية إلى السباع لتنهشها وتقطعها، وهذا تمثيل بها، فهل يعتقدون بأنّ أئمة الهدى غاب عنهم قول جدهم المصطفى: أنّ المثلة حرام ولو بالكلب العقور ؟!!وثالثاً: إنها - وفق الصيغة الثانية - تفترض أن كل ولد علي وفاطمة عليهما السلام (أي السادة) لا تأكلهم السباع، وهو باطل جزماً ولا يعتقد بذلك عاقل.).
• أو أنها ضعيفة السند بنظرهم (كما عرفنا قبل قليل في قضية زينب الكذابة، وأيضاً: احتج بعضهم لإثبات معرفة الإمام ببعض الصفات المذكورة بمثل الرواية التالية:
(وروى أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا على بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: للإمام علامات يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً ويستوى عليه درع رسول الله، ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه وتكون لرائحته أطيب من رائحة المسك ..)
الفقيه: ج4 ص418 ح5914.
ولكن الرواية:أولاً: معلوم أنّ العقيدة لا تؤخذ من رواية آحاد ما لم يحصل منها العلم المشترط في العقائد والذي يحصل من خلال التواتر كما تبيَّن.
وثانياً: الرواية تذكر علامات للإمام لا يتسنى لجميع الناس التأكد منها كولادته مختوناً وسجوده وتشهده عند وقوعه من بطن أمه وكذلك عدم نوم قلبه، فكيف يعرف الناس ذلك ؟!! بل بعضها مخالف للثابت عن أئمة الهدى، فإنّ الإمام الباقر (ع) لبس درع رسول الله وكان يستخب عليه، قال الصادق (ع) لأبي بصير:
(يا ] أبا[ محمد، إنّ أبي لبس درع رسول الله وكانت تستخب)
بصائر الدرجات: ص209،
فهل تنتفي إمامته بنظر المعتقدين بالرواية أعلاه وحاشاه ؟!
وثالثاً: إننا لا ننكر أن يكون لآل محمد عليهم السلام معاجز وفضائل، لكننا نتحدث عن قانون به تعرفهم الناس ولا نتكلم عن أي شيء آخر. وبالنتيجة فالرواية شاذة ومخالفة للثابت من سيرة آل محمد ولا تثبت بها عقيدة مطلقاً.).
• وإما مخالفة لكتاب الله وللثابت من سنة الطاهرين (كما توضح لنا في مخالفة رواية زينب الكذابة لسيرة رسول الله ص، وكما في مخالفة قول بعضهم
(إنّ الإمام يعرف بتأثير قدميه في الحجر) للثابت من سيرة أهل البيت عليهم السلام، فلم يرو أنهم يقومون بتعويض الناس عن تخريب أرضيات بيوتهم لما يطؤونها، بل الثابت أنّ ذلك إن حصل فهو على سبيل المعجزة متى ما شاء الله كما حصل من طبع قدمي الإمام الرضا (ع) في مدينة نيشابور عند سفره من المدينة إلى خراسان، ولكن هذا ليس أمراً لازماً له أينما ذهب وبه تعرف إمامته منذ يومها الأول كما يريد بعض المتشيعة معرفته به ؟!! ).
• أو أنها معارضة بروايات أخرى أثبتت الخلاف (بعض المتشيعة يريد أن يعرف الإمام من خلال معرفته بكل اللغات، والحال أنّ روايات وردت تؤكد خلاف ذلك، منها: عن حبة بن جوين العرني، قال: (سمعت أمير المؤمنين علياً (ع)يقول:
إن يوشع بن نون كان وصي موسى بن عمران وكانت ألواح موسى عن زمرد أخضر .. فلم يزل يتوارثها رهط من بعد رهط حتى وقعت في أيدي أربعة رهط من اليمن. وبعث الله محمداً ص بتهامة وبلغهم الخبر.. فأوحى الله إلى جبرئيل أن ائت النبي ص فأخبره .. فسهر لهم تلك الليل فجاء الركب فدقوا عليه الباب وهم يقولون: يا محمد، قال: نعم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، أين الكتاب الذي توارثتموه من يوشع بن نون وصي موسى بن عمران ؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك محمداً رسول الله ص، والله ما علم به أحد قط منذ وقع عندنا قبلك. قال: فأخذه النبي ص فإذا هو كتاب بالعبرانية دقيق، فدفعه إليّ ووضعته عند رأسي فأصبحت بالكتاب وهو كتاب بالعربية جليل فيه علم ما خلق الله منذ قامت السماوات والأرض إلى أن تقوم الساعة، فعلمت ذلك)
بصائر الدرجات: ص146.
ومثلها روايات أخرى.وفي الرواية دلالة واضحة على أنّ أمير المؤمنين (ع) عرف لغة الكتاب بالمعجزة، وهذا لا ننكره على أئمة الهدى صلوات ربي عليهم، ولكن كلامنا في قانون إلهي يعرف به الناس الإمام عند بعثته، لا في معاجزه التي إن حصلت فهي فضل من الله، وإن لم تحصل فإمامته ثابتة ودليلها ثابت أيضاً من اليوم الأول. ).
ولهذا فقد تركها كبار علماء الشيعة ولم يتطرَّقوا لها أصلاً عند ذكر طريقة احتجاج الإمام على الناس أو معرفتهم به عند بعثته. كما أنّ بعضها - إن صحت - تضم شؤوناً خاصة للإمام لا علاقة للناس بها، كما أنّ الكثير منها يضم أموراً إن حصلت فهي على سبيل المعجز الذي لا يضر تأخّره أو عدم حصوله حتى بدليل الخليفة الإلهي وصدقه، وكلامنا في القانون الذي لا تتخلَّف فقراته أبداً منذ أول يوم يُبعث فيه خليفة الله للناس ويلازمه دائماً، وهو ما تقدَّم بيانه لا غير.
------------------------
:: علاء الســــالم ::
بماذا احتج المهدي الأول (أحمد) اليوم ؟
بعد أن تبيَّن أن المهدي الأول خليفة من خلفاء الله ووصياً من الأوصياء، فهو إذن يعرف بقانون الله في خلفائه الذي لا يتخلف عنهم أبداً، أي:
(النص والعلم وراية البيعة لله)، وهي ذاتها أدلة السيد (أحمد الحسن).
أما النص، فقد احتج بوصية جده رسول الله ص المذكور فيها باسمه وصفته ومقامه، والوصية هي الكتاب العاصم من الضلال لمن تمسَّكَ به، وقد عرفنا أنها من مختصات الأوصياء التي لا يشاركهم فيها أحدٌ أبداً، وبها يُعرفون ويُشخَّصون.
والوصي أحمد لما كان يُطلق عليه صاحب الأمر والقائم وهو الآتي محتجًّا كما تبيَّن في ما سبق، ورد عن أئمة الهدى أنه يعرف بالوصية، وهذا مثال منه:
عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): بم يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: (بالسكينة والوقار والعلم والوصية)
(الخصال للصدوق: ص200.).
وعن عبد الأعلى عن أبي عبد الله (ع)، قال:
(يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله ص ووصيته، وذلك عندي لا أنازع فيه)
(بصائر الدرجات: ص202.).
وعن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (ع):
(.. إياك وشذاذاً من آل محمد ص فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء)
(بحار الأنوار: ج52 ص222.). والعهد هو الوصية كما لا يخفى.
وأما العلم، فأمام الجميع ما كتب السيد أحمد الحسن من إصدارات تقرب من الأربعين، منشورة في موقع الدعوة الرسمي وبوسع الكل قراءتها، ولم نرَ أو نسمع إلى الآن أحداً - مرجعاً كان أو دونه - رد عليه أو حدّثته نفسه بذلك، فضلاً عن قبول مناظرته أمام الناس أجمعين كما دعاهم لذلك منذ سنين، خصوصاً وقد تعرَّضَ لكتاب الله وأحكم ما تشابه فيه، وتناول أهم ما في العقيدة وبين خللهم فيها، فضلاً عمّا سواها من بيان حلال الله وحرامه. وإذا كان هذا لا يعني رجال الدين اليوم فما الذي يعنيهم إذن ؟! ولهذا ورد عن آل محمد ع أنه يُعرف بالعلم، وهذا نموذج منه:
عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (ع)يقول:
(إن لصاحب هذا الأمر غيبتين في إحداهما يرجع فيها إلى أهله، والأخرى يقال: في أي واد سلك، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال: إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله)
( غيبة النعماني: ص173.).
وعن احتجاج القائم (ع) بكتاب الله بالخصوص، ورد عن عبد الأعلى الحلبي عن الإمام الباقر (ع) في حديث طويل:
(.. يا أيها الناس: من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله ..)
(معجم أحاديث الإمام المهدي : ج5 ص24.).
وأما رفعه راية البيعة لله، فيكفي السيد أحمد الحسن (ع) صدقاً انفراده من بين أهل الأرض بدعوته إلى حاكمية الله ورفض حاكمية الناس بكل صورها، بعد أن انضوى الجميع تحت الديمقراطية الأمريكية.
أضف إليه انضمام عشرات الروايات الأخرى التي ذكرته باسمه وصفته ومسكنه وحجته بل حتى صفاته وشمائله من رأسه إلى أخمص قدميه، وكذلك شهادة الله له - وكفى بالله شهيداً - بآلاف الرؤى الصادقة بالأنبياء والمرسلين والصالحين وكلها ترشد إلى صدقه وأحقيته.
ويكفي المؤمنين بالله الرجوع إلى ربهم سبحانه وسؤاله عن (أحمد الحسن) بصدق، وهذا نص ما أجاب به (ع)من سأله عن رفع القلق رغم مطالعته الروايات:
(وفقك الله لكل خير، إن كنت تطلب اليقين والاطمئنان فتزود وارتحل إلى الله وأسأله فيجيبك سبحانه، وما أخف الزاد على القلوب الطاهرة وهو الإخلاص له سبحانه، وما أقصر طريق الرحيل إليه الذي لا يحتاج إلّا النية فقط، فهو لا يبعد عن خلقه سبحانه وتعالى،
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾( ق: 16.)،
وما أيسر أن تسأله وهو لا تتشابه عليه الأصوات ولا تزيده كثرة العطاء إلا كرماً وجوداً. هل يصعب عليك أن تسجد ولا ترفع رأسك حتى تسمع جواب ربك لتنجو في الآخرة والدنيا؟ وهل يصعب عليك أن تصوم ثلاثة أيام وتتضرع في لياليها إلى الله أن يجيبك ويعرفك الحق؟ وفقك الله لكل خير، الجأ إلى الله وستجده كهفاً حصيناً لا يضيع من لجأ إليه) (الجواب المنير عبر الأثير: ج6 سؤال رقم (584).).
--------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
لماذا يرفض المتشيعة الصيحة ؟!
عن عبد الله بن سنان، قال: (كنت عند أبي عبد الله (ع)، فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيرونا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر وكان متكئاً، فغضب وجلس، ثم قال: لا ترووه عني وارووه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي (ع)يقول:
والله إن ذلك في كتاب الله عز وجل لبين، حيث يقول:﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾( الشعراء: 4.)،
فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إن الحق في علي بن أبي طالب وشيعته. قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته، فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه. قال:فيثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرءون منا ويتناولونا، فيقولون: إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت) ثم تلا أبو عبد الله (ع):
﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ (القمر: 2.))
(غيبة النعماني: ص260.).
واضح أنّ الرواية الشريفة لا تتحدث عن المنحرفين عن ولاية آل محمد ع منذ أول زمان الإسلام فهم متبرئون من خلفاء الله وأوصياء نبيه ص منذ ذلك الحين وملبّين لإبليس نداءه، فلا يضيف إلى باطلهم شيئاً نداؤه لتشكيك الناس بالقائم (ع) بالصيحة الثانية التي تأتي مباشرة بعد صيحة الحق الأولى. ثم إذا كان السامعون - أو لا أقل من ضمنهم - شيعة يدّعون ولاية أهل البيت ع،
فما بالهم يُشكِّكون بالصيحة الأولى التي ذكرت علياً (ع) وشيعته ويتبرؤون من آل محمد ويتهمونهم بالسحر ؟! قبل معرفة الجواب، لنستعرض بعض مضامين الصيحة وفق ما ورد في الروايات
(انظر: غيبة النعماني: ص253 – 266.):
1- عن أبي جعفر (ع): (ينادي منادي باسم القائم واسم أبيه).
2- عن أبي جعفر (ع): (ألا إن المهدي من آل محمد فلان بن فلان).
3- عن أبي عبد الله (ع): (إن فلان هو الأمير).
4- عن أبي عبد الله (ع): (ألا أن فلان صاحب الأمر فعلامَ القتال).
5- عن أبي عبد الله (ع): (ألا إن الحق في علي بن أبي طالب).
ولا يصح أن يخطر في بال أحد ليتوهّم أنّ ما ذكر من مضامين تخص صيحة الحق ونداءه يتعلق بعدة أشخاص، فإنّ راية الحق تُرفع من قِبَل واحد لا أكثر والحق لا يتعدَّد، فمَن هو المنادى باسمه والذي وصِف بأنه: (القائم، والمهدي، والأمير، وصاحب الأمر، وصاحبكم، وإنه علي بن أبي طالب (ع)) ؟
وبكل تأكيد فإنّ المنادى باسمه ليس أمير المؤمنين (ع) بشخصه، وإلا فلماذا يرتاب من يدَّعي أنه من شيعته بعد نداء إبليس لعنه الله، والذي يكون سبباً ليس فقط لعدم نصرة داعي الحق بل للبراءة من أهل البيت ع وتناولهم ؟ إنه إذن مَثَل علي (ع) في زمنه، والإمام المهدي (ع) وإن كان كذلك روحي فداه لكنه الآخر غير مقصود بالمنادى؛ ذلك أنّ ما قلناه في أبيه أمير المؤمنين (ع) يأتي فيه.
