[ الصيام:
وهذه العبادة تربي في النفس الاهتمام بأحوال المسلمين الفقراء إضافة إلى تقوى الله، فلا تقض نهار صيامك في التفكير بإفطارك ونوع الطعام الذي ستتناوله فيه، فعندما تحس بالجوع وأنت صائم تذكر كم من المسلمين يقضون معظم أيام السنة جياع ولا تكن من الذين
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾.
وليس كل ما في وسعك هو إطعام بعض الفقراء، بل علينا جميعاً أن نعمل لرفع الفقر عن هؤلاء المسلمين الذين يمثلون اليوم معظم أبناء الأمة الإسلامية الغنية بكل أنواع الثروات من أرض زراعية ومعادن ونفط، ولو أنّ ما في أرض المسلمين ينفق على المسلمين وفق الشريعة الإسلامية لأصبح المسلم اليوم من أغنى الناس، ولكن وللأسف تسلط اليوم على الأرض الإسلامية الغنية طواغيت لا هم لهم إلاّ نهب ثرواتها وبناء القصور والفجور وشرب الخمور، إنّ أحد هؤلاء الطواغيت يسافر إلى إحدى دول الغرب ومعه سبع طائرات عملاقة ومائتا طن من المواد الغذائية والكماليات وغيرها ومن الخدم وغيرهم الذين ينفق عليهم ما يكفي لإطعام مدينة من المدن الإسلامية التي يتضور أهلها جوعاً، وأحدهم ينفق على بعض وسائل الإعلام ما يكفي لإطعام الشعب المؤمن الذي تسلط عليه بإراقة الدماء والذي يتضور جوعاً، كل هذا في سبيل أن تغطي وجهه الأسود وفمه الذي يقطر من دماء المؤمنين ليبقى متسلطاً على المسلمين ولو ليوم آخر ينهب فيه الأموال ويأكل فيه الكثير من الطعام لا أشبع الله بطنه. أيّها الأحبة إنّ في الصيام تدبّراً وتفكّراً في أحوال المسلمين. وفي الصيام جهاد للنفس وللشيطان وللهوى ولزخرف الدنيا، وفي الصيام حب في الله وبغض في الله، وفي قلب الصائم رحمة للمؤمنين وشدّة وغلظة على الكافرين والمنافقين، فاحذروا أن يكون صيامكم جوعاً وعطشاً.
روي عن رسول الله (ص): (ما أقل الصوم وما أكثر الجوع).
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلاّ العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم).
وروي أنّ رسول الله (ص) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: (يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام ورداً من ليله وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر. قال جابر ما أحسن هذا الحديث، فقال رسول الله (ص): يا جابر، وما أشد هذه الشروط).
ولعل أهم العبادات المقترنة بشهر الصيام هي قراءة القرآن، فاعملوا على تدبّر القرآن ودرس القرآن لتعيشوا حياة السعداء وتموتوا موت الشهداء، فعن رسول الله (ص): (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه).
وما أكثر نسخ القرآن اليوم، وما أكثر من يقرأ القرآن والحمد لله، ولكن هل نتدبر القرآن؟ هل نتخلّق بأخلاق القرآن ؟ هل نتفكر بآياته ؟ هل نحن عباد الله ؟ هل نحن كافرون بالطاغوت كما أمرنا في القرآن؟ هل نحن موقنون ؟
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً﴾ .سبحان الله، كل هذا في القرآن ونحن غافلون عن القرآن!! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهل نظن إننا تدبّرنا القرآن ونحن نجزع لأقل نازلة تنزل بنا ؟ ففي القرآن دروس لا تحصى في الصبر والتوكل على الله في سورة الشعراء:
﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ . هل تدبّرنا معنى هذه الآيات؟؟
أصحاب موسى (ع) يؤكدون أنهم واقعون بيد فرعون وجنوده، وموسى (ع) يؤكد أنّ الله سيهديه وينجيه من فرعون وجنوده:
﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾.
هل استعملت هذه الآية سلاحاً تهزم به عدوك كما فعل موسى (ع) ؟! ]
كتاب التيه او الطريق إلى الله ص(52-54)
[ السؤال/ 219:...
