هل القواعد النحوية من لوازم العصمة؟!
- بقلم الأستاذ زكي الصبيحاوي من على صفحته الشخصية على الفيسبوك -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
السلام عليكم اخوتي مرتادي هذه الصفحة ورحمة الله وبركاته
وعظم الله أجوركم بمصابنا بأبي الأحرار وسيد الشهداء الإمام الحسين(ص)
القسم الأول:
بعدما أسقط الإمام أحمد الحسن(ص) كل ما في ايدي الفقهاء غير العاملين، لم يجد أولئك بداً من إغراء أنصاف المتعلمين والسواد الأعظم من الناس ممن لم تسفعه الأيام على الاطلاع والبحث والقراءة، فراحوا يدفعونهم ويقطعون عليهم طريق الحق والبحث فيه من خلال إثارة شبهة (تجاوز القواعد النحوية) وكون هذا التجاوز يعد (لحنا) وهذا (اللحن) ينفي العصمة عمن يدعيها!!!
وقبل الشروع في بيان المغالطة الواضحة في هذه الشبهة، أوضح لماذا قلت تجاوزا للقواعد وليس لحنا، وهل هناك فارق بين المسميين؟؟ الجواب: نعم هناك فارق، وفارق كبير؛ فمن يتجاوز القواعد النحوية يكون عارفا بعجزها وكاشفا لها كونها قواعد وضعية من وضع البشر الذين لم يبلغوا مرحلة الكمال، بل واضعوا النحو وقواعده جمع من الناس يصيبون ويخطئون، وليسوا هم أناس معصومون، ولذا فتلك القواعد قد تنفع في تعليم النشأ، والذين يجهلون العربية ممن العربية ليست لسانهم الأصل، أما أن تكون هذه القواعد حاكمة على من هو حجة من حجج الله سبحانه، فهذا لا يقول به عاقل؛ فلا تكون القواعد الموضوعة بعقل ناقص حاكمة على ما يصدر عن العقل الكامل، وهذا القول لا يختلف فيه العقلاء.
أما اللحن فهو ممكن أن يقع ممن هو طارئ على اللغة وليس من أهلها، بل هو متعلم لها ويحتاج الى منظومة أولية تعينه على الدخول الى عالمها، فهذا ما يصدر منه من خطأ استنادا الى جهله وقلة معرفته باللغة ومزاجها يصدق عليه الوصف بـ(اللحن)، ومن يرجع إلى دواعي وضع النحو وقواعده فسيجد أن من أكبر المبررات هو هذا المبرر؛ دخول أقوام من غير العرب إلى الإسلام وإشكالية تعبدهم باللغة العربية، فوصف اللحن يصدق على من هو ليس عربي اللسان، وتكلم بالعربية متعلما، أما أن يوصف باللحن من هو من أهلها فهذا ما لا يحكم به عاقل، ولقد ذكر لنا التاريخ افتضاح كل من حاول محاسبة العرب ولسانهم بالقواعد النحوية، وما ورد من مساجلات بين الشاعر الفرزدق، والنحوي عبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي لهو من المشهورات، عندما طعن الحضرمي على الفرزدق في قوله:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ** من المال إلا مسحتا أو مجلفُ
اعترض الحضرمي مستنكرا : علام رفعت مجلف؟! فجاءه جواب الفرزدق صفعة مدوية : على ما يسوءك وينوءك علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا.
وحوادث أخرى كثيرة في هذا السياق تكشف عن عجز القواعد النحوية وقصورها في بلوغ مراد المتكلم العربي، فهي إن كان لها مكان فيصلح أن يكون مكانها الجانب التعليمي الابتدائي لمن هو ليس من أهل العربية، أما أن تكون حاكما على العربي ملزمة له فهذا ما لم تقره وقائع كثيرة أوردها التاريخ، ومعارك النحاة مع النصوص وقائليها من العرب خير شاهد ودليل.
ولعل في هذا الجزء من الموضوع صار واضحا للقارئ غير المطلع أن إطلاق وصف (اللحن) على كل قول يعاند قواعد النحو ولا يلتزم بها هو مجازفة كبيرة، ولعل أوضح مصاديق هذه المجازفة هو ما وقع صريحا في القرآن في آيات متعددة معاندة صريحة وواضحة للقواعد من مثل قوله تعالى{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة/124)، فبحسب قواعدهم كان ينبغي أن تكون العبارة (لا ينال عهدي الظالمون) بالرفع ولكنها جاءت بالنصب، فهل في شرعتهم يجوز نصب الفاعل؟؟ أو تراهم يخطئون النص القرآني؟!
