إصدارات أنصار الإمام المهدي / العدد (53)
النبـوة الخـاتمـة
نبـوّة محمـد
السيد
أحمد الحسن
وصي ورسول الإمام المهدي
(مكن الله له في الأرض)
الطبعة الثانية
1431هـ - 2010 م
لمعرفة المزيد حول موضوع اليماني يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي:
أنصار الإمام المهدي (ع) اتباع الإمام احمد الحسن اليماني (ع) - انصار الامام المهدي (ع)
تقديـم
الحمد لله مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح ديّان الدين ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
خُتمت النبوّة بنبوّة الرسول محمد ، وأكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على المؤمنين، وقد اختلفت الأمّة في معنى (خاتم الأنبياء)، فمنهم من قرأها بفتح التاء (خاتَم)، ومنهم من قرأها بكسر التاء (خاتِم)، وأعطوا لكل قراءة معنىً يختلف عن صاحبه.
وأيضاً تجد بعض الروايات تؤكد على أنّ لا نبوّة بعد نبوّة الرسول محمد ، وكل من يدّعي النبوّة بعده فهو كذّاب مفتر، بينما تجد بعض الروايات تنصّ على استمرار النبوّة بعد الرسول محمد ، وإنّ الحجة على الخلق بعد الرسول محمد لابد أن يكون له اتصال بالسماء، أي إنّه يُنبأ من الله تعالى، بل تجد بعض الروايات عن الرسول محمد تنصّ على أنّ مسألة الوحي ليست مقتصرة على أوصياء الرسول محمد فحسب ، بل تتعدّى إلى عامة الناس مثل الرؤيا الصادقة التي وصفها الرسول محمد بأنّها من أجزاء النبوّة .
عن الرضا قال: (حدثني أبي، عن جدّي، عن أبيه: أنّ رسول الله قال: … إنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ( ).
عن الرسول أنّه قال: (لا نبوّة بعدي إلاّ المبشّرات. قيل: يا رسول الله، وما المبشّرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة) ( ).
وهنا يجد طالب الحقيقة نفسه بين مسلكين، وكلاهما يخالف ما جاء عن الرسول محمد وعترته الطاهرة، فإن قال بختم النبوّة مطلقاً بالرسول محمد فقد خالف الروايات القائلة باستمرار النبوّة بعد الرسول محمد ، أو على الأقل بعض أجزاء النبوّة، وإن قال باستمرار النبوّة مطلقاً فقد خالف الروايات القائلة بختم النبوّة برسالة أشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى .
فالحل لا يكون بالأخذ والاعتماد على قسم من الروايات وترك القسم الآخر، ومحاولة تهميشه وتذويب دلالته، أو القول بعدم صحته - والعياذ بالله -، فهذا منهي عنه بعشرات الروايات التي تنهى عن ردّ أي رواية صادرة عن أهل العصمة ( )، إلاّ ما كان مخالفاً للقرآن والسنة الثابتة ( ).
إذن، فمسألة ختم النبوّة من المتشابهات التي لا يمكن إحكامها إلاّ من قبل أوصياء الرسول محمد .
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾( ).
قال الإمام الصادق لأبي حنيفة عندما دخل عليه: (يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته ؟! وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟! قال نعم، قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أُنزل عليهم. ويلك ولا هو ألاّ عند الخاص من ذرية نبينا ، ما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول، ولست كما تقول، فاخبرني …) ( ).
وفي هذا الكتاب (النبوّة الخاتمة) تجد ما يشفي العليل ويروي الغليل، فقد بيّن السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي واليماني الموعود، هذه المسألة بأوضح بيان من القرآن والسنة المطهّرة، ولم يرد أي رواية من كلا القسمين، أي الروايات القائلة بختم النبوّة، والروايات القائلة باستمرار النبوّة بعد الرسول محمد .
فقد بيّن السيد أحمد الحسن ما معنى النبوّة ، وميّز بين النبوّة التي ختمت بالرسول محمد وبين النبوّة التي استمرت بعده ، وبيّن أيضاً معنى (خاتَم النبوّة) بفتح التاء ، ومعنى (خاتِم النبوّة) بكسر التاء .
فتجد هذا الكتاب قد بيّن وبأوضح برهان أنّ النبوّة خُتمت بالرسول محمد ولا نبي بعده، ولكن بمعنى يختلف عن القول باستمرارها بعده ، فلا تعارض بين الروايات ؛ لأنّ كل قسم منها يتحدّث عن معنى للنبوّة يختلف عن المعنى الآخر .
وكذلك بيّن السيد أحمد الحسن حقيقة الإرسال، وهل إنّ إرسال الأنبياء منحصر بالله تعالى أم أنّه أيضاً يصح من الأنبياء والرسل ؟ وهل يصدق على الأئمة المعصومين أنّهم رسل من الله تعالى أم لا ؟ وإذا كان الجواب بنعم، فمن هو المرسل للأئمة ، وما الفرق بين إرسالهم وإرسال الأنبياء .
كل هذه الحقائق التي لم تجد جواباً شافياً وافياً طيلة القرون المنصرمة، تجد جوابها الوافي عند سليل العترة الطاهرة وصي ورسول الإمام المهدي السيد أحمد الحسن في كتابه الذي بين يديك (النبوّة الخاتمة).
