أسرار الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض)
المتشابهات
(الجزء الرابع)
السيد أحمد الحسن
وصي ورسول ويماني الإمام المهدي
إصدارات أنصار الإمام المهدي
العدد (35)
الطبعة الثانية
1431 هـ - 2010 م
تحقيق اللجنة العلمية
لأنصار الإمام المهدي ( مكن الله له في الإرض )
لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن
يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي :
أنصار الإمام المهدي (ع) اتباع الإمام احمد الحسن اليماني (ع) - انصار الامام المهدي (ع)
قَالَ أَمِيْرُ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ :
( أيُّهَا النَّاسُ ، خُذُوْهَا عَنْ خَاتَم ِالنَّبِيّينَ ، إنّهُ يَمُوْتُ مَنْ مَاتَ مِنّا وَلَيْسَ بِمَيّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بُلِيَ مِنّا وَلَيْسَ بِبَالٍ ، فَلا تَقُوْلُوْا بِمَا لا تَعْرِفُوْنَ ، فَإنَّ أَكْثَرَ الحَقِّ فِيْمَا تُنْكِرُوْنَ ، وَاعْذِرُوْا مَنْ لا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ )
الإهـــــداء
إلى البداية والنهاية، الألف والياء
إلى الخاتم لما سبق إلى الفاتح لما استقبل
إلى محمد بن عبد الله متمثلاً بهذه الأبيات:
هـذه آمـنةُ بنتِ وهـبْ * أقبلت تحملُ لاهـوتَ الأبدْ
فاسجدوا ذلاً له فيمن سجدْ * فله الأملاك خـرّتْ سجداً
إذ تجلى نـوره في آدمِ
إلى أبي الأئمة وخليل النبوة والمخصوص بالإخوة
إلى يعسوب الدين والإيمان وكلمة الرحمن
إلى ميزان الأعمال ومقلب الأحوال وسيف ذي الجلال وساقي السلسبيل الزلال
إلى صالح المؤمنين ووارث علم النبيين والحاكم يوم الدين
إلى شجرة التقوى وسامع السر والنجوى
إلى حجة الله البالغة ونعمته السابغة ونقمته الدامغة
إلى الصراط الواضح والنجم اللائح والإمام الناصح علي بن أبي طالب
إلى السر المكنون المخزون
إلى باب التوحيد فاطمة بنت محمد
إلى حدود الصراط المستقيم الحسن والحسين
إلى القرآن الناطق والكتاب المبين والأئمة المرسلين المُكَذَّبين المظلومين من آل طه ويس . . .
علي بن الحسين، ومحمد بن علي
وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى، ومحمد بن علي
وعلي بن محمد، والحسن بن علي
إلى بقية الله في أرضه .. أبي ونور عيني الإمام المهدي
روحي فداك …
أبتاه قل على العداة معيني
أبتاه هذا السامري وعجله عُبـِدا ومال الناس عن هارون
أبتاه عبيدك يدّعون أنهم ورثوك ، ويدّعون انك ورثّتهم بأمر السماء ، أمر السماء والدين
ويدّعون أنهم الولاة وخلفاؤك دوني
أبتاه لم يبقوا من الإسلام إلا اسمه ورسم من القرآن ……
وحتى الاسم والرسم لم يسلما فما عاد عندهم مَنْ كَسَرَ ضلع الزهراء وأسقَطَ جنينها وضَرَبَها بالسوط ابن صهاك الملعون
ولم يعد عندهم هذا اللعين يمثل الجبت والطاغوت وأصل كل فرعون
وعندهم حديث آبائك مشكوك وعقولهم (نكراؤهم وشيطنتهم) تمّت فمنها يؤخذ الدين
وعندهم جدك الأكبر محمد عبثاً أوصى بالأئمة والمهديين من بعده، وعبثاً (وحاشاه) سماني باسمي في الوصية وقال أول المهديين وأول المؤمنين
وعندهم بجدك المصطفى محمد سيد الكونين يتمثل الشيطان بالرؤيا وبالكشف اليقين
لم تعد لمحمد والأئمة حرمة عندهم ولا القرآن ولا العلم والحكمة ولا لله سبحانه المستخار عن علمٍ مكنونٍ ومخزون
نكسوا حتى أمسى عندهم أقوال آبائك : اسألوا الآتي عن العظائم وما بين دفتي الكتاب المبين
ليس حجة، بل كل ما قال محمد والأئمة من آبائك وما قلت روحي فداك خفيف في ميزانهم قولكم وترجح عندهم كفة عقلهم (نكرائهم وشيطنتهم) وكفّة كل رجس عتل زنيم
أبتاه (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) فهل سأحمل خشبتي مرة أخرى
وأنا المعروف في السماء نجمة الصبح ودرع الأنبياء والحصن الحصين
وأنا الأسد الذي كر مع الكرار في بدر وأحد وحنين
وأنا حبيب الرسول وبرعمه الطبين بأمور الدين
وأنا ص ونهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد
وأنا الحجر والركن اليمين
أبتاه إليك أشكو
وإنما شكواي إلى الحق اليقين والقادر الناصر المبين
قلَّ يا أبتاه على الحق ناصري، وعدوي الباطل لا يعدّ الناصر والمعين
كما قل ناصر جدك أمير المؤمنين، وزرافات تنصر ابن صهاك اللعين
وكما قل ناصر جدك الحسين وسبعون ألفاً ينصرون ابن الزناة يزيد بن ميسون
جوّزوا الشورى وسقيفة الطغاة التي غرست قصباتها في صدر الحسين
أبتاه أقسم عليك بنرجس العسكري ابنة الوصي شمعون
أمك وأمي الطاهرة الزكية سيدة الحصون
وأنت لا ترد لها يداً مدت إليك يا ابن البتول سيدة نساء العالمين
أبتاه أغثني وفرج الكرب يا غياث المستغيثين
أبتاه نصرك الموعود فقد طالت مع العداة سنين
أبتاه قد مررت بكل طغاة الأرض مع نوح وإبراهيم وموسى الكليم
وعيسى ومحمد وعلي ومع الحسين
أبتاه لكني لم أرَ طغاة كطغاة اليوم مستكبرين مجون
أبتاه إن تنصر فنصرك منقذي
وإن قلت اصبر فصبر جميل والله معين
ابنكم
أحمد الحسن
تقديــم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
الحمد لله الذي خلق الخلق وأرسل لهم الرسل، وجعل العلم بكتب السماء دليلاً عليهم يعرفهم به من خلصت نيته وشحذ لمعرفة الحق همته.
الحمد لله الذي جعل علم الكتاب مختصاً بمن أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وجعل لمن ينتحل مقامهم جهنم يصلاها ملوماً مخذولاً.
الحمد لله الذي جعل محمداً وآل محمد لنا وسيلة لرضاه، ولم يجعل في غيرهم سبيلاً للنجاة، الحمد لله الذي جعل ولايتهم حسنة لا تضر معها سيئة، وجعل نكرانهم سيئة لا تنفع معها حسنة.
الحمد لله الذي جعلهم ترجماناً للكتاب، وجعله من غيرهم مغلقاً بلا باب، فهم عدل القرآن وترجمانه، خلفاء الرسول وآذانه، كهف الورى شموس الدجى ليوث الوغى، من حاد عنهم خف ميزانه.
اللهم فصلِّ عليهم كلما طلعت شمس وغربت، وكلما هبَّت ريح وسكنت، اللهم صلِّ عليهم بعدد رمال البر وقطرات المطر وعدد أوراق الشجر وما يحويه البر والبحر، اللهم صلِّ عليهم بعدد أنفاس الخلائق، من ناطق وغير ناطق، صلاة دائمة نامية زاكية يصعد أولها، ولا ينفد آخرها، وأجعلها ذخراً لنا يوم نلقاك، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتاك بولايتهم والكفر بولاية غيرهم اللهم اجعل كل صلواتك على جدهم المصطفى أولاً وعليهم ثانياً، ولا تفارق بيننا وبينهم دائماً أبداً برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الله : ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ ( ).
وقد نص الرسول محمد وآل بيته على أن متشابه القرآن لا يعلمه إلا الرسول والأئمة من ذريته ، ولا يعرف إلا عن طريقهم وبابهم .
عن أبي جعفر : (نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله) ( ).
وعن أبي عبد الله ، قال: (الراسخون في العلم: أمير المؤمنين والأئمة من ولده ) ( ).
وعن أبي جعفر في قوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ( )، قال: (هم الأئمة المعصومون ) ( ).
والأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب، ومنها يتبين أن تفسير أو تأويل متشابه القرآن علم قد خُص به الأئمة من أوصياء الرسول إلى يوم القيامة، ولا يوجد عند غيرهم أبداً إلا أن يكون مأخوذاً عنهم .
بل إن القرآن كله محكم عند الأئمة فلا يوجد متشابه عندهم ؛ لأن المتشابه ما تشابه على صاحبه، وأهل البيت لا يشتبه عليهم القرآن فهم ترجمانه بعد الرسول محمد .
عن هرول بن حمزة، عن أبي عبد الله ، قال: سمعته يقول: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ( )، قال: هم الأئمة خاصة) ( ).
وعن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر قال: قلت له: قول الله: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أنتم هم؟ قال: (من عسى أن يكونوا غيرنا؟!) ( ).
إذن، فالقرآن كله آيات بينات عند الأئمة لا يوجد فيه متشابه، ولذلك انحصر تفسير القرآن في الأئمة ؛ لأن غيرهم لا يعرف ما تشابه من القرآن ولا يفقه تأويله، وفاقد الشيء لا يعطيه. وقد نبه الأئمة على هذه الحقيقة مرات عديدة في رواياتهم، وحذروا عن تفسير القرآن بالرأي، ونبهوا كذلك على أن كلام الله تعالى لا يشبه كلام البشر فلا يمكن قياسه عليه، ولنطلع على بعض كلامهم في هذا الموضوع لتتضح المسألة:
عن الصادق ، قال: (إن الله بعث محمداً، فختم به الأنبياء، فلا نبي بعده، وأنزل عليه كتاباً، فختم به الكتب، فلا كتاب بعده - إلى أن قال: فجعله النبي علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم الناس، وهم الشهداء على أهل كل زمان حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر، وطلب علومهم، وذلك أنهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام، وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا).
ثم ذكر كلاماً طويلاً في تقسيم القرآن إلى أقسام وفنون ووجوه، تزيد على مائة وعشرة، إلى أن قال : (وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه أفعاله أفعالهم، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى إلا نبيه وأوصياؤه ... إلى أن قال: ثم سألوه عن تفسير المحكم من كتاب الله، فقال: أما المحكم الذي لم ينسخه شيء فقوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ ( ) الآية. وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء، ونبذوا قول رسول الله وراء ظهروهم ... الحديث) ( ).
عن جابر بن يزيد، قال: سألت أبا جعفر عن شيء من التفسير، فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا، فقال: (يا جابر، إن للقرآن بطناً [وللبطن بطناً] وله ظهر، وللظهر ظهر، يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، وإنّ الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متصل متصرف على وجوه) ( ).
عن المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله في رسالة: (فأما ما سألت عن القرآن، فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة، لأن القرآن ليس على ما ذكرت وكل ما سمعت فمعناه [على] غير ما ذهبت إليه، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حق تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، وأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول الله : [إنه] ليس شيء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله، وإنما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه، والناطقين عن أمره، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم، لا عن أنفسهم، ثم قال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. فأما عن غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً، ولا يوجد، وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر؛ لأنهم لا يجدون من يأتمرون عليه ومن يبلغونه أمر الله ونهيه، فجعل الله الولاة خواص ليقتدى بهم، فافهم ذلك إن شاء الله، وإياك وإياك وتلاوة القرآن برأيك، فان الناس غير مشتركين في علمه، كاشتراكهم فيما سواه من الأمور، ولا قادرين على تأويله، إلا من حده وبابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله، واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله) ( ).
