[ ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ ([1]). الإيمان هو التصديق، ولكن ما المراد بـ (الغيب) هنا؟
ربما للإجابة سنسطر قائمة طويلة، ولن نحصي الغيب قطعاً، وباختصار أقول: إنّ عالمي الملكوت والعقل هما الغيب الأصغر، وعالمي اللاهوت - أو الذات والحقيقة أو الكنه - هما الغيب الأكبر.
والغيب الأصغر يمكن أن يكشف بعضه لخاصة من أولياء الله سبحانه وتعالى، كما كشف لإبراهيم (ع)، (لنريه ملكوت السماوات والأرض)، بل ويكشف لمن سلك طريق الله سبحانه وتعالى وإن كانت عاقبته الانحراف كالسامري: ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ ([2])، وكبلعـم بن باعوراء: ﴿آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ ([3])، وروي أنه كان يرى ما تحت العرش ([4]).
أما الغيب الأكبر، فينقسم إلى: الغيب العظيم أو العلي، والغيب الأعظم أو الأعلى، وهما اللذان في تسبيح الصلاة في الركوع والسجود.
والغيب العظيم لم يكشف منه شيء إلا للنبي الكريم، ولهذا خوطب بأنه على خلق عظيم ([5])، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى ([6]). ومرَّ ([7]) الحديث عن الإمام الصادق (ع) في كشف الحجاب للرسول الأعظم خاصة، وهو الحجاب الذي لم يكشف لأمير المؤمنين (ع)، فقال ما معناه: (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً) ([8]).
أما الغيب الأعلى أو الأعظم فهو المحجوب عن الكل، وحجابه الذات أو الأسماء الحسنى.
ومن هنا فالإيمان بهذه العوالم أي: الملكوت والعقل والذات والحقيقة، هو الإيمان بالغيب، وهذا الإيمان على درجات أوضحها باختصار بهذا المثال: افرض أن حريقاً شب على بعد خمسة كيلو مترات عن مكان تواجدك فأنت تُحاط به علماً بإحدى الطرق التالية:
1- ينقل لك ثقاة صادقون خبر الحريق.
2- تذهب وترى الحريق بعينك.
3- تذهب وترى وتضع يدك في النار وتحترق يدك.
4- تقع في النار وتحترق حتى تصبح ناراً فتكون أنت من النار.
وربما يتسرع إنسان ويقول: إنّ العلم الحاصل من شهادة خمسين شخصاً ثقاة لا يكذبون هو نفسه العلم الحاصل من رؤية النار بالعين، وهو نفسه العلم الحاصل من رؤية النار واحتراق اليد.
وهذا اشتباه؛ لأن العلم الأول يمكن أن ينقض إذا شهد لك خمسون من الثقاة بأنه لا يوجد حريق، والثاني يمكن أن ينقض إذا شككت أنّ هذا الحريق هو سحر عظيم كسحر سحرة فرعون، الذين استرهبوا الناس وسحروا أعينهم. أما الثالث فهو ثابت لا ينقض لوجود أثر النار في يدك، والقلب يكون مطمئناً.
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ ([9])، فإبراهيم (ع) طلب هذه الدرجة من الإيمان، ولذلك قال تعالى بعدها: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ ([10]).
أما الرابع الذي عبرت عنه بأنه يحترق في النار حتى يصبح هو ناراً، فهذا لم يتحقق إلا لمحمد (ص) الإنسان. وهو فقط من كشف له الحجاب فكان قاب قوسين أو أدنى، وأصبح هو صلوات الله عليه وعلى آله حجاب الذات، ومن كشف له الغيب العظيم، أو بعبارة أخرى الذات أو قل: الكمالات الإلهية المشار إليها بكلمة الله.
