إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

هل يصح بعد كل هذا أن يقال: بأنّ النبي (ص) لم يوص ؟

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • اختياره هو
    مشرف
    • 23-06-2009
    • 5310

    هل يصح بعد كل هذا أن يقال: بأنّ النبي (ص) لم يوص ؟

    هل يصح بعد كل هذا أن يقال: بأنّ النبي (ص) لم يوص ؟
    روى سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين (ع)، قال:

    فقال أمير المؤمنين (ع): (...ألست قد شهدت رسول الله (ص) حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إنّ نبي الله يهجر) فغضب رسول الله (ص)، ثم تركها ؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك. قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله (ص) وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: (إنّ الله (عز وجل) قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين - كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد ؟ فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله (ص). فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله (ص) يقول لأبي ذر: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله)، وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلاّ على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما) ([1]).

    وهذه الرواية تدل على وجود وصية مكتوبة عند علي بن أبي طالب (ع)، كما أنّه توجد روايات أُخرى تدل على ذلك.

    ولقد وصف النبي (ص) الكتاب الذي أراد أن يكتبه عندما طلب منهم الدواة والكتف، بأنه عاصم للأمة من الضلال، فقال: (ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً)([2])، فكم هو مهم هذا الكتاب ؟!

    كما وجاءت الرواية بتعبير آخر فقال: (ايتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر وأذكر لكم المستحق لها بعدي. قال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر، وقيل: يهذو)([3]). وحاشاه من ذلك.

    فأدرك عمر ما يريده الرسول (ص)، فلذا قال: (حسبنا كتاب الله)، ونفس قوله هذا يدل على أنّ النبي (ص) أراد أن يقرن بكتاب الله تعالى شيئاً آخر، وهو العترة، فتنكر عمر لذلك.

    والسؤال الذي يخطر في ذهن كل إنسان هو: إن كان اعتراض عمر وحزبه منع رسول الله (ص) من كتابة الكتاب أمام العامة من الناس، لكن هل يمنع كتابته أمام الخاصة من أصحابه (ص) كسلمان وأبي ذر والمقداد ؟

    إنّ القول بأنّ النبي (ص) لم يوص خطأ كبير سقط به الكثير، ويجب أن ننزّه النبي (ص) عنه؛ لأنّه (ص) لا يخالف القرآن أبداً والقرآن يوجب الوصية.

    قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾([4]).

    كما أنّ القرآن أمر بالإشهاد عليها بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾([5]).

    كما أنّه وصف الذين كذّبوا الرسل وحاربوهم بأنّهم لا يستطيعون التوصية، فقال تعالى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ @ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾([6])، بمعنى لا يمهلهم الله تعالى وقتاً لكي يوصوا إلى أهلهم، وهذا ذمّ لهؤلاء وسوء عاقبة وما دام عدم التوفيق للوصية عند الموت يعتبر علامة من علامات المغضوب عليهم، فلا بد أن لا يتصف بذلك المؤمنون، فبعد هذا كيف يقال بأنّ رسول الله (ص) لم يوصي ؟!

    عن أنس بن مالك، قال: (كنا عند رسول الله (ص) فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، مات فلان، قال: أليس كان معنا آنفاً ؟ قالوا: بلى، قال: سبحان الله كأنها أخذه على غضب، المحروم من حرم وصيته) ([7]).
    ثم إنّ القول بأنّ النبي (ص) لم يوصِ فيه تأييد لقول عمر الذي أراد منع النبي (ص) من الوصية، فكيف الرسول (ص) يجعل عمر يصل إلى مراده ؟!

    وهناك ممن يدعي ان الرسول (ص) لم يوصي يبرر عدم كتابة النبي للكتاب والوصية، بأنّ : الكتاب الذي أراد النبي (ص) كتابته يفترض به أن يكون عاصماً من الاختلاف والحيرة والضلال، والمسلمون عندما قال عمر مقولته اختلفوا في أصل الكتاب، فمنهم من قال أعطوا رسول الله ما أراد، ومنهم من قال بمقولة عمر، فإذا اختلفوا في أصل كتابته والأخذ به فلا تنفع الكتابة بعد ذلك، فلذا أمتنع النبي (ص) من الكتابة!!

