صحة الحديث كيف تُعرف
من طرف سلمان منا أهل البيت
صحة الحديث كيف تُعرف
تطلق صحة الحديث تارة ويراد منها أن الحديث معتبر ومعتمد عليه لتواتره ، أو لاقترانه بأحد القرائن الموجبة
للعلم بصحته كوجوده في أحد الكتب المعتبرة التي شهد مؤلفوها بصحة ما فيها من أحاديث أو لموافقته للقرآن و السنة الثابتة أو روايته من قبل الرواة الذين أُجمع على أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ،الى غيرها من القرائن التي أوصلها الحر العاملي في خاتمة الوسائل الى (21) قرينة .
وعلى ذلك لا تنحصر صحة الخبر بوثاقة رجال السند فقط ،وهذا هو مبنى المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين ،كالشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي والشيخ الصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه و الشيخ الطوسي صاحب كتابي التهذيب والإستبصار و الشيخ المفيد و السيد مرتضى وغيرهم (رحمهم الله جميعاً) إضافة إلى كثير من المتأخرين كالحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة والفيض الكاشاني والأمين الأسترآبادي و المحقق الكركي وغيرهم (رحمهم الله تعالى) .
وتارة تطلق صحة الحديث ويراد منها ما كان رواته كلهم شيعة إمامية عدول، الذي هو أحد الأقسام الأربعة ( الصحيح ، الموثق ، الحسن ، الضعيف ) التي كانت من مباني أبناء العامة وتبناها بعض علماء الشيعة في القرن السابع للهجرة تقريباً أي بعد الغيبة الكبرى بخمسمائة سنة تقريباً. وهذا هو مبنى أكثر المتأخرين ، وقد وقع اختلاف شديد بين العلماء حول هذا التقسيم للخبر لأنه يستلزم رد الحديث وان كان ثابتاً في الكتب المعتمدة بحجة أن أحد رواته ضعيف أو مجهول ، وقد صرح الكثير من العلماء أن كثيراً من الكتب التي عرضت على الأئمة (ع) وجوزوا العمل بها، تحتوي على رواة ضعاف ومجاهيل ، فهل يستلزم ذلك ردها وقد شهد الأئمة (ع) بصحتها ؟ ولم يتحرر النزاع في هذا الموضوع الى يومنا هذا ، ويعد هذا المبنى المتأخر (التقسيم الرباعي للخبر) من المستحدثات التي لم يُتفق عليها .
قال الشيخ بهاء الدين في مشرق الشمسين بعد ذكر تقسيم الحديث الى الأقسام الأربعة المشهورة:
(وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما أعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه...) خاتمة الوسائل ص65.
ونقل الحر العاملي كلام الشيخ الطوسي في هذا الموضوع ملخصاً : (إن أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام : منها ما يكون متواتراً و منها ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر ، ومنه ما لا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن دلت القرائن على وجوب العمل به ، وإن القسم الثالث ينقسم إلى أقسام : منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً ، ومنها ما انعقد إجماعهم على صحته وإن كل خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة) خاتمة وسائل الشيعة ص64-65.
وقد نقل هذ الكلام وارتضاه الشيخ جعفر السبحاني إذ قال : (وهناك وجه ثالث في توثيقات المتأخرين، وهو أن الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم – عليه السلام - لا خصوص خبر الثقة ، وبينهما فرق واضح ، إذ لو قلنا بأن الحجة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل وإن لم يكن نفس الخبر موثوقاً بالصدور .
ولا ملازمة بين وثاقة الراوي وكون الخبر موثوقاً بالصدور، بل ربما يكون الراوي ثقة ، ولكن القرائن والأمارات تشهد على عدم صدور الخبر من الامام - عليه السلام - وأن الثقة قد التبس عليه الأمر، وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن المناط هو كون الخبر موثوق الصدور، إذ عندئذ تكون وثاقة الراوي من إحدى الإمارات على كون الخبر موثوق الصدور، ولاتنحصر الحجية بخبر الثقة، بل لو لم يحرز وثاقه الراوي ودلت القرائن على صدق الخبر وصحته يجوز الأخذ به.