وقد بيّن الأئمة تكليف الأمة تجاه القرآن، وما عليهم وما لهم:
عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر - في حديث كلامه مع عمرو بن عبيد - قال: (وأما قوله: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ ( )، فإنما على الناس أن يقرؤوا القرآن كما انزل، فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو!) ( ).
عن علي ، قال: (اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون - إلى أن قال: - قالوا: فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد ) ( ).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال: ( من فسر القرآن برأيه، إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ خرّ أبعد من السماء) ( ).
وعن موسى بن عقبة أن معاوية أمر الحسين أن يصعد المنبر فيخطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ( نحن حزب الله الغالبون، وعترة نبيه الأقربون، أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله، فيه تفصيل لكل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا، فان طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ﴾ ( )، وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ... الحديث) ( ).
وكذلك نلاحظ كيف منع الأئمة بعض الذين كانوا يفتون الناس ويفسرون القرآن برأيهم أمثال أبي حنيفة:
عن شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله ، قال: (كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه غلام كندة فاستفتاه في مسألة فأفتاه فيها، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة فدخلت على أبي حنيفة، فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله ، فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة إني كنت العام حاجاً فأتيت أبا عبد الله مسلماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته. فقال: وما يعلم جعفر بن محمد أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي، فقلت في نفسي: والله لأحجن ولو حبواً، قال: فكنت في طلب حجة فجاءتني حجة فحججت فأتيت أبا عبد الله فحكيت له الكلام فضحك ثم قال: عليه لعنة الله أما في قوله: إني رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف إبراهيم وموسى، فقلت له: ومن له بمثل تلك الصحف؟
قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه، فقال للغلام: انظر من ذا؟ فرجع الغلام، فقال: أبو حنيفة. قال: أدخله، فدخل فسلّم على أبي عبد الله ، فردّ ، ثم قال: أصلحك الله أتأذن لي في القعود فأقبل على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت إليه. ثم قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه، فجلس أبو حنيفة من غير إذنه، فلما علم أنه قد جلس التفت إليه فقال: أين أبو حنيفة ؟ فقال: هو ذا أصلحك الله، فقال: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم. قال: فبما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه. قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم، قال: يا أبا حنيفة ولقد ادعيت علماً ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا ، وما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول - ولست كما تقول - فأخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾ ( ) أين ذلك من الأرض؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون؟ قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿َمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ ( )، أين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال: أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟ قال: فسكت، ثم قال: يا أبا حنيفة إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله، ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع؟ فقال: أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي. قال: يا أبا حنيفة إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فسكت أبو حنيفة. فقال: يا أبا حنيفة أيما أرجس البول أو الجنابة؟ فقال: البول. فقال: الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول، فسكت. فقال: يا أبا حنيفة أيما أفضل الصلاة أم الصوم؟ قال الصلاة. فقال: فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ فسكت ..... الحديث) ( ).
وعن زيد الشحام، قال: (دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة: نعم فقال له أبو جعفر : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت، وأنا أسألك .. إلى أن قال أبو جعفر : ويحك يا قتادة! إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال، فقد هلكت وأهلكت ويحك يا قتادة! إنما يعرف القرآن من خوطب به) ( ).
عن عبد الرحمن السلمي أن علياً مر على قاض، فقال: (أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، فقال: هلكت وأهلكت تأويل كل حرف من القرآن على وجوه) ( ).
عن أبي الصلت الهروي، عن الرضا - في حديث - أنه قال لابن الجهم: (اتق الله، ولا تؤوّل كتاب الله برأيك، فانّ الله يقول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾) ( ).
ومن هذه القصص وما سبقها من روايات ينتج اليقين بألّا يمكن لأحد أن يفتي الناس أو يفسر القرآن برأيه إن لم يكن من الذين يعلمون محكم القرآن من متشابهه وناسخه من منسوخه، وإنّ هذا العلم خاص بالذرية المعصومة وهم خلفاء الرسول إلى يوم القيامة الأئمة والمهديون .
وإنّ من حكمة اختصاص علم متشابه القرآن بالحجج المعصومين هو معرفة المعصوم والاضطرار إلى طاعته لعدم وجود باب إلى معرفة القرآن غيره، ولئّلا يدعي الإمامة كل من هب ودب؛ لأنّ من يفعل ذلك سيجد نفسه في بحار من الأمواج المتلاطمة، وسيظهر تناقضه واضطرابه في تفسير القرآن كنار على علم لمن لهم قلوب يفقهون بها.
عن أمير المؤمنين في احتجاجه على زنديق سأله عن آيات متشابهة من القرآن، فأجابه - إلى أن قال -: (وقد جعل الله للعلم أهلاً وفرض على العباد طاعتهم بقوله: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾، وبقوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، وبقوله: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ( )، وبقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، وبقوله: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ ( )، والبيوت هي بيوت العلم التي استودعها الأنبياء، وأبوابها أوصياؤهم، فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي الأوصياء وعهودهم، وحدودهم وشرائعهم، وسننهم، ومعالم دينهم مردود غير مقبول، وأهله بمحل كفر وإن شملهم صفة الإيمان، ثم إن الله قسم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل، وقسماً لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام، وقسماً لا يعلمه إلا الله وملائكته والراسخون في العلم. وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل المستولين على ميراث رسول الله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمام بمن ولي أمرهم فاستكبروا عن طاعته .. الحديث) ( ).
بل روي أن هناك تأويلاً للقرآن في كل زمان، ولا يعرف هذا التأويل إلا الإمام الحجة المنصب من الله تعالى:
عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (إن للقرآن تأويلاً، فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجيء، فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمة عرفه إمام ذلك الزمان) ( ).
وبهذا يتبين أن تأويل القرآن ومعرفة المحكم من المتشابه مختص بالإمام المعصوم من أوصياء الرسول محمد ، ولا يمكن أن يعرف عن غيره أبداً.
ويتبين أيضاً من الرواية السابقـة أنّ تأويل القرآن في عصر الظهور لا يعرفه إلا الإمـام المهدي أو من اتصل به اتصالاً مباشراً وتحمل ذلك العلم منه ، وبهذا نعرف أن الإمام المهدي أو من اتصل به يعرف عن طريق إفحامه لجميع العلماء في معرفة علم متشابه القرآن وإحكامه، كما اثبت أجداده إمامتهم عن طريق ذلك العلم الخاص بهم .
فعلى المتصدين والذين يدعون المرجعية مناقشة السيد أحمد الحسن في هذا العلم المقدس، فإن عجزوا عن ذلك أو لم يستجيبوا لذلك يثبت حق السيد أحمد الحسن، وإنه وصي ورسول الإمام المهدي ؛ لأن هذا العلم لا يكون إلا عند أوصياء الرسول محمد كما صرحت به الروايات المتواترة.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الأئمة والمهديين.
الشيخ ناظـم العقـيلي
1429 هـ . ق
سؤال/ 122: ما معنى كلام الحسين : (كم من كرب يضعف فيه الفؤاد) ( ) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
الحسين في هذا الكلام الذي يناجي به الله سبحانه وتعالى، ويشكو إليه حزنه العميق -فالكرب هو: هم النفس وحزنها - يبيّن عظيم مصابه، بأن يرى بعينيه الباطل يقتل الحق، ويظهر عليه في تلك اللحظات، وتلك المصيبة التي لا يقوى فؤاد إنسان على الاستقلال بها والقيام بها، وهو يمتلئ بذلك الحزن العميق، إلا أن يسدده الله سبحانه ويقويه بحوله وقوته.
فالحسين كأنه يقول لله سبحانه وتعالى: إلهي لا طاقة لي على حمل هذا الكرب العظيم إلا بحولك وقوتك، فكأنّ الحسين يقول: (لا قوة إلا بالله).
سؤال/ 123: لماذا أخرج الحسين طفله عبد الله الرضيع إلى جيش يزيد (لعنه الله) ليطلب له الماء؟ وهل كان يعلم أنهم سوف يقتلونه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
الحسين أخرج رضيعه ليطلب له الماء، وكان يعلم أنه يقتل.
واعلم أنّ للباطل جولة وللحق دولة ( )، ولكي تتم جولة الباطل فلابد لجند الشيطان (لعنه الله) أن يخوضوا في كل هاوية مظلمة، ولابد لهم أن يستفرغوا ما في جعبتهم وهم يخوضون المعركة مع جند الله.
واعلم أنّ مصاب الحسين قد خفّف عنكم الكثير الكثير مما لا طاقة لكم على حمله من ظلم الظالمين، لتنالوا رضا الله سبحانه، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.
لقد فدى الحسين دماءكم بدمه الشريف المقدس، وفدى نساءكم وأعراضكم بخير نساء العالمين من الأولين والآخرين بعد أمها فاطمة ، وهي زينب ، وفدى أبناءكم بالرضيع.
والإمام المهدي وأنا العبد الفقير المسكين أكثر خلق الله رقابنا مثقلة بفضل الحسين ، ودين الحسين قد أثقل ظهري ، ولا طاقة لي بوفائه إلا أن يوفيه الله عني.
واعلم أنّ الإمام المهدي عندما يقول للحسين : (لأبكينك بدل الدموع دماً) ( )، يقولها على الحقيقة لا المبالغة، وهذا لأنّ الحسين فدى قضية الإمام المهدي بدمه الشريف وبنفسه المقدسة، فجعل نفسه فداء لقضية الإمام المهدي ، فهو ذبيح الله، أي كما أنك عندما تبني بيتاً تفدي له كبشاً، كذلك الله سبحانه وتعالى لما بنى عرشه وسماواته وأرضه جعل فداءها الحسين .
وقضية الإمام المهدي هي قضية الله وخاتمة الإنذار الإلهي، وهي قضية عرش الله سبحانه وملكه وحاكميته في أرضه، قال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ ( ) أي بالحسين ، والمفدى هو الإمام المهدي ، فسلام على ذبيح السلام والحق والعدل.
واعلم أنّ علياً الأكبر ذبيح الإسلام، كما أنّ الحسين ذبيح الله، والحمد لله وحده.
سؤال/ 124: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾ ( ) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
عن أبي بصير عنه : ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾، قال: (هو السواد الذي في القمر) ( ).
وكذلك عن أمير المؤمنين عندما سُئل عن السواد الذي في القمر، قال : (هو قوله تعالى: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾) ( ). آية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس.
والقمر كوكب مظلم يأخذ نوره من الشمس، والشمس نجم مضيء. وفي وجود آيتي الشمس والقمر والليل والنهار المترتب على غياب أحداهما وبزوغ الأخرى دليل واضح على التنظيم التفصيلي الدقيق ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾.
وفي باطن الآية: فإنّ الشمس هو الحجة على الخلق، والقمر وصيه، فرسول الله هو الشمس، وعلي هو القمر، وهكذا في كل زمان الشمس الحجة على الخلق، والقمر الوصي الذي يأخذ من الحجة على الخلق. والليل هو الظلام والظلم ودولة الظالمين، والنهار هو النور والعدل ودولة الحق ( ).
﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْل﴾: آية الليل هو القمر، وهو الوصي والحجة على الخلق أيضاً، ومحوه أي إنّ الظلم والظلام يغطي حقه ويمنعه إياه، ولا يجري شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، ولذلك نسب هذا الأمر إليه سبحانه وتعالى، فلو شاء سبحانه أظهر آية الليل وهو القمر والوصي، كما هو الحال في زمن الإمام المهدي .
﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾: وهي الشمس والحجة على الخلق عندما يظهر أمره على رؤوس الأشهاد، وتطأطأ له الرؤوس، وتنصاع لحقه الناس.
