بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
تفسير الإمام أحمد الحسن (ع) للقرآن الكريم
مقدمة
سيكون هذا الموضوع وضع لتفاسير الإمام أحمد الحسن (ع) بترتيب القرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم، وتفسير القرآن الكريم محصور بالأئمة (ع) وفي زمننا يكون محصوراً بالإمام أحمد الحسن (ع)، قال الشيخ ناظم العقيلي في مقدمة كتاب المتشابهات ج1:
[ القرآن كله آيات بينات عند الأئمة (ع) لا يوجد فيه متشابه، ولذلك انحصر تفسير القرآن في الأئمة (ع)؛ لأن غيرهم لا يعرف ما تشابه من القرآن ولا يفقه تأويله، وفاقد الشيء لا يعطيه. وقد نبه الأئمة (ع) على هذه الحقيقة مرات عديدة في رواياتهم، وحذروا عن تفسير القرآن بالرأي، ونبهوا كذلك على أن كلام الله تعالى لا يشبه كلام البشر فلا يمكن قياسه عليه، ولنطلع على بعض كلامهم (ع) في هذا الموضوع لتتضح المسألة:
...... قال [الصادق] (ع): (وهذا دليل واضح على أن كلام الباري سبحانه لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه أفعاله أفعالهم، ولهذه العلة وأشباهها لا يبلغ أحد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى إلا نبيه وأوصياؤه (ع) ... إلى أن قال: ثم سألوه (ع) عن تفسير المحكم من كتاب الله، فقال: أما المحكم الذي لم ينسخه شيء فقوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ الآية. وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء، ونبذوا قول رسول الله (ص) وراء ظهروهم ... الحديث) [وسائل الشيعة (آل البيت) : ج27 ص200].
.... بل روي أن هناك تأويلاً للقرآن في كل زمان، ولا يعرف هذا التأويل إلا الإمام الحجة المنصب من الله تعالى:
عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (إن للقرآن تأويلاً، فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجيء، فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمة عرفه إمام ذلك الزمان) [وسائل الشيعة (آل البيت) : ج27 ص196].
وبهذا يتبين أن تأويل القرآن ومعرفة المحكم من المتشابه مختص بالإمام المعصوم من أوصياء الرسول محمد (ع)، ولا يمكن أن يعرف عن غيره أبداً.
ويتبين أيضاً من الرواية السابقـة أنّ تأويل القرآن في عصر الظهور لا يعرفه إلا الإمـام المهدي (ع) أو من اتصل به اتصالاً مباشراً وتحمل ذلك العلم منه (ع)، وبهذا نعرف أن الإمام المهدي (ع) أو من اتصل به يعرف عن طريق إفحامه لجميع العلماء في معرفة علم متشابه القرآن وإحكامه، كما اثبت أجداده إمامتهم عن طريق ذلك العلم الخاص بهم (ع). ]
تفسير سورة الفاتحة
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
يوجد كتاب كامل للإمام أحمد الحسن (ع) لتفسير شيء من سورة الفاتحة، وهذا رابط الكتاب يمكنكم تحميله من هنـــا.
وهذه مقتطفات من الكتاب، والمقتطفات لا تعطي حق الكتاب أبداً، فأنصح الجميع بقراءة الكتاب كاملاً.
