Tweet
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
لكن الفتى وان كان عاد اليه بعض رشده الا أنه ما استبان له شيئ ما معالم الطريق فيسلكه ، وما وجد من دليل فيتبعه ، وقد خارت قواه وحار به السبيل وطال به تيهه . حقا كانت سطور الحق من أبيه الحق تشده ، وكانت سياط الضمير من غفلته تلهب ظهره ... الا ان الفتى آثر عجزه وقعد به ثقل ما امتلأت به حقائبه . وبينما الفتى بين ميت وحي ، وغفلة وفواق ، وعزم وخوار ، اذ يصيح به صائح: يا هذا هاهو صالح .. أخوك .. أرسله أبوك .. ليعود بك اليه ..
كان الفتى فكّر – ويالها من "فكرة" كانت - في الاغتراب عن أهله ، فقال له أبوه: يا بني اقم معنا فلا داعي لتغترب بعيدا عن ذويك ، نحن نحبك ، ومن تريد ان ترحل وتقيم بينهم لا يحبونك ، بل ستعلم انهم عدوك حين تقيم عندهم وتهجرنا . وانك تعلم أن كل ما تحتاجه (وفوق ماتحتاج) عندي أنا . فأنا الملك ومن أنت ذاهب اليهم ما هم الا رعايا لي - وان كانوا لايعرفون حقي – وما يملكون مما أجود به عليهم ، فكيف يليق بك أن تهجرني اليهم . فرد ابنه قائلا: يا أبي اني اريد مالي "أنا" لامالك ، مالي "أنا" الذي اكسبه بدرياتي وخبرتي ، مالي الذي املكه في يدي وأفعل فيه ما أشاء لا يحاسبني على ما أفعل أحد . وانك تعلم ما بلغت من العلم فدعني اخطط حياتي بعقلي وأهنأ بشبابي كما يفعل كل أقراني . ثم يا أبتاه كان لكم يوما عاصرتموه ، واليوم لنا نحن الشباب وعصرنا عصر العلم والتمدن و"التكنولجيا" فدعني أرجوك في حالي . وحاول الأب الرحيم وسعه فما انثنى الولد وسافر .
وصل الولد الى الديار الغربية التي رحبت به ايما ترحيب وفتحت له أذرعه في شوق الي رؤياه حتى تيقن أن أباه ما أحسن نصيحته . وبلغ الولد في صنوف اللذة والمباهج بما ظن ان جاه ابيه وملكه لم يكن الا ارثا قديما لم يكن يبلغ به معشار ما هو فيه من هناءة العيش وطيبها . وتقدمت بالولد سنه وتناثرت سنينه وهو لا ينسى ذلك اليوم الذي بدأ يذكر فيه أباه ووطنه ، ويشتاق الي اقران الصبا . كان ذلك اليوم بداية لرحلة للعود الي وطنه . ولم يمر يوم بعده الا تتفتح بصره وانتبه فؤاده الي الغبن الذي أوقعه فيه جهلهه الذي ظنه علما ، وقلة فهمه الذي حسبه فهما ، وطيش شبابه الذي عده حكمة ورأيا . ولاشك ان الولد ما كان الولد ليعلم مما علم – وما كان ليطرق لبه – لولا سطور رسائل الوالد الرحيم الذي ما فتأ يذكره بـ"أصله" وما أنشأه عليه منذ نعومة أظافره . كيف وما أبقى به دنس ما تمرغ بترابه من لب يفقه او قلب "يعي" او فكر يعقل !! وتذكر الفتى كيف كان لايهمه المال وما كان ينقصه ، ولا الشباب وهو يملكه . وذكر ذلك الصفاء الذي مافارقه أبدا يوما وهو في رحب أبيه يعب من عطفه عبا وهو لايخش الغد ... واليوم كم أنا ضعت في هذه الصحراء التي حسبتها جنة ، وكم أنا فقير رغم ما أملك – أو أحسب أني أملك .. لقد أوتيت ما أردت وفوق ما أردت من خيرات هذه الديار وسابقت أهلها وسبقتهم ، فوجدتني ما سابقت الا كلابا . وتقربت الى ديار "الغربة" حتى عادت الغربة في دياري التي طالما هجرتها ، وتوددت الي "لئآم" أهلها الذين ظننتهم أحرارا فوجدتهم شر عبيد ، وتوسمت فيهم الود فما جنيت الا الصدود ، وصاحبتهم بالحسنى فما صحبني الا عدو لدود ... صار الفتى في سنيه الأخيرة السابقة هذا حاله تحدثه به نفسه ... افق الي "وعيك" قبل فوات الآوان واحزم حقائبك او أهرب بجلدك فما عادت هذه ديارك ولا ما تحويه حقائبك لازمتك . او لا ترى أن المال ما هو عارية ان كان "مالك" او كان مال من هو أحوز له منك وأحرص على ما احتوته خزائنه !! او ما تفقه أنك تطارد سرابا ما رواك شربك منه (حتى الثمالة) وما بلت عروقك.. او لم تأكل – حتى اتخمت – ومازادك ما أكلت الا نهما .. او ما تقلبت في جمر السخط على حالك وشكوت للحجر مابك وان توهمت الرضا . كم ضحكت فعاد صداه اليك نحيبا ، وكم لهوت فانساك لهوك ذكرا.. وكم بت – ليلة - على سكر فأفقت غدها على أمر .. كم هي غريبة هذه الدار عليك وان طال مكثك بها وكم أنت عنها غريب ..لكن الفتى وان كان عاد اليه بعض رشده الا أنه ما استبان له شيئ ما معالم الطريق فيسلكه ، وما وجد من دليل فيتبعه ، وقد خارت قواه وحار به السبيل وطال به تيهه . حقا كانت سطور الحق من أبيه الحق تشده ، وكانت سياط الضمير من غفلته تلهب ظهره ... الا ان الفتى آثر عجزه وقعد به ثقل ما امتلأت به حقائبه . وبينما الفتى بين ميت وحي ، وغفلة وفواق ، وعزم وخوار ، اذ يصيح به صائح: يا هذا هاهو صالح .. أخوك .. أرسله أبوك .. ليعود بك اليه ..
Comment