وفي الحديث عن هشام بن الحكم، عن أبي الحسن موسى (ع)، قال: قلت له لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل؟ ولأي علة يقال في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده؟ ويقال في السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده؟
قال: (يا هشام، إن الله تبارك وتعالى خلق السماوات سبعاً والأرضين سبعاً والحجب سبعاً، فلما أسرى بالنبي (ص) وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى، رفع له حجاب من حجبه فكبر رسول الله (ص)، وجعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح، فلما رفع له الثاني كبر ، فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب وكبر سبع تكبيرات. فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه، فابترك على ركبتيه وأخذ يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، فلما اعتدل من ركوعه قائماً نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خرّ على وجهه يقول: سبحان ربي الأعلى وبحمده. فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة) ([11]). ]
المتشابهات ج2 من السؤال45
[ محمد (ص) ظهور اللّه في فاران
وردت هذه العبارة في دعاء السمات الوارد عن الأئمة (ع): (.... وأسألك اللهم ....، وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء، فكلّمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران (ع)، وبطلعتك في ساعير، وظهورك في فاران ...) ([12]).
وطلعة الله في ساعير بعيسى (ع)، وظهور الله في فاران بمحمد (ع) ([13]).
ولابد من الالتفات إلى أنّ عبارات الدعاء مرتّبة تصاعديّاً، فمن نبي (كلّمه الله) وهو موسى (ع)، إلى نبي مثّل (طلعة الله) وهو عيسى (ع)، إلى نبي مثّل (ظهور الله ) وهو محمد (ص).
والفرق بين الطلعة والظهور؛ هو أنّ الطلعة هي الإطلالة والظهور الجزئي ، أي إنّ الطلعة هي تجلّي بمرتبة أدنى من الظهور ([14])، فكلاهما أي عيسى (ع) ومحمد (ص) مثَّلا الله سبحانه في الخلق ، ولكن عيسى (ع) بمرتبة أدنى من محمد (ص). وبَعث عيسى (ع) كان ضرورياً للتمهيد لظهور، وبَعث محمد (ص) الذي مثَّل الله في الخلق، فكان محمد (ص) خليفة الله حقّاً.
وإذا رجعنا إلى أصل وبداية الخلق وجدنا الله سبحانه وتعالى يخاطب الملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾([15]).
فإنّه وإن كان آدم خليفة الله وباقي الأنبياء والأوصياء (ع)كذلك، ولكن الهدف الذي يُراد الوصول إليه هو خليفة الله حقّاً، أي الشخص الذي يكون خليفة كامل لله سبحانه وتعالى، فيعكس اللاهوت في مرآة وجوده بشكل أكمل وأتم من كل الأنبياء والأوصياء (ع)
فالمراد الوصول إليه هو شخص يخفق بين (الأنا والإنسانية)، وبين (اللاهوت والذات الإلهية).
سأل أبو بصير أبا عبد الله (ع)، فقال: (جعلت فداك كم عرج برسول الله (ص) ؟
فقال (ع): مرتين، فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إنّ ربك يصلي ، فقال (ص): يا جبرائيل وكيف يصلي ؟
قال: يقول: سُبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي.
فقال (ص): اللهم عفوك عفوك.
قال: وكان كما قال الله: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾([16]).
فقال له أبو بصير: جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى ؟
قال (ع): ما بين سيتها إلى رأسها ([17])، فقال (ع): كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ([18])، ولا أعلمه إلاّ وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سم الإبرة ([19]) إلى ما شاء الله من نور العظمة.
فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد.
قال: لبيك ربي.
قال: من لأمتك من بعدك ؟
قال: الله أعلم.
قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين.
ثم قال أبو عبد الله لأبي بصير: يا أبا محمد والله ما جاءت ولاية علي (ع) من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة) ([20]).
فمحمد (ص) في الآن الذي يفنى في الذات الإلهية لا يبقى إلاّ الله الواحد القهّار، ولا يبق إلاّ نور لا ظلمة معه، وهو الله سبحانه وتعالى، فيكون هذا العبد قد كشف عنه الغطاء حتى عرف الله حق معرفته. فهو فقط الذي يمكن أن يُعرّف الخلق بالله بشكل كامل وتام، وكذلك هو فقط خليفة الله الكامل، أي الذي تجلّى فيه اللاهوت، أو الذات الإلهية بأكمل ما هو ممكن للإنسان.
