رؤيا عثمان بن عفَّان رضي الله عنه أنه سيُقتَل، وقد جاء ذلك في عِدَّة أحاديث؛ منها: ما رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد في "الطبقات" عن أمِّ هلال بنت وكيع، عن امرأة عثمان قالت: أغْفَى عثمان، فلمَّا استيقظ قال: إنَّ القوم يقتلونني، قلت: كلاَّ يا أمير المؤمنين، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، قال: قالوا: ((أفطِرْ عندنا الليلة))، أو قالوا: ((إنَّك تُفطِر عندنا الليلة)).
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة والحاكم عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن عثمان رضي الله عنه أصبح يُحدِّث الناس، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلةَ في المنام، فقال: ((يا عثمانُ، أفطِر عندنا))، فأصبح صائمًا، وقُتِل من يومه، صحَّحه الحاكم والذهبي.
وقد رواه ابن سعد في "الطبقات" عن نافع، قال: أصبح عثمانُ بن عفان يومَ قُتِل يقصُّ رؤيا على أصحابه رآها، فقال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم البارحة، فقال لي: ((يا عثمانُ، أفطِر عندنا))، قال: فأصبح صائمًا، وقُتِل في ذلك اليوم، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا.
ومنها: ما رواه أبو يعلَى الموصليُّ، وعبدالله بن الإمام أحمد في "زوائد المسند" عن مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان: أنَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام، ورأيت أبا بكر وعمر، وإنَّهم قالوا لي: ((اصبرْ فإنَّك تُفطِر عندنا القابلة))، ثم دعا بمصحف فنشَرَه بين يديه فقُتِل وهو بين يديه.
قال الهيثمي: رجالهما ثقات، وصحَّح الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد إسنادَ هذا الحديث.
ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وابن عبَّاس، وأمِّ سلمة - رضي الله عنهم - في قتْل الحسين بن علي - رضي الله عنهما -
فأمَّا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فهي في حديثٍ رواه الحاكم عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها -: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذاتَ ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرَقَد، ثم استيقظ وفي يده تُربةٌ حمراء يُقلِّبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: ((أخبَرَني جبريل أنَّ هذا يُقتَل بأرض العِراق)) للحسين، ((فقلت لجبريل: أرِنِي تربةَ الأرض التي يُقتَل بها، فهذه تربتها)).
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وقد رواه الطبراني في "الكبير" مختصرًا، ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذاتَ يوم فاستيقظَ وهو خاثِر النفس، وفي يده تُربةٌ حمراء يقلبها فقلت: ما هذه التربةُ يا رسول الله؟ فقال: ((أخبَرَني جبريل - عليه السلام - أنَّ هذا يُقتَل بأرض العراق)) للحسين ((فقلت لجبريل: أرِني تربةَ الأرض التي يُقتل بها، فهذه تربتها))، قال ابن الأثير: خاثِر النفس؛ أي: ثقيل النفس، غير طيِّب، ولا نشيط؛ انتهى.
وأمَّا رؤيا ابن عباس - رضي الله عنهما - فقد رواها الإمامُ أحمد والطبراني في "الكبير"، والحاكم من طريق عمَّار بن أبي عمَّار، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنِصف النهار أشعثَ أغبرَ معه قارورة فيها دَمٌ يلتقطه، أو يتتبع فيها شيئًا، قال: قلت: يا رسولَ الله ما هذا؟ قال: ((دمُ الحسين وأصحابه لم أَزلْ أتتبعه منذ اليوم))، قال عمَّار: فحَفِظْنا ذلك اليوم، فوجدناه قُتِل ذلك اليوم؛ هذا لفظ أحمد في إحدى الروايتَين، وإسناده في كلٍّ منهما صحيح على شرْط مسلم، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه، وقال الحاكم: صحيح على شرْط مسلم، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وأمَّا رؤيا أمِّ سلمة - رضي الله عنها - فقد رواها الترمذيُّ والحاكم من طريق رزين - وهو الجهني - قال: حدَّثتْني سلمى - وهي البكرية - قالت: دخلتُ على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يُبكيك؟ قالت: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تعني في المنام، وعلى رأسه ولحيتِه التراب، فقلت: ما لكَ يا رسول الله؟ قال: ((شهدتُ قتْلَ الحسين آنفًا))، قال الترمذي: هذا حديث غريب.
وفي رواية الحاكم قالت: رأيتُ رسول الله في المنام يبكي، وعلى رأسه ولحيتِه التراب... الحديث؛ وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الحاكم.
وقد انتقم الله - تبارك وتعالى - مِن قَتَلةِ الحسين رضي الله عنه على يدِ المختار بن أبي عُبَيد الثقفي الكذَّاب فتتبَّعهم وقتلهم،
وقد رأى الشعبيُّ في ذلك رؤيا رواها الطبراني في "الكبير" عن مجالِد، عن الشعبي، قال: رأيتُ في النوم كأنَّ رجالاً نزلوا من السماء، معهم حِراب يتتبَّعون قَتَلةَ الحسين رضي الله عنه فما لَبثتُ أن نزل المختار فقتَلَهم، قال الهيثمي: إسناده حسن.
ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا أمِّ حبيبة بنتِ أبي سفيان - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتزوَّجها، وقد جاء ذلك في قصَّة طويلة، ذَكَرها الحاكمُ في "المستدرك" في "ذكْر أمِّ حبيبة بنت أبي سفيان" من كتاب "معرفة الصحابة"، ففيه: أنَّ أمَّ حبيبة - رضي الله عنها - قالت: أرى في النوم كأنَّ آتيًا يقول لي: يا أم المؤمنين ففزعتُ، وأوَّلتُها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوَّجني، قالت: فما هو إلاَّ أن انقضتْ عِدَّتي، فما شعرتُ إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها: أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودُهنه، فدخلتْ عليَّ فقالت: إنَّ المَلِك يقول لك: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليَّ أن أزوِّجك، فقلت: بشَّركِ الله بخير، وقالت: يقول لك الملك وَكِّلي مَن يزوجك، وذكرتِ القصَّة؛ ورواه ابن سعد في "الطبقات" بنحوه.
ومن الرؤيا الظاهر: رؤيا المرأة التي حَلَفتْ أنَّ الله لا يُعذِّبها، وقد ذكرها الحاكم في "المستدرك" بإسناده عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، قال: اجتمع نساءٌ مِن نساء المؤمنين عندَ عائشة أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - فقالتِ امرأة منهنَّ: والله لا يُعذِّبني الله أبدًا، إنما بايعتُ رسول الله على ألاَّ أشركَ بالله شيئًا، ولا أسرِقَ ولا أزنيَ، ولا أقتلَ ولدي، ولا آتيَ ببهتان أفتريه بين يدي ورِجلي، ولا أعصيه في معروف، وقد وفَّيت، قال: فرجعتْ إلى بيتها فأُتيت في منامها، فقيل لها: أنت المتألية على الله - تعالى - ألاَّ يعذِّبَك، فكيف بقولك فيما لا يَعنيك، ومَنْعك ما لا يُغنِيك، قال: فرجعتْ إلى عائشة - رضي الله عنها - فقالتْ لها: إني أُتيتُ في منامي، فقيل لي كذا وكذا، وإني أستغفر الله وأتوب إليه، ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" مختصرًا.
ومن الرؤيا الظاهرة: قصَّة ثابت بن قيس بن شَمَّاس بعد موته، وقد روَى قصَّتَه الطبرانيُّ في "الكبير" عن عطاء الخراساني، قال: قدمتُ المدينة فسألتُ عمَّن يُحدِّثني بحديث ثابت بن قيس بن شَمَّاس، فأرشدوني إلى ابنته، فسألتُها -فذَكَر الحديث عنها، وفيه: فلمَّا استنفر أبو بكر المسلمين إلى أهلِ الرِّدة واليمامة ومسيلِمة الكذَّاب، سار ثابتُ بن قيس فيمَن سار، فلمَّا لقوا مسيلِمةَ وبني حنيفة هزَموا المسلمين ثلاثَ مرَّات، فقال ثابت وسالِم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنَّا نقاتل مع رسول الله فجعلاَ لأنفسهما حُفرةً فدخلاَ فيها فقاتلاَ حتى قُتِلا، قالت: وأُري رجلٌ من المسلمين ثابت بن قيس في منامه، فقال: إني لما قتلت بالأمس مَرَّ بي رجل من المسلمين، فانتزعَ منِّي درعًا نفيسة، ومنزلُه في أقصى العسكر، وعند منزله فرس يستنُّ في طِوَله، وقد أكفأ على الدِّرْع بُرْمة، وجعل فوقَ البُرمة رَحْلاً، وائتِ خالدَ بن الوليد فليبعثْ إلى درعي فليأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله فأعْلِمْه أنَّ عليَّ من الدَّيْن كذا، ولي من المال كذا، وفلان مِن رقيقي عتيق، وإيَّاك أن تقول هذا حُلْم، فتضيعه، قال: فأتى خالد بن الوليد فوجَّه إلى الدرع فوجَدَها كما ذَكَر، وقدم على أبي بكر فأخبره فأنفذ أبو بكر وصيتَه بعد موته، فلا نعلم أنَّ أحدًا جازتْ وصيته بعد موته إلاَّ ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه.
قال الهيثمي: وبنت ثابت بن قيس لم أعرفْها، وبقية رجاله رجالُ الصحيح، والظاهر أنَّ بنت ثابت بن قيس صحابيَّة، فإنَّها قالتْ: سمعت أبي، والله أعلم.
وروى الطبرانيُّ أيضًا من طريق ثابت عن أنس : أنَّ ثابت بن قيس جاءَ يومَ اليمامة، وقد تحنَّط ونشَر أكفانَه فقال: اللهمَّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وأعتذر مما صَنَع هؤلاء، فقُتِل، وكانت له درعٌ فسُرِقت فرآه رجل فيما يرى النائم، فقال: إنَّ درعي في قِدرٍ تحت الكانون في مكان كذا وكذا، وأوصاه بوصايا، فطلبوا الدرع فوجدُوها، وأنفذوا الوصايا.
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما أُمِر به عبدُ المطلب بن هاشم جَدُّ النبي من حَفْر زمزم بعدما اندرس موضعُها، وعفَى أثرُها، قال ابن إسحاق: حدَّثَني يزيد بن أبي حبيب المصريُّ، عن مرثد بن عبدالله اليزنيِّ، عن عبدالله بن زرير الغافقي: أنَّه سمع عليَّ بن أبي طالب يُحدِّث حديثَ زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرِها، قال: قال عبد المطلب: إني لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آتٍ، فقال: احفُرْ طَيْبة، قال: قلت وما طَيْبة؟ قال: ثم ذهب عني، فلمَّا كان الغَدُ رجعتُ إلى مضجعي، فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر برَّة ، قال: فقلت: وما برَّة؟ قال: ثم ذهب عنِّي، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال: فقلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني، فلمَّا كان الغدُ رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفِرْ زمزم، قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزِف أبدًا، ولا تُذم، تُسقَى يومَ الحجِّ الأعظم، وهي بين الفَرْث والدم، عند نُقرةِ الغُراب الأعصم، عند قرية النمل.