2- سيدي يا ابن رسول الله (ص) في يوم من الأيام كنت قد أكلت اللحم دون أن أتبيّن إن كان حلالاً، ورغم عدم معرفتي أنه حلال فقد أكلته، والأرجح أنني أكلت حراماً فأطلب منك يا مولاي أن تدعو لي بالمغفرة أولاً، ثم أود معرفة كفارة هذا الذنب. ...
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. ...
ج س2: أسأل الله أن يوفقك ويغفر لك، وإذا كنت تريد أن تُكفّر وتُخلّص جسدك من الحرام فعليك بالصيام وقلة الطعام حتى تذيب ما بني من حرام ثم ابني جسدك بالحلال.
والطعام الحرام يؤثر على القلب؛ لأنه يجري في الدم ويصل أكثره إلى القلب الجسماني في الصدر، والصدر هو موضع اتصال الروح بالجسد، والطعام الطيب يؤثر أيضاً إيجاباً على قلب الإنسان واتصاله بملكوت السماوات ورؤيته لملكوت السماوات؛ ولهذا حذّر الله سبحانه وتعالى من طلبوا مائدة السماء إنهم إن كفروا سيعذبهم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين: ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾؛ وذلك لأنّ مائدة السماء هي طعام حلال وطيب ويؤثر على القلب فيرون ملكوت السماوات وتطمئن قلوبهم بذلك، ولهذا هم أنفسهم عللوا طلبهم لمائدة السماء لكي تطمئن قلوبهم: ﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾ ولم يقصدوا أكيداً المعجزة فكثيرة هي المعاجز التي رؤها من عيسى(ع) ولا خصوصية لمائدة السماء كمعجزة لتسبب اطمئنان القلب دون غيرها، وإنّما الذي يسبب اطمئنان القلب هو طعام السماء الحلال الطيب المبارك الذي يجعلهم ينظرون في ملكوت السماوات: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ]
الجواب المنير ج2 من السؤال219
[ الآن إذا انتقلنا إلى آية أخرى تُبيّن فائدة الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، أي إنّ الصيام كُتب عليكم رجاء أن تكونوا متقين، والمتقي يعلم تقواه من الله سبحانه بالميزان الإلهي الحق وهو: (كلمات الله وآيات الله) التي يجحد بها الظالمون، وهي الرؤيا المبشرة كما عرفنا من الآيات المتقدمة. إذن، فالذي لا يَرى ولا يُرى له المبشرات باستقامة طريقه ليس من المتقين، بل ولا من الصائمين بحسب هذه الآية، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وهؤلاء الذين ينكرون الرؤيا أرواحهم منكرة لوجود الله، ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ]
المتشابهات ج3 من السؤال134
[ سؤال/ 13: ما معنى الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا اجزي به) ؟
الجواب: قراءة (أجزي به) خاطئة، فهو سبحانه وتعالى يجازي العباد على كل العبادات، ولا خصوصية للصوم بحسب هذه القراءة الخاطئة.
والقراءة الصحيحة هي: (أُجزى به)، أي بضم الهمزة وبالألف المقصورة، والمراد بالصوم هو صوم مريم (ع) وزيادة، ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً﴾ ([93]).
أي أن يكون الإنسان مستوحشاً من الخلق، مستأنساً بالله سبحانه، بل هذه هي البداية والنهاية التي تكون حصيلتها هي: أن الله هو الجزاء على الصوم، هي الصوم عن (الأنا)، وذلك عندما يسير العبد على الصراط المستقيم، وهو يعلم ويعتقد ويرى أن وجوده المفترض وبقاءه المظنون بسبب شائبة العدم والظلمة المختلطة بالنور. وهذا هو الذنب الذي لا يفارق العبد، وهو ماضي العبد وحاضره ومستقبله، فلو أعرض العبد عن الأنا، وطلب إماطة صفحة الظلمة والعدم بإخلاص واستجاب سبحانه وتعالى لدعائه، لما بقي إلا الله الواحد القهار، وأشرقت الأرض بنور ربها، وجيء بالكتاب، وقيل الحمد لله رب العالمين. ]
المتشابهات ج1
[ السؤال 127: ما معنى ما ورد في الدعاء بوصف الله سبحانه وتعالى بالجواد الواسع ؟ وهل صحيح بحسب ما يقول بعض العلماء إن الجواد الواسع هو لأن خزائنه لا تنفد وخزائن خلقه تنفد؟!
