إلقام ممطورة حيدر مشتت حجراً
رداً على إمعات دجال ميسان حيدر مشتت في كتابهم الموسوم (الرد المبين)
عبدالرزاق هاشم
الحلقة الاولى
بعد أن جرب أعداء الدعوة الكثير من السبل، وبعد أن أعيتهم الحيلة، ها هم يشدون على ظهور إمعات مشتت سروجاً ليركبوها، فما أتعس الراكب والمركوب.
ولكي يتعرف الأخوة القراء على حيدر مشتت وجماعته، أقول: كان حيدر مشتت ممن أظهر الإيمان بالدعوة اليمانية المباركة برهة من الزمن وكان ينشط في التبليع لها، تشهد على ذلك البيانات التي كان يوقعها باسمه، ثم ما لبث أن ظهرت عليه حسيكة النفاق، فأظهر معدنه بادعاء أنه اليماني، بعد أن تخلى عن اسم (حيدر مشتت)، وانتحل لنفسه اسم (السيد أبو عبد الله الحسين القحطاني)، وجمع لنفسه بعض الأتباع. وفي سنة 2006 كتب أوراقاً بائسة في صحيفته (القائم) ردها عليه الشيخ ناظم العقيلي في كتاب (سامري عصر الظهور)، مظهراً فساد عقل مشتت. وكان جهل مشتت قد قاده بعد مدة يسيرة من كتابة وريقاته البائسة إلى مباهلة السيد أحمد الحسن عليه السلام، وكتابة هذه المباهلة في جريدته، ولم يمهله الله عز وجل سوى أيام قليلة، هلك بعدها.
أما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم تلامذته فهم مجموعة صغيرة من الجهلة لم يجدوا – بعد هلاك طاغيتهم، وانفضاض من كان معهم على ضلالتهم – سوى أن يتنازعوا فيما بينهم، إذ من البديهي إن هلاكه أثبت سخف قضيتهم، فاليماني يقاتل السفياني وله دور طويل عريض، وها هو مشتتهم يهلك دون أن يفعل شيئاً، أي شيء. فبعضهم – وهم الجماعة التي تروج لتفاهاتها من خلال منتديات (مهدي آل محمد) – ابتدعوا مقولة إن مشتت شبيه لعيسى عليه السلام وقد رفعه الله ولم يُقتل، ولكن شبه للناس ولتلامذته حتى أنه قُتل! وستكون له رجعة يمارس فيها وظيفته التي لم يفلح في ممارستها إبان حياته التافهة! ولا أدري حقاً كيف ذهبت عقولهم لمثل هذه الفكرة الواهنة باعتبار أن مشتت نفسه لم يقل لهم مثل هذا الأمر، وكذلك لم يخبرهم إمام مثلاً! وهذه الجماعة هي التي كتبت هذا الغثاء الذي اسمته (الرد المبين).
أما بعضهم الآخر – وهم الجماعة التي تكتب في منتديات (كهف المستضعفين) – فقد قالوا بأن مشتت قد هلك، وإن رسالتهم اليوم تتمثل بنشر فكره المزعوم.
-1-
المقدمة التضليلية التقليدية:
كل معاندي دعوة الحق اليمانية كانوا يفتتحون صفحاتهم الصفراء بمقدمة يذكرون فيها الدعوات الباطلة التي عرفها التأريخ الإسلامي عموماً، وتأريخ التشيع على نحو الخصوص. والعجيب إن أحد من هؤلاء مثلاً لم يذكر، ولا حتى خطر في باله على ما يبدو أن يذكر الكثير جداً من الدعوات المحقة التي واجهها المستكبرون بالتكذيب، والزعم بأنها دعوة أخرى ضالة كشأن الدعوات الضالة التي عُرفت من قبل!!
طبعاً مثل هذه المقدمات يُقصد منها شيء واحد لا غير وهو التأثير النفسي على القارئ، عبر إثارة الهواجس والتوجسات في نفسه لمنعه بالنتيجة من محاولة البحث والتعرف على الدعوة. أي إن هؤلاء الذين يكتبون بهذه الطريقة يحاولون استحمار القارئ، فيخاطبون غرائزه، ويستثيرون الخوف المتسوطن في لا وعيه، وبالنتيجة هم لا يخاطبون وعيه ولا يحترمون عقله، بل يظنونه كما يصرحون بألسنتهم جاهلاً عليه أن يعطل عقله وينتظر أن تأتيه الكلمة منهم ليتحرك ويبني مواقفه، ويحدد مصيره الدنيوي والأخروي على وفقها، ويا لها من كلمة كم تتأخر، وقد لا تأتي!
الفضل ما شهدت به الأعداء:
يذكر هؤلاء الإمعات في مقدمتهم ما يلي: ((ونحب ان نشير قبل الدخول في صلب هذه القضية الى امر مهم ... ان هذا المدعي قد تم الرد عليه من قبل عدد من العلماء والباحثين والمفكرين محاولين بذلك نقض ادعاءه وتكذيب دعوته ولكنهم للأسف الشديد لم يوفقوا في اثبات قولهم بالدليل القاطع والبرهان الناصع، والسبب في ذلك يعود الى عدم احاطتهم بقضية الامام المهدي (ع) ومحاورها ومفاصلها وما يتعلق بها فكانت تلك الردود سببا في شك بعض الناس ووقوع البعض الاخر في حبائل هذا الدجال وتربص الباقون ليعرفوا حقيقة هذا الامر)).