قال ابن إسحاق: فلمَّا بُيِّن له شأنها، ودُلَّ على موضعها، وعَرَف أنه قد صُدِق، غدَا بمِعْوَله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، ليس له يومئذ ولدٌ غيره، فحَفَر، فلمَّا بدا لعبد المطلب الطي كبَّر، فعرفَتْ قريش أنَّه قد أدرك حاجتَه، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب، إنها بِئر أبينا إسماعيل، وإنَّ لنا فيها حقًّا فأشرِكْنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل، إنَّ هذا الأمر قد خُصصتُ به دونكم، وأعطيتُه من بينكم، فقالوا له: فأنصِفْنا فإنَّا غير تاركيك حتى نخاصمَك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم مَن شئتم أحاكمْكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم؟ قال: نعم، قال: وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف، وركب مِن كلِّ قبيلة من قريش نَفرٌ، قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعضِ تلك المفاوز بين الحجاز والشام فنِي ماء عبد المطلب وأصحابه، فظَمِئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا مَن معهم من قبائل قريش، فأَبَوْا عليهم، وقالوا: إنَّا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثلَ ما أصابكم، فلمَّا رأى عبد المطلب ما صَنَع القومُ وما يتخوَّف على نفسه وأصحابه، قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رَأيُنا إلاَّ تَبعٌ لرأيك، فمُرْنا بما شئت، قال: فإني أرى أن يَحفِر كلُّ رجل منكم حفرتَه لنفسه بما بكم الآن من القوَّة، فكلَّما مات رجل دفَعَه أصحابه في حفرته، ثم واروه حتى يكون آخرُكم رجلاً واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسرُ مِن ضيعة ركْب جميعًا، قالوا: نِعْمَ ما أمرتَ به، فقام كلُّ واحد منهم فحَفَر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشًا، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إنَّ إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرِب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لَعَجْزٌ، فعسى الله أن يرزقَنا ماءً ببعض البلاد ارتَحِلوا، فارتَحَلوا حتى إذا فرغوا ومَن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدَّم عبد المطلب إلى راحلته فرَكِبها فلمَّا انبعثت به انفجرتْ من تحت خفِّها عين ماء عَذْب، فكبَّر عبد المطلب وكبَّر أصحابه، ثم نَزَل فشرِب وشرب أصحابه، واستقوا حتى ملؤوا أسقيتَهم، ثم دعا القبائل من قريش، فقال: هلمَّ إلى الماء فقد سقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاؤوا فشرِبوا واستقوا، ثم قالوا: قد والله قُضِي لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نُخاصِمك في زمزم أبدًا، إن الذي سقاك هذا الماءَ بهذه الفلاة لهو الذي سقاكَ زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدًا، فرجع ورجعوا معه، ولم يَصِلوا إلى الكاهنة وخلَّوْا بينه وبينها، قال ابن إسحاق: فهذا الذي بَلَغني من حديث علي بن أبي طالب في زمزم.
قلت: رجال إسنادِه كلهم ثقات، وقد صرَّح ابنُ إسحاق بالتحديث، فزال ما يُخشَى من تدليسه، وقد رواه البيهقي في "دلائل النبوة" من طريق ابن إسحاق، وإسناده حسن.
ومِن الرؤيا الظاهرة: رؤيا رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم في الجاهلية الأمرَ بالاستسقاء، حين أصاب قريشًا القحطُ والمَحْل، وقد روى حديثَها الطبرانيُّ في "الكبير" وفي الأحاديث الطوال، والبيهقي في "دلائل النبوة"، وابن الأثير في "أُسْد الغابة" عن مخرمة بن نَوْفل عن أمِّه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم، وكانت لِدَةَ عبد المطلب قالت: تتابعت علىْ قريش سنون جدبة أقحلت الجلد وأرقت العظم، قالت: فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة إذا أنا بهاتِف صيت يصرُخ بصوت صحل، يقول: يا معشرَ قريش، إنَّ هذا النبي مبعوث منكم، وهذا إبَّان مخرجه فحيَّ هلاً بالخير والخصْب، ألاَ فانظروا منكم رجلاً طوالاً، عظامًا أبيضَ بضًّا، أشمَّ العرنين، له فخر يكظم عليه، وسُنَّة تهدي إليه، ألاَ فليخلص هو وولدُه وليدلف إليه من كلِّ بطن رجل، ألاَ فليشنوا من الماء، وليمسوا من الطِّيب، وليستلموا الركن، وليطوفوا بالبيت سَبعًا، ثم ليرتقوا أبا قبيس، فليستسق الرجلُ، ولْيؤمِّنِ القوم، ألاَ وفيهم الطاهر والطيِّب لذاته، ألا فغثتم إذًا ما شئتم وعشتم.
