بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على ممد و آل محمد الأئمة و المهديين و سلم تسليماً
أنتصاراً للوصية
(تحقيق سند الوصية ) تأليف الشيخ ناظم العقيلي سدده الله
انتصاراً للوصية
بقلم
الشيخ ناظم العقيلي
الإهداء
إلى الشهداء السعداء والعلماء الأتقياء والسادة الشرفاء
إلى الدماء الزاكية والأرواح الطاهرة الصافية
إلى المعروفين في السماء من قبل ملائكة السماء
إلى المنكورين من قبل أهل الأرض التعساء
إلى شهداء أنصار الإمام المهدي (ع)
أتقدم بهذا الجهد البسيط هدية لهم عسى أن يقبله الله تعالى كجزء بسيط من حقهم علينا الذي أثقل أظهرنا ولا طاقة لنا بوفائه إلا بفضل الله وتوفيقه
سادتي الكرام بحق السيد احمد الحسن عليكم وآباءه الطاهرين وبحق الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) عليكم اشفعوا لي عند الله تعالى بأن يختم عمري بالسعادة على مولاة يماني آل محمد وأبيه الحجة ابن الحسن (ع)، وطبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته في آناء الليل وأطراف النهار.
موعظة
الشيخ الصدوق ( رحمه الله ): بسنده عن الإمام جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام في حديث طويل في وصية النبي صلى الله عليه وآله يذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا علي واعلم أن أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي، وحجبتهم الحجة ، فآمنوا بسواد على بياض ) كمال الدين وتمام النعمة ص 288.
وعن الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله )، أنه قال: أي ايمان أعجب ؟ قالوا: ايمان الملائكة، قال: وأي عجب فيه، وينزل عليهم الوحي ! قالوا: ايماننا، قال ( صلى الله عليه وآله ): وأي عجب فيه، وأنتم ترونني ! قالوا: فأي ايمان هو ؟ قال: ايمان قوم في آخر الزمان بسواد على بياض ) مستدرك الوسائل للميرزا النوري ج 17 ص 300.
وعن الرسول محمد (ص) انه قال: ( أنبئوني بأفضل أهل الايمان إيمانا، قالوا: يا رسول الله ! الملائكة، قال: فهم كذلك ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها ! بل غيرهم، قالوا: يا رسول الله ! الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة، قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها ! قالوا: يا رسول الله ! الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء، قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة مع الأنبياء ! بل غيرهم، قالوا: فمن يا رسول الله ؟ قال: أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الايمان إيماناً ) كنز العمال ج 14 ص 41.
وصية الرسول محمد (ص) ليلة وفاته لعلي بن أبي طالب (ع)
الشيخ الطوسي في الغيبة قال: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري ، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي عليه السلام: ( يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سماك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غدا، ومن طلقتها فأنا برئ منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد عليهم السلام. فذلك اثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا، ( فإذا حضرته الوفاة ) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين ) الغيبة ص 149 – 151.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
لقد فصلت الكلام حول صحة الوصية في كتاب ( دفاعاً عن الوصية ) وكذلك في كتاب ( الوصية والوصي احمد الحسن ) وبقرائن تفيد القطع وتلزم الحجة للخصم، وكل من يتأمل فيما كتب بانصاف يتبين له مدى جهل من يتشدقون بضعف رواية الوصية أو الذين يحصرون صحة الروايات فقط في التوثيقات الواردة في كتب الرجال.
ولكن لان هؤلاء الجهلة لا يقرؤون أو لا يفهمون ما يقرؤون ، أو لأنهم اضمروا التكذيب مسبقاً وقبل كل شيء، تجدهم تركوا الرد على ما جاء في كتاب ( دفاعاً عن الوصية ) وراحوا ينعقون بما لا يفقهون ليضحكوا على عقول عامة الناس ليبعدوهم عن الحق ونصرته، متشبثين بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع، فهم لا يطلبون الحق أبداً ولم تضمر أنفسهم سوى المكر والخديعة والحقد والحسد ( أعاذنا الله تعالى ).
فرغم أن ما كتب فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد، ولكن أريد أن افضح هؤلاء أكثر فأكثر بحول الله وقوته، وسأبين مدى جهلهم أمام الناس، هذا إن كان هناك من يرغب في نزع ربقة الاستحمار عن رقبته، وأملي أن يكون الناس كذلك.
وسأتطرق الآن إلى سخف زعمهم بأن الطريق الوحيد للاعتماد على الروايات هو كتب الرجال، ولكن باختصار شديد لأني كتبت كتاباً في ذلك منذ عدة شهور وهو قيد الاصدار، بينت فيه وبالتفصيل مدى حجية تلك الكتب وعدم صلاحها كمعتمد لرد روايات آل محمد (ع).
وأيضاً سأتطرق الآن وباختصار إلى وثاقة رواة وصية رسول الله (ص) ليلة وفاته، والأفضل لهؤلاء الجهلة أن يدسوا أنفسهم بالتراب من سوء ما حل بهم من عار وجهل مخزي.
فأقول قبل بيان وثاقة رواة الوصية ينبغي أن نعرف عدة أمور منها:
الأمر الأول:
إن اتخاذ منهج معين لم يصدر عن أهل البيت (ع) يعتبر جرأة ومخالفة شرعية لدين محمد وال محمد (ع)، فكيف إذا كان المنهج مخالف لما روي عن أهل البيت (ع) ؟!!!
وسأبين أن حصر قبول الروايات في الرواة الموثقين فقط أو المبالغة في ذلك هو مخالف لروايات المعصومين (ع)، والروايات كثيرة ولكن لا يسعني في هذه الصفحات القليلة إلا الاختصار على رواية أو روايتين:
أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن محمد بن إسماعيل، عن جعفر بن بشير، ( عن أبي الحصين ) عن أبي بصير، عن أبي جعفر (ع) أو عن أبي عبد الله (ع) قال: ( لا تكذبوا الحديث إذا أتاكم به مرجئي ولا قدري ولا حروري ينسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شيء من الحق فيكذب الله فوق عرشه ) المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقى ج 1 ص 230/ علل الشرائع ج2 ص395.
ومن باب الإلزام فهذه الرواية صحيحة السند ومعها روايات أخرى أيضاً يمكن طلبها من أنصار الإمام المهدي (ع)، لان المقام يطول بسردها وسرد تراجم رواتها.
وأيضاً بسند صحيح عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي ابن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به، قال: ( إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، وإلا فالذي جاءكم به أولى به ) وسائل الشيعة (آل البيت) ج 27 - ص 110.
فهؤلاء المتزمتون، ميزانهم الثقة وغير الثقة، وأهل البيت (ع) يقولون لا تكذبوا ولا تردوا ما جاءكم به ( مرجئي ) ولا ( قدري ) ولا ( حروري )، ولا يعتبرون الوثاقة وعدمها كأساس لقبول الروايات، وهذا رد على كبراهم – كما يعبر البعض – أي أن أصل الموضوع غير ثابت وغير مُؤمَّن شرعاً فضلاً عن النقاش في نفس التوثيقات والتضعيفات الرجالية.
الأمر الثاني:
من تأمل في كتب الرجال بل في أشهرها وهي كتاب رجال الطوسي والنجاشي، يجد أنها تعرضت للتصحيف والتحريف، وكذلك تجد كثيرا منها مجانب للواقع أي تجد مثلا النجاشي يضعف أفضل أصحاب الأئمة (ع) كجابر بن يزيد ومفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي ومعلى بن خنيس، وغيرهم مع تواتر وكثرة الروايات المادحة لهم مدحاً رفيعاً، أضف إلى ذلك تناقض علماء الرجال فيما بينهم، فتجد مثلا الشيخ الطوسي يوثق رجلاً والنجاشي يضعفه، وبالعكس أيضاً، بل تجد التناقض في أقوال العالم نفسه، كما وجد ذلك عند الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) كما في سهل بن زياد الرازي، فتجد الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) يوثقه في كتاب الرجال ص381 رقم 5699، فيقول عنه: ( سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا سعيد، ثقة، رازي ).
ولكن عندما نأتي إلى كتاب الطوسي الثاني وهو الفهرست ص140 رقم 339، نجده يقول عن نفس الراوي: ( سهل بن زياد الآدمي الرازي يكنى أبا سعيد ضعيف ... ).
ولتأكيد كلامي أكثر اذكر لكم عدة مصاديق وباختصار عن تناقض الشيخ الطوسي مع الشيخ النجاشي ( رحمهما الله ):
1 – داود بن كثير الرقي:
قال الشيخ الطوسي في رجاله ص329 رقم 5003: ( داود بن كثير الرقي، مولى بني أسد ، ثقة ).
وقال الشيخ النجاشي في رجاله ص 156 رقم 410: ( داود بن كثير الرقي ... ضعيف جداً والغلاة تروي عنه. قال احمد بن عبد الواحد: ما رأيت له حديثاً سديداً ...).
بينما نجد الرواية عن الصادق (ع) تقول: ( انزلوا داود الرقي مني بمنزلة المقداد من رسول الله صلى الله عليه واله ) معجم رجال الحديث ج 8 ص405.
2 - محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي:
قال الطوسي في رجاله ص349 رقم 5391: ( محمد بن خالد البرقي، ثقة، هؤلاء من أصحاب أبي الحسن موسى عليه السلام ).
وقال النجاشي في رجاله ص322 رقم 898: ( محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي أبو عبد الله ... وكان ضعيفاً في الحديث، وكان أديباً حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب ... ).
3 – جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور:
قال الطوسي في رجاله ص405 رقم 6037: ( جعفر بن محمد بن مالك، كوفي، ثقة، ويضعفه قوم، وروى في مولد القائم عليه السلام أعاجيب ).
قال النجاشي في رجاله ص119 رقم 313: ( جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور ... كوفي أبو عبد الله كان ضعيفاً في الحديث، قال احمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعاً ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية ... ).
4 - معلى بن خنيس:
ذكره الشيخ الطوسي في الممدوحين في كتاب الغيبة ص346 قائلاً: ( وكان من قوام أبي عبد الله عليه السلام وإنما قتله داود بن علي بسببه وكان محموداً عنده ومضى على منهاجه وأمره مشهور ).
قال النجاشي في رجاله ص 417 رقم 1114: ( معلى بن خنيس: أبو عبد الله مولى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ومن قبله كان مولى بني أسد، كوفي ، بزاز، ضعيف جداً، لا يعول عليه ... ).
بينما في رواية صحيحة – باعتراف المحقق الخوئي – :
عن إسماعيل بن جابر، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام مجاوراً بمكة، فقال لي: يا إسماعيل اخرج حتى تأتي مرا وعسفان فتسأل هل حدث بالمدينة حدث ؟ قال: فخرجت حتى أتيت مرا فلم ألق أحداً، ثم مضيت حتى أتيت عسفان فلم يلقني أحد، فارتحلت من عسفان، فلما خرجت منها لقيني عير تحمل زيتاً من عسفان فقلت لهم: هل حدث بالمدينة حدث ؟ قالوا: لا، إلا قتل هذا العراقي الذي يقال له المعلى بن خنيس. قال: فانصرفت إلى أبي عبد الله عليه السلام، فلما رآني قال لي: يا إسماعيل قتل المعلى ابن خنيس ؟ فقلت: نعم ، قال: أما والله لقد دخل الجنة ".