وهذا اعتراف منهم في أن جميع من زعم أنه يرد على الدعوة اليمانية لم يفعل سوى أن أوهى قرنه، كما قال الشاعر:
(كناطحِ صخرةٍ يوماً ليُوهِنُها فلم يَضُرْها، وأوهى قَرنَه الوعِلُ)
ولكن هؤلاء الإمعات ليس همهم الإعتراف بالحق بطبيعة حالهم المتردي، لذلك شفعوا اعترافهم بقولهم: ((الى ان انبرى السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني للرد))! وكلامهم بقدر ما يثير السخرية باعتبار ما كتبه سامريهم لا يستحق أن نطلق عليه حتى وصف (خوار)، وقد رده كما سلف القول الشيخ ناظم في كتبه (سامري عصر الظهور)، أقول كلامهم بقدر ما يثير السخرية بقدر ما يكشف عن عقولهم التي أفسدتها الأحقاد والضغائن. فهم بعد أن زعموا أن عجلهم رد على أدلة الدعوة اليمانية، كان ينبغي أن يكتفوا بما كتبه، خاصة وهم يزعمون بأن مشتتهم (نسف جميع ادلة هذا المدعي – يقصدون السيد أحمد الحسن عليه السلام – واثبت بطلانها) كما يعبرون!
إذن معاودتهم الكتابة يدل على أنهم لا يشعرون بكفاية ما كتبه سامريهم، ولا يجديهم نفعاً محاولتهم ترقيع فتقهم، بل فضيحتهم، بالقول: (فما كان من ذلك المدعي إلا ان قام بالبحث عن ادلة جديدة تارة، وتارة يقوم بمحاولة تغيير معنى كلامه الى معنى ثان ليستغفل بذلك عقول البسطاء من الناس، فآلينا على انفسنا نحن تلامذة السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني ان نتمم الطريق الذي سار فيه سيدنا). لأن شيئاً من هذا لم يحصل كما يعرف الجميع، فأدلتنا هي هي لم تتغير، وهم على أي حال لم يقدموا ولو مثالاً واحداً على تغيير حصل، أو دليل استُحدث. وإذا كانوا يحاولون الاشارة إلى أنهم سيناقشون مطالب لم يناقشها سامريهم، فهذا لا يعني ما زعموا من أن ثمة أدلة تم استحداثها، بل يعني بالضبط أن سامريهم كان فاشلاً فانتقى بعضاً مما نستدل به وترك الآخر، بل بالأحرى تعمد ترك الأهم وركز على رواية هنا، وكلمة هناك على طريقة المتصيدين، ولم يعلق بصنارته سوى خيش متعفن!
نقوضهم الواهنة على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله:
من جملة ما قدموه من نقوض على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله، قولهم:
((إن هذه الوصية باعتبار انها وردت في مصادر عديدة ووردت عن رسول الله والإمام علي عليهما صلوات ربي ومرت بالأئمة وأصحابهم فلا يمكن ان يكون احد الأئمة او اصحابهم غير عارف بمحتواها)).
وقد بنوا على هذه الفكرة المغلوطة – كما سيتضح – نتيجة مغلوطة بالضرورة، عبروا عنها بقولهم:
((فلو كان هذا النص او الوصية صحيحة الصدور عن النبي واهل البيت عليهم السلام فلماذا اُختلف في الائمة من قبل خواص الشيعة لا بل من قبل ابناء الأئمة فقد حدث بعد استشهاد الامام الحسين (ع) ان ادعى محمد بن الحنفية الامامة لنفسه ونازع الامام زين العابدين)).
والحق إنه لا دليل على الإطلاق على أن أصحاب الأئمة أو أبناؤهم كانوا يعرفون كل ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله، بل أن كثيراً جداً من الروايات قد دلت على الخلاف، ومن بين هذه الروايات نفس الرواية التي استدل بها إمعات مشتت، وهي التالية:
((عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قتل الحسين عليه السلام أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليهما السلام فخلا به فقال له: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم إلى الحسن عليه السلام، ثم إلى الحسين عليه السلام وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلي على روحه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي عليه السلام في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجني، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين عليه السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك قال أبو جعفر عليه السلام : وكان الكلام بينهما بمكة ، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك، قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والامام بعد الحسين بن علي عليه السلام؟ قال: فتحرك الحجر حتى كاد ان يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين ابن علي عليهما السلام إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين عليه السلام)) [الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 348].
من الواضح أن محمد بن الحنفية رحمه الله لم يكن يعرف بأمر الوصية، وعدم معرفته لا تعني عدم وجود الوصية كما يفهم إمعات مشتت، بل نفس الرواية تدل على وجود الوصية التي يجهلها، ففي الرواية: ((إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين عليه السلام)).