ولتبيين هذا أكثر أضرب هذا المثل:
إذا كان إنسان لديه مصنع وفيه آلات وعمّال ، فإذا كان هو بنفسه يدير هذا المعمل تكون نسبة الإنتاج في المصنع هي مائة بالمائة (100 %)، ثم بَدا لهذا الإنسان أن يجعل شخصاً يخلفه في إدارة هذا المصنع، فوجد إنساناً آخر يستطيع إدارة هذا المصنع، ولكنّه إذا لم يُشرف هو بنفسه على هذا الشخص تكون نسبة الإنتاج ثمانيين بالمائة (80 %)، فلابد له من الإشراف عليه لتبقَ نسبة الإنتاج تامّة (مائة بالمائة). ثم إنّه وجد إنساناً آخر أكثر كفاءة من السابق، ولكنّه أيضاً يحتاج إلى الإشراف عليه ، وإلاّ ستكون النسبة (90 %)، فجعله خليفته في هذا المصنع، وأشرف عليه وعلى عمله لتبقى النسبة مائة بالمائة (100 %).
ثم أخيراً وجد إنساناً مثله وكأنّه صورة له يستطيع إدارة المصنع وبدون الإشراف عليه وتكون نسبة الإنتاج مائة بالمائة (100 %)، فجعله خليفته على المصنع، وأطلق يده يفعل ما يشاء فيه؛ لأنّه لا يشاء إلاّ مشيئة صاحب المصنع، فالآن الإشراف على هذا الخليفة الكامل من صاحب المصنع سيكون عبثاً.
فالذي يسمع بالنار يعرفها بقدر ما سمع عنها، وكذا من رآها يعرفها على قدر رؤيته لها. أمّا من احترق منه شيئاً بالنار فهو يعرفها يقيناً، لكن بقدر ما احترق منه بها، أمّا من احترق كلّه بالنار حتى أصبح هو النار فإنّه يعرفها بشكل كامل وتام، حتى إنّك لا تستطيع أن تميّزه من النار؛ لأنّه أصبح منها:
﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([21])،
﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾([22]) ]
النبوة الخاتمة ص(25،26)
[ سؤال/ 106: ما معنى قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ([23]) ؟
الجواب: لبيان المراد بهذه الآية المباركة أضرب هذا المثال كتقديم لفهمها: فلو أنّ ناراً مشتعلة في مكان معين، فأنت تصدق أنّ هذه النار مشتعلة في ذلك المكان، وتتيقن من اشتعالها فيه بإحدى هذه الطرق:
1- أن يأتيك مجموعة من الناس يخبروك باشتعالها.
2- أن تذهب وتراها بعينك.
3- أن تذهب وتراها بعينك وتضع يدك فيها حتى يحترق أصبعك.
4- أن تذهب وتراها بعينك وتلقي نفسك فيها حتى تحترق.
والعلم الأول والثاني يمكن أن ينقض، فلو جاءك مجموعة من الناس وأخبروك بعدم وجود النار لحصل عندك شك بالخبر الأول، ولو جاءك مجموعة من الناس وأخبروك أنّ ما تراه هو سحر عظيم لحصل عندك شك بما رأيته بعينك. أما العلم الثالث والرابع فلا ينقض؛ لأن أثر النار موجود في يدك أو جسمك، أو أنك احترقت حتى أصبحت أنت النار.
ومن المؤكد أنّ معرفة من احترق إصبعه بالنار أقل من معرفة من احترقت يده أو احترق جزء كبير من جسمه بحقيقة النار، وهؤلاء معرفتهم بالنار أقل من معرفة من احترق حتى أصبح هو النار.
وإذا انعطفت بهذا المثال على معرفة الخلق بالله سبحانه وتعالى لوجدت أنّ من فتح له مثل سم الإبرة وأخذ يخفق وأميطت في آنات عن صفحة وجوده شائبة العدم هو من قال فيه تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾.
