بسم الله الرحمن الرحيم
ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم
وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
لمحبي القراءة
اقطعت هذه الأجوبة من مختلف المواقع لمختلف الفقهاء ردودهم على شبهة الآكل والمأكول
وألحقته بجواب السيد احمد الحسن ع لهذه الشبهة
راجية من القارئ الكريم القراءة والحكم ؛
بإنصاف نفسه بإحكام عقله أولا؛
ثم الحكم بما يراه مناسبا بحيث يكون مرتاح الضمير بينه وبين نفسه
-----------
~*شبهة الآكل والمأكول*~
وهي شبهة قديمة ، ذكرها أفلاطون وغيره من الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين من المسلمين وغيرهم بتعابير وتقريرات مختلفة ، أهمها : لو أن إنساناً تغذّى على إنسانٍ آخر ، وأكل جميع أعضائه ، فالمحشور لا يكون إلاّ أحدهما ، لأنه لا تبقى للآخر أجزاء تخلق منها أعضاؤه ، وعليه فالبدن المحشور بأيّ الروحين يتعلّق ؟ ولو تعلّق بروح الآكل وكان كافراً ، والمأكول مؤمناً ، للزم عقاب المؤمن ، ولو عكس الأمر للزم ثواب الكافـر.
----------------
الجواب : يتضمن جواب هذه الشبهة عدّة وجوه :
1 ـ إن الله سبحانه بكلّ شيء عليم ، وهو بعلمه الواسع والمحيط بكلّ الممكنات ، يعلم كلّ ذرات الكون ، ومنها أجزاء الآكل والمأكول ، فيجمعها بحكمته الشاملة وقدرته الكاملة ، وينفخ فيها الروح ، مهما أصابها من التحوّل أو الفناء أو النقص ، قال تعالى: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ، وقال تعالى في حكاية شبهة المنكرين وجوابهم: (ءَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الاْرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظ ) وقال تعالى: ( قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاْولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلأ يَنسَى).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف النشور: ( حتى إذا تصرّمت الأمور ، وتقضّت الدهور، وأزف النشور ، أخرجهم من ضرائح القبور ، وأوكار الطيور ، وأوجرة السباع ، ومطارح المهالك ، سراعاً إلى أمره ، مهطعين إلى معاده... )، فدلّ على أنّهم سيُبعثون وإن افترستهم السباع أو أكلتهم الطيور.
ـ جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ( إنّ إبراهيم عليه السلام نظر إلى جيفةٍ على ساحل البحر تأكلها سباع البرّ وسباع البحر ، ثم تحمل السباع بعضها على بعضٍ ، فتأكل بعضها بعضاً ، فتعجب إبراهيم عليه السلام فقال يا (رَبَّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)؟ فقال الله تعالى: ( أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْر) إلى آخر الآية، فأخذ إبراهيم عليه السلام الطاووس والديك والحمام والغراب ، فقال الله عزَّ وجلَّ : (فصرهنّ إليك ) أي قطعهنّ ثمّ اخلط لحمهنّ ، وفرّقهن على عشرة جبال ، ثم خذ مناقيرهنّ ، وادعهنّ يأتينك سعياً ، ففعل إبراهيم عليه السلام ذلك ، وفرّقهن على عشرة جبال ، ثم دعاهنّ... فكانت تجتمع ويتألف لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه ، فطارت إلى إبراهيم عليه السلام فعند ذلك قال إبراهيم عليه السلام : (إن الله عزيز حكيم).
قيل : في هذا الحديث إشارة إلى أنّه تعالى يحفظ أجزاء المأكول في بدن الآكل ، ويعود في الحشر إلى بدن المأكول ، كما أخرج تلك الأجزاء المختلطة والأعضاء الممتزجة من تلك الطيور وميّز بينها.
3 ـ وأجاب المتكلمون والفلاسفة عن هذه الشبهة بما خلاصته أن المعاد هو في الأجزاء الأصلية التي منها ابتداء الخلق ، وهي باقية من أول العمر إلى آخره ، لا جميع الأجزاء على الإطلاق ، والأجزاء الأصلية التي كانت للمأكول هي في الآكل فضلات ، فلا يجب إعادتها في الآكل ، بل تعاد في المأكول، لأنّ الله سبحانه يحفظها ولا يجعلها جزءاً لبدنٍ آخر.
وارتضاه المحقق الطوسي حيث قال في (التجريد) : ولا يجب إعادة فواضل المكلف ، وذكر العلامة في شرحه : أنه اختلف الناس في المكلف ما هو على مذاهب.. منها قول من يعتقد أن المكلف هو النفس المجردة.. ومنها قول جماعة من المحققين أن المكلف هو أجزاء أصلية في هذا البدن لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان ، وإنّما يقعان في الأجزاء المضافة إليها ، والواجب في المعاد هو إعادة تلك الأجزاء الأصلية ، أو النفس المجردة مع الأجزاء الأصلية ، أما الأجزاء المتصلة بتلك الأجزاء ، فلا يجب إعادتها بعينها.
--------------------------------
نجيب عنها بما أجاب عنه علماؤنا مع الاختصار:
إن البدن اللاحق من الحيوان او الانسان أذا اعتبر بالقياس الى البدن السابق منه كان مثله لا عينه.. والمعاد انما هو للاجزاء الاصلية. وهي الباقية من اول العمر الى آخره لا جميع الاجزاء على الاطلاق, وحينئذ فلا يعاد الجسم المأكول مع الآكل لأنه كان زائدا على اجزاءه الاصلية, بل انما يعاد مع بدن المأكول إن كان مما يعاد.
---------------------------------
شبهة الآكل والمأكول:
إنّ شبهة الآكل والمأكول مبنيّة على تخيّل اشتراط رجوع كلّ من الآكل والمأكول بكامل بدنه، في حين أنّ النسبة بين بدن الآكل وبدن المأكول تكون عادة عموماً من وجه.
ولكن لا مبرّر لاشتراط رجوع كلّ منهما بكامل بدنه السابق ولا دليل على ذلك، فبإمكانه سبحانه وتعالى إرجاع قسم من موادّ البدن وتنميتها أو صياغتها
إلى بدن كامل للآكل وبدن كامل للمأكول، والأدلّة اللفظية لم تدلّنا على أكثر من ذلك، بل بالإمكان تصوير ذلك حتى لو فرضت وحدة بدنهما بأن يصبح تمام بدن الآكل هو تمام بدن المأكول، على أنّ هذا الفرض مجرّد وهم وخيال.
2 ـ شبهة لزوم رجوع ما بالفعل إلى القوّة:
إنّ شبهة لزوم رجوع ما بالفعل إلى القوّة من المعاد الجسماني قائمة على أساس تصوّر أنّ الموت كمال للإنسان باعتبار تحوّله بذلك من مرحلة شوب المادّة إلى مرحلة التجرّد البحت، وأنّ خلق الله سبحانه وتعالى إيجاد لما يتحرّك بالحركة الجوهرية من النقص إلى الكمال، فما معنى رجوع الكامل مرّة اُخرى إلى النقص؟! وهل يعقل رجوع ما تكامل بخروج القوّة إلى الفعل إلى القوّة مرّة اُخرى؟!
ولعلّ هذه الشبهة أقوى فلسفيّاً من الشبهة الاُولى.
إلاّ أنّ هذه الشبهة أيضاً لا محلّ لها; فإنّ الموت لو كان عبارة عن تحوّل البدن إلى مستوى التجرّد، وكان التجرّد الكامل للإنسان بالموت بمعنى أنّ الإنسان أصبح بكلّ مراتبه مجرّداً بعد أن كان مزيجاً من مرتبة المادّة ومرتبة الروح أو النفس، لكان لهذه الشبهة مجال، ولكن هذا باطل بدليلين:
الأوّل: إحساسنا بأنّ البدن لم يتحوّل بحركة جوهرية إلى الروح أو النفس، وإنّما انفصل عن الروح أو النفس وأصبح فاسداً.
الثاني: ما مضى سابقاً من بعض البراهين على تجرّد الأنا وبها تثبت أيضاً بساطته، ولهذا نرى أنّ الأنا لا ينقسم إلى قسمين أو عدّة أقسام بمجرّد تقطيع البدن إلى قطعتين أو عدّة قطعات، فالبدن إذن ليس جزءاً من الأنا أو مرتبةً منه وإنّما هو أمانة من قبل الله تعالى بيد الأنا كي يكون في خدمته، والموت عبارة
عن تجريد الأنا من الأمانة التي اُعطيت إيّاه، والإحياء عبارة عن إرجاع الأمانة إليه مرّة اُخرى.
والغفلة عن هذه النكتة هي التي جعلت المجرمين لا يتوقّعون أن يُختم على أفواههم وتكلّم الله أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ؛ولهذا يعترضون في يوم القيامة على أعضائهم كما يتحدّث عنهم القرآن بقوله تعالى: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ) أمّا بعد الالتفات إلى هذه النكتة فيصبح إمكان شهادة الجلود والأعضاء لله على الإنسان من الواضحات; فإنّ البدن مخلوق مطيع لله يجعله الله تعالى في خدمة النفس حينما يريد، ويسلخه عن خدمتها حيناً آخر.
وبالالتفات إلى هذه النكتة ينعدم تماماً الإشكال الذي عرفته على المعاد الجسماني.
العقليّة الماديّة المستبعدة للمعاد الجسماني:
بعد ما اتضح بطلان الشبهتين المتقدّمتين في المعاد الجسماني يبقى مجرّد استبعاد المعاد الجسماني، وهذا الاستبعاد ينتج من العقليّة المادّية التي يصعب عليها تصوّر إعادة الحياة بعد الموت، وهي تكون بأحد شكلين:
الأوّل: العقلية التي قد لا تفهم الحياة إلاّ بمعنى الروح النباتية التي تنعدم بالموت، ويستبعد الإنسان المادّي إيجادها مرّة اُخرى من الجسم الذي مات.
الثاني: العقلية التي قد يكون لها نوع تصوّر إجمالي عن النفس، ولكنها تستبعد على أيّة حال إرجاعها إلى الجسم الذي مات.
ومن هنا نرى القرآن الكريم قد أعدّ تنظيرين في آياته لتقريب المعاد: أحدهما أنسب بالردّ على العقلية الاُولى، والثاني أنسب بالردّ على العقلية الثانية.
أمّا ما يناسب الردّ على العقلية الاُولى فهو التنظير بالأرض والأشجار والنباتات التي تموت في الخريف والشتاء، وتحيى مرّة اُخرى في الربيع، وذلك من قبيل قوله تعالى:
ـ (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير) 1).
2 ـ (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوج
3 ـ (وَيُحْيِي الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُون
4 ـ (وَتَرَى الاَْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج بَهِيج * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير)
5 ـ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاَْرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير)
6 ـ (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَّيِّت فَأَحْيَيْنَا بِهِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُور)
7 ـ (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَد مَّيِّت فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)
وأمّا ما يناسب الردّ على العقلية الثانية فهو تنظير إرجاع النفس إلى الجسد بنفخها في الجسد أوّل مرّة، من قبيل قوله تعالى:
1 ـ (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِر عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى)
2 ـ (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم)
3 ـ (فَلْيَنظُرِ الاِْنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِق * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِر)
4 ـ (وَيَقُولُ الاِْنسَانُ ءَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلاَ يَذْكُرُ الاِْنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)
إثبات المعاد الجسماني:
قد يدّعي بعض ـ على العكس تماماً من شبهات المنكرين ـ أنّ العقل يدرك ضرورة المعاد الجسماني; لأنّ الإنسان لا يتكامل إلاّ بجنبتيه: جنبة النفس وجنبة البدن، وسواءٌ فسّرناهما بمعنى شخصية واحدة مركّبة من المادّة وما فوق
المادّة، أو بمعنى شخصية واحدة ذات مرتبتين، أو بمعنى أنّ الجسم جُعل في خدمة النفس، لا إشكال في أنّ النفس تصل إلى نبذة مهمّة من اللذائذ أو الآلام عن طريق البدن، فلكي يكتمل الثواب والعقاب في يوم القيامة لابدّ من إرجاع هذا الائتلاف الذي كان محفوظاً بينهما في الدنيا في يوم القيامة
إلاّ أننا لا نعير أهميّة لهذا البيان إلاّ بمقدار افتراضه اعتباراً عقلياً ولا يصل إلى مستوى البرهان.
