كيف تتهيء الامة الاسلامية للقيام
يقول الامام احمد الحسن اليماني (ع) المهدي الاول احمد المذكور في وصية رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته في كتاب التيه او الطريق الى الله :
1- نشر الفقه الديني بين المؤمنين:
وهذه مهمّة كل مؤمن، وهو واجب شرعي؛ لأنه مقدمة كل العبادات ولصحة المعاملات، ولكن كل بحسبه ووسعه، فواجب خريجي الجامعات ليس كواجب الأمي؛ فمثلاً على خريج الجامعة أن يدرس الفقه أو بعض المسائل الفقهية ويستعين بطلبة العلوم الدينية، وهذا واجبهم كمرشدين، ثم يقوم هو بنشر الفقه بين المؤمنين.
أمّا الذي لا يقرأ فيستطيع أن يتعلّم بعض المسائل الفقهية في الجامع أو من بعض المؤمنين ثم يقوم بنشرها بين المؤمنين، ولا يستقل أحد علمه فلو كنت تعرف مسألة فقهية واحدة فاعمل على نشرها بين المؤمنين.
واعلموا أنّ بنشر الفقه وتباحث المؤمنين حول التشريع الإسلامي وأحوال المسلمين اليوم يتعرّى الطواغيت وأعوانهم الذين يتظاهرون بالإسلام، ويعرف المسلمون مدى خروج هؤلاء الحكّام الظلمة عن الشريعة المقدسة واستهزائهم بها ومحاربتهم لأولياء الله الربانيين والمؤمنين المتدينين.
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ذكرت فيما سبق أنّ هذا العمل هو مهمّة المجتمع بأسره، وهو واجب من أهم الواجبات الشرعية نكسب بها رضا الله ونفضح بها الطواغيت. ويجب أن نركز على إصلاح نفوس الخاضعين للطاغوت فنذكرهم بالقرآن والأنبياء (ع) وجهادهم للطواغيت:
قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾([122]).
وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([123]).
وقال تعالى:﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾([124]).
إنّ الذي في نفسه ولو جذوة من الحق سيتذكّر ويرجع إلى ولاية الله ولا ينصاع إلى أوامر الطاغوت، وينضم إلى صفوف المؤمنين.
وأمّا الشقي الذي يظن أن استسلامه للطاغوت سينجيه ويبقيه حياً، فلا تأسوا عليه، فهذا يظن أنّ الحياة بيد الطاغوت لا بيد الله ! وانطوت نفسه على خوف وجبن من الطاغوت حتى أصبح طبيعة ثانوية.
أمّا أعوان الطاغوت فهؤلاء قد اسودت قلوب معظمهم وعميت بصائرهم، وأصبحوا يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ولكن هذا لا يعني أن نتركهم ليكونوا جميعاً حطباً لجهنم، فلعل فيهم من يمكن إصلاحه وأعادته إلى ولاية الله.
وليكن لنا كمؤمنين في الحسين (ع) أسوة، حيث نصح لجيش يزيد بن معاوية لعنهم الله وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فكانت النتيجة عودة قائد من قواد جيش الأمويين وهو الحر بن يزيد الرياحي (رضي الله عنه) إلى الحق، ولو لم تكن إلاّ هذه النتيجة من خطبة أبي عبد الله (ع) لكفى.
وعلى المؤمنين الاحتياط والحذر في نصح هذه الفئة الضالة، وعلى أرحامهم من المؤمنين أو من يأمن منهم الضرر أن ينصحهم ويحاول إصلاحهم، ولا ييأس المؤمنون من إصلاح المجتمع الإسلامي فهم حزب الله وجنده قد كتب الله لهم الفلاح والغلبة، وسيرسل الله سبحانه لهم القائد الرباني المهدي (ع) المصلح العظيم والمنفذ لشريعة الله على الأرض، والكلمة التي سبقت من الله لعباده المرسلين ووعده سبحانه لهم بالنصر، ولابد أن تشرق الشمس بعد هذا الغياب الطويل والعناء المرير، فاعملوا ليلاً ونهاراً وسرّاً وعلانيةً، واعلموا أن أجر المؤمن الذي يعمل لتهيئة الأساس لدولة صاحب الزمان (ع) في هذا الوقت عظيم.