قالت: فأصبحتُ - عَلِمَ الله - مفؤودةً مذعورة قد قفَّ جلدي، ووله عقلي، فاقتصصت رؤياي، فنمتُ في شعاب مكة، فو الحرمة والحرم، إنْ بقي بها أبطحي إلاَّ قال هذا شيبة الحمد، هذا شيبة، وتتامتْ عنده قريش، وانفض إليه من كلِّ بطن رجل، فشنُّوا وطيَّبوا، واستلموا وطافوا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفِق القومُ يدفُّون حولَه ما إن يدركَ سعيهم مهله، حتى قرَّ لذروته فاستكنوا جنابيه، ومعهم رسولُ الله وهو يومئذ غلامٌ قد أيفع أو كَرَبَ، فقام عبد المطلب فقال: اللهمَّ سادَّ الخُلَّة، وكاشفَ الكربة، أنت عالِم غير مُعلَم، ومسؤول غير مُبخَّل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذارت حرمك، يشكون إليك سَنتَهم التي قد أقحلتِ الظلفَ والخُفّ، فاسمعن اللهمَّ، وامطرن غيثًا مريعًا مغدقًا، فما راموا حتى انفجرتِ السماء بمائها، وكظَّ الوادي بثجيجه.
فلسمعتُ شيخانَ قريش وهي تقول لبعد المطلب: هنيئًا لك أبا البطحاء هنيئًا؛ أي: بك عاش أهلُ البطحاء، وفي ذلك تقول رقيقة:
بِشَيْبَةِ الْحَمْدِ أَسْقَى اللَّهُ بَلْدَتَنَا وَقَدْ فَقَدْنَا الْحَيَا وَاجْلَوَّذَ الْمَطَرُ
فَجَادَ بِالْمَاءِ جَوْنِيٌّ لَهُ سَبَلٌ دَانٍ فَعَاشَتْ بِهِ الْأَمْصَارُ وَالشَّجَرُ
سَيْلٌ مِنَ اللَّهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ وَخَيْرِ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ مُضَرُ
مُبَارَكِ الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عِدْلٌ وَلاَ خَطَرُ
هذه إحدى الروايتَين عند البيهقي.
وقال ابن الأثير بعدَ إيراده: أخرجه أبو نعيم وأبو موسى، وقال أبو موسى - يعني المديني - هذا حديثٌ حسنٌ عالٍ، وفي هذا الحديث غريبٌ نشرحه مختصرًا، قوله: لِدَةُ عبد المطلب؛ أي: على سِنه، وأقحلت: أيبست، وأرقت العظم؛ أي: جعلته ضعيفًا من الجهد، والتهويم: أول النوم، والإبان: الوقت، وحي هلاً: كلمة تعجيل، والحيا - مقصور -: المطر والخَصْب؛ أي: أتاكم المطر والخصْب عاجلاً، والعُظَام - بضم العين -: أبلغ من العظيم، والبضّ: الرقيق البشرة، والأشم: المرتفع، وقوله: له فخرٌ يكظم عليه؛ أي: يُخفيه ولا يفاخر به، والسُّنَّة: الطريقة، وتهدي إليه؛ أي: تدل الناس عليه، فليشنوا - بالسين والشين -: أي فليصبُّوا، ومعناه فليغتسلوا، فغثتم؛: أي أتاكم الغَيْث والغوث، ونَمَتْ؛ أي: فشت، وشَيبة الحمد: لقب عبد المطلب، وتَتَامَّت إليه؛ أي: جاؤوا كلهم، ومَهَلُه: سكونه، وقوله: كَرَبَ؛ أي: قَرُب، والخَلَّة: الحاجة. والعذرات: الأفنية، والسَّنَة: القحط والشِّدة، ويعني بالظلف والخف: الغنم والإبل، والمُغْدق: الكثير، واكتظ؛ أي: ازدحم، والثجيج: سيلان كثرة الماء، والشِّيخان: المشايخ، واجْلَوَّذ؛ أي: تأخَّر، والجوني: السحاب الأسود؛ انتهى.
وفي القصَّة كلمات لم يشرحْها ابن الأثير، وهي تحتاج إلى الشرح؛ منها قوله: "بصوت صحل"؛ أي: فيه بحوحة، وقوله: "رجلا طُوالاً"؛ أي: طويل، فإذا أفرط في الطول قيل طُوَّال بالتشديد، وقوله: "فليدلف": الدليف هو المشي الرويد، يقال: دَلَف إذا مشى وقارب الخطو، وقولها: وفيهم الطاهر والطيب لذاته؛ تعني به: رسول الله وقولها: "مفؤودة": المفؤود هو الذي أُصيب فؤاده - أي قلبه - بوجع، و"الذعر" - بالضم -: الخوف والفزع، وقوله: "وقَفَّ جِلدي"؛ أي: تقبض، وقيل: أرادت قف شعري فقام من الفزع، و"الوله": ذَهاب العقل والتحيُّر من شِدَّة الوَجْد، وقولها: "فوالحرمة والحرم": هذا من الحَلِف بغير الله، وهو شِرْك، وقد وقع ذلك منها في زمن الجاهلية، وهي إذ ذاك مشرِكة، وقولها: "يدفُّون حوله"؛ أي: يسيرون سيرًا لينًا، و"الميمون طائرُه، وخير مَن بُشِّرت به مضر": هو النبي ولا يبعد أن تكون إغاثةُ قريش بسبب كونِه مع المستغيثين منهم، والله أعلم.
ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا خالد بن سعيد بن العاص قبلَ إسلامه ما كان سببًا في إسلامه، وقد روى قِصَّتَه محمدُ بن سعد في "الطبقات" عن محمد بن عمر - وهو الواقدي - قال: حدَّثَني جعفرُ بن محمد بن خالد بن الزبير، عن محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، قال: كان إسلام خالد بن سعيد قديمًا، وكان أوَّلَ إخوته أسلم، وكان بدءُ إسلامه أنَّه رأى في النوم أنَّه واقف على شفير النار، فذَكَر مِن سَعتِها ما الله به أعلم، ويرى في النوم كأنَّ أباه يدفعه فيها، ويرى رسولَ الله آخذًا بحِقْوَيه لئلاَّ يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله، إنَّ هذه لرؤيا حقّ، فلقي أبا بكر بن قحافة، فذَكَر ذلك له، فقال أبو بكر: أُرِيدَ بك خير، هذا رسولُ الله فاتبعه، فإنَّك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يَحجِزُك من أن تقع فيها، وأبوك واقع فيها، فلقِيَ رسولَ الله وهو بأجياد، فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: ((أدعو إلى الله وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وخلع ما أنت عليه مِن عبادة حجر لا يسمع ولا يُبصر، ولا يضرُّ ولا ينفع، ولا يدري مَنْ عَبَده ممَّن لم يعبده))، قال خالد: فإنِّي أشهد ألاَّ إله إلا الله، وأشهد أنَّك رسولُ الله، فسَّر رسول الله بإسلامه.
وتغيَّب خالد، وعَلِم أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه مَن بقي مِن ولده ممَّن لم يُسلِم ورافعًا مولاه، فوجدوه فأتوا به إلى أبيه أبي أحيحة، فأنَّبه وبكَّته، وضربه بمقرعة في يده حتى كسرَها على رأسه، ثم قال: اتبعتَ محمدًا وأنت ترى خلافَه قومَه، وما جاء به من عَيْب آلهتهم، وعيب مَن مضى من آبائهم؟! فقال خالد: قد صَدَق والله واتبعتُه، فغضب أبو أحيحة ونال من ابنه وشتمه، ثم قال: اذهب يا لكع حيثُ شئت، فوالله لأمنعنَّك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإنَّ الله يرزقني ما أعيش به، فأخرجه وقال لبنيه: لا يُكلِّمه أحدٌ منكم إلاَّ صنعتُ به ما صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله فكان يلزمه ويكون معه، ورواه الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "دلائل النبوة" من طريق الواقدي، ورواية البيهقي مختصرة.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن طُفَيل بن سَخْبرة أخي عائشة لأمِّها: أنه رأى فيما يرى النائم كأنَّه مرَّ برهط من اليهود فقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن اليهود، قال: إنَّكم أنتم القوم، لولا أنكم تزعمون أنَّ عُزيرًا ابن الله، فقالت اليهود: وأنتم القومُ، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مرَّ برهط من النصارى فقال: مَن أنتم؟ قالوا: نحن النصارى، فقال: إنكم أنتم القوم، لولا أنَّكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم أنتم القوم، لولا أنَّكم تقولون: ما شاء الله وما شاء محمد؛ فلمَّا أصبح أخبر بها مَن أخبر، ثم أتى النبي فأخبره فقال: ((هل أخبرتَ بها أحدًا)) قال: نعم، فلمَّا صَلَّوْا خطَبَهم، فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إنَّ طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها مَن أخبر منكم، وإنَّكم كنتم تقولون كلمةً كان يمنعني الحياءُ منكم أن أنهاكم عنها، قال: لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمَّد))؛ وقد رواه الطبراني في "الكبير"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "دلائل النبوة" بنحوه.
وفي رواية للطبراني: أنَّ رسول الله قال: ((فإذا قلتُم فقولوا: ما شاء الله وحدَه))، وفي رواية الحاكم: ((فلا تقولوا: ما شاء الله وما شاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحدَه لا شريكَ له)).
وقد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن رِبْعي بن حِراش، عن حُذَيفة بن اليمان - رضي الله عنهما -: أنَّ رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنَّه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نِعمَ القومُ أنتم، لولا أنَّكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، وذكر ذلك للنبي فقال: ((أمَا والله إن كنتُ لأعرفها لكم، قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد))، ثم رواه بإسناد صحيح عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سَخْبرة أخي عائشة لأمِّها، عن النبي بنحوه.
ورواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن رِبعي - وهو ابن حِراش - عن حذيفة قال: أتى رجل النبي فقال: إنِّي رأيت في المنام أنِّي لقيت بعضَ أهل الكتاب، فقال: نِعمَ القوم أنتم، لولا أنَّكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فقال النبي : ((قد كنت أكرهها منكم، فقولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد)).
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن أبي شَيْبة، وأبو نُعَيم في "الحلية" من طريقه، والبيهقي في "دلائل النبوة" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال عمر : رأيتُ رسولَ الله في المنام، فرأيتُه لا ينظر إليَّ، فقلت: يا رسولَ الله ما شأني؟ قال: ((ألستَ الذي تُقبِّل وأنت صائم؟))، قلت: والذي بعثك بالحق لا أُقبِّل بعدها وأنا صائم.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب البغداديُّ في "تاريخه" عن أحمد بن سِنان قال: سمعتُ يزيد بن هارون يقول: رأيت ربَّ العِزَّة في المنام، فقال لي: يا يزيدُ، تكتب عن حَرِيْز بن عثمان؟ فقلت: يا ربِّ ما علمت منه إلاَّ خيرًا، فقال لي: يا يزيد، لا تكتب منه، فإنه يسبُّ عليًّا.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا عن سعيد بن سافري الواسطي قال: كنتُ في مجلس أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبدالله، رأيتُ يزيدَ بن هارون في النوم، فقلت له: ما فَعَل الله بك؟ قال: غَفَر لي ورحمني وعاتبني، فقلت: غفر لك ورحمك وعاتبك! قال: نعم، قال لي: يا يَزيد بن هارون، كتبتَ عن حَرِيز بن عثمان، قلت: يا ربِّ العِزَّة ما علمت إلاَّ خيرًا، قال: إنَّه كان يُبغِض أبا الحسن عليَّ بن أبي طالب.