ومنها ما أخرجه ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب - ج 1 - ص 223 عن أبي مالك الأحمسي: ((قال زيد بن علي لصاحب الطاق: انك تزعم أن في آل محمد إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه؟ قال: نعم وكان أبوك أحدهم، قال: ويحك فما كان يمنعه من أن يقول لي فوالله إن كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول المضغة فيبردها ثم يلقمنيها افتراه انه كان يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق علي من حر النار فيقول لي: إذا أنا مت فاسمع وأطع لأخيك محمد الباقر ابني فإنه الحجة عليك، ولا يدعني أموت ميتة جاهلية، فقال: كره أن يقول لك فتكفر فيجب من الله عليك الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة فتركك مرجيا لله فيك المشيئة وله فيك الشفاعة، ثم قال: أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء، قال: يقول يعقوب ليوسف (لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا) لِمَ لمْ يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم وكذا أبوك كتمك لأنه خاف منك على محمد ان هو أخبرك بموضعه من قلبه وبما خصه الله به فتكيد له كيدا كما خاف يعقوب على يوسف من اخوته. فبلغ الصادق (ع) مقاله فقال: والله ما خاف غيره)).
فزيد بن علي كان لا يعرف أن أباه وأخاه أئمة منصبين من الله حتى ذكر له مؤمن الطاق ذلك. والروايات الدالة على هذه الحقيقة كثيرة جداً، ويكفي أن أذكّر القراء بحادثة فتنة الواقفية وغيرها التي تدل على أن أكثر الناس، وبعضهم مقربون جداً من الأئمة لم يكونوا يعرفون الأئمة عليهم السلام. وبطبيعة الحال إن عدم معرفة بعض الأصحاب والأبناء، لا تعني أن غيرهم لا يعرفون، ولا تعني – وهو المهم – عدم وجود النص الدال على هذه الحقيقة، فعدم المعرفة تعني عدم المعرفة فقط لا غير، ولا يمكن إلا لمعتوه أن يزعم أن معرفة الناس بشيء يعني عدم وجوده! فهل عدم معرفة القدماء ببعض الكواكب يعني عدم وجوده؟
والحق إن مقالة إمعات مشتت هذه تنطوي على خطورة بالغة، وتفضح بالحقيقة سريرتهم المنحرفة عن ثوابت التشيع، بل ثوابت دين الله.
إمعات مشتت على خطى أحمد الكاتب والوهابيين:
يردد إمعات مشتت الشبهات ذاتها التي يجأر بها الوهابيون، فيكتبون ما يلي:
((إن كانت الوصية التي اشار اليها احمد الحسن صحيحة فهل غفل عنها ابن علي بن ابي طالب محمد بن الحنفية ، وإذا كانت تلك الوصية موجودة فعلا عند الأئمة فلماذا لم يقل الامام السجاد بأنه منصوص عليه بوصية النبي او ذكّر محمد بن الحنفية بها؟ بل قال: (إن ابي عليه السلام يا عم اوصى الي في ذلك قبل ان يتوجه الى العراق، وعهد الي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة) فالإمام لا يوصي لمن بعده إلا في يوم وفاته او قبل موته او استشهاده)).
وكتبوا كذلك:
((ورد عن علي بن الحكم عن أبيه عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته وطلبت وقضيت إليه ان يجعل هذا الامر إلى إسماعيل فأبى الله إلا ان يجعله لأبي الحسن موسى ع)( - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - ص 492).
وعن الامام الصادق عليه السلام حيث قال : (ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني) ( - توحيد الصدوق ص336).
ان هذا النص يشير الى مسالة تولي الامامة بعد الامام الصادق (ع) وقد اختلف الشيعة في ذلك الزمان حول من يخلف الامام الصادق (ع) فشذت طائفة من الشيعة في ذلك الوقت وتصوروا بان الامامة في اسماعيل وأصبح لديهم فرقة كاملة تسمى الفرقة الاسماعيلية فلماذا لم يكون الامر جليا عندهم في معرفة الامام اليس ما صرحت به الوصية بأسماء الائمة يكفي لعدم وقوع الاشتباه في الائمة ومن هو الامام الحق وها هو الإمام الصادق يسأل الله تعالى ويطلب منه ان يكون الأمر لإسماعيل من بعده . فاذا كانت الوصية صحيحة ومعترف بها اصلا فلماذا لم يعمل بها احد؟
نأخذ حادثة اخرى تثبت بطلان الوصية التي جاءنا بها احمد الحسن وهو ما حصل مع السيد محمد بن علي الهادي (ع) وما حصل من امره فقد ورد عن محمد بن يحيى قال:
(دخلت على ابي الحسن علي الهادي (ع) بعد وفاة ابنه محمد فعزيته عنه وابنه ابي محمد عليه السلام جالس فبكى ابو محمد فقال له ابوه ان الله قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله) الكافي ج1 ص327)).
وكتبوا أيضاً:
((ولم يقتصر الامر على ما ذكرنا فقد كثر الخلاف في مسالة تنصيب الامامة في زمن كل امام وخرجت الفرق المعتقدة اعتقادا خاطئا منحرفا فأين كانت هذه الوصية عن الشيعة حتى اصبحت هناك العشرات من الطوائف والفرق الشيعية المنحرفة. لذلك اقول إن هذه الوصية التي استشهد بها احمد الحسن على صحة ادعاءه لم تصدر عن النبي (ص) ولم يعمل بها أي إمام من الائمة ولم يعمل بها أي شخص من الشيعة على مر الزمان فلماذا نعمل نحن بها وكيف اصبحت دليلا على احقية هذا المدعي)).