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾:
[ ..... فيكون معنى﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾: أنّي أبدأ رجوعي إلى خالقي، ونصرتي لخالقي، وتسليمي لخالقي، ومظهري إلى الوجود، بعد أن لم أكن شيئاً مذكوراً، مستعيناً بظهوره بكمالاته جميعها، التي أفاضها على العالمين وعرفوه بها، فأقول: (بسم الله)، ثم أنّي أخص من كمالاته الرحمة، فأستغيث بها؛ لأنّه بها يعطي من لم يسأله ولم يعرفه، وذلك لأنّي لا أستحق عطاءه، إمّا لأنّ وجهي قد سودته المعاصي، وإمّا لأنّي تركت بعض ما أرشدني إليه بحجّة أنّه لم يأمرني به ولا يعاقبني على تركه، متناسياً كرمه وفضله. ]
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)﴾:
[... اللهم أنت أهل للثناء؛ لأنّك المربي الكريم الرحمن الرحيم في جميع العوالم، ونحن نعترف أنّ المُلك لك، وإنّه سيأتي يوم يكون المُلك لك فيه بالفعل، سواء كان هذا اليوم هو يوم القيامة الصغرى وظهور الإمام المهدي (ع)، أم يوم القيامة الكبرى، حيث سيكون أولياؤك على الأعراف يحكمون بين العباد، فيُدخلون بأذنك فريقاً إلى الجنة، وفريقاً إلى السعير. ]
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾:
[ نحن نعبدك وحدك وبحولك وقوتك، فلم يبق لنا إلاّ أننا اخترنا عبادتك. وإذا كان هذا الاختيار بفضلك وتوفيقك، فهل بقي لنا من الأمر شيء ؟!
وهذا العبد لا يخاف دركاً ولا يخشى، فليلقه نمرود في النار، فإنّها ستكون برداً وسلاماً. وليجيش فرعون جيوشه، فسيبتلعهم بحر القلزم. ولكنّه ليكون عبداً مخلصاً لله حتى آخر لحظة من حياته، فإنّه يحتاج إلى المدد والعون والتوفيق الإلهي.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وكيف لا تكون حاضراً، وأنت أقرب إلى الناس من حبل الوريد.
في هذه الآية ضمير المخاطب الحاضر الشاهد، وهل يمكن عبادة الغائب، أو طلب العون من الغائب، (أعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك) [لمحاسن : ج1 ص3].
وما أنا وما وجودي ؟!
وهل قمت بشيء سواك؟!
وهذه الأرض والشمس والقمر .. والنجم والشجر .. والمطر كلها تسبح في هواك.
وتنشد ... عميت عين لا تراك.
أمّا الجماعة في: نعبد، ونستعين؛ فلأننا حزب الله؛ ولأننا كالجسد الواحد، يكفي أن يتكلّم واحد منّا باسم كل الجماعة، فنحن قلب واحد، كما أنّ كل فرد في هذه الجماعة الإلهية لا يرى نفسه، بل يرى جماعة تعمل لإعلاء كلمة الله في أرضه..... ]
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)﴾:
[ ......إنّ ما يحتاجه من اختار أن يكون عبداً لله، هو العلم والمعرفة أولاً، ثم العمل والتطبيق. ومن أين له العلم، ومن أين له التوفيق للعمل به. ولهذا جاء النداء: (اهدنا الصراط المستقيم).
اهدنا يا الله يا كامل (الحمد لله)، اهدنا يا رب العالمين، يا مربي الخلق، يا مكملهم (رب العالمين). اهدنا يا أرحم الراحمين برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء، حتى من لم يعرفك ومن لم يسألك، وبرحمتك الشديدة العظيمة التي قبلت بها السحرة، بعد أن كانوا أعداءك ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾، اهدنا، فنحن نحيا في مملكتك التي أغتصبها الظالمون وحزب الشيطان من خليفتك وحزبك ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾.
اهدنا يا من اخترنا عبادتك والانضمام إلى حزبك، بعونك وحولك وقوّتك ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، اهدنا لمعرفة خليفتك وشريعتك، واهدنا لطاعته والعمل بالشريعة: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾. اهدنا، عرفّنا، وفقنا، سدّ نقصنا وتكفل مؤنتنا.