عن أبي عبد الله (ع)، قال: (قال رسول الله (ص): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولى وليه ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذوو ودي ومودتي، وأكرم أمتي عليّ. قال رفاعة: وأكرم خلق الله علي) ([125]).
وعن الصادق (ع)، قال : (قال رسول الله (ص)لأصحابه: سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن؟ فقال: إنكم لو تحملوا لما حملوا لم تصبروا صبرهم) ([126]).
عن محمد بن عبد الخالق وأبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): ( يا أبا محمد إنّ عندنا والله سراً من سر الله، وعلماً من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان، والله ما كلف الله ذلك أحد غيرنا، ولا استعبد بذلك أحد غيرنا. وإنّ عندنا سرّاً من سرّ الله وعلماً من علم الله، أمرنا الله بتبليغه فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته (ع) ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته (ع) وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً وذريته (ع) فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك (فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه)، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك لا والله ما احتملوه.
ثم قال: إنّ الله خلق لجهنم والنار خلقاً فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذّاب، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكره ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته، ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه، وأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمّن أمر الله بالكف عنه، واستروا عمّن أمر الله بالستر والكتمان عنه.
ثم رفع يده وبكى، وقال: اللهم إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم، ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم فإنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً) ([127]).
3- نشر فكر الثورة الإسلامية:
الثورة الإسلامية هي ثورة محمد بن عبد الله (ص) والمؤمنين والمستضعفين على طواغيت زمانه، أمثال أبي سفيان وكسرى وقيصر وأعوانهم، ولن تنتهي هذه الثورة حتى يقول كل من على الأرض (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله)، ويتحقق العدل الإلهي وينبسط على كل أرجاء المعمورة على يد مهدي هذه الأمة (ع).
ولا يشك مسلم أنّ ثورة الحسين (ع) هي استمرار لثورة الرسول (ص) حيث قال في الحديث المشهور: (حسين مني) ([128]).
فثورة الحسـين (ع) هي ثورة حزب الله وجنوده على الطاغوت وحزبه، وخروج الحسـين (ع) هو خروج الرسول (ص) في شخص ولده الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة.
لم يكن خروج الحسين (ع) ليحقق نصراً عسكرياً في ساحة المعركة وهو يعلم أنّ معه سبعين رجلاً أو يزيدون قليلاً، بل إنّ الحسين (ع) خرج بعهد من جده رسول الله (ص) وكان يعلم أنّه سيقتل ويقتل أصحابه وولده حتى الرضيع، وتسبى النساء وفيهن زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص).
إنّ ثورة الحسين (ع) استهدفت إحياء الثورة الإسلامية المحمدية وحقيقتها الإصلاحية التي كان الأمويون يريدون تحويلها إلى مجرّد نهضة عسكرية لإقامة إمبراطورية عربية باسم الإسلام، فجاءت نهضة الحسين (ع) لتقول للناس جميعاً في كل مكان وزمان إنّ الإسلام لا يستهدف إقامة إمبراطورية عربية أو إسلامية.
إنّ هدف الإسلام هو أن يقول كل من على الأرض: (لا إله إلاّ الله).
إنّ هدف الإسلام هو إقامة العدل الإلهي على الأرض.
جاءت ثورة الحسين (ع) لتعلن براءة الله سبحانه وتعالى ورسوله (ص) من الحكّام الذين تسلطوا على هذه الأمة، وأبعدوا خلفاء الله في أرضه أوصياء محمد (ص) الأئمة الاثني عشر (ع) عن الحكم.
إنّ ما حصل في كربلاء في العاشر من المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة يؤكد أنّ الأمة الإسلامية ارتدت إلى الجاهلية بعد وفاة النبي (ص)، وكان أعظم مظاهر هذه الردّة هو قتل الحسين ابن علي (عليهما السلام)، ورفع رأسه على رمح، وأسر الوصي الرابع من أوصياء محمد (ص) علي بن الحسين (عليهما السلام) وجرّه إلى الشام مكبّلاً بالحديد، فكان ما فعلته هذه الأمة مع أوصياء نبيها (ص) استكمالاً لما فعله بنو إسرائيل مع أنبيائهم (ع) ، إن لم يكن ما فعلته هذه الأمة أنكى وأعظم.
