لا شك انك قرات قول الله تعالى عن القرآن: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾([1]) !
ولربما خطر في بالك انت ايضا هذا السؤال : الآية تقول إن الله نزل القرآن لتوضيح كل شيء، وأنا لا أجد كل شيء في القرآن، فإذا القرآن كان موضحاً لكل شيء فأين البكتيريا من القرآن، أو أين القطار من القرآن، أو أين أجد من القرآن مكونات الخشب وهو شيء والقرآن بين كل شيء ؟
لكنك لن تسمع هذا الجواب الا من الذي ورث علم آبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) :
" بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماًَ.
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾([2]).
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾([3]).
قبل أن نبحث في القرآن وكيف يكون تبياناً لكل شيء دنيوي وديني لابد أن تلتفت إلى أن بيان القانون الكلي الذي تندرج تحته جزئيات كثيرة أو حتى قوانين جزئية هو بمثابة بيان لتلك الجزئيات أو القوانين الجزئية، وكمثال على هذا الأمر أقول:
لو قلت (كل شيء لك طاهر حتى يتبين لك أنه نجس بعينه) فهذا قانون شرعي عام تنطوي تحته قوانين كثيرة، منها أن الماء المجهول الحال في الطريق طاهر، وإن الإناء المجهول الحال والملقى على الأرض طاهر، وإن الحصير المجهول الحال الموضوع في قارعة الطريق أو في فناء الدار طاهر، وهكذا يمكنك تفريع قوانين كثيرة عن هذا القانون الكلي.
أيضاً في مجال العلم الجسماني المعروف لو قلت: (لكل فعل ردة فعل) فهذا قانون فيزيائي عام تتفرع عنه قوانين كثيرة جداً، فمن رد الفعل من تصادم الذرات وأجزاءها إلى قوانين الاحتكاك، إلى قوانين الطيران، إلى قوانين كثيرة جداً كلها تقع ضمن هذا القانون العام وهو (لكل فعل ردة فعل).
الآن نعود للقرآن ونقول كيف بيّن القرآن كل شيء ؟ وأين بيّن القرآن كل شيء ؟
ويكون بحثنا في جهتين على الأقل هما جهة الدين وجهة الدنيا،
* أما جهة الدين فقد أعطى القرآن العقيدة التي بها النجاة وهي حاكمية الله ووجود خليفته سبحانه الذي يمتحن به خلقه على هذه الأرض في كل زمان، والدين منطوٍ تحت جناح خليفة الله في كل زمان، فالنجاة في إتباعه والعمل بما يأمر به ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾([4])، كما بيّن القرآن قوانين العبادة الكلية، فالصلاة بيّن أنها قراءة قرآن وركوع وسجود، والصيام بيّن أنه ترك للشهوات في شهر رمضان، وهكذا بيّن القرآن قوانين كلية والباقي فيما يخص العبادات المذكورة يأخذ مما يسنه خليفة الله في أرضه.
* أما فيما يخص الدنيا فالقرآن بيّن مثلاً قانوناً عاماً وهو أن عالم الأجسام كله يعود إلى القوة الأولى التي خلق منها ولا يزال دائماً ومتقوماً بها، ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾([5])، وبالتالي فالقرآن بيّن أن المادة الجسمانية تعود إلى القوة أو الطاقة كما يسمونها فالمادة ما هي إلا تكثف طاقة، وهذا الأمر تبين الآن بعد أكثر من ألف عام من خلال تطبيق نظرية اينشتاين النسبية الخاصة ومن خلال التجارب المختبرية وتحويل المادة إلى طاقة وكذا العكس.
فهذا قانون عام يحكم هذا العالم الجسماني وتندرج تحته قوانين.
إذن فتبيان كل شيء موجود في القرآن سواء كان تبيان هذا العالم الجسماني وما فيه أم تبيان الدين، أما ما ضمنته سؤالك من الأمثلة الجسمانية فهي تندرج كجزئيات ضمن البيان الكلي والعام في القرآن لهذا العالم الجسماني، فبيان القانون الكلي الذي يحكمها وجوداً وبقاءً وتركيباً بياناً لها
فذكر هذه الأمور الجسمانية التي ذكرتها أنت بالتحديد غير موجود في القرآن "
تريد ان تعرف لماذا ؟ اذن اقرا الجواب :
" لأن القرآن ليس كتاب ذكر وإحصاء للموجودات في عوالم الملك والملكوت، وهناك كتاب إحصاء هو غير القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾([6])،
التفت إلى اختلاف هذه الآية عن الآية التي نحن بصددها ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾, فهناك فرق كبير بين إحصاء كل شيء وبين تبيان كل شيء، فتبيان الموجودات في القرآن موجود ضمن البيان العام لعوالم الخلق وحقيقتها، أما عدم إدراك الناس لهذا البيان الكلي فهو ليس لعدمه بل لقصورهم عن الإدراك، وهذا القصور أيضاً هم سببه وإلا فهم يمتلكون في فطرتهم القدرة على إدراك هذا البيان.
المصدر : كتاب الجواب المنير عبر الاثير السؤال 310
ــــــــــــــــــــ
[1]- النحل: 89.
[2]- النحل: 89.
[3]- الرعد: 31.
[4]- البقرة: 30.
[5]- الأنعام: 73.
[6]- يس: 12.