وإذ انتهينا فيما مضى إلى أنّ هناك رجلاً آخر من آل محمد في زمن الظهور، فيتعيَّن أن يكون هو لا غير. هو (أحمد) إذن، وشبهه بجده أمير المؤمنين (ع)يتضح بقراءة وصية رسول الله ص ليلة وفاته لما خصه بالذكر وركّز على بيان أسمائه وصفاته كتركيزه على أول الأئمة الاثني عشر. وتقدّم بيان إطلاق (المهدي والقائم وصاحب الأمر) عليه أيضاً، وإذا لاحظنا التعبير عن المهدي بـ (فلان) وكذلك عدم التصريح باسم القائم في النداء؛ فذلك لأنه لا يراد الكشف عنه وإبقاء أمره مخفياً إلى حين ابتدائه هو بالأمر وتفويت الفرصة على المدعين.
بقي أن نعرف أنه أمير جيش الغضب الذي ولّي البيعة من قبل أبيه الإمام (الملك)، وقد عرفنا سابقاً أن أسماء من يبايع بين الركن والمقام بنص حديث رسول الله ص- وبعد عرضها على الوصية المقدسة - هي أسماؤه سلام الله عليه.
روى السيد ابن طاووس:
(أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو، لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني)
(الملاحم والفتن: ص27.).
هو مَثَل علي (ع) اليوم بعد أن كان أبيه الإمام المهدي (ع) مَثَل جده المصطفى ص، فعن أبي مروان، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾( القصص: 85.)،
قال: فقال لي: (لا والله، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله وعلي بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب)، يعني موضعاً بالكوفة
(بحار الأنوار: ج53 ص113 – 114.).
وهذا المسجد الذي سيبنى له علاقة بالقائم (ع)، فإنّ الصلاة خلفه تعدل الصلاة خلف رسول الله ص، عن أبي جعفر (ع) في خبر طويل:
(يدخل المهدي الكوفة، وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها، فتصفو له فيدخل حتى يأتي المنبر ويخطب، ولا يدري الناس ما يقول من البكاء .. فإذا كانت الجمعة الثانية، قال الناس: يا ابن رسول الله، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله ص والمسجد لا يسعنا، فيقول: أنا مرتاد لكم، فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب ..)
(بحار الأنوار: ج52 ص331.).
وهو رَجُلٌ مِن علي (ع)، بل إنّ أمير المؤمنين (ع) يعتبر فعلَه فعلَه. عن عباية الأسدي، قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) وهو مشنكى - كذا في المصدر - وأنا قائم عليه:
(لأبنين بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين، كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت ؟ فقال: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني)
(بحار الأنوار: ج53 ص59 – 60.).
وإذا كان فعله هو فعل أمير المؤمنين (ع) فالصيحة باسمه يعني الصيحة باسم علي (ع)، ويعرف بعد هذا معنى ما ورد في الصيحة بـ (أن الحق مع علي) أو (علي وشيعته هم الفائزون)، ويتّضح سبب تأثر الناس بالنداء الثاني وتبرئهم من أهل البيت ع والعياذ بالله؛ ذلك أنّ الصيحة ستكون باسم مَن هو مَثَل أمير المؤمنين (ع) اليوم وبراءتهم منه يعني براءتهم من أمير المؤمنين (ع) وأهل البيت كلهم؛ لأن المنكر لآخرهم كالمنكر لأولهم، هكذا شاء الله.
وعن أبي عبد الله (ع) في حديثه عن راية القائم (ع)، قال:
(.. فإذا قام نشرها فلم يبق في المشرق والمغرب أحد إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، [ووراءها شهراً] وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً. ثم قال: يا أبا محمد، إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً، لغضب الله على هذا الخلق عليه قميص رسول الله ص الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرع رسول الله ص السابغة، وسيف رسول الله ص ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً. فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف ولا يخرج القائم (ع) حتى يقرأ كتابان كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي (ع))
(بحار الأنوار: ج52 ص360 – 361.).
ومرة أخرى يقف المرء مذهولاً أمام الحقيقة التي تذكرها الرواية وهي التبرؤ من الإمام علي (ع) في مدينتين يدَّعي أهلها التشيُّع كما هو معلوم، ولكن إذا عرفنا ما سبق نعرف أنّ مَن يُقرأ الكتاب باسمه في الكوفة والبصرة هو مَثَل علي (ع).
وأخيراً: لكل طالب حق هذه الرواية لمن تكون باسمه صيحة الحق ليضمَّها إلى ما تقدَّم: قال الإمام الصادق (ع):
(يا مفضل، يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادي باسمه وكنيته ونسبه، ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، على أنه قد قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله ص وكنيته لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسماً ولا كنية ولا نسباً. والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه ونسبه وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم، ثم يظهره كما وعد به جده ص في قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾)
( مختصر بصائر الدرجات: ص179 – 180.).
أما صيحة إبليس (لعنه الله) فبعض ما تساءلنا عنه في صيحة الحق يأتي فيها أيضاً، فإذا كان الذين يتبرؤون من أهل البيت يُحْسَبون على الشيعة كما تقدم، فكيف يمكن تصوّر أن شيعياً يستمع لإبليس وهو ينادي بمظلومية عثمان قبالة حق علي (ع) ؟! وكما توضح في صيحة الحق في أنها تكون بمَثَل علي (ع)، فكذلك الحال في صيحة إبليس أخزاه الله فإنها تكون بمَثَل عثمان في هذا الزمان، ولما كان يتجلبب زوراً بزي أهل التنسُّك والزهادة وإمامة الأمة يشتبه الأمر على الناس فيضيع مَن لم يكن لديه نور من الله، ويتبرأ مِن آل محمد لأجله بل يتناولهم ويتهمهم بالسحر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
كلمــــــات فـــي الختـــــام
كانت هذه رسالة مختصرة في بيان اتحاد شخصية المهدي الأول وصاحب الأمر والقائم به بالسيف واليماني الموعود.
وتعرضنا لبعض الأبحاث المناسبة لذلك زيادة للفائدة. وهي رغم اختصارها ضمت ما يزيد على الستين رواية من روايات الطاهرين التي ما كان ليكشف النقاب عن كثير منها إن لم يكن جلها وفك ألغازها لولا مجيء صاحبها نفسه صلوات ربي عليه، والذي جعل آل محمد حله لها وفكه لشفرتها إحدى دلائل صدقه:
عن مالك الجهني، قال: (قلت: لأبي جعفر (ع) إنا نصف صاحب الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس، فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه)
(غيبة النعماني: ص220.).
أيها الناس: إنه الوصي (أحمد الحسن)، الذي به تستهزئون وتسخرون، وبأبشع التهم تنسبون، وبأقذر الكلمات والشتائم تتعرضون، فاتقوا الله فيه إن كنتم إياه سبحانه تخشون، وهو حسبنا الله ونعم الوكيل.
وعما قريب سيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.
والحمد لله رب العالمين.
فجر الجمعة
30 ربيع الثاني 1433 هـ
---------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
آل محمد (عليهم السلام) في عصر الظهور:
عند ملاحظة الروايات الشريفة التي تتحدث عن عصر الظهور بإنصاف تتكشّف حقيقة وجود شخصيتين من العترة الطاهرة في زمن الظهور المقدس:
الأولى: الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، وبكل تأكيد إنّ الروايات التي ذكرته كثيرة جداً وهي تبيِّن ولادته ونشأته وشمائله ومقامه وفضله وعلمه وألقابه وأسماءه وعلامات ظهوره وتوقيعاته ولقاءاته وسيرته وغير ذلك.
الثانية: شخصية رجل آخر من آل محمد ع، وقد وردت روايات كثيرة أيضاً في بيان اسمه وصفاته وفضله ومقامه وسيرته وألقابه وأسمائه ومهامِّه في زمن الظهور والتمهيد لقيام دولة العدل الإلهي وغير ذلك.
ولأجل إثبات هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان الكثيرين أطرح النقاط التالية:
الدكتور علاء السالم - كتاب رســـــالــة في وحدة شخصية المهدي الأول والقائم واليماني
------------------
1- اسم المهدي:
لا شك في أنّ الإمام المهدي (ع) يوسَم بهذا الاسم، ولكن ليس صحيحاً حمل كل الروايات التي تذكر (المهدي) في زمن الظهور عليه، لوضوح أنها لا تقصده،
وهذه بعض الأمثلة:
عن حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله ص يقول - وذكر المهدي-:
(إنه يبايع بين الركن والمقام اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها)
(غيبة الطوسي: ص454 ح463.).
والأسماء المذكورة للمهدي المبايَع له ليست أسماءً للإمام المهدي (ع)، يتضح ذلك بقراءة خاتمة وصية رسول الله ص ليلة وفاته والمتضمنة لذكر الإمام المهدي ومهدي آخر موجود في زمن الظهور أيضاً وهو ابنه ووصيه (أحمد)،
حيث ذكرت أسماء الأوصياء وعند وصولها إلى الإمام العسكري (ع) قالت:
(.. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك اثنا عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين)
(غيبة الطوسي: ص151 ح111.).
وعن الاصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين (ع) فوجدته ينكث في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، مالي أراك مفكراً تنكت في الأرض أرغبة منك فيها ؟ قال:
(لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. قلت: يا مولاي، فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين ..)
(غيبة الطوسي: ص165 ح127.).
واضح أنّ الحادي عشر من ظهر أمير المؤمنين (ع) هو الإمام المهدي (ع)، ولكن هذا المولود والمسمَّى بالمهدي أيضاً يكون من ظهره، كما أنّ غيبته والحيرة فيه مدتها مرددة بين الستة أيام والستة أشهر والست سنين وهي بكل تأكيد ليست مدة غيبة الإمام (ع).
وعن حذلم بن بشير، قال:
قلت لعلي بن الحسين (ع): صف لي خروج المهدي وعرفني دلائله وعلاماته ؟ فقال:
(يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك)
(غيبة الطوسي: ص444 ح437.).
وليس بخافٍ على أحد أنّ السفياني هو من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (ع)، لا أنه (ع) ظاهر قبله ليختفي عند ظهوره، فالرواية إذن تتكلم عن مهدي كان ظاهراً قبل السفياني ثم بظهوره يختفي مدة ثم يخرج بعد ذلك.
-----------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
2- وصف القائم:
صحيح جداً القول بأنّ كل آل محمد ع قوّام
(عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن القائم، فقال: (كلنا قائم بأمر الله، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان) الكافي: ج1 ص536 ح2.)،
وصحيح أيضاً أنّ (القائم) وَصْفٌ يطلق على الإمام المهدي (ع)، ولكنه يطلق كذلك على شخصية أخرى من آل محمد ع في زمن الظهور المقدس:
عن أبي حمزة الثمالي، قال: (قلت لأبي جعفر (ع): خروج السفياني من المحتوم؟ قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد ع محتوم..)
( الإرشاد - الشيخ المفيد: ج1 ص347.).
وعن محمد بن علي الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم ..)
(الكافي: ج1 ص310 ح484.).
وأكيد أنّ العلامة شيء وما تدل عليه العلامة شيء آخر، ولا يصح أبداً حمل لفظ (القائم) في الرواية على الإمام (ع)؛ لأنها بصدد ذكر العلامات الحتمية لظهوره.
ولأنّ العلامات الحتمية يقع فيها البداء (وقوع البداء في الحتميات ليس بمعنى عدم حصولها بالمرة، إنما بمعنى حصول تغيير في التفاصيل والجزئيات، فمثلاً: السفياني من المحتوم أي أن أصل وجوده امر محتوم، وحصول البداء في هذا المحتوم يعني تغير في تفاصيله فقد يكون السفياني فلان أو فلان، أو في مكان حركته أو زمانها، وهكذا.)،
ولأنّ هناك قائماً مذكوراً بينها كما رأينا، خشي بعض الشيعة أن يكون (القائم) واقعاً ضمنها، فبيَّن آل محمد ع أنّ حاله يختلف وأنه من الميعاد الذي لا يتخلَّف حتى على مستوى تفاصيل ما يخصُّه فضلاً عن أصل وجوده.
عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: (كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا "عليهما السلام" فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر "عليهما السلام": هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، فقال: إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد)
(غيبة النعماني: ص303.).
ومما يؤكد إطلاق وصف (القائم) على غير الإمام المهدي (ع) أيضاً، ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (ع)، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي)
(الكافي: ج1 ص532 ح9، وبمضمونها روايات أخرى:
منها: عن أبي جعفر (ع)قال: (قال رسول الله ص: من ولدي اثنا عشر نقيبا، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً)
الكافي: ج1 ص534 ح18.
ومنها: عن زرارة قال : (سمعت أبا جعفر (ع) يقول : الاثنا عشر الإمام من آل محمد عليهم السلام كلهم محدث من رسول الله ص ومن ولد علي ورسول الله وعلي عليهما السلام هما الوالدان)
الكافي: ج1 ص531 ح7.).
ولا يختلف اثنان في أنّ الإمام المهدي (ع) هو الحادي عشر من ولد السيدة فاطمة عليها السلام، فيبقى أن يكون الثاني عشر من ولدها هو من ظهره، وهو من تفكّر فيه جده أمير المؤمنين (ع) كما سمعناه في رواية الاصبغ المتقدمة.
ثم أضيف أيضاً ما بيَّنه الإمام الصادق (ع) من كلام جده أمير المؤمنين (ع) وهو يتحدث عن علامات تطهير الأرض من الظالمين، وبعد ذكر بعض الأحداث قال:
(.. ثم يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول، له الشرف والفضل وهو من ولدك يا حسين لا ابن مثله، يظهر بين الركنين في دريسين باليين ..)
(غيبة النعماني: ص283.).
والسؤال: هل يعتقد أحد أنّ الإمام المهدي (ع) إمام مجهول ؟! مع أنّ المجهولية إن كانت فهي في معرفة وتحديد شخصه من بين الناس أو مكانه وما شابه،
لا في كونه إماماً عدلاً وهو من ثوابت عقيدة الشيعة، ولكن الرواية عبّرت عن هذا القائم بأنه إمام مجهول، فمن يكون غير القائم الذي ورد ذكره ضمن العلامات الحتمية ووصف بأنه من الميعاد.
والتأمُّل في دعاء الافتتاح الوارد ضمن أدعية شهر رمضان يكشف هذه الحقيقة أيضاً، فبعد أن يتم الصلاة على الأئمة الاثني عشر:
(وصلِّ على أئمة المسلمين علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف المهدي، حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة)، يصلي بعدهم على قائم مؤمل هذه بعض صفاته:
(اللهم وصل على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر واحففه بملائكتك المقربين وأيده بروح القدس يا رب العالمين، اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكن له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً ..).