الفتح، وهو محمد بن عبد الله (ص)، عبد الله وإسرائيل الله ووجه الله في خلقه، بل هو الله في الخلق، (وظهورك في جبل فاران) ([24]) أي ظهور الله في مكة بمحمد (ص).
فمحمد (ص) هو النار في هذه الآية، وهو البركة التي يبارك بها الله على من في النار ومن حولها أما الذي في النار فهو علي (ع)، قال (ع) في إحدى خطبه: (أنا من كلّم موسى) ([25])، ولا تنكر هذه الكلمة على أمير المؤمنين علي (ع) وتكون من الهالكين، قال تعالى:
﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ ([26]).
﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْت﴾ ([27]).
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِم﴾ ([28]).
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ ([29]).
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ ([30]).
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ ([31]).
تدبّر هذه الآيات لتعرف ماذا أراد علي (ع) بكلمته المباركة التي مع الأسف أنكرها الكثير من الناس بجهلهم وقلة تدبرهم، فالله سبحانه وتعالى يتوفى الأنفس؛ لأنه الخالق المهيمن على جميع العوالم المحيي والمميت، وملك الموت (عزرائيل (ع)) يتوفى الأنفس؛ لأنه قائد لملائكة الموت، والملائكة يتوفون الأنفس؛ لأنهم المنفذون لأمر ملك الموت المنفذ لأمر الله سبحانه.
أما الذين حولها - أي حول النار - فهم الأئمة (ع)، كحلقة أقرب إلى مركز النار، ثم تليهم حلقات تلتف حول المركز، وهم المهديون الإثنا عشر بعد القائم (ع)، والأنبياء والمرسلون وخاصة الشيعة من الأولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون كالثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب القائم (ع) وسلمان المحمدي وأشباههم.
إذن، فموسى (ع) أراد أن يأتي لأهله بالخبر والهدى من النار لعلهم يصطلون بالنار أي يحترقون بها، ليكونوا على اليقين الذي لا يخالطه شك، ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً﴾ ([32]).
أما في هذه الحياة الدنيا فالنار هي المصاعب والآلام التي تعرضوا لها (ع) من أذى الطواغيت والفراعنة لعنهم الله، وروي أنّ الدجال يأتي ومعه جبل من نار من دخله دخل الجنة ([33])، وأمريكا هي الدجال وجبل النار آلتها الحربية الضخمة، ويدخل الجنة المؤمنون بمحاربة أمريكا، وإبراهيم (ع) دخل النار في هذه الحياة الدنيا، النار التي أشعلها الطواغيت والفراعنة لعنهم الله بالظلم والجور والفساد ليحرقوا بها كل من يقف بوجه ظلمهم وجورهم وفسادهم، ولكن هذه النار كانت على إبراهيم (ع) برداً وسلاماً.
وستكون على كل من يلقي نفسه فيها برداً وسلاماً، سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلاً ولن تجد لسنة الله تبديلاً. ]
المتشابهات ج3
[ السؤال/ 323: بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم سادتي ورحمة الله وبركاته .. إخوتي الكرام:
بقصر المقال لدي سؤال أرجوا ممّن لديه الخبرة إجابتي بوضوح وبصريح العبارة وهو
انطلاقاً من قولهم (ع): (من عرف نفسه فقد عرف ربّه)، وقولهم (ع): (أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه)، وغيرها من المأثورات الواردة عن الآل المحمّدي والتي تحث على معرفة النفس، فإنّ المنهجيّة المسطورة في كتب العرفان الموجودة على الساحة لم تبرّد الغليل ولم توصل إلى ساحل اليقين، وهي لا تطرح سوى تلك الروايات التي ذكرتها آنفاً وتدعوا إلى الحث على معرفة النفس من دون أي منهجيّة أو تنظير لبيان آليّة معرفة النفس، وبشكل دقيق صعوداً للدخول إلى عالم الملكوت .. فما هي الآليّة الّتي تطرحونها في معرفة النفس بالشكل العملي والتي يترتّب عليها الأثر الواضح في معرفة الرب ؟ ولكم جزيل الشكر.