وهذا القول غير بعيد بالنظر إلى سيرة العقلاء ، فقد جرت سيرتهم على الأخذ بالخبر الموثوق الصدور، إن لم تحرز وثاقة المخبر، لأن وثاقة المخبر طريق إلى إحراز صدق الخبر، وعلى ذلك فيجوز الأخذ بمطلق الموثوق بصدوره إذا شهدت القرائن عليه...) كليات في عالم الرجال ص155-156 للشيخ جعفر السبحاني.
والحق إن ما أفاده الشيخ جعفر السبحاني هنا رصين جداً ويدل على إن كثيراً من المتأخرين قد تبعوا المتقدمين في طريقة الأخذ بالأخبار ، وعلى هذا لا يبقى موضوع للتقسيم الرباعي المستحدث .
وفي الحقيقة إن الاعتماد في صحة الخبر على رجال السند فقط خطأ واضح ،إذ ربما يكون رجال السند كلهم ثقات ولا يمكن العمل بالخبر لكونه شاذاً أو معتلاً معارضاً بمتواتر أو مضطرب متناً أو مخالفاً للقرآن الى غيرها من الأمور التي توجب التوقف عن العمل بالخبر الصحيح السند ، حسب قواعد الدراية .
وربما يكون رجال السند فيهم المجروح أو المجهول ولكن يجب العمل بالخبر لكونه محفوفاً بقرينة موجبة للعلم بصدوره عن المعصوم (ع) ولا يلتفت حينئذ الى ضعف السند لعدم اعتباره في مثل تلك الموارد ، وقد إحتوت الكتب الأربعة في إسناد رواياتها على كثير من الرجال المجروحين والمجاهيل رغم ذلك أوجب مؤلفوها العمل بها وأنها حجة فيما بينهم وبين الله وأعتمد عليها كل من تأخر عنهم إلا من شذ بلا دليل ،حتى أن النائيني من أبرز علماء الأصوليين ورغم ذلك صرح بصحة كل روايات الكافي بقوله : ( إن المناقشة في سند روايات الكافي حرفة العاجز وعكازة الأعرج ) معجم رجال الحديث ج1.
وهاك قول العلامة المجلسي في الاعتماد على الكتب المعتبرة بغض النظر عن السند إلا عند تعارض الأخبار وهو نادر إذ قال : ( إن الحق عندي إن وجد الخبر في أمثال تلك الأصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به ولكن لا بد من الرجوع إلى الأسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض) كليات في علم الرجال ص 372 .
وبهذا اتضح إن صحة الحديث لا تنحصر بصحة رجال سنده فقط ، بل إن صحة السند هي أحد القرائن الكاشفة عن صحة الحديث والتي هي أكثر من عشرين قرينة .
وعلى هذا يكون الخبر المعتبر من خلال القرائن أقوى من الخبر المعتمد من خلال السند فقط ويصح القول إن كل خبر معتبر يجوز العمل به ،وليس كل خبر صحيح السند يجوز العمل به ،لجواز ابتلائه بمعارض أقوى منه كالمتواتر أو لاضطراب متنه وغيرها من العوارض التي تستدعي التوقف في الخبر الصحيح الإسناد ، كما هو مقرر في علم الدراية .
وأما الخبر المعتبر فيجوز العمل به مطلقاً لأنه إذا كان له معارض أو مشوش متناً لما وصف بالإعتبار .
والأكثر من هذا إن الشيخ الطوسي قال بوجوب العمل بالخبر المنقول عن طرق أبناء العامة إذا لم يكن له معارض من طرق ثقات الشيعة ،حيث قال : (أما إذا كان مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب ، و روي مع ذلك عن الأئمة - عليهم السلام – نظر فيما يرويه ، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه ، وجب إطراح خبره . وإن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ، وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ، ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضاً العمل به ) ص223-224الشيخ جعفر سبحاني .