وأصبح ما حصل في كربلاء لعنة على ذلك الجيل من الأمة الإسلامية الذي ارتضى أن يقتل الحسين (ع)، وفي نفس الوقت فهو رحمة لأجيال هذه الأمة التي جاءت بعد مقتل الحسين (ع)، حيث بدأ يتعمّق في نفوس الكثيرين فكر الثورة الإسلامية التي وضع خطتها الله سبحانه وتعالى وينفذها محمد وآل محمد (ع) من بعده.
ونحن اليوم نستوعب هذه الحقيقة؛ لأنها واقع عملي فلا يأتي يوم عاشوراء حتى تسمع الدويَّ والعويل يرتفع على كل بقعة في الأرض يتواجد فيها المؤمنون.
لقد ضحى الحسين (ع) بكل شيء ليصبح أوضح علامات الطريق إلى الله والخروج من التيه الذي وقعت فيه هذه الأمة؛ وليضع الأساس القوي والمتين الذي يرجع إليه كل مسلم يرفع سيفه بوجه الطواغيت الذين تسلطوا على هذه الأمة ليعيدوها إلى الجاهلية، فثورة الحسـين (ع) المحمدية الإسلامية الأصلية استهدفت إصلاح نفوس أبناء هذه الأمة وتهيئة جيل مؤهل لحمل الرسالة الإلهية، جيل رباني يعبد الله ولا يقبل إلاّ بالقرآن دستوراً وبالمعصوم المعين من الله أو من ينوب عنه حاكماً، فإنّ كان مقتل الحسين (ع) أمراً عظيماً فإنّ الهدف منه بقدر تلك العظمة إنّه إقامة دولة لا إله إلاّ الله الكبرى على الأرض، دولة العدل الإلهي بقيادة ابن الحسن عليهما السلام الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
4- تهيئة القوة للجهاد:
إذا تفقّه المسلمون في دينهم وبدؤوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واستوعبوا هدف الثورة الإسلامية، وهو حمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى أهل الأرض وإقامة العدل الإلهي على الأرض، أصبح لدينا جيل مهيّأ لجهاد الطواغيت، فتكون المرحلة الرابعة هي الاستعداد للجهاد بدنياً وتهيئة السلاح ولو كان سكين صغيرة أو قطعة حديد، ولا تستصغروها فإنّ أصحاب رسول الله (ص) انتصروا بجريد النخل على سيوف مشركي قريش.
واعلموا أنّ الله معكم وهو مثبتكم وناصركم بملائكته إن كنتم مخلصين له سبحانه، ومع جنود الطاغية الشيطان هو الذي يستفزّهم وسينكص على عقبيه عندما يتراءى الجمعان وسيهزم الجمع ويولون الدبر، قال تعالى:
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([129]).
فبهذه المراحل التي مرّت يتهيأ جنود المهدي (ع)، جنود الله سبحانه وتعالى للجهاد نفسياً وبدنياً. وليستحضر كل مؤمن مجاهد في نفسه أنّه مع الله سبحانه جبّار السماوات والأرض فلا يخاف ولا يخشى من الطاغوت وجنوده مهما كثر عددهم وعدتهم:
﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾([130]).
وعندئذٍ سيفرّج الله سبحانه وتعالى عن هذه الأمة ويرسل لها القائد الرباني المهدي (ع) الذي يقودها للخروج من التيه ولدخول الأرض المقدسة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
والمهدي (ع) هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، فهو من ولد علي (ع) وفاطمة بنت محمد رسول الله (ص).
والمسلمون متفقون على خروجه في آخر الزمان، والأحاديث في ذلك متواترة، ومنكره كافر بما جاء به محمد (ص) كما جاء في الحديث عنه (ص).
ولادته (ع) سنة 255 هـ قبل شهادة أبيه الإمام العسكري بخمس سنين، وأمّه حفيدة قيصر ملك الروم يرجع نسبها إلى أحد حواري عيسى (ع)، وقد رآه الكثير من المؤمنين في حياة أبيه الإمام العسكري (ع)، وبعد توليه منصب الإمامة كان يراه سفراؤه الأربعة في زمن الغيبة الصغرى ولمدّة تزيد عن سبعين عاماً، ثم شاء الله أن تقع الغيبة الكبرى، وسيبقى (ع) حياً حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وجاء ذكره في التوراة والإنجيل ويسمّى فيها بـ (قديم الأيام) لطول عمره (ع). وينزل عيسى (ع) في زمن قيامه من السماء وزيراً له ومؤيداً لحقّه (ع).