والحق أقول: إنّ هذا الكتاب من الأدلة على صدق اتصال السيد أحمد الحسن بالإمام المهدي ؛ لانحصار هذا العلم بأوصياء الرسول محمد .
قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾( ).
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
الشيخ
ناظم العقيلي
الإهــــداء
إلى من يرون الشمس
إلى أصحاب البصائـر
وأرجو من الله ومنهم أن يذكروني في دعائـهم
النبــــوّة
معنى كلمة نبي (الديني)؛ هو الشخص الذي يَعرف الأخبار من السماء. فكلمة نبي في الأصل مأخوذة من (نبأ) أي خبر، وليس من كلمة (نبا) أي ظهر وارتفع . والحقيقة أنّ كلمة (نبأ) هي المأخوذة من (نبا)، فالنبأ هو الغيب الذي ظهر وارتفع ليراه الناس، وعُرف بعد أن كان مستوراً ومجهولاً.
وأخبار السماء تصل إلى الإنسان بسبل متعدّدة - وإن كان يجمعها طريق واحد في الأصل - فيمكن أن يكلّم الله الإنسان مباشرة من وراء حجاب، أو يوحي له ما شاء، أي يكتب في صفحة وجود الإنسان ما شاء سبحانه وتعالى، أو يرسل ملائكة يكلمون الإنسان مباشرة، أو يكتبون في صفحة وجوده ما شاء الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾( ).
أمّا طريقة هذا الكلام والوحي والكتابة؛ فهي ربما كانت بالرؤيا في المنام، أو بالكشف في اليقظة.
وأقول الكشف؛ لأنّ عالم الأرواح غير هذا العالم الجسماني، فلكي يطلّع عليه الإنسان ويتّصل به لابد أن يكشف عنه حجاب هذا العالم الجسماني.
وليس ضرورياً أن يكون كل نبي ( ) هو مرسل من الله سبحانه وتعالى، بل ربما كان هناك أكثر من نبي في زمن واحد، ولكن الله سبحانه وتعالى يرسل أحدهم ويكون حجّة عليهم، وعلى غيرهم من الناس. وبالطبع هذا الشخص الذي اصطفاه الله من بينهم هو أفضلهم، ويَعصمه الله سبحانه وتعالى، ويُطلعه على ما يحتاج إليه من الغيب بفضل منه سبحانه وتعالى.
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾( ).
وهؤلاء الملائكة الذين يسخّرهم الله لهذا النبي المُرسل:
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾( ).
يكونون من بين يديه، ومن خلفه ليحفظونه بأمر الله سبحانه وتعالى من شر شياطين الإنس والجن، ومن إلقاءاتهم وباطلهم. فهذا الرصد الملائكي يكون مانعاً وصاداً للشياطين من التدّخل أو الإلقاء في رسالة السماء عند نزولها إلى هذا العالم السفلي الجسماني، وبالتالي تصل رسالة السماء إلى النبي المُرسل صحيحة ونقيّة ومحفوظة من إلقاء الشيطان:
﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾( )،
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾( ).
أمّا أولئك الأنبياء أو الذين حصلوا على مقام النبوّة في فترة من الزمن، أي إنّهم اطلعوا على أخبار السماء بإذن الله سبحانه وتعالى بعد طاعتهم وعبادتهم له سبحانه وارتقائهم في ملكوت السماوات في فترة من الزمن، فهم أيضاً داخلون في الامتحان بهذا النبي المُرسل لهم ولغيرهم، والمفروض أن يكون الأمر أسهل عليهم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يطلعهم وبمرتبة عالية على إرساله الرسول، ولكن لابد أن تبقى نسبة ضئيلة من الجهل بالواقع لديهم للامتحان؛ ليكون إيمانهم وبمرتبة معينة هو إيمان بالغيب:
﴿ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾( ).
وطبعاً ، هذا التمييز لهم عن باقي الناس هو حق لهم بسبب تميّزهم بالطاعة والعبادة السابقة، ولكن من يَكفر منهم بسبب الحسد والأنا يسقط في هاوية الجحيم، كما حصل لبلعم بن باعوراء، فقد كان مطّلعاً على بعض أخبار السماء، وعَلِم من الله برسالة موسى، ولكنّه كفر برسالة موسى ، وجعل الشبهات عاذراً لسقطته التي أردته في هاوية الجحيم، ولم تنفعه طاعته وعبادته السابقة، كما لم تنفع إبليس (لعنه الله) من قبل لما كفر بآدم النـبي المُرسـل ، وأمسى من أقبح خلق الله بعد أن كان طاووس الملائكة، وفي الروايات إنّ ابن باعوراء كان عنده الاسم الأعظم ويَرى ما تحت العرش.
عن أبي الحسن الرضا ، قال: (أُعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون ( ). فلّما مرّ فرعون في طلب موسى وأصحابه، قال فرعون لبلعم: أدع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا ، فركب حمارته ليمر في طلب موسى وأصحابه، فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله ، فقالت: ويلك على ما تضربني أتريد أجيء معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين ؟! فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه، وهو قوله:
﴿فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾.
وهو مثل ضربه. فقال الرضا : فلا يدخل الجنة من البهائم إلاّ ثلاثة؛ حمارة بلعم، وكلب أصحاب الكهف، والذئب، وكان سبب الذئب أنّه بعث ملك ظالم رجلاً شرطياً ليحشر قوماً من المؤمنين ويعذبهم، وكان للشرطي ابن يحبّه، فجاء الذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه، فأدخل الله ذلك الذئب الجنّة لما أحزن الشرطي) ( ).
