إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

هل يعرف إبليس(لع) الحقيقة؟!

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • المحارب الوحيلي
    عضو جديد
    • 06-02-2013
    • 19

    هل يعرف إبليس(لع) الحقيقة؟!

    المقال منقول للدكتور علي كتابي~
    إن من الأمور التي غابت عن رصيد الناس المعرفي وغطاها غبار النسيان والإهمال ؛ هي شخصية ابليس(لع) ، فما موجود اليوم في ذاكرة الناس أن هذه الشخصية ليست أكثر من شخصية ملعونة لا يأتي منها غير الشر وكل ما هو سيء ، ولذلك نتعوذ بالله سبحانه منها عندما يرد ذكرها ، بل نتهرب كثيرا من ذكرها ، مع أننا نشاركها الوجود وتشاركنا الحياة إلى اليوم الموعود!
    والغريب أن الناس دائما تردد هذه الكلمة الحكيمة (إعرف عدوك) ولكنها في الميدان العملي تتهرب حتى من ذكر هذا العدو فضلا عن التحاور فيه أو التدبر في الحال الذي صيره رمزا للشر ولكل ما هو سيء ورديء ، ومعرفة ذلك ضرورة للاعتبار ، فمن الحماقة أن يقع المرء في حفرة وقع بها أحد قبله ، ووقعة ذاك كانت مشهورة ومعروفة ، بل وعلى هذه الحفرة تحذير من الوقوع فيها.
    إلى وقت قريب لم يكن يعرف الناس أن إبليس(لع) عالم من العلماء ، ومرت عليه فترة كان فيها هو طاووس الملائكة ـ ولذلك هناك البعض ممن يقدس الطاووس ـ وكان يتنعم في ملكوت الله ، بل ونسبه الله سبحانه إلى سكان الملكوت وهم الملائكة فقال جل شأنه{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى}(طه/116) ، ولما كانت سنة الله سبحانه الثابتة لخلقه هي الابتلاء والامتحان المستمر ليخرج ما انطوت عليه نفوس الممتحنين ـ بفتح الحاء ـ من المعرفة بالله سبحانه والطاعة لأمره ، كان الامتحان بخليفة الله على الأرض وكان مصداقه الأول هو آدم(ع).
    والآية الكريمة سالفة الذكر بينت أن ابليس(لع) أبى أن يسجد لآدم(ع) امتثالا وطاعة لأمر الله سبحانه ، ولنرى هل كان إباؤه عن علم أو عن جهل ، فإن كان عن علم فهو مستكبر على من خلقه ، وإن كان عن جهل فالله جلت قدرته هو أرحم الراحمين ولا يكلف خلقه ما لا يطيقون ، بل قد وضع عنهم ما يجهلون بدليل قوله لملائكته الذي جهلوا الحكمة من تنصيب آدم(ع) خليفة له على الأرض {إني أعلم ما لا تعلمون} ولما استغفروه لجهلهم غفر لهم ، إلا ابليس(لع) كان اعتراضه إباء واستكبارا ، ولا يكون هذا الحال في المخلوق إلا عن علم ومعرفة.
    وربما يسأل القارئ ما الدليل من القرآن على ما تقوله في إبليس(لع) من أنه كان عالما وعارفا بالحقيقة؟؟!! وقبل الجواب لابد من التمهيد قليلا له ؛ ابليس(لع) لماذا رفض الانصياع لأمر الله سبحانه بالسجود لآدم(ع)؟! الجواب : لأنه يعلم تماما أن هذا السجود سيترتب عليه طاعة إبليس لآدم(ع) في كل ما يأمر لان طاعته هي طاعة الله سبحانه ، ولما نظر ابليس(لع) إلى نفسه ووزنها بميزان ما يعرف وما تبين له من العلم قبال هذا المخلوق الجديد الذي ليس له من المساحة الزمنية ما يملكها ابليس(لع) وهذه المساحة الزمنية أهلته لان يكون عارفا وعالما ، وبهذا التأهيل رأى نفسه أفضل من هذا المخلوق الذي لا يمتلك هذه المساحة الزمنية في المعرفة ، ولذا أبى أن يطيع أمر الله سبحانه بالسجود لآدم(ع) لأنه كان يرى نفسه خير من آدم(ع).
    وهنا يأتي سؤال آخر يمهد للإجابة عن السؤال الأساس عن علم ابليس(لع) : كيف أثبت خيريته على آدم(ع) بصورة واقعية ليبرر لنفسه فعلته الشنيعة في رفض الأمر الإلهي؟! الجواب : أثبته بإغواء آدم(ع) وخداعه بما يمتلك من علم ومعرفة ، فبدلا من أن يستعمل العلم والمعرفة في سبيل الخير وذلك بتعريف الخلق بربهم سبحانه راح يستعملها بالإغواء ، فإبليس(لع) يعلم من الله سبحانه أن الغاية من وجود الخلق هو أن يكونوا عارفين معرِّفين بربهم سبحانه ، وهذا التعريف بالله سبحانه لا يكون إلا باصطباغ المخلوق بصبغة الخالق سبحانه ، أي يكون المخلوق مظهرا في حركته وعمله لصفات الله سبحانه ، ولعل أعظم صفتين دالتين على الخالق سبحانه ومعرفتين به هما صفتا : الملك والخلود المجتمعتان في صفة الرحمة.