﴿لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ﴾: فضل الله سبحانه وتعالى هو الفضل الأخروي، وهو الفضل الحقيقي. فلتبتغوا فضلاً من ربكم: أي بالعمل الصالح مع الإمام الحجة والجهاد بين يديه. ومن فضل الله العلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه ورسله وبكتبه وقصص الأمم السالفة وحساب يوم القيامة، وعلم كل شيء فصَّله الله في كتابه تفصيلاً.
سؤال/ 125: لماذا قتل قابيلُ هابيلَ؟ وهل صحيح أن آدم أراد تزويج كل منهما توأم الآخر فأبى قابيل؟ فأمرهم آدم بتقريب القربان للتأكد من هذا الأمر؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
في هذه المسألة لغط كثير، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى حرّم زواج المحارم في أمّ الكتاب ( )، وكل الشرائع والكتب السماوية فيها هذا التحريم، وفي شريعة آدم كذلك، فمسألة زواج ولد آدم هي كالتالي: ولدت حواء لآدم قابيل ثم هابيل، وتزوج قابيل امرأة خلقها الله سبحانه له وكانت طالحة، وهابيل تزوج امرأة خلقها الله له وكانت صالحة. وهاتان الزوجتان خلقهما الله كما خلق آدم وحواء من قبل، أي إن الله خلق زوجتين لقابيل وهابيل بقدرته سبحانه وتعالى.
ثم إن الله أمر آدم أن يُعيِّن وصيه هابيل ، فلما علم قابيل اعترض على أمر التعيين، فأخبره آدم أن الأمر من الله وليس منه. وأمرهم بتقريب قربان إلى الله، فقرب هابيل كبشاً سميناً وقرب قابيل سنابل تالفة، فتُقبل قربان هابيل وأكلته النار. فتسعَّر الحقد في نفس قابيل على هابيل، ووسوس له الشيطان (لعنه الله) قتل أخيه، وطوَّعت له نفسه الأمارة بالسوء قتل أخيه ، فقتل قابيلُ هابيلَ حسداً، لأنه وصي آدم فتحقق وعد إبليس (لعنه الله) بالغواية، فأغوى قابيلَ وأصابه بدائه وهو (الأنا) والتكبر ومن لوازمها مرض الحسد .
أما بقية الذرية، فإن زوجة هابيل كانت حاملاً فولدت ذكراً، وولد لآدم بعد ذلك شيث ويافث، فولدت زوجة شيث ذكراً وأنثى، وولدت زوجة يافث أنثى، فتزوج ابن هابيل ابنة شيث، وتزوج ابن شيث ابنة يافث.
والأنبياء من ذرية هؤلاء، وهذا هو فصل الخطاب، ولا يُكثِر الكلام في هذا الأمر بعد هذا البيان إلا كذاب على الله ورسوله.
سؤال/ 126: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ ( ) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
الإنسان أوسع المخلوقات قدرة على معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى، ففطرة الإنسان هي الفطرة الأوسع والأعظم، وكما ورد في الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته) ( )، أي إن الإنسان مفطور على التحلي بأسماء الله سبحانه، حتى يصبح هو وجه الله سبحانه في خلقه ، وأسماءه الحسنى في الخلق.
فالجدل في الآية يعني: الكلام بالحق والاحتجاج به على أهل الباطل، والإنسان هو: (علي بن أبي طالب ) ( ).
أما الإنسان إذا انتكس فإنه يجادل بالباطل، ولكن مجادلة أهل الباطل سفيهة واهنة إذا ما عُرضِتْ على العقل السليم الذي يزن الأمور بعيداً عن الهوى والتعصب والتزمت.
سؤال/ 127: ما معنى ما ورد في الدعاء بوصف الله سبحانه وتعالى بالجواد الواسع ( ) ؟ وهل صحيح بحسب ما يقول بعض العلماء إن الجواد الواسع هو لأن خزائنه لا تنفد وخزائن خلقه تنفد؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
خزائنه سبحانه وتعالى لا تنفد، لكن من هو الأعظم والأوسع جوداً الذي عنده دينار واحد فينفقه، أم الذي عنده أموال لا تعد ولا تحصى فينفق منها، ومهما أنفق منها فهي لا تنفد؟!
من المؤكد أن الذي عنده دينار واحد هو الأوسع جوداً؛ لأنه أنفق كل ما عنده، أما الآخر فهو ينفق من خزائن لا تنفد، فمهما أنفق فهو لا ينفق كل ما عنده، فلا يكون جواداً واسعاً، إلا إذا أعطى خزائنه التي لا تنفد، أي إنه يعطي نفسه، أي إنه يجود بنفسه، والجود بالنفس غاية الجود، وهذا يفسره حديث: (الصوم لي وأنا أُجزى به) ( )، أي إن جزاء الصوم عن الأنا -أي ترك الأنا - هو الله سبحانه، ومعنى هذا أن يكون العبد لسان الله ويد الله . . . . . ( )، أي أن يستكمل العبد درجات الإيمان العشر، فيكون منا أهل البيت ، قال تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ( )، أي إنه يكون ممن أهلـه حاضرو المسجد الحـرام، أي من أهل بيت محمـد كسلمان الفارسي ( ).
فالجواد الواسع هو الذي يجود بنفسه، فالله سبحانه وتعالى يجازي عباده المخلصين الذين أعرضوا عن الأنا بعد إعراضهم عن الدنيا وزخرفها، وبعد طاعتهم له سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، بأن يجعلهم مثله في أرضه ، فقولهم قوله، وفعلهم فعله ، وهذا ما ورد عنهم إن قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا ( )، وإنّ روح ولي الله تصعد إلى الله سبحانه، فيخاطبه الله سبحانه فيقول له: أنا حي لا أموت، وقد جعلتك حياً لا تموت ( ).
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه﴾( ). فيكون العبد ممن شاء الله أن لا يصعق ولا يموت إلا الموتة الأولى، وهي نوع ارتقاء وليست موتاً حقيقياً، إنما الموت الحقيقي هو موت الروح لا الجسد: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ ( ). هذه هي حقيقة الجواد الواسع، أسأل الله أن يجعلكم ويجعلني ممن عرفوا الجواد الواسع حقيقة لا لفظاً ومعنى.
سؤال/ 128: ما معنى قول إبراهيم : ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ في قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ ( ) ؟ وهل صحيح أنّ إبراهيم قالها لأنه كان يحمل همَّ ذريته، كما يقول بعض العلماء؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
عندما حمل إبراهيم وهو شاب الفأس وكسَّر الأصنام، وألقاه النمرود وعلماء الضلالة في النار، كافأه الله سبحانه وتعالى بدون أن يطلب هو ، بأن جعل الأنبياء اللاحقين بعده من ذريته. ثم إن إبراهيم استمر بدعوته الإلهية، فلما امتحنه الله سبحانه وتعالى بالكلمات ونجح إبراهيم بالامتحان والابتلاء خاطبه تعالى فقال له: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾.
ومرتبة الإمامة الإلهية مرتبة عالية، لم ينلها كل الأنبياء والمرسلين ، وهنا سأل إبراهيم الله سبحانه وتعالى هذا السؤال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾، أي وهل أنّ الأنبياء الذين بشرتني بهم فيما مضى هم (أئمة) أيضاً ؟ فقال تعالى: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، أي الظالمين من الأنبياء . وظلم الأنبياء ليس كظلم غيرهم وإنما هو من نوع (حسنات الأبرار سيئات المقربين) ( )، أي إتيانهم بالعمل ليس على الوجه الأمثل بسبب التمايز بالمعرفة بينهم فكل منهم يعبده سبحانه بحسب معرفته ولذا تتفاوت عبادتهم، فتكون سجدة من محمد أفضل من عبادة الثقلين، وضربة من علي بـ (عبادة الثقلين) ( ).
وهذا التمايز بيِّن بينهم ، وذكره تعالى: ﴿تلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ ( ).
فنفس العمل لو كُلف به يونس النبي وكُلف به محمد لم يكن إتيان يونس به في نفس مستوى إتيان محمد ، فهذا التقصير من يونس في الإتيان بالعمل نسبةً إلى ما يأتي به محمد هو ظلم من يونس ؛ لأن هذا التقصير منعه من نيل رتبة عظيمة فُطِرَ كإنسان لينالها، وبالتالي فإنّ هناك مرتبة من هذا النوع من الظلم يجب أن يتجاوزها الأنبياء والمرسلون من ذرية إبراهيم لينالوا مرتبة الإمامة، ولهذا قال تعالى: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي لا ينال الإمامة كل الأنبياء من ذريتك يا إبراهيم، إنما ينالها الأنبياء والمرسلون من ذريتك الذين يتجاوزون هذا الظلم، فيرتقون إلى هذه المرتبة ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونََ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ( ).
وقد أشار تعالى في القرآن لبعض الأئمة من ذرية إبراهيم :
ومنهم: موسى ، قال تعالى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى﴾ ( )، أي خالية من الظلم، فالإنسان يأخذ ويعطي باليد، واليد البيضاء تشير إلى عدالة الإنسان التامة مع الناس ومع الله سبحانه وتعالى، فموسى طهر نفسه من الظلم بمرتبة عالية، كما في الآية: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ومنهم: عيسى ، قال تعالى مخبراً عن عيسى : ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ ( )، أي إنّ عيسى نال مرتبة الإمامة، فهو يعطي الأمان لنفسه وللناس.
وأشار تعالى إلى من لم ينل مرتبة الإمامة منهم كيحيى ، قال تعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ ( )، أي إنه لم يصل إلى مرتبة الإمامة لكي يعطي للناس ولنفسه الأمان، وإنما هو مهَّدَ الطريق لعيسى ووجّه الناس إليه .
أما قول بعضهم: إن إبراهيم كان يحمل همَّ ذريته ، فإذا كانوا يقصدون أنه أراد لهم الإمامة فهذا لا؛ لأنّ إبراهيم لم يكن حريصاً على دنيا ولا على آخرة، إنما كان حريصاً على رضا الله سبحانه وتعالى. ودعاء الأنبياء وإبراهيم لذريتهم إنما هو للصالحين منهم بعد علم الأنبياء بصلاحهم، ومن قبل إبراهيم نوح فإنه لعن ابنه بعد أن لعنه الله سبحانه، وبعد أن علم أنه ضال عن الصراط المستقيم ومن أهل الجحيم.
فلم يكن إبراهيم أو الأنبياء يحملون همَّ ذريتهم لأنهم أولادهم، وإلا لكانوا بذلك على درجة كبيرة من حب الأنا والانحراف عن الصراط المستقيم، (حاشاهم من ذلك) وهم خيرة الله من خلقه، إنما كان إبراهيم والأنبياء يحملون همَّ الصالحين من ذريتهم؛ لأنهم علموا بصلاحهم، ولأنهم علموا أن هؤلاء الأبناء الصالحين سوف يخلفونهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتحمل العناء والمشقة والأذى من الناس في سبيل نشر التوحيد وكلمة الله سبحانه وتعالى في أرضه.
فكان إبراهيم والأنبياء يحملون همَّ الصالحين من ذريتهم؛ لأنهم أولياء الله سبحانه، لا لأنهم أولادهم. والفرق شاسع بين الأمرين، كالفرق بين حب الله سبحانه، وحب الدنيا في قلب الصالح والطالح.
سؤال/ 129: قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ ( ). من هم المقربون؟ ومن هم الأولون؟ ومن هم الآخرون؟ ولماذا من الأولين ثلة ومن الآخرين قليل؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
المقربون: هم سبعون ألفاً شيعة علي بن أبي طالب ، أو: الإنسان الكامل المذكور في القرآن، وهؤلاء فيهم بعض الأنبياء والمرسلين والأئمة ( )، وقليل من أمة محمد كسلمان ومالك الأشتر والثلاثمائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي ( ).
والأولون: هم الأمم السالفة وفيهم كثير من الأنبياء والمرسلين، وهم (124) ألف نبي، فيهم كثير من المقربين.