وفي القرآن ذكر الله بلعم بن باعوراء الذي حسد موسى وتكبّر عليه فأمسى يلهث وراء الأنا والهوى كالكلب، بعد أن كان بمقام النبوّة ويرى ما تحت العرش وعنده الاسم الأعظم:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾( ).
* * *
الرؤيـا والنبـوّة
القرآن حافل بوحي الله سبحانه وتعالى للأنبياء المرسلين بالرؤيا، منهم إبراهيم ، ومحمـد ، ويوسف .
﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً﴾( ).
﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾( ).
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾( ).
ثم إنّ الله يمدح إبراهيم؛ لأنّه صدّق الرؤيا: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾( ).
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾( ).
وفي القرآن الله يُوحي لأم موسى بالرؤيا: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾( ).
ويجب الالتفات أنّ رؤى الأنبياء كانت قبل إرسالهم وبعد إرسالهم، أي إنّ وحي الله سبحانه وتعالى لهم بدأ بالرؤيا، ثم وحتى بعد إرسالهم لم ينقطع هذا السبيل (الرؤيا) من سُبل وحي الله سبحانه وتعالى عنهم.
والرسول محمد كان يرى الرؤى قبل بعثته وإرساله، وكانت تقع كما يراها ( )، ولولا أنّ الأنبياء المرسلين صدّقوا وآمنوا وعملوا بتلك الرؤى التي رأوها قبل إرسالهم؛ لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من المقام العالي، والقرب من الله سبحانه وتعالى ؛ ولما اصطفاهم الله أصلاً لرسالاته:
﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
بل هم كانوا يؤمنون ويصدقون برؤى المؤمنين الذين كانوا معهم ، وهذا رسول الله محمد كان يسأل أصحابه عن رؤاهم ويهتم بسماعها ، وبعد صلاة الصبح ، وكأنّ سماعها ذكر وعباده لله سبحانه ، حتى إنّ المنافقين شنعوا عليه بأنّه يسمع ويصدق كل متكلّم :
﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾( ).
عن الرضا ، قال: (إنّ رسول الله كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشّرات؟ يعني به الرؤيا) ( ). بل إنّ النبي محمد كان يعتبرها من مبشّرات النبوّة، عن النبي قال: (ألا إنّه لم يبق من مبشّرات النبوّة إلاّ الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ( ).
بل وكان يعتبرها نبوّة، عنه قال: (لا نبوّة بعدي إلاّ المبشّرات. قيل يا رسول الله، وما المبشرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة) ( ).
وقال رسول الله : (الرؤيا الصالحة بشرى من الله، وهي جزء من أجزاء النبوّة) ( ).
ويجب الالتفات إلى أنّ قول الرسول محمد لم يبق من النبوّة إلاّ الرؤيا الصادقة لا يعني أنّ كل من يرى رؤيا صادقة هو نبي مُرسل من الله، بل ما يعنيه أنّ الرؤيا الصادقة؛ هي نبأ وخبر صادق جاء من ملكوت السماوات إلى الرائي.
* * *
خَاتَمَ النَّبِيِّينَ
قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾( ).
تبين مما تقدّم أنّ ختم النبوّة ، وأقصد بالختم هنا (الانتهاء)، أي انتهاء النبوّة وتوقّفها أمرٌ غير صحيح إذا كان المراد بالنبوّة هي الوصول إلى مقام النبوّة. وبالتالي معرفة بعض أخبار السماء من الحق والغيب؛ لأنّ طريق الارتقاء إلى ملكوت السماوات مفتوح، ولم يغلق ولن يغلق.
كما أنّ النبي محمد أكد في أكثر من رواية رواها الشيعة والسنة، وكذا أهل بيته أنّ طريقاً من طرق الوحي الإلهي سيبقى مفتوحاً، ولن يغلق وهو (الرؤيا الصادقة) من الله سبحانه وتعالى.
عن علي بن الحسـين بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسـن علي بن موسى الرضا : أنّه قال له رجل من أهل خراسان : يا ابن رسول الله : رأيت رسول الله في المنام كأنّه يقول لي: (كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي) ؟!
فقال له الرضا : (أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة نبيكم، فأنا الوديعة والنجم، ألا ومن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاءه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس. ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، عن آبائه أنّ رسول الله قال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم. وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن النبي ، قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن النبي قال إنها: (جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن رسول الله ، قال: (رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن علي ، قال: (رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلّم به الرب عنده) ( ).
وعن النبي ، قال: (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ).
ونقل العلامة المجلسي في "بحار الأنوار" عن "جامع الأخبار" وفي كتاب "التعبير عن الأئمة " : (أنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيبة ، ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبار) ( ).
وعن رسول الله ، قال: (من رآني في منامه فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن رسول الله : ( إذا كان آخر الزمان لم يكد رؤيا المؤمن يكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ).
وعن رسول الله : (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن النبي قال: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة) ( ).
وعنه قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبّها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدّث بها) ( ).
وعن رسول الله ، قال: (رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزء من النبوة) ( ).
وعنه رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعنه ، قال: (رؤيا المؤمن أو المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وقال رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ( ).