والمهم عندنا في إثبات المعاد الجسماني هو تصريح القرآن الكريم به بشكل لا يقبل الشكّ أبداً، وذلك في آيات كثيرة منتشرة في القرآن، من قبيل قوله تعالى:
1 ـ (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم)
2 ـ (أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَه)
ومن الطريف الإشارة الموجودة في هذه الآية إلى قدرة الله على إعادة ما هو من أطرف شيء في جسم الإنسان، ألا وهي خطوط البنان التي لا يشبه فيها إنسان إنساناً آخر على الإطلاق.
3 ـ (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور)
4 ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الاَْجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُون)
ونحو هاتين الآيتين ممّا يشهد للخروج من القبر، فإنّ هذا إشارة إلى خروج البدن.
5 ـ (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)
6 ـ (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا)
7 ـ (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُون)
ونحو هذه الآيات الثلاث ممّا يشهد للخروج من التراب، فإنّ هذا إشارة إلى خروج البدن.
8 ـ الآيات التي تجعل النشور في يوم القيامة من قبيل إحياء النباتات والأراضي في الربيع من بعد موتها في الخريف، وقد مضى بعضها، ومن الواضح أنّ هذا إحياء للمادّة.
9 ـ (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون)
10 ـ (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون)
11 ـ (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء)
فإنّ هذه الآيات صريحة في الثنائية بين أنفسهم وأبدانهم في يوم القيامة، وشهادة أعضائهم على أنفسهم آنذاك، وهذا لا يكون إلاّ بمعاد الجسم.
-------------------
الجواب/
إنّ محور الإشكال قائم على أساس الفكرة التالية: إنّ الإنسان إذا تحوّل إلى طعام لإنسان آخر وأصبح جزءاً من ذلك الإنسان، سواء كان بصورة مباشرة كما إذا اتّفق أن أكل إنسان إنساناً، أو كان بصورة غير مباشرة كما لو تحوّل بدن الإنسان الميت إلى تراب ثمّ إلى نبات ثمّ تحوّل هذا النبات إلى بدن حيوان فتغذّى الإنسان بلحم ذلك الحيوان، أو أنّ الإنسان تناول ذلك النبات بصورة مباشرة، فحينئذ يطرح التساؤل عن كيفية معاد الإنسان الأوّل من جهة؟ وعن كيفية معاد الإنسان الثاني من جهة أُخرى؟
ومن الجدير هنا أن نشير إلى النكات التي يمكن أن تعالج كلّ واحدة ـ وبنحو ماـ منها جانباً من جوانب الشبهة:
1. لقد أثبتت البحوث العلمية أنّ بدن الإنسان بمنزلة العين الجارية، بحيث يتحوّل وفي ضوء الفعل والانفعالات الطبيعية وبصورة مستمرة من حالة إلى أُخرى، حيث تنمو أجزاء جديدة من جهة وتفنى في مقابلها أجزاء أُخرى غيرها، بل توصل العلم إلى أدق من ذلك حيث اكتشف انّ الإنسان ينزع بدنه ويبدله ببدن آخر في كلّ ثمانية أعوام من عمره، فالإنسان الذي يعمّر أربعة وستين عاماً يستبدل بدنه خلال هذه الفترة ثماني مرّات ينزع ثوباً ويرتدي ثوباً غيره حاله حال العين النابعة التي لا يقف نبعها، من هنا نعلم أنّ عملية التحوّل والتبدّل مستمرة ومتواصلة في حياة الإنسان، إلاّ أنّها تتم بصورة تدريجية وعلى امتداد فترة طويلة لا يشعر بها.
فلو فرضنا أنّ البدن الأخير أصبح طعمة لإنسان آخر، فهذا لا يعني أنّ الأبدان الأُخرى للإنسان اقترنت بالمانع، إذ من الممكن أن يبعث الإنسان وينشر يوم الحساب بأحد الأبدان الأُخرى، وحتى لو فرضنا أنّ بقية الأبدان كالبدن السادس أو السابع مثلاً تصدق فيها شبهة الآكل والمأكول، فلا شكّ أنّ بقية الأبدان ليست كذلك، إذ من المستبعد جداً أنّ جميع أبدان الإنسان نابتة من بدن إنسان آخر وانّها عرضة للإشكال المطروح.
2. لو افترضنا أنّ البدن الأخير وما تقدّمه من الأبدان قد ابتلي بنفس المصير وانّه صادف المانع وأصبح جزءاً من إنسان آخر، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولكن من الواضح أنّه ليس عامّة الأجزاء من كلّ بدن مأكولاً لفرد آخر، وإنّما يطرح القسم الأكبر منه خارجاً، ويبقى جزء قليل منه ضمن البدن الآخر، وعندئذ فما هو المانع أن يحشر هذا الإنسان ولو ببدن نحيف، إذ اللازم أن يبعث الإنسان بنفس البدن الدنيوي، ولا يوجد دليل شرعي يدلّ على اشتراط بعثة الإنسان بعين بدنه الدنيوي من ناحية السمن والضعف، فلو بعث الإنسان ببدن نحيف فإنّه حينئذ يبعث ببدنه الأصلي مع فارق يسير جدّاً في الكمية والحجم، وهذا المقدار لا يضرّ ولا يعتبر دليلاً على التغاير الكامل.
3. لو افترضنا ـ جدلاً ـ أن تتحوّل أغلب الأجزاء من كلّ بدن إلى بدن إنسان آخر، بحيث يكون الباقي كافياً في تشكيل بدن المأكول، وحينئذ يمكن الإجابة عن ذلك بوجهين:
الف: ما المانع أن يرجع الإنسان الآكل ـ على فرض خلوه من الموانع ـ الأجزاء التي أخذها من بدن الإنسان المأكول، وحينئذ يحشر الإنسان الآكل ببدن فارغ من الموانع؟
ب: ولو فرضنا ـ وإن كان فرضاً نادراً ـ أنّ بدني الآكل والمأكول اقترنا بالمانع، على نحو لو فرضنا انّ اعادة الأجزاء المأكولة إلى صاحبها أو أصحابها لا يتقي للآكل شيئاً لكي يحشر فيه، فما المانع من إكمال البدن بالاستعانة بأجزاء ترابية وهوائية أُخرى ليتم من خلالها إكمال بدن الإنسان بصورة تامة، إذ من الواجب في الحشر وحدة البدن العرفية لا العقلية، أي بمعنى أنّه يكفي أن تصدق الإشارة إليه عرفاً أنّه البدن السابق.
ونحن إذا أمعنّا النظر في الآيات القرآنية والروايات الواردة عن الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) ، نجد أنّها تركّز على أنّ كفاية كون البدن المحشور مثل البدن الدنيوي، ولا تصرّ على أن يكون هذا البدن هو عين البدن الدنيوي بنحو لو اختلّ هذا الشرط فإنّه سيؤثر على مسألة المعاد والحشر واستحالة المعاد.
وبالطبع إذا كانت العينية متيسّرة وانّ جميع أجزاء بدن الإنسان باقية في التراب، فلا ريب أنّه لا حاجة حينئذ إلى الاستعانة بأجزاء جديدة، بل الواجب أن تحشر نفس تلك الأجزاء. وإنّما نحتاج إلى المثلية في حالة واحدة نادرة جداً، وهي فيما إذا لم يبق من بدن الإنسان المأكول شيء لكي يتم إحياؤه مرّة أُخرى.
قال تعالى:
( أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ بِقادِر عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَليمُ ) .
فمن الواضح أنّه قد استعمل في الآية لفظ: ( مِثْلَهُمْ ) لا «عينهم».
روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال:
«فإذا قبضه اللّه إليه صيّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا».
فالآية الكريمة والرواية الشريفة تشهدان على أنّ المحور في المعاد هو حفظ صورة الإنسان بنحو يكفي أن يكون الإنسان المبعوث بهيئة الإنسان وشكله الدنيوي، ولا دليل أبداً على أنّ الإنسان يجب أن يبعث بنفس المادة التي خلق منها في الدنيا وبنفس ذراته وأجزائه الترابية.
ولابدّ من إعادة التأكيد على أنّه على فرض إمكانية حشر البدن الدنيوي من دون أي موانع، فلا دليل للعدول منه إلى مادة أُخرى جديدة.
شبهة الآكل والمأكول والعدل الإلهي
في هذا المجال تطرح الشبهة المذكورة بأُسلوب جديد وهو: إذا كان الإنسان المؤمن مأكولاً للكافر، يلزم أن يعذب المؤمن بتعذيب الكافر، أو بالعكس إذا كان المأكول كافراً فإنّه ينعم بنعيم المؤمن،وهذا خلاف العدل الإلهي. ومن الواضح هنا أنّ محور الإشكال مبني على مسألة الثواب والعقاب والعدل الإلهي، والحال أنّ الإشكال في الصورة الأُولى مبني على عدم وفاء المادة لحشر كلّ إنسان على النحو الأكمل.
ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال المذكور بوجهين:
الوجه الأوّل: إذا تحوّل عضو من بدن المؤمن وأصبح جزءاً من بدن الإنسان الكافر، فحينئذ ـ و بلا ريب ـ يكون تعذيبه تعذيباً للكافر لا للمؤمن، لأنّ هذا العضو انقطعت صلته بالمأكول واندكّ في الآكل على نحو صار جزءاً منه، فتعذيبه أو تنعيمه يرجع إلى الآكل لا إلى المأكول، وهذا نظير زرع الأعضاء الرائج في الطب الحديث، فإنّ الكلية مثلاً إذا أُخذت من بدن شخص وزرعت في بدن شخص آخر بنحو التحمت مع سائر الأعضاء فتعذيبها وتنعيمها يرجع إلى البدن المنقولة له لا البدن الأوّل، وكذلك الأمر في مسألة الآكل والمأكول.
الوجه الثاني: إنّ الشبهة نابعة من التفكير المادي الذي يحصر الإنسان في اللحم والجلد والعظام والمواد الطبيعية لا غير، مع أنّ واقع الإنسان وحقيقته أعمق من ذلك وهي روحه ونفسه، فإذا صار عضو من الإنسان جزءاً من إنسان آخر انقطعت صلة الروح عن الجزء المقطوع، فلا يكون مدبّراً للنفس، فتكون الآلام واللّذات منصبّة على الآكل لا على المأكول وعلى المنقول له لا على المنقول منه.
وفي الختام نؤكّد انّ مركز الآلام و اللّذات هو الروح والنفس الإنسانية، وانّ البدن لا يتجاوز عن كونه وسيلة لإدراك الآلام واللّذات الجسدية لا أكثر، والمفروض انّ هذا العضو لا علاقة له بالبدن السابق ليؤثر في نعيمه أو عذابه.
------------------
في الردّ على شبهة الآكل والمأكول
الردّ علي شبهة الآكل والمأكول: إنّ هناك جنّة وناراً. فأيّ جنّة وجهنّم أعلي من أن تظهر للإنسان هذه الصور التي تنشأ إثر الاعمال. بل هي نفس الاعمال الحسنة وحقائقها؟ ومن أن تبرز للإنسان تلك الاعمال القبيحة مع حقائقها أيضاً؟
سينكشف للإنسان ذلك الاستكبار والتمرّد والفرعونيّة التي بدرت منه، وتلك الغفلات التي كانت له في الدنيا، والتي تمرّد وعصي بدافع منها، كما سينكشف له تلك الملامح الملكوتيّة والحقيقيّة. أي أنّ الإنسان سيدرك نفسه دفعةً واحدة مع جميع أعماله التي فعلها طيلة مدّة عمره.
