النص:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾:
عبادة الله هي: معرفة خليفته في أرضه والتسليم والانقياد له، والعمل بالشريعة المنطوية تحت جنبه. فهو كتاب الله، وحامل القرآن، بل هو القرآن.
وهنا يُحدّد المؤمن موقفه واختياره لله سبحانه، وهو ليس بالاختيار السهل، فهو يتضمّن الكفر بالطاغوت واختيار الحريّة والعمل لتحقيقها. ومن الطبيعي أنّ الشيطان وعمّاله من الطواغيت الذين يحكمون بالقوّة الغاشمة، لن يتركوا هذه الشرذمة المؤمنة لتتحرر من قبضتهم، وتعمل لنسف مملكتهم الوهمية، بل إنّهم سيمتطون صهوة الباطل حتى يصلوا إلى قعر جهنم. فلن يتركوا سوء القتل والتمثيل والخبث والخسّة والوضاعة لأحد غيرهم. وقديماً قال فرعون (لعنه الله)، عن موسى(ع)، وجماعته المؤمنة: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾([1]). وهدّد السحرة الذين آمنوا بموسى (ع)، فقال لهم فرعون (لعنه الله): ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾([2]).
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون ثمن الحرية عظيماً؛ لأنّها معنى عظيم. ففي الدنيا دماء تسيل وعرق ينضح، وآلام ربما تتعدّى الجسد إلى النفس والروح. وفي الآخرة ثمن الحرية، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إنّه رضا الله سبحانه الواحد القهّار.
وفي خضم هذه الآلام والآمال يبرز النداء من أعماق هذا المؤمن الحر العابد لله، فيعترف أنّه عبد الله، بمعونته وحوله وقوّته سبحانه، وأنّه لا يزال محتاج لهذا العون والمدد (إياك نستعين)، وفي هذه الكلمات شكر واعتراف بفضل الله، إضافة إلى كونها بياناً لفقر العبد وطلبه المعونة من الله سبحانه الغني المطلق.
نحن نعبدك وحدك وبحولك وقوتك، فلم يبق لنا إلاّ أننا اخترنا عبادتك. وإذا كان هذا الاختيار بفضلك وتوفيقك، فهل بقي لنا من الأمر شيء ؟!
وهذا العبد لا يخاف دركاً ولا يخشى، فليلقه نمرود في النار، فإنّها ستكون برداً وسلاماً. وليجيش فرعون جيوشه، فسيبتلعهم بحر القلزم. ولكنّه ليكون عبداً مخلصاً لله حتى آخر لحظة من حياته، فإنّه يحتاج إلى المدد والعون والتوفيق الإلهي.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وكيف لا تكون حاضراً، وأنت أقرب إلى الناس من حبل الوريد ([3]).
في هذه الآية ضمير المخاطب الحاضر الشاهد، وهل يمكن عبادة الغائب، أو طلب العون من الغائب، (أعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك) ([4]).
وما أنا وما وجودي ؟!
وهل قمت بشيء سواك؟!
وهذه الأرض والشمس والقمر .. والنجم والشجر .. والمطر كلها تسبح في هواك.
وتنشد … عميت عين لا تراك.
أمّا الجماعة في: نعبد، ونستعين؛ فلأننا حزب الله؛ ولأننا كالجسد الواحد، يكفي أن يتكلّم واحد منّا باسم كل الجماعة، فنحن قلب واحد، كما أنّ كل فرد في هذه الجماعة الإلهية لا يرى نفسه، بل يرى جماعة تعمل لإعلاء كلمة الله في أرضه.
* * *
تتميمإذا اختار العبد الله سبحانه وتعالى وعبادته، وطاعة خليفته في أرضه، والكفر بالطاغوت، والعمل على إزالة دولته الشيطانية، فعليه أن يتم هذه العبادة والطاعة التي هي أصل لفروع كثيرة، هي العبادات والمعاملات، من صلاة وصيام وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وقبول حكم الله وقوانينه في التجارة والاقتصاد والاجتماع، والحرب والسلم والسياسة عموماً، قال تعالى: ﴿إليهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾([5]).
بل على العبد أن يوصل هذه القوانين الإلهية للناس، ويعمل بكل قواه على تطبيقها وإقرارها في المجتمع الإسلامي، على أقل تقدير. وهكذا تردّد روحه وكل عضو في جسده: إياك نعبد وإياك نستعين. بالاعتقاد الصحيح والعمل الصالح لا باللسان فقط.
ولعل كثيرين يردّدون: (إياك نعبد وإياك نستعين)، ولكن بألسنتهم وهم يعبدون شهواتهم ويستسلمون للطاغوت ويعبدونه، عندما ينصاعون لأوامره ونواهيه وقوانينه الشيطانية التي لم ينزل الله بها من سلطان، وهؤلاء تلعنهم هذه الكلمات الكريمـة: (فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) ([6]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الشعراء : 54 – 55.
[2] – طه : 71.
[3]- إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق :16.
[4]- لاحظ : المحاسن : ج1 ص3، الكافي : ج2 ص68، باب الخوف والرجاء : ح2، ثواب الأعمال :147.