وغير ذلك الكثير من الروايات المادحة ضربها النجاشي عرض الجدار واعتمد على القيل والقال!!!
5 – الحسن بن الحسين اللؤلؤي:
قال الطوسي في رجاله ص405 رقم 6110: ( الحسن بن الحسين اللؤلؤ ي روى عنه محمد بن احمد بن يحيى، ضعفه ابن بابويه ).
قال النجاشي في رجاله ص34 رقم 83: ( الحسن بن الحسين اللؤلؤي كوفي ثقة كثير الرواية له كتاب مجموع نوادر ).
6 – محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين:
قال النجاشي في رجاله ص 333 رقم 896: ( محمد بن عيسى بن عبيد: بن يقطين بن موسى مولى أسد بن خزيمة، أبو جعفر، جليل في ( من ) أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة ومشافهة.
وذكر أبو جعفر بن بابويه، عن ابن الوليد أنه قال: ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه.
ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول، ويقولون: من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى. سكن بغداد.
قال أبو عمرو الكشي: نصر بن الصباح يقول إن محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين أصغر في السن أن يروي عن ابن محبوب.
قال أبو عمرو: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحب العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله. وبحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله ).
و قال الطوسي في الفهرست ص 216 رقم 611: ( محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، ضعيف، استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة، وقال: لا أروي ما يختص برواياته، وقيل: إنه كان يذهب مذهب الغلاة ).
وقال في رجاله ( أصحاب الهادي – ع - ) ص391 رقم 5758: ( محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، يونسي، ضعيف علي قول القميين ).
وقال أيضاً في رجاله ( من لم يرو عنهم – ع - ) ص448 رقم 6361: ( محمد بن عيسى اليقطيني ، ضعيف ).
7 – عمار بن موسى الساباطي:
# النجاشي في رجاله ص283 رقم 779: ( عمار بن موسى الساباطي ابو الفضل مولى، واخواه قيس وصباح، رووا عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام وكانوا ثقاة في الرواية ... ).
# الطوسي في الاستبصار ج1 ص372 ح1413: ( ... عمار الساباطي وهو ضعيف فاسد المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته ... ).
وبما تقدم يتبين مدى الاضطراب والوهم والتناقض في كتب الرجال، وليت شعري كيف تطمئن النفس إلى هكذا كتب بعد ذلك، وخصوصاً عند ملاحظة أنها تخالف روايات أهل البيت (ع) في موارد كثيرة ؟! وهذا بعض ما موجود، ذكرته على عجالة وما خفي أعظم.
الأمر الثالث:
من تأمل في مستند التوثيقات والتضعيفات في كتب الرجال يجد تسامحاً كبيراً في الاعتماد عليها، فهم يدققون في أسانيد الروايات رجلاً رجلاً، ولابد أن يكون السند متصلاً لا منقطعاً مع وثاقة كل رجاله، بل انهم يدققون في رجال الكشي ورواياته عن المعصومين في توثيق أو تضعيف الرجال، فان وجدوا رواية يحتوي سندها على ارسال أو رجل ضعيف لا يعتمدون عليها أو يقللون من شأنها، بل نجد البعض يعتمد على كلام النجاشي مثلا ويترك الروايات الصحيحة عن المعصومين (ع)!!!
والعجيب أنهم يقبلون أقوال علماء الرجال من دون أن يعلموا سندها أصلاً، بل ويرجحونها أحيانا على المسند الصحيح من روايات المعصومين (ع) في مدح أو ذم الرجال !
فالتوثيقات والتضعيفات الرجالية لا تخلو إما أن تكون عن رأي واجتهاد وحدس علماء الرجال وإما أن تكون منقولة لهم. والرأي والاجتهاد لا خلاف في عدم الاعتماد عليه وخصوصاً بعد الاطلاع على خطأهم الكثير في ذلك.
وأما المنقول لهم فهو لا خلو إما أن يكون منقولاً عن أهل البيت (ع) أو عمن يحسب عليهم (ع)، وإما أن يكون منقولاً عن غير أهل البيت (ع). والمنقول عن غير أهل البيت (ع) ليس حجة علينا وخصوصاً إذا جهلنا سلسلة الرواة لهذه الأقوال ومنهجهم في الجرح والتعديل، فلابد أن نعرف مثلاً الذي ينقل عنه النجاشي أو الطوسي ولابد أن نعرف الناقل لهما عن أي شخص نقل هذا الكلام وهكذا حتى نصل إلى المعاشر لأصحاب الأئمة أو رواة الحديث ثم نرى كيف انه وثقهم أو ضعفهم وما هو منهجه في ذلك هل هو الظن والاجتهاد والحدس أم ماذا ؟
وأما المنقول لعلماء الرجال عن أهل البيت (ع) فأيضاً لابد أن نعرف سلسلة السند كاملة وان لا تحتوي على ارسال ولا على مجهول ولا على مضعف، وهذا من باب الإلزام، وإلا فلماذا التدقيق في أسانيد الروايات وترك التدقيق في حال التوثيقات والتضعيفات المنقولة ؟؟!
والحال أن كتب الرجال وخصوصاً كتاب النجاشي والطوسي وابن الغضائري، لا سند لها ولا طريق إلا ما ندر، وكلها أقوال لا تصمد أمام النقد العلمي أبداً، اللهم إلا ما اشتهر من الرجال بالوثاقة أو الضعف وهؤلاء لا اختصاص لكتب الرجال في بيان حالهم بل هم معروفين الحال من خلال الروايات وما اشتهر من السيرة والتاريخ.
واكبر معتمد لهم وخصوصا الشيخ الطوسي هو كتاب الرجال لأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الزيدي الجارودي، والذي قيل انه جمع أربعة آلاف من ثقاة الإمام الصادق (ع)، وابن عقدة وان كان موثق ولكن توثيقه أيضاً عن طريق الرجال، أضف إلى ذلك انه زيدي جارودي وعلى ذلك مات كما نص الشيخ الطوسي، والاهم من هذا أننا لا نعرف سند وطريق ابن عقدة في هذه التوثيقات أو التضعيفات وهل عنده سند أم لا أو هل رجال سنده ثقاة أم لا ؟!
فإن ابن عقدة ليس من معاصري الإمام الصادق (ع) ولا من معاصري أصحابه، فإن الإمام الصادق (ع) توفي عام 184 هـ ق، وابن عقدة ولد عام 249 هـ ق على ما نص عليه الشيخ الطوسي، أي إن بين وفاة الإمام الصادق (ع) وولادة ابن عقدة 65 سنة، فهو غير معاصر له ولا لأصحابه فلابد انه نقل تلك التوثيقات عن غيره، وعلى ذلك لابد لنا أن نعرف سند ابن عقدة في نقل تلك التوثيقات وهل هم ثقاة أم لا حتى يمكن الاعتماد عليها والقول بحجيتها – حسب قواعد القوم -.
بل ان طريق الشيخ الطوسي إلى كتب ابن عقدة لم ينص على توثيقه في رجال الطوسي أو النجاشي، وهو ( احمد بن محمد بن موسى الأهوازي )، و حجة من اعتمد عليه، هي كونه من مشايخ النجاشي. وأما النجاشي فلم يعين طريقه إلى كتب ابن عقدة عندما عددها في ترجمة ابن عقدة، بل اكتفى بقوله: ( ... هذه الكتب التي ذكرها أصحابنا وغيرهم ممن حدثنا عنه ... )، وصريح كلامه بأن طريقه إلى الكتب منهم رجال من العامة ومنهم من الشيعة، وعلى أي حال نحتاج تسمية هؤلاء الواسطة وكذلك وثاقتهم، ثم النظر في توثيقهم وكيفيته، ثم لا بد من معرفة الرجال الذين اعتمد عليهم ابن عقدة في نقل التوثيقات والتضعيفات التي أودعها في كتبه الرجالية، وهذا دون اثباته خرط القتاد.
نعم الحديث ذو شجون وربما يصدم به الكثير، ولكن هذه هي الحقيقة المرة، هذه هي الحقيقة التي خفيت على عامة الناس، وهؤلاء المتشدقون بالاعتماد فقط على كتب الرجال، فهم قد تمسكوا بمقتلهم وفضيحتهم وهم يحسبون انه حجة ودليل، فليستقبلوا ما كسبت أيديهم ولتعقد ألسنتهم وتكم أفواههم وتدس رؤوسهم في التراب.
وقد فند زعمهم كبرى وصغرى – كما يعبرون – أي ان المسألة بمفهومها واصلها غير موافقة لمنهج أهل البيت (ع)، ولا هي بمصداقها قابلة للاعتماد عليها واعتبارها كحجة في قبول الروايات أو ردها لما بينته آنفاً.
الأمر الرابع:
وحتى لو تنزلنا عما تقدم – ولن نتنزل – فلا يمكن حصر توثيق أو تضعيف الرجال فقط بكتب الرجال كرجال النجاشي ورجال الطوسي في رجاله وفهرسته، لأنهم لم يذكروا كل الرواة بل ربما لم يذكروا حتى عشر الرجال.
فكتاب رجال النجاشي موضوع لأصحاب الكتب والأصول من الرجال، أي لبيان حال وأسماء المؤلفين فقط، ومع ذلك فالنجاشي نفسه اعترف في مقدمة كتابه انه حتى المؤلفين لم يحط بجميعهم ولا بجميع الكتب المحتوية على ذلك، وهذا نص كلامه:
( أما بعد، فإني وقفت على ما ذكره السيد الشريف - أطال الله بقاءه وأدام توفيقه - من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف. وهذا قول من لا علم له بالناس ولا وقف على أخبارهم، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم، ولا لقي أحداً فيعرف منه، ولا حجة علينا لمن لم يعلم ولا عرف.
وقد جمعت من ذلك ما استطعته، ولم أبلغ غايته، لعدم أكثر الكتب، وإنما ذكرت ذلك عذراً إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره ) رجال النجاشي ص 3.
والملاحظ من كلام النجاشي أن الرجل غرضه الأساس من كتابه هو تعداد المؤلفين وأحوالهم كتوثيق تاريخي، للرد على تعيير أبناء العامة وأمثالهم، وليس ليكون حجة في قبول الروايات وردها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولذلك نجده لم يذكر سوى ( 1269 ) راوٍ من أصحاب المؤلفات تقريباً، وهو عدد قليل جداً جداً نسبة إلى ما سيأتي من عدد الرجال والرواة.