وروى الخطيبُ أيضًا عن أبي نافع بن بنت يزيد بن هارون، قال: كنتُ عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان - وأحسبه قال: شيخان - فقال أحدهما: يا أبا عبدالله، رأيت يزيدَ بن هارون في المنام، فقلت له: يا أبا خالد، ما فَعَل الله بك؟ قال: غفر لي، وشفَّعني وعاتبني، قال: قلت: غَفَر لك، وشفَّعك قد عرفتُ، ففيمَ عاتبك؟! قال: قال لي: يا يزيد، أتحدِّث عن حَرِيز بن عثمان؟ قال: قلت: يا ربِّ ما علمتُ إلاَّ خيرًا، قال: يا يزيد، إنه كان يُبغض أبا حسن عليَّ بن أبي طالب، قال: وقال الآخر: أنا رأيت يزيد بن هارون في المنام، فقلت له: هل أتاك مُنكَر ونكير؟ قال: إي والله، وسألاني مَنْ ربُّك، وما دِينُك، ومَن نبيك؟ قال: فقلت: ألِمِثْلي يقال هذا، وأنا كنت أعلم الناس بهذا في دار الدنيا؟! فقالا لي: صدقْتَ، فنَمْ نومة العروس لا بؤسَ عليك.
وقال السفاريني في كتاب "البحور الزاخرة": "أخرج السِّلَفِي في "الطيوريات" عن سهل بن عمار قال: رأيتُ يزيد بن هارون في المنام بعدَ موته، فقلت: ما فعلَ الله بك؟ قال: أتاني إلى قبري ملَكانِ فظَّانِ غليظان، فقالا: ما دِينُك، ومَن ربُّك، ومَن نبيُّك؟ فأخذت بلحيتي البيضاء، وقلت: لِمِثلي يقال هذا، وقد علَّمْتُ الناس جوابكما ثمانين سَنة، فقالا: أكتبتَ عن حَرِيز بن عثمان؟ قلت: نعم، قالاَ: إنَّه كان يُبغِض عثمان فأبغَضَه الله، قال السفاريني: ورواه اللالكائي بدون زيادةِ أكتبت... إلى آخره، وبدل ثمانين سنة، سِتِّين سَنَة؛ وزاد فقال أحدهما: صَدَق، نَمْ نومة العروس، فلا روعةَ عليك بعد اليوم.
وروى الخطيب في "تاريخه" عن وهْب بن بيان قال: رأيتُ يزيدَ بن هارون في المنام، فقلت: يا أبا خالد، أليس قد متَّ؟ قال: أنا في قبري، وقبري رَوْضة من رِياض الجنة.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" بإسناده إلى عبدالله بن الإمام أحمد، قال: سمعتُ أبي يقول: رأيت ربَّ العِزَّة - عز وجل - في المنام فقلت: يا ربِّ، ما أفضلُ ما تقرَّب به المتقرِّبون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، قال: قلت: يا ربِّ، بفَهْمٍ أو بغير فهمٍ؟ قال: بفهمٍ، وبغير فهمٍ.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة"، عن أبي جعفر محمَّد بن منصور العابد المعروف بالطوسي، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: رأيت رسولَ الله في المنام، فقلت: يا رسول الله، كلُّ ما روى عنك أبو هريرة حقّ؟ قال: ((نعم)).
ومن الرؤيا الظاهرة: رؤيا الشافعي أنَّ أحمد سيُمتحن ويُدْعى إلى القول بخلْق القرآن، وقد روى ذلك ابنُ الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" بإسناده إلى الربيع بن سليمان قال: قال لي الشافعي: يا ربيعُ، خذ كتابي وامضِ به، وسلِّمه إلى أبي عبدالله أحمد بن حنبل، وأتني بالجواب، قال الربيع: فدخلتُ بغداد ومعي الكتابَ، ولقيت أحمد بن حنبل في صلاة الصبح، فصليت معه الفجر، فلمَّا انفتل من المحراب سلمتُ إليه الكتاب، وقلت له: هذا كتابُ أخيك الشافعي مِن مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا، وكسر أحمد الخاتم، وقرأ الكتاب فتغرغرتْ عيناه بالدموع، فقلت له: أي شيء فيه يا أبا عبدالله؟ فقال: يذكر أنَّه رأى النبي في المنام، فقال له: اكتب إلى أبي عبدالله أحمدَ بنِ حنبل، واقرأ عليه منِّي السلام، وقل: إنك ستُمتحن وتُدْعَى إلى خلق القرآن، فلا تُجبِهم يرفعِ الله لك علمًا إلى يوم القيامة.
قال الربيع: فقلت: البِشارة، فخلع قميصَه الذي يلي جِلدَه فدفعه إليَّ، فأخذته وخرجتُ إلى مصر، وأخذت جوابَ الكتاب وسلمتُه إلى الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أي شيء الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده، فقال لي الشافعي: ليس نفجعك به، ولكن بلَّه وادفعْ إلينا الماء، حتى أشركك فيه.
