قال الامام احمد الحسن ع في اضاءات من دعوات المرسلين الجزء الثالث القسم الثاني :
وهنا أوجه السؤال : هل يعذر من ترك إتباع محمد (ص) بحجة وجود أكثر من دعوة في الساحة وانه لا يستطيع تمييز المحق من المبطل ؟ !!! .
والحق انه لا يعذر ويكون مصيره إلى جهنم تماما كأولئك الذين اتبعوا من ادعوا النبوة أو الرسالة كذباً وزوراً .
ثم هل ان الله سبحانه وتعالى وضع قانون يعرف به داعي الحق في كل زمان وهو حجة الله على عباده وخليفة الله في أرضه وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، والإيمان به والتسليم له هو الإيمان بالله والتسليم لله والكفر به والالتواء عليه ، هو الكفر بالله والالتواء على الله .
أم أن الله ترك الحبل على الغارب (حاشاه سبحانه وتعالى ) وهو الحكيم المطلق وقدر كل شيء فأحسن تقديره ، ( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد : 8
وهو ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (سـبأ: 3).
فالنتيجة أن مقتضى الحكمة الإلهية هو وضع قانون لمعرفة خليفة الله في أرضه في كل زمان ، ولابد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه فلا يمكن أن يكون هذا القانون طارئ في إحدى رسالات السماء المتأخرة عن اليوم الأول لوجود مكلفين منذ اليوم الأول ، ولا اقل أن القدر المتيقن للجميع هو وجود إبليس كمكلف منذ اليوم الأول ، والمكلف يحتاج هذا القانون لمعرفة صاحب الحق الإلهي ، وإلا فانه سيعتذر عن إتباع صاحب الحق الإلهي بأنه لم يكن يستطيع التمييز ولا يوجد لديه قانون الهي لمعرفة هذا الخليفة المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى .
والقدر المتيقن للجميع حول تاريخ اليوم الأول الذي جعل فيه الله خليفة له في أرضه هو :
1- إن الله نص على ادم وانه خليفته في أرضه بمحضر الملائكة (ع) وإبليس .
2- بعد أن خلق الله ادم (ع) علمه الأسماء كلها .
3- ثم أمر الله من كان يعبده في ذلك الوقت الملائكة وإبليس بالسجود لآدم.
قال تعالى :-
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30).
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:31) .
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر:29) .
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف:50) ( هنا فقط أريد لفت الانتباه أن هذه الآية الكريمة هي نص يبين حاكمية الله ويبين من قبلها وهم الملائكة (ع) ومن رفضها وهو إبليس (لع) فالذين يرفضون حاكمية الله اليوم ينطبق عليهم آخر الآية أي أنهم اتخذوا إبليس وذريته أولياء من دون الله (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (
هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه وهذه الأمور الثلاث قانون سنه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول ، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة .
(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62)
(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الفتح:23) .
كما انه وببساطة أي إنسان يملك مصنع أو مزرعة أو سفينة أو أي شيء فيه عمال يعملون له فيه لابد أن يعين لهم شخصا منهم يرئسهم ولابد أن ينص عليه بالاسم وإلا ستعم الفوضى كما لابد أن يكون أعلمهم وأفضلهم ولابد أن يأمرهم بطاعته ليحقق ما يرجو وإلا فان قصر هذا الإنسان في أي من هذه الأمور الثلاثة فسيجانب الحكمة إلى السفه . فكيف يُجَّوز الناس على الله ترك أي من هذه الأمور الثلاثة وهو الحكيم المطلق ؟!! .
وإذا تعرضنا إلى هذا القانون الإلهي بشيء من التفصيل نجد أن النص الإلهي على ادم (ع) تحول إلى الوصية لعلة وجود الخليفة السابق فهو ينص على من بعده بأمر الله سبحانه وتعالى وهذا من ضمن واجبه كخليفة لله في أرضه قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء:58)
أما تعليم الله سبحانه لآدم الأسماء فالمراد منه معرفته بحقيقة الأسماء الإلهية وتحليه بها وتجليها فيه ليكون خليفة الله في أرضه وهو (ع) أنبأ الملائكة بأسمائهم أي عرفهم بحقيقة الأسماء الإلهية التي خلقوا منها فالله سبحانه عرف ادم كل الأسماء الإلهية وبحسب مقامه (ع) أما الملائكة فلم يكن كل منهم يعرف إلا الاسم أو الأسماء التي خُلق منها وبهذا ثبتت حجية ادم (ع) عليهم بالعلم والحكمة .
والأمر الثالث : في هذا القانون الإلهي هو أمر الله سبحانه وتعالى للملائكة وإبليس السجود لآدم .