أي إن الخبر حتى لو كان ضعيف السند ووجد ما يوافقه من أخبار الأئمة الصحيحة سنداً أو لم يوجد له معارض أو موافق وجب العمل به .
ونقل لنا الشهيد الثاني في درايته جواز العمل حتى بالخبر الضعيف إذا أشتهر مضمونه ،إذ قال إن جماعة كثير أجازوا العمل بالخبر الضعيف إذا إعتضد بشهرة الفتوى بمضمونه في كتب الفقه ، بتعليل إن ذلك يوجب قوة الظن بصدق الرواية وان ضعف الطريق ،فإن الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه ) الدراية ص 27.
واختار ذلك المحقق الحلي أيضاً قائلاً : ( والتوسط أصوب .فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به .وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب إطراحه الخ) وقال عند ذكر خبر رفعه محمد بن أحمد بن يحيى : (وهذا وان كان مرسلاً إلا إن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه). قواعد الدراية ص110.
والمتتبع لأقوال العلماء في علم الدراية والرجال يجدها متضاربة ومختلفة لاتكاد تتفق على قاعدة واحدة إلا نادراً ، ولكل منهم أدلة وعلى أدلته نقوض وهكذا هلّم جراً الى يومنا هذا ، فكيف يمكن لأحد أن يجزم بصحة مبنى فلان دون فلان ولاسيما إذا لاحظنا أن أغلب آرائهم غير معتمدة على نص من معصوم ،فقد يكون مبنى واحد منها صحيح وقد تكون كلها خاطئة ولا يمكن أن تكون كلها صحيحة لأنها متضادة .
وفي الحقيقة إن الاعتماد على كتب الرجال في الأخذ في الأخبار لا يجدي نفعاً لوجود إشكالات محكمة عليها لا يسعني الآن ذكرها ولتضاربها في الكثير من الرواة ، وأنجح سبيل للعمل بالروايات هو الاعتماد على ما ضبطه أوثق العلماء المتقدمين القريبين من عصر التشريع
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
من طرف سلمان منا أهل البيت
صحة الحديث كيف تُعرف
تطلق صحة الحديث تارة ويراد منها أن الحديث معتبر ومعتمد عليه لتواتره ، أو لاقترانه بأحد القرائن الموجبة
للعلم بصحته كوجوده في أحد الكتب المعتبرة التي شهد مؤلفوها بصحة ما فيها من أحاديث أو لموافقته للقرآن و السنة الثابتة أو روايته من قبل الرواة الذين أُجمع على أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ،الى غيرها من القرائن التي أوصلها الحر العاملي في خاتمة الوسائل الى (21) قرينة .
وعلى ذلك لا تنحصر صحة الخبر بوثاقة رجال السند فقط ،وهذا هو مبنى المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين ،كالشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي والشيخ الصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه و الشيخ الطوسي صاحب كتابي التهذيب والإستبصار و الشيخ المفيد و السيد مرتضى وغيرهم (رحمهم الله جميعاً) إضافة إلى كثير من المتأخرين كالحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة والفيض الكاشاني والأمين الأسترآبادي و المحقق الكركي وغيرهم (رحمهم الله تعالى) .
وتارة تطلق صحة الحديث ويراد منها ما كان رواته كلهم شيعة إمامية عدول، الذي هو أحد الأقسام الأربعة ( الصحيح ، الموثق ، الحسن ، الضعيف ) التي كانت من مباني أبناء العامة وتبناها بعض علماء الشيعة في القرن السابع للهجرة تقريباً أي بعد الغيبة الكبرى بخمسمائة سنة تقريباً. وهذا هو مبنى أكثر المتأخرين ، وقد وقع اختلاف شديد بين العلماء حول هذا التقسيم للخبر لأنه يستلزم رد الحديث وان كان ثابتاً في الكتب المعتمدة بحجة أن أحد رواته ضعيف أو مجهول ، وقد صرح الكثير من العلماء أن كثيراً من الكتب التي عرضت على الأئمة (ع) وجوزوا العمل بها، تحتوي على رواة ضعاف ومجاهيل ، فهل يستلزم ذلك ردها وقد شهد الأئمة (ع) بصحتها ؟ ولم يتحرر النزاع في هذا الموضوع الى يومنا هذا ، ويعد هذا المبنى المتأخر (التقسيم الرباعي للخبر) من المستحدثات التي لم يُتفق عليها .