وعن رسول الله : (إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً. ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ( ).
وعن رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة) ( ).
وفي رواية أنّ الله أوحى للإمام موسى الكاظم بالرؤيا أنّ الإمام الذي بعده هو ابنه علي بن موسى الرضا .
عن يزيد بن سليط الزيدي، قال: (لقينا أبا عبد الله في طريق مكة ونحن جماعة فقلت له: بابي أنت وأمي؛ أنتم الأئمة المطهّرون، والموت لا يعرى أحد منه فأحدث إليَّ شيئاً ألقيه من يخلفني. فقال لي: نعم هؤلاء وُلدي وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنه موسى - وفيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله تعالى . وفي أخرى: هي خير من هذا كلّه.
فقال له أبي: وما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال: يخرج الله منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها وخير مولود وخير ناشئ، يحقن الله الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر العباد، خير كهل وخير ناشئ، يبشر به عشيرته أوان حلمه، قوله حكم، وصمته علم ، يبيّن للناس ما يختلفون فيه.
قال: فقال أبي: بأبي أنت وأمي فيكون له ولد بعده ؟ فقال: نعم. ثم قطع الكلام. وقال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن - يعني موسى بن جعفر - بعد فقلت له: بأبي أنت وأمي، إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك، قال: فقال: كان أبي في زمن ليس هذا مثله.
قال يزيد، فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله، قال: فضحك، ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة، إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني فأشركتهم مع ابني علي وأفردته بوصيتي في الباطن، ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين معه، ومعه خاتم وسيف وعصا وكتاب وعمامة فقلت له: ما هذا ؟ فقال: أمّا العمامـة فسلطان [الله] تعالى ، وأمّا السيف فعزّة الله ، وأمّا الكتاب فنور الله ، وأمّا العصا فقوّة الله ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأمور. ثم قال: قال رسول الله : والأمر يخرج إلى علي ابنك.
قال، ثم قال: يا يزيد إنّها وديعة عندك فلا تخبر إلاّ عاقلاً أو عبداً امتحن الله قلبه للإيمان أو صادقاً، ولا تكفر نعم الله تعالى، وإن سئلت عن الشهادة فادّها، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾( )، وقال الله : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾( )، فقلت: والله ما كنت لأفعل هذا أبداً.
قال: ثم قال أبو الحسن : ثم وصفه لي رسول الله ، فقال علي ابنك الذي ينظر بنور الله، ويسمع بتفهيمه، وينطق بحكمته، يصيب ولا يخطى، ويعلم ولا يجهل، وقد ملئ حكماً وعلماً، وما أقل مقامك معه ! إنّما هو شيء كان لم يكن، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك وافرغ مما أردت فإنّك منتقل عنه ومجاور غيره، فاجمع ولدك واشهد الله عليهم جميعاً وكفى بالله شهيداً.
ثم قال: يا يزيد إني أؤخذ في هذه السنة وعلي ابني سمي علي بن أبي طالب ، وسمي علي بن الحسين ، أُعطي فهم الأول وعلمه ونصره وردائه وليس له أن يتكلّم بعد هارون بأربع سنين، فإذا مضت أربع سنين فأسأله عمّا شئت يجيبك إن شاء الله تعالى) ( ).
إذن، فالرؤيا طريق لوحي الله سبحانه، وهو مفتوح بعد محمد ، والذي تأكّد بالروايات وبالواقع الملموس أنّه لا يزال مفتوحاً للناس ( ).
ولا يوجد مانع أن يصل بعض المؤمنين المخلصين في عبادتهم لله سبحانه إلى مقام النبوّة، ويمكن أن يوحي لهم الله سبحانه وتعالى بهذا الطريق (الرؤيا)، فيطلعهم الله على بعض الحق والغيب بفضل منه سبحانه وتعالى.
والمؤكّد أنّ الأئمة قد وصلوا إلى مقام النبوّة، وكان الحق والغيب يصلهم بالرؤيا والكشف، والروايات التي تؤكّد ذلك كثيرة جدّاً، منها الرواية المتقدّمة ( ).
إذن، فوجود مؤمنين مخلصين وصلوا إلى مقام النبوّة، وأوحى لهم الله سبحانه وتعالى بطريق الرؤيا أمرٌ ممكن ، بل هو حاصل مع الأئمة على أقل تقدير.
أمّا ما ورد عنهم ويفهم منه نفيهم أنهم أنبياء، فالمراد منه نفي أنهم أنبياء مُرسَلون من الله سبحانه وتعالى، وإلاّ فما معنى أن يتلقاهم روح القدس بالأخبار ؟ وما معنى أنّه معهم لا يفارقهم ( ).
وإذا كان الأمر كذلك:
فما المراد من كون الرسول محمد خاتِم النبيين، (أي آخرهم) ؟
وكذا ما المراد من كونه خاتَم النبيين (أي أوسطهم) ؟ فكلاهما أي (خاتم و خاتَم) من أسماء النبي محمد .
ولمعرفة الجواب لابد من معرفة شيء عن مقام النبي محمد ، وبعض ما تميّز به عن بقية بني آدم، بل والأنبياء منهم على الخصوص.
