اللغة السومرية
وهي إحدى اللغات العازلة (أي التي تعتمد على استعمال الصيغ المبنية بدل التصريف في الدلالات النحوية)، وأقدم لغة باقية بشكلها الكتابي. وقد ثبت أنها كانت قيد الاستعمال في بلاد ما بين النهرين عند حوالي 3100 قبل الميلاد، وازدهرت خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد. وعند حوالي 2000 قبل الميلاد أستُبدلت السومرية بصفتها لغة دارجة باللغة الأكدية (أي الآشورية - البابلية)، وهي إحدى اللغات السامية، بيد أنها (أي السومرية) بقيت قيد الاستعمال بشكلها المكتوب حتى نهاية عمر اللغة الأكدية تقريباً عند حوالي بداية العهد المسيحي. ولم تتوسع اللغة السومرية كثيراً إلى ما وراء حدودها الأصلية في جنوب بلاد ما بين النهرين؛ وكان كل العدد القليل من متكلميها الأصليين لا يقاس إذا ما قورن بالأهمية والتأثير اللذين أبدتهما تلك اللغة في تطوير حضارات بلاد ما بين النهرين والحضارات القديمة الأخرى خلال كل مراحل تطور تلك اللغات.
تاريخها
يمكن تمييز أربعة أدوار مرت بها اللغة السومرية: اللغة السومرية المماتة archaic Sumerian ، واللغة السومرية القديمة أو الكلاسيكية (الفصحى) Old or Classical ، واللغة السومرية المحدثة New Sumerian ، واللغة السومرية المتأخرة Post-Sumerian .
مواصفاتها
لم يكن بالإمكان معرفة أصل اللغة السومرية بصورة أكيدة. فقد قورنت مجموعة اللغات الأورالية -الآلتية (التي تشتمل على اللغة التركية)، واللغة الدرافيدية Dravidian والبراهيو والبانتو وعدد آخر من المجموعات اللغوية باللغة السومرية، ولكن ما من نظرية من النظريات التي اعتمدت على هذه المقارنات حازت على القبول العام. فالسومرية على ما يبدو لغة إلصاقية agglutinative ، وذلك يعني أنها تحتفظ بجذر الكلمة على حاله بينما تعبّر عن التغييرات النحوية المختلفة من خلال إضافة البوادئprefixes والدواخل (أي الإضافات الوسطية) infixes واللواحق suffixes . أما الفرق بين الأسماء والأفعال، كما هو موجود حاليا في اللغات الهندية - الأوربية أواللغات السامية مثلاً، فهو غير معروف في اللغة السومرية. فعلى سبيل المثال كلمة دَك dug حين تكون مستقلة في السومرية فهي تعني (الكلام) speech إسماً، و(يتكلم) to speak فعلاً، وهذا يبين الفرق بين الاسم والفعل من خلال النحو وإضافة اللواصق affixes المختلفة ؟؟؟؟
وتشتمل الأصوات المميزة (أي الفونيمات أو الأصوات phonemes) في اللغة السومرية على أربعة حروف (أصوات) علة vowels هي: a و i و e وu ، مع 16 حرفاً (صوتاً) صحيحاً وهي: b و d وg و n وh و kوl وm و nوp وr وs وs وs وt وz. ففي اللغة السومرية الكلاسيكية، لم يكن التقابل بين الأصوات الصحيحة b وd وg وz وبين الأصوات الصحيحة p و t وk وs بين أصوات صائتة (أي تتذبذب الأوتار الصوتية عند نطقها) وبين أصوات غير صائتة (أي لا تتذبذب الأوتار الصوتية عند نطقها)، ولكن بين أصوات صحيحة لا تختلف في الإصاتة وبين أصوات مشفوعة بنفحة هواء (أي مصحوبة بنفحة هواء عند نطقها). كما أن الصوتين شبه اللينين (شبه الحركتين غير تامتين) y وw كانا يعملان كصوتي علة منزلقين.
وفي الأسماء لا يجري التعبير عن الجنوسة gender . أما العدد فيشار إليه باستخدام إحدى الإضافات: (مي) meو (مي+أش) me +esh ، و(هيا) hia، أو بالتكرار، كما في كلمة (كوركور) kur+kur التي تعني (جبال). وتشتمل الصيغ المتعلقة بالاسم التي تتطابق تقريباً مع حالات تصريف الأسماء في اللغة اللاتينية على: (أَ) e للفاعل (حالة الرفع) و(آ) أو(آك) أي (of) وتعني (لـ) للإضافة (حالة الجر) و(را) ra و (شَ) she أي (to) و(for) ومعناهما (لـ) في إحدى حالات النصب عندما تكون الكلمة مفعولاً به غير مباشر و(آ) a ومعناها (في) (حالة الظرفية) و(تا) ta ومعناها (من) (from ) (إحدى حالات الجر) و(دا) da ومعناها (مع) (with )(التي تدل على المعية).