وأما كتاب الفهرست للشيخ الطوسي فهو أيضاً موضوع لذكر المؤلفين من الرجال، وأيضاً اعترف بأنه لم يحط بكل المؤلفين وهذا كلامه:
( أما بعد، فاني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الأصول، ولم أجد أحدا استوفى ذلك ولا ذكر أكثره، بل كل منهم كان غرضه أن يذكر ما اختص بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب، ولم يتعرض أحد منهم باستيفاء جميعه إلا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله رحمه الله، فإنه عمل كتابين، أحدهما ذكر فيه المصنفات، والآخر ذكر فيه الأصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو رحمه الله، وعمد بعض ورثته إلى اهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب - على ما حكي بعضهم عنه ....... إلى قوله: فإذا سهل الله تعالى اتمام هذا الكتاب، فإنه يطلع على أكثر ما عمل من التصانيف والأصول، ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم. ولم اضمن اني استوفى ذلك إلى آخره، فان تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض، غير أن علي الجهد في ذلك، والاستقصاء فيما أقدر عليه ويبلغه وسعي ووجدي ... ) الفهرست - الشيخ الطوسي - ص 31 – 33.
وكتاب الفهرست لم يذكر فيه الشيخ الطوسي إلا ( 912 ) مؤلفاً أو مصنفاً تقريباً، وأكيد أكثرهم إن لم نقل كلهم هم ما ذكرهم النجاشي في رجاله.
وأما كتاب رجال الطوسي فلم يذكر فيه غير ( 6429 ) راوٍ – حسب ترقيم الكتاب – وكثير منهم بل أكثرهم لم يتعرض إلى توثيقهم أو تضعيفهم بل اقتصر على ذكر الأسماء فقط.
وهذا عدد قليل جدا خصوصاً إذا علمنا أن أصحاب الرسول (ص) أو الذين التقوا به أو نقلوا عنه يزيد على مجموع ما ذكره الشيخ الطوسي أضعافاً مضاعفة، فقد قيل إن الرسول محمد (ص) توفى عن ( 114,000 ) صحابياً[1]، وقيل أنهم كلهم رأى النبي وسمعه وروى عنه[2]، وقد قيل إن من حضر بيعة الغدير مئة ألف أو يزيدون، وقد ذكر الشيخ جعفر السبحاني أن المسجل من أسمائهم تقريباً ( 15000 ) حيث قال: ( والمسجل من أسمائهم لا يتجاوز عن خمسة عشر ألف صحابي )[3]، وقيل إن الذي عُرف من الرواة عنه (ص) هم: ( 1565 )[4]، وعلى أي حال فلو تنزلنا وطرحنا ( 50000 ) من الـ ( 114000 ) لإمكان وجود من صحب الرسول (ص) قليلاً ولم يتمكن من الرواية عنه أو لوجود الأطفال والنساء مثلاً من الذين ليس أهلاً للرواية، فيبقى من المجموع: ( 64000 ).
ولو طرحنا ( 34000 ) من الباقي ( 64000 ) لإمكان وجود من لا يلتفت إليهم لبعدهم عن الرسول محمد (ص) أو لأنهم رووا حديثاً أو حديثين فقط أو غير ذلك، فأيضاً يبقى لدينا ( 30000 )، ولو تنزلنا جدلاً وقلنا إن عدد من روى عن الرسول محمد (ص) هم : ( 3000 ) لا غير، فأين هي ترجمة هؤلاء ؟ فالشيخ الطوسي لم يذكر في رجاله غير ( 468 ) راوٍ تقريباً، من أصحاب الرسول محمد (ص) !!!!!
وهنا يدق جرس الإنذار بقوة وخصوصاً إذا لاحظنا أن احد المتأخرين وهو المحقق الخوئي أحصى في كتابه معجم رجال الحديث ( 15,706 ) رجلاً من الرواة عن الرسول محمد (ص) وعن الأئمة جميعاً (ع) ومن لم يرو عنهم (ع) – حسب ترقيم الكتاب -، بينما نجد أن مجموع رجال الشيخ الطوسي سواء من روى عن الأئمة أم من لم يرو عنهم والثقاة وغير الثقاة هم (6,429 ) تقريباً، فلو طرحنا مجموع رجال الطوسي من مجموع معجم الخوئي يكون الناتج كالآتي:
15706 _ 6429 = 9277 راوٍ لم ينص عليهم الشيخ الطوسي في رجاله لا بجرح ولا تعديل ولا بالاسم أصلاً !! ولو أردنا أن نتنزل ونهدر من الناتج ( 2000 ) راوٍ لاحتمال وجود المكرر في رجال الخوئي، فأيضاً يبقى ( 7277 ) راوٍ لم يذكرهم الشيخ الطوسي في رجاله أصلاً !!!
بل هناك من استدرك على معجم رجال الخوئي وغيره أيضاً، وذكر كثيراً من الرواة الذين لم يذكرهم المحقق الخوئي!!
فهذا هو الشيخ علي النمازي الشاهرودي يقول انه استدرك عليهم عدداً ضخماً من الرجال وذكر عدد بعض الأسماء، منها:
1 – إبراهيم : استدرك ( 286 ) رجلاً لم يذكروه.
2 – أحمد: استدرك ( 840 ) رجلاً لم يذكروه.
3 – محمد: استدرك ( 1370 ) رجلاً لم يذكروه.
4 – حسن: استدرك ( 426 ) رجلاً لم يذكروه.
5 – حسين: استدرك ( 334 ) رجلاً لم يذكروه.
ثم قال الشيخ علي النمازي: وهكذا في سائر الأسماء. راجع مستدركات علم رجال الحديث ج1 ص6.
ولو أضفنا ما استدركه الشيخ علي النمازي إلى الفرق بين عدد رجال الطوسي ومعجم الخوئي فيكون الناتج مهول جداً، فلنفرض أن ما استدركه النمازي ( 7000 ) على اقل تقدير، لأنه ذكر انه استدرك في خمسة أسماء فقط ( 3256 ) رجلاً فما بالك في باقي الأسماء ؟ فيكون الناتج كالآتي:
7277 + 7000 = 14277 راوٍ لم يذكروا في رجال الشيخ الطوسي ( رحمه الله تعالى ) !!!
وطبعاً هذا رقم ضخم جداً، من المجازفة التي لا تغتفر أن يقال بجهالة كل هؤلاء الرواة أو بضعفهم وعدم الاعتماد عليهم، فما ذنبهم إن نساهم الشيخ الطوسي أو لم يحط بهم خبراً ؟؟!!
وما ذنب الرسول محمد (ص) وال بيته (ع) أن ترد رواياتهم بحجة: لأن علماء الرجال لم يذكروا رواة الحديث ؟؟!!!
ولذلك لجأ كثير من المتأخرين إلى عمل مستدركات لرجال الحديث وتوثيق ما استطاعوا توثيقه من الذين لم ينص عليهم بشيء، ومنهم من استخدم كثيراً من القرائن والمؤيدات التي تثبت وثاقة الرواة الذين لم ينص المتقدمون على وثاقتهم.
فمثلاً منهم من رجح أو قال بوثاقة كل أصحاب الإمام الصادق (ع) إلا من ثبت ضعفه، مستندين بذلك إلى تصريح جمع من العلماء بوثاقة (4000 ) رجلاً من أصحاب الإمام الصادق (ع).
وعلى أي حال فحتى لو اقتصرنا على عدد الرواة الذين ذكرهم المحقق الخوئي في معجم رجال الحديث وهم ( 15706 )، وإذا أضفنا لهم ما استدركه الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم رجال الحديث وهم على اقل تقدير ( 7000 ) راوٍ، فيكون مجموع الرواة ( 22706 ) راوٍ، ولو أردنا أن نهدر من هذا الرقم ( 2706 ) لاحتمال وجود المكرر أو المشترك أو السهو أو ما شابه ، فيبقى الناتج ( 20000 ) راوٍ، ذكر منهم النجاشي في رجاله ( 1269 ) راوٍ، فيكون الفرق هو ( 18731 ) راوٍ لم يذكرهم النجاشي في رجاله !!! وهو عدد مهول جداً ، فكيف يمكن لأحد أن يقول بأنه لا يعتمد على راو لم يوثقه النجاشي أو الطوسي أو أمثالهما ؟؟!!!
فعلى أعلى التقادير نقول إن الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي ترجموا لثلث الرواة، فما ذنب الثلثين الباقين الذين لم يحيطا بهم أو نسوهم أو .. أو .. ؟!!
ولا يمكن لأحد يمتلك ذرة من الورع أن يحكم على آلاف الرواة بأنهم ضعفاء أو لا يعتمد على رواياتهم لان الشيخ الطوسي والنجاشي لم ينصا على وثاقتهم.
فهم عمدتهم في توثيق الرواة عن الإمام الصادق (ع) هو رجال ابن عقدة، فهل نضع رقابنا بيد ابن عقدة الزيدي الجارودي بحيث من يحكم بوثاقته نعتبره ثقة ومن لم يوثقه نعتبره مجهولاً أو ضعيفاً ؟؟؟!!!
ثم لا ندري هل إن ابن عقدة وثقهم عن طريق حدسه واجتهاده أم عن طريق النقل ؟ وإذا كان عن طريق اجتهاده فهي الطامة الكبرى وان كان عن طريق النقل فما هو طريقه وسنده إلى ذلك ؟؟!!
وعلى أي حال فكتاب رجال النجاشي لا يمكن أن يفي بالغرض فهو لم يترجم حتى لنصف عشر الرجال، بل الرجل صرح بأنه يذكر أصحاب الكتب فقط واعترف بأنه لم يحط بهم جميعاً، وكذلك عدم احاطة الشيخ الطوسي بالرجال والرواة ونسبة ما أحاط به إلى ما لم يحط به ضئيلة جداً كما تقدم بيانه !!!
[1] - راجع على سبيل المثال لا الحصر: الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي ج 3 - ص 38 / وصول الأخيار إلى أصول الأخبار لوالد البهائي العاملي ص 162 / نهاية الدراية للسيد حسن الصدر ص 341 / الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني ص 345 / رجال الخاقاني للشيخ علي الخاقاني ص 109 / أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 1 ص 113.
[2] - راجع كتاب ( وركبت السفينة ) لمروان خليفات ص160.
[3] - رسائل ومقالات ص 401.
[4]- راجع كتاب ( وركبت السفينة ) لمروان خليفات ص161.
الأمر الخامس:
مع كل احترامي وتقديري وفخري بالشيخ الطوسي والنجاشي وأمثالهما من العلماء العاملين المخلصين، ولكن هم ليسو معصومين، وممكن أن يصدر منهم الخطأ والاشتباه والوهم والسهو والنسيان ... الخ، والنقد العلمي لا يعني التعدي أو التجاوز أبداً، وقد تناول كثير من العلماء الكبار كتب الرجال بالنقد وكذلك نقدوا أصحابها، فالنقد العلمي مشروع بل واجب وخصوصاً إذا كان يتعلق بالدفاع عن الدين وسنة محمد وال محمد (ع).