وتلاحظون ـ بهذا البيان ـ كم هي واهية شبهة الآكل والمأكول؟ وكم هي بعيدة عن مرحلة التحقيق؟ فتلك الشبهة إنّما تعتمد علي مبني أصالة المادّة؛ وأصالة المادّة في أنّ شيئيّة الشيء قائمة علي ذلك الشيء، وهو كلام واهٍ وضعيف بحيث يهزأ به الاطفال، بل إنّ الحيوانات تتخطّاه فلاتُلقي له بالاً. ذلك لا نّكم لو ألقيتم قطعاً من السكّر في الخلّ، ثمّ أعطيتموه للطفل فإنّه لن يتناوله مع أنّ المادّة نفس المادّة، لانّ ذلك الطفل يعلم أنّ شيئيّة السكّر إنّما هي بصورة السكّر لا بمادّته. ولو لطّختم التبن والبرسيم بالخلّ، لما أكله الحيوان آنذاك، لا نّه يلتفت إلی الصورة لاإلی المادّة.
إِذْ صُوَرةٌ بِصُورَةٍ لاَ تَنْقَلِبْ عَلَي الهَيُولَي الاْنْحِفَاظُ مُنسَحِبْ
إنّ جميع الاجساد والابدان ستُحشر بأجمعها يوم الجزاء، وسيُحشر الآكل والمأكول بتمامها وكمالهما؛ علي أنّ شبهة الآكل والمأكول قائمة علي أساس أصالة المادّة، وليست المادّة شيئاً، بل هي أمر مُبهم لا اسم له ولاتحصّل ولاوجود ولاشخصيّة، بل إنّ حقائق الاشياء بصورها، وهذه الصور ثابتة بالمادّة فهي لا تختلط ولا تمتزج ببعضها. كما أنّ الصورة لاتنقلب إلی أُخري، فتحفظ هيولي ومادّة تلك الصور بذلك التشخّص، وهذا الحفظ سارٍ وجارٍ علي الدوام.
فَفِي وِعَاءِ الدَّهْرِ كُلٌ قَدْ وُقِي مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ عِنْدَهُ بَقِي
ومع أنّ الصور مختفية عنّا، وأنّ حجاب المادّة والمدّة والزمان والمكان لا يدعنا لحظة واحدة ندرك جميع الصور، إلاّ أنّ جميع الصور، وجميع النفوس وجميع الاشياء، وجميع الموجودات، وأعمال كلّ واحد، ثابتة وموجودة في موضعها في ظرف العصر، وعالم الدهر وعالم الوجود والتكوين.
كما أنّ العمامة ذات الکورة الساقط المغبرّ موجودة إلی جانب ذلك وفي موضعها، ومنظر أُولئك الذين شربوا شايهم المرّ قبل ثلاث سنوات فتناولوا معه حبّة سكّر واحدة محفوظ بهيئته. ومجلس الذنب لذلك الذي أذنب محفوظ، شأنه شأن مجلس الطاعة المحفوظ بعينه لذلك الذي أطاع.
فهذه الاعمال مسجّلة ومدوّنة مع خصائصها ودقائقها وظرافتها، ومع نيّتها والهدف المقصود بها، بحيث إنّ الآلاف من البشر لو شاءوا تدوين ذلك بذلك القدر من الدقّة والصحّة، ومع حفظ الشرائط والمقدّمات والتقدّم والتأخّر لما أمكنهم ذلك.
الرجوع الي الفهرس
الآيات الواردة في الردّ علي شبهة الادكل والمأكول.
بَيدَ أنّ الوجود يستلزم الوجود، ولا يمكن ان يتبدّل إلی العدم، فهم يحافظون عليها جميعاً ويحرسونها في ظرف الدهر وفي عالم الوجود والحقيقة. وبالرغم من أ نّها تنفد لدينا وتهلك وتفني، إلاّ أ نّها لاتفني عندالله عالم السرّ والخفيّات. فذلك العمل الذي فعلناه صار خفيّاً بالنسبة لنا، لكنّه حاضر عندالله العليم الخبير. لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَـ'وَ ' تِ وَلاَ فِي الاْرْضِ.
أوَ لم يقل سبحانه: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَهِ بَاقً.
إنّ هذه الاعمال التي نقوم بها لها صورتان وجانبان، جانب طبيعيّ ظاهريّ منسوبٌ لنا، وجانب ملكوتيّ وباطنيّ منسوب إلی الله تعإلی. فالجانب الظاهريّ معرّض دوماً للهلاك والفناء والاضمحلال، أمّا الجانب الباطنيّ! ( أي الوجهة الإلهيّة الملكوتيّة ) فثابت علي الدوام ومتحقّق في عالم الخارج عندالله سبحانه.
تُبْلَي إِذَا غِطَا زَمَانِنَا انْخَزَلْ مَرَاتِبُ السَّيَّالِ مَعْ كُلِّ عَمَلْ
وحين ينخزل غطاء الزمان وينشق، فإنّ الاعمال التي فعلناها ستظهر دفعةً واحدة لنا مع جميع الموجودات التدريجيّة التي ظهرت واختفت في هذا العالم بصورة متعاقبة. وحين يأتي الموت الطبيعيّ أو الاختياريّ اختياراً أو اضطراراً، فسيتّضح آنذاك ما الذي وراء الستار والغطاء؟ وما الاعمال التي فعلناها وكنّا نتخيّل دوماً أ نّها زالت؟ وأنّ فلاناً لميطّلع علي عملنا، وأنّ أحداً لم يطّلع علي هذا العمل، وأ نّه لم يعلم بالفعل الفلانيّ. نتخيل أ نّنا فعلنا العمل الفلانيّ! فلم يعلم به أحد والحمد للّه.
ونتخيّل أ نّنا سبقنا الله تعإلی وخلّفناه وراءنا. لكنّنا لم ندرك ولمنفهم أبداً، ثمّ جئنا الآن هنا، فانخزل الغطاء والستار من أمام الابصار، ولميدر في خُلدنا أ نّنا ذخرنا ذلك وجمعناه.
ثمّ يتصاعد صراخ الإنسان: ما الخبر يا إلهي؟ أيّ عالمٍ هذا؟ أيّ كتابٍ هذا؟
فَذَلِكَ الكِتَابُ لَنْ يُغَادِرَا شَيْئاً صَغَائِراً وَلاَ كَبَائِرَا
ويَوْمَ نُسَيّـِرُ الْجِبَالَ وَتَرَي الاْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَـ'هُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً* وَعُرِضُوا عَلَي' رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـ'كُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَـ'بُ فَتَرَي الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـ'وَيْلَتَنَا مَالِ هَـ'ذَا الْكِتَـ'بِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً الآ أَحْصَـ'هَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.
إنّ جميع الاعمال التي فعلها الإنسان إنّما فعلها بنفسه، فهي بعينها حاضرة أمامه، وآنذاك سيعلم الجميع أنّ الله لم يظلم أحداً، وأنّ هذه الاعمال بهذه الصور القبيحة الكريهة هي عين الاعمال التي اجترحها الإنسان بيده، وقدّمها أمامه، فلقد سعّر جهنّم بيده، وغرس أشجار الجنّة بيده، وجعل بيده نسائم الجنّة تهبّ علي مشامه، وسعّر لظي جهنّم وأشعلها بِيَدِهِ وبشرارته.
زَاهِدْ مَنَ آلاَّدْمَا جَهَنَّمْدَه اُودْ اُولْمَارْ اُلاَّرْ كِهْ يَا نُولاَّرْ اُودِي بُورْدَانْ آپَارُو لاَّر
يقول: لا تخدعني أيّها الزاهد، فليس هناك في جهنّم من نار. إنّ الذين يحترقون هم الذين يصطحبون النار معهم من الدنيا.
-------------------
والجواب : ان اللّه تعالى قادر على ان يحفظها من ان تصير نطفة في بدن الاكل .
روى فـي الـكـافي عن محمد بن يحيى , عن محمد بن احمد , عن احمد بن الحسن , عن عمرو بن سـعـيـد , عن مصدق بن صدقة , عن عمارابن موسى , عن ابي عبداللّه (ع ) , قال : سئل عن الميت يبلى جسده ؟قال : (( نعم , حتى لا يبقى له لحم ولا عظم , الا طينته التي خلق منها , فانهالا تبلى , تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اول مرة )) .
وروي فـي روضـة الـكـافـي ايضا عن محمد بن يحيى , عن احمد بن محمد بن عيسى , وعلي بن ابـراهـيـم , عن ابيه , عن ابن ابي عمير , عن ابي ايوب الخزاز , عن ابي بصير , عن ابي عبداللّه (ع ) , قال : (( لما راى ابراهيم (ع )ملكوت السماوات والارض التفت فراى رجلا, ثم التفت فراى جـيـفة على ساحل البحر , نصفها في الما ونصفها في البر , تجئ سباع البحر فتاكل ما في الما , ثم ترجع , فيشدبعضها على بعض , فياكل بعضها بعضا , وتجي سباع البر فتاكل منها, فيشدبعضها على بـعـض , فـيـاكل بعضها بعضا, فعند ذلك تعجب ابراهيم (ع ) مما راى وقال : (رب ارني كيف تحيي الـمـوتـى ) قال : كيف تخرج ما تناسل التي اكل بعضها بعضا؟ (قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قـلـبـي ) يـعني : حتى ارى هذا كما رايت الاشيا كلها, (قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجـعل على كل جبل منهن جزا) فقطعهن واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي اكل بـعـضـها بعضا , فخلط (ثم اجعل على كل جبل منهن جزا ثم ادعهن ياتينك سعيا) فلما دعاهن اجبنه وكانت الجبال عشرة )) .
ورواه الصدوق في علل الشرائع عن محمد بن الحسن بن الوليد , عن محمد ابن الحسن الصفار , عن يـعـقـوب بن يزيد , عن ابن ابي عمير بعينه سنداومتنا, وزاد في آخره : ((وكانت الطيور: الديك والحمامة والطاووس والغراب )) .
الـرابـع : مـا ذكـره في الاسفار , قال : ان تشخص كل انسان انما يكون بنفسه لا ببدنه , وان البدن الـمـعـتبر فيه امر مبهم لا تحصل له الا بنفسه ,وليس له من هذه الحيثية تعين ولا ذات ثابتة , ولا يـلـزم مـن كـون بـدن زيـدمـثـلا محشورا ان يكون الجسم الذي منه صار ماكولا لسبع او انسان آخرمحشورا , بل كلما يتعلق به نفسه هو بعينه بدنه الذي كان , فالاعتقاد بحشرالابدان يوم القيامة هـو ان يبعث ابدان من القبور اذا راى احد كل واحدواحد منها يقول : هذا فلان بعينه , وهذا بهمان بـعـيـنه , او هذا بدن فلان ,وهذا بدن بهمان , على ما مر تحقيقه , ولا يلزم من ذلك ان يكون غير مبدل الوجود والهوية , كما لا يلزم ان يكون مشوه الخلق , والاقطع والاعمى والهرم محشورا على ما كان من نقصان الخلقة وتشويه البنية كما ورد في الاحاديث .
وقال في موضع آخر : ان قلت : فعلى هذا يكون المثاب والمعاقب باللذات والالام الجسمانية غير من عمل الطاعة وارتكب المعصية .
قـيـل : فـي الجواب العبرة في ذلك بالادراك وانما هو للروح ولو بواسطة الالات وهو باق بعينه , ولـهـذا يقال للشخص من الصبا الى الشيخوخة انه هو بعينه وان تبدلت الصور والمقادير والاشكال والاعـراض , بـل كـثير من الاعضا والقوى ,ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب انها عقاب لغير الجاني .
------------------
الصورة الأُولى: إذا أكل انسانٌ إنساناً بحيث عاد بدن الثاني جزءاً من بدن الانسان الأوّل، فالأجزاء التّي كانت للمأكول ثم صارت للآكل، إمّا أن تعاد في كل واحد منهما، أو تعاد في أحدهما، أو لا تعاد أصلا. والأول محال، لا ستحالة أن يكون جزءٌ واحدٌ بعينه، في آن واحد، في شخصين متباينين. والثاني خلاف المفروض، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه.