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين
خزائنه سبحانه وتعالى لا تنفد، لكن من هو الأعظم والأوسع جوداً الذي عنده دينار واحد فينفقه، أم الذي عنده أموال لا تعد ولا تحصى فينفق منها، ومهما أنفق منها فهي لا تنفد؟!
من المؤكد أن الذي عنده دينار واحد هو الأوسع جوداً؛ لأنه أنفق كل ما عنده، أما الآخر فهو ينفق من خزائن لا تنفد، فمهما أنفق فهو لا ينفق كل ما عنده، فلا يكون جواداً واسعاً، إلا إذا أعطى خزائنه التي لا تنفد، أي إنه يعطي نفسه، أي إنه يجود بنفسه، والجود بالنفس غاية الجود، وهذا يفسره حديث: (الصوم لي وأنا أُجزى به)، أي إن جزاء الصوم عن الأنا -أي ترك الأنا - هو الله سبحانه، ومعنى هذا أن يكون العبد لسان الله ويد الله . . . . . ، أي أن يستكمل العبد درجات الإيمان العشر، فيكون منا أهل البيت (ع)، قال تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، أي إنه يكون ممن أهلـه حاضرو المسجد الحـرام، أي من أهل بيت محمـد (ص) كسلمان الفارسي (ع).
فالجواد الواسع هو الذي يجود بنفسه، فالله سبحانه وتعالى يجازي عباده المخلصين الذين أعرضوا عن الأنا بعد إعراضهم عن الدنيا وزخرفها، وبعد طاعتهم له سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة، بأن يجعلهم مثله في أرضه ، فقولهم قوله، وفعلهم فعله ، وهذا ما ورد عنهم (ع) إن قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا ، وإنّ روح ولي الله تصعد إلى الله سبحانه، فيخاطبه الله سبحانه فيقول له: أنا حي لا أموت، وقد جعلتك حياً لا تموت .
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه﴾. فيكون العبد ممن شاء الله أن لا يصعق ولا يموت إلا الموتة الأولى، وهي نوع ارتقاء وليست موتاً حقيقياً، إنما الموت الحقيقي هو موت الروح لا الجسد: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ . هذه هي حقيقة الجواد الواسع، أسأل الله أن يجعلكم ويجعلني ممن عرفوا الجواد الواسع حقيقة لا لفظاً ومعنى. ]
المتشابهات ج4
[ (العمل في عالم الذر)..
لا شك في وجود عالم الذر بدلالة آيات الكتاب وروايات الطاهرين (ع).
وعن عالم الذر والامتحان فيه سألت العبد الصالح (ع)، فقلت: المعروف أنّ عالم الذر هو عالم الامتحان الأول لبني آدم، ولكن هل كانت تلبية العباد عند الاستشهاد "ألست بربكم" بعد عمل منهم، أم كان عالماً لبيان النتائج فقط والعمل هنا.
فأجابني (ع): ( تقصد بالعمل صلاة وصياماً و .. و ..، أم ذكراً فقط).
فقلت: كل ما يسهم في تقرير المصير وأخذ النتيجة التي اختارها العبد .
فقال (ع): (نعم، فإذن هل يشترط فيه طول المدة أو تعدده ؟ هل يكفي أن يكون عملاً عبادياً واحداً هو الصلاة وهو الصيام وهو الذكر وهو الزكاة وهو الدعاء وهو الحج وهو كل العبادات ؟ ألم يقل رسول الله (ص) لعلي (ع): يا علي تفكر ساعة خير من عبادة ألف عام ؟
فالعمل واضح في عالم الذر بينته الآية بكل وضوح: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾، وأشهدهم على أنفسهم.