المرسل: محمد - العراق
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
الإنسان هو تجلي اللاهوت سبحانه في عالم الخلق، ففطرة الإنسان تؤهله إلى أن يكون الله في الخلق، أي صورة الله أو وجه الله أو يد الله. عن أبى الصلت الهروي، عن الإمام الرضا (ع)، قال: (قال النبي (ص): من زارني في حياتي أو بعد موتى فقد زار الله تعالى، ودرجه النبي (ص) في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره في درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى. قال: فقلت له: يا بن رسول الله (ص)، فما معنى الخبر الذي رووه: إن ثواب لا اله إلا الله النظر إلى وجه الله تعالى ؟ فقال (ع): يا أبا الصلت، من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله تعالى أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم يتوجه إلى الله (عز وجل) والى دينه ومعرفته، وقال الله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾([34])، وقال (عز وجل): ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾([35])) ([36]).
وسعي الإنسان لمعرفة نفسه يمر في كل حركة بمعرفة الرب بمرتبة ما ومن ثم التخلق بأخلاق الرب سبحانه والتحلي بصفاته حتى يصل الإنسان - إن كان مخلصاً متجرداً عن الأنا - إلى أن يكون الله في الخلق، أي صورة اللاهوت ووجه اللاهوت، وفي هذه المرحلة وهذا المقام سيكون الإنسان عارفاً بنفسه، ومعرفته بنفسه هي معرفته بربه؛ لأنه وجه الله، والرب يعرف بوجهه الذي يواجه به، وكل إنسان يسير إلى الله بإخلاص يكون وجه الله بمرتبة ما بحسب سعيه وإخلاصه، أي إنه يكون وجه الله بحسب ما تحمل نفسه من صفات الله كماً وكيفاً وبالتالي فوجه الله في الخلق ليس مرتبة واحدة، فمحمد (ص) وجه الله، وعلي (ع) وجه الله، وفاطمة (ع) وجه الله، والحسن وجه الله، والحسين وجه الله، والأئمة (ع) وجه الله، والمهديون وجه الله، والأنبياء والرسل (ع) وجه الله، وسلمان الفارسي وجه الله ولكن كلٌ منهم بحسبه. فوجه الله الحقيقي في الخلق هو محمد (ص) وبالتالي ستكون معرفته بربه سبحانه هي الأكمل في الخلق؛ لأنها عبارة عن معرفته بنفسه، ولا أحد من الخلق أعرف منه (ص) بنفسه التي عكست صورة اللاهوت بالصورة الأكمل في الخلق وكانت هي الأكمل في الخلق.
ولو فرضنا أن النفس الإنسانية مرآة ومودعة فيها القدرة على عكس صورة اللاهوت فإن صورة اللاهوت في هذه المرآة ستكون أكمل وأوضح بقدر توجيه هذه المرآة إلى اللاهوت، فمن يوجهها بشكل كلي سيعكس صورة كاملة للّاهوت، ومن يقصر في التوجيه الكلي لمرآته سيكون هناك قصور في صورة اللاهوت المنعكسة في مرآة وجوده بقدر تقصيره.
ومعرفته للّاهوت ولربه ستكون بقدر تلك الصورة المنعكسة في مرآة وجوده، وبالتالي فمن يعرف حقيقة نفسه بالفعل، وأؤكد بالفعل (فليست المسألة معرفة ألفاظ أو معاني) سيكون قد عرف ربه بقدر معرفته بنفسه.