والثالث أسوأ حالا من الثاني، اذ يلزم أنْ لا يكون أي من الإنسانين معاداً بعينه. فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها.
الصورة الثانية: لو أكل إنسان كافر، إنساناً مؤمناً، وقلنا بأنَّ المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة، فيلزم تعذيب المؤمن، لأنّ المفروض أنّ بدنه أو جزءاً منه، صار جزء من بدن الكافر، والكافر يُعَذَّب، فيلزم تعذيب المؤمن .
وقبل الورود في الجواب نعلّق على هذا السؤال بأنه لا يختص بما ورد فيه من أكل إنسان إنساناً، الّذي لا يتفق حصوله إلاّ في أعماق الأدغال، والمجتمعات الوحشية، بل السؤال يرجع إلى أمر يومي ملموس في المجتمعات المتحضرة، وذلك أنّ النباتات والثمار والحُبوب الّتي يتغذّى عليها الإنسان تنبت من تراب الأرض، الّذي هو مزيج رفات الأموات الذين قضوا عبر الدهور، والّذي هو عصارة الأبدان وخلاصتها.
ونحن نرى أنّ المقابر الواقعة في أكناف البلاد تتبدل إلى حدائق للتفرج والتنزه أو إلى مزارع للاستثمار، فيتغذى منها الحيوان والإنسان، فيؤول بدن الإنسان الميت، جزءاً من الإنسان الحي، فعندئذ يطرح السؤال المتقدم.
الجواب
إنّ هذه أقوى شبهة تعترض القول بالمعاد الجسماني، ونحن نذكر أولاً ما هو الحق عندنا في الإجابة، ثم نشير إلى ما ذكره المتكلمون في ذلك:
أما الصورة الأُولى من الإشكال، فبعض احتمالاتها ساقط جداً، وهو عود المأكول جزء لكلا الإنسانين، فيبقى الاحتمالان الآخران، وبأي واحد منهما أخذنا يندفع الإشكال، وذلك بالبيان التالي:
إنّ الإنسان من لدن تكوّنه وتولده إلى يوم وفاته واقع في مهب التغير وخضم التبدل، فليس وجوده جامداً خالياً عن التبدل. فبدن الإنسان ليس إلا خلايا لا يحصيها إلا الله سبحانه، وكل منها يحمل مسؤوليته في دعم حياة البدن، والخلايا في حال تغير وتبدل مستمر، تموت ويخلفها خلايا أُخرى، وبهذا يتهيّأ للبدن استمرار حياته، من غير فرق بين الخلايا الدماغية وغيرها، غاية الأمر أنّ الخلايا الدماغية، ثابتة من حيث العدد دون غيرها.
وقد قال الأخصائيون بأن مجموع خلايا البدن تتبدل إلى خلايا أُخرى كل عشر سنوات، فبدن الإنسان بعد عشر سنين من عمره يغاير بدنه الموجود قبل عشر سنين وعلى هذا فالإنسان الّذي يبلغ عمره ثمانين سنة قد عاش في ثمانية أبدان مختلفة، وهو يحسبها بدناً واحداً.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إن هناك فروضاً
1- فلو فرض أنّ بدن إنسان صار جزءاً من بدن إنسان آخر، فبما أنّ للمأكول أبداناً متعددة على مدى حياته، فواحد منها مقرون بالمانع، والأبدان الأُخر خالية منه فيحشر مع الخالي.
2- ولو فرض أنّ جميع أبدانه اقترنت بالمانع، فإنه أيضاً لا يصد عن القول بالمعاد الجسماني، لأنّ الناموس السائد في التغذية، هو أنّ ما يستفيده الإنسان من الغذاء لا يتعدى ثلاثة بالمائة من المأكول والباقي يدفعه.
فإذاً لا مانع من أنْ تتعلق الروح بأحد هذه الأبدان الّتي تتفاوت عن البدن الدنيوي من حيث الوزن والحجم، ولم يدل على أنّ المحشور في النشأة الأُخروية يتحد مع الموجود في النشأة الدنيوية في جميع الجهات وعامة الخصوصيات.
3- ولو فرض أنّ قانون التحول ساد على أبدان المأكول، فلم يبق من كل بدن إلا النذر اليسير الّذي يتشكل منه بدن إنسان كامل، فلا مانع في هذا الفرض النادر من تكميل خلقته بالمواد الأرضية الأُخرى حتى يكون إنساناً قابلاً لتعلق الروح به، وليس لنا دليل على أنّ المُعاد في الآخرة يتحد مع الموجود في الدنيا في جميع الجهات حتى المادة الّتي يتكون منها البدن.
نعم، إنْ كانت المادة الترابية الّتي تكوّن منها البدن الدنيوي موجودة، فلا وجه للعدول عنها إلى تراب آخر، وأما إذا كانت مقرونة بالمانع، فلم يبق إلا جزء يسير لا يكفي لتكوّن البدن، فلا غرو في أن يُتَسَبَّب في تكميل خلقته بالأخذ من المواد الترابية غير المقرونة بالمانع.
والّذي يدل على ذلك أنه سبحانه في مقام التنديد بالمنكرين، يعبر بلفظ المثل، ويقول: "أَوَ لَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ"(يس:81). الضمير في (مِثْلَهُمْ) يعود إلى المشركين المنكرين للمعاد، وهذا يعرب عن كفاية المثل من غير حاجة إلى صدق العينية، بالوحدة في المادة الترابية.
ويؤيد ذلك قول الإمام الصادق عليه السَّلام: "فإذا قبضه الله إليه، صيّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة الّتي كانت في الدنيا" .
فترى أنّ الإمام عليه السَّلام يذكر كلمة الصورة، ولعلّ فيه تذكير بأنّه يكفي في المعاد الجسماني كون المُعاد متحداً مع المبتدأ في الصورة من غير حاجة إلى أنْ يكون هناك وحدة في المادة الترابية بحيث إذا طرأ مانع من خلق الإنسان منه، فشل المعاد الجسماني ولم يتحقق.
والتركيز على وحدة المادة، يبتني على تحليل وجود الإنسان تحليلاً مادياً وأنه ليس وراء المادة شيء آخر، وأما على القول بأنّ واقعية الإنسان بروحه ونفسه، وأنّ جميع خصوصياته وملكاته موجودة في نفسه، فالمعاد الجسماني لا يتوقف على كون البدن المحشور نفس البدن الدنيوي حتى في المادة الترابية، بل لو تكوّن بدن الإنسان المُعاد من أيّة مادة ترابية كانت، وتعلقت به الروح، وكان من حيث الصورة متحداً مع البدن الدنيوي، يصدق على المُعاد أنه هو المُنشأ في الدنيا.
قال صدر المتألهين: "إن تشخّص كلّ إنسان إنما يكون بنفسه لا ببدنه، وإنّ البدن المعتبر فيه، أمر مُبْهَم، لا تحصّل له إلا بنفسه، وليس له من هذه الحيثية تعيّن، ولا يلزم من كون بدن زيد مثلاً محشوراً أنْ يكون الجسم الّذي منه صار مأكولاً لسبع أو إنسان آخر، محشوراً، بل كلّ ما يتعلّق به نفسه هو بعينه بدنه الّذي كان. فالاعتقاد بحشر الأبدان يوم القيامة هو أنْ تُبعثَ أبدانٌ من القبور إذا رأى أحد كلّ واحد منها يقول هذا فلان بعينه، أو هذا بدن فلان، ولا يلزم من ذلك أن يكون غير مبدّل الوجود والهوية. كما لا يلزم أن يكون مشوَّه الخَلْق وأن يكون الأقطْع والأعمى والهَرِم محشوراً على ما كانوا عليه من نقصان الخلقة وتشويه البنية" .
ثم إن للمتكلمين جواباً آخر في الذب عن هذه الصورة من الإشكال حاصله أنّ المُعاد، إنما هو الأجزاء الأصلية، وهي الباقية من أول العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، وهذه الأجزاء الأصلية، الّتي كانت للإنسان المأكول، هي في الآكل فضلات، فإنا نعلم أنّ الإنسان يبقى مدة عمره وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه، فإذا كانت فضلات فيه، لم يجب إعادتها في الآكل بل في المأكول .
ويظهر من المحقق الطوسي ارتضاؤه حيث يقول: "ولا يجب إعادة فواضل المكلف". وأوضحه العلامة الحلي بقوله: "إن لكلّ مكلف أجزاء أصلية لا يمكن أنْ تصير جزءاً من غيره، بل تكون فواضل من غيره لو اغتذى به" .
وما ذكروه خال عن الدليل، إذ لم يدلّ دليل على أنّ لكل مكلف أجزاء أصلية لا تكون جزءاً لبدن غيره.
نعم، ورد في بعض الروايات، ولكنها روايات آحاد، لا توجب علماً، فلو ثبت صدورها، فَلْيُقْبَل تعبداً .
إلى هنا تم الجواب عن الصورة الأُولى من الإشكال.
وأما الصورة الثانية من الإشكال: فقد عرفت أنها تركز على العدل الإلهي، وأن كون بدن المؤمن جزءاً من بدن الكافر يستلزم تعذيب المجرم، ولكنه مبني على إعطاء الأصالة في الحياة للبدن وهي نظرية خاطئة، فإن اللذائذ والآلام ترجع إلى الروح، والبدن وسيلة لتعذيبه وتنعيمه.
فصيرورة بدن المسلم جزءاً من بدن الكافر، لا يلازم تعذيب المؤمن، لأنّ المُعَذّب بتعذيب البدن، هو روح الكافر ونفسه، لا روح المؤمن. وهذا نظير أخذ كلية من إنسان حيّ ووصلها بإنسان يعاني من ضعفها وعلّتها، فإذا نجحت عملية الوصل وصارت الكلية الموصولة، جزء من بدن المريض، ثم عُذّب هذا المريض، فالمعذب هو هو، ولو نُعّم، فالمُنَعَّم هو هو، ولا صلة بينه وبين من وَهَب كليته وأهداها إليه.
وقد عرفت في كلام صدر المتألهين ما يفيدك في المقام.
آية الله جعفر السبحاني
-------------------
الجواب : الجسم المادي هو : عبارة عن ظهور أو تجلي الصورة المثالية في المادة أو العدم القابل للوجود ، وبالتالي فالطعم والرائحة واللون وجميع تفاصيل الجسـم المادي تأتى من الصورة المثالية له ، فنفس المادة - وهي عدم قابل للوجود كما قدمت - إذا تجلت فيها صورة البرتقالة أصبحت ذات رائحة طيبة وطعم طيب ، ومحللة الأكل . وأما إذا تجلت فيها صورة جيفة أمست ذات رائحة كريهة ومحرمة الأكل .
ولذا فإن جسم الإنسان بعد الموت - إذا شاء له الله أن يتحلل ويتفسخ - تكون نتيجته حفنة تراب ، والصورة المثالية والجسمانية لحفنة التراب مختلفة عن صورة جسم الإنسـان ، فلا يوجد أي اشتراك حقيقي بين جسم الإنسان الذي تفسخ ، وحفنة التراب التي نتجت من هذا التفسخ ، بل هو اشتراك متوهم معتمد على اشتراك المادة .
والمادة : عدم قابل للوجود ، وإنما التشخيص والتخصيص للصورة المثالية ، والصورة المثالية تختلف بعضها عن بعض ، ولا تنتج بعضها من بعض . فالشجرة التي نمت على جسم متفسخ مثلاً ونتج منها ثمر ، لم تمتص الجسم المتفسخ ، بل مواد في التربة لها شخصيتها وخصوصيتها ، وهي تختلف عن الجسم المتفسخ وإن كانت تشترك معه في المادة أو العدم القابل للوجود التي لا تخصص ولا تشخص ، فلو أكل إنسان هذه الثمرة مثلاً لم يكن أكل شيئاً نتج عن ذلك الجسم المتفسخ ، فلا آكل ولا مأكـول .