ولا شك أنّ الإمام المهدي (ع) إمام مفترض الطاعة وخليفة من خلفاء الله في أرضه منذ مئات السنين، فمن يكون هذا القائم الذي يُدعا له بأن يستخلفه الله في أرضه كما استخلف مَنْ سبقه مِنْ آل محمد ع؟!
ولأنّ وصف القائم يطلق على شخصيتين من آل محمد ع في عصر الظهور، بيَّن الامام الباقر (ع)وهو يذكر "القائم" أنّ: (.. له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد)
(كمال الدين وتمام النعمة: ص653.).
إذن، هناك قائم مأمول لآل محمد مخفي اسمه عند الناس، والآن قد تَوَضَّح وهو (أحمد)، وقد تقدم في رواية حذيفة أنّ صاحب هذا الاسم (أي أحمد) يطلق عليه مهدي أيضاً.
--------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
3- وصف صاحب الأمر:
وهو وصف يطلق على الإمام المهدي (ع) بكل تأكيد، ولكنه في نفس الوقت يطلق على شخصية أخرى من آل محمد ع أيضاً،
تماماً كما عرفناه في فقرتي (المهدي) و(القائم).
فالإمام المهدي (ع) أمه السيدة نرجس وهي حفيدة الوصي شمعون (وصي عيسى (ع)) وليس بشرتها سوداء كما هو معلوم،
في حين أنّ هناك رجلاً من آل محمد ع أطلق عليه هذا الوصف أيضاً ولكن أمّه أَمَةٌ سوداء:
عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر (ع)يقول:
(إن صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ابن أمة سوداء، يصلح الله أمره في ليلة واحدة)
(غيبة النعماني: ص163.).
كما أنّ الإمام المهدي (ع) لم يُعرف عنه أصلاً أنه يُسجَن من قِبَل أحد، ولكن ورد أنّ هناك من يُطلق عليه هذا الوصف وفيه سُنّةٌ من يوسف (ع) وهي السجن:
عن أبى بصير، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (ع) يقول:
(في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب، قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة، قلت: وما سنة محمد ص ؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله ص إلا أنه يبين آثار محمد ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى رضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله ؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة)
(غيبة النعماني: ص164.).
ثم إنّ غيبة الإمام المهدي (ع) عن الظالمين لم يكن ليعقبها الفرج، بل على العكس تماماً فقد أخبر أئمة الهدى ع بطول غيبته إلى حد قسوة القلوب وارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة (قال الإمام الصادق (ع):
(.. وكذلك القائم (ع)تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والامن المنتشر في عهد القائم (ع) ..)
بحار الأنوار: ج51 ص222.)،
ولكن ورد عمَّن أُطلق عليه (صاحب الأمر) أنّ الفرج يُترقب بعد غيبته عن دور الظالمين:
عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (ع) أسأله عن الفرج، فكتب إليّ:
(إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج)
كمال الدين وتمام النعمة: ص380.).
-----------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
4- شبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وشبيه موسى (عليه السلام):
روايات كثيرة بيَّنت أوصاف الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) وشبهه برسول الله صوهذا نموذج لوصفهما الشريف:
عن أمير المؤمنين (ع):
(كان حبيبي رسول الله ص صلت الجبين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، سهل الخدين، أقنى الأنف، دقيق المسربة، كث اللحية، براق الثنايا، كأن عنقه إبريق فضة، كان له شعيرات من لبته إلى سرته ملفوفة كأنها قضيب كافور لم يكن في بدنه شعيرات غيرها، لم يكن بالطويل الذاهب ولا بالقصير النـزر ..)
(بحار الأنوار: ج10 ص4.).
وأما صفة الإمام المهدي (ع) فهي: (.. ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدور الهامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر ..)
(غيبة الطوسي: ص 266 ح228.).
وعن شبهه بجده رسول الله محمد ص، روى جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله: المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً..)
(بحار الأنوار: ج36 ص309.).
هذا، وقد ورد وصف جسدي آخر لشخصية أخرى، هذا نموذج منها:
عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر (ع): (جعلت فداك إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، وقد أعطيت الله عهداً أنني أنفقها ببابك ديناراً ديناراً أو تجيبني فيما أسألك عنه، فقال: يا حمران، سل تجب، ولا تبعّض دنانيرك، فقلت: سألتك بقرابتك من رسول الله أنت صاحب هذا الأمر والقائم به ؟ قال: لا، قلت: فمن هو بأبي أنت وأمي؟ فقال: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، عريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسى)
(غيبة النعماني: ص215.).
ويكفي في معرفة الفرق بين الوصفين أنّ الإمام (ع) بخده الأيمن خال وبخد الثاني أثر، والإمام شبيه جده محمد ص والثاني شبيه موسى بن عمران (ع).
ويبقى من المهم أيضاً أن نعرف أنّ صاحب الصفات في هذه الرواية وُصِف أنه (قائم) و(صاحب هذا الأمر)، وهو ليس الإمام المهدي (ع) كما هو واضح.
ونفس هذا الصفات الجسدية التي ذكرها الإمام الباقر (ع) لمن وصفه بالقائم، ذكرت له أيضًا فيما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: (قلت له: جعلت فداك إني أريد أن ألمس صدرك، فقال: افعل، فمسست صدره ومناكبه، فقال: ولم يا أبا محمد ؟ فقلت: جعلت فداك إني سمعت أباك وهو يقول: إنّ القائم واسع الصدر مسترسل المنكبين عريض ما بينهما. فقال: يا ] أبا[ محمد، إنّ أبي لبس درع رسول الله ص وكانت تستخب)
(بصائر الدرجات: ص209.).
* * *
ورغم أنّ الحقيقة باتت واضحة في ما أروم إثباته، ولا أقل نقلت إلى الآن ما يقرب من السبع عشرة رواية، ولكني مع هذا أضيف الآن أربعة أخرى تسير بنا في ذات السياق:
الأولى: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، قال: (يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين القائد العادل الحافظ لما استودع يملاها عدلاً وقسطاً كما ملأها الفجار جوراً وظلماً)
( بحار الأنوار: ج25 ص269.).
وإذا كان المذكور أخيراً هو الإمام المهدي (ع)، فمن هو الرجل العامل بالهدى (من أهل البيت) الآتي قبله ؟! ثم إنّ الإمام الصادق (ع) يقسم أنه يعرفه باسمه واسم أبيه، ولا وجه لِقَسَمِهِ إلا إذا كان خافياً على بقية الناس ما يعرفه هو (ع)، وهو ما يؤكد وجود رجل من آل محمد ص في عصر الظهور مجهول لا تعرفه الناس.
الثانية: عن سليم بن قيس، عن رسول الله ص: (.. ثم ضرب بيده على الحسين (ع) فقال: يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً من ولد هذا. إمام ابن إمام، عالم ابن عالم، وصي ابن وصي، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم. قال: قلت: يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال: أبوه أفضل منه. للأول مثل أجورهم كلهم؛ لأن الله هداهم به)
(كتاب سليم بن قيس: ص429، تحقيق محمد باقر الأنصاري.).
ربما يُعْذَر سابقاً من يكون في حيرة من أمره في كيفية حمل الرواية على الإمام المهدي (ع) والحال أنه أفضل من الأئمة التسعة من ولد الحسين (ع) بنصوص روايات كثيرة، كما أنه لا يليه أبوه العسكري (ع). ولكن بعد أن علمنا أنّ هناك رجلاً من آل محمد يأتي قبل الإمام المهدي (ع) ومن أسمائه (المهدي) أيضاً ويكون متزامناً مع ظهور السفياني بل قبله؛ لأنه ورد أنه يختفي عند ظهور أمر اللعين ليعود ويخرج بعد ذلك، عرفنا جلياً أنّ المقصود بالمهدي في رواية سلمان هو المهدي الأول (أحمد) الوارد ذكره في وصية رسول الله ص والموصوف فيها بأنه أول مُقرَّب إلى أبيه الإمام وأول مؤمن بدعوته. وبكل تأكيد إنّ الإمام المهدي (ع) أفضل من ابنه المهدي الأول وباقي المهديين الأوصياء؛ لأن الله هداهم به.
الثالثة: ومما يؤكد مجيء (المهدي الأول أحمد) قبل أبيه الإمام (ع) ممهداً له أيضاً، ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال:
(.. يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويقتل ويتوجه إلى بيت المقدس ..)
(الممهدون للكوراني: ص110.)، ومَن مِن أهل بيت الإمام موجود في زمن الظهور غير ابنه (أول مقرب إليه وأول مؤمن به).
الرابعة: عن الإمام الباقر (ع)، قال: (إن لله تعالى كنزاً بالطالقان ليس بذهب ولا فضة، اثنا عشر ألفاً بخراسان شعارهم: "أحمد أحمد"، يقودهم شاب من بني هاشم على بغلة شهباء، عليه عصابة حمراء، كأني أنظر إليه عابر الفرات، فإذا سمعتم بذلك فسارعوا إليه ولو حبواً على الثلج)
(منتخب الأنوار المضيئة: ص343.).
ولو أردنا استعراض بقية الروايات التي يتوضَّح بطرحها وجود شخص آخر من آل محمد ع في عصر الظهور، لاحتاج أن يكون مُصنَّفاً برأسه، وفي ما طرحناه كفاية لطالب الحق. على أنّ بقية بحوث هذا المختصر ستحوي بين طياتها روايات عديدة تؤكد هذه الحقيقة أيضاً.
وصار بوسعنا تلخيص ما انتهينا إليه:
1- وجود رجل آخر من آل محمد ع في عصر الظهور غير الإمام المهدي (ع).
2- تكفَّلت الروايات العديدة بيان اسمه وصفته ومقامه وغير ذلك، وقد اتضح من عرض بعضها أنّ اسمه أحمد وأيضاً هو مهدي وقائم وصاحب هذا الأمر.
والآن، هل بقي بوسع أحد أن يحمل كل رواية يُذكر فيها عنوان (صاحب الأمر) أو (القائم) أو (المهدي) على الإمام المهدي (ع) ؟! بكل تأكيد أنّ من يخاف الله لا يفعل ذلك. ويبقى صاحب الحق وحده منفرداً بمعرفة حلها، وهو أحد أسرار الظهور الذي يُشخص أحقيته ويهتدي إليه من شاء الاهتداء، وفعلاً قد حلها المهدي الأول أحمد (ع) اليوم بمجيئه وأحكم ما تشابه منها بعد أن زلّت فيها أقدام أدعياء العلم والتخصُّص وأقلامهم وباتوا يَذْرُون حكمة آل محمد وروايتهم الشريفة ذروَ الريحِ للهشيم.
عن مالك الجهني، قال:
(قلت: لأبي جعفر (ع) إنا نصف صاحب الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس، فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه)
(غيبة النعماني: ص220.).
------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
أحمد هو المهدي الأول:
هذا ما أكدته وصية رسول الله ص ليلة وفاته، وهذا نصها:
(عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين ع، قال: قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (ع): يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك.
يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفناتعلي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك إثنا عشر إماماً.
ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين)
(غيبة الطوسي: ص151 ح111.).
وختام الوصية المقدسة واضح في التصريح بأنّ (الوصي أحمد) هو:
1- المهدي الأول من المهديين الأوصياء ع.
2- أول المقربين إلى أبيه الإمام (ع) في عصر الظهور المقدس.
3- أول المؤمنين بدعوته وحركته.
أما عَدُّ المهدي الأول (أحمد) ضمن أوصياء رسول الله محمد ص، فهو كافٍ لإثبات أنه خليفة من خلفاء الله في أرضه، ومعصوم يهدي إلى الحق والطريق المستقيم.
وأما كونه أول مقرَّب ومؤمن بالإمام المهدي (ع) عند بداية أمره، فهو كافٍ لإثبات وجوده ودوره في عصر الظهور المقدس.
ثم لو أننا قمنا بعرض هذه النتائج على ما انتهينا إليه سابقاً لوجدناه في غاية الاتساق والانتظام والإحكام، ولزيادة الفائدة أقول:
انتهينا (وفق رواية حذيفة) إلى أنّ هناك مهدياً من آل محمد يأخذ البيعة من الناس أسماؤه ثلاثة: (أحمد وعبد الله والمهدي)، وظهر الآن أنها أسماء المهدي الأول. وكونه يأخذ البيعة يؤكد بكل وضوح على أنّ له دوراً كبيراً في قيام دولة العدل الإلهي، وقد أوضحت الوصية المقدسة وجوده ومعاصرته أحداث قيامها بل سبقه في القرب لأبيه والإيمان والتصديق بدعوته تماماً كسبق أمير المؤمنين (ع)للرسول الأعظم ص عند ابتدائه بدعوته.
وانتهينا (وفق رواية الأصبغ) إلى أنّ هناك مهدياً يولد من ظهر الإمام المهدي (ع) (الحادي عشر من ولد الإمام علي (ع))، يكون له اختفاء وغيبة مدتها قصيرة جداً قياساً بمدة غيبة الإمام المهدي (ع)، و(وفق رواية حذلم بن بشير) يكون ظاهراً قبل السفياني ثم يختفي ويخرج بعد ذلك، أي يكون مجيء هذا المهدي للناس قبل الإمام المهدي (ع) كما نص على ذلك أيضاً (رواية سليم بن قيس، وما رواه أمير المؤمنين (ع) عن خروج رجل من أهل بيت الإمام المهدي قبله بالمشرق يحمل السيف على عاتقه، وما رواه أبو بصير عن مجيء رجل من أهل البيت قبل الإمام المهدي (ع))، والمهدي الأول أحمد بنص الوصية رجل من أهل البيت بل من أهل بيت الإمام المهدي بالذات وأول مؤمن به ومقرّب إليه فهو إذن موجود في عصر الظهور بل والآخذ البيعة له من الناس.
كما أننا لو عرضنا روايات القائم المخفي الاسم والعلامة الحتمية وشبيه موسى بن عمران، وقد حدَّدت اسمه بعض الروايات (أحمد)، لتطابق ذلك مع الوصية أيضاً، ولكن مع هذا سأفرد نقطة للتوضيح أكثر فيما يتعلق بالقائم بالسيف.