والآخرون: هم أمة محمد ، وفيهم جماعة من المقربين أقل بكثير من العدد الموجود في الأمم السالفة، والذين معظمهم أنبياء ومرسلون.
والمقربون من الأمم السالفة وهم أنبياء ومرسلون عددهم إذا قيس إلى عدد بني آدم فهم جماعة قليلة، ولذلك عبر عنهم بالثلة، فهم عشرات الآلاف نسبة إلى مليارات البشر.
أما المقربون من أمة محمد ، فعددهم نسبة إلى هذه الثلة من الأمم السالفة قليل، فهم مئات نسبةً إلى المقربين من الأمم السالفة وهم عشرات الآلاف، ونسبةً إلى بني آدم وهم مليارات.
وأيضاً المقربون هم شيعة رسول الله محمد ، وفي هذه الحالة يدخل فيهم قائدهم وسيدهم علي ، فيكون هو وخاصته القليل من الآخرين.
سؤال/ 130: ما معنى قول أمير المؤمنين للدنيا: (يا دنيا غرّي غيري إليَّ تعرضت أم إليَّ تشوفت هيهات هيهات قد بنتك ثلاثاً لا رجعة فيها) إرشاد القلوب ( )، هل أن أمير المؤمنين طلق الدنيا كالطلاق العادي أي أنه تركها، ثم عاد لها، ثم تركها، وهكذا ثلاث؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
هذا المعنى الذي ذكرته يعني أنه رغب فيها بعد تركها غير صحيح، ولكنه رفضها في الطفولة وفي الشباب وفي الكبر، قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ ( ).
وعلي دخل الإسلام في طفولته ولم يُعرف عنه اللعب، بل عُرف بالجد والجهاد في الدفاع عن محمد والإسلام منذ صباه. ثم إنه قضى شبابه يمسح العلق والعرق في سبيل الله، فمن معركة إلى معركة يكاد لا يداوي جراحه، ثم إنه في الكبر لم يهتم لقليل الدنيا ولا لكثيرها.
فها هو علي في طفولته لم يلعب ولم يلهُ، وفي شبابه لم يعرف الزينة والاهتمام بالمظهر، وفي كبر سنه لم يجمع شيئاً من تراث الدنيا، فقد بانها ثلاثاً كما قال علي . وأيضاً: بانها ثلاثاً بكل وجوده الملكي الجسماني، والملكوتي في السموات الست، والعقلي في السماء السابعة.
سؤال/ 131: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾( ).
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
أي إنّ الله سبحانه وتعالى المهيمن على الأمر والموجه له كيف يشاء، فهو سبحانه وتعالى يوجه الكون الجسماني والروحاني إلى الغاية التي يشاؤها سبحانه وتعالى، وإلى الغرض الذي خلق لأجله الخلق. فمثلاً قصة نبي الله يوسف وما جرى عليه من ابتلاء فقد أُلقي في البئر، ثم بيع ووقع في ذل العبودية، ثم اُتهم بالفاحشة وهُتكت سمعته ، ثم أُلقي في السجن وفي النهاية أصبح عزيز مصر. وكان سبباً لاستيطان بني إسرائيل في مصر، وما تبع هذا الاستيطان من بعث موسى (قائم آل إبراهيم) في مصر ومواجهته لفرعون مصر.
وفي كل الأحداث والابتلاءات التي حصلت ليوسف فإن الله غالب على الأمر ومهيمن عليه ولو شاء لما حصلت، ولكنه شاء أن تحصل، ومعظمها بسبب الشيطان أو وسوسته ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل مكر الشيطان ينقلب عليه ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ ( )، ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ ( ).
وبُدِّل سوء حال يوسف إلى أحسن حال، فمن السجن وذل العبودية إلى الحرية والملك، فهو سبحانه مبدل السيئات بالحسنات.
فالمسيرة العامة وإن كانت فيها مداخلات كثيرة للشيطان وجنده من الإنس والجن، ولكن الله سبحانه وتعالى يجعل نتيجتها ومحصلتها ما يريده هو سبحانه وتعالى ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ( )، ومن تيقن أن الله غالب على أمره لا يهتم لنزول البلاء، إلا أن يتوجه بالشكر لله سبحانه وتعالى.
وإن شئت ثنَّيتُ لك بأيوب وعظيم بلائه، فهو لم يواجه البلاء إلا بالشكر والامتنان لله سبحانه وتعالى، فكانت عاقبته خير الدنيا والآخرة: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ ( ).
والعاقبة للمتقين، فيجب أن تكون هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ( ) شعاراً يعلقه أهل اليقين في أعناقهم.
سؤال/ 132: قول سليمان : ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ ( )، فما هو طلب النبي؟ بعضهم يقول: رد الشمس، وبعضهم يقول: رد الخيل وقتلها.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
إنما سليمان طلب من الملائكة الموكلين بالشمس أن يردوها إلى كبد السماء بعد غيابها، بأمر من الله سبحانه وتعالى، ليصلي العصر بعد فواتها، بسبب انشغاله بإعداد الخيل للجهاد ( ).
سؤال/ 133: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثم أنابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ ( ).
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
أي امتحنا سليمان، وهذا الامتحان في المفاضلة بين عبادتين هما الجهاد والصلاة، فقدَّم سليمان الجهاد على الصلاة حتى فات وقتها، فتوجه إلى الملائكة فردوا الشمس بإذن الله، فصلى سليمان صلاة العصر بعد أن فاتته وغابت الشمس؛ لأنه كان مشغولاً بالتهيئة للجهاد في سبيل الله ( ).
ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل على سليمان مَلَك الفرقان ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً﴾ ليعرّفه الفاضل من المفضول، والمقدم من المؤخر. وهذا المَلَك هو (كتاب كُتب فيه الحق الذي يريده الله سبحانه وتعالى). فعَلِم سليمان بعد نزول الفرقان عليه أنه أخطأ بتقديم الجهاد على الصلاة ﴿ثم أنابَ﴾، وطلب المغفرة من الله سبحانه ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ .
وطلب سليمان أن يكون مُلك بني إسرائيل في ذريته، وكان المُلك في بني إسرائيل بعد داود قريناً مع النبوة، فطلب سليمان أن يكون من يتحمل نصرة دين الله هم من ذريته ليكون له قدم في نصرة دين الله معهم، وخصوصاً مع قائم آل يعقوب وهو عيسى ، فطلب سليمان أن يكون من ذريته، وبالفعل فإن مريم أم عيسى هي من ذرية سليمان، ومُلك عيسى هو أعظم مُلك في بني إسرائيل، وكانوا موعودين به وينتظرونه.
فقول سليمان: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾: أي مُلك اليهود، أي أن يكون من ذريته وخصوصاً عيسى ؛ لأن مُلك عيسى ليس مثله مُلك في اليهود، فهو قائم آل يعقوب المنتظر. فطلب سليمان أن يكون مَلِك اليهود عيسى من ذريته، فلا ينبغي أن يكون في ذرية أحد غيره مثل عيسى مَلِك اليهود؛ لأنه لا نظير له في بني إسرائيل.
وربما يفهم بعض من غفل عن الحقيقة أن مُلك الله سبحانه وتعالى هو المتحقق في هذه الحياة الدنيا، وهذا باطل؛ لأن مُلك فرعون ونمرود وأمثالهم إنما هو مُلك الشيطان وحاكميته ( )، فمُلك الله يهبه الله لمن يشاء من عباده الصالحين، وليس ضرورياً أن يحكم، بل هو في الغالب على طول مسيرة هذه الإنسانية المتمردة على خالقها لم يحكم من عيَّنه الله مَلِكاً، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ ( )، مع أن معظم من آتاهم الله المُلك من آل إبراهيم لم يملكوا على هذه الأرض، بل ربما قتل بعضهم وقهر وظلم من الطغاة أشد الظلم.
فالمُلك الذي أراده سليمان هو مُلك يهبه الله سبحانه وتعالى له، ثم إنه يكون أعظم وأفضل مُلك يهبه الله لليهود من بني إسرائيل، وهو بهذا طلب أن يكون مَلِك اليهود المنتظر من ذريته وهو عيسى وإن لم يحكم عيسى ولم يَملُك، ولكنه المَلِك المعيَّن من الله، وشاء الله له الرفع حتى ينـزل مع الإمام المهدي ، ويحكم ويَملُك في دولة الإمام المهدي .
سؤال/ 134: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ ( ).
هل يفهم من هذه الآية بأن الملائكة قِسم من تنـزلها يكون في الرؤيا لتبشير للمؤمنين؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
نعم هذا أكيد، فالملائكة يبشرونهم بالرؤيا الصالحة بصلاح طريقهم واستقامة وحسن عاقبتهم؛ لأنهم على ولاية الله سائرون، ولولي الله متابعون.
وفي هذه الآية: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ( )، قال الرسول : (الرؤيا الصالحة)( ).
في الحديث عن جابر عن أبي جعفر ، قال: قال رجل لرسول الله في قول الله عز وجل: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: (هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه) ( ).
ولو تدبرت كلام الله قبل هذه الآية وبعدها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ( ). وفي هذه الآيات:
إن هؤلاء الذين قال عنهم تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يرون رؤيا تبشرهم بصلاح اعتقادهم وحسن عاقبتهم وصفهم تعالى بأنهم أولياء الله المتقون في الآيات قبلها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾، أي إنّ الذين يرون المبشرات هم أولياء الله المتقون.
إن هذه الرؤى المبشرة - بحسن عاقبتهم - التي يراها المؤمنون وصفها تعالى بأنها كلامه سبحانه وتعالى، وهي حق لا تتبدل، وهي (من الغيب) الذي يُطلع عليه الله أولياءه المتقين ﴿لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
إن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن الذين يعادون الأنبياء لا يصدقون بكلام الله في الرؤيا، وأمر سبحانه الرسول والمؤمنين أن لا يحزنوا لتكذيب هؤلاء الرؤيا، ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؛ لأن هؤلاء لا يكذبون الرسول والمؤمنين فحسب، بل هم يكذبون الله؛ لأنهم يجحدون آياته: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ( ).
فالرؤيا آيات الله، وكلمات الله، وهي الميزان الحق الذي يعرف به الإنسان أنه على جادة الحق، وعلى الصراط المستقيم، والذين يجحدون بالرؤيا هم أعداء الله المكذبون للأنبياء والأوصياء ، ﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
والقانون الإلهي من الآيات المتقدمة أن أولياء الله الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا، أي إنهم لابد أن يرون أو يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم وعقيدتهم، فالذين لا يرون ولا يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم ليسوا من أولياء الله، بل ولا من الذين آمنوا، ولا من المتقين.
والآن إذا انتقلنا إلى آية أخرى تُبيّن فائدة الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ( )، أي إنّ الصيام كُتب عليكم رجاء أن تكونوا متقين، والمتقي يعلم تقواه من الله سبحانه بالميزان الإلهي الحق وهو: (كلمات الله وآيات الله) التي يجحد بها الظالمون، وهي الرؤيا المبشرة كما عرفنا من الآيات المتقدمة.
إذن، فالذي لا يَرى ولا يُرى له المبشرات باستقامة طريقه ليس من المتقين، بل ولا من الصائمين بحسب هذه الآية، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ( )، وهؤلاء الذين ينكرون الرؤيا أرواحهم منكرة لوجود الله، ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ .
المتشابهات
(الجزء الرابع)
السيد أحمد الحسن
وصي ورسول ويماني الإمام المهدي
إصدارات أنصار الإمام المهدي
العدد (35)
الطبعة الثانية
1431 هـ - 2010 م
تحقيق اللجنة العلمية
لأنصار الإمام المهدي ( مكن الله له في الإرض )
لمعرفة المزيد حول دعوة السيد أحمد الحسن
يمكنكم الدخول إلى الموقع التالي :
أنصار الإمام المهدي (ع) اتباع الإمام احمد الحسن اليماني (ع) - انصار الامام المهدي (ع)
قَالَ أَمِيْرُ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ :
( أيُّهَا النَّاسُ ، خُذُوْهَا عَنْ خَاتَم ِالنَّبِيّينَ ، إنّهُ يَمُوْتُ مَنْ مَاتَ مِنّا وَلَيْسَ بِمَيّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بُلِيَ مِنّا وَلَيْسَ بِبَالٍ ، فَلا تَقُوْلُوْا بِمَا لا تَعْرِفُوْنَ ، فَإنَّ أَكْثَرَ الحَقِّ فِيْمَا تُنْكِرُوْنَ ، وَاعْذِرُوْا مَنْ لا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ )
الإهـــــداء
إلى البداية والنهاية، الألف والياء
إلى الخاتم لما سبق إلى الفاتح لما استقبل
إلى محمد بن عبد الله متمثلاً بهذه الأبيات:
هـذه آمـنةُ بنتِ وهـبْ * أقبلت تحملُ لاهـوتَ الأبدْ
فاسجدوا ذلاً له فيمن سجدْ * فله الأملاك خـرّتْ سجداً
إذ تجلى نـوره في آدمِ
إلى أبي الأئمة وخليل النبوة والمخصوص بالإخوة
إلى يعسوب الدين والإيمان وكلمة الرحمن
إلى ميزان الأعمال ومقلب الأحوال وسيف ذي الجلال وساقي السلسبيل الزلال
إلى صالح المؤمنين ووارث علم النبيين والحاكم يوم الدين
إلى شجرة التقوى وسامع السر والنجوى
إلى حجة الله البالغة ونعمته السابغة ونقمته الدامغة
إلى الصراط الواضح والنجم اللائح والإمام الناصح علي بن أبي طالب
إلى السر المكنون المخزون
إلى باب التوحيد فاطمة بنت محمد
إلى حدود الصراط المستقيم الحسن والحسين
إلى القرآن الناطق والكتاب المبين والأئمة المرسلين المُكَذَّبين المظلومين من آل طه ويس . . .
علي بن الحسين، ومحمد بن علي
وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى، ومحمد بن علي
وعلي بن محمد، والحسن بن علي
إلى بقية الله في أرضه .. أبي ونور عيني الإمام المهدي
روحي فداك …
أبتاه قل على العداة معيني
أبتاه هذا السامري وعجله عُبـِدا ومال الناس عن هارون
أبتاه عبيدك يدّعون أنهم ورثوك ، ويدّعون انك ورثّتهم بأمر السماء ، أمر السماء والدين
ويدّعون أنهم الولاة وخلفاؤك دوني
أبتاه لم يبقوا من الإسلام إلا اسمه ورسم من القرآن ……
وحتى الاسم والرسم لم يسلما فما عاد عندهم مَنْ كَسَرَ ضلع الزهراء وأسقَطَ جنينها وضَرَبَها بالسوط ابن صهاك الملعون
ولم يعد عندهم هذا اللعين يمثل الجبت والطاغوت وأصل كل فرعون
وعندهم حديث آبائك مشكوك وعقولهم (نكراؤهم وشيطنتهم) تمّت فمنها يؤخذ الدين
وعندهم جدك الأكبر محمد عبثاً أوصى بالأئمة والمهديين من بعده، وعبثاً (وحاشاه) سماني باسمي في الوصية وقال أول المهديين وأول المؤمنين
وعندهم بجدك المصطفى محمد سيد الكونين يتمثل الشيطان بالرؤيا وبالكشف اليقين
لم تعد لمحمد والأئمة حرمة عندهم ولا القرآن ولا العلم والحكمة ولا لله سبحانه المستخار عن علمٍ مكنونٍ ومخزون
نكسوا حتى أمسى عندهم أقوال آبائك : اسألوا الآتي عن العظائم وما بين دفتي الكتاب المبين
ليس حجة، بل كل ما قال محمد والأئمة من آبائك وما قلت روحي فداك خفيف في ميزانهم قولكم وترجح عندهم كفة عقلهم (نكرائهم وشيطنتهم) وكفّة كل رجس عتل زنيم
أبتاه (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) فهل سأحمل خشبتي مرة أخرى
وأنا المعروف في السماء نجمة الصبح ودرع الأنبياء والحصن الحصين
وأنا الأسد الذي كر مع الكرار في بدر وأحد وحنين
وأنا حبيب الرسول وبرعمه الطبين بأمور الدين
وأنا ص ونهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد
وأنا الحجر والركن اليمين
أبتاه إليك أشكو
وإنما شكواي إلى الحق اليقين والقادر الناصر المبين
قلَّ يا أبتاه على الحق ناصري، وعدوي الباطل لا يعدّ الناصر والمعين
كما قل ناصر جدك أمير المؤمنين، وزرافات تنصر ابن صهاك اللعين
وكما قل ناصر جدك الحسين وسبعون ألفاً ينصرون ابن الزناة يزيد بن ميسون
جوّزوا الشورى وسقيفة الطغاة التي غرست قصباتها في صدر الحسين
أبتاه أقسم عليك بنرجس العسكري ابنة الوصي شمعون
أمك وأمي الطاهرة الزكية سيدة الحصون
وأنت لا ترد لها يداً مدت إليك يا ابن البتول سيدة نساء العالمين
أبتاه أغثني وفرج الكرب يا غياث المستغيثين
أبتاه نصرك الموعود فقد طالت مع العداة سنين
أبتاه قد مررت بكل طغاة الأرض مع نوح وإبراهيم وموسى الكليم
وعيسى ومحمد وعلي ومع الحسين
أبتاه لكني لم أرَ طغاة كطغاة اليوم مستكبرين مجون
أبتاه إن تنصر فنصرك منقذي
وإن قلت اصبر فصبر جميل والله معين
ابنكم
أحمد الحسن
تقديــم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
الحمد لله الذي خلق الخلق وأرسل لهم الرسل، وجعل العلم بكتب السماء دليلاً عليهم يعرفهم به من خلصت نيته وشحذ لمعرفة الحق همته.
الحمد لله الذي جعل علم الكتاب مختصاً بمن أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وجعل لمن ينتحل مقامهم جهنم يصلاها ملوماً مخذولاً.
الحمد لله الذي جعل محمداً وآل محمد لنا وسيلة لرضاه، ولم يجعل في غيرهم سبيلاً للنجاة، الحمد لله الذي جعل ولايتهم حسنة لا تضر معها سيئة، وجعل نكرانهم سيئة لا تنفع معها حسنة.
الحمد لله الذي جعلهم ترجماناً للكتاب، وجعله من غيرهم مغلقاً بلا باب، فهم عدل القرآن وترجمانه، خلفاء الرسول وآذانه، كهف الورى شموس الدجى ليوث الوغى، من حاد عنهم خف ميزانه.
اللهم فصلِّ عليهم كلما طلعت شمس وغربت، وكلما هبَّت ريح وسكنت، اللهم صلِّ عليهم بعدد رمال البر وقطرات المطر وعدد أوراق الشجر وما يحويه البر والبحر، اللهم صلِّ عليهم بعدد أنفاس الخلائق، من ناطق وغير ناطق، صلاة دائمة نامية زاكية يصعد أولها، ولا ينفد آخرها، وأجعلها ذخراً لنا يوم نلقاك، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتاك بولايتهم والكفر بولاية غيرهم اللهم اجعل كل صلواتك على جدهم المصطفى أولاً وعليهم ثانياً، ولا تفارق بيننا وبينهم دائماً أبداً برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الله : ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ ( ).
وقد نص الرسول محمد وآل بيته على أن متشابه القرآن لا يعلمه إلا الرسول والأئمة من ذريته ، ولا يعرف إلا عن طريقهم وبابهم .
عن أبي جعفر : (نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله) ( ).
وعن أبي عبد الله ، قال: (الراسخون في العلم: أمير المؤمنين والأئمة من ولده ) ( ).
وعن أبي جعفر في قوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ( )، قال: (هم الأئمة المعصومون ) ( ).
والأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب، ومنها يتبين أن تفسير أو تأويل متشابه القرآن علم قد خُص به الأئمة من أوصياء الرسول إلى يوم القيامة، ولا يوجد عند غيرهم أبداً إلا أن يكون مأخوذاً عنهم .
بل إن القرآن كله محكم عند الأئمة فلا يوجد متشابه عندهم ؛ لأن المتشابه ما تشابه على صاحبه، وأهل البيت لا يشتبه عليهم القرآن فهم ترجمانه بعد الرسول محمد .
عن هرول بن حمزة، عن أبي عبد الله ، قال: سمعته يقول: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ( )، قال: هم الأئمة خاصة) ( ).
وعن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر قال: قلت له: قول الله: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أنتم هم؟ قال: (من عسى أن يكونوا غيرنا؟!) ( ).
إذن، فالقرآن كله آيات بينات عند الأئمة لا يوجد فيه متشابه، ولذلك انحصر تفسير القرآن في الأئمة ؛ لأن غيرهم لا يعرف ما تشابه من القرآن ولا يفقه تأويله، وفاقد الشيء لا يعطيه. وقد نبه الأئمة على هذه الحقيقة مرات عديدة في رواياتهم، وحذروا عن تفسير القرآن بالرأي، ونبهوا كذلك على أن كلام الله تعالى لا يشبه كلام البشر فلا يمكن قياسه عليه، ولنطلع على بعض كلامهم في هذا الموضوع لتتضح المسألة:
عن الصادق ، قال: (إن الله بعث محمداً، فختم به الأنبياء، فلا نبي بعده، وأنزل عليه كتاباً، فختم به الكتب، فلا كتاب بعده - إلى أن قال: فجعله النبي علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم الناس، وهم الشهداء على أهل كل زمان حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر، وطلب علومهم، وذلك أنهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام، وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا).
ثم ذكر كلاماً طويلاً في تقسيم القرآن إلى أقسام وفنون ووجوه، تزيد على مائة وعشرة، إلى أن قال : (وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه أفعاله أفعالهم، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى إلا نبيه وأوصياؤه ... إلى أن قال: ثم سألوه عن تفسير المحكم من كتاب الله، فقال: أما المحكم الذي لم ينسخه شيء فقوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ ( ) الآية. وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء، ونبذوا قول رسول الله وراء ظهروهم ... الحديث) ( ).
عن جابر بن يزيد، قال: سألت أبا جعفر عن شيء من التفسير، فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا، فقال: (يا جابر، إن للقرآن بطناً [وللبطن بطناً] وله ظهر، وللظهر ظهر، يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، وإنّ الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متصل متصرف على وجوه) ( ).
عن المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله في رسالة: (فأما ما سألت عن القرآن، فذلك أيضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة، لأن القرآن ليس على ما ذكرت وكل ما سمعت فمعناه [على] غير ما ذهبت إليه، وإنما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حق تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، وأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول الله : [إنه] ليس شيء أبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله، وإنما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه، والناطقين عن أمره، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم، لا عن أنفسهم، ثم قال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. فأما عن غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً، ولا يوجد، وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر؛ لأنهم لا يجدون من يأتمرون عليه ومن يبلغونه أمر الله ونهيه، فجعل الله الولاة خواص ليقتدى بهم، فافهم ذلك إن شاء الله، وإياك وإياك وتلاوة القرآن برأيك، فان الناس غير مشتركين في علمه، كاشتراكهم فيما سواه من الأمور، ولا قادرين على تأويله، إلا من حده وبابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله، واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله) ( ).
وقد بيّن الأئمة تكليف الأمة تجاه القرآن، وما عليهم وما لهم:
عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر - في حديث كلامه مع عمرو بن عبيد - قال: (وأما قوله: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ ( )، فإنما على الناس أن يقرؤوا القرآن كما انزل، فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا يا عمرو!) ( ).