وأضرب لك مثالاً ليقرب لك تصور مراحل هذه المعرفة:
أفرض أن ناراً مشتعلة أمامك وأنت تراها بعينك وتحس حرارتها التي تلفح وجهك، ولكنك لا تعرف أثرها فيك حتى تمسها بيدك مثلاً فتحترق يدك، عندها ستعرف أن النار محرقة، ولكن معرفتك هذه بحقيقة النار كانت من خلال نفسك (يدك التي احترقت)، فمعرفتك بالاحتراق الذي حصل ليدك مرَّ أولاً بمعرفة النار الأولية وهي أنك تراها بعينك وتحس حرارتها ولكنك لا تعرف أثرها لتعرف شيئاً من حقيقتها، أما بعد أن مسستها فقد عرفت شيئاً من حقيقتها ولكن هذه المعرفة مرَّت بنفسك أي عرفتها من خلال ما حصل ليدك.
الآن نكمل المثال ونقول: إنك بقدر الاحتراق الحاصل لك من النار تعرف أثرها فيك وتعرف حقيقتها من خلال أثرها فيك، حتى إذا احترقتَ كلك في النار أصبحت أنت ناراً ومعرفتك بالنار ستكون هي معرفتك بنفسك، والآن لو فرضنا أن هذه النار هي أكمل صورة للنار كأن تكون ناراً بيضاء مثلاً وأنت احترقت وأصبحت ناراً ولكن بصورة أدنى من النار البيضاء ولنقل ناراً حمراء فستكون معرفتك لهذه النار البيضاء - التي هي معرفتك بنفسك - دون من احترق وأصبح ناراً بدرجة أعلى منك (أي في درجة بين الحمراء والبيضاء).
أما إن كنت تسأل عن منهج عملي فالله وضع منهجاً عملياً وأنزله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وكمثال اذهب واقرأ سورة الإسراء وتدبرها لتجد أن هذا المنهج قد أوضحه الله سبحانه.
ورسول الله محمد (ص) حصر علة بعثه بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وإن كنت تريد مني أن اختصر لك هذا المنهج بكلمة واحدة، فأقول لك: (اقتل نفسك تعرف ربك)، فالنفس الإنسانية نور وظلمة، وبقدر سيطرة النور واندحار الظلمة في نفس الإنسان تكون معرفته بربه، ولو سميت لك الأسماء بمسمياتها فالنور: هو، والظلمة: الأنا، فكلما قلت (أنا) مقابل (هو)؛ ستجد أن الظلمة قد اتسعت في نفسك وابتعدت عن المعرفة واقتربت أكثر من الجهل والعمى، وكلما قلت (هو) مقابل (أنا) ستجد أن النور قد هيمن على صفحة وجودك حتى يعرف الإنسان أن وجوده ذنب؛ لأن ما يجعله موجوداً متميزاً هو تشوبه بالظلمة والتي مصدرها أنا وطلبه للوجود والبقاء مقابل هو سبحانه، ولهذا قال علي (ع): (اِلهي قَدْ جُرْتُ عَلى نَفْسي في النَّظَرِ لَها، فَلَها الْوَيْلُ اِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَها) ([37]).
وقد هلك إبليس بقول (أنا): ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾([38]) فاحذرها.
أحمد الحسن
شعبان الخير/ 1430 هـ ق ]
الجواب المنير ج4
[ صلوات الله على النار وعلى من في النار ومن حولها وتبارك الله رب العالمين ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([39]). ]
من مقدمة كتاب التوحيد
--------------------------------------------------
الهامش:
[1]- البقرة : 3 – 4.
[2]- طـه : 96.
[3]- الأعراف : 175.
[4]- عن أبي الحسن الرضا (ع): (أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجاب له، فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى (ع) وأصحابه، قال فرعون لبلعم: ادع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى وأصحابه، فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها، فأنطقها الله عز وجل، فقالت: ويلك، على ماذا تضربني، أتريد أن أجيء معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين؟! ولم يزل يضربها حتى قتلها، فانسلخ الاسم من لسانه، وهو قوله: فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ وهو مثل ضربه الله ...) تفسير القمي : ج1 ص248.
[5]- إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم : 4.
[6]- إشارة إلى قوله تعالى : (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم : 18.
[7]- تحت سؤال رقم (28) من هذا الجزء.
[8]- المناقب لابن شهر اشوب : ج1 ص317.