فمثلا نجد المحقق الخوئي نسب السهو بل وكثرة الخطأ إلى الشيخ الطوسي، واليك احد مواضع كلام الخوئي:
( وقد اتفق في غير مورد أن الشيخ ذكر اسما في أصحاب المعصومين عليهم السلام، وذكره في من لم يرو عنهم أيضا. وفي هذا جمع بين المتناقضين، إذ كيف يمكن أن يكون شخص واحد أدرك أحد المعصومين عليهم السلام وروى عنه، ومع ذلك يدرج في من لم يرو عنهم عليهم السلام. وقد ذكر في توجيه ذلك وجوه لا يرجع شئ منها إلى محصل:...... الى ان قال المحقق الخوئي: والتوجيه الصحيح: أن ذلك قد صدر من الشيخ لأجل الغفلة والنسيان، فعندما ذكر شخصا في من لم يرو عنهم عليهم السلام غفل عن ذكره في أصحاب المعصومين عليهم السلام، وإنه روى عنهم بلا واسطة، فإن الشيخ لكثرة اشتغاله بالتأليف والتدريس كان يكثر عليه الخطأ، فقد يذكر شخصا واحدا في باب واحد مرتين، أو يترجم شخصا واحدا في فهرسته مرتين ..... ) معجم رجال الحديث ج 1 - ص 97 – 99.
وكذلك صرح المحقق الخوئي في موارد كثيرة بالرد على علماء الرجل منها ردا على النجاشي: في ترجمة المعلى بن خنيس، فبعد أن ذكر عدة روايات صحيحة في مدحه قال: ( ومع ذلك كله لا يعتنى بتضعيف النجاشي، وإن كان هو خريت هذه الصناعة، ولعل منشأ تضعيفه - قدس الله نفسه - هو ما اشتهر من نسبة الغلو إليه، وقد نسب ذلك إليه الغلاة، وعلماء العامة الذين يريدون الازدراء بأصحاب أبي عبد الله عليه السلام، والله العالم ).
ومنها: في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي، اذ قال: ( ... بما تقدم من الروايات الدالة على جلالته ومدحه، وأنه كان عنده من أسرار أهل البيت سلام الله عليهم. كما يؤيد ذلك ما رواه الصفار، في بصائر الدرجات، في الحديث 4، من الباب 13، من الجزء 2: من أن الصادق عليه السلام أراه ملكوت السماوات والأرض.
ثم إن النجاشي ذكر أنه قل ما يورد عنه شيء في الحلال والحرام، وهذا منه غريب، فإن الروايات عنه في الكتب الأربعة كثيرة، رواها المشايخ ..................... ).
وبعد ذلك فلا تطلب أثراً بعد عين، فهذا النجاشي وهو يعد أفضل من كتب في علم الرجال، يخالف في كلامه عشرات الروايات عن الأئمة (ع) بل يخالف حتى الروايات الصحيحة سنداً ويعتمد على رأيه وحدسه أو على القيل والقال !!!
وفيما يلي اذكر أقوال بعض كبار العلماء عن كتب الرجال وعن حصر قبول الروايات بما وثق رجالها في كتب الرجال:
فمن الذين صرحوا وبكل وضوح بعدم الاعتماد على الكتب الرجالية هو المحقق الهمداني[1]، حيث قال:
( ...فلا يكاد يوجد رواية يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق، لولا البناء على المسامحة في طريقها، والعمل بظنون غير ثابتة الحجية، بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدونة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من الأصول المعتبرة، مع اعتناء الأصحاب بها، وعدم أعراضهم عنها ... ولأجل ما تقدمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدمين الذين تفحصوا عن حالهم ... )[2].
فلا يخفى أن ظاهر قوله: ( والعمل بظنون غير ثابتة الحجية ) انه يقصد توثيق وتضعيف علماء الرجال للرواة، فهي لا تفيد سوى ظنون لا تسمن ولا تغني من جوع إلا ما ندر كما تقدمت الإشارة إليه.
ومن الذين رفضوا منهج القائلين بترك رواية كل من ضعفه علماء الرجال، والاعتماد على صحيح السند لا غير هو المحقق الحلي ( رحمه الله تعالى ) صاحب كتاب الشرائع، حيث قال:
( أفرط الحشوية[3] في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا إلى كل خبر وما فطنوا إلى ما تحته من التناقض، فإن من جملة الأخبار قول النبي ( صلى الله عليه وآله ): " ستكثر بعدي القالة علي " وقول الصادق ( عليه السلام ): " إن لكل رجل منا رجلاً يكذب عليه " واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال كل سليم السند يعمل به. وما علم أن الكاذب قد يصدق، وما تنبه أن ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب، إذ لا مصنف إلا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل، ..... إلى أن قال: وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب إطراحه ... )[4].
وصريح كلام المحقق الحلي ( رحمه الله ) هو وصف من لا يجوزون الاعتماد على من جرحه أهل الرجال، وصفهم بالانحراف عن السنن، وان قولهم هذا هو طعن بعلماء المذهب بل بالمذهب نفسه، واختار التوسط وهو ما عملت به الأصحاب ودلت القرائن على صحته عمل به ... الخ.
والمحقق الحلي ( رحمه الله ) وإن لم يصرح في كلامه هذا بضعف علم الرجال إلا انه يستفاد منه عدم الاعتماد على علم الرجال في قبول الرواية من عدمه، بحيث من وثقه علماء الرجال يؤخذ بروايته ومن ضعفوه لا يؤخذ بروايته، بل جعل الاعتماد على عمل الأصحاب والقرائن، وهذا بحد ذاته رد على من يزعمون بأن علم الرجال هو المرجع وعليه المعول في قبول الرواية من عدمه، لتكفله بيان من تقبل روايته من غيره.
بل يستفاد ذلك حتى من كلام المحقق النائيني[5] ( رحمه الله ) في خصوص روايات كتاب الكافي، حيث قال: ( إن المناقشة في سند روايات الكافي حرفة العاجز وعكازة الأعرج )[6].
في حين تجد أن كثيراً من رجال الكافي مجروحين في كتب الرجال، بل صرح بأن الضعيف – على منهج المتأخرين - من أحاديث الكافي ( 9485 ) من مجموع (16199 أو 16121 ) حديثاً، والصحيح فقط ( 5072 ) حديثاً، والباقي بين حسن وموثق وقوي وضعيف !
ومع ذلك لم يعتبر النائيني ذلك موجباً لرد روايات الكافي، إذن فهو لا يرى أن كل من ضعفه علماء الرجال ترد روايته، وهذا أيضاً يعتبر رداً على من زعم ذلك.
ومن الذين صرحوا بعدم الاعتماد على علم الرجال هو المحقق البحراني ( رحمه الله ) حيث قال:
( ... وأنت خبير بما بين مصنفي تلك الكتب[7] وبين رواة الأخبار من المدة والأزمنة المتطاولة فكيف اطلعوا على أحوالهم الموجب للشهادة بالعدالة أو الفسق ؟ والاطلاع على ذلك - بنقل ناقل أو شهرة أو قرينة حال أو ذلك كما هو معتمد مصنفي تلك الكتب في الواقع - لا يسمى شهادة. وهم قد اعتمدوا على ذلك وسموه شهادة، وهب أن ذلك كاف في الشهادة، لكن لا بد في العمل بالشهادة من السماع من الشاهد لا بمجرد نقله في كتابه، فإنه لا يكفي في كونه شهادة، هب أنا سلمنا الاكتفاء به في ذلك، فما الفرق بين هذا النقل في هذه الكتب وبين نقل أولئك - الأجلاء الذين هم أساطين المذهب - صحة كتبهم وأنها مأخوذة عن الصادقين ( عليهم السلام ) ؟ فيعتمد عليهم في أحدهما دون الآخر ( وأما ثالثا ) فلمخالفتهم أنفسهم فيما قرروه من ذلك الاصطلاح فحكموا بصحة أحاديث هي باصطلاحهم ضعيفة كمراسيل ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وغيرهما.
زعما منهم أن هؤلاء لا يرسلون إلا عن ثقة. ومثل أحاديث جملة من مشايخ الإجازة لم يذكروا في كتب الرجال بمدح ولا قدح. مثل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار، والحسين بن الحسن بن أبان، وأبي الحسين ابن أبي جيد وأضرابهم. زعما منهم أن هؤلاء مشايخ الإجازة وهم مستغنون عن التوثيق.
وأمثال ذلك كثير يظهر للمتتبع ( وأما رابعا ) فلاضطراب كلامهم في الجرح والتعديل على وجه لا يقبل الجمع والتأويل، فترى الواحد منهم يخالف نفسه فضلاً عن غيره.
فهذا يقدم الجرح على التعديل، وهذا يقول لا يقدم إلا مع عدم إمكان الجمع، وهذا يقدم النجاشي على الشيخ، وهذا ينازعه ويطالبه بالدليل. وبالجملة: فالخائض في الفن يجزم بصحة ما ادعيناه، والبناء من أصله لما كان على غير أساس كثر الانتقاض فيه والالتباس )[8].
بل قد صرح بعض العلماء بكثرة ما وقع في هذا الكتاب من أوهام، وانه لا يفيد حتى شكاً، فقد نقل أبو الهدى الكلباسي صاحب سماء المقال كلام الفاضل الخاجوئي قائلاً:
( ... وأما ما ذكره الفاضل الخاجوئي[9]، في رسالته المعمولة في الكر، وكذا في أوائل أربعينه: ( من أن إخباره ( أي الشيخ الطوسي ) بأحوال الرجال، لا يفيد ظناً ولا شكاً في حال من الأحوال، تعليلاً باضطراب كلماته، حيث أنه يقول في موضع: ( إن الرجل، ثقة ) وفي آخر يقول: ( إنه ضعيف ) كما في سالم بن مكرم الجمال وسهل بن زياد ... )[10].
وكذلك نقل أبو المعالي الكلباسي في رسائله الرجالية كلام نجل صاحب المعالم في الطعن في العلامة الحلي والشيخ الطوسي من حيث كثرة توهمهم في الرجال:
( ... كما أنه قد حكم النجل[11] المشار إليه بعدم اعتبار تصحيحات العلامة؛ تعليلا بكثرة ما وقع له من الأوهام في توثيق الرجال. قال: نعم، يشكل الحال في توثيق الشيخ[12]؛ لأنه كثير الأوهام أيضاً ... )[13].
وقد أبدع الشيخ علي النمازي في الدفاع عن الكثير من الرواة وتوثيقهم، وله أيضا كلمة جميلة جداً قريبة من هذا الموضوع، حيث قال: ( فكم من مجهول عند السلف صار معلوماً عند الخلف، وكم من ضعيف عند السابق صار قوياً عند اللاحق، مثل جابر الجعفي والمفضل ومحمد بن سنان وسهل بن زياد وغيرهم ) مستدركات علم رجال الحديث ج 1 - ص 67.
