#محمد_رسول_الله
شبهة: الوحي النفسي
يزعم المشككون أنّ الرسول لم يأتيه وحي إلهي وإنما هو وحي نفسي، بمعنى: أنه كان يحدّث نفسه بأنه رسول مبعوث من الله يُوحى له، وبحسبهم: لا يوجد أكثر من إيحاء نفسي لديه نتيجة التفكر وكذا المعلومات التي كانت وصلته وغذّت نفسه عن قرب بعثة رسول.
الجواب:
ما ذكره المشككون باطل، وبطلانه يتضح بملاحظة ما يلي:
أولاً:
شبهة المشككين تؤكد الخلط الذي وقعوا فيه بين الوحي الإلهي والإيحاء النفسي، وقد تقدم بيان معنى الوحي وأنواعه وطرق وصوله إلى الإنسان ومنهم الأنبياء المرسلين. أما كون ما يأتي الرسول هو وحي إلهي وليس نفسي، فهذا يتم التأكد منه من خلال:
1- النظر في دليل صدق الرسول في دعوته، وهكذا يعود الكلام إلى قانون معرفة الحجج الإلهيين وما احتج به الرسول على قومه وغيرهم من الناس، وقد تقدم دليل إثبات نبوة الرسول (صلى الله عليه وآله) وإرساله من الله. وإذا ثبت صدقه في دعواه ثبت ما يترتب عليه من أخبار يخبر بها عن ربه سبحانه وتعالى ووحيه له.
2- النظر في مضامين الوحي نفسه، وهل تستطيع نفس بشرية (منقطعة عن المدد والوحي الإلهي) أن تأتي بالمضامين والعلوم التي بثها الرسول بين الناس، وهل تنتج أحاديث النفوس ما أنتجه من عطاء معرفي وأخلاقي وإنساني بشكل عام؟! هل يستطيع حديث النفس أن ينتج قرآناً بما فيه من علوم وأسرار وهدى تحدّى جميع الخلق أن يأتوا بمثله في التأثير على نفوس سامعيه، علماً أنّ تحدّيه كان ولا زال قائماً للعرب وغيرهم بما فيهم المشككون؟!
المشككون في الحقيقة يجب عليهم مناقشة الدليل الذي جاء به الرسول إن كان لديهم نقاش، لا أن يقابلوا الدليل بتهم وشكوك أنتجتها أوهامهم وظنونهم المريضة، وليعلموا أنّ الشك مهما عظم في نفس صاحبه فهو لا يقابل الدليل ولا ينقضه وإنما ينقض الدليل بدليل مثله.
ثانياً:
بالنسبة إلى نصوص أهل الديانات ونبوءاتهم وما كان رائجاً بين العرب - وحتى غيرهم - عن قرب ظهور وبعثة نبي صحيح، وهذا من رحمة الله بعباده إذ ييسّر لهم سبل التصديق برسوله الموعود ويمهّد لهم الطريق؛ تخفيفاً من ثقل امتحانهم به، من جهة. ومن جهة أخرى: يؤكد وحدة المنبع الذي يستقي منه رسل الله علمهم الذي يتجسد أحياناً في إخبارات غيبية مستقبلية يبثوها بين أقوامهم وتتناقلها الأجيال وتنتشر بين الناس المنتظرين.
وهذا بالضبط ما حصل مع الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، إذ وردت بشارات الأنبياء السابقين في ذكر اسمه وصفته ومسكنه ومهاجره وغير ذلك. لكن هذا لا يعني بحال أنها كانت تؤثر على الرسول بحيث تُحدث في نفسه حديثاً وإيحاءً نفسانياً يجعله يعتقد أنه الرسول الموعود دون أن يكون هو المقصود كما حصل مع أمية بن الصلت مثلاً؛ وذلك أنّ:
1- التعرّف على صدق نبوة الرسول وإرساله من الله لا يستند إلى قوله هو فحسب، ولكن احتج على الناس بقانون معرفة الحجج الإلهيين (العلم، النص، الدعوة إلى الله) كما تقدم بيانه، وهو قانون إلهي ينحصر بخلفاء الله فقط ولا يحتج به غيرهم إطلاقاً، والرسول متحلّي بجميع فقرات القانون الإلهي كما بيّنا سابقاً.
2- التعرّف على صدق الرسول يستند أيضاً إلى شهادة الله التي يشهد بها لكل من يريد التعرف على صدق رسوله في دعوته، فالله سبحانه عرض نفسه شاهداً على صدق رسوله محمد وأحقيته قبل بعثته وعند بعثته: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" [الرعد: 43]، واليوم أيضاً لا زال الباب مفتوحاً لمن يطلب شهادة الله، وشهادة الله لا دخل للرسول بها ليقال بالإيحاء النفسي، وإنما هي شهادة يمكن لكل من يؤمن بالله أن يطلبها من الله بصدق وينتظر سماعها من الله أيضاً. أما من لا يؤمن بالله من المشككين فكلامنا ينحصر معه في إثبات وجود الله قبل الخوض معه في إثبات صدق الرسول في دعوته ووحي الله إليه.