وأكتفي الآن بإعطاء النتيجة التالية: (المهدي الأول = أحمد)، وقد توضَّح لنا نَسَبُه وَدَورُه وشيءٌ من مقامه.
-----------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
المهدي الأول هو (القائم) المبايع له:
قال الإمام الصادق (ع) للمفضل بن عمر:
(يا مفضل، كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعة كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايع لها والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم (ع) ظهره إلى الحرم ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية: "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" الآية، فيكون أول من يقبل يده جبرئيل (ع)ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء، ويصبح الناس بمكة فيقولون من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة، وما هذا الخلق الذين معه وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلها ؟ فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات، فيقول بعضهم لبعض: انظروا هل تعرفون أحداً ممن معه ؟ فيقولون: لا نعرف أحداً منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدونهم بأسمائهم، ويكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم.
فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين، يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد ويسميه باسم جده رسول الله ص ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر، إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين، بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا، فأول من يقبل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يبقي ذو أذن من الخلائق إلا سمع ذلك النداء، ويقبل الخلائق من البدو والحضر والبر والبحر يحدث بعضهم بعضاً ويستفهم بعضهم بعضاً ما سمعوا بآذانهم.
فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها، يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فبايعوه تهتدوا ولا تخالفوا عليه فتضلوا، فيرد عليه الملائكة والجن والنقباء قوله ويكذبونه ويقولون له سمعنا وعصينا، ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلا ضل بالنداء الأخير وسيدنا القائم صلوات الله عليه مسنداً ظهره إلى الكعبة ويقول، يا معشر الخلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنذا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام فها أنذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنذا إبراهيم وإسماعيل، ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنذا عيسى وشمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد ص وأمير المؤمنين صلوات الله عليه فها أنذا محمد ص وأمير المؤمنين (ع)، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام فها أنذا الحسن والحسين عليهما السلام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين ع فها أنذا الأئمة من ولد الحسين ع.
أجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به وما لم تنبئوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني، ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم وشيث عليهما السلام وتقول أمة آدم وشيث هبة الله هذه والله هي الصحف حقاً ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان اُسقط منها وبدل وحرف. ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم عليهما السلام والتورية والإنجيل والزبور، فيقول أهل التورية والإنجيل والزبور هذه والله صحف نوح وإبراهيم عليهما السلام حقاً وما اُسقط منها وبدل وحرف منها، هذه والله التورية الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها. ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقاً الذي أنزله الله تعالى على محمد ص ..) (مختصر بصائر الدرجات: ص183.).
الرواية بكل وضوح تتحدث عن القائم ومهدي آل محمد الذي يتزامن ظهوره مع ظهور السفياني بل قبل ظهوره؛ لأنّ ظهور السفياني في الرواية معطوف على ظهور القائم بـ (ثم)، والقائم هنا ليس الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع)، ذلك:
أنّ ظهوره لا يكون متزامناً مع السفياني فضلاً عن أن يكون قبله، بل إنّ ظهور الأخير يكون قبل مجيء الإمام وعلامة حتمية له، هذا أولاً.
وثانياً: إنّ حمل (القائم) في الرواية على الإمام المهدي (ع) يعني بطلان راية اليماني وحاشاه، لأنها راية ترفع قبل ظهور الإمام المهدي (ع) للناس، ولكن رايته كما أخبر الإمام الباقر (ع) هي راية هدى بل إن الملتوي عليه من أهل النار، فكيف تكون بيعته بيعة طاغوت إذن ؟! وهذا يعني أنّ ثمة ربط بين عنواني اليماني والقائم، وهو ما يتضح في نقطة لاحقة إن شاء الله تعالى.
وثالثاً: توضَّح لدينا فيما سبق أنّ عنوان (القائم) و(المهدي) في عصر الظهور، يُطلق على رجلين من آل محمد ع، وإذ امتنع الآن صرفه إلى الإمام المهدي (ع)؛ لأنه يوجب طرح روايات كثيرة وهو باطل جزماً، يتعيّن إذن حمله على القائم (العلامة الحتمية والمخفي الاسم) والمتزامن ظهوره مع السفياني (العلامة الحتمية الأخرى)، بل تؤكد هذه الرواية - كما قلنا - على ظهوره قبله، وقد عرفنا فيما مضى في رواية حذلم بن بشير وغيرها أنّ هناك (مهدي من آل محمد وهو ابن الإمام المهدي) يكون ظاهراً قبل السفياني ويأتي قبل أبيه الإمام (ع) ويأخذ البيعة من الناس.
ورابعاً: إنّ صفة بيعة القائم ومهدي أمة محمد التي ذكرها الإمام الصادق (ع) في الرواية تكفي لمعرفة أنه خليفة من خلفاء الله في أرضه، إذ عبَّر عن مد يده للبيعة (هذه يد الله وعن الله وبأمر الله) ثم تلاوته لآية (إنّ الذين يبايعونك ..)
وبيعة جبرئيل والملائكة له. والآن إذ عرفنا أنّ القائم في الرواية لا يمكن أن يكون الإمام المهدي (ع)للأسباب المتقدمة، فمن يكون غير (المهدي الأول أحمد) وقد انتهينا إلى أنه خليفة من خلفاء الله ووصي من أوصياء محمد ع الطاهرين، وله دور كبير في قيام دولة العدل الإلهي والتمهيد لها.
وخامساً: بعد أن توضّح أنّ المهدي الأول أحمد هو مَن يأخذ البيعة من الناس، وأنّ اسمه اسم جده رسول الله ص (أحمد) بنص الوصية المقدسة (اسم كاسمي .. وهو .. أحمد)، أدعو الجميع إعادة النظر إلى الوصية لتحديد اسم (المهدي الأول) ثم ينسبوه إلى الوصي (الحادي عشر) كما بيَّن الإمام الصادق (ع) اسم القائم في الرواية: (ويسميه باسم جده رسول الله صويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر)، فماذا سيكون الناتج المجموع من (الاسم ونسبته) ؟ إنه (أحمد الحسن) أليس كذلك يا أمة محمد ؟؟
إنّ وجود قائم لآل محمد ع في عصر الظهور اسمه (أحمد) لم يكن لتقتصر عليه هذه الرواية الشريفة فحسب، بل تقدم نقل روايتي الإمام الباقر (ع) عن القائم المخفي الاسم عند الناس واتضح أنّ اسمه أحمد، وكذلك قوله (ع) في بيان شعار الجيش الزاحف لقيام دولة العدل، الذي أمرونا آل محمد أن نأتيه ولو حبواً على الثلج، وهو "أحمد أحمد".
وروى السيد ابن طاووس عن رسول الله ص، قال: (إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي)
(الملاحم والفتن: ص54، المطبعة الحيدرية وقد طبعت على نسخة الشيخ محمد بن طاهر السماوي المصححة على نسخة بخط المؤلف ابن طاووس نفسه، عام 1365 هـ. وقد ذكرت بعض طبعات الكتاب الأخيرة لفظ: (خليفة الله المهدي)،
ومع هذا فالرواية لا يمكن حملها على الإمام المهدي (ع)؛ لوضوح أنه ليس في الرايات المنطلقة من الشرق، والتي تقاتل السفياني وتمهد لدولة العدل الإلهي، بل إنه (ع) ليس بظاهر للناس أصلاً عند حركتها، إنما المقصود به المهدي الأول أحمد؛ لما أوضحناه في أكثر من موضع.).
وخليفة الإمام المهدي (ع) هو المهدي الأول أحمد بنص الوصية المقدسة.
وبهذا يظهر أنّ (المهدي الأول أحمد = القائم المبايَع له وقائد الرايات السود المشرقية).
--------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
تتميم:
برغم أنّ كل آل محمد ع قوَّام بالحق، ولكن مَن تتبّع الروايات وجد أنّ هناك قائماً يباشر القتال وَوُصِف بأنه صاحب السيف والقائم بالسيف:
عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن القائم، فقال:
(كلنا قائم بأمر الله، واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان) (الكافي: ج1 ص536 ح2.).
وعن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (ع) في حديث يذكر فيه من يحيي أرضاً من المسلمين، إلى أن يقول:
(.. حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله ص ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم)
(الاستبصار: ج3 ص108 ح383.).
وعن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم)
(غيبة النعماني: ص233.).
ولذا أدّب الأئمة ع شيعتهم على تمنّي القائم في عافية، عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع)قال:
(إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية، فإنّ الله بعث محمداً ص رحمة ويبعث القائم نقمة)
(الكافي: ج8 ص233 ح306.).
وقد توضَّح أنّ من (يحمل السيف) على عاتقه هو:
• القائم المبايع له وقائد جيش الفتح الإلهي، وهو ابن الإمام المهدي (ع) كما تقدَّم في رواية أمير المؤمنين (ع) حيث قال: (يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر).
• وهو القائم المقابل للسفياني والمقاتل له والتي تبدأ حركته وظهوره قبله كما تبيَّن.
• وهو أيضاً صاحب الأمر الذي رُوي أنه يُسْجَن كما ورد في رواية أبي بصير المتقدمة عن الإمام الباقر (ع)، إذ ورد فيها:
(قلت: فما سنة يوسف ؟ قال: السجن والغيبة، قلت: وما سنة محمد ص ؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله ص إلا أنه يبين آثار محمد، ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً هرجاً حتى رضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله ؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة).
وحيث اتضح أنّ القائم بالسيف (أحمد) خليفة من خلفاء الله ووصي من أوصياء رسول الله محمد ص، صار إنكاره والعياذ بالله إنكاراً لكل أئمة الهدى من آبائه من رسول الله وأمير المؤمنين إلى الإمام المهدي صلوات الله عليهم أجمعين، لأنّ المنكر لآخرهم كالمنكر لأولهم كما ورد عنهم (قال الإمام الصادق (ع): (المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا)
الاعتقادات للصدوق: ص104.).
ولهذا رَوَى علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (ع)، أنه قال في قول الله عز وجل: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل"، فقال (ع):
(الآيات هم الائمة، والآية المنتظرة هو القائم (ع)، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدم من آبائه ع)
(الإمامة والتبصرة: ص102.).
---------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
المهدي الأول هو اليماني الموعود:
عن أبي بصير عن الإمام الباقر (ع) في حديث يبتدئ فيه بذكر الصيحة والنداء باسم القائم، ثم يقول:
(.. لا يقوم القائم (ع) إلا على خوف شديد من الناس، زلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس، وتشتت في دينهم وتغير من حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساء من عظم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضاً، فخروجه إذا خرج عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن ناواه وخالفه، وخالف أمره، وكان من أعدائه.
وقال (ع): إذا خرج يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنة جديدة وقضاء جديد، على العرب شديد، وليس شأنه إلا القتل، لا يستبقي أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ثم قال (ع): إذا اختلفت بنو فلان فيما بينهم، فعند ذلك فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم (ع)، إن الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة، وخرج السفياني.
وقال: لابد لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم وتشتت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني هذا من المشرق، وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم أحداً. ثم قال (ع):
خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد في يوم واحد ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم. وليس في الرايات أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. ثم قال لي: إن ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار، وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذ سقطت من يده وهو ساه عنها فانكسرت، فقال حين سقطت: هاه، شبه الفزع، فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه)
(غيبة النعماني: ص262 – 264.).
ويمكننا هنا أن نشير إلى عدة أمور:
الأول: إنّ الرواية ابتدأت ببيان الصيحة والنداء باسم (القائم)، والذي سَيُصَدِّقُ به القلة جداً ويكذبه أغلب مَن يدّعي ولاية آل محمد ع كما نصّوا هم، وسيتضح ذلك مع معرفة (القائم) الذي ستكون الصيحة باسمه في نقطة قادمة إن شاء الله.
الثاني: إنها بيَّنت حال الناس وما يمرون به من تشتُّتٍ واختلافٍ وضيق، ثم ذَكَرَت فرجهم بخروج القائم (ع) بعد قنوطهم من أن يروا فرجاً، وحدَّدَت علامة ذلك الفرج وقربه باختلاف بني فلان (ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم واختلفت الكلمة، وخرج السفياني)، وهذا يعني أنّ الرواية تتحدث - وبكل وضوح - عن القائم المتزامنة حركته مع حركة السفياني، وقد تبيَّن لنا فيما سبق أنه القائم أحمد (المهدي الأول). ثم إنّ قول الإمام الباقر (ع) هذا يذكِّرنا بقول ابنه الصادق (ع) المتقدم الذي رواه أبو بصير أيضاً:
(يا أبا محمد، ليس ترى أمة محمد فرجاً أبداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يسير بالتقى ويعمل بالهدى ..)، وقد توضَّحَ أنه المهدي الأول والقائم أحمد.
الثالث: إنّ ذهاب ملك بني فلان (العلامة المهمة على اقتراب الفرج وخروج السفياني والقائم) قد ذُكر قبل وبعد المقطع المتعلق باليماني، والملفت حقاً أننا بدل أن نسمع من الإمام الباقر (ع) وصفه صاحب راية الحق بـ (القائم) لأنه يتحدث عنه وعن فرج شيعته برفع رايته في مقابل راية (السفياني) اللعين، بدل ذلك رأيناه (ع) هذه المرة وصف صاحب راية الهدى بـ (اليماني)، فمن هو اليماني وما هو دوره يا ترى ؟
الرابع: إنّ إنصافاً ولو يسيراً من قبل من يطالع خصائص اليماني التي أوضحها لنا الإمام الباقر (ع) يكشف لنا:
1- إن رايته راية هدى، وارتباطها بالإمام المهدي (ع) واضح وبيِّن.
2- إنه خليفة من خلفاء الله في أرضه، بدليل قوله: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل فهو من أهل النار)، "فلا يكون شخص حجة على الناس، بحيث إن إعراضهم عنه يدخلهم جهنم وإن صلوا وصاموا، إلا إذا كان من (خلفاء الله في أرضه)، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديين"
( من كلام للسيد أحمد الحسن في بيان حدود شخصية اليماني: المتشابهات ج4 سؤال رقم (144).).