وايضاً نجد الشيخ علي النمازي الشاهرودي يؤكد على عدم اقتصار تصحيح الروايات على وثاقة رجال السند، حيث قال:
( ويشهد على صحة الوثوق بالرواية لمتنها ما في تفسير العياشي عن الحسن بن جهم، عن العبد الصالح ( عليه السلام ) قال: إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسمهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا، فإن أشبههما فهو حق، وإن لم يشبههما فهو باطل. ورواه الطبرسي عنه، عن الرضا ( عليه السلام ) نحوه. وقول الكاظم ( عليه السلام ) في الأحاديث المختلفة، على ما في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال: ما علمتم أنه قولنا فالزموه، وما لم تعلموه فردوه إلينا. وطريق العلم قد يكون من السند، أو من المتن، كما هو واضح. وقد سبقنا على الاستشهاد بمتن الرواية على حسن راويها جمع من علماء الفن. منهم العلامة المولى الوحيد البهبهاني في تعليقته كثيرا، على ما نقله العلامة المامقاني ........ إلى ان قال: ومنهم العلامة المامقاني في موارد كثيرة، منها في ترجمة موسى بن عبد الله راوي زيارة الجامعة الكبيرة قال: وفى روايته لها دلالة واضحة على كونه إماميا صحيح الاعتقاد، بل في تلقين مولانا الهادي ( عليه السلام ) مثل هذه الزيارة المفصلة المتضمنة لبيان مراتب الأئمة ( عليهم السلام )، شهادة على كون الرجل من أهل العلم والفضل، فالرجل من الحسان، مقبول الرواية، وإهمالهم ذكره في كتب الرجال غير قادح فيه ....... إلى قوله: ومنهم العلامة المجلسي ( ره ) في البحار قبل نقله توحيد المفضل، ورسالة الإهليلجة، قال: لا يضر إرسالهما لاشتهار انتسابهما إلى المفضل وقد شهد بذلك السيد ابن طاووس وغيره، ولا ضعف محمد بن سنان والمفضل لأنه في محل المنع، بل يظهر من الأخبار الكثيرة علو قدرهما وجلالتهما، مع أن متن الخبرين شاهد صدق على صحتهما . . . الخ . ............... وفى الأربعين ح 30 بعد نقله: فالخبر ضعيف على المشهور، لكن علو مضامينه يشهد بصحته ..... ) مستدركات علم رجال الحديث ج 1 ص 7 – 13.
وكثيراً ما نجد الشيخ علي النمازي الشاهرودي يوثق أو يحسن الرواة الذين لم ينص على وثاقتهم، يوثقهم من خلال رواياتهم أي انه يجعل الرواية نفسها سبباً في توثيق الراوي لا أن الراوي سبباً في توثيق الرواية، فلو كان الراوي ينقل رواية أو روايات تنص على تنصيب أهل البيت (ع) أو على فضائلهم وكراماتهم ولا يوجد نص على تضعيف ذلك الراوي، فيقول عنه: وهذه الرواية تدل على حسنه وكماله.
وبعد كل هذا الخلط والوهم والاشتباه والتناقض والضعف وفقد المستند، كيف يمكن أن تطمئن النفوس إلى كتب الرجال وكيف يمكن جعلها ميزاناً لا يناقش فيه لقبول روايات آل محمد (ع) أو ردها ؟!!!
[1] - هو المعروف بـ ( آقا رضا الهمداني ) والمتوفي سنة 1322 هـ ق، وهو من كبار العلماء المحققين.
[2] - مصباح الفقيه للمحقق الهمداني ج2 ق1 ص12 / قواعد الحديث ص110 / أصول الحديث للفضلي ص169.
[3] - الحشوية هم من نسب إليهم أنهم يأخذون بكل حديث بغض النظر عن أي شيء، ولا يخفى انه قد روي عن أهل البيت (ع) شروط في الاعتماد على الأحاديث.
[4] - المعتبر للمحقق الحلي ج 1 ص 29.
[5] - وهو من أشهر علماء الأصول.
[6] - معجم رجال الحديث ج1 ص81.
[7] - يقصد كتب الرجال.
[8] - الحدائق الناضرة ج 1 ص 22 – 23.
[9] - ذكرت ترجمته في كتاب تتميم آمل الآمل كما يلي: ( مولانا إسماعيل المازندراني الساكن من محلات أصبهان في " خاجو " كان من العلماء الغائصين في الأغوار والمتعمقين في العلوم بالاسبار واشتهر بالفضل وعرفه كل ذكي وغبي ، وملك التحقيق الكامل حتى اعترف له كل فاضل زكي . وكان من فرسان الكلام ومن فحول أهل العلم وكثرة فضله تزري بالبحور الزاخرة عند الهيجان والتلاطم والجبال الشاهقة والأطواد الباذخة إذا قيست إلى علو فهمه كانت عنده كالنقط والدراري الثاقبة إذا نسبت إلى نفوذ ذهنه كأنها حبط . حكى عنه الثقات أنه مر على كتاب الشفاء ثلاثين مرد اما بالقراءة أو بالتدريس أو بالمطالعة . وأخبرني بعضهم أنه كان سقط من كتاب الشفاء عنده أوراق فكتبها من ظهر قبله فلما عورض بكتاب صحيح ما شذ منه الا حرفان أو حرف . وبالجملة الكتب المتداولة في الحكمة والكلام والأصول كانت عنده أسهل من نشر الجراد ، حتى يمكن الناس أن يقولوا : ان هذا لشئ عجاب ان هذا لشئ يراد . وكان رحمه الله مع ذلك ذا بسطة كثيرة في الفقه والتفسير والحديث مع كمال التحقيق فيها ، وبالجملة كان آية عظيمة من آيات الله وحجة بالغة من حجج الله . وكان ذا عبادة كثيرة وزهادة خطيرة معتزلا عن الناس مبعضا لمن كان يحصل العلم للدنيا عاملا بسنن النبي صلى الله عليه وآله وفي نهاية الاخلاص لأئمة الهدى عليهم السلام وذا شدة عظيمة في تسديد العقائد الحقة وتشديدها وذا همة جسيمة في اجراء أمور الدين مجراها وتأييدها . ....... وله رحمة الله تآليف كثيرة وحواش على كتب العلوم والذي وصل إلينا منها رسالة في " الرد على العلامة الخوانساري في الزمان الموهوم " . توفي رحمه الله في سنة 1177 ) تتميم أمل الآمل للشيخ عبد النبي القزويني ص 67 – 69.
وقال آقا بزرك الطهراني في الذريعة ج10 ص204 برقم 553: ان للخاجوئي ( 150 ) تصنيفاً.
[10] - سماء المقال في علم الرجال - أبو الهدى الكلباسي - ج 1 - ص 159 / الرسائل الرجالية - أبي المعالي محمد بن محمد ابراهيم الكلباسي - ج 2 - ص 401.
[11] - نجل الشيخ حسن بن زين الدين صاحب المعالم المتوفي سنة 1011 هـ ق.
[12] - يقصد الشيخ الطوسي ( رحمه الله تعالى ).
[13] - الرسائل الرجالية - أبي المعالي محمد بن محمد ابراهيم الكلباسي - ج 1 - ص 218.
الأمر السادس:
على الرغم من ضعف واختلاف وتناقض الثوثيقات والتضعيفات الرجالية، فمنهجهم في الجرح والتوثيق لا يمكن التسليم به مطلقاً، وذلك لأنهم إن كانوا يعتمدون على توثيق وتضعيف المعصومين (ع)، فأهل البيت (ع) قد موهوا ذلك في مواطن عديدة، وذلك للتقية وخوفاً على خلص أتباعهم من ظلم وبطش السلاطين الذين كانوا يتتبعون أصحاب الأئمة (ع) ويقتلونهم ويشردونهم، فتجد أن بعض الأئمة (ع) ذموا بعض خلص أصحابهم اشد الذم ليصل ذلك إلى السلطان واتباعه فيكفوا عن أذاهم، وبهذا فالأمر الذي يُعتمد عند علماء الرجال وهو ( التوثيق والتضعيف ) قد قلبه أهل البيت (ع) رأساً على عقب في بعض الموارد، بل بعض أصحاب الأئمة (ع) تظاهروا بالجنون ليحافظوا على أنفسهم من القتل والسجن، ولهذا اشتبه الأمر على من يعد أفضل من صنف في علم الرجال وهو الشيخ النجاشي – هذا إن كان فعلاً يعتمد على الروايات في تضعيف من ضعف من خلص صحابة الأئمة (ع) – فتجده مثلا ضعف جابر بن يزيد الجعفي بالتخليط، في حين أن الأخبار تذكر انه تظاهر بالجنون بأمر الإمام الباقر (ع) كما يفهم من الرواية الآتية:
عن النعمان بن بشير قال: كنت مزاملا لجابر بن يزيد الجعفي، فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه السلام فودعه وخرج من عنده وهو مسرور حتى وردنا الأخيرجة - أول منزل نعدل من فيد إلى المدينة - يوم جمعة فصلينا الزوال، فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتبا، فناوله جابرا فتناوله فقبله ووضعه على عينيه وإذا هو: من محمد بن علي إلى جابر بن يزيد وعليه طين أسود رطب، فقال له: متى عهدك بسيدي ؟ فقال: الساعة فقال له: قبل الصلاة أو بعد الصلاة ؟ فقال: بعد الصلاة، ففك الخاتم وأقبل يقرؤه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره، ثم أمسك الكتاب فما رأيته ضاحكا ولا مسرورا حتى وافى الكوفة، فلما وافينا الكوفة ليلا بت ليلتي، فلما أصبحت أتيته إعظاما له فوجدته قد خرج علي وفي عنقه كعاب، قد علقها وقد ركب قصبة وهو يقول: " أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور " وأبياتا من نحو هذا فنظر في وجهي ونظرت في وجهه فلم يقل لي شيئا ولم أقل له وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع علي وعليه الصبيان والناس، و جاء حتى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون: جن جابر بن يزيد جن، فوالله ما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه أن انظر رجلا يقال له: جار بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم: من جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا: أصلحك الله كان رجلا له علم وفضل و حديث، وحج فجن وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم قال: فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب ، فقال الحمد لله الذي عافاني من قتله، قال ولم تمض الأيام حتى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر ) الكافي - الشيخ الكليني ج 1 - ص 396 – 397.
فيا له من خطب فضيع عندما نجد رجلاً مثل النجاشي يضعف رجلاً مثل جابر بن يزيد الجعفي الذي جاءت روايات متواترة في مدحه وعلو مقامه، ولو لم يروَ إلا الرواية الآتية لكفى:
عن الحسين بن حمدان، عن أحمد بن يوسف بن محمد ، عن أبي سكينة ، عن عمرو بن الزهير، عن الصادق ( عليه السلام ) قال: ( إنما سمي جابر لأنه جبر المؤمنين بعلمه ، وهو بحر لا ينزح ، وهو الباب في دهره ، والحجة على الخلق من حجة الله أبي جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام )) خاتمة المستدرك ج 4 ص 213.
ونأتي الآن إلى ذكر بعض الروايات التي بين فيها الأئمة (ع) أنهم يذمون أقرب واخلص أتباعهم للحفاظ عليهم أو لامتحان الناس:
عن الكشي ص عن محمد بن مسعود ..... عن عمران الزعفراني قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي بصير ، وكنا اثنى عشر رجلاً: ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع، عليه لعنة الله، هذا قول أبى عبد الله عليه السلام ) تاريخ آل زرارة - أبو غالب الزراري - ص 63
وعن فضالة بن أيوب عن ميسر قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فمرت جارية في جانب الدار على عنقها قمقم قد نكسته، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: ( فما ذنبي ان الله قد نكس قلب زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم ) تاريخ آل زرارة - أبو غالب الزراري - ص 62.