3- الصفات الواردة في النصوص الدينية المذكورة للنبي الموعود مما كان رائجاً بين الناس لم تنطبق إلا على الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، وانطباق هذه الصفات عليه أمر لاحظه الكثير من علماء أهل الكتاب وغيرهم. وواضح أنّ انطباق الصفات المذكورة في نصوص دينية ذكرت قبل مئات السنين على شخصية الرسول أمر لم يكن ليحصل لو لم يكن هو مصداقها الحقيقي والمعني بها، وأي دخل للإيحاء النفسي في مسألة الانطباق هذه!
4- إنّ الرسول قبل بعثته لم يكن يظن بنفسه أنّ يكون له قدر وشأن عظيم عند الله، وأنّ الله سيصطفيه للنبوة والرسالة وأن يكون صدره مهبطاً لوحي القرآن العظيم، وهذا من خلق الأنبياء والعظماء الإلهيين، فإنهم لا يرون لأنفسهم ميزة وفضلاً يفضّلون به أنفسهم على سائر الخلق، ولهذا اصطفاهم الله، قال تعالى: "وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ" [القصص: 86].
ومن كان هذا حاله فأي حديث يحدّث به نفسه غير رجاء رحمة الله وعفوه.
ثم أيّ إيحاء نفسي (مجرّد عن المد والوحي الإلهي) يستطيع أن يبني منظومة إنسانية متكاملة في جانبها الديني (العقائدي والتشريعي) والأخلاقي والاجتماعي والقضائي والسياسي والاقتصادي وغير ذلك كالتي فعلها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، خصوصاً وأنها مخالفة لمجمل ما كان سائداً بين أتباع جميع الديانات؟! المنظومة التي أجبرت حتى ألدّ أعداء الدين من الانحناء أمام العطاء المحمدي وثورته الإصلاحية الكبرى في شبه جزيرة العرب قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام وما أحدثته من تغييرات جوهرية كبيرة لا يسع أي باحث تجاهلها سواء اتفق معها أو اختلف!
...........
الشبهة والجواب مقتبس من كتاب "دفاع عن الرسول" ؛ كتاب في طور الاعداد من قبل معهد الدراسات العليا الدينية واللغوية
شبهة: الوحي النفسي
يزعم المشككون أنّ الرسول لم يأتيه وحي إلهي وإنما هو وحي نفسي، بمعنى: أنه كان يحدّث نفسه بأنه رسول مبعوث من الله يُوحى له، وبحسبهم: لا يوجد أكثر من إيحاء نفسي لديه نتيجة التفكر وكذا المعلومات التي كانت وصلته وغذّت نفسه عن قرب بعثة رسول.
الجواب:
ما ذكره المشككون باطل، وبطلانه يتضح بملاحظة ما يلي:
أولاً:
شبهة المشككين تؤكد الخلط الذي وقعوا فيه بين الوحي الإلهي والإيحاء النفسي، وقد تقدم بيان معنى الوحي وأنواعه وطرق وصوله إلى الإنسان ومنهم الأنبياء المرسلين. أما كون ما يأتي الرسول هو وحي إلهي وليس نفسي، فهذا يتم التأكد منه من خلال:
1- النظر في دليل صدق الرسول في دعوته، وهكذا يعود الكلام إلى قانون معرفة الحجج الإلهيين وما احتج به الرسول على قومه وغيرهم من الناس، وقد تقدم دليل إثبات نبوة الرسول (صلى الله عليه وآله) وإرساله من الله. وإذا ثبت صدقه في دعواه ثبت ما يترتب عليه من أخبار يخبر بها عن ربه سبحانه وتعالى ووحيه له.
2- النظر في مضامين الوحي نفسه، وهل تستطيع نفس بشرية (منقطعة عن المدد والوحي الإلهي) أن تأتي بالمضامين والعلوم التي بثها الرسول بين الناس، وهل تنتج أحاديث النفوس ما أنتجه من عطاء معرفي وأخلاقي وإنساني بشكل عام؟! هل يستطيع حديث النفس أن ينتج قرآناً بما فيه من علوم وأسرار وهدى تحدّى جميع الخلق أن يأتوا بمثله في التأثير على نفوس سامعيه، علماً أنّ تحدّيه كان ولا زال قائماً للعرب وغيرهم بما فيهم المشككون؟!
المشككون في الحقيقة يجب عليهم مناقشة الدليل الذي جاء به الرسول إن كان لديهم نقاش، لا أن يقابلوا الدليل بتهم وشكوك أنتجتها أوهامهم وظنونهم المريضة، وليعلموا أنّ الشك مهما عظم في نفس صاحبه فهو لا يقابل الدليل ولا ينقضه وإنما ينقض الدليل بدليل مثله.
