بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن المفضل بن عمر قال ( سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يرجع في أحدهما إلى أهله والأخرى يقال هلك في أي واد سلك ، قلت كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال إن ادعى مدع أسالوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله ) غيبة النعماني
جواب الامام احمد الحسن ع عن شبهة تجلي الله سبحانه بالنسبة للنجاسات .
المصدر كتاب المتشابهات الجزء الاول
إذا كان الله موجوداً في كل مكان وزمان ، ومتجلي في الموجودات ، فكيف يمكن دفع شبهة وجوده وتجليه سبحانه بالنسبة للنجاسات ؟
الجواب : يجب معرفة أن تجلي الله في الموجودات لا يعني أنه جزء منها ، أو أنه فيها ، بل يعني انه لا يقوم موجود إلا بالله ، ولا يظهر إلا بنور الله ، سواء بذلك أقرب أو أبعد الموجودات عنه سبحانه ، والله ليس كمثله شيء .
فكون نور الشمس موجوداً على الأرض لا يعني أن الشمس موجودة على الأرض ، وكوننا نرى الأشياء على الأرض بنور الشمس لا يعني أن نور الشمس مستقر على الأرض . بلى ، الشمس متجلية في الأرض بشكل أو بآخر ، ومؤثرة بالأرض بشكل أو بآخر ، مع أن نورها وتأثيرها يسع الأرض وغيرها ، وإظهار نور الشمس النجاسة لنا لنراها بأعيننا لا يعني أن نور الشمس تنجس بها أو انفعل بمسها .
ولتوضيح الصورة أكثر أقول :
إن الموجودات المخلوقة أما نور مشوب بالظلمة ، وأما ظلمة مشوبة بالنور ، بحسب الغالب عليها ، الظلمة أو النور . ولكل موجود مخلوق مقام ثابت لا يتغير ، إلا المكلفين كالإنس والجن فلكل واحد منهم الاختيار أن يقترب من النور بالطاعة لله سبحانه حتى يصبح نوراً مشوباً بالظلمة وكلٌ بحسبه . أو أن يقترب من الظلمة بمعصية الله سبحانه حتى يصبح ظلمة مشوبة بالنور ، وكلٌ بحسبه . ويتميز الإنسان بأن له قابلية الارتقاء في النور حتى لا يدانيه ملك مقرب ويصبح فوق الملائكة ، وأيضاً له قابلية التسافل في الظلمات حتى لا يدانيه إبليس ( لعنه الله ) وجنده الأرجاس : ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ ([1]).
ومن المعلوم أنّ أرقى موجود مخلوق في عوالم النور هو إنسان ، وهو محمـد (ص) ، أو العقل الأول ([2]). وأسفل موجود مخلـــوق في عوالم الظلمــة هو أيضاً إنسـان ، وهو الثاني ( لعنه الله وأخزاه )
وهو الجهل فقد أدبر ولم يقبل ، كما في الحديث عنهم (ع) ([3]).
ومما تقدم : فإن بكل معصية يتسافل الإنسان المؤمن ، بل وبكل التفاتة إلى الدنيا وغفلة عن الله ينغمس في الظلمة ، ويمس النجاسة والرجس ونار جهنم ، ولهذا جعل الوضوء والغسل ، وقد ورد عنهم (ع) : ( إن المؤمن لا ينجس ، ويكفيه في الوضوء مثل الدهن ) ([4])، مما يفهم منه
الفطن أنّ الدنيا كلها نجاسة ، وأنّ الذي يواقعها يتنجس ، وإنما أكرم الله المؤمن انه لا يتنجس بكرامة منه سبحـــانه وتعــــالى ، وقد صـرح أمير المؤمنيـن (عليه السلام) أنّ : ( الدنيا جيفـــة وطلابها كلاب ) ([5])، ووصفها (عليه السلام) بأنها : ( عراق خنزير في يد مجذوم )
([6])، ولا تتوهم أنّ علياً (عليه السلام) يبالغ ، بل هذه هي الحقيقة يكشفها الله لأوليائه .
[1] - التين : 4 – 5 .
[2] - قال أبو جعفر (ع) : ( يا جابر ، إن الله أول ما خلق خَلق محمد (ص) وعترته الهداة المهتدين ... ) الكافي : ج1 ص442. وفي حديث آخر في بحار الأنوار : ج1 ص97 عن النبي قال : ( أول ما خلق الله العقل ) . وروي بطريق آخر : ( أن الله عز وجل لما خلق العقل قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال تعالى : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أكرم علي منك ، بك أثيب وبك أعاقب ، وبك آخذ وبك أعطي ) .
[3] - عن سماعة قال : كنت عند أبي عبد الله (ع) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل ، فقال أبو عبد الله (ع) ( اعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا ) ، قال سماعة : فقلت جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا ، فقال أبو عبد الله (ع) : ( إن الله جل ثناؤه خلق العقل وهو أول خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خلقاً عظيماً ، وكرمتك على جميع خلقي . قال : ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً ، فقال له أدبر فأدبر، ثم قال له أقبل فلم يقبل ، فقال له: استكبرت ؟ فلعنه ...) بحار الأنوار : ج1 ص110 .
[4] - ورد أيضاً عن أبي جعفر (ع) قال : ( إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه وإن المؤمن لا ينجسه شيء إنما يكفيه مثل الدهن ) الكافي : ج3 ص21 .
[5] - شرح احقاق الحق للمرعشي ج32 ص237.
[6] - نهج البلاغة – شرح محمد عبده : ج4 ص52 / موعظة رقم 236 .