أما الفعل في اللغة السومرية، وما يرتبط به من سلسلة من البوادئ والدواخل واللواحق فهو يقدم صورة غاية في التعقيد. وتتّبع العناصر المرتبطة بالفعل نظاماً ثابتاً، أي على الترتيب التالي: العناصر المساعدة والعناصر التي تدل على الزمن وعناصر النسبة والعناصر السببية وعناصر المفعول به أو المجرور(النصب والجر) وجذر الفعل وعناصر الفاعل وعناصر الفعل اللازم الدال على المضارع والمستقبل. وفي صيغة الماضي البسيط المتعدي المبني للمعلوم يكون ترتيب عناصر المفعول به والمجرور والفاعل بشكل معكوس. ويمكن للفعل أن يميّز التعدية واللاتعدية والبناء للمعلوم والمجهول والزمنين، أي ما يدل على المضارع والمستقبل والماضي البسيط إضافة إلى الشخص والعدد.
وكانت هنالك بضع لهجات سومرية معروفة. ومن بين تلك اللهجات المهمة لهجة أمَ- كَير، وهي اللهجة السومرية الرسمية، وكذلك لهجة أمَ- سال وهي اللهجة التي غالباً ما كانت تستخدم في صياغة الترانيم (التراتيل) والرقى (التعاويذ). (1)
الكتابة المسمارية
في حدود سنة 3200 ق. م. ابتكر العراقيون الكتابة (المسمارية ـ Cuneiform) حيث كتبت بها اللغة السومرية، ونشروها في أنحاء الشرق الاوسط حيث أصبحت هذه الكتابة هي الوحيدة المتداولة، واستعملتها شعوب ايران والاناضول والشام، بل حتى في مصر أحياناً حسب بعض الوثائق الآثارية.
في عام 2400 ق.م تم اعتماد هذا الخط المسماري لكتابة اللغة الأكدية بلهجتيها الآشورية الشمالية والبابلية الجنوبية. ورغم إحلال الاكدية بدل السومرية، إلاّ أن العراقيين حافظوا على اللغة السومرية كلغة مقدسة خاصة برجال الدين. دام استعمال هذه الكتابة حوالي 3000 عام، أي حتى قبل الميلاد ببضعة قرون إذ بدأت الكتابة الابجدية القادمة من الشام تنتشر مع انتشار اللغة ألآرامية خصوصاً أثناء حكم السلالة الاخيرة (الكلدانية الجنوبية).
لقد دون العراقيون بالمسمارية السجلات الرسمية وأعمال وتاريخ الملوك والأمراء والشؤون الحياتية العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير والشؤون الدينية والعبادات. وأيام حكم الملك حمورابي (1728– 1686 ق.م.) وضع شريعة واحدة تسري أحكامها في جميع أنحاء مملكة بابل . وهذه الشريعة عرفت بقانون حمورابي الذي كان يضم القانون المدني والأحوال الشخصية وقانون العقوبات. وفي عصره دونت العلوم. وكان الملك آشوربانيبال ( 668- 626 ق.م.) من أكثر ملوك السلالة الآشورية ثقافة. فجمع الكتب من أنحاء البلاد وخزنها في دار كتب قومية خاصة شيَّدها في عاصمته نينوى بالعراق. وجمع فيها كل الألواح الطينية التي دونت فوقها العلوم والمعارف.
يشكل اختراع الكتابة وإدخالها في الاستعمال العام أهم حدث في التاريخ الفكري للبشر، فهو الحد الذي يفصل بين مرحلة ما قبل التاريخ والمراحل التاريخية اللاحقة. سميت الكتابة السومرية بالكتابة المسمارية لأن شكلها يشبه المسامير. والسبب في ذلك عائد إلى طبيعة المواد التي استعملوها في الكتابة: ألواح من طين تغمس الكتابة فيها غمساً بواسطة قلم من قصب فيشكل الغمس في الرقيم الطيني مثلثاً يشبه رأس المسمار. ثم تخط خطوط عمودية وأخرى أفقية فيحصل على شكل مشابه للمسمار. بعد ذلك كانت الألواح الطينية الرطبة توضع في تنور وتطبخ بالنار وتصلب تمهيداً للاحتفاظ بها.
الكتابة المسمارية في طورها الأول كتابة صورية (كذلك المصرية الهيروغليفية)، ولكن السومريين سرعان ما طوروها لتصبح كتابة مقطعية، وبهذا تم اختزال الرموز المستعملة فيها إلى أصوات المقاطع في اللغة السومرية البالغة حوالي 598 مقطعاً صوتياً.