* * *
النبـوة الخـاتمـة
نبـوّة محمـد
السيد
أحمد الحسن
وصي ورسول الإمام المهدي
(مكن الله له في الأرض)
الطبعة الثانية
1431هـ - 2010 م
لمعرفة المزيد حول موضوع اليماني يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي:
أنصار الإمام المهدي (ع) اتباع الإمام احمد الحسن اليماني (ع) - انصار الامام المهدي (ع)
تقديـم
الحمد لله مالك الملك مجري الفلك مسخر الرياح فالق الإصباح ديّان الدين ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
خُتمت النبوّة بنبوّة الرسول محمد ، وأكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على المؤمنين، وقد اختلفت الأمّة في معنى (خاتم الأنبياء)، فمنهم من قرأها بفتح التاء (خاتَم)، ومنهم من قرأها بكسر التاء (خاتِم)، وأعطوا لكل قراءة معنىً يختلف عن صاحبه.
وأيضاً تجد بعض الروايات تؤكد على أنّ لا نبوّة بعد نبوّة الرسول محمد ، وكل من يدّعي النبوّة بعده فهو كذّاب مفتر، بينما تجد بعض الروايات تنصّ على استمرار النبوّة بعد الرسول محمد ، وإنّ الحجة على الخلق بعد الرسول محمد لابد أن يكون له اتصال بالسماء، أي إنّه يُنبأ من الله تعالى، بل تجد بعض الروايات عن الرسول محمد تنصّ على أنّ مسألة الوحي ليست مقتصرة على أوصياء الرسول محمد فحسب ، بل تتعدّى إلى عامة الناس مثل الرؤيا الصادقة التي وصفها الرسول محمد بأنّها من أجزاء النبوّة .
عن الرضا قال: (حدثني أبي، عن جدّي، عن أبيه: أنّ رسول الله قال: … إنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) ( ).
عن الرسول أنّه قال: (لا نبوّة بعدي إلاّ المبشّرات. قيل: يا رسول الله، وما المبشّرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة) ( ).
وهنا يجد طالب الحقيقة نفسه بين مسلكين، وكلاهما يخالف ما جاء عن الرسول محمد وعترته الطاهرة، فإن قال بختم النبوّة مطلقاً بالرسول محمد فقد خالف الروايات القائلة باستمرار النبوّة بعد الرسول محمد ، أو على الأقل بعض أجزاء النبوّة، وإن قال باستمرار النبوّة مطلقاً فقد خالف الروايات القائلة بختم النبوّة برسالة أشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى .
فالحل لا يكون بالأخذ والاعتماد على قسم من الروايات وترك القسم الآخر، ومحاولة تهميشه وتذويب دلالته، أو القول بعدم صحته - والعياذ بالله -، فهذا منهي عنه بعشرات الروايات التي تنهى عن ردّ أي رواية صادرة عن أهل العصمة ( )، إلاّ ما كان مخالفاً للقرآن والسنة الثابتة ( ).
إذن، فمسألة ختم النبوّة من المتشابهات التي لا يمكن إحكامها إلاّ من قبل أوصياء الرسول محمد .
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾( ).
قال الإمام الصادق لأبي حنيفة عندما دخل عليه: (يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته ؟! وتعرف الناسخ والمنسوخ ؟! قال نعم، قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أُنزل عليهم. ويلك ولا هو ألاّ عند الخاص من ذرية نبينا ، ما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول، ولست كما تقول، فاخبرني …) ( ).
وفي هذا الكتاب (النبوّة الخاتمة) تجد ما يشفي العليل ويروي الغليل، فقد بيّن السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي واليماني الموعود، هذه المسألة بأوضح بيان من القرآن والسنة المطهّرة، ولم يرد أي رواية من كلا القسمين، أي الروايات القائلة بختم النبوّة، والروايات القائلة باستمرار النبوّة بعد الرسول محمد .
فقد بيّن السيد أحمد الحسن ما معنى النبوّة ، وميّز بين النبوّة التي ختمت بالرسول محمد وبين النبوّة التي استمرت بعده ، وبيّن أيضاً معنى (خاتَم النبوّة) بفتح التاء ، ومعنى (خاتِم النبوّة) بكسر التاء .
فتجد هذا الكتاب قد بيّن وبأوضح برهان أنّ النبوّة خُتمت بالرسول محمد ولا نبي بعده، ولكن بمعنى يختلف عن القول باستمرارها بعده ، فلا تعارض بين الروايات ؛ لأنّ كل قسم منها يتحدّث عن معنى للنبوّة يختلف عن المعنى الآخر .
وكذلك بيّن السيد أحمد الحسن حقيقة الإرسال، وهل إنّ إرسال الأنبياء منحصر بالله تعالى أم أنّه أيضاً يصح من الأنبياء والرسل ؟ وهل يصدق على الأئمة المعصومين أنّهم رسل من الله تعالى أم لا ؟ وإذا كان الجواب بنعم، فمن هو المرسل للأئمة ، وما الفرق بين إرسالهم وإرسال الأنبياء .
كل هذه الحقائق التي لم تجد جواباً شافياً وافياً طيلة القرون المنصرمة، تجد جوابها الوافي عند سليل العترة الطاهرة وصي ورسول الإمام المهدي السيد أحمد الحسن في كتابه الذي بين يديك (النبوّة الخاتمة).
والحق أقول: إنّ هذا الكتاب من الأدلة على صدق اتصال السيد أحمد الحسن بالإمام المهدي ؛ لانحصار هذا العلم بأوصياء الرسول محمد .
قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾( ).
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
الشيخ
ناظم العقيلي
الإهــــداء
إلى من يرون الشمس
إلى أصحاب البصائـر
وأرجو من الله ومنهم أن يذكروني في دعائـهم
النبــــوّة
معنى كلمة نبي (الديني)؛ هو الشخص الذي يَعرف الأخبار من السماء. فكلمة نبي في الأصل مأخوذة من (نبأ) أي خبر، وليس من كلمة (نبا) أي ظهر وارتفع . والحقيقة أنّ كلمة (نبأ) هي المأخوذة من (نبا)، فالنبأ هو الغيب الذي ظهر وارتفع ليراه الناس، وعُرف بعد أن كان مستوراً ومجهولاً.
وأخبار السماء تصل إلى الإنسان بسبل متعدّدة - وإن كان يجمعها طريق واحد في الأصل - فيمكن أن يكلّم الله الإنسان مباشرة من وراء حجاب، أو يوحي له ما شاء، أي يكتب في صفحة وجود الإنسان ما شاء سبحانه وتعالى، أو يرسل ملائكة يكلمون الإنسان مباشرة، أو يكتبون في صفحة وجوده ما شاء الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾( ).
أمّا طريقة هذا الكلام والوحي والكتابة؛ فهي ربما كانت بالرؤيا في المنام، أو بالكشف في اليقظة.
وأقول الكشف؛ لأنّ عالم الأرواح غير هذا العالم الجسماني، فلكي يطلّع عليه الإنسان ويتّصل به لابد أن يكشف عنه حجاب هذا العالم الجسماني.
وليس ضرورياً أن يكون كل نبي ( ) هو مرسل من الله سبحانه وتعالى، بل ربما كان هناك أكثر من نبي في زمن واحد، ولكن الله سبحانه وتعالى يرسل أحدهم ويكون حجّة عليهم، وعلى غيرهم من الناس. وبالطبع هذا الشخص الذي اصطفاه الله من بينهم هو أفضلهم، ويَعصمه الله سبحانه وتعالى، ويُطلعه على ما يحتاج إليه من الغيب بفضل منه سبحانه وتعالى.
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾( ).
وهؤلاء الملائكة الذين يسخّرهم الله لهذا النبي المُرسل:
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾( ).
يكونون من بين يديه، ومن خلفه ليحفظونه بأمر الله سبحانه وتعالى من شر شياطين الإنس والجن، ومن إلقاءاتهم وباطلهم. فهذا الرصد الملائكي يكون مانعاً وصاداً للشياطين من التدّخل أو الإلقاء في رسالة السماء عند نزولها إلى هذا العالم السفلي الجسماني، وبالتالي تصل رسالة السماء إلى النبي المُرسل صحيحة ونقيّة ومحفوظة من إلقاء الشيطان:
﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾( )،
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾( ).
أمّا أولئك الأنبياء أو الذين حصلوا على مقام النبوّة في فترة من الزمن، أي إنّهم اطلعوا على أخبار السماء بإذن الله سبحانه وتعالى بعد طاعتهم وعبادتهم له سبحانه وارتقائهم في ملكوت السماوات في فترة من الزمن، فهم أيضاً داخلون في الامتحان بهذا النبي المُرسل لهم ولغيرهم، والمفروض أن يكون الأمر أسهل عليهم؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يطلعهم وبمرتبة عالية على إرساله الرسول، ولكن لابد أن تبقى نسبة ضئيلة من الجهل بالواقع لديهم للامتحان؛ ليكون إيمانهم وبمرتبة معينة هو إيمان بالغيب:
﴿ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾( ).
وطبعاً ، هذا التمييز لهم عن باقي الناس هو حق لهم بسبب تميّزهم بالطاعة والعبادة السابقة، ولكن من يَكفر منهم بسبب الحسد والأنا يسقط في هاوية الجحيم، كما حصل لبلعم بن باعوراء، فقد كان مطّلعاً على بعض أخبار السماء، وعَلِم من الله برسالة موسى، ولكنّه كفر برسالة موسى ، وجعل الشبهات عاذراً لسقطته التي أردته في هاوية الجحيم، ولم تنفعه طاعته وعبادته السابقة، كما لم تنفع إبليس (لعنه الله) من قبل لما كفر بآدم النـبي المُرسـل ، وأمسى من أقبح خلق الله بعد أن كان طاووس الملائكة، وفي الروايات إنّ ابن باعوراء كان عنده الاسم الأعظم ويَرى ما تحت العرش.
عن أبي الحسن الرضا ، قال: (أُعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون ( ). فلّما مرّ فرعون في طلب موسى وأصحابه، قال فرعون لبلعم: أدع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا ، فركب حمارته ليمر في طلب موسى وأصحابه، فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله ، فقالت: ويلك على ما تضربني أتريد أجيء معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين ؟! فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه، وهو قوله:
﴿فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾.
وهو مثل ضربه. فقال الرضا : فلا يدخل الجنة من البهائم إلاّ ثلاثة؛ حمارة بلعم، وكلب أصحاب الكهف، والذئب، وكان سبب الذئب أنّه بعث ملك ظالم رجلاً شرطياً ليحشر قوماً من المؤمنين ويعذبهم، وكان للشرطي ابن يحبّه، فجاء الذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه، فأدخل الله ذلك الذئب الجنّة لما أحزن الشرطي) ( ).