وهذا الأمر هو بمثابة ممارسة عملية للخليفة ليقوم بدوره كمستخلف ، وممارسة عملية لعمال الله سبحانه ( الملائكة ) ليقوموا بدورهم كعمال ومتعلمين عند هذا الخليفة (ادم عليه السلام) .
وهذا الأمر ثبّت أن حاكمية الله وملك الله في أرضه يتحقق من خلال طاعة خليفة الله في أرضه . وهكذا فان جميع المرسلين ومنهم محمد (ص) كانوا يحملون هذه الراية ( البيعة لله أو حاكمية الله أو الملك لله) ويواجهون الذين يقرون حاكمية الناس ولا يقبلون بحاكمية الله وملكه سبحانه وتعالى . وهم دائما متهمون بسبب هذه المطالبة وهذه المواجهة ، فعيسى(ع) قيل عنه انه جاء ليطلب ملك بني إسرائيل ليس إلا ، وقيل عن محمد (ص) : ( لا جنة ولا نار ولكنه الملك ) أي أن محمد جاء ليطلب الملك له ولأهل بيته ، وقيل عن علي (ع) انه حريص على الملك . والحقيقة انه من تابع أحوال عيسى أو محمد (ص) أو علي (ع) يجد أنهم معرضون عن الدنيا وزخرفها وما فيها من مال أو جاه ، لكن هذا هو أمر الله لهم بان يطالبوا بملكه سبحانه وتعالى ، ثم هم يعلمون أن الناس لن يسلموهم الملك ، بل سيتعرضون لهم بالسخرية والاستهزاء والهتك ومحاولة القتل أو السجن فهذا شبيه عيسى(ع) يلبسونه تاج من الشوك وهم يسخرون منه قبل صلبه وعلي (ع) يكسر باب داره ويكسر ضلع زوجته الزهراء (ع) ويجر من داره والسيوف مشرعة بوجهه وموسى بن جعفر (ع) الذي حدد فدك بأنها الملك وخلافة الله في أرضه يسجن حتى الموت ومع هذا فان كثير من الجهلة جعلوا ما تشابه عليهم من مطالبة صاحب الحق بملك الله سبحانه وتعالى عاذرا لسقطتهم وهم يصرخون بوجه صاحب الحق الإلهي انه جاء ليطلب الملك ليس إلا ، والحق انه لو كان خليفة الله في أرضه طالبا للدنيا أو الملك لما طالب به أصلا وهو يعلم أن هذه المطالبة ستكون حتما سببا لإنتهاك حرمته والاستهزاء والتعريض به على انه طالب دنيا .
ثم لسلك طريقا آخرا يعرفه كل الناس ولكنهم يتغافلون وهو طريق كل أولئك الذين وصلوا إلى الملك الدنيوي بالخداع والتزوير أو القتل والترويع فعلي (ع) يطالب بالملك ويقول أنا وصي محمد وأنا خليفة الله في أرضه وفي المقابل ذاك الذي وصل إلى الملك الدنيوي أبو بكر ابن أبي قحافة يقول أقيلوني فلست بخيركم . فهل ان عليا طالب دنيا أو أن ابن أبي قحافة زاهد بالملك الدنيوي وهو الذي أنكر حق الوصي(ع) وتنكر لوصية رسول الله (ص) لأجل الملك الدنيوي؟!! مالكم كيف تحكمون ؟؟!! .
والوصية بالخصوص جاء بها كل الأوصياء (ع) وأكدوا عليها بل وفي أصعب الظروف ، نجد الحسين (ع) في كربلاء يقول لهم ابحثوا في الأرض لا تجدون من هو اقرب إلى محمد (ص) مني (أنا سبط محمد الوحيد على هذه الأرض ) هنا أكد (ع) على الوصية والنص الإلهي (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:34) فالذين يفهمون هذه الآية يعرفون أن الحسين (ع) أراد أن الوصاية محصورة به (ع) لأنه الوحيد من هذه الذرية المستخلفة .
والآن نعود إلى يوسف لنجد :
1- الوصية
في قول يعقوب(ع) ليوسف(ع) : (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف:6)
فيعقوب يبين ان يوسف(ع) وصيه وانه امتداد لدعوة إبراهيم (ع) وبكل وضوح
وفي قول يوسف(ع) (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (يوسف:38) فيوسف(ع) يؤكد انتسابه إلى الأنبياء (ع) وانه الخط الطبيعي لاستمرار دعوتهم (ع).
2- العلم
في قوله (قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (يوسف:37)
وفي قوله (... تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (يوسف:47-49) وفي قوله(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف:55).