عن علي ، قال: (اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون - إلى أن قال: - قالوا: فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ فقال: يسأل عن ذلك علماء آل محمد ) ( ).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله ، قال: ( من فسر القرآن برأيه، إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ خرّ أبعد من السماء) ( ).
وعن موسى بن عقبة أن معاوية أمر الحسين أن يصعد المنبر فيخطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ( نحن حزب الله الغالبون، وعترة نبيه الأقربون، أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله، فيه تفصيل لكل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا، فان طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ﴾ ( )، وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ... الحديث) ( ).
وكذلك نلاحظ كيف منع الأئمة بعض الذين كانوا يفتون الناس ويفسرون القرآن برأيهم أمثال أبي حنيفة:
عن شعيب بن أنس، عن بعض أصحاب أبي عبد الله ، قال: (كنت عند أبي عبد الله إذ دخل عليه غلام كندة فاستفتاه في مسألة فأفتاه فيها، فعرفت الغلام والمسألة فقدمت الكوفة فدخلت على أبي حنيفة، فإذا ذاك الغلام بعينه يستفتيه في تلك المسألة بعينها فأفتاه فيها بخلاف ما أفتاه أبو عبد الله ، فقمت إليه فقلت: ويلك يا أبا حنيفة إني كنت العام حاجاً فأتيت أبا عبد الله مسلماً عليه فوجدت هذا الغلام يستفتيه في هذه المسألة بعينها فأفتاه بخلاف ما أفتيته. فقال: وما يعلم جعفر بن محمد أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي، فقلت في نفسي: والله لأحجن ولو حبواً، قال: فكنت في طلب حجة فجاءتني حجة فحججت فأتيت أبا عبد الله فحكيت له الكلام فضحك ثم قال: عليه لعنة الله أما في قوله: إني رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف إبراهيم وموسى، فقلت له: ومن له بمثل تلك الصحف؟
قال: فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه، فقال للغلام: انظر من ذا؟ فرجع الغلام، فقال: أبو حنيفة. قال: أدخله، فدخل فسلّم على أبي عبد الله ، فردّ ، ثم قال: أصلحك الله أتأذن لي في القعود فأقبل على أصحابه يحدثهم ولم يلتفت إليه. ثم قال الثانية والثالثة فلم يلتفت إليه، فجلس أبو حنيفة من غير إذنه، فلما علم أنه قد جلس التفت إليه فقال: أين أبو حنيفة ؟ فقال: هو ذا أصلحك الله، فقال: أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم. قال: فبما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه. قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم، قال: يا أبا حنيفة ولقد ادعيت علماً ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا ، وما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول - ولست كما تقول - فأخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾ ( ) أين ذلك من الأرض؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون؟ قالوا: نعم. قال: فسكت أبو حنيفة، فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿َمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ ( )، أين ذلك من الأرض؟ قال: الكعبة. قال: أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟ قال: فسكت، ثم قال: يا أبا حنيفة إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله، ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع؟ فقال: أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي. قال: يا أبا حنيفة إن أول من قاس إبليس الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فسكت أبو حنيفة. فقال: يا أبا حنيفة أيما أرجس البول أو الجنابة؟ فقال: البول. فقال: الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول، فسكت. فقال: يا أبا حنيفة أيما أفضل الصلاة أم الصوم؟ قال الصلاة. فقال: فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ فسكت ..... الحديث) ( ).
وعن زيد الشحام، قال: (دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة: نعم فقال له أبو جعفر : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت، وأنا أسألك .. إلى أن قال أبو جعفر : ويحك يا قتادة! إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال، فقد هلكت وأهلكت ويحك يا قتادة! إنما يعرف القرآن من خوطب به) ( ).
عن عبد الرحمن السلمي أن علياً مر على قاض، فقال: (أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، فقال: هلكت وأهلكت تأويل كل حرف من القرآن على وجوه) ( ).
عن أبي الصلت الهروي، عن الرضا - في حديث - أنه قال لابن الجهم: (اتق الله، ولا تؤوّل كتاب الله برأيك، فانّ الله يقول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾) ( ).
ومن هذه القصص وما سبقها من روايات ينتج اليقين بألّا يمكن لأحد أن يفتي الناس أو يفسر القرآن برأيه إن لم يكن من الذين يعلمون محكم القرآن من متشابهه وناسخه من منسوخه، وإنّ هذا العلم خاص بالذرية المعصومة وهم خلفاء الرسول إلى يوم القيامة الأئمة والمهديون .
وإنّ من حكمة اختصاص علم متشابه القرآن بالحجج المعصومين هو معرفة المعصوم والاضطرار إلى طاعته لعدم وجود باب إلى معرفة القرآن غيره، ولئّلا يدعي الإمامة كل من هب ودب؛ لأنّ من يفعل ذلك سيجد نفسه في بحار من الأمواج المتلاطمة، وسيظهر تناقضه واضطرابه في تفسير القرآن كنار على علم لمن لهم قلوب يفقهون بها.
عن أمير المؤمنين في احتجاجه على زنديق سأله عن آيات متشابهة من القرآن، فأجابه - إلى أن قال -: (وقد جعل الله للعلم أهلاً وفرض على العباد طاعتهم بقوله: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾، وبقوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾، وبقوله: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ ( )، وبقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾، وبقوله: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ ( )، والبيوت هي بيوت العلم التي استودعها الأنبياء، وأبوابها أوصياؤهم، فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي الأوصياء وعهودهم، وحدودهم وشرائعهم، وسننهم، ومعالم دينهم مردود غير مقبول، وأهله بمحل كفر وإن شملهم صفة الإيمان، ثم إن الله قسم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل، وقسماً لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام، وقسماً لا يعلمه إلا الله وملائكته والراسخون في العلم. وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل المستولين على ميراث رسول الله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمام بمن ولي أمرهم فاستكبروا عن طاعته .. الحديث) ( ).
بل روي أن هناك تأويلاً للقرآن في كل زمان، ولا يعرف هذا التأويل إلا الإمام الحجة المنصب من الله تعالى:
عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (إن للقرآن تأويلاً، فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجيء، فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمة عرفه إمام ذلك الزمان) ( ).
وبهذا يتبين أن تأويل القرآن ومعرفة المحكم من المتشابه مختص بالإمام المعصوم من أوصياء الرسول محمد ، ولا يمكن أن يعرف عن غيره أبداً.
ويتبين أيضاً من الرواية السابقـة أنّ تأويل القرآن في عصر الظهور لا يعرفه إلا الإمـام المهدي أو من اتصل به اتصالاً مباشراً وتحمل ذلك العلم منه ، وبهذا نعرف أن الإمام المهدي أو من اتصل به يعرف عن طريق إفحامه لجميع العلماء في معرفة علم متشابه القرآن وإحكامه، كما اثبت أجداده إمامتهم عن طريق ذلك العلم الخاص بهم .
فعلى المتصدين والذين يدعون المرجعية مناقشة السيد أحمد الحسن في هذا العلم المقدس، فإن عجزوا عن ذلك أو لم يستجيبوا لذلك يثبت حق السيد أحمد الحسن، وإنه وصي ورسول الإمام المهدي ؛ لأن هذا العلم لا يكون إلا عند أوصياء الرسول محمد كما صرحت به الروايات المتواترة.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الأئمة والمهديين.
الشيخ ناظـم العقـيلي
1429 هـ . ق
سؤال/ 122: ما معنى كلام الحسين : (كم من كرب يضعف فيه الفؤاد) ( ) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
الحسين في هذا الكلام الذي يناجي به الله سبحانه وتعالى، ويشكو إليه حزنه العميق -فالكرب هو: هم النفس وحزنها - يبيّن عظيم مصابه، بأن يرى بعينيه الباطل يقتل الحق، ويظهر عليه في تلك اللحظات، وتلك المصيبة التي لا يقوى فؤاد إنسان على الاستقلال بها والقيام بها، وهو يمتلئ بذلك الحزن العميق، إلا أن يسدده الله سبحانه ويقويه بحوله وقوته.
فالحسين كأنه يقول لله سبحانه وتعالى: إلهي لا طاقة لي على حمل هذا الكرب العظيم إلا بحولك وقوتك، فكأنّ الحسين يقول: (لا قوة إلا بالله).
سؤال/ 123: لماذا أخرج الحسين طفله عبد الله الرضيع إلى جيش يزيد (لعنه الله) ليطلب له الماء؟ وهل كان يعلم أنهم سوف يقتلونه؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
الحسين أخرج رضيعه ليطلب له الماء، وكان يعلم أنه يقتل.
واعلم أنّ للباطل جولة وللحق دولة ( )، ولكي تتم جولة الباطل فلابد لجند الشيطان (لعنه الله) أن يخوضوا في كل هاوية مظلمة، ولابد لهم أن يستفرغوا ما في جعبتهم وهم يخوضون المعركة مع جند الله.
واعلم أنّ مصاب الحسين قد خفّف عنكم الكثير الكثير مما لا طاقة لكم على حمله من ظلم الظالمين، لتنالوا رضا الله سبحانه، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.
لقد فدى الحسين دماءكم بدمه الشريف المقدس، وفدى نساءكم وأعراضكم بخير نساء العالمين من الأولين والآخرين بعد أمها فاطمة ، وهي زينب ، وفدى أبناءكم بالرضيع.
والإمام المهدي وأنا العبد الفقير المسكين أكثر خلق الله رقابنا مثقلة بفضل الحسين ، ودين الحسين قد أثقل ظهري ، ولا طاقة لي بوفائه إلا أن يوفيه الله عني.
واعلم أنّ الإمام المهدي عندما يقول للحسين : (لأبكينك بدل الدموع دماً) ( )، يقولها على الحقيقة لا المبالغة، وهذا لأنّ الحسين فدى قضية الإمام المهدي بدمه الشريف وبنفسه المقدسة، فجعل نفسه فداء لقضية الإمام المهدي ، فهو ذبيح الله، أي كما أنك عندما تبني بيتاً تفدي له كبشاً، كذلك الله سبحانه وتعالى لما بنى عرشه وسماواته وأرضه جعل فداءها الحسين .
وقضية الإمام المهدي هي قضية الله وخاتمة الإنذار الإلهي، وهي قضية عرش الله سبحانه وملكه وحاكميته في أرضه، قال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ ( ) أي بالحسين ، والمفدى هو الإمام المهدي ، فسلام على ذبيح السلام والحق والعدل.
واعلم أنّ علياً الأكبر ذبيح الإسلام، كما أنّ الحسين ذبيح الله، والحمد لله وحده.
سؤال/ 124: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾ ( ) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
عن أبي بصير عنه : ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾، قال: (هو السواد الذي في القمر) ( ).
وكذلك عن أمير المؤمنين عندما سُئل عن السواد الذي في القمر، قال : (هو قوله تعالى: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾) ( ). آية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس.
والقمر كوكب مظلم يأخذ نوره من الشمس، والشمس نجم مضيء. وفي وجود آيتي الشمس والقمر والليل والنهار المترتب على غياب أحداهما وبزوغ الأخرى دليل واضح على التنظيم التفصيلي الدقيق ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً﴾.
وفي باطن الآية: فإنّ الشمس هو الحجة على الخلق، والقمر وصيه، فرسول الله هو الشمس، وعلي هو القمر، وهكذا في كل زمان الشمس الحجة على الخلق، والقمر الوصي الذي يأخذ من الحجة على الخلق. والليل هو الظلام والظلم ودولة الظالمين، والنهار هو النور والعدل ودولة الحق ( ).
﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْل﴾: آية الليل هو القمر، وهو الوصي والحجة على الخلق أيضاً، ومحوه أي إنّ الظلم والظلام يغطي حقه ويمنعه إياه، ولا يجري شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، ولذلك نسب هذا الأمر إليه سبحانه وتعالى، فلو شاء سبحانه أظهر آية الليل وهو القمر والوصي، كما هو الحال في زمن الإمام المهدي .
﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾: وهي الشمس والحجة على الخلق عندما يظهر أمره على رؤوس الأشهاد، وتطأطأ له الرؤوس، وتنصاع لحقه الناس.
﴿لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ﴾: فضل الله سبحانه وتعالى هو الفضل الأخروي، وهو الفضل الحقيقي. فلتبتغوا فضلاً من ربكم: أي بالعمل الصالح مع الإمام الحجة والجهاد بين يديه. ومن فضل الله العلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه ورسله وبكتبه وقصص الأمم السالفة وحساب يوم القيامة، وعلم كل شيء فصَّله الله في كتابه تفصيلاً.
سؤال/ 125: لماذا قتل قابيلُ هابيلَ؟ وهل صحيح أن آدم أراد تزويج كل منهما توأم الآخر فأبى قابيل؟ فأمرهم آدم بتقريب القربان للتأكد من هذا الأمر؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
في هذه المسألة لغط كثير، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى حرّم زواج المحارم في أمّ الكتاب ( )، وكل الشرائع والكتب السماوية فيها هذا التحريم، وفي شريعة آدم كذلك، فمسألة زواج ولد آدم هي كالتالي: ولدت حواء لآدم قابيل ثم هابيل، وتزوج قابيل امرأة خلقها الله سبحانه له وكانت طالحة، وهابيل تزوج امرأة خلقها الله له وكانت صالحة. وهاتان الزوجتان خلقهما الله كما خلق آدم وحواء من قبل، أي إن الله خلق زوجتين لقابيل وهابيل بقدرته سبحانه وتعالى.
ثم إن الله أمر آدم أن يُعيِّن وصيه هابيل ، فلما علم قابيل اعترض على أمر التعيين، فأخبره آدم أن الأمر من الله وليس منه. وأمرهم بتقريب قربان إلى الله، فقرب هابيل كبشاً سميناً وقرب قابيل سنابل تالفة، فتُقبل قربان هابيل وأكلته النار. فتسعَّر الحقد في نفس قابيل على هابيل، ووسوس له الشيطان (لعنه الله) قتل أخيه، وطوَّعت له نفسه الأمارة بالسوء قتل أخيه ، فقتل قابيلُ هابيلَ حسداً، لأنه وصي آدم فتحقق وعد إبليس (لعنه الله) بالغواية، فأغوى قابيلَ وأصابه بدائه وهو (الأنا) والتكبر ومن لوازمها مرض الحسد .
أما بقية الذرية، فإن زوجة هابيل كانت حاملاً فولدت ذكراً، وولد لآدم بعد ذلك شيث ويافث، فولدت زوجة شيث ذكراً وأنثى، وولدت زوجة يافث أنثى، فتزوج ابن هابيل ابنة شيث، وتزوج ابن شيث ابنة يافث.
والأنبياء من ذرية هؤلاء، وهذا هو فصل الخطاب، ولا يُكثِر الكلام في هذا الأمر بعد هذا البيان إلا كذاب على الله ورسوله.
سؤال/ 126: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ ( ) ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
الإنسان أوسع المخلوقات قدرة على معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى، ففطرة الإنسان هي الفطرة الأوسع والأعظم، وكما ورد في الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته) ( )، أي إن الإنسان مفطور على التحلي بأسماء الله سبحانه، حتى يصبح هو وجه الله سبحانه في خلقه ، وأسماءه الحسنى في الخلق.
فالجدل في الآية يعني: الكلام بالحق والاحتجاج به على أهل الباطل، والإنسان هو: (علي بن أبي طالب ) ( ).
أما الإنسان إذا انتكس فإنه يجادل بالباطل، ولكن مجادلة أهل الباطل سفيهة واهنة إذا ما عُرضِتْ على العقل السليم الذي يزن الأمور بعيداً عن الهوى والتعصب والتزمت.
سؤال/ 127: ما معنى ما ورد في الدعاء بوصف الله سبحانه وتعالى بالجواد الواسع ( ) ؟ وهل صحيح بحسب ما يقول بعض العلماء إن الجواد الواسع هو لأن خزائنه لا تنفد وخزائن خلقه تنفد؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
خزائنه سبحانه وتعالى لا تنفد، لكن من هو الأعظم والأوسع جوداً الذي عنده دينار واحد فينفقه، أم الذي عنده أموال لا تعد ولا تحصى فينفق منها، ومهما أنفق منها فهي لا تنفد؟!
من المؤكد أن الذي عنده دينار واحد هو الأوسع جوداً؛ لأنه أنفق كل ما عنده، أما الآخر فهو ينفق من خزائن لا تنفد، فمهما أنفق فهو لا ينفق كل ما عنده، فلا يكون جواداً واسعاً، إلا إذا أعطى خزائنه التي لا تنفد، أي إنه يعطي نفسه، أي إنه يجود بنفسه، والجود بالنفس غاية الجود، وهذا يفسره حديث: (الصوم لي وأنا أُجزى به) ( )، أي إن جزاء الصوم عن الأنا -أي ترك الأنا - هو الله سبحانه، ومعنى هذا أن يكون العبد لسان الله ويد الله . . . . . ( )، أي أن يستكمل العبد درجات الإيمان العشر، فيكون منا أهل البيت ، قال تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ( )، أي إنه يكون ممن أهلـه حاضرو المسجد الحـرام، أي من أهل بيت محمـد كسلمان الفارسي ( ).
فالجواد الواسع هو الذي يجود بنفسه، فالله سبحانه وتعالى يجازي عباده المخلصين الذين أعرضوا عن الأنا بعد إعراضهم عن الدنيا وزخرفها، وبعد طاعتهم له سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، بأن يجعلهم مثله في أرضه ، فقولهم قوله، وفعلهم فعله ، وهذا ما ورد عنهم إن قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا ( )، وإنّ روح ولي الله تصعد إلى الله سبحانه، فيخاطبه الله سبحانه فيقول له: أنا حي لا أموت، وقد جعلتك حياً لا تموت ( ).
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه﴾( ). فيكون العبد ممن شاء الله أن لا يصعق ولا يموت إلا الموتة الأولى، وهي نوع ارتقاء وليست موتاً حقيقياً، إنما الموت الحقيقي هو موت الروح لا الجسد: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ ( ). هذه هي حقيقة الجواد الواسع، أسأل الله أن يجعلكم ويجعلني ممن عرفوا الجواد الواسع حقيقة لا لفظاً ومعنى.
سؤال/ 128: ما معنى قول إبراهيم : ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ في قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ ( ) ؟ وهل صحيح أنّ إبراهيم قالها لأنه كان يحمل همَّ ذريته، كما يقول بعض العلماء؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
عندما حمل إبراهيم وهو شاب الفأس وكسَّر الأصنام، وألقاه النمرود وعلماء الضلالة في النار، كافأه الله سبحانه وتعالى بدون أن يطلب هو ، بأن جعل الأنبياء اللاحقين بعده من ذريته. ثم إن إبراهيم استمر بدعوته الإلهية، فلما امتحنه الله سبحانه وتعالى بالكلمات ونجح إبراهيم بالامتحان والابتلاء خاطبه تعالى فقال له: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾.
ومرتبة الإمامة الإلهية مرتبة عالية، لم ينلها كل الأنبياء والمرسلين ، وهنا سأل إبراهيم الله سبحانه وتعالى هذا السؤال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾، أي وهل أنّ الأنبياء الذين بشرتني بهم فيما مضى هم (أئمة) أيضاً ؟ فقال تعالى: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، أي الظالمين من الأنبياء . وظلم الأنبياء ليس كظلم غيرهم وإنما هو من نوع (حسنات الأبرار سيئات المقربين) ( )، أي إتيانهم بالعمل ليس على الوجه الأمثل بسبب التمايز بالمعرفة بينهم فكل منهم يعبده سبحانه بحسب معرفته ولذا تتفاوت عبادتهم، فتكون سجدة من محمد أفضل من عبادة الثقلين، وضربة من علي بـ (عبادة الثقلين) ( ).
وهذا التمايز بيِّن بينهم ، وذكره تعالى: ﴿تلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ ( ).
فنفس العمل لو كُلف به يونس النبي وكُلف به محمد لم يكن إتيان يونس به في نفس مستوى إتيان محمد ، فهذا التقصير من يونس في الإتيان بالعمل نسبةً إلى ما يأتي به محمد هو ظلم من يونس ؛ لأن هذا التقصير منعه من نيل رتبة عظيمة فُطِرَ كإنسان لينالها، وبالتالي فإنّ هناك مرتبة من هذا النوع من الظلم يجب أن يتجاوزها الأنبياء والمرسلون من ذرية إبراهيم لينالوا مرتبة الإمامة، ولهذا قال تعالى: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي لا ينال الإمامة كل الأنبياء من ذريتك يا إبراهيم، إنما ينالها الأنبياء والمرسلون من ذريتك الذين يتجاوزون هذا الظلم، فيرتقون إلى هذه المرتبة ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونََ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ( ).
وقد أشار تعالى في القرآن لبعض الأئمة من ذرية إبراهيم :
ومنهم: موسى ، قال تعالى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى﴾ ( )، أي خالية من الظلم، فالإنسان يأخذ ويعطي باليد، واليد البيضاء تشير إلى عدالة الإنسان التامة مع الناس ومع الله سبحانه وتعالى، فموسى طهر نفسه من الظلم بمرتبة عالية، كما في الآية: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ومنهم: عيسى ، قال تعالى مخبراً عن عيسى : ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ ( )، أي إنّ عيسى نال مرتبة الإمامة، فهو يعطي الأمان لنفسه وللناس.
وأشار تعالى إلى من لم ينل مرتبة الإمامة منهم كيحيى ، قال تعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً﴾ ( )، أي إنه لم يصل إلى مرتبة الإمامة لكي يعطي للناس ولنفسه الأمان، وإنما هو مهَّدَ الطريق لعيسى ووجّه الناس إليه .
أما قول بعضهم: إن إبراهيم كان يحمل همَّ ذريته ، فإذا كانوا يقصدون أنه أراد لهم الإمامة فهذا لا؛ لأنّ إبراهيم لم يكن حريصاً على دنيا ولا على آخرة، إنما كان حريصاً على رضا الله سبحانه وتعالى. ودعاء الأنبياء وإبراهيم لذريتهم إنما هو للصالحين منهم بعد علم الأنبياء بصلاحهم، ومن قبل إبراهيم نوح فإنه لعن ابنه بعد أن لعنه الله سبحانه، وبعد أن علم أنه ضال عن الصراط المستقيم ومن أهل الجحيم.
فلم يكن إبراهيم أو الأنبياء يحملون همَّ ذريتهم لأنهم أولادهم، وإلا لكانوا بذلك على درجة كبيرة من حب الأنا والانحراف عن الصراط المستقيم، (حاشاهم من ذلك) وهم خيرة الله من خلقه، إنما كان إبراهيم والأنبياء يحملون همَّ الصالحين من ذريتهم؛ لأنهم علموا بصلاحهم، ولأنهم علموا أن هؤلاء الأبناء الصالحين سوف يخلفونهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتحمل العناء والمشقة والأذى من الناس في سبيل نشر التوحيد وكلمة الله سبحانه وتعالى في أرضه.
فكان إبراهيم والأنبياء يحملون همَّ الصالحين من ذريتهم؛ لأنهم أولياء الله سبحانه، لا لأنهم أولادهم. والفرق شاسع بين الأمرين، كالفرق بين حب الله سبحانه، وحب الدنيا في قلب الصالح والطالح.