قيامه (ع) في مكة، يجتمع له أصحابه فيها، وعدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً على عدّة أهل بدر وأصحاب طالوت الذين عبروا معه النهر، ثم يتوافد المؤمنون المخلصون إلى مكّة من كل بلاد المسلمين حتى يبلغ العدد عشرة آلاف، وهم أول جيشه (ع)، ولا يخرج من مكّة لقتال الطواغيت حتى يخسف الله الأرض بجيش السفياني بين مكّة والمدينة، وهو جيش يرسل للقضاء على حركة المهدي (ع)، وبعد هذا الحادث يبدأ حركته بتطهير الأرض الإسلامية من الطواغيت وعبيدهم المجتمعين حولهم، ويقضي على السفياني وجنده الأرجاس، ويحرر الأرض المقدسة ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
ولكن الامتحانات في زمن ظهوره (ع) كثيرة، منها الدجال وجيوش الغرب، لكن الله ينصر وليه المهدي (ع) وجنود الله الذين معه على أعدائهم؛ ليظهر الدين الإلهي على الدين كلّه ولو كره المشركون كما وعد سبحانه وتعالى في كتابه الكريم القرآن ([131]).
ومن علامات قرب ظهوره (ع) أن تمنع السماء قطرها، وحر شديد، واختلاف الشيعة، ويقع الموت في الفقهاء، وقتل كثير منهم في النجف، وحصار اقتصادي على العراق كما ورد يكاد لا يجبى للعراق قفيز ولا درهم([132])، ومنع أهل العراق من الحج، والذين يمنعونهم الروم (الغرب اليوم)كما روي عن الصادق (ع) مخاطباً بعض أهل العراق: (… فعند ذلك تمنعون الحج وتنقص الثمار وتجدب البلاد وتبتلون بغلاء الأسعار وجور السلطان ويظهر فيكم الظلم والعدوان مع البلاء والوباء والجوع وتظلكم الفتن من الآفاق …) ([133]).
وزخرفة المساجد، وتزيين المصاحف، والأكل في المساجد، وأن تصبح السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة، وقتل أربعة آلاف مسلم في مسجد الكوفة في يوم الجمعة يقتلهم حكّام العراق، وهدم حائط مسجد الكوفة، واختلاف حكّام العراق فيما بينهم. وهذا الاختلاف أول علامات ذهاب ملكهم وطمع الناس فيهم، وظهور الكوكب المذنب يضيء كما يضيء القمر وينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، والنداء من السماء في شهر رمضان في الثالث والعشرين منه، وظهور السفياني في الشام؛ في الأردن واحتلاله سوريا وبعض فلسطين، وقبله يحصل اختلاف في الشام على الحكم، ودخول السفياني العراق وقتله حاكم العراق، وخسوف القمر في آخر شهر رمضان لخمس بقين منه، وكسوف الشمس في منتصف شهر رمضان، وهاتين العلامتين في شهر واحد.
وفيضان يملأ الكوفة في سنة قيامه (ع)، وأن تمطر السماء أربع وعشرين مطرة ترى آثارها وبركاتها في الأرض في سنة قيامه (ع). وأن يفسد التمر في النخل وورد أن تفسد الثمار في الأشجار ([134])، وظهور نار في الحجاز، وظهور نار في السماء، وظهور حمرة في السماء، وركود الشمس عند الزوال، وخراب بغداد بالحروب والفتن، وخراب البصرة، وظهور ذكره (ع) على ألسنة الناس، وخروجه في وتر من السنين، وقتل النفس الزكية في الكعبة يذبح بين الركن والمقام، ويقوم القائم بعد هذه العلامة بخمسة عشر يوماً أو أقل منها.
وبعد قيامه توجد علامات للدلالة عليه، وهي الخسف بجيش السفياني في البيداء بين مكّة والمدينة، وربما كان النداء بعد قيامه للدلالة على حقّه خصوصاً أنّ المنادي جبرائيل (ع) في السماء.
هذا بعض ما ورد في الحديث عنهم (ع) والله أعلم، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً نسأله سبحانه الزيادة.
والسلام على حجة الله في أرضه ورحمة الله وبركاته.
والسلام على المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته.
﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾([135]).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾([136]).