وللجواب على هذه الشبهات، أسطر النقاط التالية:
1- الوصية هي النص، وهو العمود الفقري الذي قام عليه الدين الإلهي، وهو ما ميز شيعة أهل البيت عليهم السلام عن سواهم، فالشيعة هم القائلون بأن هناك نصاً على الأئمة أو الحجج بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا النص إلهي، فالله وحده هو من ينصب القادة، وهو من يعينهم باسمائهم وصفاتهم لرسوله صلى الله عليه وآله الذي ينقلها لخليفته، وخليفته ينقلها لخليفته، وهكذا دواليك. فإنكار إمعات مشتت للنص أو الوصية يموضعهم مع الوهابية في خانة واحدة.
2- لعل بعضكم قرأ ما كتبه المنحرف الضال أحمد الكاتب، والوهابيون، وكلامهم نفس كلام إمعات مشتت بالضبط. فأولئك وهؤلاء يقصدون المعنى ذاته، محاولة نفي وجود نصوص دلت على الأئمة الإثني عشر وذكرتهم بالاسم، بذريعة أن هذه النصوص لو كانت موجودة لعلم بها الناس في ذلك الزمان، أو لعملوا بها. بل إن الوهابيين والضال الكاتب أهون شراً من هؤلاء المشتتين (نسبة إلى سامريهم مشتت)، باعتبار أن أولئك وإن كانوا يتذرعون بهذه الشبهة والواهية إلا أنهم يقرون بوجود روايات ذكرت أسماء الأئمة عليهم السلام، لكنهم يطعنون في أسنادها، ويزعمون أن علماء الشيعة قد لفقوها، بينما إمعات مشتت ينكرون وجود هذه الروايات تماماً.
بطبيعة الحال يعلم العقلاء أن العلم بوجود أو عدم وجود النصوص يتحصل من خلال التوجه للكتب الحديثية، فإذا ما ثبت وجود النصوص فيها تكون مسألة الوجود قد حُسمت تماماً، ولا يضرها جهل أو علم بعض أو أكثر الناس بها. ويتأكد الأمر أكثر إذا ما وضعنا بالاعتبار ظروف الزمن المعقدة الذي عاشها الأئمة، وأصحابهم، وعدم وجود وسائل لايصال المعلومات كالتي في زمننا، وغيرها الكثير.
3- وصية الإمام الحسين عليه السلام لابنه السجاد عليه السلام لا تعني عدم وجود وصية من رسول الله صلى الله عليه وآله، بل بالأحرى تؤكدها. فالوصية التي نصت على أن الإمام السجاد عليه السلام يخلف أباه الإمام الحسين عليه السلام، أكدتها وصية الإمام الحسين.
وهذا المعنى وردت فيه روايات من قبيل ما ورد في الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 278:
((عن عمرو بن الأشعث قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله لرجل فرجل حتى ينتهي الامر إلى صاحبه)).
وفيه كذلك - ج 1 - ص 278:
((عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين، ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده)).
4- مسألة البداء التي ورد في الروايات إنها وقعت لبعض الأئمة لا تعارض النص أو الوصية الموجودة مسبقاً، فالبداء يعني أن الناس وليس الإمام – مثلا – كانوا يظنون أن فلاناً هو الإمام ثم ظهر لهم الخلاف.
أما قول الإمام: (سألته وطلبت وقضيت إليه ان يجعل هذا الامر إلى إسماعيل فأبى الله إلا ان يجعله لأبي الحسن موسى ع)، فالكلام فيه يطول، ولكن اختصر بالقول أنه خبر آحاد متشابه، فالمسؤول والمطلوب منه غير محدد بدقة، ثم إنه معارض بالروايات المتقدمة وغيرها الكثير التي دلت على وجود النص، وهو أخيراً ممكن الحمل على التقية.
5- أما قولهم: (ولم يعمل بها أي إمام من الائمة ولم يعمل بها أي شخص من الشيعة على مر الزمان)، فهو جهل يليق بإمعات فاسدي العقل، والإ فالنص والقول بأن الأئمة منصبون من الله وعلى لسان النبي صلى الله عليه وآله هو أس التشيع وأساسه، فكيف لم يعمل به الشيعة؟
ثم أين مشتت وإمعاته عن احتجاج علي عليه السلام على طلحة الوارد في كتاب سليم بن قيس، فقد احتج عليه بوصية ليلة الوفاة نفسها؟ ففي كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - ص 211، قال علي عليه السلام لطلحة: ((يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال: ( إن نبي الله يهجر ) فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تركها ؟ قال : بلى ، قد شهدت ذاك . قال : فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة . فأخبره جبرائيل : ( أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة ) ، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط : سلمان وأبا ذر والمقداد ، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة . فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين - )).
يتبع...