3- البيعة لله
في قوله (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:39-40)
وهنا أوجه السؤال : هل يعذر من ترك إتباع محمد (ص) بحجة وجود أكثر من دعوة في الساحة وانه لا يستطيع تمييز المحق من المبطل ؟ !!! .
والحق انه لا يعذر ويكون مصيره إلى جهنم تماما كأولئك الذين اتبعوا من ادعوا النبوة أو الرسالة كذباً وزوراً .
ثم هل ان الله سبحانه وتعالى وضع قانون يعرف به داعي الحق في كل زمان وهو حجة الله على عباده وخليفة الله في أرضه وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، والإيمان به والتسليم له هو الإيمان بالله والتسليم لله والكفر به والالتواء عليه ، هو الكفر بالله والالتواء على الله .
أم أن الله ترك الحبل على الغارب (حاشاه سبحانه وتعالى ) وهو الحكيم المطلق وقدر كل شيء فأحسن تقديره ، ( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد : 8
وهو ( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (سـبأ: 3).
فالنتيجة أن مقتضى الحكمة الإلهية هو وضع قانون لمعرفة خليفة الله في أرضه في كل زمان ، ولابد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه فلا يمكن أن يكون هذا القانون طارئ في إحدى رسالات السماء المتأخرة عن اليوم الأول لوجود مكلفين منذ اليوم الأول ، ولا اقل أن القدر المتيقن للجميع هو وجود إبليس كمكلف منذ اليوم الأول ، والمكلف يحتاج هذا القانون لمعرفة صاحب الحق الإلهي ، وإلا فانه سيعتذر عن إتباع صاحب الحق الإلهي بأنه لم يكن يستطيع التمييز ولا يوجد لديه قانون الهي لمعرفة هذا الخليفة المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى .
والقدر المتيقن للجميع حول تاريخ اليوم الأول الذي جعل فيه الله خليفة له في أرضه هو :
1- إن الله نص على ادم وانه خليفته في أرضه بمحضر الملائكة (ع) وإبليس .
2- بعد أن خلق الله ادم (ع) علمه الأسماء كلها .
3- ثم أمر الله من كان يعبده في ذلك الوقت الملائكة وإبليس بالسجود لآدم.
قال تعالى :-
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30).
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:31) .
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر:29) .
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف:50) ( هنا فقط أريد لفت الانتباه أن هذه الآية الكريمة هي نص يبين حاكمية الله ويبين من قبلها وهم الملائكة (ع) ومن رفضها وهو إبليس (لع) فالذين يرفضون حاكمية الله اليوم ينطبق عليهم آخر الآية أي أنهم اتخذوا إبليس وذريته أولياء من دون الله (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (
هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه وهذه الأمور الثلاث قانون سنه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول ، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة .
(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62)
(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الفتح:23) .
كما انه وببساطة أي إنسان يملك مصنع أو مزرعة أو سفينة أو أي شيء فيه عمال يعملون له فيه لابد أن يعين لهم شخصا منهم يرئسهم ولابد أن ينص عليه بالاسم وإلا ستعم الفوضى كما لابد أن يكون أعلمهم وأفضلهم ولابد أن يأمرهم بطاعته ليحقق ما يرجو وإلا فان قصر هذا الإنسان في أي من هذه الأمور الثلاثة فسيجانب الحكمة إلى السفه . فكيف يُجَّوز الناس على الله ترك أي من هذه الأمور الثلاثة وهو الحكيم المطلق ؟!! .
وإذا تعرضنا إلى هذا القانون الإلهي بشيء من التفصيل نجد أن النص الإلهي على ادم (ع) تحول إلى الوصية لعلة وجود الخليفة السابق فهو ينص على من بعده بأمر الله سبحانه وتعالى وهذا من ضمن واجبه كخليفة لله في أرضه قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء:58)
أما تعليم الله سبحانه لآدم الأسماء فالمراد منه معرفته بحقيقة الأسماء الإلهية وتحليه بها وتجليها فيه ليكون خليفة الله في أرضه وهو (ع) أنبأ الملائكة بأسمائهم أي عرفهم بحقيقة الأسماء الإلهية التي خلقوا منها فالله سبحانه عرف ادم كل الأسماء الإلهية وبحسب مقامه (ع) أما الملائكة فلم يكن كل منهم يعرف إلا الاسم أو الأسماء التي خُلق منها وبهذا ثبتت حجية ادم (ع) عليهم بالعلم والحكمة .
والأمر الثالث : في هذا القانون الإلهي هو أمر الله سبحانه وتعالى للملائكة وإبليس السجود لآدم .