وقال بعضهم: إنّ الرواية لا تثبت خلافة اليماني الإلهية، لأنّ النار مصير من التوى على مسلم بن عقيل أو أحد السفراء الأربعة أيضاً، مع أنهم ليسوا بخلفاء لله في أرضه. وجوابه يتضح من خلال معرفة أنّ المذكورين وأمثالهم ممن أمر المعصوم بطاعتهم، لا تكون النار مصير الملتوي عليهم بأنفسهم، بل لأجل الالتواء على أمر المعصوم فيهم،
واليماني ليس حاله كحالهم؛ لأنّ الرواية صريحة في أنّ الالتواء عليه هو يوجب النار، لا لأمر الأئمة أو الإمام المهدي (ع) فيه، وهو دليل واضح على أنه خليفة وحجة من حجج الله على خلقه.
3- إنه معصوم والرواية نصٌّ على عصمته، لأنها صرحت عنه: (لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، ومقتضى إطلاق قول الإمام (ع) يعني أنّ اليماني يهدي إلى الحق والطريق المستقيم في كل أقواله وأفعاله دائماً وأبداً، ولا يتصرف - ولو لمرة واحدة - تصرف يخرج به أتباعه من الحق أو يدخلهم في ضلال، وهذا هو معنى العصمة التي يتحلّى بها جميع خلفاء الله. "وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني، أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) فإنه يجعل هذا الكلام منهم ع بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني وحاشاهم ع من ذلك" (المصدر السابق.). فتلخّص أنّ اليماني (صاحب راية الهدى في عصر الظهور) خليفة من خلفاء الله في أرضه ومعصوم يهدي إلى الحق والطريق المستقيم.ولو عطفنا نَظَرَنا واستحضرنا ما انتهينا إليه فيما مضى من نتائج قطعية، عرفنا أنّ اليماني هو نفسه المهدي الأول أحمد. ولترسّخ هذه الحقيقة في بال المؤمنين أكثر، أقول:
أولاً: عرفنا أنّ أوصياء محمد ع هم الأئمة الاثنا عشر والمهديون الاثنا عشر بنص الوصية المقدسة، ولا خليفة وحجة لله على خلقه من بعده وإلى آخر يوم على هذه الأرض غيرهم أبداً، وبعد اتضاح كون اليماني حجة من حجج الله ومعصوم، فهو إذن من آل محمد ع، إذ لا حجة لله من غيرهم، قال تعالى: (ذُرِّيّةً بعضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
(آل عمران: 34.)،
وعليه فلابد أن يكون مذكوراً في الوصية المقدسة، ولما كان دوره في زمن الظهور فلا يبقى إلا أن يكون هو المهدي الأول لا غير.
وثانياً: إنّ المهدي الأول أحمد بنص الوصية خليفة إلهي ومن ثم يحرم الالتواء عليه ومعصوم يهدي إلى الحق والصراط المستقيم، وهي ذاتها هوية اليماني ومشخصاته, حيث أكدت رواية الباقر (ع) على أنّه خليفة إلهي يحرم الالتواء عليه وأيضاً معصوم يهدي إلى الحق والصراط المستقيم.
وثالثاً: إنْ أَبَى أحدٌ وتَنكَّرَ لاتحاد شخصية المهدي الأول واليماني نقول له: توضَّحَ للجميع أنّ المهدي الأول موجود في زمن الظهور المقدَّس بعد كونه أول مقرب إلى أبيه الإمام وأول مؤمن به والآخذ للبيعة من الناس وغير ذلك مما تقدّم ذكره في الوصية المقدسة وغيرها، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، اليماني أيضاً موجود في زمن الظهور بل هو صاحب أهدى الرايات والدور الرئيس في التمهيد للإمام المهدي (ع) ويجب على الجميع نصرته ويحرم عليهم الالتواء عليه، والآن:
إما أن يكون (المهدي الأول واليماني) شخصٌ واحد، إذن ثبت المطلوب. وإلا فعلى المنكر أن يجيب السؤال التالي: مَنْ يتبع مَنْ، ومَنْ ينضوي تحت راية مَنْ، إذ لآل محمد راية واحدة وليس رايات كما لا يخفى (قال أمير المؤمنين (ع): (إن لنا أهل البيت راية من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق، ومن تبعها لحق)
كمال الدين وتمام النعمة: ص654.) ؟
فإن أجاب بأنّ المتبوع هو اليماني، فهو باطل جزماً؛ إذ به يصير المهدي الأول تابعاً لغيره ومنضوياً تحت رايته، والحال أنه حجة من حجج الله ووصياً من الأوصياء كما توضَّح بنص الوصية، فهل في عقيدة الشيعة أن يُقاد المعصوم وينضوي تحت راية غيره ويحرُم عليه أن يلتوي على ذلك الغير ؟ إضافة إلى أنّ فيه رداً للروايات المبينة أنّ (المهدي أحمد) هو الآخذ البيعة من الناس والقائد لجيش الفتح.
وإن أجاب بأنه المهدي الأول، فهو باطل أيضاً؛ لأنه يجعل من دور اليماني ثانوياً ويصيَّره تابعاً للمهدي أحمد، وحينئذٍ فالأولى أن يكون صاحب أهدى الرايات المهدي الأول أحمد وليس اليماني، وفيه رد صريح على الإمام الباقر (ع) والعياذ بالله. وبهذا فالبطلان يلزم المنكر لاتحاد شخصية اليماني والمهدي الأول من كلا الطرفين. ومن ثم تبرز الحقيقة الناصعة التالية: أنّ (المهدي الأول أحمد = اليماني).
وحيث تَبيَّن لنا فيما سبق أنّ المهدي الأول هو نفسه قائم آل محمد المواكب لحركة السفياني والمقاتل له، بل الظاهر قبله أصلاً، وتبيَّن لنا الآن أنّ اليماني هو نفسه المهدي الأول، يتضَّح إذن أنّ (المهدي الأول = قائم آل محمد)، وبه نعرف السر في ذكر وصفي (القائم) و(اليماني) في نفس الرواية التي تحدَّث فيها الإمام الباقر (ع) عن الشخص المحمدي الذي يكون بخروجه فرج شيعة آل محمد. وإكمالاً لتوضيح هذا أضيف أيضاً:
رابعاً: إنّ رواية اليماني نفسها تثبت أنّ اليماني هو القائم. يقول السيد أحمد الحسن (ع):
(إنّ حرمة بيع السلاح على المخالفين قضية بيَّنها آل محمد ع، وأنها تكون عند ظهور القائم منهم ع، وبهذا يكون هذا القيد "حَرُمَ بيع السلاح" في رواية اليماني بياناً لمن يفقهون كلامهم ع بأنّ اليماني هو نفسه القائم؛ لأنهم ع في أحاديث حصروا حرمة البيع بحدث المباينة عند خروج القائم، والآن يقولون "إذا خرج اليماني حرم بيع السلاح"، إذن تبيَّن بوضوح أنّ اليماني هو نفسه القائم. فالإمام في قوله (ع): "فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم" يريد أن يبيَّن أنّ اليماني هو نفسه القائم الذي يحرم بيع السلاح عند ظهوره وحصول المباينة، إضافة إلى ما في الرواية من بيان يوضح أنّ اليماني هو القائم وحجة من حجج الله كما بيَّنت سابقاً
(بيَّنه في كتاب المتشابهات: ج4 سؤال رقم (144).).
وهذه بعض الروايات التي تبيَّن أنّ حرمة بيع السلاح إنما تكون عند خروج القائم وعند المباينة والحرب بينه وبين أعدائه:
عنْ هِنْدٍ السَّرَّاجِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنِّي كُنْتُ أَحْمِلُ السِّلَاحَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ فَأَبِيعُهُ مِنْهُمْ فَلَمَّا أَنْ عَرَّفَنِيَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ ضِقْتُ بِذَلِكَ وَقُلْتُ لَا أَحْمِلُ إِلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ. فَقَالَ: احْمِلْ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِهِمْ عَدُوَّنَا وَعَدُوَّكُمْ يَعْنِي الرُّومَ وَبِعْهُمْ فَإِذَا كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَنَا فَلَا تَحْمِلُوا فَمَنْ حَمَلَ إِلَى عَدُوِّنَا سِلَاحاً يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَيْنَا فَهُوَ مُشْرِكٌ)
الكافي: ج5 ص112.
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَقَالَ لَهُ حَكَمٌ السَّرَّاجُ: مَا تَرَى فِيمَنْ يَحْمِلُ السُّرُوجَ إِلَى الشَّامِ وَأَدَاتَهَا؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ بِمَنْزِلَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِنَّكُمْ فِي هُدْنَةٍ فَإِذَا كَانَتِ الْمُبَايَنَةُ حَرُمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحْمِلُوا إِلَيْهِمُ السُّرُوجَ وَالسِّلَاحَ) انتهى.
وخامساً: ومما يؤكد اتحاد شخصية اليماني والقائم أيضاً، الروايات التي تحدد العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي (ع) للناس، فعند ملاحظتها نجد أنّ بعضها يذكر (القائم) ضمن العلامات كما عرضنا بعضاً من ذلك في ما سبق، والبعض الآخر يذكر (اليماني) بدل القائم، ولولا اتحاد الشخصية لما كان لذكر كل منها منفرداً وجه، والقول بالتعدد يلزم منه تعدد صاحب راية الهدى وهو باطل بنص الروايات كما عرفنا، وهذا مثال من روايات الحتميات: عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (ع)، قال:
(خمس قبل قيام القائم من العلامات: الصيحة، والسفياني والخسف بالبيداء، وخروج اليماني، وقتل النفس الزكية)
(غيبة الطوسي: ص436 ح427.).
وعن محمد بن علي الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (اختلاف بني العباس من المحتوم، والنداء من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم ..)
(الكافي: ج1 ص310 ح484.).
ثم إنّ اليماني والقائم بالسيف على علاقة بالإمام المهدي (ع)، لأنه وصيه وأول مقرب إليه ومؤمن به من جهة، كما أنه قائم بأمره وصاحب راية الهدى من جهة ثانية، وهو يمانيه ومن يرسله إلى الناس ليبدأ عملية التمهيد لقيام دولة العدل الالهي من جهة ثالثة.
وبهذا يتجلّى بكل وضوح أنّ (المهدي الأول = قائم آل محمد = اليماني الموعود)، ويكون المهدي أحمد وصي الإمام المهدي (ع) ورسوله إلى الناس.
------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
مَنْ الآتي محتجاً ؟
بعد أن عرفنا أنّ هناك رجلين من آل محمد في عصر الظهور كلاهما خليفة إلهي وحجة من حجج الله في أرضه، وقد وصف كل منهما بـ (القائم وصاحب الأمر والمهدي)،
وهما: الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) وابنه المهدي الأول أحمد.
فالسؤال: مَنْ منهما الذي يحتج على الناس لإثبات حقه ؟
أزعم أنّ إجابة هذا السؤال باتت واضحة؛ إذ عرفنا أنّ الآتي للناس أولاً، عند إذن الله بقيام دولة العدل وبداية نهاية الظلم والظالمين، هو القائم المخفي الاسم وصاحب السيف واليماني الموعود أحمد. ولما كان هو الآتي أولاً وهو خليفة من خلفاء الله ووصي من الأوصياء، ولما كان الناس جميعاً مأمورين بنصرته ويحرم عليهم الالتواء عليه عندما يرفع رايته، فهم بحاجة إذن إلى أن يتثبتوا من دعوته لتصديقه ونصرته، وبالتالي فهو الذي يحتج عليهم لإثبات حقه.
وأما الإمام المهدي (ع)، فهو ليس بحاجة إلى ذلك؛ لأنه يأتي لاحقاً بعده، وبعد أن يمهِّد له وصيه ورسوله، فيكون التعرُّفُ عليه عندئذٍ عبر وصيِّه ويمانيه، ويجب على الناس تصديقه في ذلك؛ لأنه - كما تقدَّم - وصي من أوصياء محمد ص.
إنّ كفاية التعرف على اليماني والمهدي الأول والرجل المشرقي الذي يقود رايات الفتح الممهدة للإمام المهدي (ع) للتعرُّف على الإمام، أمر أكَّده آل محمد ع في رواياتهم، قال أمير المؤمنين (ع) في رواية طويلة يبيِّن فيها حال مَنْ يدُّعون التشيع في آخر الزمان وتفرقهم واختلافهم، وتكفير بعضهم بعضاً، وبصق بعضهم في وجه بعض، وتأميلهم الفتح من غير جهته، وانضواء الكثير منهم تحت راية السفياني، إلى أن يقول:
(.. واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص فتداويتم من العمى والصم والبكم، وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق، ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون")
(الكافي: ج8 ص66 ح22.).
و(كفيتم مؤونة الطلب) يعني: أنّ معرفتكم بطالع المشرق يكفيكم مؤونة طلب إمامكم ومعرفته، فإنّ غايتكم تتحقَّقُ بمعرفة طالع المشرق، وقد تبيَّن مَن هو بالبحوث المتقدمة كالشمس في رابعة النهار.
كما أنّ رواية اليماني كافية هي الأخرى لإثبات هذه الحقيقة، فإنّ التعرُّف على رَجُلٍ أوجب آل محمد النهوض إليه لنصرته وحرَّموا الالتواء عليه (الكاشف عن كونه خليفة إلهي كما قلنا)، أكيد كافٍ في تحقيق الوصول إلى الإمام المهدي (ع) ومعرفته.
ومن ثم يكون القول بأنه (أي اليماني) الآتي محتجاً على الناس أمر في غاية الوضوح.
------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
لماذا بُشِّر بالمهدي أحمد بعنوان "الخليفة" و"اليماني" ؟
إنّ ملاحظة الروايات التي تتحدث عن المهدي الأول (أحمد)، والتي استعرضنا بعضاً منها فيما مضى، يوقفنا على صنفين أساسين من الروايات:الأول: يبيِّن أنه خليفة من خلفاء الله في أرضه وحجة من حجج الله ووصي من الأوصياء، وأنه خليفة الإمام المهدي (ع)، وأنه من الميعاد وما شابه.
الثاني: يبيِّن أنه اليماني الموعود وصاحب الأمر القائم بالسيف والمخفي الاسم وما شابه.ولو ركّزنا على وصفي (الخليفة) و(اليماني)، وسألنا عن سبب ذلك، فبماذا وسعنا أن نجيب ؟
عن الفضيل بن يسار، قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله ص من جهال الجاهلية، قلت: وكيف ذاك ؟ قال: إن رسول الله ص أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر)
(غيبة النعماني: ص297.).