    وهذا تبرير خاطئ، إذ مجرّد الاختلاف في أصل الوصية لا يوجب عدم الوصية، خصوصاً وأنّ مسألة الوصية فيها أمر واجب التعبّد به.

    والحق أن يقال: إنّ عدم كتابة الكتاب أمام العامة من الناس إن كان لعارض فهو لا يعني أنّ النبي (ص) لم يكتب ويوصي في وقت آخر، إذ القرآن الكريم يوجب الوصية والرسول (ص) نفسه يوصي بالوصية، ومن المعلوم أنّ كل مسلم سليم الفكر يعتقد أنّ الممتثل الأول للقرآن الكريم هو النبي محمد (ص)، وها هو القرآن يصرّح بوجوب الوصية عند حضور الموت. ولا يوجد في الأدلة ما يخصص الرسول (ص) بعدم الإيصاء لكي نقول: إنّ الرسول (ص) خارج عن عموم الآية فيمكن في حقّه عدم الإيصاء، وعليه فتبقى الآية شاملة لشخص النبي (ص)، وهو (ص) وآله الكرام (ع) لا يحيدون عن القرآن قيد شعره، فمن هنا تجد في رواياتهم ما يؤكّد هذه الحقيقة.

    عن أبي عبد الله (ع)، قال: خطب النبي (ص): (أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم (عني) بخلاف كتاب الله فلم أقله) ([8]).

    وعن ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله (عز وجل) أو من قول رسول الله (ص) وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به) ([9]).

    ولذلك اتفق الجميع على كون موافقة الرواية للقرآن الكريم قرينة على صحّة صدور تلك الرواية عن محمد وآل محمد (ع)، ومخالفة الرواية لما جاء في القرآن الكريم دليلاً على عدم قبولها، فموافقتها للقرآن دليل على صدورها وقبولها.

    فالقول بأنّ النبي (ص) لم يوص مخالف للقرآن الكريم الذي نصّ على وجوب الوصية عند حضور الموت من الإنسان، ولا يمكن لأحد أن يقول بأنّ النبي (ص) خالف القرآن، إلاّ أن يكفر بما أنزل على النبي (ص).

    ثم إنّ النبي (ص) يحث على الوصية في روايات كثيرة، إليكم بعض منها:

    عن ابن عباس، أن النبي (ص) قال: (ترك الوصية عار في الدنيا، ونار وشنار في الآخرة) ([10]).

    وروى الشيخ الطوسي في النهاية، عن رسول الله (ص)، أنّه قال: (من مات بغير وصية، مات ميتة جاهلية) ([11]).

    وعنه (ص): (ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة، إلاّ ووصيته تحت رأسه) ([12]).

    وعنه (ص): (الوصية تمام ما نقص من الزكاة) ([13]).

    وعنه (ص): (من لم يحسن وصيته عند الموت، كان نقصاً في مروته وعقله) ([14]).

    ولأجل هذا قال الشيخ المفيد (رحمه الله): (فينبغي للمرء المسلم أن يتحرّز من خلاف الله تعالى وخلاف رسوله (ص) في ترك الوصية وإهمالها، ويستظهر لدينه، ويحتاط لنفسه بالوصية لأهله وإخوانه بتقوى الله (عز وجل)، والطاعة له، واجتناب معاصيه، وما يحب أن يصنعوه في غسله، وتحنيطه، وتكفينه عند وفاته، ومواراته، والصدقة عنه، والتدبير لتركته، ويسند ذلك إلى ثقة في نفسه، ليقوم به، ولا يهمل ذلك، ولا يفرط فيه إن شاء الله) ([15]).

    وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): (مسألة، عن قوله النبي (ص): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، وقوله (ص): (من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية) وهذا تفاوت لا يجوز عليه؛ لأنّ الجهل بالإمام يخرج عن الإيمان، و من صحت عقيدته ([16])، وحسنت أعماله، ومن أخطأ في ترك الوصية لا يخرج بذلك عن الإيمان، فما الكلام في ذلك إذا اتفقت العبارتان واختلفتا في المعنى ؟ الجواب: الجهل بالإمام كفر وقد استفسروا عنه فقالوا هو ميتة كفر وضلال.

    وأمّا ترك الوصية فالمراد به الموت على عبادة الجاهلية من غير وصية لا أن فاعل ذلك يكون كافراً. ويحتمل أن يكون المراد: من ترك الوصية رغبة عنها وأنها ليست مسنونة ولا مرغباً فيها فإن من كان كذلك فإنه يكون كافراً لأنه ينكر ما هو معلوم من شرعه (ص) مع ما نطق به القرآن في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ﴾
    ) ([17]).

    وقال صالح الورداني في كتابه السيف والسياسة: (وليس من المعقول أيضاً أن يترك الرسول الأمة بلا وصية فهذا الأمر يناقض القرآن الذي جاء به ويخل بمهمته ودوره كرسول خاتم. فالقرآن يقول: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾، فهل يجوز للرسول أن يخالف القرآن الذي جاء به وهو يأمر بالوصية.. ؟ وإذا كانت الوصية واجبة في حق المؤمنين فيما يتعلق بالأموال والتركات وما يتعلق بالمصالح الدنيوية. أفلا تكون واجبة فيما يتعلق بمستقبل الإسلام والمسلمين ؟ يروي البخاري أنّ رسول الله (ص) قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده ([18]).

    فهل الرسول (ص) يناقض نفسه يأمر بالوصية ولا يطبقها ..؟ وأيهما نصدق القرآن والرسول أم هؤلاء الذين ينكرون وجود الوصية من الصحابة وفقهاء التبرير ... إنّ فقهاء التبرير ليخوضون في مثل هذه المواقف والممارسات ويحاولون طمس معالمها وتبديد أهدافها بتبريرات وتأويلات واهية تصطدم بالعقل كما تصطدم بالنصوص بهدف الحفاظ على خط ورثوه عن أسلافهم واعتبروه من صلب العقيدة)
    ([19]).

    فهل يصح بعد كل هذا أن يقال: بأنّ النبي (ص) لم يوص ؟

    من كتاب الحوار القصصي الجزء 3 للشيخ عبد العال المنصوري ـ بتصرف
    =====================
    هوامش

    [1]- كتاب سليم بن قيس بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ص211، غيبة النعماني: ص84، الاحتجاج: ج1 ص224، بحار الأنوار: ج31 ص425، بحار الأنوار: ج36 ص277، درر الأخبار: ص246، مكاتيب الرسول: ج2 ص173، و: ج3 ص702.
    [2]- راجع الحلقة الأولى من القسم الأول من هذا الحوار.
    [3]- كتاب الأربعين لمحمد طاهر القمي الشيرازي: ص284، وفيه: ليهذر. من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد الرحمن أحمد البكري: ص118.
    [4]- البقرة: 180
    [5]- المائدة: 106.
    [6]- يّـس: 49 – 50.
    [7]- مجمع الزوائد: ج4 ص209.
    [8]- الكافي: ج1 ص69، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص111.
    [9]- الكافي: ج1 ص69، وسائل الشيعة طبعة آل البيت: ج27 ص110.
    [10]- مجمع الزوائد: ج4 ص212.
    [11]- النهاية للشيخ الطوسي: ص604.
    [12]- النهاية للشيخ الطوسي: ص604.
    [13]- النهاية للشيخ الطوسي: ص605.
    [14]- النهاية للشيخ الطوسي: ص605.
    [15]- المقنعة للشيخ المفيد: ص667.
    [16]- في المصدر (صح عقيدته)، ولعله خطأ مطبعي، فالصحيح ما أثبتناه.
    [17]- الرسائل العشر للشيخ الطوسي: ص318.
    [18]- صحيح البخاري: ج3 ص186، كتاب الوصايا.
    [19]- السيف والسياسة لصالح الورداني: ص44.
    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