رداً على إمعات دجال ميسان حيدر مشتت في كتابهم الموسوم (الرد المبين)
عبدالرزاق هاشم
الحلقة الاولى
بعد أن جرب أعداء الدعوة الكثير من السبل، وبعد أن أعيتهم الحيلة، ها هم يشدون على ظهور إمعات مشتت سروجاً ليركبوها، فما أتعس الراكب والمركوب.
ولكي يتعرف الأخوة القراء على حيدر مشتت وجماعته، أقول: كان حيدر مشتت ممن أظهر الإيمان بالدعوة اليمانية المباركة برهة من الزمن وكان ينشط في التبليع لها، تشهد على ذلك البيانات التي كان يوقعها باسمه، ثم ما لبث أن ظهرت عليه حسيكة النفاق، فأظهر معدنه بادعاء أنه اليماني، بعد أن تخلى عن اسم (حيدر مشتت)، وانتحل لنفسه اسم (السيد أبو عبد الله الحسين القحطاني)، وجمع لنفسه بعض الأتباع. وفي سنة 2006 كتب أوراقاً بائسة في صحيفته (القائم) ردها عليه الشيخ ناظم العقيلي في كتاب (سامري عصر الظهور)، مظهراً فساد عقل مشتت. وكان جهل مشتت قد قاده بعد مدة يسيرة من كتابة وريقاته البائسة إلى مباهلة السيد أحمد الحسن عليه السلام، وكتابة هذه المباهلة في جريدته، ولم يمهله الله عز وجل سوى أيام قليلة، هلك بعدها.
أما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم تلامذته فهم مجموعة صغيرة من الجهلة لم يجدوا – بعد هلاك طاغيتهم، وانفضاض من كان معهم على ضلالتهم – سوى أن يتنازعوا فيما بينهم، إذ من البديهي إن هلاكه أثبت سخف قضيتهم، فاليماني يقاتل السفياني وله دور طويل عريض، وها هو مشتتهم يهلك دون أن يفعل شيئاً، أي شيء. فبعضهم – وهم الجماعة التي تروج لتفاهاتها من خلال منتديات (مهدي آل محمد) – ابتدعوا مقولة إن مشتت شبيه لعيسى عليه السلام وقد رفعه الله ولم يُقتل، ولكن شبه للناس ولتلامذته حتى أنه قُتل! وستكون له رجعة يمارس فيها وظيفته التي لم يفلح في ممارستها إبان حياته التافهة! ولا أدري حقاً كيف ذهبت عقولهم لمثل هذه الفكرة الواهنة باعتبار أن مشتت نفسه لم يقل لهم مثل هذا الأمر، وكذلك لم يخبرهم إمام مثلاً! وهذه الجماعة هي التي كتبت هذا الغثاء الذي اسمته (الرد المبين).
أما بعضهم الآخر – وهم الجماعة التي تكتب في منتديات (كهف المستضعفين) – فقد قالوا بأن مشتت قد هلك، وإن رسالتهم اليوم تتمثل بنشر فكره المزعوم.
-1-
المقدمة التضليلية التقليدية:
كل معاندي دعوة الحق اليمانية كانوا يفتتحون صفحاتهم الصفراء بمقدمة يذكرون فيها الدعوات الباطلة التي عرفها التأريخ الإسلامي عموماً، وتأريخ التشيع على نحو الخصوص. والعجيب إن أحد من هؤلاء مثلاً لم يذكر، ولا حتى خطر في باله على ما يبدو أن يذكر الكثير جداً من الدعوات المحقة التي واجهها المستكبرون بالتكذيب، والزعم بأنها دعوة أخرى ضالة كشأن الدعوات الضالة التي عُرفت من قبل!!
طبعاً مثل هذه المقدمات يُقصد منها شيء واحد لا غير وهو التأثير النفسي على القارئ، عبر إثارة الهواجس والتوجسات في نفسه لمنعه بالنتيجة من محاولة البحث والتعرف على الدعوة. أي إن هؤلاء الذين يكتبون بهذه الطريقة يحاولون استحمار القارئ، فيخاطبون غرائزه، ويستثيرون الخوف المتسوطن في لا وعيه، وبالنتيجة هم لا يخاطبون وعيه ولا يحترمون عقله، بل يظنونه كما يصرحون بألسنتهم جاهلاً عليه أن يعطل عقله وينتظر أن تأتيه الكلمة منهم ليتحرك ويبني مواقفه، ويحدد مصيره الدنيوي والأخروي على وفقها، ويا لها من كلمة كم تتأخر، وقد لا تأتي!
الفضل ما شهدت به الأعداء:
يذكر هؤلاء الإمعات في مقدمتهم ما يلي: ((ونحب ان نشير قبل الدخول في صلب هذه القضية الى امر مهم ... ان هذا المدعي قد تم الرد عليه من قبل عدد من العلماء والباحثين والمفكرين محاولين بذلك نقض ادعاءه وتكذيب دعوته ولكنهم للأسف الشديد لم يوفقوا في اثبات قولهم بالدليل القاطع والبرهان الناصع، والسبب في ذلك يعود الى عدم احاطتهم بقضية الامام المهدي (ع) ومحاورها ومفاصلها وما يتعلق بها فكانت تلك الردود سببا في شك بعض الناس ووقوع البعض الاخر في حبائل هذا الدجال وتربص الباقون ليعرفوا حقيقة هذا الامر)).