إذن، هناك شبه بين ابتداء رسول الله ص بدعوته وبين ابتداء ابنه القائم (ع) بدعوته، فكلاهما يبعث في جاهلية، بل الرواية واضحة في أنّ الجاهلية الثانية أشد من الأولى. ولو عدنا إلى بعثة رسول الله ص في الأقوام المنتظرة، لوجدناه مذكوراً في ما بين أيديهم من نصوص بوصفين هما: أنه حجة من حجج الله، وأنه يماني.
أما البشارة برسول الله ص بوصف أنه خليفة وحجة إلهي مذكور باسمه في النصوص التي كان يعتقد بها المنتظرون، فهو ما بيَّنه الإمام الرضا (ع) في محاججته جاثليق النصارى في وقته، وهذا مقطع منها:
(.. قال الجاثليق: صفه - أي رسول الله ص- قال: لا أصفه إلا بما وصفه الله هو صاحب الناقة والعصا والكساء ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾
( الأعراف: 157.)، يهدي إلى الطريق الأفضل والمنهاج الأعدل والصراط الأقوم، سألتك يا جاثليق بحق عيسى روح الله وكلمته هل تجد هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجاثليق ملياً وعلم أنه إن جحد الإنجيل فقد كفر، فقال: نعم، هذه الصفة في الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ص وقد صح في الإنجيل فأقررت بما فيه صفة محمد ص.
فقال: فخد عليّ في السفر الثاني فأني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين ص، فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا (ع) عالم بالتوراة والإنجيل، فقالا: والله لقد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود الإنجيل والتوراة والزبور، وقد بشّر به موسى وعيسى (عليهما السلام) جميعاً، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون إنه محمدكم.
فقال الرضا (ع): احتججتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد، وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟ فأحجموا عن جوابه ..)
(بحار الأنوار: ج49 ص75 فما بعد.).
هذا هو الإثبات الأساسي على نبوة محمد ص في التوراة والإنجيل والذي استخدمه الإمام الرضا (ع) في الاحتجاج عليهم.
وهناك وصف آخر ورد عندهم لرسول الله ص، ولكن هذه المرة ليس باسمه وإنما بوصف (اليماني)، وفي بيان بعضها وتحديد معناه يقول السيد أحمد الحسن (ع):
(حبقوق - الأصحاح الثالث: "1 صلوة لحبقوق النبي على الشجوية 2 يا رب قد سمعت خبرك فجزعت. يا رب عملك في وسط السنين أحيه. في وسط السنين عرف. في الغضب أذكر الرحمة 3 الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه. 4 وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى".
المعنى: "الله جاء من تيمان" أي: الله جاء من اليمن، "والقدوس من جبل فاران" أي: القدوس جاء من مكة، وتعالى الله أن يوصف بالمجيء من السماء فكيف من الأرض؛ لأن الإتيان والمجيء تستلزم الحركة وبالتالي الحدوث وبالتالي نفي الإلوهية المطلقة، فلا يمكن أن يعتبر أنّ الذي يجيء من تيمان أو اليمن هو الله سبحانه وتعالى، ولا الذي يجيء من فاران هو القدوس سبحانه وتعالى. هذا فضلاً عن الأوصاف الأخرى كاليد تعالى الله عنها علوا كبيرا "وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى"، بل الذي يجيء هو عبد الله محمد ص وآله ص من بعده حيث إنهم من مكة ومحمد وآل محمد ص يمانيون أيضاً.
فمجيء محمد ص هو مجيء الله؛ لأن محمد هو الله في الخلق ومحمد هو ظهور الله في فاران كما بينته سابقاً في أكثر من موضع، وكون تيمان هي اليمن قد ورد حتى في الإنجيل على لسان عيسى (ع)عندما وصف ملكة اليمن بملكة التيمن (أو تيمان).
إنجيل متى - الأصحاح الثاني عشر: "ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهوذا أعظم من سليمان ههنا".
إنجيل لوقا - الأصحاح الحادي عشر: "ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان") انتهى.
وكون مجيء محمد مجيء الله ورد مثله في دعاء السمات الشريف أيضاً، إذ اعتبر آل محمد ص أنّ عيسى (ع) يمثل طلعة الله، وأنّ محمد صيمثل ظهور الله.
وبهذا تبيَّن أنّ رسول الله ص ذُكر للمنتظرين في الجاهلية الأولى باسمه مرة وبوصف اليماني ثانية، ومثله كان ابنه المهدي الأول (أحمد) والقائم الذي يحتج على الناس في الجاهلية الثانية، فهو أيضاً ذكر باسمه مرة، وبوصف اليماني أخرى، وقد عرفنا فيما تقدم بعض الروايات التي أوضحت ذلك.
وعطفاً على ما سبق، يقول السيد أحمد الحسن (ع):
(إنّ مسألة اليماني ليست جديدة، بل محمد ص أيضاً كان معروفاً عند أهل الكتاب ومبشراً به على أنه اليماني، لهذا ترك اليهود أرض الميعاد المهمة جداً عندهم واستوطن كثير منهم أرض اليمن، أي المسماة باليمن تاريخياً وليس حالياً فقط، والمدينة أيضاً من اليمن. ولا يزال اليهود في اليمن مستوطنين إلى اليوم؛ لأنهم أيضاً مبشرون باليماني وينتظرونه، أي بمحمد ص وباليماني من ذريته، تماماً كالبشارة بأحمد وأنها تنطبق على أكثر من مصداق في أزمان مختلفة.
فاليماني الأول محمد ص بُعث في اليمن أي في مكة لأنها من اليمن، واليماني الثاني من ذرية اليماني الأول يُبعث في المشرق في مسيرة عودة الإبراهيمية إلى موطنها الأصلي العراق. ولذا كان أكثر قبور الأئمة في العراق مع أنهم لم يولدوا في العراق، هذه مشيئة الله، ليثبتوا عودة الدين الإبراهيمي إلى العراق باليماني الموعود به في الديانات الثلاث. فاليهود وضح أنهم مبشرون باليماني، والمسيحيون مبشرون باليماني؛ لأنهم يعترفون بالعهد القديم التوراة أيضاً، والمسلمون السنة والشيعة مبشرون باليماني. فاليماني ليس شخصاً ورد فيه رواية الإمام الباقر (ع) فقط)
(من جواب له (ع) على سؤال وجهته له مباشرة.)، انتهى.
--------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
كيف يعرف الناس خليفة الله ؟
لا يخفى أنّ موقع خليفة الله بمستوى من الخطورة والأهمية، تُلخِّص الدين كله، يقول الإمام الصادق (ع): (.. أصل الدين هو رجل، وذلك الرجل هو اليقين، وهو الإيمان، وهو إمام أهل زمانه، فمن عرفه عرف الله ودينه وشرائعه، ومن أنكره أنكر الله ودينه، ومن جهله جهل الله ودينه وشرائعه، ولا يعرف الله ودينه بغير ذلك الإمام، كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله ..)
(مختصر بصائر الدرجات: ص80.).
وإذا كان (دين الله = خليفة الله)، إذن فقانون التعرف عليه في غاية الأهمية أيضاً، لأنّ الجهل بالخليفة وتضييعه يعني تضييع دين الله كله. ثم إنّ القانون الذي يراد تصويره، بغض النظر عن واضعه الآن، لابد من أن يتوفر عليه الخليفة منذ أول لحظة يبعث فيها ويحتج على الناس؛ لأنّ تأخره عن ذلك ولو للحظة واحدة يعني فقدان الخليفة لدليل يثبت به صدقه، كما أنه يمنح من يموت أو يتخلّف عن التصديق في تلك الفترة عذراً وحجة له على الله تعالى، وكلاهما باطل جزماً. وها هنا تصويران:
الأول: إنّ خليفة الله يعرف بقانون خصَّ الله به خلفاءه في أرضه منذ أول خليفة على هذه الأرض وحتى آخرهم، وبه تكون لله الحجة البالغة ولا حجة لأحد من الناس عليه أبداً. وهو قانون أوضحته الآيات المحكمة والروايات المتكاثرة.
يقول السيد أحمد الحسن (ع) في بيانه:
(إنّ مقتضى الحكمة الإلهية هو وضع قانون لمعرفة خليفة الله في أرضه في كل زمان، ولابد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه، فلا يمكن أن يكون هذا القانون طارئاً في إحدى رسالات السماء المتأخرة عن اليوم الأول؛ لوجود مكلفين منذ اليوم الأول، ولا أقل أن القدر المتيقن للجميع هو وجود إبليس كمكلف منذ اليوم الأول، والمكلف يحتاج هذا القانون لمعرفة صاحب الحق الإلهي، وإلا فإنه سيعتذر عن إتباع صاحب الحق الإلهي بأنه لم يكن يستطيع التمييز، ولا يوجد لديه قانون الهي لمعرفة هذا الخليفة المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى. والقدر المتيقن للجميع حول تاريخ اليوم الأول الذي جعل فيه الله خليفة له في أرضه هو:
1- إن الله نص على آدم وإنه خليفته في أرضه بمحضر الملائكة ع وإبليس.
2- بعد أن خلق الله آدم (ع) علَّمه الأسماء كلها.
3- ثم أمر الله من كان يعبده في ذلك الوقت الملائكة وإبليس بالسجود لآدم.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾،
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾،
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾،
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾.
هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه وهذه الأمور الثلاثة قانوناً سَنَّه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾،
﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾)
(إضاءات من دعوات المرسلين: ج3، السيد أحمد الحسن.).
ثم بيَّن آل محمد ع هذا القانون الإلهي، بروايات كثيرة، هذا نموذج منها:
فبالنص أو الوصية: احتج نوح (ع) على قومه بنص ذكره فيه نبي الله آدم (ع)، قال عنه الإمام الرضا (ع): (.. وقد كان آدم أوصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوح في زمانه الذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمداً ..)
(كمال الدين وتمام النعمة: ص215.).
وكذا إبراهيم وموسى وعيسى ع، حيث قال الإمام الصادق (ع) في حديث له عن الوصية: (.. وأوصى نوح إلى سام .. ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل (ع)، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف .. ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران (ع)، وأوصى موسى إلى يوشع بن النون ... ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم (ع)، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا ..)
(أمالي الصدوق: ص242.)،
وهكذا إلى أن وصلت رسول الله محمداً ص.
وكان من تعريف الله سبحانه لموسى به ع ما يوضِّحُه الحديث القدسي التالي: (.. أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وأنه راكع ساجد راغب راهب، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون ..)
(الكافي: ج8 ص63 ح8.). ثم صار موسى (ع) يوضح ذلك للمؤمنين به.
وبمثل ذلك بشّر عيسى به ع ونص عليه باسمه، قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾( الصف: 6.).
وعن أبي عبد الله (ع) أنه قال:
(.. فلما أن بعث الله المسيح (ع) قال المسيح لهم: إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل (ع) يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم ..)
(الكافي: ج1 ص434 ح3.).
وبالعلم: عُرف إبراهيم (ع): ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾( مريم: 43.).
وموسى (ع): ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾( القصص: 14.).
وعيسى (ع): ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾( الزخرف: 63.).
ومحمد ص: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾( الجمعة: 2.).
وأما طاعة خليفة الله ودعوته إلى حاكمية الله (فقرة القانون الإلهي الثالثة)، فالكتب السماوية كلها مملوءة بذلك.
وهذا القانون الإلهي هو ذاته الذي أشار إليه أئمة الهدى ص، لما سئلوا عن طريق التعرُّفِ عليهم، وهذا مثال منها:
عن هشام بن سالم وحفص بن البختري، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (قيل لأبي عبد الله (ع): بأي شيء يعرف الإمام ؟ قال: بالوصية الظاهرة وبالفضل، إنّ الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه ذلك)
(الكافي: ج1 ص284 ح3.).
وعن عبد الأعلى، قال: (قلت لأبي عبد الله (ع): المتوثب على هذا الأمر المدعي له، ما الحجة عليه ؟ قال: يسأل عن الحلال والحرام،قال: ثم أقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الامر: أن يكون أولى الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان ؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان)
(الكافي: ج1 ص284 ح2.).
وعن الحارث بن المغيرة، قال: (قلت لأبي عبد الله (ع): بأي شيء يعرف الإمام ؟ قال: بالسكينة والوقار،قلت: وبأي شيء ؟ قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله ص، قلت: يكون إلا وصياً ابن وصي؟ قال: لا يكون إلا وصياً وابن وصي)
(غيبة النعماني: ص242.).
وعن أبي الجارود، قال: (قلت لأبي جعفر (ع): إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت فبأي شيء يعرف من يجيء بعده ؟ قال: بالهدى والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يسأل عن شيء بين صدفيها إلا أجاب)
(غيبة النعماني: ص242.).
وعن الإمام الصادق (ع)، قال: (أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ! لا والله، ولكن عهد من الله ورسوله ص لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه)
(الكافي: ج1 ص278 ح2.).
وعن أمير المؤمنين (ع): (لا يقاس بآل محمد ص من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة)
(نهج البلاغة، وعنه بحار الأنوار: ج23 ص117.). وغيرها الكثير.
-----------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
تابع للحلقة (12)
وهذه كلمات بعض كبار علماء الشيعة في معرفة الإمام من آل محمد ص: قال الشيخ الطوسي رحمه الله:
(.. لأنّ الإمام لا يعلم أنه إمام إلا ينصّ عليه نبي، فإذا نص عليه النبي، أو ادعى هو الإمامة جاز أن يظهر الله تعالى على يده علماً معجزاً، كما نقوله في صاحب الزمان إذا ظهر، فصار النص هو الأصل ..) (الاقتصاد: ص194.).
وبعد بيان الفرق بين النبي والإمام والصالح، قال أيضاً: (.. فعلى هذا لا يلزم أن يظهر الله على يد كل إمام معجزاً، لأنه يجوز أن يعلم إمامته بنص أو طريق آخر، ومتى فرضنا أنه لا طريق إلى معرفة إمامته إلا المعجز وجب إظهار ذلك عليه وجرى مجرى النبي سواء ..)
(المصدر السابق: ص160.).