وفي القرآن ذكر الله بلعم بن باعوراء الذي حسد موسى وتكبّر عليه فأمسى يلهث وراء الأنا والهوى كالكلب، بعد أن كان بمقام النبوّة ويرى ما تحت العرش وعنده الاسم الأعظم:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾( ).
* * *
الرؤيـا والنبـوّة
القرآن حافل بوحي الله سبحانه وتعالى للأنبياء المرسلين بالرؤيا، منهم إبراهيم ، ومحمـد ، ويوسف .
﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً﴾( ).
﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾( ).
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾( ).
ثم إنّ الله يمدح إبراهيم؛ لأنّه صدّق الرؤيا: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾( ).
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾( ).
وفي القرآن الله يُوحي لأم موسى بالرؤيا: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾( ).
ويجب الالتفات أنّ رؤى الأنبياء كانت قبل إرسالهم وبعد إرسالهم، أي إنّ وحي الله سبحانه وتعالى لهم بدأ بالرؤيا، ثم وحتى بعد إرسالهم لم ينقطع هذا السبيل (الرؤيا) من سُبل وحي الله سبحانه وتعالى عنهم.
والرسول محمد كان يرى الرؤى قبل بعثته وإرساله، وكانت تقع كما يراها ( )، ولولا أنّ الأنبياء المرسلين صدّقوا وآمنوا وعملوا بتلك الرؤى التي رأوها قبل إرسالهم؛ لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من المقام العالي، والقرب من الله سبحانه وتعالى ؛ ولما اصطفاهم الله أصلاً لرسالاته:
﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
بل هم كانوا يؤمنون ويصدقون برؤى المؤمنين الذين كانوا معهم ، وهذا رسول الله محمد كان يسأل أصحابه عن رؤاهم ويهتم بسماعها ، وبعد صلاة الصبح ، وكأنّ سماعها ذكر وعباده لله سبحانه ، حتى إنّ المنافقين شنعوا عليه بأنّه يسمع ويصدق كل متكلّم :
﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾( ).
عن الرضا ، قال: (إنّ رسول الله كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشّرات؟ يعني به الرؤيا) ( ). بل إنّ النبي محمد كان يعتبرها من مبشّرات النبوّة، عن النبي قال: (ألا إنّه لم يبق من مبشّرات النبوّة إلاّ الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ( ).
بل وكان يعتبرها نبوّة، عنه قال: (لا نبوّة بعدي إلاّ المبشّرات. قيل يا رسول الله، وما المبشرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة) ( ).
وقال رسول الله : (الرؤيا الصالحة بشرى من الله، وهي جزء من أجزاء النبوّة) ( ).
ويجب الالتفات إلى أنّ قول الرسول محمد لم يبق من النبوّة إلاّ الرؤيا الصادقة لا يعني أنّ كل من يرى رؤيا صادقة هو نبي مُرسل من الله، بل ما يعنيه أنّ الرؤيا الصادقة؛ هي نبأ وخبر صادق جاء من ملكوت السماوات إلى الرائي.
* * *
خَاتَمَ النَّبِيِّينَ
قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾( ).
تبين مما تقدّم أنّ ختم النبوّة ، وأقصد بالختم هنا (الانتهاء)، أي انتهاء النبوّة وتوقّفها أمرٌ غير صحيح إذا كان المراد بالنبوّة هي الوصول إلى مقام النبوّة. وبالتالي معرفة بعض أخبار السماء من الحق والغيب؛ لأنّ طريق الارتقاء إلى ملكوت السماوات مفتوح، ولم يغلق ولن يغلق.
كما أنّ النبي محمد أكد في أكثر من رواية رواها الشيعة والسنة، وكذا أهل بيته أنّ طريقاً من طرق الوحي الإلهي سيبقى مفتوحاً، ولن يغلق وهو (الرؤيا الصادقة) من الله سبحانه وتعالى.
عن علي بن الحسـين بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسـن علي بن موسى الرضا : أنّه قال له رجل من أهل خراسان : يا ابن رسول الله : رأيت رسول الله في المنام كأنّه يقول لي: (كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي) ؟!
فقال له الرضا : (أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة نبيكم، فأنا الوديعة والنجم، ألا ومن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاءه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس. ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، عن آبائه أنّ رسول الله قال: من رآني في منامه فقد رآني؛ لأنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم. وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن النبي ، قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن النبي قال إنها: (جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن رسول الله ، قال: (رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن علي ، قال: (رؤيا المؤمن تجري مجرى كلام تكلّم به الرب عنده) ( ).
وعن النبي ، قال: (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ).
ونقل العلامة المجلسي في "بحار الأنوار" عن "جامع الأخبار" وفي كتاب "التعبير عن الأئمة " : (أنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيبة ، ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبار) ( ).
وعن رسول الله ، قال: (من رآني في منامه فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن رسول الله : ( إذا كان آخر الزمان لم يكد رؤيا المؤمن يكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ( ).
وعن رسول الله : (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعن النبي قال: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة) ( ).
وعنه قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبّها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدّث بها) ( ).
وعن رسول الله ، قال: (رؤيا المؤمن جزء من سبعة وسبعين جزء من النبوة) ( ).