قال الشيخ بهاء الدين في مشرق الشمسين بعد ذكر تقسيم الحديث الى الأقسام الأربعة المشهورة:
(وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما أعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه...) خاتمة الوسائل ص65.
ونقل الحر العاملي كلام الشيخ الطوسي في هذا الموضوع ملخصاً : (إن أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام : منها ما يكون متواتراً و منها ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر ، ومنه ما لا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن دلت القرائن على وجوب العمل به ، وإن القسم الثالث ينقسم إلى أقسام : منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً ، ومنها ما انعقد إجماعهم على صحته وإن كل خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة) خاتمة وسائل الشيعة ص64-65.
وقد نقل هذ الكلام وارتضاه الشيخ جعفر السبحاني إذ قال : (وهناك وجه ثالث في توثيقات المتأخرين، وهو أن الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم – عليه السلام - لا خصوص خبر الثقة ، وبينهما فرق واضح ، إذ لو قلنا بأن الحجة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل وإن لم يكن نفس الخبر موثوقاً بالصدور .
ولا ملازمة بين وثاقة الراوي وكون الخبر موثوقاً بالصدور، بل ربما يكون الراوي ثقة ، ولكن القرائن والأمارات تشهد على عدم صدور الخبر من الامام - عليه السلام - وأن الثقة قد التبس عليه الأمر، وهذا بخلاف ما لو قلنا بأن المناط هو كون الخبر موثوق الصدور، إذ عندئذ تكون وثاقة الراوي من إحدى الإمارات على كون الخبر موثوق الصدور، ولاتنحصر الحجية بخبر الثقة، بل لو لم يحرز وثاقه الراوي ودلت القرائن على صدق الخبر وصحته يجوز الأخذ به.
وهذا القول غير بعيد بالنظر إلى سيرة العقلاء ، فقد جرت سيرتهم على الأخذ بالخبر الموثوق الصدور، إن لم تحرز وثاقة المخبر، لأن وثاقة المخبر طريق إلى إحراز صدق الخبر، وعلى ذلك فيجوز الأخذ بمطلق الموثوق بصدوره إذا شهدت القرائن عليه...) كليات في عالم الرجال ص155-156 للشيخ جعفر السبحاني.
والحق إن ما أفاده الشيخ جعفر السبحاني هنا رصين جداً ويدل على إن كثيراً من المتأخرين قد تبعوا المتقدمين في طريقة الأخذ بالأخبار ، وعلى هذا لا يبقى موضوع للتقسيم الرباعي المستحدث .
وفي الحقيقة إن الاعتماد في صحة الخبر على رجال السند فقط خطأ واضح ،إذ ربما يكون رجال السند كلهم ثقات ولا يمكن العمل بالخبر لكونه شاذاً أو معتلاً معارضاً بمتواتر أو مضطرب متناً أو مخالفاً للقرآن الى غيرها من الأمور التي توجب التوقف عن العمل بالخبر الصحيح السند ، حسب قواعد الدراية .
وربما يكون رجال السند فيهم المجروح أو المجهول ولكن يجب العمل بالخبر لكونه محفوفاً بقرينة موجبة للعلم بصدوره عن المعصوم (ع) ولا يلتفت حينئذ الى ضعف السند لعدم اعتباره في مثل تلك الموارد ، وقد إحتوت الكتب الأربعة في إسناد رواياتها على كثير من الرجال المجروحين والمجاهيل رغم ذلك أوجب مؤلفوها العمل بها وأنها حجة فيما بينهم وبين الله وأعتمد عليها كل من تأخر عنهم إلا من شذ بلا دليل ،حتى أن النائيني من أبرز علماء الأصوليين ورغم ذلك صرح بصحة كل روايات الكافي بقوله : ( إن المناقشة في سند روايات الكافي حرفة العاجز وعكازة الأعرج ) معجم رجال الحديث ج1.