يقول الامام احمد الحسن اليماني (ع) المهدي الاول احمد المذكور في وصية رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته في كتاب التيه او الطريق الى الله :
1- نشر الفقه الديني بين المؤمنين:
وهذه مهمّة كل مؤمن، وهو واجب شرعي؛ لأنه مقدمة كل العبادات ولصحة المعاملات، ولكن كل بحسبه ووسعه، فواجب خريجي الجامعات ليس كواجب الأمي؛ فمثلاً على خريج الجامعة أن يدرس الفقه أو بعض المسائل الفقهية ويستعين بطلبة العلوم الدينية، وهذا واجبهم كمرشدين، ثم يقوم هو بنشر الفقه بين المؤمنين.
أمّا الذي لا يقرأ فيستطيع أن يتعلّم بعض المسائل الفقهية في الجامع أو من بعض المؤمنين ثم يقوم بنشرها بين المؤمنين، ولا يستقل أحد علمه فلو كنت تعرف مسألة فقهية واحدة فاعمل على نشرها بين المؤمنين.
واعلموا أنّ بنشر الفقه وتباحث المؤمنين حول التشريع الإسلامي وأحوال المسلمين اليوم يتعرّى الطواغيت وأعوانهم الذين يتظاهرون بالإسلام، ويعرف المسلمون مدى خروج هؤلاء الحكّام الظلمة عن الشريعة المقدسة واستهزائهم بها ومحاربتهم لأولياء الله الربانيين والمؤمنين المتدينين.
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ذكرت فيما سبق أنّ هذا العمل هو مهمّة المجتمع بأسره، وهو واجب من أهم الواجبات الشرعية نكسب بها رضا الله ونفضح بها الطواغيت. ويجب أن نركز على إصلاح نفوس الخاضعين للطاغوت فنذكرهم بالقرآن والأنبياء (ع) وجهادهم للطواغيت:
قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾([122]).
وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([123]).
وقال تعالى:﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾([124]).
إنّ الذي في نفسه ولو جذوة من الحق سيتذكّر ويرجع إلى ولاية الله ولا ينصاع إلى أوامر الطاغوت، وينضم إلى صفوف المؤمنين.
وأمّا الشقي الذي يظن أن استسلامه للطاغوت سينجيه ويبقيه حياً، فلا تأسوا عليه، فهذا يظن أنّ الحياة بيد الطاغوت لا بيد الله ! وانطوت نفسه على خوف وجبن من الطاغوت حتى أصبح طبيعة ثانوية.
أمّا أعوان الطاغوت فهؤلاء قد اسودت قلوب معظمهم وعميت بصائرهم، وأصبحوا يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ولكن هذا لا يعني أن نتركهم ليكونوا جميعاً حطباً لجهنم، فلعل فيهم من يمكن إصلاحه وأعادته إلى ولاية الله.
وليكن لنا كمؤمنين في الحسين (ع) أسوة، حيث نصح لجيش يزيد بن معاوية لعنهم الله وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فكانت النتيجة عودة قائد من قواد جيش الأمويين وهو الحر بن يزيد الرياحي (رضي الله عنه) إلى الحق، ولو لم تكن إلاّ هذه النتيجة من خطبة أبي عبد الله (ع) لكفى.
وعلى المؤمنين الاحتياط والحذر في نصح هذه الفئة الضالة، وعلى أرحامهم من المؤمنين أو من يأمن منهم الضرر أن ينصحهم ويحاول إصلاحهم، ولا ييأس المؤمنون من إصلاح المجتمع الإسلامي فهم حزب الله وجنده قد كتب الله لهم الفلاح والغلبة، وسيرسل الله سبحانه لهم القائد الرباني المهدي (ع) المصلح العظيم والمنفذ لشريعة الله على الأرض، والكلمة التي سبقت من الله لعباده المرسلين ووعده سبحانه لهم بالنصر، ولابد أن تشرق الشمس بعد هذا الغياب الطويل والعناء المرير، فاعملوا ليلاً ونهاراً وسرّاً وعلانيةً، واعلموا أن أجر المؤمن الذي يعمل لتهيئة الأساس لدولة صاحب الزمان (ع) في هذا الوقت عظيم.
عن أبي عبد الله (ع)، قال: (قال رسول الله (ص): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولى وليه ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذوو ودي ومودتي، وأكرم أمتي عليّ. قال رفاعة: وأكرم خلق الله علي) ([125]).