ولربما خطر في بالك انت ايضا هذا السؤال : الآية تقول إن الله نزل القرآن لتوضيح كل شيء، وأنا لا أجد كل شيء في القرآن، فإذا القرآن كان موضحاً لكل شيء فأين البكتيريا من القرآن، أو أين القطار من القرآن، أو أين أجد من القرآن مكونات الخشب وهو شيء والقرآن بين كل شيء ؟
لكنك لن تسمع هذا الجواب الا من الذي ورث علم آبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) :
" بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماًَ.
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾([2]).
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾([3]).
قبل أن نبحث في القرآن وكيف يكون تبياناً لكل شيء دنيوي وديني لابد أن تلتفت إلى أن بيان القانون الكلي الذي تندرج تحته جزئيات كثيرة أو حتى قوانين جزئية هو بمثابة بيان لتلك الجزئيات أو القوانين الجزئية، وكمثال على هذا الأمر أقول:
لو قلت (كل شيء لك طاهر حتى يتبين لك أنه نجس بعينه) فهذا قانون شرعي عام تنطوي تحته قوانين كثيرة، منها أن الماء المجهول الحال في الطريق طاهر، وإن الإناء المجهول الحال والملقى على الأرض طاهر، وإن الحصير المجهول الحال الموضوع في قارعة الطريق أو في فناء الدار طاهر، وهكذا يمكنك تفريع قوانين كثيرة عن هذا القانون الكلي.
أيضاً في مجال العلم الجسماني المعروف لو قلت: (لكل فعل ردة فعل) فهذا قانون فيزيائي عام تتفرع عنه قوانين كثيرة جداً، فمن رد الفعل من تصادم الذرات وأجزاءها إلى قوانين الاحتكاك، إلى قوانين الطيران، إلى قوانين كثيرة جداً كلها تقع ضمن هذا القانون العام وهو (لكل فعل ردة فعل).
الآن نعود للقرآن ونقول كيف بيّن القرآن كل شيء ؟ وأين بيّن القرآن كل شيء ؟
ويكون بحثنا في جهتين على الأقل هما جهة الدين وجهة الدنيا،
* أما جهة الدين فقد أعطى القرآن العقيدة التي بها النجاة وهي حاكمية الله ووجود خليفته سبحانه الذي يمتحن به خلقه على هذه الأرض في كل زمان، والدين منطوٍ تحت جناح خليفة الله في كل زمان، فالنجاة في إتباعه والعمل بما يأمر به ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾([4])، كما بيّن القرآن قوانين العبادة الكلية، فالصلاة بيّن أنها قراءة قرآن وركوع وسجود، والصيام بيّن أنه ترك للشهوات في شهر رمضان، وهكذا بيّن القرآن قوانين كلية والباقي فيما يخص العبادات المذكورة يأخذ مما يسنه خليفة الله في أرضه.
* أما فيما يخص الدنيا فالقرآن بيّن مثلاً قانوناً عاماً وهو أن عالم الأجسام كله يعود إلى القوة الأولى التي خلق منها ولا يزال دائماً ومتقوماً بها، ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾([5])، وبالتالي فالقرآن بيّن أن المادة الجسمانية تعود إلى القوة أو الطاقة كما يسمونها فالمادة ما هي إلا تكثف طاقة، وهذا الأمر تبين الآن بعد أكثر من ألف عام من خلال تطبيق نظرية اينشتاين النسبية الخاصة ومن خلال التجارب المختبرية وتحويل المادة إلى طاقة وكذا العكس.
فهذا قانون عام يحكم هذا العالم الجسماني وتندرج تحته قوانين.
إذن فتبيان كل شيء موجود في القرآن سواء كان تبيان هذا العالم الجسماني وما فيه أم تبيان الدين، أما ما ضمنته سؤالك من الأمثلة الجسمانية فهي تندرج كجزئيات ضمن البيان الكلي والعام في القرآن لهذا العالم الجسماني، فبيان القانون الكلي الذي يحكمها وجوداً وبقاءً وتركيباً بياناً لها
وأرجو أن لا يكون هناك خلط بين الذكر التفصيلي والبيان الذي نحن بصدده
فذكر هذه الأمور الجسمانية التي ذكرتها أنت بالتحديد غير موجود في القرآن "
تريد ان تعرف لماذا ؟ اذن اقرا الجواب :
" لأن القرآن ليس كتاب ذكر وإحصاء للموجودات في عوالم الملك والملكوت، وهناك كتاب إحصاء هو غير القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾([6])،
التفت إلى اختلاف هذه الآية عن الآية التي نحن بصددها ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾, فهناك فرق كبير بين إحصاء كل شيء وبين تبيان كل شيء، فتبيان الموجودات في القرآن موجود ضمن البيان العام لعوالم الخلق وحقيقتها، أما عدم إدراك الناس لهذا البيان الكلي فهو ليس لعدمه بل لقصورهم عن الإدراك، وهذا القصور أيضاً هم سببه وإلا فهم يمتلكون في فطرتهم القدرة على إدراك هذا البيان.
المصدر : كتاب الجواب المنير عبر الاثير السؤال 310
ــــــــــــــــــــ
[1]- النحل: 89.
[2]- النحل: 89.
[3]- الرعد: 31.
[4]- البقرة: 30.
[5]- الأنعام: 73.
[6]- يس: 12.
Comment