والصراط: الابتلاع بسرعة كبيرة، وسمي به هذا الطريق؛ لأنّك ما أن تضع قدمك في أوله وبنيّة خالصة لله، حتى تجد نفسك قد وصلت إلى آخره..... ]
﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾:
[ ... الحقيقة أنّ هناك صراطين: صراط الله، وصراط الجحيم اقتراباًً وابتعاداً، أو قل إقبالاً وإدباراً. وصراط الله هو (الصراط المستقيم). وطلب الهداية السابق - أي: اهدنا الصراط المستقيم - يحتاج إلى هذا التخصيص، أي بأنّه صراط الذين أنعم الله عليهم؛ وذلك لأنّ الصراط في عالمي الجزئيات (الملك والملكوت) سُبل كثيرة.
والهداية إلى بعضها يمكن أن يُعّبر عنه بأنّه هداية إلى الصراط المستقيم، وإن كانت هداية جزئية، ولكن تحديد الصراط بأنّه صراط الأنبياء (ع)؛ لأنّهم هم المنعَم عليهم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً﴾.
يعني طلب الهداية إلى جميع سُبل السلام، أو الصراط المستقيم في عالمي الملك والملكوت. وبالتالي الوصول إلى تمام العقل وأعلى درجات القرب منه سبحانه الممكنة للإنسان..... ]
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾:
[ وهؤلاء فئتان في مقابل أهل الحق، فالناس ثلاثة:
منهم: من طلب الحق وأصابه.
ومنهم: من طلب الباطل وأصابه.
ومنهم: من طلب الحق وأخطأه.
ولا يتصور أن يطلب أحد الباطل ويخطئه إلى الحق، فإصابة الحق تتطلب النية.
وعلى كل حال، من طلب الحق وأصابه، هم: أهل الحق، أو الذين اهتدوا إلى الصراط المستقيم، والذين طلبوا الباطل وأصابوه، هم: المغضوب عليهم. والذين طلبوا الحق وأخطؤوه هم الضالون.
وتطبيق المغضوب عليهم على اليهود، والضالين على النصارى لا يصح دائماً، فهو ربما ينطبق على فئة معينة منهم في زمن معين. فعندما بعث عيسى (ع) رفض قوم من اليهود الاعتراف به كخليفة الله في أرضه وكنبي، وكفروا به، وهؤلاء هم اليهود المغضوب عليهم. وقَبل قوم من اليهود عيسى، ولكنّهم اعتقدوا فيه غير الحق فضلّوا.
ولعل سبب ضلالهم مع أنّهم طلبوا الحق هو أمراض في نفوسهم منعتهم من قبول الحق، بعد أن وصلوا إلى طرف الحق الموصل إليه، وهؤلاء هم الضالون.
أمّا اليوم فحال اليهود والنصارى مختلف، فانظر إلى ما يطلبون، ولعلّي لا أتردّد في قول إنّ معظمهم يطلب الباطل، وقد خاضوا في سبُل الغي والجور والظلم والفساد الأخلاقي وتحليل ما
حرّم الله، وهؤلاء طبعاً مغضوب عليهم سواء كانوا يهود أو نصارى.
ومن هنا فإنّ قصر المفهوم القرآني على مصداق معين في الخارج، عبارة عن محاولة اغتيال للقرآن لصالح إبليس وجنوده من الطواغيت ومن المتكبرين، الذين لا يؤمنون بيوم الحساب.
ولعل الأولى في هذا الزمان وفي البلاد الإسلامية، تطبيق المغضوب عليهم على الطواغيت وأعوانهم. فتدبّر أمر هذا الذي يدّعي أنّه مسلم وهو يعاون الطواغيت الذين يحاربون الشريعة الإسلامية المحمديّة، ويطبقون القوانين الوضعية الشيطانية.
ثم إنّك تجد أمثال هذا الذي هو حربة بيد الشيطان، يقنت ويصلّي ويقرأ سورة الفاتحة ويقول في آخرها: إلهي جنبنا صراط المغضوب عليهم، مع أنّه يعمل ليلاً ونهاراً ليكون من المغضوب عليهم، وهو على علم بأنّه يسلك صراط الجحيم، ﴿جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ﴾. ]
يتبع...
سورة البقرة، الآيات الأولى
Comment