وعن الصادق (ع)، قال : (قال رسول الله (ص)لأصحابه: سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن؟ فقال: إنكم لو تحملوا لما حملوا لم تصبروا صبرهم) ([126]).
عن محمد بن عبد الخالق وأبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع): ( يا أبا محمد إنّ عندنا والله سراً من سر الله، وعلماً من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان، والله ما كلف الله ذلك أحد غيرنا، ولا استعبد بذلك أحد غيرنا. وإنّ عندنا سرّاً من سرّ الله وعلماً من علم الله، أمرنا الله بتبليغه فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته (ع) ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته (ع) وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً وذريته (ع) فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك (فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه)، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك لا والله ما احتملوه.
ثم قال: إنّ الله خلق لجهنم والنار خلقاً فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذّاب، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكره ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته، ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه، وأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمّن أمر الله بالكف عنه، واستروا عمّن أمر الله بالستر والكتمان عنه.
ثم رفع يده وبكى، وقال: اللهم إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم، ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم فإنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً) ([127]).
3- نشر فكر الثورة الإسلامية:
الثورة الإسلامية هي ثورة محمد بن عبد الله (ص) والمؤمنين والمستضعفين على طواغيت زمانه، أمثال أبي سفيان وكسرى وقيصر وأعوانهم، ولن تنتهي هذه الثورة حتى يقول كل من على الأرض (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله)، ويتحقق العدل الإلهي وينبسط على كل أرجاء المعمورة على يد مهدي هذه الأمة (ع).
ولا يشك مسلم أنّ ثورة الحسين (ع) هي استمرار لثورة الرسول (ص) حيث قال في الحديث المشهور: (حسين مني) ([128]).
فثورة الحسـين (ع) هي ثورة حزب الله وجنوده على الطاغوت وحزبه، وخروج الحسـين (ع) هو خروج الرسول (ص) في شخص ولده الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة.
لم يكن خروج الحسين (ع) ليحقق نصراً عسكرياً في ساحة المعركة وهو يعلم أنّ معه سبعين رجلاً أو يزيدون قليلاً، بل إنّ الحسين (ع) خرج بعهد من جده رسول الله (ص) وكان يعلم أنّه سيقتل ويقتل أصحابه وولده حتى الرضيع، وتسبى النساء وفيهن زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص).
إنّ ثورة الحسين (ع) استهدفت إحياء الثورة الإسلامية المحمدية وحقيقتها الإصلاحية التي كان الأمويون يريدون تحويلها إلى مجرّد نهضة عسكرية لإقامة إمبراطورية عربية باسم الإسلام، فجاءت نهضة الحسين (ع) لتقول للناس جميعاً في كل مكان وزمان إنّ الإسلام لا يستهدف إقامة إمبراطورية عربية أو إسلامية.
إنّ هدف الإسلام هو أن يقول كل من على الأرض: (لا إله إلاّ الله).
إنّ هدف الإسلام هو إقامة العدل الإلهي على الأرض.
جاءت ثورة الحسين (ع) لتعلن براءة الله سبحانه وتعالى ورسوله (ص) من الحكّام الذين تسلطوا على هذه الأمة، وأبعدوا خلفاء الله في أرضه أوصياء محمد (ص) الأئمة الاثني عشر (ع) عن الحكم.
إنّ ما حصل في كربلاء في العاشر من المحرّم سنة إحدى وستين للهجرة يؤكد أنّ الأمة الإسلامية ارتدت إلى الجاهلية بعد وفاة النبي (ص)، وكان أعظم مظاهر هذه الردّة هو قتل الحسين ابن علي (عليهما السلام)، ورفع رأسه على رمح، وأسر الوصي الرابع من أوصياء محمد (ص) علي بن الحسين (عليهما السلام) وجرّه إلى الشام مكبّلاً بالحديد، فكان ما فعلته هذه الأمة مع أوصياء نبيها (ص) استكمالاً لما فعله بنو إسرائيل مع أنبيائهم (ع) ، إن لم يكن ما فعلته هذه الأمة أنكى وأعظم.