وهذا اعتراف منهم في أن جميع من زعم أنه يرد على الدعوة اليمانية لم يفعل سوى أن أوهى قرنه، كما قال الشاعر:
(كناطحِ صخرةٍ يوماً ليُوهِنُها فلم يَضُرْها، وأوهى قَرنَه الوعِلُ)
ولكن هؤلاء الإمعات ليس همهم الإعتراف بالحق بطبيعة حالهم المتردي، لذلك شفعوا اعترافهم بقولهم: ((الى ان انبرى السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني للرد))! وكلامهم بقدر ما يثير السخرية باعتبار ما كتبه سامريهم لا يستحق أن نطلق عليه حتى وصف (خوار)، وقد رده كما سلف القول الشيخ ناظم في كتبه (سامري عصر الظهور)، أقول كلامهم بقدر ما يثير السخرية بقدر ما يكشف عن عقولهم التي أفسدتها الأحقاد والضغائن. فهم بعد أن زعموا أن عجلهم رد على أدلة الدعوة اليمانية، كان ينبغي أن يكتفوا بما كتبه، خاصة وهم يزعمون بأن مشتتهم (نسف جميع ادلة هذا المدعي – يقصدون السيد أحمد الحسن عليه السلام – واثبت بطلانها) كما يعبرون!
إذن معاودتهم الكتابة يدل على أنهم لا يشعرون بكفاية ما كتبه سامريهم، ولا يجديهم نفعاً محاولتهم ترقيع فتقهم، بل فضيحتهم، بالقول: (فما كان من ذلك المدعي إلا ان قام بالبحث عن ادلة جديدة تارة، وتارة يقوم بمحاولة تغيير معنى كلامه الى معنى ثان ليستغفل بذلك عقول البسطاء من الناس، فآلينا على انفسنا نحن تلامذة السيد أبي عبد الله الحسين القحطاني ان نتمم الطريق الذي سار فيه سيدنا). لأن شيئاً من هذا لم يحصل كما يعرف الجميع، فأدلتنا هي هي لم تتغير، وهم على أي حال لم يقدموا ولو مثالاً واحداً على تغيير حصل، أو دليل استُحدث. وإذا كانوا يحاولون الاشارة إلى أنهم سيناقشون مطالب لم يناقشها سامريهم، فهذا لا يعني ما زعموا من أن ثمة أدلة تم استحداثها، بل يعني بالضبط أن سامريهم كان فاشلاً فانتقى بعضاً مما نستدل به وترك الآخر، بل بالأحرى تعمد ترك الأهم وركز على رواية هنا، وكلمة هناك على طريقة المتصيدين، ولم يعلق بصنارته سوى خيش متعفن!
نقوضهم الواهنة على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله:
من جملة ما قدموه من نقوض على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله، قولهم:
((إن هذه الوصية باعتبار انها وردت في مصادر عديدة ووردت عن رسول الله والإمام علي عليهما صلوات ربي ومرت بالأئمة وأصحابهم فلا يمكن ان يكون احد الأئمة او اصحابهم غير عارف بمحتواها)).
وقد بنوا على هذه الفكرة المغلوطة – كما سيتضح – نتيجة مغلوطة بالضرورة، عبروا عنها بقولهم:
((فلو كان هذا النص او الوصية صحيحة الصدور عن النبي واهل البيت عليهم السلام فلماذا اُختلف في الائمة من قبل خواص الشيعة لا بل من قبل ابناء الأئمة فقد حدث بعد استشهاد الامام الحسين (ع) ان ادعى محمد بن الحنفية الامامة لنفسه ونازع الامام زين العابدين)).
والحق إنه لا دليل على الإطلاق على أن أصحاب الأئمة أو أبناؤهم كانوا يعرفون كل ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله، بل أن كثيراً جداً من الروايات قد دلت على الخلاف، ومن بين هذه الروايات نفس الرواية التي استدل بها إمعات مشتت، وهي التالية:
((عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قتل الحسين عليه السلام أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليهما السلام فخلا به فقال له: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم إلى الحسن عليه السلام، ثم إلى الحسين عليه السلام وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلي على روحه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي عليه السلام في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجني، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين عليه السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك قال أبو جعفر عليه السلام : وكان الكلام بينهما بمكة ، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك، قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والامام بعد الحسين بن علي عليه السلام؟ قال: فتحرك الحجر حتى كاد ان يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين ابن علي عليهما السلام إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين عليه السلام)) [الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 348].
من الواضح أن محمد بن الحنفية رحمه الله لم يكن يعرف بأمر الوصية، وعدم معرفته لا تعني عدم وجود الوصية كما يفهم إمعات مشتت، بل نفس الرواية تدل على وجود الوصية التي يجهلها، ففي الرواية: ((إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين عليه السلام)).