ولنرى الآن كيف يبرر ذلك الإمام الصادق (ع):
قال أبو غالب الزراري: وأيضا بأسانيد صحاح عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ منى على والدك السلام، وقل له: انى أعيبك دفاعا منى، فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه، وحمدنا مكانه لا دخال الأذى في من نحبه ونقربه، ويرمونه بمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون ادخال الأذي عليه وقتله، ويحمدون كل من عيبناه نحن، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا وميلك إلينا، فأحببت ان أعيبك ليحمدوا امرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك، يقول الله عز وجل: ( اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت ان أعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا . الكهف 79 ) هذا التنزيل من عند الله صالحة لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا يعطب على يديه، ولقد كانت صالحة ليس للعيب منها مساغ والحمد لله فافهم المثل يرحمك الله فإنك والله أحب الناس إلى ، وأحب أصحاب أبي عليه السلام حيا وميتا، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، وان ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب كل سفينة صالحة ترد من صحر الهدى ليأخذها غصبا، ثم يغصبها وأهلها، ورحمة الله عليك حيا وميتا و رضوانه عليك ميتا، ولقد أدى إلى ابناك الحسن، والحسين رسالتك أحاطهما الله وكلاهما، وحفظهما بصلاح أبيهما، كما حفظ الغلامين فلا يضيقن صدرك من الذي امرك أبى عليه السلام، وأمرتك به، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به فلا والله ما أمرناك، ولا أمرناه الا بأمر وسعنا، ووسعكم الاخذ به، ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق، ولو اذن لنا لعلمتهم ان الحق في الذي أمرناكم، فردوا إلينا الامر، وسلموا لنا واصبروا لأحكامنا، وارضوا بها، والذي فرق بينكم فهو راعيكم، الذي استرعاه خلقه، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها، فان شاء فرق بينها لتسلم، ثم يجمع بينها ليأمن من فسادها، وخوف عدوها في آثار ما يأذن الله ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده ، عليكم بالتسليم والرد إلينا ، وانتظار أمرنا وأمركم، وفرجنا وفرجكم، فلو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرايع الدين والاحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله لأنكم أهل البصائر فيكم ذلك اليوم انكارا شديدا لم تستقيموا على دين الله وطريقته إلا من تحت حد السيف فوق رقابكم، ان الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله ركب الله به سنة من كان قبلكم، فغيروا وبدلوا، وحرفوا، وزادوا في دين الله ونقصوا منه، فما من شئ عليه الناس اليوم إلا وهو منحرف عما نزل به الوحي من عند الله .... ) تاريخ آل زرارة - أبو غالب الزراري - ص 66 – 68.
وانظر إلى قصة محمد بن سنان:
عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ، أن أبا جعفر عليه السلام كان يخبرني بلعن صفوان ابن يحيى، ومحمد بن سنان، فقال: إنهما خالفا أمري، وقال: فلما كان من قابل، قال أبو جعفر عليه السلام لمحمد بن سهل البحراني: تول صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان ، فقد رضيت عنهما ).
وعقب الخوئي بعد ذكره لهذه الرواية قائلاً: ( أقول : الرواية صحيحة على الأظهر )[1].
وعن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي، قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره، فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم عني خيرا، فقد وفوا لي، ولم يذكر سعد بن سعد، قال: فخرجت فلقيت موفقا، فقلت له: إن مولاي ذكر صفوان، ومحمد بن سنان وزكريا بن آدم، وجزاهم خيرا ولم يذكر سعد بن سعد، قال: فعدت إليه، فقال: جزى الله صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن سعد عني خيرا، فقد وفوا لي )[2].
وأيضا اعترف الخوئي بصحة سند هذه الرواية في معجمه ج17 برقم 10938. ولكن المصيبة أن الخوئي ترك الأخذ بتلك الروايات وغيرها وتمسك بتضعيف ابن عقدة والنجاشي وغيرهما، وشر البلية ما يضحك !!!
قال الخوئي: ( أقول: المتحصل من الروايات: أن محمد بن سنان كان من الموالين وممن يدين الله بموالاة أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله، فهو ممدوح، فإن ثبت فيه شيء من المخالفة، فقد زال ذلك وقد رضي عنه المعصوم سلام الله عليه، ولأجل ذلك عده الشيخ ممن كان ممدوحا حسن الطريقة. الغيبة: فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في زمان الغيبة.
ولولا أن ابن عقدة، والنجاشي، والشيخ، والشيخ المفيد، وابن الغضائري ضعفوه، وأن الفضل بن شاذان عده من الكذابين، لتعين العمل برواياته، ولكن تضعيف هؤلاء الأعلام يسدنا عن الاعتماد عليه، والعمل برواياته، ولأجل ذلك لا يمكن الاعتماد على توثيق الشيخ المفيد إياه، حيث عده ممن روى النص على الرضا عليه السلام من أبيه من خاصته وثقاته وأهل الورع، والعلم والفقه من شيعته ) نفس المصدر السابق.
فتجد أن الشيخ الطوسي ضعفه في رجاله ص364 برقم 5394، ومدحه وعده من الممدوحين من وكلاء الأئمة (ع) في كتاب الغيبة ص348 باب ذكر الممدوحين من وكلاء الأئمة (ع).
بل واضطرب فيه حتى الشيخ المفيد (رحمه الله )، فقد ضعفه في رسالته العددية قائلاً:
( ... محمد بن سنان مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لا يعمل عليه في الدين )[3]. ثم وثقه بين جماعة في كتابه الارشاد قائلاً: ( فممن روى النص على الرضا علي بن موسى عليهما السلام بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك، من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته: ...... ومحمد بن سنان )[4].
وكذلك اضطرب فيه العلامة الحلي، فجده توقف عن الأخذ والاعتماد على روايته في كتب الخلاصة حيث قال:
وقد اختلف علماؤنا في شأنه، .... إلى قوله: والوجه عندي التوقف فيما يرويه ... ) خلاصة الأقوال - العلامة الحلي - ص 394.
وكذلك توقف في كثير من روايات محمد بن سنان في المختلف ومنتهى المطلب اذكر بعضها:
أ - مختلف الشيعة ج 2 ص 425، قال: ( ... والجواب: المنع من صحة السند، فإن في طريقه محمد بن سنان، وفيه قول ... ).
ب - مختلف الشيعة ج 7 ص 131، قال: ( فالجواب ضعف الرواية، فإن في طريقها محمد بن سنان ).
ج - منتهى المطلب (ط.ج) - العلامة الحلي - ج 3 - ص 87، قال: ( وأيضا: في طريقها محمد بن سنان، وهو ضعيف ).
ولكن العجيب انه قال بأنه رجح العمل برواياته في كتابه ( الرجال )، إذ ذكر ذلك في مختلف الشيعة ج 7 ص 8، حيث قال: ( قد بينا رجحان العمل برواية محمد بن سنان في كتاب الرجال ).
وكذلك في منتهى المطلب (ط.ق) ج 1 ص 318، صحح رواية في سندها محمد بن سنان، إذ قال: ( وفي الصحيح عن محمد بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا صلاة ..... ).
ففي خضم هذا الاضطراب والتناقض ينبغي الرجوع إلى قول الحق وهو روايات أهل البيت (ع)، وكان على الخوئي أن يفعل ذلك وخصوصاً انه اعترف بصحة بعض الروايات المادحة لمحمد بن سنان، ولكن لله في خلقه شؤون !
وقد وثقه الحر العاملي ( رحمه الله ) وقال إن التضعيف جاء اعتمادا على رأي ابن عقدة الزيدي الجارودي. راجع وسائل الشيعة – آل البيت - ج 30 ( الخاتمة ) ص473 – 474.
وعوداً على موضوع تعمد الأئمة (ع) في ذم خلص أصحابهم لحكمة يرونها، اذكر الرواية الآتية في حق محمد بن سنان:
عن الحسن بن علي، عن الحسن بن شعيب، عن محمد بن سنان، قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام فقال لي: يا محمد كيف أنت إذا لعنتك وبرئت منك وجعلتك محنة للعالمين أهدي بك من أشاء وأضل بك من أشاء ؟ قال، قلت له: تفعل بعبدك ما تشاء يا سيدي أنت على كل شئ قدير. ثم قال: يا محمد أنت عبد قد أخلصت لله اني ناجيت الله فيك، فأبى الا أن يضل بك كثيرا ويهدي بك كثيرا ) اختيار معرفة الرجال - الشيخ الطوسي - ج 2 - ص 849.
واختم الحديث في هذا الموضوع بالرواية الآتية التي تدل على علو مقام محمد بن سنان:
عن محمد بن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسنة........ إلى ان قال الرضا (ع): كذلك قد وجدتك في صحيفة أمير المؤمنين عليه السلام أما أنك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء. ثم قال: يا محمد إن المفضل أنسي ومستراحي، وأنت أنسهما ومستراحهما، حرام على النار أن تمسك أبداً، يعنى أبا الحسن وأبا جعفر عليهما السلام ) اختيار معرفة الرجال - الشيخ الطوسي - ج 2 - ص 796 – 797.
[1] - معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 17 ص 160 ص 171 برقم 10938.
[2] - اختيار معرفة الرجال ج2 ص792 برقم 963.
[3] - جوابات أهل الموصل ص 19 – 20.
[4] - الإرشاد ج 2 ص 247 – 248.
الأمر السابع:
نتكلم الآن عن رواية وصية الرسول محمد (ص) ليلة وفاته وصحتها والاعتماد عليها، وابدأ في هذا الأمر ببيان جهل من يزعم أن كل رواتها مجاهيل أو بعضهم، فأقول:
1 – قد بينت في ( الأمر الرابع ) فيما سبق أن ليس كل من لم يذكره الشيخ الطوسي والنجاشي وأمثالهما من المتقدمين يعد مجهولاً ولا يعتمد على ما يرويه، ولذلك نجد المتأخرين عملوا مستدركات ومعاجم ووثقوا أو ذكروا أحوال آلاف الرجال الذين لم يذكرهم احد من المتقدمين في كتبهم الرجالية، واعتمدوا في ذلك على عدة قرائن ومؤيدات للحكم بوثاقة الرواة الذين لم يحط بهم أمثال النجاشي والطوسي ( رحمهما الله ).
وقد ذكر الشيخ علي النمازي الشاهرودي في كتابه ( مستدركات علم رجال الحديث ) رواة الوصية الذين لم يترجم لهم المتقدمين واستدل على وثاقتهم أو حسنهم وكمال عقيدتهم من خلال ما رووه من روايات تنص على فضل أهل البيت وإمامتهم وعلو منزلتهم، بل وجعل هذه قرينة وثق بها كثير من الرجال وهي عامة تنطبق على كل من يتصف بها وخصوصاً من لم يرد أو يروى فيه قدح أو تضعيف معتمد.