[5]- فاطر : 10.
[6]- بحار الأنوار : ج89 ص185.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾:
عبادة الله هي: معرفة خليفته في أرضه والتسليم والانقياد له، والعمل بالشريعة المنطوية تحت جنبه. فهو كتاب الله، وحامل القرآن، بل هو القرآن.
وهنا يُحدّد المؤمن موقفه واختياره لله سبحانه، وهو ليس بالاختيار السهل، فهو يتضمّن الكفر بالطاغوت واختيار الحريّة والعمل لتحقيقها. ومن الطبيعي أنّ الشيطان وعمّاله من الطواغيت الذين يحكمون بالقوّة الغاشمة، لن يتركوا هذه الشرذمة المؤمنة لتتحرر من قبضتهم، وتعمل لنسف مملكتهم الوهمية، بل إنّهم سيمتطون صهوة الباطل حتى يصلوا إلى قعر جهنم. فلن يتركوا سوء القتل والتمثيل والخبث والخسّة والوضاعة لأحد غيرهم. وقديماً قال فرعون (لعنه الله)، عن موسى(ع)، وجماعته المؤمنة: ﴿إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾([1]). وهدّد السحرة الذين آمنوا بموسى (ع)، فقال لهم فرعون (لعنه الله): ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾([2]).
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون ثمن الحرية عظيماً؛ لأنّها معنى عظيم. ففي الدنيا دماء تسيل وعرق ينضح، وآلام ربما تتعدّى الجسد إلى النفس والروح. وفي الآخرة ثمن الحرية، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إنّه رضا الله سبحانه الواحد القهّار.
وفي خضم هذه الآلام والآمال يبرز النداء من أعماق هذا المؤمن الحر العابد لله، فيعترف أنّه عبد الله، بمعونته وحوله وقوّته سبحانه، وأنّه لا يزال محتاج لهذا العون والمدد (إياك نستعين)، وفي هذه الكلمات شكر واعتراف بفضل الله، إضافة إلى كونها بياناً لفقر العبد وطلبه المعونة من الله سبحانه الغني المطلق.
* * *
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾:نحن نعبدك وحدك وبحولك وقوتك، فلم يبق لنا إلاّ أننا اخترنا عبادتك. وإذا كان هذا الاختيار بفضلك وتوفيقك، فهل بقي لنا من الأمر شيء ؟!
وهذا العبد لا يخاف دركاً ولا يخشى، فليلقه نمرود في النار، فإنّها ستكون برداً وسلاماً. وليجيش فرعون جيوشه، فسيبتلعهم بحر القلزم. ولكنّه ليكون عبداً مخلصاً لله حتى آخر لحظة من حياته، فإنّه يحتاج إلى المدد والعون والتوفيق الإلهي.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وكيف لا تكون حاضراً، وأنت أقرب إلى الناس من حبل الوريد ([3]).
في هذه الآية ضمير المخاطب الحاضر الشاهد، وهل يمكن عبادة الغائب، أو طلب العون من الغائب، (أعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك) ([4]).
وما أنا وما وجودي ؟!
وهل قمت بشيء سواك؟!
وهذه الأرض والشمس والقمر .. والنجم والشجر .. والمطر كلها تسبح في هواك.
وتنشد … عميت عين لا تراك.
أمّا الجماعة في: نعبد، ونستعين؛ فلأننا حزب الله؛ ولأننا كالجسد الواحد، يكفي أن يتكلّم واحد منّا باسم كل الجماعة، فنحن قلب واحد، كما أنّ كل فرد في هذه الجماعة الإلهية لا يرى نفسه، بل يرى جماعة تعمل لإعلاء كلمة الله في أرضه.
* * *
تتميم
بل على العبد أن يوصل هذه القوانين الإلهية للناس، ويعمل بكل قواه على تطبيقها وإقرارها في المجتمع الإسلامي، على أقل تقدير. وهكذا تردّد روحه وكل عضو في جسده: إياك نعبد وإياك نستعين. بالاعتقاد الصحيح والعمل الصالح لا باللسان فقط.
ولعل كثيرين يردّدون: (إياك نعبد وإياك نستعين)، ولكن بألسنتهم وهم يعبدون شهواتهم ويستسلمون للطاغوت ويعبدونه، عندما ينصاعون لأوامره ونواهيه وقوانينه الشيطانية التي لم ينزل الله بها من سلطان، وهؤلاء تلعنهم هذه الكلمات الكريمـة: (فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) ([6]).
الامام احمد الحسن (ع)
شيء من تفسير سورة الفاتحة
الصفحة (16-19)
شيء من تفسير سورة الفاتحة
الصفحة (16-19)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الشعراء : 54 – 55.
[2] – طه : 71.
[3]- إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق :16.
[4]- لاحظ : المحاسن : ج1 ص3، الكافي : ج2 ص68، باب الخوف والرجاء : ح2، ثواب الأعمال :147.
[5]- فاطر : 10.
[6]- بحار الأنوار : ج89 ص185.
Comment