ورواه أيضًا من طريق آخرَ عن الربيع بن سليمان، وقال فيه: إنَّ الشافعي ذَكَر في كتابه أنَّه رأى النبي في نومه وهو يقول له: يا ابنَ إدريس، بشِّرْ هذا الفتى أبا عبدالله أحمدَ بنَ حنبل أنَّه سيُمتحن في دِين الله، ويُدعَى إلى أن يقول: القرآن مخلوق، فلا يفعل، وإنَّه سيُضرب بالسياط، وإن الله - عز وجل - ينشُرُ له بذلك علمًا لا ينطوي إلى يوم القِيامة، وذكر بقية القصَّة بنحو ما تقدَّم.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي في "مناقِب الإمام أحمد" عن أبي بكر أحمد بن محمد الرمْلي قاضي دمشق، قال: دخلتُ العراق، فكتبت كُتبَ أهلها وأهل الحجاز، فمِن كثرة خلافهما لم أدرِ بأيِّهما آخذ، فلمَّا كان جوف الليل قمتُ فتوضأت وصليت ركعتين، وقلت: اللهمَّ اهدني إلى ما تحب، ثم أويتُ إلى فراشي فرأيتُ النبي فيما يرى النائم دخل مِن باب بني شيبة، وأسند ظهرَه إلى الكعبة، فرأيت الشافعي وأحمد بن حنبل على يمين النبي والنبي يتبسم إليهما، وبِشْرٌ المريسي من ناحية، فقلت: يا رسولَ الله، من كثرة اختلافهما لا أدري بأيها آخذ، فأومأَ إلى الشافعي وأحمد، فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ [الأنعام: 89]، ثم أومأ إلى بشْر فقال: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 89-90].
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن محمَّد بن أبي الورد قال: سمعتُ يحيى الجلاَّء - أو علي بن الموفق - قال: ناظرتُ قومًا من الواقفة أيَّام المحنة، فنالوني بما أكره فصرتُ إلى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدَّمتْ إليَّ امرأتي عشاءً، فقلت لها: لستُ آكِلاً، فرفعتْه ونمتُ فرأيت النبي في النوم داخلَ المسجد، وفي المسجد حلقتان؛ إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي دؤاد وأصحابه، فوقف بين الحلقتَين وأشار بيده، وقال: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ﴾ وأشار إلى حلقة ابن أبي دؤاد ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل، وقد رواه الخطيب في "تاريخه" بمثله.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن عبدالوهاب الورَّاق قال: رأيتُ النبيَّ أقْبَل، فقال لي: ((ما لي أراك محزونًا؟)) قال: قلت: وكيف لا أكون محزونًا وقد حَلَّ بأمَّتك ما قد ترى، قال: فقال لي: ((لَينتهِينَّ الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل لينتهينَّ الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل)).
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن أبي زرعة قال: رأيتُ النبي في النَّوْم فشكوتُ ما نلقَى من الجهمية، فقال: ((لا تحزنْ، فإنَّ أحمد بن حنبل قد سدَّ عليهم الأفق)).
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن أبي عبدالله السِّجْستاني قال: رأيتُ رسولَ الله في المنام، فقلت: يا رسول الله، مَن تركتَ لنا في عصرنا هذا من أمَّتك نقْتدي به في دِيننا؟ قال: ((عليكم بأحمدَ بن حنبل))، وروى ابن الجوزي أيضًا عن أحمد بن نَصْر الخزاعي نحوَه، ورواه القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة" بنحوه أيضًا.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن بندار محمَّد بن بشَّار العبدي قال: رأيت أحمدَ بن حنبل في المنام شِبهَ المغضب، فقلت: يا أبا عبدالله، أراك مغضبًا، فقال: وكيف لا أغضب وجاءني مُنكر ونكير يسألانِ مَنْ ربُّك؟ فقلت لهما: ولمثلي يقال مَنْ ربُّك؟! فقالا لي: صدقتَ يا أبا عبدالله، ولكن بهذا أُمرِنا فاعذرنا.
