اللهم صل على محمد وال محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
يا مقلّب القلوب والابصار يا مدبّر الليل والنهار يا محوّل الحول والاحوال حوّل حالنا الى احسن الحال
اسم هذا العيد باللغة الفارسية يعني: "اليوم الجديد"، وهو يجسد على بساطة لفظه مدلول "التجدد" بمعناه الواسع المطلق، اذ زيادة عن كونه العيد الرسمي لرأس السنة، فانه اليوم الاول من شهر "فروردين" اول شهور السنة، ويصادف حلوله حدوث الاعتدال الربيعي (21مارس)، اي في نفس الوقت الذي تتم فيه الارض دورتها السنوية حول الشمس، لتبدأ دورة جديدة.
في ذات الوقت تعلن طلقة مدفع حصول " التحويل "، كما يقال في ايران، فتبدأ الافراح استبشاراً بحلول عهد جديد تتحول فيه الطبيعة ـ ومعها الانسان ـ من فترة الفاصل الذي يمحو الزمن ويضع حداً للماضي، ولكن يعلن في آن واحد عن " العودة ".. عودة الحياة وتجددها.
يحتل عيد النيروز مقاماً كبيراً في ايران، ولايزال امره كذلك من اقدم العهود الى يومنا هذا. ومن عراقته هذه تبرز اهميته، كما أن في هذا الاخلاص الشديد لتقاليده اكبر دليل على اصالته، حتى ليبدو من العجب أن نراه مازال يثبت وجوده في القرن الواحد والعشرين، اي في هذه الفترة المضطربة من التاريخ الروحي للانسانية.
وابتداءً من ايام شاه عباس، ثم من خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وصلتنا نصوص كثيرة تصف جمال احتفالات النيروز في ذلك العهد، وقد صارت عيداً شعبياً تشارك في الاحتفال به المدينة كلها باكثر ما يكون من البهجة. والى ايامنا هذه بقيت تلك التقاليد على حالها، لم يتغير منها الا شيء طفيف، بل انها لتؤدي بكثير من الاحترام والاجلال من طرف كافة طبقات المجتمع.
من ذلك ان كل العائلات تستعد استعداداً كبيراً حسب التراتيب التقليدية العريقة، وقلما يقع السهو عن احدى جزئياتها، بل انه ليهتم بالبسائط اهتماماً لم يحد من غلوائه سوى ما ادخلته المدنية الحديثة من تطور في الحياة اليومية، وفي حياة المرأة الشرقية بالخصوص. فمثلاً كان على ربات المنازل الى عهد قريب ان يأخذن قبل شهر في اعداد الحلويات المعقدة، الامر الذي لا يسمح به وقت المرأة العصرية في ايامنا هذه. انما بقيت غير هذه من العادات مما لا يغفل عنه، كعملية تنظيف المنازل كلياً، تهيئة ملابس جديدة لكل فرد في العائلة وشراء المكسرات وتبادل الزيارات بين العوائل.
وان أثرى هذه التقاليد معاني ودلالات هي زرع بعض الحبوب في صحن، حتى اذا انبتت واورقت وضعت هذه الباقة الخضراء على الخوان المخصص للسينات السبعة، او" هفت سين " كما تدعى، وهي أشياء تبدأ اسماؤها جميعاً بحرف السين: سابزي (خضرة)، سيب (تفاح)، سركة (خل)، سير (ثوم)، سكة (قطعة نقود)، سمانو (حلويات)، سماغ (صمّاق).
وعلى بساط أبيض فوق نفس المائدة كثيراً ما يوضع مصحف القرآن الكريم، ومرآة، وصور مقدسة للامام علي عليه السلام، او للامام الشهيد الحسين عليه السلام. وانما الغرض من جمع هذه الامور كلها في ابرز مكان بالمنزل هو ان تقع عليها العيون في نفس الوقت الذي يحدث فيه التحول الطبيعي، وان يجتمع افراد العائلة حول هذه المائدة العامرة، لتلاوة الدعوات الخاصة بهذه المناسبة، وعلى اثر ذلك يتبادل الجميع العناق والتهاني والازهار والهدايا، ويأخذ رب الاسرة في توزيع قطع النقود على صغاره واهل بيته، وقد يعتني بتقديمه لهم بين صفحات المصحف الكريم تبركاً.
وفي النيروز يخفف عن المساجين، ويصطلح الخصوم، ويطعم البائس، ويزار الموتى وتكرم ارواحهم، وما ذلك الا ليكون هذا العيد مناسبة لتهدئة الوجدان، وايقاظ عواطف الرحمة في القلوب، فيغمر الناس عندئذ هذا الشعور ـ الذي ابدع الفردوسي وصفه (الشاعر الايراني الكبير) بان:
" الروح تحررت من اوصابها، والقلب تخلّص من احقاده".
واما "السيزده بيدار" هو اجمل الاعياد. هذا هو الاسم الذي يطلق على آخر ايام النيروز، ويوافق اليوم الثالث عشر من كل سنة جديدة.
تدوم اعياد النيروز في العادة اثني عشر يوماً، وتختتم في اليوم الثالث عشر من شهر فرفوردين بنزهة خلوية عامة لا يتخلف فيها احد عن ابداء الفرح. وتغتنم العائلات الفرصة في ذلك اليوم لتأخذ نبات الحبوب التي زرعتها فزينت بها خوان "هفت سين"، كي تلقي بها في احد الجداول، فتحملها مياهه مثقلة باماني الخصب والرخاء.
Comment