وهذا ينطبق على كل رواة الوصية، وسيأتي ذكر كلام الشيخ علي النمازي الشاهرودي عن ذكر ترجمة رواة الوصية، فانتظر واغتنم.
2 – إن الراوي لا يسمى مجهولاً ان عرفت بعض أحواله ولو عموما، كوقوعه في السند محكوم عله بأنه شيعي أو ما شابه ذلك.
ورواة الوصية قد نص الشيخ الطوسي على أنهم شيعة عندما سرد الروايات التي وصفها بأنها عن طريق الخاصة ( أي الشيعة ) وذكر من ضمنها رواية الوصية، فالشيخ الطوسي أولا نقل روايات العامة ( أي غير الشيعة ) التي تصرح بالأئمة الاثني عشر، حيث قال: ( ومما يدل على إمامة صاحب الزمان ابن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام وصحة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفتان، والفرقتان المتباينتان العامة والامامية ...... الى ان يقول: فمما روي في ذلك من جهة مخالفي الشيعة ...... ) الغيبة- الشيخ الطوسي ص 126.
ثم شرع بذكر الروايات التي عن طرق الخاصة ( أي الشيعة ) وذكر من ضمنها رواية الوصية التي هي محل النقاش الآن، واليكم نص كلامه: ( فأما ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى، غير أنا نذكر طرفا منها .... ) غيبة الشيخ الطوسي ص137.
وشرع في سرد الروايات الى أن ذكر الوصية من ضمنها، وهذا دليل على أن كل رواة الوصية هم من الشيعة الإمامية، وبذلك تثبت عدم مجهوليتهم، فمئات من الرجال في رجال الطوسي وغيره ذكروا بالاسم فقط أو بالمذهب كقولهم هذا عامي أو شيعي أو ما شابه، وحكم على معلوميتهم وعدم مجهوليتهم فقط بذلك ؟
هذا وقد جعل الميرزا النوري الروايات التي تبين عظيم فضل أهل البيت ومقاماتهم دليلا على تشيع رواتها، كما ذكر ذلك عنه في مقدمة تحقيق كتابه خاتمة المستدرك:
( 7 - إثبات الوثاقة من السند والتشيع من المتن، كأن يكون الراوي عنه من الأجلاء كما تقدم في الامارات المتقدمة، وأن يكون المروي فيه فضيلة أو منزلة تثقل روايتها على صدور مبغضي الآل عليهم السلام كما في ( 2025 ) وكثير غيره ) خاتمة المستدرك ج 1 ص مقدمة التحقيق 72.
ورواية الوصية تنسف مدعى كل الذين غصبوا حق آل محمد (ع) من الأول والثاني مرورا بالأمويين وانتهاء بالعباسيين وهكذا، لأنها تنص على أن خلافة الرسول محمد (ص) خاصة في علي بن أبي طالب وذريته إلى يوم القيامة، اضافة إلى ما تضمنته من مقامات وفضائل أهل البيت (ع) التي تثقل وتصعب وتغيض كل غاصبي آل محمد وأتباعهم، إذن فهي تدل على تشيع رواتها، بل ووثاقتهم وحسن عقيدتهم كما نص على ذلك الشيخ النمازي الشاهرودي كما ذكرت ذلك فيما تقدم.
3 – بل اضافة إلى تشيعهم، وثاقتهم، كما نقلت - قبل قليل - عن الميرزا النوري، بأنه يثبت وثاقة الراوي من خلال السند وان لم ينص احد على وثاقته، وذلك عن طريق رواية الأجلاء والعظماء عن الراوي، لان أمثال هؤلاء لا يمكن أن يعتمدون على نقل الراوي إن لم يطمئنوا من وثاقته مطلقاً أو في خصوص ما ينقلونه عنه من روايات، وقد ذم الكثير من العلماء من يعتمد على رواية الغير موثوق بهم مع فقد القرائن التي توجب صدقهم ووثاقتهم فيما ينقلون، فكيف يتوقع من الأجلاء والفضلاء أن يفعلوا ذلك ؟!!
وقد تشرف بنقل ورواية نص الوصية ثقاة وأعاظم علماء المذهب الجعفري، كالشيخ الطوسي ، واحمد بن عبدون أو الغضائري، والبزوفري، وعلي بن الحسين والد الشيخ الصدوق، والحسين بن علي المصري، وكل هؤلاء أصحاب كتب وأصول معتمدة بني عليها المذهب الشيعي الجعفري الحق، فكيف يتوقع منهم أن يعتمدوا في النقل على من لا يوثق بروايته ونقله ؟!
إذن فهؤلاء بنقلهم واعتمادهم على رواة الوصية الذين لم ينص على ترجمتهم المتقدمين، كأحمد بن محمد بن الخليل، دليل على وثاقتهم عندهم، وإلا لو كانوا مجهولين عندهم أو لا توجد قرائن على ثقتهم لما رووا عنهم واعتمدوا عليهم.
فيضاف إلى تشيع رواة الوصية وثاقتهم وصدقهم، وعندها فلا يمكن لمتخرص أن يزعم أنهم مجهولون أو لا يعتمد على نقلهم.
ولذلك نجد الميرزا النوري نفسه قد نص على اعتبار سند رواية الوصية في كتابه النجم الثاقب ج2 ص71، عند إستدلاله على ثبوت الذرية للإمام المهدي (ع) حيث قال : (( روى الشيخ الطوسي بسند معتبر عن الإمام الصادق (ع) خبراً ذكرت فيه بعض وصايا رسول الله (ص) لأمير المؤمنين (ع) في الليلة التي كانت فيها وفاته ومن فقراتها إنه قال : (( فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أول المقربين .... إلى آخره )).
وقوله ( بسند معتبر ) أي معتمد عليه لوثاقة رواته بقرائن غير محصورة بالتوثيق في كتب الرجال، فيستفاد منه وثاقة عموم رجال الوصية، وخصوصاً مع ملاحظة ما تقدم وما سيأتي، واليكم تعريف ( الحديث المعتبر ) عن كتاب نهاية الدراية للسيد حسن الصدر:
قال: ( المعتبر: وهو: إما لأجل كون سنده من الصحاح أو الحسان أو من الموثقات. وإما لأجل كونه مما في الأصول المعتمدة التي أدعي الاجماع على اعتبارها، سواء كانت للشيعة الاثني عشرية، ككتب زرارة، ومحمد بن مسلم، والفضيل بن يسار، وأمثالهم ممن أجمعوا على تصديقهم.
وككتب من أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم، كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، أو التي عرضت على المعصوم وأثنى على مؤلفها مثل كتاب عبيد الله الحلبي الذي عرضه على الصادق عليه السلام، وكتاب يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه السلام، وكتاب الصلاة لحريز بن عبد الله وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيا، أو كتب غير الامامية ككتاب حفص بن غياث وكتاب الحسين بن عبد الله التعدي، وكتاب القبلة لعلي بن حسن الطاطري.
أو كان الحديث عمن أجمعوا على العمل برواياتهم كعمار الساباطي ونظرائه ممن عدهم الشيخ في ( العدة )، وغير ذلك، مما لا يخفى على الخبير، بل قد يكون الاعتبار بملاحظة جهات أخرى ) نهاية الدراية - السيد حسن الصدر - ص 171 – 174.
ثم ان الشيخ الطوسي (رحمه الله ) قد استدل بها على إمامة الأئمة ووصفها بالصحة ضمناً مع الروايات التي نقلها عن طرق الخاصة إذ قال: ( أما الذي يدل على صحتها فإن الشيعة يروونها على وجه التواتر خلفاً عن سلف وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإمامية في النصوص على أمير المؤمنين (ع) والطريقة واحدة ) غيبة الطوسي ص111.
3 – ومما يؤيد عدم مجهولية رواة الوصية هو ما ذهب إليه العلامة الحلي من القول بعدالة الرواة الشيعة الذين لم يرد فيهم مدح أو قدح، كما استظهر ذلك عنه بعض العلماء بل قالوا انه صريح قوله، بل نسبوا هذا القول إلى كثير من أكابر المتقدمين:
قال العلامة الحلي في ترجمة: أحمد بن إسماعيل بن سمكة بن عبد الله: ( .... ولم ينص علماؤنا عليه بتعديل، ولم يرو فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض ). خلاصة الأقوال - العلامة الحلي - ص 66
وعلق المحقق الخوئي على كلام العلامة الحلي قائلاً:
( أقول : هذا الكلام صريح في اعتماد العلامة - قدس سره - على أصالة العدالة في كل إمامي لم يثبت فسقه، كما نسب ذلك إلى جماعة من الفقهاء، واستظهرناه سابقا من عدة من الأكابر، في ترجمة إبراهيم بن سلام ( سلامة )، وهذا لا غرابة فيه من العلامة بعد صدوره من غيره من الأكابر ) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي ج 2 ص 57 – 58.
وقال الخوئي: ( .... أن العلامة يعتمد على من لم يرد فيه قدح، ويصححه. صرح بذلك في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة ...... ) معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 1 - ص 278.
ورواة الوصية كلهم شيعة كما صرح بذلك الشيخ الطوسي ضمناً، وكذلك صرح بذلك الشيخ النمازي الشاهرودي، ويستفاد أيضاً من منهج الميرزا النوري في إثبات تشيع الراوي من متن الرواية كما تقدم بيانه، ولم يرد أي ذم في واحد منهم أبداً، فيحكم بعدالتهم حسب منهج العلامة الحلي وغيره من الأكابر المتقدمين، ومع ملاحظة عدالتهم وما تقدم من الكلام لا يمكن أبداً أن يوصفوا بالمجهولية.
الأمر الثامن:
إن ستة رجال من رواة الوصية من أصحاب الكتب والأصول المعتمدة وهم مع ذلك من الثقاة ومنهم من الأعاظم والأكابر الذين هم بالفضل والعلم والورع كنار على علم.
وكونهم أصحاب كتب معتبرة فأكيد أن رواية الوصية مدونة في كتبهم - أو في كتب بعضهم أو على الأقل في كتاب احدهم - وقد نقلت عنها، وخصوصا إذا لاحظنا أنهم جميعاً ما عدا ابن عبدون لهم كتب في الإمامة وعدد الأئمة (ع)، وهذا يؤيد ويثبت كون رواية الوصية مثبته في كتبهم أو في كتب بعضهم لأنها في الإمامة وفي بيان عدد الأئمة والأوصياء من ذرية الرسول محمد (ص)، والمعتمد المشهور ان وجود الرواية أو الخبر في احد الكتب والأصول المعتمدة وخصوصاً كتب الثقاة دليل وقرينة على صحة هذه الرواية بغض النظر عن رجال سندها أصلاً، وذكر ذلك العديد من العلماء منهم الحر العاملي والميرزا النوري وغيرهما. والمؤكد أن رواية الوصية منقولة عن كتاب البزوفري الثقة الجليل كما سيأتي قريباً.