أحمد الحسن وصي ورسول الامام صاحب الزمان مكن الله له في الأرض
اقرأ المزيد: http://vb.al-mehdyoon.org/showthread...#ixzz2ESciJXqA
ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم
وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
لمحبي القراءة
اقطعت هذه الأجوبة من مختلف المواقع لمختلف الفقهاء ردودهم على شبهة الآكل والمأكول
وألحقته بجواب السيد احمد الحسن ع لهذه الشبهة
راجية من القارئ الكريم القراءة والحكم ؛
بإنصاف نفسه بإحكام عقله أولا؛
ثم الحكم بما يراه مناسبا بحيث يكون مرتاح الضمير بينه وبين نفسه
-----------
~*شبهة الآكل والمأكول*~
وهي شبهة قديمة ، ذكرها أفلاطون وغيره من الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين من المسلمين وغيرهم بتعابير وتقريرات مختلفة ، أهمها : لو أن إنساناً تغذّى على إنسانٍ آخر ، وأكل جميع أعضائه ، فالمحشور لا يكون إلاّ أحدهما ، لأنه لا تبقى للآخر أجزاء تخلق منها أعضاؤه ، وعليه فالبدن المحشور بأيّ الروحين يتعلّق ؟ ولو تعلّق بروح الآكل وكان كافراً ، والمأكول مؤمناً ، للزم عقاب المؤمن ، ولو عكس الأمر للزم ثواب الكافـر.
----------------
الجواب : يتضمن جواب هذه الشبهة عدّة وجوه :
1 ـ إن الله سبحانه بكلّ شيء عليم ، وهو بعلمه الواسع والمحيط بكلّ الممكنات ، يعلم كلّ ذرات الكون ، ومنها أجزاء الآكل والمأكول ، فيجمعها بحكمته الشاملة وقدرته الكاملة ، وينفخ فيها الروح ، مهما أصابها من التحوّل أو الفناء أو النقص ، قال تعالى: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) ، وقال تعالى في حكاية شبهة المنكرين وجوابهم: (ءَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الاْرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظ ) وقال تعالى: ( قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاْولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلأ يَنسَى).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف النشور: ( حتى إذا تصرّمت الأمور ، وتقضّت الدهور، وأزف النشور ، أخرجهم من ضرائح القبور ، وأوكار الطيور ، وأوجرة السباع ، ومطارح المهالك ، سراعاً إلى أمره ، مهطعين إلى معاده... )، فدلّ على أنّهم سيُبعثون وإن افترستهم السباع أو أكلتهم الطيور.
ـ جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ( إنّ إبراهيم عليه السلام نظر إلى جيفةٍ على ساحل البحر تأكلها سباع البرّ وسباع البحر ، ثم تحمل السباع بعضها على بعضٍ ، فتأكل بعضها بعضاً ، فتعجب إبراهيم عليه السلام فقال يا (رَبَّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)؟ فقال الله تعالى: ( أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْر) إلى آخر الآية، فأخذ إبراهيم عليه السلام الطاووس والديك والحمام والغراب ، فقال الله عزَّ وجلَّ : (فصرهنّ إليك ) أي قطعهنّ ثمّ اخلط لحمهنّ ، وفرّقهن على عشرة جبال ، ثم خذ مناقيرهنّ ، وادعهنّ يأتينك سعياً ، ففعل إبراهيم عليه السلام ذلك ، وفرّقهن على عشرة جبال ، ثم دعاهنّ... فكانت تجتمع ويتألف لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه ، فطارت إلى إبراهيم عليه السلام فعند ذلك قال إبراهيم عليه السلام : (إن الله عزيز حكيم).
قيل : في هذا الحديث إشارة إلى أنّه تعالى يحفظ أجزاء المأكول في بدن الآكل ، ويعود في الحشر إلى بدن المأكول ، كما أخرج تلك الأجزاء المختلطة والأعضاء الممتزجة من تلك الطيور وميّز بينها.
3 ـ وأجاب المتكلمون والفلاسفة عن هذه الشبهة بما خلاصته أن المعاد هو في الأجزاء الأصلية التي منها ابتداء الخلق ، وهي باقية من أول العمر إلى آخره ، لا جميع الأجزاء على الإطلاق ، والأجزاء الأصلية التي كانت للمأكول هي في الآكل فضلات ، فلا يجب إعادتها في الآكل ، بل تعاد في المأكول، لأنّ الله سبحانه يحفظها ولا يجعلها جزءاً لبدنٍ آخر.
وارتضاه المحقق الطوسي حيث قال في (التجريد) : ولا يجب إعادة فواضل المكلف ، وذكر العلامة في شرحه : أنه اختلف الناس في المكلف ما هو على مذاهب.. منها قول من يعتقد أن المكلف هو النفس المجردة.. ومنها قول جماعة من المحققين أن المكلف هو أجزاء أصلية في هذا البدن لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان ، وإنّما يقعان في الأجزاء المضافة إليها ، والواجب في المعاد هو إعادة تلك الأجزاء الأصلية ، أو النفس المجردة مع الأجزاء الأصلية ، أما الأجزاء المتصلة بتلك الأجزاء ، فلا يجب إعادتها بعينها.
--------------------------------
نجيب عنها بما أجاب عنه علماؤنا مع الاختصار:
إن البدن اللاحق من الحيوان او الانسان أذا اعتبر بالقياس الى البدن السابق منه كان مثله لا عينه.. والمعاد انما هو للاجزاء الاصلية. وهي الباقية من اول العمر الى آخره لا جميع الاجزاء على الاطلاق, وحينئذ فلا يعاد الجسم المأكول مع الآكل لأنه كان زائدا على اجزاءه الاصلية, بل انما يعاد مع بدن المأكول إن كان مما يعاد.
---------------------------------
شبهة الآكل والمأكول:
إنّ شبهة الآكل والمأكول مبنيّة على تخيّل اشتراط رجوع كلّ من الآكل والمأكول بكامل بدنه، في حين أنّ النسبة بين بدن الآكل وبدن المأكول تكون عادة عموماً من وجه.
ولكن لا مبرّر لاشتراط رجوع كلّ منهما بكامل بدنه السابق ولا دليل على ذلك، فبإمكانه سبحانه وتعالى إرجاع قسم من موادّ البدن وتنميتها أو صياغتها
إلى بدن كامل للآكل وبدن كامل للمأكول، والأدلّة اللفظية لم تدلّنا على أكثر من ذلك، بل بالإمكان تصوير ذلك حتى لو فرضت وحدة بدنهما بأن يصبح تمام بدن الآكل هو تمام بدن المأكول، على أنّ هذا الفرض مجرّد وهم وخيال.
2 ـ شبهة لزوم رجوع ما بالفعل إلى القوّة:
إنّ شبهة لزوم رجوع ما بالفعل إلى القوّة من المعاد الجسماني قائمة على أساس تصوّر أنّ الموت كمال للإنسان باعتبار تحوّله بذلك من مرحلة شوب المادّة إلى مرحلة التجرّد البحت، وأنّ خلق الله سبحانه وتعالى إيجاد لما يتحرّك بالحركة الجوهرية من النقص إلى الكمال، فما معنى رجوع الكامل مرّة اُخرى إلى النقص؟! وهل يعقل رجوع ما تكامل بخروج القوّة إلى الفعل إلى القوّة مرّة اُخرى؟!
ولعلّ هذه الشبهة أقوى فلسفيّاً من الشبهة الاُولى.
إلاّ أنّ هذه الشبهة أيضاً لا محلّ لها; فإنّ الموت لو كان عبارة عن تحوّل البدن إلى مستوى التجرّد، وكان التجرّد الكامل للإنسان بالموت بمعنى أنّ الإنسان أصبح بكلّ مراتبه مجرّداً بعد أن كان مزيجاً من مرتبة المادّة ومرتبة الروح أو النفس، لكان لهذه الشبهة مجال، ولكن هذا باطل بدليلين:
الأوّل: إحساسنا بأنّ البدن لم يتحوّل بحركة جوهرية إلى الروح أو النفس، وإنّما انفصل عن الروح أو النفس وأصبح فاسداً.
الثاني: ما مضى سابقاً من بعض البراهين على تجرّد الأنا وبها تثبت أيضاً بساطته، ولهذا نرى أنّ الأنا لا ينقسم إلى قسمين أو عدّة أقسام بمجرّد تقطيع البدن إلى قطعتين أو عدّة قطعات، فالبدن إذن ليس جزءاً من الأنا أو مرتبةً منه وإنّما هو أمانة من قبل الله تعالى بيد الأنا كي يكون في خدمته، والموت عبارة
عن تجريد الأنا من الأمانة التي اُعطيت إيّاه، والإحياء عبارة عن إرجاع الأمانة إليه مرّة اُخرى.
والغفلة عن هذه النكتة هي التي جعلت المجرمين لا يتوقّعون أن يُختم على أفواههم وتكلّم الله أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ؛ولهذا يعترضون في يوم القيامة على أعضائهم كما يتحدّث عنهم القرآن بقوله تعالى: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ) أمّا بعد الالتفات إلى هذه النكتة فيصبح إمكان شهادة الجلود والأعضاء لله على الإنسان من الواضحات; فإنّ البدن مخلوق مطيع لله يجعله الله تعالى في خدمة النفس حينما يريد، ويسلخه عن خدمتها حيناً آخر.
وبالالتفات إلى هذه النكتة ينعدم تماماً الإشكال الذي عرفته على المعاد الجسماني.
العقليّة الماديّة المستبعدة للمعاد الجسماني:
بعد ما اتضح بطلان الشبهتين المتقدّمتين في المعاد الجسماني يبقى مجرّد استبعاد المعاد الجسماني، وهذا الاستبعاد ينتج من العقليّة المادّية التي يصعب عليها تصوّر إعادة الحياة بعد الموت، وهي تكون بأحد شكلين:
الأوّل: العقلية التي قد لا تفهم الحياة إلاّ بمعنى الروح النباتية التي تنعدم بالموت، ويستبعد الإنسان المادّي إيجادها مرّة اُخرى من الجسم الذي مات.
الثاني: العقلية التي قد يكون لها نوع تصوّر إجمالي عن النفس، ولكنها تستبعد على أيّة حال إرجاعها إلى الجسم الذي مات.
ومن هنا نرى القرآن الكريم قد أعدّ تنظيرين في آياته لتقريب المعاد: أحدهما أنسب بالردّ على العقلية الاُولى، والثاني أنسب بالردّ على العقلية الثانية.
أمّا ما يناسب الردّ على العقلية الاُولى فهو التنظير بالأرض والأشجار والنباتات التي تموت في الخريف والشتاء، وتحيى مرّة اُخرى في الربيع، وذلك من قبيل قوله تعالى:
ـ (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير) 1).
2 ـ (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوج
3 ـ (وَيُحْيِي الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُون
4 ـ (وَتَرَى الاَْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج بَهِيج * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير)
5 ـ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاَْرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير)
6 ـ (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَّيِّت فَأَحْيَيْنَا بِهِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُور)
7 ـ (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَد مَّيِّت فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)
وأمّا ما يناسب الردّ على العقلية الثانية فهو تنظير إرجاع النفس إلى الجسد بنفخها في الجسد أوّل مرّة، من قبيل قوله تعالى:
1 ـ (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِر عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى)
2 ـ (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم)
3 ـ (فَلْيَنظُرِ الاِْنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِق * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِر)
4 ـ (وَيَقُولُ الاِْنسَانُ ءَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلاَ يَذْكُرُ الاِْنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)
إثبات المعاد الجسماني:
قد يدّعي بعض ـ على العكس تماماً من شبهات المنكرين ـ أنّ العقل يدرك ضرورة المعاد الجسماني; لأنّ الإنسان لا يتكامل إلاّ بجنبتيه: جنبة النفس وجنبة البدن، وسواءٌ فسّرناهما بمعنى شخصية واحدة مركّبة من المادّة وما فوق
المادّة، أو بمعنى شخصية واحدة ذات مرتبتين، أو بمعنى أنّ الجسم جُعل في خدمة النفس، لا إشكال في أنّ النفس تصل إلى نبذة مهمّة من اللذائذ أو الآلام عن طريق البدن، فلكي يكتمل الثواب والعقاب في يوم القيامة لابدّ من إرجاع هذا الائتلاف الذي كان محفوظاً بينهما في الدنيا في يوم القيامة
إلاّ أننا لا نعير أهميّة لهذا البيان إلاّ بمقدار افتراضه اعتباراً عقلياً ولا يصل إلى مستوى البرهان.
