بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وصلى الله على محمد وآل محمد المعصومين , وصلى الله على مسك الختام نور الله وبقيته في أرضه روحي فداه .
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) الحديد .
في قصص الأنبياء السابقين وأممهم التي اتبعتهم تارة , واتبعت السامريين تارة أخرى .
ونصرت الأنبياء مرة , وخذلتهم ونصرت الطواغيت مرات , عبرة لمعتبر وذكر لمدّكر .
فالبحث فيها ضروري , والمرور من خلالها إلى ما حصل بعد وفاة النبي ( ص ) من تنحية الوصي والأستيلاء على السلطة
وما جرّه هذا الحدث على الأمة من مآسي , لا نزال نعاني منها إلى اليوم أشدّ العناء , يساعد على فهم ما حدث بعد وفاة النبي ( ص ) سواء مع أمير المؤمنين ( ع ) , أم مع ولده المعصومين ( ع) الذين عانوا من الطواغيت المتسلطين على دفة الحكم بالقوة الغاشمة , كما عانوا الأمرين من السامريين أئمة الضلال , الذين حاولوا دائماً حرف الشريعة واستخفاف المسلمين .
كما أن النظر إلى حالنا اليوم من خلال قصص الأنبياء السابقين , وأممهم يساعد على قراءة المستقبل المرتقب فيه ظهور خاتم الأوصياء المهدي ( ع ) , وما سيلاقيه , سواء من الطواغيت الذين سيستخفون المسلمين ويقاتلونهم كالسفياني , أم من السامريين
( علماء السوء غير عاملين ) .
ولهذا ارتأيت أنا المسكين قليل العمل كثير الذلل , أن اكتب هذا البحث لعله يكون واقية لبعض المؤمنين من التردي في الهاوية .
فالوقاية خير من العلاج , بل أن الوقوف مع السفياني أو علماء السوء الذين سيقاتلون المهدي ( ع) لا علاج له إلا شرب الحميم , ومعالجة الأغلال في الجحيم .
ولعله يكون حافزاً لبعض المؤمنين , للعمل على تهيئة الأرضية الملائمة لإقامة دولة لا إله إلا الله على الأرض , دولة الإمام المهدي ( ع) والحق والعدل في وقت خيّم فيه الظلم على كل بقعة في هذه الأرض .
فالطاغوت الأمريكي يُضيّق الخناق يوم بعد يوم على الشعوب المستضعفة , ويسير بأهل الأرض نحو الهاوية , والطواغيت المتسلطين على الشعوب الإسلامية إذا لم يكونوا عبيد لهذا الطاغوت , الذي لم يعرف له تاريخ الإنسانية على الأرض مثيل , فهم يشتركون معه بعبادة الشيطان , والشعوب الإسلامية التي هي أكثر الشعوب استضعافاً في العالم , تعاني الأمرين :
أولاً : من مطارق الطاغوت الأمريكي والطواغيت المتسلطين عليها .
وثانياً : من الطواغيت الموجودين داخل الإطار الإسلامي , أعني بعض علماء الدين غير العاملين الذين يدّعون تمثيل الإسلام , بل لعل بعضهم استخف هذه الشعوب ووجد له كثير من الاتباع , ليعلمهم السكون والخضوع والاستسلام للطواغيت , وبالتالي القهر والجوع والذل .
فهي إذن حرب مستمرة في الخارج والداخل .
عدو كافر يضرب باستمرار , ومنافق ينخر في الداخل , فرعون والسامري , بيلاطس وعلماء بني إسرائيل غير عاملين .
فمن جانب طاغوت يشن حرب لا هوادة فيها ضد الدين :
تلفزيون يعرض آيات من القرآن الكريم ثم بعد قليل أغاني ونساء شبه عاريات ومسلسلات الغرض منها تفكيك البنية الإسلامية للمجتمع , أو قل ما بقي من البنية الإسلامية للمجتمع , أن تحلق اللحية وتطيل الشارب كما يفعل المجوس في العصور الغابرة , هذا هو الإسلام في نظر هؤلاء .
وكل من يقول لا إله إلا الله يُقتل وتُسبى نساؤه , وتُهدم داره .