وآيات أخرى لست بوارد استقصائها اجتهد النحاة فيها وبادروا إلى التأويل والتقدير، والبحث عن سبل للخلاص من هذا المأزق، وكل تأويلاتهم وتقديراتهم كشفت بصورة واضحة أن القواعد النحوية عاجزة عن الإحاطة بمقاصد الكلام، ولا يمكنها أن تكون حاكمة عليه، بل هي محكومة به، ولذلك ترى النحاة يجتهدون في إيجاد المخارج لما يجدونه صادما لقواعدهم الموضوعة.
إذن لنتفق بعد هذا التوضيح أن وصف اللحن يصدق على الأعجمي الذي هو حديث عهد بالتعلم للعربية، ولا يطلق هذا الوصف على من العربية لسانه الأصل وليس لديه لسان غيرها، ولذلك ما يقع من مثل من لسانه العربية صادما للقواعد النحوية لابد له من وجه ينصرف إليه، هذا مع من لسانه العربية، فما بالك إذا كان صاحب هذا اللسان هو حجة من حجج الله وخليفة من خلفائه؟؟!!
ولعل في هذا النص الآتي ما يكشف بجلاء ما قدمت، حيث ورد عن : [الكلابي ، عن أبي الحسن علي بن بلال وأبو يحيى النعماني ، قالا : ورد كتاب من أبي محمد عليه السلام ونحن حضور عند أبي طاهر بن بلال ، فنظرنا فيه ، فقال النعماني : فيه لحن ، أو يكون النحو باطلا ، وكان هذا بسر من رآى ، فنحن في ذلك إذ جاءنا توقيعه: " ما بال قوم يلحنوننا ، وإن الكلمة نتكلم بها تنصرف على سبعين وجها ، فيها كلها المخرج منها والمحجة ".]( إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب، لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي(ت 346هـ): ص267)، والجواب هنا للإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ص).
يتبع إن شاء الله
والحمد لله وحده وحده وحده.
- بقلم الأستاذ زكي الصبيحاوي من على صفحته الشخصية على الفيسبوك -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
السلام عليكم اخوتي مرتادي هذه الصفحة ورحمة الله وبركاته
وعظم الله أجوركم بمصابنا بأبي الأحرار وسيد الشهداء الإمام الحسين(ص)
القسم الأول:
بعدما أسقط الإمام أحمد الحسن(ص) كل ما في ايدي الفقهاء غير العاملين، لم يجد أولئك بداً من إغراء أنصاف المتعلمين والسواد الأعظم من الناس ممن لم تسفعه الأيام على الاطلاع والبحث والقراءة، فراحوا يدفعونهم ويقطعون عليهم طريق الحق والبحث فيه من خلال إثارة شبهة (تجاوز القواعد النحوية) وكون هذا التجاوز يعد (لحنا) وهذا (اللحن) ينفي العصمة عمن يدعيها!!!
وقبل الشروع في بيان المغالطة الواضحة في هذه الشبهة، أوضح لماذا قلت تجاوزا للقواعد وليس لحنا، وهل هناك فارق بين المسميين؟؟ الجواب: نعم هناك فارق، وفارق كبير؛ فمن يتجاوز القواعد النحوية يكون عارفا بعجزها وكاشفا لها كونها قواعد وضعية من وضع البشر الذين لم يبلغوا مرحلة الكمال، بل واضعوا النحو وقواعده جمع من الناس يصيبون ويخطئون، وليسوا هم أناس معصومون، ولذا فتلك القواعد قد تنفع في تعليم النشأ، والذين يجهلون العربية ممن العربية ليست لسانهم الأصل، أما أن تكون هذه القواعد حاكمة على من هو حجة من حجج الله سبحانه، فهذا لا يقول به عاقل؛ فلا تكون القواعد الموضوعة بعقل ناقص حاكمة على ما يصدر عن العقل الكامل، وهذا القول لا يختلف فيه العقلاء.