والمهم عندنا في إثبات المعاد الجسماني هو تصريح القرآن الكريم به بشكل لا يقبل الشكّ أبداً، وذلك في آيات كثيرة منتشرة في القرآن، من قبيل قوله تعالى:
1 ـ (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم)
2 ـ (أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَه)
ومن الطريف الإشارة الموجودة في هذه الآية إلى قدرة الله على إعادة ما هو من أطرف شيء في جسم الإنسان، ألا وهي خطوط البنان التي لا يشبه فيها إنسان إنساناً آخر على الإطلاق.
3 ـ (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور)
4 ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الاَْجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُون)
ونحو هاتين الآيتين ممّا يشهد للخروج من القبر، فإنّ هذا إشارة إلى خروج البدن.
5 ـ (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)
6 ـ (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا)
7 ـ (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُون)
ونحو هذه الآيات الثلاث ممّا يشهد للخروج من التراب، فإنّ هذا إشارة إلى خروج البدن.
8 ـ الآيات التي تجعل النشور في يوم القيامة من قبيل إحياء النباتات والأراضي في الربيع من بعد موتها في الخريف، وقد مضى بعضها، ومن الواضح أنّ هذا إحياء للمادّة.
9 ـ (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون)
10 ـ (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون)
11 ـ (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء)
فإنّ هذه الآيات صريحة في الثنائية بين أنفسهم وأبدانهم في يوم القيامة، وشهادة أعضائهم على أنفسهم آنذاك، وهذا لا يكون إلاّ بمعاد الجسم.
-------------------
الجواب/
إنّ محور الإشكال قائم على أساس الفكرة التالية: إنّ الإنسان إذا تحوّل إلى طعام لإنسان آخر وأصبح جزءاً من ذلك الإنسان، سواء كان بصورة مباشرة كما إذا اتّفق أن أكل إنسان إنساناً، أو كان بصورة غير مباشرة كما لو تحوّل بدن الإنسان الميت إلى تراب ثمّ إلى نبات ثمّ تحوّل هذا النبات إلى بدن حيوان فتغذّى الإنسان بلحم ذلك الحيوان، أو أنّ الإنسان تناول ذلك النبات بصورة مباشرة، فحينئذ يطرح التساؤل عن كيفية معاد الإنسان الأوّل من جهة؟ وعن كيفية معاد الإنسان الثاني من جهة أُخرى؟
ومن الجدير هنا أن نشير إلى النكات التي يمكن أن تعالج كلّ واحدة ـ وبنحو ماـ منها جانباً من جوانب الشبهة:
1. لقد أثبتت البحوث العلمية أنّ بدن الإنسان بمنزلة العين الجارية، بحيث يتحوّل وفي ضوء الفعل والانفعالات الطبيعية وبصورة مستمرة من حالة إلى أُخرى، حيث تنمو أجزاء جديدة من جهة وتفنى في مقابلها أجزاء أُخرى غيرها، بل توصل العلم إلى أدق من ذلك حيث اكتشف انّ الإنسان ينزع بدنه ويبدله ببدن آخر في كلّ ثمانية أعوام من عمره، فالإنسان الذي يعمّر أربعة وستين عاماً يستبدل بدنه خلال هذه الفترة ثماني مرّات ينزع ثوباً ويرتدي ثوباً غيره حاله حال العين النابعة التي لا يقف نبعها، من هنا نعلم أنّ عملية التحوّل والتبدّل مستمرة ومتواصلة في حياة الإنسان، إلاّ أنّها تتم بصورة تدريجية وعلى امتداد فترة طويلة لا يشعر بها.
فلو فرضنا أنّ البدن الأخير أصبح طعمة لإنسان آخر، فهذا لا يعني أنّ الأبدان الأُخرى للإنسان اقترنت بالمانع، إذ من الممكن أن يبعث الإنسان وينشر يوم الحساب بأحد الأبدان الأُخرى، وحتى لو فرضنا أنّ بقية الأبدان كالبدن السادس أو السابع مثلاً تصدق فيها شبهة الآكل والمأكول، فلا شكّ أنّ بقية الأبدان ليست كذلك، إذ من المستبعد جداً أنّ جميع أبدان الإنسان نابتة من بدن إنسان آخر وانّها عرضة للإشكال المطروح.
2. لو افترضنا أنّ البدن الأخير وما تقدّمه من الأبدان قد ابتلي بنفس المصير وانّه صادف المانع وأصبح جزءاً من إنسان آخر، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولكن من الواضح أنّه ليس عامّة الأجزاء من كلّ بدن مأكولاً لفرد آخر، وإنّما يطرح القسم الأكبر منه خارجاً، ويبقى جزء قليل منه ضمن البدن الآخر، وعندئذ فما هو المانع أن يحشر هذا الإنسان ولو ببدن نحيف، إذ اللازم أن يبعث الإنسان بنفس البدن الدنيوي، ولا يوجد دليل شرعي يدلّ على اشتراط بعثة الإنسان بعين بدنه الدنيوي من ناحية السمن والضعف، فلو بعث الإنسان ببدن نحيف فإنّه حينئذ يبعث ببدنه الأصلي مع فارق يسير جدّاً في الكمية والحجم، وهذا المقدار لا يضرّ ولا يعتبر دليلاً على التغاير الكامل.
3. لو افترضنا ـ جدلاً ـ أن تتحوّل أغلب الأجزاء من كلّ بدن إلى بدن إنسان آخر، بحيث يكون الباقي كافياً في تشكيل بدن المأكول، وحينئذ يمكن الإجابة عن ذلك بوجهين:
الف: ما المانع أن يرجع الإنسان الآكل ـ على فرض خلوه من الموانع ـ الأجزاء التي أخذها من بدن الإنسان المأكول، وحينئذ يحشر الإنسان الآكل ببدن فارغ من الموانع؟
ب: ولو فرضنا ـ وإن كان فرضاً نادراً ـ أنّ بدني الآكل والمأكول اقترنا بالمانع، على نحو لو فرضنا انّ اعادة الأجزاء المأكولة إلى صاحبها أو أصحابها لا يتقي للآكل شيئاً لكي يحشر فيه، فما المانع من إكمال البدن بالاستعانة بأجزاء ترابية وهوائية أُخرى ليتم من خلالها إكمال بدن الإنسان بصورة تامة، إذ من الواجب في الحشر وحدة البدن العرفية لا العقلية، أي بمعنى أنّه يكفي أن تصدق الإشارة إليه عرفاً أنّه البدن السابق.
ونحن إذا أمعنّا النظر في الآيات القرآنية والروايات الواردة عن الرسول الأكرم وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) ، نجد أنّها تركّز على أنّ كفاية كون البدن المحشور مثل البدن الدنيوي، ولا تصرّ على أن يكون هذا البدن هو عين البدن الدنيوي بنحو لو اختلّ هذا الشرط فإنّه سيؤثر على مسألة المعاد والحشر واستحالة المعاد.
وبالطبع إذا كانت العينية متيسّرة وانّ جميع أجزاء بدن الإنسان باقية في التراب، فلا ريب أنّه لا حاجة حينئذ إلى الاستعانة بأجزاء جديدة، بل الواجب أن تحشر نفس تلك الأجزاء. وإنّما نحتاج إلى المثلية في حالة واحدة نادرة جداً، وهي فيما إذا لم يبق من بدن الإنسان المأكول شيء لكي يتم إحياؤه مرّة أُخرى.
قال تعالى:
( أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ بِقادِر عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَليمُ ) .
فمن الواضح أنّه قد استعمل في الآية لفظ: ( مِثْلَهُمْ ) لا «عينهم».
روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال:
«فإذا قبضه اللّه إليه صيّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا».
فالآية الكريمة والرواية الشريفة تشهدان على أنّ المحور في المعاد هو حفظ صورة الإنسان بنحو يكفي أن يكون الإنسان المبعوث بهيئة الإنسان وشكله الدنيوي، ولا دليل أبداً على أنّ الإنسان يجب أن يبعث بنفس المادة التي خلق منها في الدنيا وبنفس ذراته وأجزائه الترابية.
ولابدّ من إعادة التأكيد على أنّه على فرض إمكانية حشر البدن الدنيوي من دون أي موانع، فلا دليل للعدول منه إلى مادة أُخرى جديدة.
شبهة الآكل والمأكول والعدل الإلهي
في هذا المجال تطرح الشبهة المذكورة بأُسلوب جديد وهو: إذا كان الإنسان المؤمن مأكولاً للكافر، يلزم أن يعذب المؤمن بتعذيب الكافر، أو بالعكس إذا كان المأكول كافراً فإنّه ينعم بنعيم المؤمن،وهذا خلاف العدل الإلهي. ومن الواضح هنا أنّ محور الإشكال مبني على مسألة الثواب والعقاب والعدل الإلهي، والحال أنّ الإشكال في الصورة الأُولى مبني على عدم وفاء المادة لحشر كلّ إنسان على النحو الأكمل.
ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال المذكور بوجهين:
الوجه الأوّل: إذا تحوّل عضو من بدن المؤمن وأصبح جزءاً من بدن الإنسان الكافر، فحينئذ ـ و بلا ريب ـ يكون تعذيبه تعذيباً للكافر لا للمؤمن، لأنّ هذا العضو انقطعت صلته بالمأكول واندكّ في الآكل على نحو صار جزءاً منه، فتعذيبه أو تنعيمه يرجع إلى الآكل لا إلى المأكول، وهذا نظير زرع الأعضاء الرائج في الطب الحديث، فإنّ الكلية مثلاً إذا أُخذت من بدن شخص وزرعت في بدن شخص آخر بنحو التحمت مع سائر الأعضاء فتعذيبها وتنعيمها يرجع إلى البدن المنقولة له لا البدن الأوّل، وكذلك الأمر في مسألة الآكل والمأكول.
الوجه الثاني: إنّ الشبهة نابعة من التفكير المادي الذي يحصر الإنسان في اللحم والجلد والعظام والمواد الطبيعية لا غير، مع أنّ واقع الإنسان وحقيقته أعمق من ذلك وهي روحه ونفسه، فإذا صار عضو من الإنسان جزءاً من إنسان آخر انقطعت صلة الروح عن الجزء المقطوع، فلا يكون مدبّراً للنفس، فتكون الآلام واللّذات منصبّة على الآكل لا على المأكول وعلى المنقول له لا على المنقول منه.
وفي الختام نؤكّد انّ مركز الآلام و اللّذات هو الروح والنفس الإنسانية، وانّ البدن لا يتجاوز عن كونه وسيلة لإدراك الآلام واللّذات الجسدية لا أكثر، والمفروض انّ هذا العضو لا علاقة له بالبدن السابق ليؤثر في نعيمه أو عذابه.
------------------
في الردّ على شبهة الآكل والمأكول
الردّ علي شبهة الآكل والمأكول: إنّ هناك جنّة وناراً. فأيّ جنّة وجهنّم أعلي من أن تظهر للإنسان هذه الصور التي تنشأ إثر الاعمال. بل هي نفس الاعمال الحسنة وحقائقها؟ ومن أن تبرز للإنسان تلك الاعمال القبيحة مع حقائقها أيضاً؟
سينكشف للإنسان ذلك الاستكبار والتمرّد والفرعونيّة التي بدرت منه، وتلك الغفلات التي كانت له في الدنيا، والتي تمرّد وعصي بدافع منها، كما سينكشف له تلك الملامح الملكوتيّة والحقيقيّة. أي أنّ الإنسان سيدرك نفسه دفعةً واحدة مع جميع أعماله التي فعلها طيلة مدّة عمره.