وهذا الأمر هو بمثابة ممارسة عملية للخليفة ليقوم بدوره كمستخلف ، وممارسة عملية لعمال الله سبحانه ( الملائكة ) ليقوموا بدورهم كعمال ومتعلمين عند هذا الخليفة (ادم عليه السلام) .
وهذا الأمر ثبّت أن حاكمية الله وملك الله في أرضه يتحقق من خلال طاعة خليفة الله في أرضه . وهكذا فان جميع المرسلين ومنهم محمد (ص) كانوا يحملون هذه الراية ( البيعة لله أو حاكمية الله أو الملك لله) ويواجهون الذين يقرون حاكمية الناس ولا يقبلون بحاكمية الله وملكه سبحانه وتعالى . وهم دائما متهمون بسبب هذه المطالبة وهذه المواجهة ، فعيسى(ع) قيل عنه انه جاء ليطلب ملك بني إسرائيل ليس إلا ، وقيل عن محمد (ص) : ( لا جنة ولا نار ولكنه الملك ) أي أن محمد جاء ليطلب الملك له ولأهل بيته ، وقيل عن علي (ع) انه حريص على الملك . والحقيقة انه من تابع أحوال عيسى أو محمد (ص) أو علي (ع) يجد أنهم معرضون عن الدنيا وزخرفها وما فيها من مال أو جاه ، لكن هذا هو أمر الله لهم بان يطالبوا بملكه سبحانه وتعالى ، ثم هم يعلمون أن الناس لن يسلموهم الملك ، بل سيتعرضون لهم بالسخرية والاستهزاء والهتك ومحاولة القتل أو السجن فهذا شبيه عيسى(ع) يلبسونه تاج من الشوك وهم يسخرون منه قبل صلبه وعلي (ع) يكسر باب داره ويكسر ضلع زوجته الزهراء (ع) ويجر من داره والسيوف مشرعة بوجهه وموسى بن جعفر (ع) الذي حدد فدك بأنها الملك وخلافة الله في أرضه يسجن حتى الموت ومع هذا فان كثير من الجهلة جعلوا ما تشابه عليهم من مطالبة صاحب الحق بملك الله سبحانه وتعالى عاذرا لسقطتهم وهم يصرخون بوجه صاحب الحق الإلهي انه جاء ليطلب الملك ليس إلا ، والحق انه لو كان خليفة الله في أرضه طالبا للدنيا أو الملك لما طالب به أصلا وهو يعلم أن هذه المطالبة ستكون حتما سببا لإنتهاك حرمته والاستهزاء والتعريض به على انه طالب دنيا .
ثم لسلك طريقا آخرا يعرفه كل الناس ولكنهم يتغافلون وهو طريق كل أولئك الذين وصلوا إلى الملك الدنيوي بالخداع والتزوير أو القتل والترويع فعلي (ع) يطالب بالملك ويقول أنا وصي محمد وأنا خليفة الله في أرضه وفي المقابل ذاك الذي وصل إلى الملك الدنيوي أبو بكر ابن أبي قحافة يقول أقيلوني فلست بخيركم . فهل ان عليا طالب دنيا أو أن ابن أبي قحافة زاهد بالملك الدنيوي وهو الذي أنكر حق الوصي(ع) وتنكر لوصية رسول الله (ص) لأجل الملك الدنيوي؟!! مالكم كيف تحكمون ؟؟!! .
والوصية بالخصوص جاء بها كل الأوصياء (ع) وأكدوا عليها بل وفي أصعب الظروف ، نجد الحسين (ع) في كربلاء يقول لهم ابحثوا في الأرض لا تجدون من هو اقرب إلى محمد (ص) مني (أنا سبط محمد الوحيد على هذه الأرض ) هنا أكد (ع) على الوصية والنص الإلهي (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:34) فالذين يفهمون هذه الآية يعرفون أن الحسين (ع) أراد أن الوصاية محصورة به (ع) لأنه الوحيد من هذه الذرية المستخلفة .
والآن نعود إلى يوسف لنجد :
1- الوصية
في قول يعقوب(ع) ليوسف(ع) : (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف:6)
فيعقوب يبين ان يوسف(ع) وصيه وانه امتداد لدعوة إبراهيم (ع) وبكل وضوح
وفي قول يوسف(ع) (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (يوسف:38) فيوسف(ع) يؤكد انتسابه إلى الأنبياء (ع) وانه الخط الطبيعي لاستمرار دعوتهم (ع).
2- العلم
في قوله (قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (يوسف:37)
وفي قوله (... تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (يوسف:47-49) وفي قوله(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف:55).
3- البيعة لله
في قوله (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:39-40)
Comment