والطامة الكبرى أن بعضهم يدّعون أنهم عرب , ويفعلون هذا باسم العروبة , وهم يعتدون على النساء وينتهكون الأعراض , وسجونهم مليئة بالنساء والأطفال .
والحال أن العربي شريف , إذا عادى يُعادي الرجال ولا يعتدي على النساء , فأي عروبة يدّعون هؤلاء الغجر , بقايا المغول والتتر .
لقد سودوا وجه الإنسانية , وارتكبوا جرائم وفضائح يندى لها جبين فرعون ونمرود ( لعنهم الله ) صاحبي موسى وإبراهيم ( ع) .
وفي الجانب الآخر السامري ( العالم غير العامل ) الذي يحاول حرف الشريعة , ولا يكلف نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والجهاد في سبيل الله باللسان بل واليد أن أمكن , متناسياً أن رسول الله ( ص ) قال مامعناه :
} لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم ثم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم { .
وهل يوجد أشر من الطواغيت المتسلطين على الأمة الإسلامية اليوم .
أن النتائج موجودة فحتماً إن المقدامات كانت موجودة , ولا تزال إلى اليوم .
إذن فسبب التسلط الطاغوتي على المجتمعات الإسلامية اليوم هو :
ترك هذه المجتمعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وسبب ترك هذه المجتمعات لهذا الواجب هو :
أن العلماء غير العاملين تاركين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( إذا فسد العالِم فسد العالَم ) .
حتى ترسخت اليوم في نفوس كثير من المسلمين جذور الذل والخضوع والاستسلام للطاغوت , وحب الدنيا وحب الحياة , والخوف من الموت بشكل غير طبيعي .
وأصبحوا يرون الحياة مع الذل خير من الموت مع العز , وهكذا ينكس الإنسان , ويمسي يرى المقاييس مقلوبة , وهذا هو أقصى ما يريده الشيطان ( لعنه الله ) , أن تبقى الشعوب الإسلامية المستضعفة ساكنة بين المطرقة والسندان , أو قل بين فرعون والسامري , بين طاغوت يفسد ويقتل وينهب ,
وعالم دين ( غير عامل ) لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر , وخلف الستار أصابع الطاغوت الأمريكي تحرك الخيوط يميناً وشمالاً .
وهكذا لا يبقى من الإسلام إلا رسمه .
إن واجب العلماء اليوم هو التصدي لإصلاح الأمة الإسلامية , واجبهم هو حمل ثقل الرسالة التي تصدوا لحملها .
أنتم يا طلبة العلوم الدينية , ويا علماء الإسلام ( الشيعة والسنة ) هل تعتقدون أن كل ما أنتم مكلفون به هو تحصيل العلوم العقلية والنقلية دون العمل , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ضمن تكليفكم الذي هو إصلاح الأمة , وتبليغ وإنذار أبناءها , والجهاد في سبيل الله بالغالي والنفيس ؟! .
إذا كنتم تعتقدون هذا فالحق أقول لكم : أنكم مخطئون .
إن تحصيل العلوم العقلية والنقلية ليس بعسير , ولكن أن تعطي طعامك ثلاثة أيام لأسير , وابن سبيل , ومسكين , وتطوي جائعاً .
كما فعل الإمام علي ( ع) هو الأمر العسير .
أن تعيش حياتك تعطي من أجل إسعاد الناس ورفع الحيف والظلم عنهم هو الأمر العسير .
أن تعطي في سبيل الله كما أعطى الإمام الحسين ( ع) هو الأمر العسير .
السلام عليك يا أبا عبد الله بأبي أنت وأمي أعطيت كل شيئ ولم تبقي حتى الطفل الرضيع والنساء .
لم تبق لمتخاذل حجه .
أيها السادة إذا اقتصرتم على تحصيل العلوم وعباداتكم , فأنتم بذلك تكونون قد أعطيتم للطواغيت كل ما يريدون , أن يحولونكم إلى زائدة عبادة لا علماء , بل أن صفة العابد لا يمكن أن تخلع على العالم الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر , هذا وإن المعنى الذي ورد عن المعصومين ( ع) أن العالم أفضل من سبعين عابد وذلك لأن العالم همه خلاص الناس والعابد همه خلاص نفسه .
روي عن الإمام الصادق ( ع) الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد .
وقال تعالى : فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.
لينذروا قومهم , لا يناموا .. أو ينذروا فرداً أو فردين .
فإذا كان همهم أيها السادة خلاص أنفسكم فلا تقولوا إننا طلبة علوم دينية , أو علماء ولا تلبسوا ملابسهم , لتخدعوا الناس .
لا تكونوا ذئاباً ترتدي جلود حملان , كما حال الكثرين اليوم , فهذا ليس موضع طلب الدنيا , وليس هذا موضع لتنفيس الشهوات وقضاء الوطر , هذا موضع حمل ثقل رسالة الأنبياء والمعصومين ( ع) .
فكونوا على حذر , وإلا فهو خسران الدنيا والآخرة , قال عيسى ( ع)
مثل علماء السوء كمثل صخرة وقعت على فم نهر لا هي تشرب ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع .
في عام 1971 عندما كان السيد الخميني ( رحمه الله ) في النجف الأشرف وكان تلاميذه ينتظرون منه درس في تهذيب النفس , بدأ السيد بالقول :
أنني أشعر بأنّ التكليف أن أذكّر السادة في بعض المناسبات بما يتعلق بمصائب المسلمين ...
ثم قال : والآن هل تريدونني ان أتحدث عن الأخلاق ؟!
إننا لن نكون مهذبين ما لم نفكر بهذه الأحوال
ولو كنا مهذبين لفكرنا بالأوضاع .
فللعلماء غير العاملين أقول :
أعرضوا عملكم على سيرة الأنبياء والمرسلين .
والحمد لله في القرآن الذي بين أيدينا اليوم ما يكفي من قصصهم ( ص ) , وستجدون أن سيرتكم مخالفة لهم تماماً , فأما أن تسيروا بسيرة الأنبياء والمرسلين , وأما أن تتنحوا عن هذا الطريق , فلا تكونوا قطاع الطريق إلى الله كما قال امير المؤمنين ( ع ) .
وأقول لكم :
ما قاله عيسى ( ع) لعلماء اليهود غير العاملين المتكبرين :
الويل لكم أنتم تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس , فلا أنتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون أفيقوا قبل أن تبسل نفس بما كسبت .
وقبل أن يأتي يوم تقولون : يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله .
إن جذور الإسلام والمسلمين تتعرض اليوم للإبادة , ثم تريدونني أن أجلس وأتحدث عن تهذيب النفس ؟! .
أفيقوا قبل أن يخرج سيف بن فاطمة ( ع) من غمده , وعندها ستندمون على أفعالكم التي وضعتكم اليوم في الخندق المقابل له .
أفيقوا واعترفوا بخطئكم الفاحش , فالعار أولى من دخول النار .
وفي ذات الوقت فأني أشد على يد العلماء العالمين المجاهدين الزاهدين في الدنيا , الذين يدلك ظاهرهم على باطنهم , والذين يعملون ليلاً ونهاراً لنشر كلمة
لا إله إلا الله .
ونشر العدالة في المجتمع الإسلامي .
ومع أنهم شرذمة قليلون . ألا أن الله سيبارك عملهم ويجعل فيه الخير الكثير إن شاء الله .
فلا تهنوا ولا تنكلوا , وأنتم الأعلون إن شاء الله .
طوبى للمعروفين في السماء المجهولين في الأرض مع كثرة عملهم وقلة ذات يدهم .
أسأل الله أن يجعلني من خدمهم , وأن يحشرني في زمرتهم , مع كثرة جهلي وقلة علمي وقليل عملي بفضله ورحمته وعطاءه الابتداء .
هذا وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت , متوسلاً بالحي الذي لا يموت أن أكون ممن لا يخشون في الله لومة لائم , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب , هو وليي , وهو يتولى الصالحين وأعوذ بالله من الخزي في الدنيا والآخرة .
تحصنت بذي الملك والملكوت , واعتصمت بذي القدرة والجبروت , واستعنت بذي العزة واللاهوت , من كل ما أخاف وأحذر , وبمحمد وعلي وفاطمة , والحسن والحسين , وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي و محمد وعلي والحسن ومحمد ( ع) , والحمد لله وحده .
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) . الشعراء .