سؤال/ 129: قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ ( ). من هم المقربون؟ ومن هم الأولون؟ ومن هم الآخرون؟ ولماذا من الأولين ثلة ومن الآخرين قليل؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
المقربون: هم سبعون ألفاً شيعة علي بن أبي طالب ، أو: الإنسان الكامل المذكور في القرآن، وهؤلاء فيهم بعض الأنبياء والمرسلين والأئمة ( )، وقليل من أمة محمد كسلمان ومالك الأشتر والثلاثمائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام المهدي ( ).
والأولون: هم الأمم السالفة وفيهم كثير من الأنبياء والمرسلين، وهم (124) ألف نبي، فيهم كثير من المقربين.
والآخرون: هم أمة محمد ، وفيهم جماعة من المقربين أقل بكثير من العدد الموجود في الأمم السالفة، والذين معظمهم أنبياء ومرسلون.
والمقربون من الأمم السالفة وهم أنبياء ومرسلون عددهم إذا قيس إلى عدد بني آدم فهم جماعة قليلة، ولذلك عبر عنهم بالثلة، فهم عشرات الآلاف نسبة إلى مليارات البشر.
أما المقربون من أمة محمد ، فعددهم نسبة إلى هذه الثلة من الأمم السالفة قليل، فهم مئات نسبةً إلى المقربين من الأمم السالفة وهم عشرات الآلاف، ونسبةً إلى بني آدم وهم مليارات.
وأيضاً المقربون هم شيعة رسول الله محمد ، وفي هذه الحالة يدخل فيهم قائدهم وسيدهم علي ، فيكون هو وخاصته القليل من الآخرين.
سؤال/ 130: ما معنى قول أمير المؤمنين للدنيا: (يا دنيا غرّي غيري إليَّ تعرضت أم إليَّ تشوفت هيهات هيهات قد بنتك ثلاثاً لا رجعة فيها) إرشاد القلوب ( )، هل أن أمير المؤمنين طلق الدنيا كالطلاق العادي أي أنه تركها، ثم عاد لها، ثم تركها، وهكذا ثلاث؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
هذا المعنى الذي ذكرته يعني أنه رغب فيها بعد تركها غير صحيح، ولكنه رفضها في الطفولة وفي الشباب وفي الكبر، قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ ( ).
وعلي دخل الإسلام في طفولته ولم يُعرف عنه اللعب، بل عُرف بالجد والجهاد في الدفاع عن محمد والإسلام منذ صباه. ثم إنه قضى شبابه يمسح العلق والعرق في سبيل الله، فمن معركة إلى معركة يكاد لا يداوي جراحه، ثم إنه في الكبر لم يهتم لقليل الدنيا ولا لكثيرها.
فها هو علي في طفولته لم يلعب ولم يلهُ، وفي شبابه لم يعرف الزينة والاهتمام بالمظهر، وفي كبر سنه لم يجمع شيئاً من تراث الدنيا، فقد بانها ثلاثاً كما قال علي . وأيضاً: بانها ثلاثاً بكل وجوده الملكي الجسماني، والملكوتي في السموات الست، والعقلي في السماء السابعة.
سؤال/ 131: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾( ).
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
أي إنّ الله سبحانه وتعالى المهيمن على الأمر والموجه له كيف يشاء، فهو سبحانه وتعالى يوجه الكون الجسماني والروحاني إلى الغاية التي يشاؤها سبحانه وتعالى، وإلى الغرض الذي خلق لأجله الخلق. فمثلاً قصة نبي الله يوسف وما جرى عليه من ابتلاء فقد أُلقي في البئر، ثم بيع ووقع في ذل العبودية، ثم اُتهم بالفاحشة وهُتكت سمعته ، ثم أُلقي في السجن وفي النهاية أصبح عزيز مصر. وكان سبباً لاستيطان بني إسرائيل في مصر، وما تبع هذا الاستيطان من بعث موسى (قائم آل إبراهيم) في مصر ومواجهته لفرعون مصر.
وفي كل الأحداث والابتلاءات التي حصلت ليوسف فإن الله غالب على الأمر ومهيمن عليه ولو شاء لما حصلت، ولكنه شاء أن تحصل، ومعظمها بسبب الشيطان أو وسوسته ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل مكر الشيطان ينقلب عليه ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ ( )، ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ ( ).
وبُدِّل سوء حال يوسف إلى أحسن حال، فمن السجن وذل العبودية إلى الحرية والملك، فهو سبحانه مبدل السيئات بالحسنات.
فالمسيرة العامة وإن كانت فيها مداخلات كثيرة للشيطان وجنده من الإنس والجن، ولكن الله سبحانه وتعالى يجعل نتيجتها ومحصلتها ما يريده هو سبحانه وتعالى ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ( )، ومن تيقن أن الله غالب على أمره لا يهتم لنزول البلاء، إلا أن يتوجه بالشكر لله سبحانه وتعالى.
وإن شئت ثنَّيتُ لك بأيوب وعظيم بلائه، فهو لم يواجه البلاء إلا بالشكر والامتنان لله سبحانه وتعالى، فكانت عاقبته خير الدنيا والآخرة: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ ( ).
والعاقبة للمتقين، فيجب أن تكون هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ( ) شعاراً يعلقه أهل اليقين في أعناقهم.
سؤال/ 132: قول سليمان : ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ ( )، فما هو طلب النبي؟ بعضهم يقول: رد الشمس، وبعضهم يقول: رد الخيل وقتلها.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
إنما سليمان طلب من الملائكة الموكلين بالشمس أن يردوها إلى كبد السماء بعد غيابها، بأمر من الله سبحانه وتعالى، ليصلي العصر بعد فواتها، بسبب انشغاله بإعداد الخيل للجهاد ( ).
سؤال/ 133: ما معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثم أنابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ ( ).
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
أي امتحنا سليمان، وهذا الامتحان في المفاضلة بين عبادتين هما الجهاد والصلاة، فقدَّم سليمان الجهاد على الصلاة حتى فات وقتها، فتوجه إلى الملائكة فردوا الشمس بإذن الله، فصلى سليمان صلاة العصر بعد أن فاتته وغابت الشمس؛ لأنه كان مشغولاً بالتهيئة للجهاد في سبيل الله ( ).
ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل على سليمان مَلَك الفرقان ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً﴾ ليعرّفه الفاضل من المفضول، والمقدم من المؤخر. وهذا المَلَك هو (كتاب كُتب فيه الحق الذي يريده الله سبحانه وتعالى). فعَلِم سليمان بعد نزول الفرقان عليه أنه أخطأ بتقديم الجهاد على الصلاة ﴿ثم أنابَ﴾، وطلب المغفرة من الله سبحانه ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ .
وطلب سليمان أن يكون مُلك بني إسرائيل في ذريته، وكان المُلك في بني إسرائيل بعد داود قريناً مع النبوة، فطلب سليمان أن يكون من يتحمل نصرة دين الله هم من ذريته ليكون له قدم في نصرة دين الله معهم، وخصوصاً مع قائم آل يعقوب وهو عيسى ، فطلب سليمان أن يكون من ذريته، وبالفعل فإن مريم أم عيسى هي من ذرية سليمان، ومُلك عيسى هو أعظم مُلك في بني إسرائيل، وكانوا موعودين به وينتظرونه.
فقول سليمان: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾: أي مُلك اليهود، أي أن يكون من ذريته وخصوصاً عيسى ؛ لأن مُلك عيسى ليس مثله مُلك في اليهود، فهو قائم آل يعقوب المنتظر. فطلب سليمان أن يكون مَلِك اليهود عيسى من ذريته، فلا ينبغي أن يكون في ذرية أحد غيره مثل عيسى مَلِك اليهود؛ لأنه لا نظير له في بني إسرائيل.
وربما يفهم بعض من غفل عن الحقيقة أن مُلك الله سبحانه وتعالى هو المتحقق في هذه الحياة الدنيا، وهذا باطل؛ لأن مُلك فرعون ونمرود وأمثالهم إنما هو مُلك الشيطان وحاكميته ( )، فمُلك الله يهبه الله لمن يشاء من عباده الصالحين، وليس ضرورياً أن يحكم، بل هو في الغالب على طول مسيرة هذه الإنسانية المتمردة على خالقها لم يحكم من عيَّنه الله مَلِكاً، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ ( )، مع أن معظم من آتاهم الله المُلك من آل إبراهيم لم يملكوا على هذه الأرض، بل ربما قتل بعضهم وقهر وظلم من الطغاة أشد الظلم.
فالمُلك الذي أراده سليمان هو مُلك يهبه الله سبحانه وتعالى له، ثم إنه يكون أعظم وأفضل مُلك يهبه الله لليهود من بني إسرائيل، وهو بهذا طلب أن يكون مَلِك اليهود المنتظر من ذريته وهو عيسى وإن لم يحكم عيسى ولم يَملُك، ولكنه المَلِك المعيَّن من الله، وشاء الله له الرفع حتى ينـزل مع الإمام المهدي ، ويحكم ويَملُك في دولة الإمام المهدي .
سؤال/ 134: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ ( ).
هل يفهم من هذه الآية بأن الملائكة قِسم من تنـزلها يكون في الرؤيا لتبشير للمؤمنين؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
نعم هذا أكيد، فالملائكة يبشرونهم بالرؤيا الصالحة بصلاح طريقهم واستقامة وحسن عاقبتهم؛ لأنهم على ولاية الله سائرون، ولولي الله متابعون.
وفي هذه الآية: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ( )، قال الرسول : (الرؤيا الصالحة)( ).
في الحديث عن جابر عن أبي جعفر ، قال: قال رجل لرسول الله في قول الله عز وجل: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: (هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه) ( ).
ولو تدبرت كلام الله قبل هذه الآية وبعدها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ( ). وفي هذه الآيات:
إن هؤلاء الذين قال عنهم تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يرون رؤيا تبشرهم بصلاح اعتقادهم وحسن عاقبتهم وصفهم تعالى بأنهم أولياء الله المتقون في الآيات قبلها: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾، أي إنّ الذين يرون المبشرات هم أولياء الله المتقون.
إن هذه الرؤى المبشرة - بحسن عاقبتهم - التي يراها المؤمنون وصفها تعالى بأنها كلامه سبحانه وتعالى، وهي حق لا تتبدل، وهي (من الغيب) الذي يُطلع عليه الله أولياءه المتقين ﴿لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
إن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن الذين يعادون الأنبياء لا يصدقون بكلام الله في الرؤيا، وأمر سبحانه الرسول والمؤمنين أن لا يحزنوا لتكذيب هؤلاء الرؤيا، ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؛ لأن هؤلاء لا يكذبون الرسول والمؤمنين فحسب، بل هم يكذبون الله؛ لأنهم يجحدون آياته: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ( ).
فالرؤيا آيات الله، وكلمات الله، وهي الميزان الحق الذي يعرف به الإنسان أنه على جادة الحق، وعلى الصراط المستقيم، والذين يجحدون بالرؤيا هم أعداء الله المكذبون للأنبياء والأوصياء ، ﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
والقانون الإلهي من الآيات المتقدمة أن أولياء الله الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا، أي إنهم لابد أن يرون أو يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم وعقيدتهم، فالذين لا يرون ولا يُرى لهم ما يبشرهم باستقامة طريقهم ليسوا من أولياء الله، بل ولا من الذين آمنوا، ولا من المتقين.
والآن إذا انتقلنا إلى آية أخرى تُبيّن فائدة الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ( )، أي إنّ الصيام كُتب عليكم رجاء أن تكونوا متقين، والمتقي يعلم تقواه من الله سبحانه بالميزان الإلهي الحق وهو: (كلمات الله وآيات الله) التي يجحد بها الظالمون، وهي الرؤيا المبشرة كما عرفنا من الآيات المتقدمة.
إذن، فالذي لا يَرى ولا يُرى له المبشرات باستقامة طريقه ليس من المتقين، بل ولا من الصائمين بحسب هذه الآية، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ( )، وهؤلاء الذين ينكرون الرؤيا أرواحهم منكرة لوجود الله، ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ .
Comment