وأصبح ما حصل في كربلاء لعنة على ذلك الجيل من الأمة الإسلامية الذي ارتضى أن يقتل الحسين (ع)، وفي نفس الوقت فهو رحمة لأجيال هذه الأمة التي جاءت بعد مقتل الحسين (ع)، حيث بدأ يتعمّق في نفوس الكثيرين فكر الثورة الإسلامية التي وضع خطتها الله سبحانه وتعالى وينفذها محمد وآل محمد (ع) من بعده.
ونحن اليوم نستوعب هذه الحقيقة؛ لأنها واقع عملي فلا يأتي يوم عاشوراء حتى تسمع الدويَّ والعويل يرتفع على كل بقعة في الأرض يتواجد فيها المؤمنون.
لقد ضحى الحسين (ع) بكل شيء ليصبح أوضح علامات الطريق إلى الله والخروج من التيه الذي وقعت فيه هذه الأمة؛ وليضع الأساس القوي والمتين الذي يرجع إليه كل مسلم يرفع سيفه بوجه الطواغيت الذين تسلطوا على هذه الأمة ليعيدوها إلى الجاهلية، فثورة الحسـين (ع) المحمدية الإسلامية الأصلية استهدفت إصلاح نفوس أبناء هذه الأمة وتهيئة جيل مؤهل لحمل الرسالة الإلهية، جيل رباني يعبد الله ولا يقبل إلاّ بالقرآن دستوراً وبالمعصوم المعين من الله أو من ينوب عنه حاكماً، فإنّ كان مقتل الحسين (ع) أمراً عظيماً فإنّ الهدف منه بقدر تلك العظمة إنّه إقامة دولة لا إله إلاّ الله الكبرى على الأرض، دولة العدل الإلهي بقيادة ابن الحسن عليهما السلام الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
4- تهيئة القوة للجهاد:
إذا تفقّه المسلمون في دينهم وبدؤوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واستوعبوا هدف الثورة الإسلامية، وهو حمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى أهل الأرض وإقامة العدل الإلهي على الأرض، أصبح لدينا جيل مهيّأ لجهاد الطواغيت، فتكون المرحلة الرابعة هي الاستعداد للجهاد بدنياً وتهيئة السلاح ولو كان سكين صغيرة أو قطعة حديد، ولا تستصغروها فإنّ أصحاب رسول الله (ص) انتصروا بجريد النخل على سيوف مشركي قريش.
واعلموا أنّ الله معكم وهو مثبتكم وناصركم بملائكته إن كنتم مخلصين له سبحانه، ومع جنود الطاغية الشيطان هو الذي يستفزّهم وسينكص على عقبيه عندما يتراءى الجمعان وسيهزم الجمع ويولون الدبر، قال تعالى:
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([129]).
فبهذه المراحل التي مرّت يتهيأ جنود المهدي (ع)، جنود الله سبحانه وتعالى للجهاد نفسياً وبدنياً. وليستحضر كل مؤمن مجاهد في نفسه أنّه مع الله سبحانه جبّار السماوات والأرض فلا يخاف ولا يخشى من الطاغوت وجنوده مهما كثر عددهم وعدتهم:
﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾([130]).
وعندئذٍ سيفرّج الله سبحانه وتعالى عن هذه الأمة ويرسل لها القائد الرباني المهدي (ع) الذي يقودها للخروج من التيه ولدخول الأرض المقدسة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
والمهدي (ع) هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، فهو من ولد علي (ع) وفاطمة بنت محمد رسول الله (ص).
والمسلمون متفقون على خروجه في آخر الزمان، والأحاديث في ذلك متواترة، ومنكره كافر بما جاء به محمد (ص) كما جاء في الحديث عنه (ص).
ولادته (ع) سنة 255 هـ قبل شهادة أبيه الإمام العسكري بخمس سنين، وأمّه حفيدة قيصر ملك الروم يرجع نسبها إلى أحد حواري عيسى (ع)، وقد رآه الكثير من المؤمنين في حياة أبيه الإمام العسكري (ع)، وبعد توليه منصب الإمامة كان يراه سفراؤه الأربعة في زمن الغيبة الصغرى ولمدّة تزيد عن سبعين عاماً، ثم شاء الله أن تقع الغيبة الكبرى، وسيبقى (ع) حياً حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وجاء ذكره في التوراة والإنجيل ويسمّى فيها بـ (قديم الأيام) لطول عمره (ع). وينزل عيسى (ع) في زمن قيامه من السماء وزيراً له ومؤيداً لحقّه (ع).