الآن في هذه الدنيا في هذا الامتحان، هل يوجد شاهد على الأعمال ؟ أليس الرسول شاهد، أليس حجة الله شاهد، أليس الملائكة الكاتبون شهوداً، أليس ﴿وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾، أليس ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾. فالإنسان شاهد على نفسه ونفسه ستكون حسابه، ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ ، ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾، أما كيف ستكون نفسه حسابه فهذا أمر آخر، ولكن نحن الآن في كونه شاهداً على نفسه ، يشهد على ماذا، أليس على ما شهد عليه رسول الله، وحجة الله، والملائكة، والله سبحانه ﴿وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ ؟
إذن، فهناك عمل في هذه الآية - ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ - أشهدهم الله عليه.
أنت في هذه الدنيا نفسك مشغولة بتدبير بدنك، لهذا كانت هذه العبادات لتُمنع النفس عن الانشغال بالبدن ولتُوجه إلى الانشغال بالله، انظر في عبادات الإسلام بحسب ظاهرها ستجدها في هذا، لا تأكل لا تشرب، اترك الشهوات، هذه عبادة الصيام وهي واضحة أنها منع للنفس عن الانشغال بالبدن ، وغيرها أيضاً. الحج انظر فيه ، الصلاة كذلك، كلها في أمرين: قطع صلة بهذا العالم وتوجيه إلى العالم الآخر، وذكر الله والانشغال بالله.
الآن، إذا خرجنا من هذا العالم هل يمكن أن تبقى العبادات نفسها ؟ أكيد أنّ من غير الصحيح أن نفرض صور عبادات في هذا العالم على عالم آخر لسببين؛ الأول: عدم الحاجة، والثاني: أن العالم الآخر غير مؤهل لنصبها فيه أو لنؤديها فيه، أي نكون كمن يقول أنا ذاهب إلى الصحراء لأمارس السباحة.
وفي عالم الذر مثلاً عدم الحاجة؛ لأن الجسد المادي الذي تنشغل به النفس غير موجود. أما عدم أهلية عالم الذر لعبادات هذا العالم الجسماني فهو أمر بيّن.
إذن، فالآن أصبح الجواب واضحاً وهو أنّ الامتحان نفسه، وهو واحد في هذا العالم وعالم الذر وعالم الرجعة، ولو قدّر الله أن يمتحن الناس ألف مرة سيمتحنهم نفس الامتحان؛ لأن علة الخلق واحدة وهي المعرفة، نعم تفاصيل الامتحان تختلف لعلة اختلاف العوالم، فالصلاة والصيام والحج والزكاة و.. و.. و .. جميعها كانت في الذر وامتحننا الله بها ولكن بحسب ذلك العالم، فالصلاة كانت شيئاً واحداً وهي أن أركز نظري على ما يصدر عنه سبحانه، والصيام كان ألغي نفسي، والحج كان أن أسير إليه وأطوف ببابه سبحانه منتظراً أمره، والزكاة أن أعطيه نفسي أن أنحر نفسي بين يديه بمحاربة الأنا ..... ، وهكذا.
كل هذا العمل هل تتصور يحتاج لمدة طويلة مع العلم أنّ عالم الذر ليس فيه زمن ولا حتى مكان، أم تتصور أنه يحتاج ليكون في أكثر من حدث ؟ وهل لو أنه جمع في حدث واحد لا يكون عملاً مثلاً ؟! أكيد أنه سيكون عملاً ولو جمع في حدث واحد).
فقلت: أسأل فقط عن الأمر الأخير ، أي " لو جمع في حدث واحد " ، ما هو ذلك العمل الواحد .
فقال (ع): (يعني " أنا أو هو "، أنظر لنفسي وأغفل عنه، أم أغفل عن نفسي وأنظر إلى ما يصدر عنه ؟ إن كنت الأول فلن أجيب وأقول "بلى" عندما يسأل "ألست بربكم"، وإن كنت الثاني فسأكون أول من يجيب، وبين الأول والثاني ترتب الخلق، وقد بينت لك كيف أن الصلاة والصيام والحج والزكاة تكون في " أنا أو هو " فقط). ]
مع العبد الصالح ج1 ص(68-70)
Comment