والحمد لله وصلى الله على محمد وآل محمد المعصومين , وصلى الله على مسك الختام نور الله وبقيته في أرضه روحي فداه .
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) الحديد .
في قصص الأنبياء السابقين وأممهم التي اتبعتهم تارة , واتبعت السامريين تارة أخرى .
ونصرت الأنبياء مرة , وخذلتهم ونصرت الطواغيت مرات , عبرة لمعتبر وذكر لمدّكر .
فالبحث فيها ضروري , والمرور من خلالها إلى ما حصل بعد وفاة النبي ( ص ) من تنحية الوصي والأستيلاء على السلطة
وما جرّه هذا الحدث على الأمة من مآسي , لا نزال نعاني منها إلى اليوم أشدّ العناء , يساعد على فهم ما حدث بعد وفاة النبي ( ص ) سواء مع أمير المؤمنين ( ع ) , أم مع ولده المعصومين ( ع) الذين عانوا من الطواغيت المتسلطين على دفة الحكم بالقوة الغاشمة , كما عانوا الأمرين من السامريين أئمة الضلال , الذين حاولوا دائماً حرف الشريعة واستخفاف المسلمين .
كما أن النظر إلى حالنا اليوم من خلال قصص الأنبياء السابقين , وأممهم يساعد على قراءة المستقبل المرتقب فيه ظهور خاتم الأوصياء المهدي ( ع ) , وما سيلاقيه , سواء من الطواغيت الذين سيستخفون المسلمين ويقاتلونهم كالسفياني , أم من السامريين
( علماء السوء غير عاملين ) .
ولهذا ارتأيت أنا المسكين قليل العمل كثير الذلل , أن اكتب هذا البحث لعله يكون واقية لبعض المؤمنين من التردي في الهاوية .
فالوقاية خير من العلاج , بل أن الوقوف مع السفياني أو علماء السوء الذين سيقاتلون المهدي ( ع) لا علاج له إلا شرب الحميم , ومعالجة الأغلال في الجحيم .
ولعله يكون حافزاً لبعض المؤمنين , للعمل على تهيئة الأرضية الملائمة لإقامة دولة لا إله إلا الله على الأرض , دولة الإمام المهدي ( ع) والحق والعدل في وقت خيّم فيه الظلم على كل بقعة في هذه الأرض .
فالطاغوت الأمريكي يُضيّق الخناق يوم بعد يوم على الشعوب المستضعفة , ويسير بأهل الأرض نحو الهاوية , والطواغيت المتسلطين على الشعوب الإسلامية إذا لم يكونوا عبيد لهذا الطاغوت , الذي لم يعرف له تاريخ الإنسانية على الأرض مثيل , فهم يشتركون معه بعبادة الشيطان , والشعوب الإسلامية التي هي أكثر الشعوب استضعافاً في العالم , تعاني الأمرين :
أولاً : من مطارق الطاغوت الأمريكي والطواغيت المتسلطين عليها .
وثانياً : من الطواغيت الموجودين داخل الإطار الإسلامي , أعني بعض علماء الدين غير العاملين الذين يدّعون تمثيل الإسلام , بل لعل بعضهم استخف هذه الشعوب ووجد له كثير من الاتباع , ليعلمهم السكون والخضوع والاستسلام للطواغيت , وبالتالي القهر والجوع والذل .
فهي إذن حرب مستمرة في الخارج والداخل .
عدو كافر يضرب باستمرار , ومنافق ينخر في الداخل , فرعون والسامري , بيلاطس وعلماء بني إسرائيل غير عاملين .
فمن جانب طاغوت يشن حرب لا هوادة فيها ضد الدين :
تلفزيون يعرض آيات من القرآن الكريم ثم بعد قليل أغاني ونساء شبه عاريات ومسلسلات الغرض منها تفكيك البنية الإسلامية للمجتمع , أو قل ما بقي من البنية الإسلامية للمجتمع , أن تحلق اللحية وتطيل الشارب كما يفعل المجوس في العصور الغابرة , هذا هو الإسلام في نظر هؤلاء .
وكل من يقول لا إله إلا الله يُقتل وتُسبى نساؤه , وتُهدم داره .