وتلاحظون ـ بهذا البيان ـ كم هي واهية شبهة الآكل والمأكول؟ وكم هي بعيدة عن مرحلة التحقيق؟ فتلك الشبهة إنّما تعتمد علي مبني أصالة المادّة؛ وأصالة المادّة في أنّ شيئيّة الشيء قائمة علي ذلك الشيء، وهو كلام واهٍ وضعيف بحيث يهزأ به الاطفال، بل إنّ الحيوانات تتخطّاه فلاتُلقي له بالاً. ذلك لا نّكم لو ألقيتم قطعاً من السكّر في الخلّ، ثمّ أعطيتموه للطفل فإنّه لن يتناوله مع أنّ المادّة نفس المادّة، لانّ ذلك الطفل يعلم أنّ شيئيّة السكّر إنّما هي بصورة السكّر لا بمادّته. ولو لطّختم التبن والبرسيم بالخلّ، لما أكله الحيوان آنذاك، لا نّه يلتفت إلی الصورة لاإلی المادّة.
إِذْ صُوَرةٌ بِصُورَةٍ لاَ تَنْقَلِبْ عَلَي الهَيُولَي الاْنْحِفَاظُ مُنسَحِبْ
إنّ جميع الاجساد والابدان ستُحشر بأجمعها يوم الجزاء، وسيُحشر الآكل والمأكول بتمامها وكمالهما؛ علي أنّ شبهة الآكل والمأكول قائمة علي أساس أصالة المادّة، وليست المادّة شيئاً، بل هي أمر مُبهم لا اسم له ولاتحصّل ولاوجود ولاشخصيّة، بل إنّ حقائق الاشياء بصورها، وهذه الصور ثابتة بالمادّة فهي لا تختلط ولا تمتزج ببعضها. كما أنّ الصورة لاتنقلب إلی أُخري، فتحفظ هيولي ومادّة تلك الصور بذلك التشخّص، وهذا الحفظ سارٍ وجارٍ علي الدوام.
فَفِي وِعَاءِ الدَّهْرِ كُلٌ قَدْ وُقِي مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ عِنْدَهُ بَقِي
ومع أنّ الصور مختفية عنّا، وأنّ حجاب المادّة والمدّة والزمان والمكان لا يدعنا لحظة واحدة ندرك جميع الصور، إلاّ أنّ جميع الصور، وجميع النفوس وجميع الاشياء، وجميع الموجودات، وأعمال كلّ واحد، ثابتة وموجودة في موضعها في ظرف العصر، وعالم الدهر وعالم الوجود والتكوين.
كما أنّ العمامة ذات الکورة الساقط المغبرّ موجودة إلی جانب ذلك وفي موضعها، ومنظر أُولئك الذين شربوا شايهم المرّ قبل ثلاث سنوات فتناولوا معه حبّة سكّر واحدة محفوظ بهيئته. ومجلس الذنب لذلك الذي أذنب محفوظ، شأنه شأن مجلس الطاعة المحفوظ بعينه لذلك الذي أطاع.
فهذه الاعمال مسجّلة ومدوّنة مع خصائصها ودقائقها وظرافتها، ومع نيّتها والهدف المقصود بها، بحيث إنّ الآلاف من البشر لو شاءوا تدوين ذلك بذلك القدر من الدقّة والصحّة، ومع حفظ الشرائط والمقدّمات والتقدّم والتأخّر لما أمكنهم ذلك.
الرجوع الي الفهرس
الآيات الواردة في الردّ علي شبهة الادكل والمأكول.
بَيدَ أنّ الوجود يستلزم الوجود، ولا يمكن ان يتبدّل إلی العدم، فهم يحافظون عليها جميعاً ويحرسونها في ظرف الدهر وفي عالم الوجود والحقيقة. وبالرغم من أ نّها تنفد لدينا وتهلك وتفني، إلاّ أ نّها لاتفني عندالله عالم السرّ والخفيّات. فذلك العمل الذي فعلناه صار خفيّاً بالنسبة لنا، لكنّه حاضر عندالله العليم الخبير. لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَـ'وَ ' تِ وَلاَ فِي الاْرْضِ.
أوَ لم يقل سبحانه: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَهِ بَاقً.
إنّ هذه الاعمال التي نقوم بها لها صورتان وجانبان، جانب طبيعيّ ظاهريّ منسوبٌ لنا، وجانب ملكوتيّ وباطنيّ منسوب إلی الله تعإلی. فالجانب الظاهريّ معرّض دوماً للهلاك والفناء والاضمحلال، أمّا الجانب الباطنيّ! ( أي الوجهة الإلهيّة الملكوتيّة ) فثابت علي الدوام ومتحقّق في عالم الخارج عندالله سبحانه.
تُبْلَي إِذَا غِطَا زَمَانِنَا انْخَزَلْ مَرَاتِبُ السَّيَّالِ مَعْ كُلِّ عَمَلْ
وحين ينخزل غطاء الزمان وينشق، فإنّ الاعمال التي فعلناها ستظهر دفعةً واحدة لنا مع جميع الموجودات التدريجيّة التي ظهرت واختفت في هذا العالم بصورة متعاقبة. وحين يأتي الموت الطبيعيّ أو الاختياريّ اختياراً أو اضطراراً، فسيتّضح آنذاك ما الذي وراء الستار والغطاء؟ وما الاعمال التي فعلناها وكنّا نتخيّل دوماً أ نّها زالت؟ وأنّ فلاناً لميطّلع علي عملنا، وأنّ أحداً لم يطّلع علي هذا العمل، وأ نّه لم يعلم بالفعل الفلانيّ. نتخيل أ نّنا فعلنا العمل الفلانيّ! فلم يعلم به أحد والحمد للّه.
ونتخيّل أ نّنا سبقنا الله تعإلی وخلّفناه وراءنا. لكنّنا لم ندرك ولمنفهم أبداً، ثمّ جئنا الآن هنا، فانخزل الغطاء والستار من أمام الابصار، ولميدر في خُلدنا أ نّنا ذخرنا ذلك وجمعناه.
ثمّ يتصاعد صراخ الإنسان: ما الخبر يا إلهي؟ أيّ عالمٍ هذا؟ أيّ كتابٍ هذا؟
فَذَلِكَ الكِتَابُ لَنْ يُغَادِرَا شَيْئاً صَغَائِراً وَلاَ كَبَائِرَا
ويَوْمَ نُسَيّـِرُ الْجِبَالَ وَتَرَي الاْرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَـ'هُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً* وَعُرِضُوا عَلَي' رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـ'كُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَـ'بُ فَتَرَي الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـ'وَيْلَتَنَا مَالِ هَـ'ذَا الْكِتَـ'بِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً الآ أَحْصَـ'هَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.
إنّ جميع الاعمال التي فعلها الإنسان إنّما فعلها بنفسه، فهي بعينها حاضرة أمامه، وآنذاك سيعلم الجميع أنّ الله لم يظلم أحداً، وأنّ هذه الاعمال بهذه الصور القبيحة الكريهة هي عين الاعمال التي اجترحها الإنسان بيده، وقدّمها أمامه، فلقد سعّر جهنّم بيده، وغرس أشجار الجنّة بيده، وجعل بيده نسائم الجنّة تهبّ علي مشامه، وسعّر لظي جهنّم وأشعلها بِيَدِهِ وبشرارته.
زَاهِدْ مَنَ آلاَّدْمَا جَهَنَّمْدَه اُودْ اُولْمَارْ اُلاَّرْ كِهْ يَا نُولاَّرْ اُودِي بُورْدَانْ آپَارُو لاَّر
يقول: لا تخدعني أيّها الزاهد، فليس هناك في جهنّم من نار. إنّ الذين يحترقون هم الذين يصطحبون النار معهم من الدنيا.
-------------------
والجواب : ان اللّه تعالى قادر على ان يحفظها من ان تصير نطفة في بدن الاكل .
روى فـي الـكـافي عن محمد بن يحيى , عن محمد بن احمد , عن احمد بن الحسن , عن عمرو بن سـعـيـد , عن مصدق بن صدقة , عن عمارابن موسى , عن ابي عبداللّه (ع ) , قال : سئل عن الميت يبلى جسده ؟قال : (( نعم , حتى لا يبقى له لحم ولا عظم , الا طينته التي خلق منها , فانهالا تبلى , تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اول مرة )) .
وروي فـي روضـة الـكـافـي ايضا عن محمد بن يحيى , عن احمد بن محمد بن عيسى , وعلي بن ابـراهـيـم , عن ابيه , عن ابن ابي عمير , عن ابي ايوب الخزاز , عن ابي بصير , عن ابي عبداللّه (ع ) , قال : (( لما راى ابراهيم (ع )ملكوت السماوات والارض التفت فراى رجلا, ثم التفت فراى جـيـفة على ساحل البحر , نصفها في الما ونصفها في البر , تجئ سباع البحر فتاكل ما في الما , ثم ترجع , فيشدبعضها على بعض , فياكل بعضها بعضا , وتجي سباع البر فتاكل منها, فيشدبعضها على بـعـض , فـيـاكل بعضها بعضا, فعند ذلك تعجب ابراهيم (ع ) مما راى وقال : (رب ارني كيف تحيي الـمـوتـى ) قال : كيف تخرج ما تناسل التي اكل بعضها بعضا؟ (قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قـلـبـي ) يـعني : حتى ارى هذا كما رايت الاشيا كلها, (قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجـعل على كل جبل منهن جزا) فقطعهن واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي اكل بـعـضـها بعضا , فخلط (ثم اجعل على كل جبل منهن جزا ثم ادعهن ياتينك سعيا) فلما دعاهن اجبنه وكانت الجبال عشرة )) .
ورواه الصدوق في علل الشرائع عن محمد بن الحسن بن الوليد , عن محمد ابن الحسن الصفار , عن يـعـقـوب بن يزيد , عن ابن ابي عمير بعينه سنداومتنا, وزاد في آخره : ((وكانت الطيور: الديك والحمامة والطاووس والغراب )) .
الـرابـع : مـا ذكـره في الاسفار , قال : ان تشخص كل انسان انما يكون بنفسه لا ببدنه , وان البدن الـمـعـتبر فيه امر مبهم لا تحصل له الا بنفسه ,وليس له من هذه الحيثية تعين ولا ذات ثابتة , ولا يـلـزم مـن كـون بـدن زيـدمـثـلا محشورا ان يكون الجسم الذي منه صار ماكولا لسبع او انسان آخرمحشورا , بل كلما يتعلق به نفسه هو بعينه بدنه الذي كان , فالاعتقاد بحشرالابدان يوم القيامة هـو ان يبعث ابدان من القبور اذا راى احد كل واحدواحد منها يقول : هذا فلان بعينه , وهذا بهمان بـعـيـنه , او هذا بدن فلان ,وهذا بدن بهمان , على ما مر تحقيقه , ولا يلزم من ذلك ان يكون غير مبدل الوجود والهوية , كما لا يلزم ان يكون مشوه الخلق , والاقطع والاعمى والهرم محشورا على ما كان من نقصان الخلقة وتشويه البنية كما ورد في الاحاديث .
وقال في موضع آخر : ان قلت : فعلى هذا يكون المثاب والمعاقب باللذات والالام الجسمانية غير من عمل الطاعة وارتكب المعصية .
قـيـل : فـي الجواب العبرة في ذلك بالادراك وانما هو للروح ولو بواسطة الالات وهو باق بعينه , ولـهـذا يقال للشخص من الصبا الى الشيخوخة انه هو بعينه وان تبدلت الصور والمقادير والاشكال والاعـراض , بـل كـثير من الاعضا والقوى ,ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب انها عقاب لغير الجاني .
------------------
الصورة الأُولى: إذا أكل انسانٌ إنساناً بحيث عاد بدن الثاني جزءاً من بدن الانسان الأوّل، فالأجزاء التّي كانت للمأكول ثم صارت للآكل، إمّا أن تعاد في كل واحد منهما، أو تعاد في أحدهما، أو لا تعاد أصلا. والأول محال، لا ستحالة أن يكون جزءٌ واحدٌ بعينه، في آن واحد، في شخصين متباينين. والثاني خلاف المفروض، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه.