قيامه (ع) في مكة، يجتمع له أصحابه فيها، وعدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً على عدّة أهل بدر وأصحاب طالوت الذين عبروا معه النهر، ثم يتوافد المؤمنون المخلصون إلى مكّة من كل بلاد المسلمين حتى يبلغ العدد عشرة آلاف، وهم أول جيشه (ع)، ولا يخرج من مكّة لقتال الطواغيت حتى يخسف الله الأرض بجيش السفياني بين مكّة والمدينة، وهو جيش يرسل للقضاء على حركة المهدي (ع)، وبعد هذا الحادث يبدأ حركته بتطهير الأرض الإسلامية من الطواغيت وعبيدهم المجتمعين حولهم، ويقضي على السفياني وجنده الأرجاس، ويحرر الأرض المقدسة ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
ولكن الامتحانات في زمن ظهوره (ع) كثيرة، منها الدجال وجيوش الغرب، لكن الله ينصر وليه المهدي (ع) وجنود الله الذين معه على أعدائهم؛ ليظهر الدين الإلهي على الدين كلّه ولو كره المشركون كما وعد سبحانه وتعالى في كتابه الكريم القرآن ([131]).
ومن علامات قرب ظهوره (ع) أن تمنع السماء قطرها، وحر شديد، واختلاف الشيعة، ويقع الموت في الفقهاء، وقتل كثير منهم في النجف، وحصار اقتصادي على العراق كما ورد يكاد لا يجبى للعراق قفيز ولا درهم([132])، ومنع أهل العراق من الحج، والذين يمنعونهم الروم (الغرب اليوم)كما روي عن الصادق (ع) مخاطباً بعض أهل العراق: (… فعند ذلك تمنعون الحج وتنقص الثمار وتجدب البلاد وتبتلون بغلاء الأسعار وجور السلطان ويظهر فيكم الظلم والعدوان مع البلاء والوباء والجوع وتظلكم الفتن من الآفاق …) ([133]).
وزخرفة المساجد، وتزيين المصاحف، والأكل في المساجد، وأن تصبح السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة، وقتل أربعة آلاف مسلم في مسجد الكوفة في يوم الجمعة يقتلهم حكّام العراق، وهدم حائط مسجد الكوفة، واختلاف حكّام العراق فيما بينهم. وهذا الاختلاف أول علامات ذهاب ملكهم وطمع الناس فيهم، وظهور الكوكب المذنب يضيء كما يضيء القمر وينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، والنداء من السماء في شهر رمضان في الثالث والعشرين منه، وظهور السفياني في الشام؛ في الأردن واحتلاله سوريا وبعض فلسطين، وقبله يحصل اختلاف في الشام على الحكم، ودخول السفياني العراق وقتله حاكم العراق، وخسوف القمر في آخر شهر رمضان لخمس بقين منه، وكسوف الشمس في منتصف شهر رمضان، وهاتين العلامتين في شهر واحد.
وفيضان يملأ الكوفة في سنة قيامه (ع)، وأن تمطر السماء أربع وعشرين مطرة ترى آثارها وبركاتها في الأرض في سنة قيامه (ع). وأن يفسد التمر في النخل وورد أن تفسد الثمار في الأشجار ([134])، وظهور نار في الحجاز، وظهور نار في السماء، وظهور حمرة في السماء، وركود الشمس عند الزوال، وخراب بغداد بالحروب والفتن، وخراب البصرة، وظهور ذكره (ع) على ألسنة الناس، وخروجه في وتر من السنين، وقتل النفس الزكية في الكعبة يذبح بين الركن والمقام، ويقوم القائم بعد هذه العلامة بخمسة عشر يوماً أو أقل منها.
وبعد قيامه توجد علامات للدلالة عليه، وهي الخسف بجيش السفياني في البيداء بين مكّة والمدينة، وربما كان النداء بعد قيامه للدلالة على حقّه خصوصاً أنّ المنادي جبرائيل (ع) في السماء.
هذا بعض ما ورد في الحديث عنهم (ع) والله أعلم، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً نسأله سبحانه الزيادة.
والسلام على حجة الله في أرضه ورحمة الله وبركاته.
والسلام على المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته.
﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾([135]).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾([136]).
Comment