وقال الشيخ المفيد رحمه الله: (فصل: وأما مسألتهم من أين صار النص أولى من الاختيار؟ فالجواب أنه كان كذلك؛ لأنّ من شرط الإمام أنه الأفضل عند الله والأعلم الأشجع الأصلح، وذلك مما لا يعلم المستحق له على التعيين بالعقل ولا بالحدس، فثبت أنه لا طريق إليه إلا بالنص من العالم بالسرائر، والتوقيف منه عليه. وأيضاً: فإن الإمام يجب أن يكون معصوماً كعصمة النبي ص ولا طريق إلى العلم بالعصمة إلا من جهة النص من صادق عن الله، أو علم معجز خارق للعادات) (المسائل العكبرية: ص52.).
وقال أيضاً: (.. فأما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو عَلَم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ..)
(أوائل المقالات: ص38.).
وقال العلامة الحلي رحمه الله: (النظر الخامس: في نقل (هكذا وردت وربما الأصح: (نقد).) مذهب الخصم وإبطاله: اعلم أن الناس اتفقوا على أنّ الإمام لا يصير إماماً بنفس الصلاحية للإمامة، بل لابد من أمر متجدد .. ثم اتفقت الأمة بعد ذلك على أنّ نص النبي ص على شخص بأنه الإمام طريق إلى كونه إماماً، وكذلك الإمام إذا نص على إنسان بعينه على أنه إمام بعده، ثم اختلفوا في أنه هل غير النص طريق إليها أم لا، فقالت الإمامية: لا طريق إليها إلا النص بقول النبي ص أو الإمام المعلومة إقامته بالنص، أو بخلق المعجز على يده ..)
(كتاب الألفين: ص42.).
وقال أيضاً الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه، لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى، فلابدّ من نصّ من يعلم عصمته عليه، أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه)
(الباب الحادي عشر: ص48.).
وقال المقداد السيوري في التعليق: (هذه إشارة إلى طريق تعيين الإمام، وقد حصل الإجماع على أنّ التنصيص من الله ورسوله، وإمام سابق سبب مستقل في تعيين الإمام (ع)، وإنما الخلاف في أنه هل يحصل تعيينه بسبب غير النص أم لا، فمنع أصحابنا الإمامة من ذلك مطلقاً وقالوا لا طريق إلا النص، لأنا قد بينا أن العصمة شرط في الإمامة، والعصمة أمر خفي لا إطلاع عليه لأحد إلا الله فلا يحصل حينئذ العلم بها، في أي شخص هي، إلا بإعلام عالم الغيب وذلك يحصل بأمرين: أحدهما: إعلامه بمعصوم كالنبي ص فيخبرنا بعصمة الإمام (ع) وتعيينه. وثانيهما: إظهار المعجزة على يده الدالة على صدقه في ادعائه الإمامة ..)
(شرح الباب الحادي عشر: ص94 – 95.).
ومطالعة هذه الكلمات من كبار علماء الشيعة يكشف عن حرصهم في اعتماد قانون الله في معرفة خلفائه الطاهرين، فالتأكيد على النص والعلم نراه أصلاً بادياً بكل وضوح فيها، وما سواه إما أنه لا يكفي إلا بانضمام الأصل إليه، أو أنه لا يشترط حصوله أصلاً بل هو راجع إلى مشيئة الله سبحانه إن شاء أظهره وإلا فلا.وفي مقابل ذلك، يطرح بعض أنصاف المتعلمين هذه الأيام قانوناً آخر يريدون أن يتعرفوا على خلفاء الله من خلاله، وهذا بيانه:
الثاني: إنّ القانون الذي يحتج به خليفة الله على الناس هو: (معرفته بكل اللغات، وأنه لا ظل له، ويؤثر قدمه في الحجر، ولا تأكله السباع، والختان من الولادة، وينزل من رحم أمه ساجداً، وتنام عينه ولا ينام قلبه ..... إلخ)، بل حتى وصلت الجرأة لدى بعضهم إلى افتراض معرفته بالحمض النووي، كما سمعناه من بعض شيعة المراجع أخيراً.
يعتقدون بهذا، في ذات الوقت الذي يعلمون هم قبل غيرهم بما اشترطه علماء العقائد الشيعة من ضرورة تحصيل العلم واليقين في العقيدة، والذي يتحقق بآية قرآنية قطعية الدلالة، أو تواتر الروايات عليه، وأضاف بعضهم الدليل العقلي القطعي والصريح.والسؤال: إنّ من أعرض عن قانون الله في معرفة خلفائه واقترح قانوناً من نفسه، هل أقام على اقتراحه دليلاً بأحد الوجوه الثلاثة لإثبات عقائدية المسألة ؟ كلا.
وهل اعتمد روايات صحيحة السند عنده، فضلاً عن إقامة التواتر فيها، وفضلاً عن إثبات عدم مخالفتها للثقلين ؟ كلا أيضاً. وأقصى ما زعموه دالاً على مقترحاتهم هي روايات آحاد شاذة، وهي:
• إما أنها لا سند لها ولا أصل (كما في الحكاية المنسوبة إلى الإمام الرضا (ع) في قضية زينب الكذابة، وقد حاول بعضهم جعلها قانوناً يعرف به الإمام، وهذا نصها:
(أنه كان بخراسان امرأة تسمى زينب فادعت أنها علوية من سلالة فاطمة عليها السلام، وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها، فسمع بها علي الرضا (ع) فلم يعرف نسبها فأحضرت إليه فرد نسبها وقال: هذه كذابة، فسفهت عليه وقالت: كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك. فأخذته الغيرة العلوية فقال (ع) لسلطان خراسان وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع، فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين يسمى ذلك الموضع بركة السباع، فأخذ الرضا (ع) بيد تلك المرأة وأحضرها عند ذلك السلطان وقال: هذه كذابة على علي وفاطمة عليهما السلام، وليست من نسلهما فانّ من كان حقاً بضعة من علي وفاطمة فان لحمه حرام على السباع فألقوها في بركة السباع فان كانت صادقة فانّ السباع لا تقربها، وإن كانت كاذبة فتفترسها السباع ..)
ثم تذكر الحكاية بأن الإمام (ع) نزل ولم تقربه السباع ثم أمر بإلقائها فأنزلت قسراً وافترستها، انظر: بحار الأنوار: ج49 ص61.
ونفس هذه الحكاية (زينب الكذابة) نقلها المجلسي عن خرائج الراوندي، ولكن هذه المرة منسوبة الإمام الهادي (ع) في زمن المتوكل، إذ ورد فيها:
(.. قال: لحوم بني فاطمة محرمة على السباع فأنزلها إلى السباع فان كانت من ولد فاطمة فلا تضرها ..) انظر: بحار الأنوار: ج50 ص149.ويكفيهم رادعاً عن أخذ عقيدة من أمثال هذه القصص أن يعرفوا:أولاً: إنها مجرد حكايات منسوبة إلى آل محمد عليهم السلام ولا سند لها أصلاً، فكيف استساغوا الاعتقاد على ضوئها مع أنّ هذا مخالف لمنهج أخذ العقائد الذي عليه علماء الشيعة جميعاً ؟!وثانياً: إنها تسيء لأهل البيت عليهم السلام وتصور فعلهم كفعل الطواغيت - وحاشاهم - في أنهم يأمرون بإلقاء امرأة حية إلى السباع لتنهشها وتقطعها، وهذا تمثيل بها، فهل يعتقدون بأنّ أئمة الهدى غاب عنهم قول جدهم المصطفى: أنّ المثلة حرام ولو بالكلب العقور ؟!!وثالثاً: إنها - وفق الصيغة الثانية - تفترض أن كل ولد علي وفاطمة عليهما السلام (أي السادة) لا تأكلهم السباع، وهو باطل جزماً ولا يعتقد بذلك عاقل.).
• أو أنها ضعيفة السند بنظرهم (كما عرفنا قبل قليل في قضية زينب الكذابة، وأيضاً: احتج بعضهم لإثبات معرفة الإمام ببعض الصفات المذكورة بمثل الرواية التالية:
(وروى أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا على بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: للإمام علامات يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً ويستوى عليه درع رسول الله، ولا يرى له بول ولا غائط، لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه وتكون لرائحته أطيب من رائحة المسك ..)
الفقيه: ج4 ص418 ح5914.
ولكن الرواية:أولاً: معلوم أنّ العقيدة لا تؤخذ من رواية آحاد ما لم يحصل منها العلم المشترط في العقائد والذي يحصل من خلال التواتر كما تبيَّن.
وثانياً: الرواية تذكر علامات للإمام لا يتسنى لجميع الناس التأكد منها كولادته مختوناً وسجوده وتشهده عند وقوعه من بطن أمه وكذلك عدم نوم قلبه، فكيف يعرف الناس ذلك ؟!! بل بعضها مخالف للثابت عن أئمة الهدى، فإنّ الإمام الباقر (ع) لبس درع رسول الله وكان يستخب عليه، قال الصادق (ع) لأبي بصير:
(يا ] أبا[ محمد، إنّ أبي لبس درع رسول الله وكانت تستخب)
بصائر الدرجات: ص209،
فهل تنتفي إمامته بنظر المعتقدين بالرواية أعلاه وحاشاه ؟!
وثالثاً: إننا لا ننكر أن يكون لآل محمد عليهم السلام معاجز وفضائل، لكننا نتحدث عن قانون به تعرفهم الناس ولا نتكلم عن أي شيء آخر. وبالنتيجة فالرواية شاذة ومخالفة للثابت من سيرة آل محمد ولا تثبت بها عقيدة مطلقاً.).
• وإما مخالفة لكتاب الله وللثابت من سنة الطاهرين (كما توضح لنا في مخالفة رواية زينب الكذابة لسيرة رسول الله ص، وكما في مخالفة قول بعضهم
(إنّ الإمام يعرف بتأثير قدميه في الحجر) للثابت من سيرة أهل البيت عليهم السلام، فلم يرو أنهم يقومون بتعويض الناس عن تخريب أرضيات بيوتهم لما يطؤونها، بل الثابت أنّ ذلك إن حصل فهو على سبيل المعجزة متى ما شاء الله كما حصل من طبع قدمي الإمام الرضا (ع) في مدينة نيشابور عند سفره من المدينة إلى خراسان، ولكن هذا ليس أمراً لازماً له أينما ذهب وبه تعرف إمامته منذ يومها الأول كما يريد بعض المتشيعة معرفته به ؟!! ).
• أو أنها معارضة بروايات أخرى أثبتت الخلاف (بعض المتشيعة يريد أن يعرف الإمام من خلال معرفته بكل اللغات، والحال أنّ روايات وردت تؤكد خلاف ذلك، منها: عن حبة بن جوين العرني، قال: (سمعت أمير المؤمنين علياً (ع)يقول:
إن يوشع بن نون كان وصي موسى بن عمران وكانت ألواح موسى عن زمرد أخضر .. فلم يزل يتوارثها رهط من بعد رهط حتى وقعت في أيدي أربعة رهط من اليمن. وبعث الله محمداً ص بتهامة وبلغهم الخبر.. فأوحى الله إلى جبرئيل أن ائت النبي ص فأخبره .. فسهر لهم تلك الليل فجاء الركب فدقوا عليه الباب وهم يقولون: يا محمد، قال: نعم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، أين الكتاب الذي توارثتموه من يوشع بن نون وصي موسى بن عمران ؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك محمداً رسول الله ص، والله ما علم به أحد قط منذ وقع عندنا قبلك. قال: فأخذه النبي ص فإذا هو كتاب بالعبرانية دقيق، فدفعه إليّ ووضعته عند رأسي فأصبحت بالكتاب وهو كتاب بالعربية جليل فيه علم ما خلق الله منذ قامت السماوات والأرض إلى أن تقوم الساعة، فعلمت ذلك)
بصائر الدرجات: ص146.
ومثلها روايات أخرى.وفي الرواية دلالة واضحة على أنّ أمير المؤمنين (ع) عرف لغة الكتاب بالمعجزة، وهذا لا ننكره على أئمة الهدى صلوات ربي عليهم، ولكن كلامنا في قانون إلهي يعرف به الناس الإمام عند بعثته، لا في معاجزه التي إن حصلت فهي فضل من الله، وإن لم تحصل فإمامته ثابتة ودليلها ثابت أيضاً من اليوم الأول. ).
ولهذا فقد تركها كبار علماء الشيعة ولم يتطرَّقوا لها أصلاً عند ذكر طريقة احتجاج الإمام على الناس أو معرفتهم به عند بعثته. كما أنّ بعضها - إن صحت - تضم شؤوناً خاصة للإمام لا علاقة للناس بها، كما أنّ الكثير منها يضم أموراً إن حصلت فهي على سبيل المعجز الذي لا يضر تأخّره أو عدم حصوله حتى بدليل الخليفة الإلهي وصدقه، وكلامنا في القانون الذي لا تتخلَّف فقراته أبداً منذ أول يوم يُبعث فيه خليفة الله للناس ويلازمه دائماً، وهو ما تقدَّم بيانه لا غير.
------------------------
:: علاء الســــالم ::
بماذا احتج المهدي الأول (أحمد) اليوم ؟
بعد أن تبيَّن أن المهدي الأول خليفة من خلفاء الله ووصياً من الأوصياء، فهو إذن يعرف بقانون الله في خلفائه الذي لا يتخلف عنهم أبداً، أي:
(النص والعلم وراية البيعة لله)، وهي ذاتها أدلة السيد (أحمد الحسن).
أما النص، فقد احتج بوصية جده رسول الله ص المذكور فيها باسمه وصفته ومقامه، والوصية هي الكتاب العاصم من الضلال لمن تمسَّكَ به، وقد عرفنا أنها من مختصات الأوصياء التي لا يشاركهم فيها أحدٌ أبداً، وبها يُعرفون ويُشخَّصون.
والوصي أحمد لما كان يُطلق عليه صاحب الأمر والقائم وهو الآتي محتجًّا كما تبيَّن في ما سبق، ورد عن أئمة الهدى أنه يعرف بالوصية، وهذا مثال منه:
عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): بم يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: (بالسكينة والوقار والعلم والوصية)
(الخصال للصدوق: ص200.).
وعن عبد الأعلى عن أبي عبد الله (ع)، قال:
(يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره: هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه، وعنده سلاح رسول الله ص ووصيته، وذلك عندي لا أنازع فيه)
(بصائر الدرجات: ص202.).