وروى ابن الجوزي أيضًا عن عبدالله بن الإمام أحمد قال: رأيتُ أبي في المنام فقلت: ما فَعَل الله بك؟ قال: غفَرَ لي، قلت: جاءك منكر ونكير؟ قال: نعم، قالاَ لي: من ربُّك؟ قلت: سبحان الله، أما تستحيان مني؟! فقالا لي: يا أبا عبدالله، اعذرنا، بهذا أُمِرْنا.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه ابن الجوزي أيضًا عن ابن خُزَيمة قال: لَمَّا مات أحمد بن حنبل اغتممتُ غمًّا شديدًا، فبتُّ من ليلتي فرأيتُه في النوم وهو يتبختَرُ في مِشيته، فقلت: يا أبا عبدالله، ما هذه المشية؟ قال: مِشية الخُدَّام في دار السلام، فقلت له: ما فَعَل الله بك؟ قال: غَفَر لي وتوَّجني، وألْبسني نعلَين من ذهب، وقال لي: يا أحمدُ، هذا بقولك: القرآن كلامي، ثم قال لي: يا أحمد، لِمَ كتبت عن حَرِيز بن عثمان؟ فقلت: يا ربِّ كان ثِقَة، فقال: صدقتَ، ولكنَّه كان يبغض عليًّا أبغضه الله، ثم قال لي: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بَلغتْك عن سفيان الثوريِّ كنت تدعو بها في دار الدنيا، فقلت: يا ربَّ كلِّ شيء، فقال: هيه، فقلت: بقدرتك على كلِّ شيء، فقال: صدقت، فقلت: لا تسألني عن شيء، واغفرْ لي كلَّ شيء، فقال: يا أحمد، هذه الجَنَّة، فادخل إليها.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن يحيى بن يوسف الزِّمِّي قال: رأيتُ في المنام إبليس رِجلاَه في الأرض، ورأسه في السماء، أسود مثل اللَّيْل، وله عينان في صدره، فلما رأيتُه قلت: مَن أنت؟ قال: هو إبليس، فجعلت أقرأ آية الكرسي، قال: فقلت له: ما أقْدَمك هذه البلاد؟ قال: إلى بِشْر بن يحيى، رجل من الجهمية، قال: قلت: مَن استخلفت بالعراق؟ قال: ما مِن مدينة ولا قرية إلاَّ ولي فيها خليفة، قلت: ومَن خليفتك بالعراق؟ فقال: بِشْر المريسي، دعا الناس إلى أمر عجزتُ عنه، وفي رواية قال: دعا الناس إلى ما عجزتُ عنه، قال: القرآن مخلوق، وقال في هذه الرواية، إنَّ بشر بن يحيى كان بمَرْو يرى رأيَ المريسي.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا عن أحمد بن الدورقي قال: مات رجلٌ مِن جيراننا شابّ، رأيتُه في الليل وقد شَابَ، فقلت: ما قِصتُك؟ قال: دُفِن بشر في مقبرتنا، زفرتْ جهنم زفرةً شابَ منها كلُّ مَن في المقبرة.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا وابن الجوزي في "مناقب أحمد" عن عبدالله بن المبارك الزَّمِن قال: رأيتُ زبيدة في المنام، فقلت: ما فَعَل الله بك؟ قالت: غَفَر لي بأوَّل مِعْوَل ضُرِب في طريق مكة، قلت: فما هذه الصُّفرة في وجهك؟ قالت: دُفِن بين ظهرانينا رجلٌ يقال له بشر المريسي، زفرتْ عليه جهنم زفرةً، فاقشعرَّ لها جلدي، فهذه الصفرة من تلك الزفرة.
زاد ابن الجوزي، قلت: فما فَعَل أحمد بن حنبل؟ قالت: الساعة فارَقَني أحمد بن حنبل في طبار من دُرَّة بيضاء، في لُجَّة حمراء، يُريد زيارة الجبَّار عز وجل، قلت: بما نال ذلك؟ قلت: بقوله: القرآن كلام الله، غير مخلوق.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب أيضًا عن سفيان بن وكيع، قال: رأيتُ كأنَّ جهنَّم زفرتْ فخرج منها اللهب، فقلت: ما هذا؟ قال: أُعِدَّت لابن أبي دؤاد.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الآجُريُّ في كتاب "الشريعة" عن بقية بن الوليد قال: حدَّثَني أبو غِياث، قال: بينا أنا أُغسِّل رَجلاً من أهل القَدَر قال: فتفرَّقوا عني، فبقيتُ أنا وحدي، فقلت: ويل للمكذِّبين بأقدار الله، قال: فانتفض حتى سَقَط عن دفِّه، قال: فلمَّا دفناه عند باب الشرقي رأيتُ في ليلتي تلك في منامي كأنِّي منصرف من المسجد، إذا بجنازة في السوق يحملها حبشيَّانِ، رِجلاها بين يديهما، فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، قلت: سبحان الله! أليس قد دفناه عند باب الشرقي؟! قال: دفنتموه في غير موضعه، فقلت: والله لأتبعنه حتى أنظرَ ما يُصنع به، فلمَّا أن خرجوا به من باب اليهود مالوا به إلى نواويس النصارى، فأتوا قبرًا منها فدفنوه فيه، فبدت لي رجلاه فإذا هو أشدُّ سوادًا من الليل.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه شيخُ الإسلام أبو إسماعيل الهروي بإسناده إلى أبي زيد المروزي قال: كنتُ نائمًا بين الرُّكن والمقام، فرأيتُ النبي في المنام، فقال لي: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتابَ الشافعي، ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسولَ الله وما كتابك؟ قال: جامع محمَّد بن إسماعيل؛ ذكر هذه الرؤيا الحافظُ ابن حجر في آخر مقدمة "فتح الباري".
ومن الرؤيا الظاهرة: ما ذكره ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" عن عبدالله البرداني الزاهد، قال: رأيتُ النبي في المنام، فقال لي: يا عبدالله، مَن تمسَّك بمذهب أحمد في الأصول سامحتُه فيما اجترح - أو فيما فرَّط - في الفروع.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما رواه الخطيب في "تاريخه" قال: حدَّثَني علي بن الحسين العُكْبَري قال: رأيتُ أبا القاسم هِبةَ الله بن الحسن الطبريَّ في المنام، فقلت: ما فَعَل الله بك؟ قال: غَفَر لي، قلت: بماذا؟ فكأنِّي به قال كلمة خفية، يقول: بالسُّنَّة.
ومن الرؤيا الظاهرة: ما نقله ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" عن ابن السمعاني: سمعتُ أبا حفص عمر بن المبارك بن سهلان، سمعتُ الحسينَ بن خِسْرو البلخي، قال: رُئِي الشيخ أبو منصور الخيَّاط في النوم، فقيل له: ما فَعَل الله بك؟ قال: غفر لي بتعليمي الصِّبيانَ فاتحةَ الكتاب.
Comment