ومنها ما أخرجه ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب - ج 1 - ص 223 عن أبي مالك الأحمسي: ((قال زيد بن علي لصاحب الطاق: انك تزعم أن في آل محمد إماما مفترض الطاعة معروفا بعينه؟ قال: نعم وكان أبوك أحدهم، قال: ويحك فما كان يمنعه من أن يقول لي فوالله إن كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول المضغة فيبردها ثم يلقمنيها افتراه انه كان يشفق علي من حر الطعام ولا يشفق علي من حر النار فيقول لي: إذا أنا مت فاسمع وأطع لأخيك محمد الباقر ابني فإنه الحجة عليك، ولا يدعني أموت ميتة جاهلية، فقال: كره أن يقول لك فتكفر فيجب من الله عليك الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة فتركك مرجيا لله فيك المشيئة وله فيك الشفاعة، ثم قال: أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء، قال: يقول يعقوب ليوسف (لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا) لِمَ لمْ يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم وكذا أبوك كتمك لأنه خاف منك على محمد ان هو أخبرك بموضعه من قلبه وبما خصه الله به فتكيد له كيدا كما خاف يعقوب على يوسف من اخوته. فبلغ الصادق (ع) مقاله فقال: والله ما خاف غيره)).
فزيد بن علي كان لا يعرف أن أباه وأخاه أئمة منصبين من الله حتى ذكر له مؤمن الطاق ذلك. والروايات الدالة على هذه الحقيقة كثيرة جداً، ويكفي أن أذكّر القراء بحادثة فتنة الواقفية وغيرها التي تدل على أن أكثر الناس، وبعضهم مقربون جداً من الأئمة لم يكونوا يعرفون الأئمة عليهم السلام. وبطبيعة الحال إن عدم معرفة بعض الأصحاب والأبناء، لا تعني أن غيرهم لا يعرفون، ولا تعني – وهو المهم – عدم وجود النص الدال على هذه الحقيقة، فعدم المعرفة تعني عدم المعرفة فقط لا غير، ولا يمكن إلا لمعتوه أن يزعم أن معرفة الناس بشيء يعني عدم وجوده! فهل عدم معرفة القدماء ببعض الكواكب يعني عدم وجوده؟
والحق إن مقالة إمعات مشتت هذه تنطوي على خطورة بالغة، وتفضح بالحقيقة سريرتهم المنحرفة عن ثوابت التشيع، بل ثوابت دين الله.
إمعات مشتت على خطى أحمد الكاتب والوهابيين:
يردد إمعات مشتت الشبهات ذاتها التي يجأر بها الوهابيون، فيكتبون ما يلي:
((إن كانت الوصية التي اشار اليها احمد الحسن صحيحة فهل غفل عنها ابن علي بن ابي طالب محمد بن الحنفية ، وإذا كانت تلك الوصية موجودة فعلا عند الأئمة فلماذا لم يقل الامام السجاد بأنه منصوص عليه بوصية النبي او ذكّر محمد بن الحنفية بها؟ بل قال: (إن ابي عليه السلام يا عم اوصى الي في ذلك قبل ان يتوجه الى العراق، وعهد الي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة) فالإمام لا يوصي لمن بعده إلا في يوم وفاته او قبل موته او استشهاده)).
وكتبوا كذلك:
((ورد عن علي بن الحكم عن أبيه عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته وطلبت وقضيت إليه ان يجعل هذا الامر إلى إسماعيل فأبى الله إلا ان يجعله لأبي الحسن موسى ع)( - بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - ص 492).
وعن الامام الصادق عليه السلام حيث قال : (ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني) ( - توحيد الصدوق ص336).
ان هذا النص يشير الى مسالة تولي الامامة بعد الامام الصادق (ع) وقد اختلف الشيعة في ذلك الزمان حول من يخلف الامام الصادق (ع) فشذت طائفة من الشيعة في ذلك الوقت وتصوروا بان الامامة في اسماعيل وأصبح لديهم فرقة كاملة تسمى الفرقة الاسماعيلية فلماذا لم يكون الامر جليا عندهم في معرفة الامام اليس ما صرحت به الوصية بأسماء الائمة يكفي لعدم وقوع الاشتباه في الائمة ومن هو الامام الحق وها هو الإمام الصادق يسأل الله تعالى ويطلب منه ان يكون الأمر لإسماعيل من بعده . فاذا كانت الوصية صحيحة ومعترف بها اصلا فلماذا لم يعمل بها احد؟
نأخذ حادثة اخرى تثبت بطلان الوصية التي جاءنا بها احمد الحسن وهو ما حصل مع السيد محمد بن علي الهادي (ع) وما حصل من امره فقد ورد عن محمد بن يحيى قال:
(دخلت على ابي الحسن علي الهادي (ع) بعد وفاة ابنه محمد فعزيته عنه وابنه ابي محمد عليه السلام جالس فبكى ابو محمد فقال له ابوه ان الله قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله) الكافي ج1 ص327)).