وهاك قول العلامة المجلسي في الاعتماد على الكتب المعتبرة بغض النظر عن السند إلا عند تعارض الأخبار وهو نادر إذ قال : ( إن الحق عندي إن وجد الخبر في أمثال تلك الأصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به ولكن لا بد من الرجوع إلى الأسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض) كليات في علم الرجال ص 372 .
وبهذا اتضح إن صحة الحديث لا تنحصر بصحة رجال سنده فقط ، بل إن صحة السند هي أحد القرائن الكاشفة عن صحة الحديث والتي هي أكثر من عشرين قرينة .
وعلى هذا يكون الخبر المعتبر من خلال القرائن أقوى من الخبر المعتمد من خلال السند فقط ويصح القول إن كل خبر معتبر يجوز العمل به ،وليس كل خبر صحيح السند يجوز العمل به ،لجواز ابتلائه بمعارض أقوى منه كالمتواتر أو لاضطراب متنه وغيرها من العوارض التي تستدعي التوقف في الخبر الصحيح الإسناد ، كما هو مقرر في علم الدراية .
وأما الخبر المعتبر فيجوز العمل به مطلقاً لأنه إذا كان له معارض أو مشوش متناً لما وصف بالإعتبار .
والأكثر من هذا إن الشيخ الطوسي قال بوجوب العمل بالخبر المنقول عن طرق أبناء العامة إذا لم يكن له معارض من طرق ثقات الشيعة ،حيث قال : (أما إذا كان مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب ، و روي مع ذلك عن الأئمة - عليهم السلام – نظر فيما يرويه ، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه ، وجب إطراح خبره . وإن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ، وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ، ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضاً العمل به ) ص223-224الشيخ جعفر سبحاني .
أي إن الخبر حتى لو كان ضعيف السند ووجد ما يوافقه من أخبار الأئمة الصحيحة سنداً أو لم يوجد له معارض أو موافق وجب العمل به .
ونقل لنا الشهيد الثاني في درايته جواز العمل حتى بالخبر الضعيف إذا أشتهر مضمونه ،إذ قال إن جماعة كثير أجازوا العمل بالخبر الضعيف إذا إعتضد بشهرة الفتوى بمضمونه في كتب الفقه ، بتعليل إن ذلك يوجب قوة الظن بصدق الرواية وان ضعف الطريق ،فإن الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه ) الدراية ص 27.
واختار ذلك المحقق الحلي أيضاً قائلاً : ( والتوسط أصوب .فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به .وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب إطراحه الخ) وقال عند ذكر خبر رفعه محمد بن أحمد بن يحيى : (وهذا وان كان مرسلاً إلا إن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه). قواعد الدراية ص110.
والمتتبع لأقوال العلماء في علم الدراية والرجال يجدها متضاربة ومختلفة لاتكاد تتفق على قاعدة واحدة إلا نادراً ، ولكل منهم أدلة وعلى أدلته نقوض وهكذا هلّم جراً الى يومنا هذا ، فكيف يمكن لأحد أن يجزم بصحة مبنى فلان دون فلان ولاسيما إذا لاحظنا أن أغلب آرائهم غير معتمدة على نص من معصوم ،فقد يكون مبنى واحد منها صحيح وقد تكون كلها خاطئة ولا يمكن أن تكون كلها صحيحة لأنها متضادة .
وفي الحقيقة إن الاعتماد على كتب الرجال في الأخذ في الأخبار لا يجدي نفعاً لوجود إشكالات محكمة عليها لا يسعني الآن ذكرها ولتضاربها في الكثير من الرواة ، وأنجح سبيل للعمل بالروايات هو الاعتماد على ما ضبطه أوثق العلماء المتقدمين القريبين من عصر التشريع
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
Comment