والثالث أسوأ حالا من الثاني، اذ يلزم أنْ لا يكون أي من الإنسانين معاداً بعينه. فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها.
الصورة الثانية: لو أكل إنسان كافر، إنساناً مؤمناً، وقلنا بأنَّ المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة، فيلزم تعذيب المؤمن، لأنّ المفروض أنّ بدنه أو جزءاً منه، صار جزء من بدن الكافر، والكافر يُعَذَّب، فيلزم تعذيب المؤمن .
وقبل الورود في الجواب نعلّق على هذا السؤال بأنه لا يختص بما ورد فيه من أكل إنسان إنساناً، الّذي لا يتفق حصوله إلاّ في أعماق الأدغال، والمجتمعات الوحشية، بل السؤال يرجع إلى أمر يومي ملموس في المجتمعات المتحضرة، وذلك أنّ النباتات والثمار والحُبوب الّتي يتغذّى عليها الإنسان تنبت من تراب الأرض، الّذي هو مزيج رفات الأموات الذين قضوا عبر الدهور، والّذي هو عصارة الأبدان وخلاصتها.
ونحن نرى أنّ المقابر الواقعة في أكناف البلاد تتبدل إلى حدائق للتفرج والتنزه أو إلى مزارع للاستثمار، فيتغذى منها الحيوان والإنسان، فيؤول بدن الإنسان الميت، جزءاً من الإنسان الحي، فعندئذ يطرح السؤال المتقدم.
الجواب
إنّ هذه أقوى شبهة تعترض القول بالمعاد الجسماني، ونحن نذكر أولاً ما هو الحق عندنا في الإجابة، ثم نشير إلى ما ذكره المتكلمون في ذلك:
أما الصورة الأُولى من الإشكال، فبعض احتمالاتها ساقط جداً، وهو عود المأكول جزء لكلا الإنسانين، فيبقى الاحتمالان الآخران، وبأي واحد منهما أخذنا يندفع الإشكال، وذلك بالبيان التالي:
إنّ الإنسان من لدن تكوّنه وتولده إلى يوم وفاته واقع في مهب التغير وخضم التبدل، فليس وجوده جامداً خالياً عن التبدل. فبدن الإنسان ليس إلا خلايا لا يحصيها إلا الله سبحانه، وكل منها يحمل مسؤوليته في دعم حياة البدن، والخلايا في حال تغير وتبدل مستمر، تموت ويخلفها خلايا أُخرى، وبهذا يتهيّأ للبدن استمرار حياته، من غير فرق بين الخلايا الدماغية وغيرها، غاية الأمر أنّ الخلايا الدماغية، ثابتة من حيث العدد دون غيرها.
وقد قال الأخصائيون بأن مجموع خلايا البدن تتبدل إلى خلايا أُخرى كل عشر سنوات، فبدن الإنسان بعد عشر سنين من عمره يغاير بدنه الموجود قبل عشر سنين وعلى هذا فالإنسان الّذي يبلغ عمره ثمانين سنة قد عاش في ثمانية أبدان مختلفة، وهو يحسبها بدناً واحداً.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إن هناك فروضاً
1- فلو فرض أنّ بدن إنسان صار جزءاً من بدن إنسان آخر، فبما أنّ للمأكول أبداناً متعددة على مدى حياته، فواحد منها مقرون بالمانع، والأبدان الأُخر خالية منه فيحشر مع الخالي.
2- ولو فرض أنّ جميع أبدانه اقترنت بالمانع، فإنه أيضاً لا يصد عن القول بالمعاد الجسماني، لأنّ الناموس السائد في التغذية، هو أنّ ما يستفيده الإنسان من الغذاء لا يتعدى ثلاثة بالمائة من المأكول والباقي يدفعه.
فإذاً لا مانع من أنْ تتعلق الروح بأحد هذه الأبدان الّتي تتفاوت عن البدن الدنيوي من حيث الوزن والحجم، ولم يدل على أنّ المحشور في النشأة الأُخروية يتحد مع الموجود في النشأة الدنيوية في جميع الجهات وعامة الخصوصيات.
3- ولو فرض أنّ قانون التحول ساد على أبدان المأكول، فلم يبق من كل بدن إلا النذر اليسير الّذي يتشكل منه بدن إنسان كامل، فلا مانع في هذا الفرض النادر من تكميل خلقته بالمواد الأرضية الأُخرى حتى يكون إنساناً قابلاً لتعلق الروح به، وليس لنا دليل على أنّ المُعاد في الآخرة يتحد مع الموجود في الدنيا في جميع الجهات حتى المادة الّتي يتكون منها البدن.
نعم، إنْ كانت المادة الترابية الّتي تكوّن منها البدن الدنيوي موجودة، فلا وجه للعدول عنها إلى تراب آخر، وأما إذا كانت مقرونة بالمانع، فلم يبق إلا جزء يسير لا يكفي لتكوّن البدن، فلا غرو في أن يُتَسَبَّب في تكميل خلقته بالأخذ من المواد الترابية غير المقرونة بالمانع.
والّذي يدل على ذلك أنه سبحانه في مقام التنديد بالمنكرين، يعبر بلفظ المثل، ويقول: "أَوَ لَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ"(يس:81). الضمير في (مِثْلَهُمْ) يعود إلى المشركين المنكرين للمعاد، وهذا يعرب عن كفاية المثل من غير حاجة إلى صدق العينية، بالوحدة في المادة الترابية.
ويؤيد ذلك قول الإمام الصادق عليه السَّلام: "فإذا قبضه الله إليه، صيّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة الّتي كانت في الدنيا" .
فترى أنّ الإمام عليه السَّلام يذكر كلمة الصورة، ولعلّ فيه تذكير بأنّه يكفي في المعاد الجسماني كون المُعاد متحداً مع المبتدأ في الصورة من غير حاجة إلى أنْ يكون هناك وحدة في المادة الترابية بحيث إذا طرأ مانع من خلق الإنسان منه، فشل المعاد الجسماني ولم يتحقق.
والتركيز على وحدة المادة، يبتني على تحليل وجود الإنسان تحليلاً مادياً وأنه ليس وراء المادة شيء آخر، وأما على القول بأنّ واقعية الإنسان بروحه ونفسه، وأنّ جميع خصوصياته وملكاته موجودة في نفسه، فالمعاد الجسماني لا يتوقف على كون البدن المحشور نفس البدن الدنيوي حتى في المادة الترابية، بل لو تكوّن بدن الإنسان المُعاد من أيّة مادة ترابية كانت، وتعلقت به الروح، وكان من حيث الصورة متحداً مع البدن الدنيوي، يصدق على المُعاد أنه هو المُنشأ في الدنيا.
قال صدر المتألهين: "إن تشخّص كلّ إنسان إنما يكون بنفسه لا ببدنه، وإنّ البدن المعتبر فيه، أمر مُبْهَم، لا تحصّل له إلا بنفسه، وليس له من هذه الحيثية تعيّن، ولا يلزم من كون بدن زيد مثلاً محشوراً أنْ يكون الجسم الّذي منه صار مأكولاً لسبع أو إنسان آخر، محشوراً، بل كلّ ما يتعلّق به نفسه هو بعينه بدنه الّذي كان. فالاعتقاد بحشر الأبدان يوم القيامة هو أنْ تُبعثَ أبدانٌ من القبور إذا رأى أحد كلّ واحد منها يقول هذا فلان بعينه، أو هذا بدن فلان، ولا يلزم من ذلك أن يكون غير مبدّل الوجود والهوية. كما لا يلزم أن يكون مشوَّه الخَلْق وأن يكون الأقطْع والأعمى والهَرِم محشوراً على ما كانوا عليه من نقصان الخلقة وتشويه البنية" .
ثم إن للمتكلمين جواباً آخر في الذب عن هذه الصورة من الإشكال حاصله أنّ المُعاد، إنما هو الأجزاء الأصلية، وهي الباقية من أول العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، وهذه الأجزاء الأصلية، الّتي كانت للإنسان المأكول، هي في الآكل فضلات، فإنا نعلم أنّ الإنسان يبقى مدة عمره وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه، فإذا كانت فضلات فيه، لم يجب إعادتها في الآكل بل في المأكول .
ويظهر من المحقق الطوسي ارتضاؤه حيث يقول: "ولا يجب إعادة فواضل المكلف". وأوضحه العلامة الحلي بقوله: "إن لكلّ مكلف أجزاء أصلية لا يمكن أنْ تصير جزءاً من غيره، بل تكون فواضل من غيره لو اغتذى به" .
وما ذكروه خال عن الدليل، إذ لم يدلّ دليل على أنّ لكل مكلف أجزاء أصلية لا تكون جزءاً لبدن غيره.
نعم، ورد في بعض الروايات، ولكنها روايات آحاد، لا توجب علماً، فلو ثبت صدورها، فَلْيُقْبَل تعبداً .
إلى هنا تم الجواب عن الصورة الأُولى من الإشكال.
وأما الصورة الثانية من الإشكال: فقد عرفت أنها تركز على العدل الإلهي، وأن كون بدن المؤمن جزءاً من بدن الكافر يستلزم تعذيب المجرم، ولكنه مبني على إعطاء الأصالة في الحياة للبدن وهي نظرية خاطئة، فإن اللذائذ والآلام ترجع إلى الروح، والبدن وسيلة لتعذيبه وتنعيمه.
فصيرورة بدن المسلم جزءاً من بدن الكافر، لا يلازم تعذيب المؤمن، لأنّ المُعَذّب بتعذيب البدن، هو روح الكافر ونفسه، لا روح المؤمن. وهذا نظير أخذ كلية من إنسان حيّ ووصلها بإنسان يعاني من ضعفها وعلّتها، فإذا نجحت عملية الوصل وصارت الكلية الموصولة، جزء من بدن المريض، ثم عُذّب هذا المريض، فالمعذب هو هو، ولو نُعّم، فالمُنَعَّم هو هو، ولا صلة بينه وبين من وَهَب كليته وأهداها إليه.
وقد عرفت في كلام صدر المتألهين ما يفيدك في المقام.
آية الله جعفر السبحاني
-------------------
الجواب : الجسم المادي هو : عبارة عن ظهور أو تجلي الصورة المثالية في المادة أو العدم القابل للوجود ، وبالتالي فالطعم والرائحة واللون وجميع تفاصيل الجسـم المادي تأتى من الصورة المثالية له ، فنفس المادة - وهي عدم قابل للوجود كما قدمت - إذا تجلت فيها صورة البرتقالة أصبحت ذات رائحة طيبة وطعم طيب ، ومحللة الأكل . وأما إذا تجلت فيها صورة جيفة أمست ذات رائحة كريهة ومحرمة الأكل .
ولذا فإن جسم الإنسان بعد الموت - إذا شاء له الله أن يتحلل ويتفسخ - تكون نتيجته حفنة تراب ، والصورة المثالية والجسمانية لحفنة التراب مختلفة عن صورة جسم الإنسـان ، فلا يوجد أي اشتراك حقيقي بين جسم الإنسان الذي تفسخ ، وحفنة التراب التي نتجت من هذا التفسخ ، بل هو اشتراك متوهم معتمد على اشتراك المادة .
والمادة : عدم قابل للوجود ، وإنما التشخيص والتخصيص للصورة المثالية ، والصورة المثالية تختلف بعضها عن بعض ، ولا تنتج بعضها من بعض . فالشجرة التي نمت على جسم متفسخ مثلاً ونتج منها ثمر ، لم تمتص الجسم المتفسخ ، بل مواد في التربة لها شخصيتها وخصوصيتها ، وهي تختلف عن الجسم المتفسخ وإن كانت تشترك معه في المادة أو العدم القابل للوجود التي لا تخصص ولا تشخص ، فلو أكل إنسان هذه الثمرة مثلاً لم يكن أكل شيئاً نتج عن ذلك الجسم المتفسخ ، فلا آكل ولا مأكـول .
أحمد الحسن وصي ورسول الامام صاحب الزمان مكن الله له في الأرض
اقرأ المزيد: http://vb.al-mehdyoon.org/showthread...#ixzz2ESciJXqA
Comment