وكتبوا أيضاً:
((ولم يقتصر الامر على ما ذكرنا فقد كثر الخلاف في مسالة تنصيب الامامة في زمن كل امام وخرجت الفرق المعتقدة اعتقادا خاطئا منحرفا فأين كانت هذه الوصية عن الشيعة حتى اصبحت هناك العشرات من الطوائف والفرق الشيعية المنحرفة. لذلك اقول إن هذه الوصية التي استشهد بها احمد الحسن على صحة ادعاءه لم تصدر عن النبي (ص) ولم يعمل بها أي إمام من الائمة ولم يعمل بها أي شخص من الشيعة على مر الزمان فلماذا نعمل نحن بها وكيف اصبحت دليلا على احقية هذا المدعي)).
وللجواب على هذه الشبهات، أسطر النقاط التالية:
1- الوصية هي النص، وهو العمود الفقري الذي قام عليه الدين الإلهي، وهو ما ميز شيعة أهل البيت عليهم السلام عن سواهم، فالشيعة هم القائلون بأن هناك نصاً على الأئمة أو الحجج بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا النص إلهي، فالله وحده هو من ينصب القادة، وهو من يعينهم باسمائهم وصفاتهم لرسوله صلى الله عليه وآله الذي ينقلها لخليفته، وخليفته ينقلها لخليفته، وهكذا دواليك. فإنكار إمعات مشتت للنص أو الوصية يموضعهم مع الوهابية في خانة واحدة.
2- لعل بعضكم قرأ ما كتبه المنحرف الضال أحمد الكاتب، والوهابيون، وكلامهم نفس كلام إمعات مشتت بالضبط. فأولئك وهؤلاء يقصدون المعنى ذاته، محاولة نفي وجود نصوص دلت على الأئمة الإثني عشر وذكرتهم بالاسم، بذريعة أن هذه النصوص لو كانت موجودة لعلم بها الناس في ذلك الزمان، أو لعملوا بها. بل إن الوهابيين والضال الكاتب أهون شراً من هؤلاء المشتتين (نسبة إلى سامريهم مشتت)، باعتبار أن أولئك وإن كانوا يتذرعون بهذه الشبهة والواهية إلا أنهم يقرون بوجود روايات ذكرت أسماء الأئمة عليهم السلام، لكنهم يطعنون في أسنادها، ويزعمون أن علماء الشيعة قد لفقوها، بينما إمعات مشتت ينكرون وجود هذه الروايات تماماً.
بطبيعة الحال يعلم العقلاء أن العلم بوجود أو عدم وجود النصوص يتحصل من خلال التوجه للكتب الحديثية، فإذا ما ثبت وجود النصوص فيها تكون مسألة الوجود قد حُسمت تماماً، ولا يضرها جهل أو علم بعض أو أكثر الناس بها. ويتأكد الأمر أكثر إذا ما وضعنا بالاعتبار ظروف الزمن المعقدة الذي عاشها الأئمة، وأصحابهم، وعدم وجود وسائل لايصال المعلومات كالتي في زمننا، وغيرها الكثير.
3- وصية الإمام الحسين عليه السلام لابنه السجاد عليه السلام لا تعني عدم وجود وصية من رسول الله صلى الله عليه وآله، بل بالأحرى تؤكدها. فالوصية التي نصت على أن الإمام السجاد عليه السلام يخلف أباه الإمام الحسين عليه السلام، أكدتها وصية الإمام الحسين.
وهذا المعنى وردت فيه روايات من قبيل ما ورد في الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 278:
((عن عمرو بن الأشعث قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله لرجل فرجل حتى ينتهي الامر إلى صاحبه)).
وفيه كذلك - ج 1 - ص 278:
((عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين، ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده)).
4- مسألة البداء التي ورد في الروايات إنها وقعت لبعض الأئمة لا تعارض النص أو الوصية الموجودة مسبقاً، فالبداء يعني أن الناس وليس الإمام – مثلا – كانوا يظنون أن فلاناً هو الإمام ثم ظهر لهم الخلاف.
أما قول الإمام: (سألته وطلبت وقضيت إليه ان يجعل هذا الامر إلى إسماعيل فأبى الله إلا ان يجعله لأبي الحسن موسى ع)، فالكلام فيه يطول، ولكن اختصر بالقول أنه خبر آحاد متشابه، فالمسؤول والمطلوب منه غير محدد بدقة، ثم إنه معارض بالروايات المتقدمة وغيرها الكثير التي دلت على وجود النص، وهو أخيراً ممكن الحمل على التقية.
5- أما قولهم: (ولم يعمل بها أي إمام من الائمة ولم يعمل بها أي شخص من الشيعة على مر الزمان)، فهو جهل يليق بإمعات فاسدي العقل، والإ فالنص والقول بأن الأئمة منصبون من الله وعلى لسان النبي صلى الله عليه وآله هو أس التشيع وأساسه، فكيف لم يعمل به الشيعة؟
ثم أين مشتت وإمعاته عن احتجاج علي عليه السلام على طلحة الوارد في كتاب سليم بن قيس، فقد احتج عليه بوصية ليلة الوفاة نفسها؟ ففي كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - ص 211، قال علي عليه السلام لطلحة: ((يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال: ( إن نبي الله يهجر ) فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تركها ؟ قال : بلى ، قد شهدت ذاك . قال : فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة . فأخبره جبرائيل : ( أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة ) ، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط : سلمان وأبا ذر والمقداد ، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة . فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين - )).
يتبع...
Comment