وعن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (ع):
(.. إياك وشذاذاً من آل محمد ص فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم رجلاً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء)
(بحار الأنوار: ج52 ص222.). والعهد هو الوصية كما لا يخفى.
وأما العلم، فأمام الجميع ما كتب السيد أحمد الحسن من إصدارات تقرب من الأربعين، منشورة في موقع الدعوة الرسمي وبوسع الكل قراءتها، ولم نرَ أو نسمع إلى الآن أحداً - مرجعاً كان أو دونه - رد عليه أو حدّثته نفسه بذلك، فضلاً عن قبول مناظرته أمام الناس أجمعين كما دعاهم لذلك منذ سنين، خصوصاً وقد تعرَّضَ لكتاب الله وأحكم ما تشابه فيه، وتناول أهم ما في العقيدة وبين خللهم فيها، فضلاً عمّا سواها من بيان حلال الله وحرامه. وإذا كان هذا لا يعني رجال الدين اليوم فما الذي يعنيهم إذن ؟! ولهذا ورد عن آل محمد ع أنه يُعرف بالعلم، وهذا نموذج منه:
عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (ع)يقول:
(إن لصاحب هذا الأمر غيبتين في إحداهما يرجع فيها إلى أهله، والأخرى يقال: في أي واد سلك، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال: إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله)
( غيبة النعماني: ص173.).
وعن احتجاج القائم (ع) بكتاب الله بالخصوص، ورد عن عبد الأعلى الحلبي عن الإمام الباقر (ع) في حديث طويل:
(.. يا أيها الناس: من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله ..)
(معجم أحاديث الإمام المهدي : ج5 ص24.).
وأما رفعه راية البيعة لله، فيكفي السيد أحمد الحسن (ع) صدقاً انفراده من بين أهل الأرض بدعوته إلى حاكمية الله ورفض حاكمية الناس بكل صورها، بعد أن انضوى الجميع تحت الديمقراطية الأمريكية.
أضف إليه انضمام عشرات الروايات الأخرى التي ذكرته باسمه وصفته ومسكنه وحجته بل حتى صفاته وشمائله من رأسه إلى أخمص قدميه، وكذلك شهادة الله له - وكفى بالله شهيداً - بآلاف الرؤى الصادقة بالأنبياء والمرسلين والصالحين وكلها ترشد إلى صدقه وأحقيته.
ويكفي المؤمنين بالله الرجوع إلى ربهم سبحانه وسؤاله عن (أحمد الحسن) بصدق، وهذا نص ما أجاب به (ع)من سأله عن رفع القلق رغم مطالعته الروايات:
(وفقك الله لكل خير، إن كنت تطلب اليقين والاطمئنان فتزود وارتحل إلى الله وأسأله فيجيبك سبحانه، وما أخف الزاد على القلوب الطاهرة وهو الإخلاص له سبحانه، وما أقصر طريق الرحيل إليه الذي لا يحتاج إلّا النية فقط، فهو لا يبعد عن خلقه سبحانه وتعالى،
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾( ق: 16.)،
وما أيسر أن تسأله وهو لا تتشابه عليه الأصوات ولا تزيده كثرة العطاء إلا كرماً وجوداً. هل يصعب عليك أن تسجد ولا ترفع رأسك حتى تسمع جواب ربك لتنجو في الآخرة والدنيا؟ وهل يصعب عليك أن تصوم ثلاثة أيام وتتضرع في لياليها إلى الله أن يجيبك ويعرفك الحق؟ وفقك الله لكل خير، الجأ إلى الله وستجده كهفاً حصيناً لا يضيع من لجأ إليه) (الجواب المنير عبر الأثير: ج6 سؤال رقم (584).).
--------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
لماذا يرفض المتشيعة الصيحة ؟!
عن عبد الله بن سنان، قال: (كنت عند أبي عبد الله (ع)، فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيرونا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر وكان متكئاً، فغضب وجلس، ثم قال: لا ترووه عني وارووه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي (ع)يقول:
والله إن ذلك في كتاب الله عز وجل لبين، حيث يقول:﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾( الشعراء: 4.)،
فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إن الحق في علي بن أبي طالب وشيعته. قال: فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء حتى يتوارى عن أهل الأرض، ثم ينادي: ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته، فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه. قال:فيثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرءون منا ويتناولونا، فيقولون: إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت) ثم تلا أبو عبد الله (ع):
﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ (القمر: 2.))
(غيبة النعماني: ص260.).
واضح أنّ الرواية الشريفة لا تتحدث عن المنحرفين عن ولاية آل محمد ع منذ أول زمان الإسلام فهم متبرئون من خلفاء الله وأوصياء نبيه ص منذ ذلك الحين وملبّين لإبليس نداءه، فلا يضيف إلى باطلهم شيئاً نداؤه لتشكيك الناس بالقائم (ع) بالصيحة الثانية التي تأتي مباشرة بعد صيحة الحق الأولى. ثم إذا كان السامعون - أو لا أقل من ضمنهم - شيعة يدّعون ولاية أهل البيت ع،
فما بالهم يُشكِّكون بالصيحة الأولى التي ذكرت علياً (ع) وشيعته ويتبرؤون من آل محمد ويتهمونهم بالسحر ؟! قبل معرفة الجواب، لنستعرض بعض مضامين الصيحة وفق ما ورد في الروايات
(انظر: غيبة النعماني: ص253 – 266.):
1- عن أبي جعفر (ع): (ينادي منادي باسم القائم واسم أبيه).
2- عن أبي جعفر (ع): (ألا إن المهدي من آل محمد فلان بن فلان).
3- عن أبي عبد الله (ع): (إن فلان هو الأمير).
4- عن أبي عبد الله (ع): (ألا أن فلان صاحب الأمر فعلامَ القتال).
5- عن أبي عبد الله (ع): (ألا إن الحق في علي بن أبي طالب).
ولا يصح أن يخطر في بال أحد ليتوهّم أنّ ما ذكر من مضامين تخص صيحة الحق ونداءه يتعلق بعدة أشخاص، فإنّ راية الحق تُرفع من قِبَل واحد لا أكثر والحق لا يتعدَّد، فمَن هو المنادى باسمه والذي وصِف بأنه: (القائم، والمهدي، والأمير، وصاحب الأمر، وصاحبكم، وإنه علي بن أبي طالب (ع)) ؟
وبكل تأكيد فإنّ المنادى باسمه ليس أمير المؤمنين (ع) بشخصه، وإلا فلماذا يرتاب من يدَّعي أنه من شيعته بعد نداء إبليس لعنه الله، والذي يكون سبباً ليس فقط لعدم نصرة داعي الحق بل للبراءة من أهل البيت ع وتناولهم ؟ إنه إذن مَثَل علي (ع) في زمنه، والإمام المهدي (ع) وإن كان كذلك روحي فداه لكنه الآخر غير مقصود بالمنادى؛ ذلك أنّ ما قلناه في أبيه أمير المؤمنين (ع) يأتي فيه.
وإذ انتهينا فيما مضى إلى أنّ هناك رجلاً آخر من آل محمد في زمن الظهور، فيتعيَّن أن يكون هو لا غير. هو (أحمد) إذن، وشبهه بجده أمير المؤمنين (ع)يتضح بقراءة وصية رسول الله ص ليلة وفاته لما خصه بالذكر وركّز على بيان أسمائه وصفاته كتركيزه على أول الأئمة الاثني عشر. وتقدّم بيان إطلاق (المهدي والقائم وصاحب الأمر) عليه أيضاً، وإذا لاحظنا التعبير عن المهدي بـ (فلان) وكذلك عدم التصريح باسم القائم في النداء؛ فذلك لأنه لا يراد الكشف عنه وإبقاء أمره مخفياً إلى حين ابتدائه هو بالأمر وتفويت الفرصة على المدعين.
بقي أن نعرف أنه أمير جيش الغضب الذي ولّي البيعة من قبل أبيه الإمام (الملك)، وقد عرفنا سابقاً أن أسماء من يبايع بين الركن والمقام بنص حديث رسول الله ص- وبعد عرضها على الوصية المقدسة - هي أسماؤه سلام الله عليه.
روى السيد ابن طاووس:
(أمير الغضب ليس من ذي ولا ذهو، لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان بايعوا فلاناً باسمه ليس من ذي ولا ذهو ولكنه خليفة يماني)
(الملاحم والفتن: ص27.).
هو مَثَل علي (ع) اليوم بعد أن كان أبيه الإمام المهدي (ع) مَثَل جده المصطفى ص، فعن أبي مروان، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾( القصص: 85.)،
قال: فقال لي: (لا والله، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله وعلي بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب)، يعني موضعاً بالكوفة
(بحار الأنوار: ج53 ص113 – 114.).
وهذا المسجد الذي سيبنى له علاقة بالقائم (ع)، فإنّ الصلاة خلفه تعدل الصلاة خلف رسول الله ص، عن أبي جعفر (ع) في خبر طويل:
(يدخل المهدي الكوفة، وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها، فتصفو له فيدخل حتى يأتي المنبر ويخطب، ولا يدري الناس ما يقول من البكاء .. فإذا كانت الجمعة الثانية، قال الناس: يا ابن رسول الله، الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله ص والمسجد لا يسعنا، فيقول: أنا مرتاد لكم، فيخرج إلى الغري فيخط مسجداً له ألف باب ..)
(بحار الأنوار: ج52 ص331.).
وهو رَجُلٌ مِن علي (ع)، بل إنّ أمير المؤمنين (ع) يعتبر فعلَه فعلَه. عن عباية الأسدي، قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) وهو مشنكى - كذا في المصدر - وأنا قائم عليه:
(لأبنين بمصر منبراً، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب، ولأسوقن العرب بعصاي هذه، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين، كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت ؟ فقال: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني)
(بحار الأنوار: ج53 ص59 – 60.).
وإذا كان فعله هو فعل أمير المؤمنين (ع) فالصيحة باسمه يعني الصيحة باسم علي (ع)، ويعرف بعد هذا معنى ما ورد في الصيحة بـ (أن الحق مع علي) أو (علي وشيعته هم الفائزون)، ويتّضح سبب تأثر الناس بالنداء الثاني وتبرئهم من أهل البيت ع والعياذ بالله؛ ذلك أنّ الصيحة ستكون باسم مَن هو مَثَل أمير المؤمنين (ع) اليوم وبراءتهم منه يعني براءتهم من أمير المؤمنين (ع) وأهل البيت كلهم؛ لأن المنكر لآخرهم كالمنكر لأولهم، هكذا شاء الله.
وعن أبي عبد الله (ع) في حديثه عن راية القائم (ع)، قال:
(.. فإذا قام نشرها فلم يبق في المشرق والمغرب أحد إلا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، [ووراءها شهراً] وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً. ثم قال: يا أبا محمد، إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً، لغضب الله على هذا الخلق عليه قميص رسول الله ص الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرع رسول الله ص السابغة، وسيف رسول الله ص ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً. فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف ولا يخرج القائم (ع) حتى يقرأ كتابان كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة بالبراءة من علي (ع))
(بحار الأنوار: ج52 ص360 – 361.).
ومرة أخرى يقف المرء مذهولاً أمام الحقيقة التي تذكرها الرواية وهي التبرؤ من الإمام علي (ع) في مدينتين يدَّعي أهلها التشيُّع كما هو معلوم، ولكن إذا عرفنا ما سبق نعرف أنّ مَن يُقرأ الكتاب باسمه في الكوفة والبصرة هو مَثَل علي (ع).
وأخيراً: لكل طالب حق هذه الرواية لمن تكون باسمه صيحة الحق ليضمَّها إلى ما تقدَّم: قال الإمام الصادق (ع):
(يا مفضل، يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادي باسمه وكنيته ونسبه، ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، على أنه قد قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله ص وكنيته لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسماً ولا كنية ولا نسباً. والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه ونسبه وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم، ثم يظهره كما وعد به جده ص في قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾)
( مختصر بصائر الدرجات: ص179 – 180.).
أما صيحة إبليس (لعنه الله) فبعض ما تساءلنا عنه في صيحة الحق يأتي فيها أيضاً، فإذا كان الذين يتبرؤون من أهل البيت يُحْسَبون على الشيعة كما تقدم، فكيف يمكن تصوّر أن شيعياً يستمع لإبليس وهو ينادي بمظلومية عثمان قبالة حق علي (ع) ؟! وكما توضح في صيحة الحق في أنها تكون بمَثَل علي (ع)، فكذلك الحال في صيحة إبليس أخزاه الله فإنها تكون بمَثَل عثمان في هذا الزمان، ولما كان يتجلبب زوراً بزي أهل التنسُّك والزهادة وإمامة الأمة يشتبه الأمر على الناس فيضيع مَن لم يكن لديه نور من الله، ويتبرأ مِن آل محمد لأجله بل يتناولهم ويتهمهم بالسحر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::
كلمــــــات فـــي الختـــــام
كانت هذه رسالة مختصرة في بيان اتحاد شخصية المهدي الأول وصاحب الأمر والقائم به بالسيف واليماني الموعود.
وتعرضنا لبعض الأبحاث المناسبة لذلك زيادة للفائدة. وهي رغم اختصارها ضمت ما يزيد على الستين رواية من روايات الطاهرين التي ما كان ليكشف النقاب عن كثير منها إن لم يكن جلها وفك ألغازها لولا مجيء صاحبها نفسه صلوات ربي عليه، والذي جعل آل محمد حله لها وفكه لشفرتها إحدى دلائل صدقه:
عن مالك الجهني، قال: (قلت: لأبي جعفر (ع) إنا نصف صاحب الأمر بالصفة التي ليس بها أحد من الناس، فقال: لا والله، لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه)
(غيبة النعماني: ص220.).
أيها الناس: إنه الوصي (أحمد الحسن)، الذي به تستهزئون وتسخرون، وبأبشع التهم تنسبون، وبأقذر الكلمات والشتائم تتعرضون، فاتقوا الله فيه إن كنتم إياه سبحانه تخشون، وهو حسبنا الله ونعم الوكيل.
وعما قريب سيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.
والحمد لله رب العالمين.
فجر الجمعة
30 ربيع الثاني 1433 هـ
---------------------------------
الاستاذ :: علاء الســــالم ::