والحمد لله رب العالمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن المفضل بن عمر قال ( سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين يرجع في أحدهما إلى أهله والأخرى يقال هلك في أي واد سلك ، قلت كيف نصنع إذا كان ذلك ؟ قال إن ادعى مدع أسالوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله ) غيبة النعماني
جواب الامام احمد الحسن ع عن شبهة تجلي الله سبحانه بالنسبة للنجاسات .
المصدر كتاب المتشابهات الجزء الاول
إذا كان الله موجوداً في كل مكان وزمان ، ومتجلي في الموجودات ، فكيف يمكن دفع شبهة وجوده وتجليه سبحانه بالنسبة للنجاسات ؟
الجواب : يجب معرفة أن تجلي الله في الموجودات لا يعني أنه جزء منها ، أو أنه فيها ، بل يعني انه لا يقوم موجود إلا بالله ، ولا يظهر إلا بنور الله ، سواء بذلك أقرب أو أبعد الموجودات عنه سبحانه ، والله ليس كمثله شيء .
فكون نور الشمس موجوداً على الأرض لا يعني أن الشمس موجودة على الأرض ، وكوننا نرى الأشياء على الأرض بنور الشمس لا يعني أن نور الشمس مستقر على الأرض . بلى ، الشمس متجلية في الأرض بشكل أو بآخر ، ومؤثرة بالأرض بشكل أو بآخر ، مع أن نورها وتأثيرها يسع الأرض وغيرها ، وإظهار نور الشمس النجاسة لنا لنراها بأعيننا لا يعني أن نور الشمس تنجس بها أو انفعل بمسها .
ولتوضيح الصورة أكثر أقول :
إن الموجودات المخلوقة أما نور مشوب بالظلمة ، وأما ظلمة مشوبة بالنور ، بحسب الغالب عليها ، الظلمة أو النور . ولكل موجود مخلوق مقام ثابت لا يتغير ، إلا المكلفين كالإنس والجن فلكل واحد منهم الاختيار أن يقترب من النور بالطاعة لله سبحانه حتى يصبح نوراً مشوباً بالظلمة وكلٌ بحسبه . أو أن يقترب من الظلمة بمعصية الله سبحانه حتى يصبح ظلمة مشوبة بالنور ، وكلٌ بحسبه . ويتميز الإنسان بأن له قابلية الارتقاء في النور حتى لا يدانيه ملك مقرب ويصبح فوق الملائكة ، وأيضاً له قابلية التسافل في الظلمات حتى لا يدانيه إبليس ( لعنه الله ) وجنده الأرجاس : ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ ([1]).
ومن المعلوم أنّ أرقى موجود مخلوق في عوالم النور هو إنسان ، وهو محمـد (ص) ، أو العقل الأول ([2]). وأسفل موجود مخلـــوق في عوالم الظلمــة هو أيضاً إنسـان ، وهو الثاني ( لعنه الله وأخزاه )
وهو الجهل فقد أدبر ولم يقبل ، كما في الحديث عنهم (ع) ([3]).
ومما تقدم : فإن بكل معصية يتسافل الإنسان المؤمن ، بل وبكل التفاتة إلى الدنيا وغفلة عن الله ينغمس في الظلمة ، ويمس النجاسة والرجس ونار جهنم ، ولهذا جعل الوضوء والغسل ، وقد ورد عنهم (ع) : ( إن المؤمن لا ينجس ، ويكفيه في الوضوء مثل الدهن ) ([4])، مما يفهم منه
الفطن أنّ الدنيا كلها نجاسة ، وأنّ الذي يواقعها يتنجس ، وإنما أكرم الله المؤمن انه لا يتنجس بكرامة منه سبحـــانه وتعــــالى ، وقد صـرح أمير المؤمنيـن (عليه السلام) أنّ : ( الدنيا جيفـــة وطلابها كلاب ) ([5])، ووصفها (عليه السلام) بأنها : ( عراق خنزير في يد مجذوم )
([6])، ولا تتوهم أنّ علياً (عليه السلام) يبالغ ، بل هذه هي الحقيقة يكشفها الله لأوليائه .
[1] - التين : 4 – 5 .
[2] - قال أبو جعفر (ع) : ( يا جابر ، إن الله أول ما خلق خَلق محمد (ص) وعترته الهداة المهتدين ... ) الكافي : ج1 ص442. وفي حديث آخر في بحار الأنوار : ج1 ص97 عن النبي قال : ( أول ما خلق الله العقل ) . وروي بطريق آخر : ( أن الله عز وجل لما خلق العقل قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال تعالى : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أكرم علي منك ، بك أثيب وبك أعاقب ، وبك آخذ وبك أعطي ) .
[3] - عن سماعة قال : كنت عند أبي عبد الله (ع) وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل ، فقال أبو عبد الله (ع) ( اعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا ) ، قال سماعة : فقلت جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا ، فقال أبو عبد الله (ع) : ( إن الله جل ثناؤه خلق العقل وهو أول خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خلقاً عظيماً ، وكرمتك على جميع خلقي . قال : ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً ، فقال له أدبر فأدبر، ثم قال له أقبل فلم يقبل ، فقال له: استكبرت ؟ فلعنه ...) بحار الأنوار : ج1 ص110 .
[4] - ورد أيضاً عن أبي جعفر (ع) قال : ( إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه وإن المؤمن لا ينجسه شيء إنما يكفيه مثل الدهن ) الكافي : ج3 ص21 .
[5] - شرح احقاق الحق للمرعشي ج32 ص237.
[6] - نهج البلاغة – شرح محمد عبده : ج4 ص52 / موعظة رقم 236 .
والحمد لله رب العالمين .