    بعد هذه المقدمة البسيطة نصل إلى جواب السؤال ؛ إبليس(لع) بماذا أغوى آدم(ع)؟! أغواه وأغراه بالأكل من الشجرة ، وما سر هذه الشجرة؟! إنها شجرة الخلد وملك لا يبلى ، ومن يأكل من هذه الشجرة يكون ملكا ويكون خالدا ، وفي صفحة وجود المخلوق المعرف بالله سبحانه هذا الانجذاب لهاتين الصفتين موجود وأصيل ، ولكن بقي أن نعرف أن هذه الشجرة لا يأكل منها أحد إلا بإذن صاحبها سبحانه ، فمن يأذن له ، له أن يأكل ، ومن لا يأذن له يكون أكله من الشجرة وبالا عليه ، لأنه بحاله تلك يكون سارقا لشيء ليس له وغاصبا لحق لم يؤذن له فيه ، فما بالك والحال أن آدم(ع) منهي عن الاقتراب ـ وليس الاكل ـ من هذه الشجرة؟؟!! وابليس(لع) يعلم تمام العلم أن من شرف آدم(ع) وجعله مناط التكليف لخلافة الله في الأرض هو تعهده بحفظ أمانة الله وهي هذه الشجرة ، وأنه عاهد الله سبحانه على الامتثال لنهيه!!
    لنرى الآن كيف استعمل ابليس(لع) المعرفة في سبيل الاغواء والاحتيال ولم يستعملها في طريق الخير والهدى والصلاح كما اراد لها ربها سبحانه ، قال تعالى{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}(طه/115-121) ، نعم الشجرة هي حقا وصدقا أنها شجرة الخلد وملك لا يبلى ، فهي شجرة علم الله سبحانه ، وابليس(لع) كان عارفا بهذه الحقيقة ، وعلم أن العلم الذي نطق به آدم(ع) واحتج به على الملائكة إنما كان من هذه الشجرة ـ وكل هذه معرفة وعلم عند ابليس(لع) ـ لكنه عندما جاء إلى الميدان العملي ليظهر حقيقة شكره لله سبحانه على نعمة المعرفة أظهرها بدءا بالتكبر ، ولحقها وختمها بالإغواء ولذا قرر هو بنفسه أن يبلس من رحمة الله سبحانه ، أي يخرج من ساحة الرحمة خالي الوفاض ، ومن يكون حاله ـ والعياذ بالله ـ كتلك الحال فلا مكان له إلا في ساحة اللعن أي الطرد من رحمة الله سبحانه.
    ولعل ما نستفيده من هذا المقال هو : إن المعرفة هي فيض الله سبحانه وعطاؤه ولم يحرم منها أحد من خلقه فهو الجواد الكريم ، قال تعالى{كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً}(الإسراء/20) ، ولكن افترق الناس في التعاطي مع كرم الله وعطائه ، فمنهم من سخر عطاء الله للقضاء على خلق الله ولإضلالهم واستعبادهم ، ومنهم من سخر عطاء الله لرضا الله سبحانه ولصلاح الناس وهدايتهم ، وهذا الحال واضح اليوم وضوح الشمس في رابعة النهار ، فلا أحد ينكر أن الحضارة المادية الهائلة هي علم ومعرفة ، ولكن من أفاد من هذا العلم والمعرفة لم يجعله في سبيل الله ولم يستعمله في معرفة المعطي وهو الله سبحانه بل تكبر وقال كمقالة قارون(لع) ممثل المنهج الإبليسي في زمن موسى(ع) حيث حكى الحق سبحانه مقالته {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ}(القصص/76-81).
    وقارون اليوم واضح جلي لا يحتاج إلى تشخيص ، وكل الناس اليوم يقولون (يا ليت لنا مثل ما أوتي الغرب وأمريكا) إلا من رحم ربي ، ولذا نرى الناس اليوم تسخر وتستهزئ بكل صوت يذكرهم بالله سبحانه ويدعوهم إليه ويقول لهم (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون) ودلالة الإيمان هو اتباع الرسول (خليفة الله في كل زمان) ، ودلالة العمل الصالح هو العمل بين يدي ذلك الرسول ، ودلالة الصبر هو أن العاملين لا يهنون ولا يحزنون على الرغم من استهزاء الناس بهم وتكذيبهم والتآمر عليهم بالقتل والتطريد والتشريد ، فهل من سامع معتبر ، وقارئ يتعظ؟؟
Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