وعنه رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وعنه ، قال: (رؤيا المؤمن أو المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) ( ).
وقال رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ( ).
وعن رسول الله : (إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً. ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ( ).
وعن رسول الله : (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة) ( ).
وفي رواية أنّ الله أوحى للإمام موسى الكاظم بالرؤيا أنّ الإمام الذي بعده هو ابنه علي بن موسى الرضا .
عن يزيد بن سليط الزيدي، قال: (لقينا أبا عبد الله في طريق مكة ونحن جماعة فقلت له: بابي أنت وأمي؛ أنتم الأئمة المطهّرون، والموت لا يعرى أحد منه فأحدث إليَّ شيئاً ألقيه من يخلفني. فقال لي: نعم هؤلاء وُلدي وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنه موسى - وفيه العلم والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله تعالى . وفي أخرى: هي خير من هذا كلّه.
فقال له أبي: وما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال: يخرج الله منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها وخير مولود وخير ناشئ، يحقن الله الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر العباد، خير كهل وخير ناشئ، يبشر به عشيرته أوان حلمه، قوله حكم، وصمته علم ، يبيّن للناس ما يختلفون فيه.
قال: فقال أبي: بأبي أنت وأمي فيكون له ولد بعده ؟ فقال: نعم. ثم قطع الكلام. وقال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن - يعني موسى بن جعفر - بعد فقلت له: بأبي أنت وأمي، إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك، قال: فقال: كان أبي في زمن ليس هذا مثله.
قال يزيد، فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله، قال: فضحك، ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة، إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني فأشركتهم مع ابني علي وأفردته بوصيتي في الباطن، ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين معه، ومعه خاتم وسيف وعصا وكتاب وعمامة فقلت له: ما هذا ؟ فقال: أمّا العمامـة فسلطان [الله] تعالى ، وأمّا السيف فعزّة الله ، وأمّا الكتاب فنور الله ، وأمّا العصا فقوّة الله ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأمور. ثم قال: قال رسول الله : والأمر يخرج إلى علي ابنك.
قال، ثم قال: يا يزيد إنّها وديعة عندك فلا تخبر إلاّ عاقلاً أو عبداً امتحن الله قلبه للإيمان أو صادقاً، ولا تكفر نعم الله تعالى، وإن سئلت عن الشهادة فادّها، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾( )، وقال الله : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾( )، فقلت: والله ما كنت لأفعل هذا أبداً.
قال: ثم قال أبو الحسن : ثم وصفه لي رسول الله ، فقال علي ابنك الذي ينظر بنور الله، ويسمع بتفهيمه، وينطق بحكمته، يصيب ولا يخطى، ويعلم ولا يجهل، وقد ملئ حكماً وعلماً، وما أقل مقامك معه ! إنّما هو شيء كان لم يكن، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك وافرغ مما أردت فإنّك منتقل عنه ومجاور غيره، فاجمع ولدك واشهد الله عليهم جميعاً وكفى بالله شهيداً.
ثم قال: يا يزيد إني أؤخذ في هذه السنة وعلي ابني سمي علي بن أبي طالب ، وسمي علي بن الحسين ، أُعطي فهم الأول وعلمه ونصره وردائه وليس له أن يتكلّم بعد هارون بأربع سنين، فإذا مضت أربع سنين فأسأله عمّا شئت يجيبك إن شاء الله تعالى) ( ).
إذن، فالرؤيا طريق لوحي الله سبحانه، وهو مفتوح بعد محمد ، والذي تأكّد بالروايات وبالواقع الملموس أنّه لا يزال مفتوحاً للناس ( ).
ولا يوجد مانع أن يصل بعض المؤمنين المخلصين في عبادتهم لله سبحانه إلى مقام النبوّة، ويمكن أن يوحي لهم الله سبحانه وتعالى بهذا الطريق (الرؤيا)، فيطلعهم الله على بعض الحق والغيب بفضل منه سبحانه وتعالى.
والمؤكّد أنّ الأئمة قد وصلوا إلى مقام النبوّة، وكان الحق والغيب يصلهم بالرؤيا والكشف، والروايات التي تؤكّد ذلك كثيرة جدّاً، منها الرواية المتقدّمة ( ).
إذن، فوجود مؤمنين مخلصين وصلوا إلى مقام النبوّة، وأوحى لهم الله سبحانه وتعالى بطريق الرؤيا أمرٌ ممكن ، بل هو حاصل مع الأئمة على أقل تقدير.
أمّا ما ورد عنهم ويفهم منه نفيهم أنهم أنبياء، فالمراد منه نفي أنهم أنبياء مُرسَلون من الله سبحانه وتعالى، وإلاّ فما معنى أن يتلقاهم روح القدس بالأخبار ؟ وما معنى أنّه معهم لا يفارقهم ( ).
وإذا كان الأمر كذلك:
فما المراد من كون الرسول محمد خاتِم النبيين، (أي آخرهم) ؟
وكذا ما المراد من كونه خاتَم النبيين (أي أوسطهم) ؟ فكلاهما أي (خاتم و خاتَم) من أسماء النبي محمد .
ولمعرفة الجواب لابد من معرفة شيء عن مقام النبي محمد ، وبعض ما تميّز به عن بقية بني آدم، بل والأنبياء منهم على الخصوص.
* * *
Comment