ثانياً:
بالنسبة إلى نصوص أهل الديانات ونبوءاتهم وما كان رائجاً بين العرب - وحتى غيرهم - عن قرب ظهور وبعثة نبي صحيح، وهذا من رحمة الله بعباده إذ ييسّر لهم سبل التصديق برسوله الموعود ويمهّد لهم الطريق؛ تخفيفاً من ثقل امتحانهم به، من جهة. ومن جهة أخرى: يؤكد وحدة المنبع الذي يستقي منه رسل الله علمهم الذي يتجسد أحياناً في إخبارات غيبية مستقبلية يبثوها بين أقوامهم وتتناقلها الأجيال وتنتشر بين الناس المنتظرين.
وهذا بالضبط ما حصل مع الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، إذ وردت بشارات الأنبياء السابقين في ذكر اسمه وصفته ومسكنه ومهاجره وغير ذلك. لكن هذا لا يعني بحال أنها كانت تؤثر على الرسول بحيث تُحدث في نفسه حديثاً وإيحاءً نفسانياً يجعله يعتقد أنه الرسول الموعود دون أن يكون هو المقصود كما حصل مع أمية بن الصلت مثلاً؛ وذلك أنّ:
1- التعرّف على صدق نبوة الرسول وإرساله من الله لا يستند إلى قوله هو فحسب، ولكن احتج على الناس بقانون معرفة الحجج الإلهيين (العلم، النص، الدعوة إلى الله) كما تقدم بيانه، وهو قانون إلهي ينحصر بخلفاء الله فقط ولا يحتج به غيرهم إطلاقاً، والرسول متحلّي بجميع فقرات القانون الإلهي كما بيّنا سابقاً.
2- التعرّف على صدق الرسول يستند أيضاً إلى شهادة الله التي يشهد بها لكل من يريد التعرف على صدق رسوله في دعوته، فالله سبحانه عرض نفسه شاهداً على صدق رسوله محمد وأحقيته قبل بعثته وعند بعثته: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" [الرعد: 43]، واليوم أيضاً لا زال الباب مفتوحاً لمن يطلب شهادة الله، وشهادة الله لا دخل للرسول بها ليقال بالإيحاء النفسي، وإنما هي شهادة يمكن لكل من يؤمن بالله أن يطلبها من الله بصدق وينتظر سماعها من الله أيضاً. أما من لا يؤمن بالله من المشككين فكلامنا ينحصر معه في إثبات وجود الله قبل الخوض معه في إثبات صدق الرسول في دعوته ووحي الله إليه.
3- الصفات الواردة في النصوص الدينية المذكورة للنبي الموعود مما كان رائجاً بين الناس لم تنطبق إلا على الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، وانطباق هذه الصفات عليه أمر لاحظه الكثير من علماء أهل الكتاب وغيرهم. وواضح أنّ انطباق الصفات المذكورة في نصوص دينية ذكرت قبل مئات السنين على شخصية الرسول أمر لم يكن ليحصل لو لم يكن هو مصداقها الحقيقي والمعني بها، وأي دخل للإيحاء النفسي في مسألة الانطباق هذه!
4- إنّ الرسول قبل بعثته لم يكن يظن بنفسه أنّ يكون له قدر وشأن عظيم عند الله، وأنّ الله سيصطفيه للنبوة والرسالة وأن يكون صدره مهبطاً لوحي القرآن العظيم، وهذا من خلق الأنبياء والعظماء الإلهيين، فإنهم لا يرون لأنفسهم ميزة وفضلاً يفضّلون به أنفسهم على سائر الخلق، ولهذا اصطفاهم الله، قال تعالى: "وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ" [القصص: 86].
ومن كان هذا حاله فأي حديث يحدّث به نفسه غير رجاء رحمة الله وعفوه.
ثم أيّ إيحاء نفسي (مجرّد عن المد والوحي الإلهي) يستطيع أن يبني منظومة إنسانية متكاملة في جانبها الديني (العقائدي والتشريعي) والأخلاقي والاجتماعي والقضائي والسياسي والاقتصادي وغير ذلك كالتي فعلها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، خصوصاً وأنها مخالفة لمجمل ما كان سائداً بين أتباع جميع الديانات؟! المنظومة التي أجبرت حتى ألدّ أعداء الدين من الانحناء أمام العطاء المحمدي وثورته الإصلاحية الكبرى في شبه جزيرة العرب قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام وما أحدثته من تغييرات جوهرية كبيرة لا يسع أي باحث تجاهلها سواء اتفق معها أو اختلف!
...........
الشبهة والجواب مقتبس من كتاب "دفاع عن الرسول" ؛ كتاب في طور الاعداد من قبل معهد الدراسات العليا الدينية واللغوية