[9]- البقرة : 260.
[10]- الأنعام : 75.
[11]- علل الشرائع : ج2 ص332.
[12]- مصباح المتهجد : ص416، جمال الأسبوع: ص321، مصباح الكفعمي: ص424، بحار الأنوار: ج87 ص97.
[13]- جاء في احتجاج الإمام الرضـا (ع) على رأس الجالوت: (.. فقال له الرضا (ع): هل تنكر أنّ التوراة تقول لكم: " قد جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير، واستعلن علينا من جبل فاران" ؟ قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات، وما أعرف تفسيرها.
قال الرضا (ع): أنا أخبرك به، أمّا قوله: " جاء النور من قبل طور سيناء "، فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى (ع) على جبل طور سيناء، وأمّا قوله: " وأضاء الناس من جبل ساعير "، فهو الجبل الذي أوحى الله (عز وجل) إلى عيسى بن مريم وهو عليه، وأمّا قوله: "واستعلن علينا من جبل فاران"، فذاك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم. وقال شعيا النبي فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: "رأيت راكبين أضاء لهما الأرض، أحدهما على حمار، والآخر على جمل"، فمن راكب الحمار ؟ ومن راكب الجمل ؟ قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبرني بهما.
قال (ع): أمّا راكب الحمار فعيسى، وأمّا راكب الجمل فمحمد. أتنكر هذا من التوراة ؟ قال: لا، ما أنكره ...) التوحيد للصدوق: ص447، عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص148، بحار الأنوار: ج10 ص308.
[14]- قال الجوهري: (الطلعة: الرؤية) الصحاح: ج3 ص1254، وقال ابن منظور: (طلع فلان علينا من بعيد، وطلعته: رؤيته. يقال: حيا الله طلعتك) لسان العرب:ج8 ص236. وقال الجوهري: (وظهر الشيء بالفتح ظهوراً: تبيّن ... وأظهرت الشيء: بينته ..) الصحاح: ج2 ص732. وقال ابن فارس: (ظهر، الظاء والهاء والراء أصل صحيح واحد يدل على قوّة وبروز، من ذلك ظهر الشيء يظهر ظهوراً فهو ظاهر إذا انكشف وبرز؛ ولذلك سمي وقت الظهر والظهيرة وهو أظهر أوقات النهار وأضوؤها) معجم مقاييس اللغة: ج3 ص471.
[15]- البقرة: 30.
[16]- النجم: 9.
[17]- قال ابن منظور: بينهما قاب قوس، وقيب قوس، وقاد قوس، وقيد قوس، أي قدر قوس. والقاب: ما بين المقبض والسية. ولكل قوس قابان، وهما ما بين المقبض والسية) لسان العرب: ج1 ص693. وسية القوس: ما عطف من طرفيه .
[18]- الخفق: التحرك والاضطراب.
[19]- سم الإبرة: ثقبها .
[20]- الكافي: ج1 ص442، الجواهر السنية: ص213، بحار الأنوار: ج18 ص306، التفسير الصافي: ج5 ص87، تفسير نور الثقلين: ج3 ص98.
[21]- النمل: 8 .
[22]- العنكبوت: 43.
[23]- النمل : 7 – 8.
[24]- دعاء السمات.
[25]- انظر الخطبة التطنجية للامام علي (ع) ، مشارق أنوار اليقين : ص263 – 265.
[26]- الزمر : 42.
[27]- السجدة : 11.
[28]- النحل : 28.
[29]- النحل : 32.
[30]- الأنعام : 61.
[31]- الأعراف : 37.
[32]- طـه : 9 – 10.
[33]- انظر : الخرائج والجرائح للراوندي : ج3 ص1135، مسند أحمد : ج5 ص435.
[34]- الرحمن: 26 – 27.
[35]- القصص: 88.
[36]- عيون أخبار الرضا (ع): ج2 ص106.
[37]- المناجاة الشعبانية.
[38]- الاعراف: 12.
[39] - النمل : 8.
Comment