والطامة الكبرى أن بعضهم يدّعون أنهم عرب , ويفعلون هذا باسم العروبة , وهم يعتدون على النساء وينتهكون الأعراض , وسجونهم مليئة بالنساء والأطفال .
والحال أن العربي شريف , إذا عادى يُعادي الرجال ولا يعتدي على النساء , فأي عروبة يدّعون هؤلاء الغجر , بقايا المغول والتتر .
لقد سودوا وجه الإنسانية , وارتكبوا جرائم وفضائح يندى لها جبين فرعون ونمرود ( لعنهم الله ) صاحبي موسى وإبراهيم ( ع) .
وفي الجانب الآخر السامري ( العالم غير العامل ) الذي يحاول حرف الشريعة , ولا يكلف نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والجهاد في سبيل الله باللسان بل واليد أن أمكن , متناسياً أن رسول الله ( ص ) قال مامعناه :
} لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم ثم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم { .
وهل يوجد أشر من الطواغيت المتسلطين على الأمة الإسلامية اليوم .
أن النتائج موجودة فحتماً إن المقدامات كانت موجودة , ولا تزال إلى اليوم .
إذن فسبب التسلط الطاغوتي على المجتمعات الإسلامية اليوم هو :
ترك هذه المجتمعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وسبب ترك هذه المجتمعات لهذا الواجب هو :
أن العلماء غير العاملين تاركين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( إذا فسد العالِم فسد العالَم ) .
حتى ترسخت اليوم في نفوس كثير من المسلمين جذور الذل والخضوع والاستسلام للطاغوت , وحب الدنيا وحب الحياة , والخوف من الموت بشكل غير طبيعي .
وأصبحوا يرون الحياة مع الذل خير من الموت مع العز , وهكذا ينكس الإنسان , ويمسي يرى المقاييس مقلوبة , وهذا هو أقصى ما يريده الشيطان ( لعنه الله ) , أن تبقى الشعوب الإسلامية المستضعفة ساكنة بين المطرقة والسندان , أو قل بين فرعون والسامري , بين طاغوت يفسد ويقتل وينهب ,
وعالم دين ( غير عامل ) لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر , وخلف الستار أصابع الطاغوت الأمريكي تحرك الخيوط يميناً وشمالاً .
وهكذا لا يبقى من الإسلام إلا رسمه .
إن واجب العلماء اليوم هو التصدي لإصلاح الأمة الإسلامية , واجبهم هو حمل ثقل الرسالة التي تصدوا لحملها .
أنتم يا طلبة العلوم الدينية , ويا علماء الإسلام ( الشيعة والسنة ) هل تعتقدون أن كل ما أنتم مكلفون به هو تحصيل العلوم العقلية والنقلية دون العمل , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ضمن تكليفكم الذي هو إصلاح الأمة , وتبليغ وإنذار أبناءها , والجهاد في سبيل الله بالغالي والنفيس ؟! .
إذا كنتم تعتقدون هذا فالحق أقول لكم : أنكم مخطئون .
إن تحصيل العلوم العقلية والنقلية ليس بعسير , ولكن أن تعطي طعامك ثلاثة أيام لأسير , وابن سبيل , ومسكين , وتطوي جائعاً .
كما فعل الإمام علي ( ع) هو الأمر العسير .
أن تعيش حياتك تعطي من أجل إسعاد الناس ورفع الحيف والظلم عنهم هو الأمر العسير .
أن تعطي في سبيل الله كما أعطى الإمام الحسين ( ع) هو الأمر العسير .
السلام عليك يا أبا عبد الله بأبي أنت وأمي أعطيت كل شيئ ولم تبقي حتى الطفل الرضيع والنساء .
لم تبق لمتخاذل حجه .
أيها السادة إذا اقتصرتم على تحصيل العلوم وعباداتكم , فأنتم بذلك تكونون قد أعطيتم للطواغيت كل ما يريدون , أن يحولونكم إلى زائدة عبادة لا علماء , بل أن صفة العابد لا يمكن أن تخلع على العالم الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر , هذا وإن المعنى الذي ورد عن المعصومين ( ع) أن العالم أفضل من سبعين عابد وذلك لأن العالم همه خلاص الناس والعابد همه خلاص نفسه .
روي عن الإمام الصادق ( ع) الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد .
وقال تعالى : فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.
لينذروا قومهم , لا يناموا .. أو ينذروا فرداً أو فردين .
فإذا كان همهم أيها السادة خلاص أنفسكم فلا تقولوا إننا طلبة علوم دينية , أو علماء ولا تلبسوا ملابسهم , لتخدعوا الناس .
لا تكونوا ذئاباً ترتدي جلود حملان , كما حال الكثرين اليوم , فهذا ليس موضع طلب الدنيا , وليس هذا موضع لتنفيس الشهوات وقضاء الوطر , هذا موضع حمل ثقل رسالة الأنبياء والمعصومين ( ع) .
فكونوا على حذر , وإلا فهو خسران الدنيا والآخرة , قال عيسى ( ع)
مثل علماء السوء كمثل صخرة وقعت على فم نهر لا هي تشرب ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع .
في عام 1971 عندما كان السيد الخميني ( رحمه الله ) في النجف الأشرف وكان تلاميذه ينتظرون منه درس في تهذيب النفس , بدأ السيد بالقول :
أنني أشعر بأنّ التكليف أن أذكّر السادة في بعض المناسبات بما يتعلق بمصائب المسلمين ...
ثم قال : والآن هل تريدونني ان أتحدث عن الأخلاق ؟!
إننا لن نكون مهذبين ما لم نفكر بهذه الأحوال
ولو كنا مهذبين لفكرنا بالأوضاع .
فللعلماء غير العاملين أقول :
أعرضوا عملكم على سيرة الأنبياء والمرسلين .
والحمد لله في القرآن الذي بين أيدينا اليوم ما يكفي من قصصهم ( ص ) , وستجدون أن سيرتكم مخالفة لهم تماماً , فأما أن تسيروا بسيرة الأنبياء والمرسلين , وأما أن تتنحوا عن هذا الطريق , فلا تكونوا قطاع الطريق إلى الله كما قال امير المؤمنين ( ع ) .
وأقول لكم :
ما قاله عيسى ( ع) لعلماء اليهود غير العاملين المتكبرين :
الويل لكم أنتم تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس , فلا أنتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون أفيقوا قبل أن تبسل نفس بما كسبت .
وقبل أن يأتي يوم تقولون : يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله .
إن جذور الإسلام والمسلمين تتعرض اليوم للإبادة , ثم تريدونني أن أجلس وأتحدث عن تهذيب النفس ؟! .
أفيقوا قبل أن يخرج سيف بن فاطمة ( ع) من غمده , وعندها ستندمون على أفعالكم التي وضعتكم اليوم في الخندق المقابل له .
أفيقوا واعترفوا بخطئكم الفاحش , فالعار أولى من دخول النار .
وفي ذات الوقت فأني أشد على يد العلماء العالمين المجاهدين الزاهدين في الدنيا , الذين يدلك ظاهرهم على باطنهم , والذين يعملون ليلاً ونهاراً لنشر كلمة
لا إله إلا الله .
ونشر العدالة في المجتمع الإسلامي .
ومع أنهم شرذمة قليلون . ألا أن الله سيبارك عملهم ويجعل فيه الخير الكثير إن شاء الله .
فلا تهنوا ولا تنكلوا , وأنتم الأعلون إن شاء الله .
طوبى للمعروفين في السماء المجهولين في الأرض مع كثرة عملهم وقلة ذات يدهم .
أسأل الله أن يجعلني من خدمهم , وأن يحشرني في زمرتهم , مع كثرة جهلي وقلة علمي وقليل عملي بفضله ورحمته وعطاءه الابتداء .
هذا وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت , متوسلاً بالحي الذي لا يموت أن أكون ممن لا يخشون في الله لومة لائم , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب , هو وليي , وهو يتولى الصالحين وأعوذ بالله من الخزي في الدنيا والآخرة .
تحصنت بذي الملك والملكوت , واعتصمت بذي القدرة والجبروت , واستعنت بذي العزة واللاهوت , من كل ما أخاف وأحذر , وبمحمد وعلي وفاطمة , والحسن والحسين , وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي و محمد وعلي والحسن ومحمد ( ع) , والحمد لله وحده .
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) . الشعراء .
Comment