أما اللحن فهو ممكن أن يقع ممن هو طارئ على اللغة وليس من أهلها، بل هو متعلم لها ويحتاج الى منظومة أولية تعينه على الدخول الى عالمها، فهذا ما يصدر منه من خطأ استنادا الى جهله وقلة معرفته باللغة ومزاجها يصدق عليه الوصف بـ(اللحن)، ومن يرجع إلى دواعي وضع النحو وقواعده فسيجد أن من أكبر المبررات هو هذا المبرر؛ دخول أقوام من غير العرب إلى الإسلام وإشكالية تعبدهم باللغة العربية، فوصف اللحن يصدق على من هو ليس عربي اللسان، وتكلم بالعربية متعلما، أما أن يوصف باللحن من هو من أهلها فهذا ما لا يحكم به عاقل، ولقد ذكر لنا التاريخ افتضاح كل من حاول محاسبة العرب ولسانهم بالقواعد النحوية، وما ورد من مساجلات بين الشاعر الفرزدق، والنحوي عبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي لهو من المشهورات، عندما طعن الحضرمي على الفرزدق في قوله:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ** من المال إلا مسحتا أو مجلفُ
اعترض الحضرمي مستنكرا : علام رفعت مجلف؟! فجاءه جواب الفرزدق صفعة مدوية : على ما يسوءك وينوءك علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا.
وحوادث أخرى كثيرة في هذا السياق تكشف عن عجز القواعد النحوية وقصورها في بلوغ مراد المتكلم العربي، فهي إن كان لها مكان فيصلح أن يكون مكانها الجانب التعليمي الابتدائي لمن هو ليس من أهل العربية، أما أن تكون حاكما على العربي ملزمة له فهذا ما لم تقره وقائع كثيرة أوردها التاريخ، ومعارك النحاة مع النصوص وقائليها من العرب خير شاهد ودليل.
ولعل في هذا الجزء من الموضوع صار واضحا للقارئ غير المطلع أن إطلاق وصف (اللحن) على كل قول يعاند قواعد النحو ولا يلتزم بها هو مجازفة كبيرة، ولعل أوضح مصاديق هذه المجازفة هو ما وقع صريحا في القرآن في آيات متعددة معاندة صريحة وواضحة للقواعد من مثل قوله تعالى{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة/124)، فبحسب قواعدهم كان ينبغي أن تكون العبارة (لا ينال عهدي الظالمون) بالرفع ولكنها جاءت بالنصب، فهل في شرعتهم يجوز نصب الفاعل؟؟ أو تراهم يخطئون النص القرآني؟!
وآيات أخرى لست بوارد استقصائها اجتهد النحاة فيها وبادروا إلى التأويل والتقدير، والبحث عن سبل للخلاص من هذا المأزق، وكل تأويلاتهم وتقديراتهم كشفت بصورة واضحة أن القواعد النحوية عاجزة عن الإحاطة بمقاصد الكلام، ولا يمكنها أن تكون حاكمة عليه، بل هي محكومة به، ولذلك ترى النحاة يجتهدون في إيجاد المخارج لما يجدونه صادما لقواعدهم الموضوعة.
إذن لنتفق بعد هذا التوضيح أن وصف اللحن يصدق على الأعجمي الذي هو حديث عهد بالتعلم للعربية، ولا يطلق هذا الوصف على من العربية لسانه الأصل وليس لديه لسان غيرها، ولذلك ما يقع من مثل من لسانه العربية صادما للقواعد النحوية لابد له من وجه ينصرف إليه، هذا مع من لسانه العربية، فما بالك إذا كان صاحب هذا اللسان هو حجة من حجج الله وخليفة من خلفائه؟؟!!
ولعل في هذا النص الآتي ما يكشف بجلاء ما قدمت، حيث ورد عن : [الكلابي ، عن أبي الحسن علي بن بلال وأبو يحيى النعماني ، قالا : ورد كتاب من أبي محمد عليه السلام ونحن حضور عند أبي طاهر بن بلال ، فنظرنا فيه ، فقال النعماني : فيه لحن ، أو يكون النحو باطلا ، وكان هذا بسر من رآى ، فنحن في ذلك إذ جاءنا توقيعه: " ما بال قوم يلحنوننا ، وإن الكلمة نتكلم بها تنصرف على سبعين وجها ، فيها كلها المخرج منها والمحجة ".]( إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب، لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي(ت 346هـ): ص267)، والجواب هنا للإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ص).
يتبع إن شاء الله
والحمد لله وحده وحده وحده.
Comment