وهؤلاء الستة أصحاب الأصول هم كالآتي:
1 – الشيخ الطوسي: وهو غني عن التعريف وقد ذكر رواية الوصية في احد أوثق كتبه وهو كتاب ( الغيبة ) الذي لا خلاف في انه من كتب الطبقة الأولى في الوثاقة.
2 – ابن عبدون: وعدد الشيخ النجاشي خمسة من كتبه.
3 – الحسين بن عبيد الله الغضائري: وعدد النجاشي أربعة من كتبه منها كتاب ( عدد الأئمة وما شذ على المصنفين في ذلك ).
4 – الحسين بن علي البزوفري: عدد النجاشي أربعة من كتبه، منها كتاب (الرد على الواقفة ) وكتاب ( سيرة النبي والأئمة (ع) في المشركين )، ومن المؤكد أن الشيخ الطوسي نقل رواية الوصية من احد كتب البزوفري، لان من عادته الابتداء بالسند بعد قوله ( عن جماعة ) بصاحب الكتاب أو الأصل المأخوذ منه ذلك الخبر، كما صرح هو بذلك، وقد ابتدأ الشيخ الطوسي في رواية الوصية بعد قوله ( عن جماعة ) بالبزوفري، وهذا وحده كاف في الاعتماد على الوصية حتى لو لم تذكر في غيره من الأصول، لان البزوفري من أجلاء الثقاة بل قيل انه احد وكلاء الإمام المهدي (ع) اعتمادا على رواية يستفاد منها ذلك، وقد فصلت هذا الكلام في كتاب ( دفاعا عن الوصية ) فمن شاء الاحاطة فليراجع.
5 – علي بن الحسين والد الشيخ الصدوق: عدد له الشيخ الطوسي عشرين كتاباً ، منها كتاب ( الإمامة والتبصرة من الحيرة ) و كتاب ( النوادر ) وكتاب ( قرب الاسناد ) وكتاب ( التسليم والتمييز ).
6 – علي بن الحسين المصري: عدد النجاشي اثنان من كتبه، احدهما كتاب ( الإمامة ).
الأمر التاسع:
قد ذكرت في كتاب ( دفاعاً عن الوصية ) عدة قرائن تفيد القطع بصحة رواية الوصية وصدورها عن المعصومين (ع)، بل انها بذلك تفيد العلم القطعي الذي تعبد الله تعالى به عباده، ولا حاجة إلى تحقيق وثاقة رواتها من كتب الرجال، هذه الكتب التي يزعم بعض الجهلة الآن بأنها المرجع الوحيد في قبول ورد الروايات، في حين أن حتى أصحاب هذه الكتب لم يدعوا ذلك، أضف إلى ذلك ما تقدم من تناقض هذه الكتب وخطئها وضعفها في نفسها وقلة ما تحويه من الرواة ... الخ، بل صرح الشيخ الطوسي ان وجود القرينة يغني عن البحث عن السند بل ان ذلك يكون موجباً للعلم بخلاف الخبر الصحيح السند الذي يعتبروه مفيداً للظن - المعمول فيه بالفقه - لا للعلم أو القطع، حيث قال في كتب ( العدة ) ج1 ص126 ( ط.ج): ( .... إن كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة، وكان ذلك موجباً للعلم .... ).
وقد فصلت القول في قرائن صحة رواية الوصية في كتاب ( دفاعا عن الوصية ) فمن أراد الاحاطة فليراجع.
الأمر العاشر:
قسَّم كثير من العلماء المتاخرين، الحديث إلى خمسة أقسام: الصحيح والحسن والقوي والموثق والضعيف.
وعرَّفوا القوي بأنه ما كان رواته إمامية مسكوتاً عن ذمهم ومدحهم. وهو ممن يحتج به وخصوصاً إن قُرِن ببعض القرائن والمؤيدات التي تشير إلى وثاقة رواته الإمامية، فيلحق حينها بالحسن أو الصحيح وحسب نوع المؤيدات.
وقد قال السيد حسن الصدر في نهاية الدراية ما يلي:
( ( النوع الثالث : القوي ) ... وهو ما لو كانت سلسلة السند إماميين ( مسكوتا عن مدحهم وذمهم - كذلك - ) كلا أو بعضا ولو واحدا، مع تعديل البقية، فقوي في الاصطلاح، لقوة الظن فيه..... إلى قوله وما عدا هذه الأربعة ) أعني الصحيح، والحسن، والقوي والموثق:
النوع الخامس: الضعيف ضعيف عندنا، وهو: ما في سنده مذموم، أو فاسد العقيدة غير منصوص على ثقته، أو مجهول، وإن كان باقي رواته ممدوحين بالعدالة، لان الحديث يتبع اعتبار أدنى أدنى رجاله، كما أن النتيجة تتبع أخسى المقدمتين. وبالجملة: الأصل في الضعيف أن لا يؤخذ به إلا أن يعتضد بما يشد عضده ) انتهى. نهاية الدراية ص 263 – 267.
ولا يخفى من كلام صاحب نهاية الدراية، أن ( القوي ) لا يدخل في قسم (الضعيف ) الذي لا يعمل به عندهم غالباً، أي انه ليس بمعنى السند الضعيف المستفاد ضعفه من ذم أو جهالة احد رواته بما يستلزم ضعفه وعدم الاعتماد عليه في النقل.
وقال أبو الفضل حافظيان البابلي: ( وقال بعض الأفاضل ( رحمه الله ): وأما القوي، فالمراد به عندهم - بمعناه الأعم -: ما يدخل فيه جميع ما خرج عن الأقسام الثلاثة المذكورة ولم يدخل في الضعيف ) رسائل في دراية الحديث ج 2 ص 376.
ثم تكلم في تقسيم القوي قائلاً: ( وله - زيادة على ذلك - أقسام: منها: ما كان جميع سلسلة سنده إماميين، لم ينص في أحدهم على مدح و لا ذم، هكذا قيل. وينبغي تقييده بعدم استفادة أحد الأمرين فيهم من أمور أخر، كالظنون الاجتهادية، وإلا كان مرة من أقسام الصحيح وأخرى من الحسن، وثالثة من الضعيف، ولا يحسن جعله في مقابل الجميع، وكأنه مراد الجميع ) رسائل في دراية الحديث ج 2 ص 376 – 377.
ومعنى ذلك أن الحديث ( القوي ) يسمى بذلك إن كان لا يمكن استفادة مدح أو ذم رواته من أمور وقرائن أخرى، فإن كانت هناك مؤيدات وقرائن على مدح أو وثاقة رواته يلحق بالحسن أو الصحيح، وان كانت هناك قرائن ومؤيدات على ذم رواته والقدح فيهم يلحق بالضعيف.
وبحسب ما تقدم نستنتج نقطتين حول سند رواية الوصية:
1 - بما ان رواة الوصية قد صرح الشيخ الطوسي – مع عدة روايات – بأنها مروية عن طرق الخاصة أي ان رواتها شيعة إمامية، ولو كان فيها راوي واحد غير إمامي لما أدرجها على أنها عن طرق الخاصة، لان صفة السند تتبع حال أخس رواته، وبما ان الشيخ علي النمازي أيضاً استدل على حسن عقيدتهم، وكذلك منهج الميرزا النوري في معرفة تشيع الراوي من خلال متن ما يرويه، وكذلك يؤيد ذلك قول الميرزا النوري عن سند الوصية بأنه ( سند معتبر )، فهم – أي رواة الوصية شيعة إمامية، ولم يقال فيهم أي ذم أو قدح، إذن فسند رواية الوصية من صنف القوي على اقل تقدير، ولا يمكن وصفه بالضعف أبداً، وخصوصاً بعد ملاحظة النقطة الثانية الآتية.
وللعلم أن سند الوصية يحتوي على عشرة رجال، تسعة منهم شيعة بوضوح تام: 1 – الشيخ الطوسي: غني عن التعريف. 2 – احمد بن عبدون: موثق ولا خلاف في تشيعه، 3 – الحسين بن عبيد الله الغضائري: موثق ولا خلاف في تشيعه، 4 – البزوفري: موثق ومن الاجلاء ولا خلاف في تشيعه، 5 – علي بن سنان الموصلي العدل: هناك رواية تدل على تشيعه وحسن عقيدته أضف إلى ذلك شهادة الشيخ الطوسي كما تقدم، 6 – علي بن الحسين: موثق ومن الأجلاء ولا خلاف في تشيعه، 7 – جعفر بن احمد المصري: شيعي، وقد ضعفه أبناء العامة لتشيعه وهو ابن أخ الحسين بن علي المصري الذي لا شك في تشيعه، 8 – الحسين بن علي المصري: موثق ومن الشيعة، 9 – علي والد الحسين: يستفاد تشيعه من ابنه علي الذي هو صاحب كتاب في الإمامة ومن المدافعين عنها، فهم عائلة شيعية هو وأبيه وابن أخيه كما لا يخفى.
ولم يبق احد من رواة الوصية لم يعلم تشيعه إلا ( احمد بن محمد بن الخليل )، ولا ينبغي الشك في تشيعه لشهادة الشيخ الطوسي كما تقدم، ولاعتماد علي بن الحسين بن بابويه عليه في الرواية، كما سيأتي بيانه، ولما قاله الشيخ علي النمازي عند ترجمته، حيث قال: ( وقع في طريق الشيخ عن علي بن الموصلي، عن علي بن الحسين، عنه، .... إلى قوله: وفي هذه الرواية النص على الأئمة الاثني عشر ( صلوات الله عليهم ) وأسمائهم وفضائلهم فهي تفيد حسنه وكماله) انتهى.
وسيأتي ذكر لك عند التعرض لترجمته.
2 – وبعد أن ثبتت إمامية ( علي بن سنان الموصلي و احمد بن محمد بن الخليل وجعفر بن احمد المصري ووالد الحسين بن علي المصري ) مع عدم ذمهم مطلقاً، يضاف إلى ذلك اعتماد الأجلاء والأكابر من علماء المذهب، كالشيخ الطوسي والبزوفري وابن بابويه، يخرج السند من نوع القوي ويلحق بالصحيح، وخصوصاً إن لاحظنا وصف الميرزا النوري لسند الوصية بـ ( المعتبر )، وكذلك مدح الشيخ علي النمازي لرواية الوصية ورجالها، بل حتى ان الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( رحمه الله ) اعتمد عليها في موسوعته، رغم عادته من نقد الروايات إن كانت ضعيفة أو شاذة، أو ما شابه ذلك، بل لم أجد أحداً أصلاً طعن برواة الوصية حتى الذين لا يرون وجود ذرية للإمام المهدي (ع) تحكم بعده، ولو كان هناك مجالا للطعن في رجال سندها لما توانوا عن ذلك أبداً.
وأما الآن فنأتي إلى الاطلاع على توثيق رواة رواية الوصية تفصيلاً، وان كنا في غنى عن ذلك، ولكن لنلقم المتشدقين والمتفيهقون حجراً يسد أفواههم التي اعتادت الخطأ ونست الصواب، ومن الله تعالى نطلب العون والسداد، انه سميع مجيب.
Comment