وتم فك رموز الخط المسماري في القرن التاسع عشر وبذلك تسنى للعلماء قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والطلاسم والملاحم والرسائل والقواميس المسمارية. ويوجد حوالي 130000 لوح طيني من بلاد الرافدين في المتحف البريطاني.
وفي هذا السياق يتوجب علينا أن نشير الى ان الكتابة المسمارية هي أقدم كتابة في تاريخ البشرية الى جانب الكتابة المصرية (الهيروغليفية hieroglyphs ) التي ظهرت تقريباً في نفس الفترة. وقد اطلق الاغريق هذه التسمية الاغريقية على الكتابة الفرعونية وتعني (النقش المقدس). وهي أيضاً كتابة صورية (ليست حروفية) مثل السومرية. وقد انتهى استعمال هذه الكتابة أيضاً في نفس الفترة التي انتهت فيها المسمارية أي في القرن السابع ق.م، حيث بدأت الكتابة الحروفية (الابجدية) القادمة من سواحل الشام والتي تعد أول أبجدية في التاريخ.(2)
حل رموز الخط المسماري
قصة حل رموز الخط المسماري شبيهة بقصة حل رموز الخط الهيروغليفي , اذ كان المفتاح في ذلك اثرا مدونا بثلاثة نصوص لغوية معناها واحد. ففي حالة حل رموز الخط المسماري كان ما يضاهى حجر رشيد في الحضارة المصرية النصوص الكتابية الشهيرة في منحوتات " بهستون " , وهي من مآثر الملك الفارسي الاخميني " دارا الاول " ( 521ـ485 ق.م). الذي دون مآثره في تلك المنحوتات بثلاث لغات هي الفارسية القديمة والعيلامية والبابلية. وكان اول ما عرف من هذه اللغات والخطوط اللغة الفارسية القديمة بدراسات الكتابات الاخرى في العاصمة الفارسية القديمة " بسيبولوس " (اصطخر) . وبعد معرفة الفارسية القديمة تدرج العلماء الباحثون في حل اللغة البابلية من كتابات " بهستون ". واشتهر من اعلام الباحثين في هذا الحقل " هنري رولنص " الانجليزي والباحث الارلندي " هنكس ". ثم تتابعت بحوث العلماء وازدادت المعرفة باللغة البابلية وبعلامات خطها المسماري. ولم يحل عام 1857 للميلاد حتى اصبح موضوع قراءة البابلية والاشورية علما مضبوطا. ومما ساعد على معرفة هاتين اللغتين واعجل مراحل حل رموزهما انهما تنتميان الى عائلة اللغات السامية التي منها العربية والعبرانية المعروفتان معرفة جيدة. والى هنا لم نذكر اي شئ عن اللغة السومرية التي هي موضوع هذه الكلمة الموجزة. والسبب في ذلك ان معرفة العلماء بها قد تاخرت من بعد حل رموز اللغة البابلية. وكان العلماء في اثناء قراءتهم للكتابات المدونة بالخط المسماري يجدون فيها مفردات لغة غريبة جديدة لا تشبه اللغة البابلية التي كانوا يدرسونها. وقد سبق لاحد الباحثين في المراحل الاولى من حل رموز الخط المسماري في عام 1850, وهو " هنكس " , ان اظهر الشكوك في ان البابليين ( الساميين ) لم يكونوا هم الذين اوجدوا الخط المسماري, مستندا في ذلك الى اعتبارات سليمة ( من جهة ملازمة حروف العلة في الطريقة المسمارية ومعاني العلامات المسمارية ). (....)
اما مصادر معرفة الباحثين بهذه اللغة السومرية فقد ظل طوال عشرات السنين مقتصرا على النصوص المدونة بالبابلية والسومرية ( اي النصوص المدونة بلغتين ) , وعلى المعاجم التي تشرح معاني المفردات السومرية واسماء العلامات المسمارية باللغة البابلية , ولا سيما المعاجم التي جاءتنا من خزانة كتب الملك الاشوري الشهير " اشور بانيبال " في القرن السابع ق.م. وفيما عدا هذا كان هناك في المتحف البريطاني بوجه خاص بضع كتابات بالسومرية وحدها. ولكن في عام 1877 بدات اول تنقيبات في موصع سومري شهير , حيث نقب الآثاري الفرنسي " De Sarzec " في الموضع السومري القديم " تلو " ( وهو موضع مدينة لجش الشهيرة ). فكشف عن الكتابات السومرية بانواعها المختلفة. ثم بدات التنقيبات الامريكية في " نفر " في عام 1887 الى عام 1900 حيث كشفت عن عشرات الالوف من الكتابات السومرية. (...)
ثم تعاقبت التنقيبات في المدن الشهيرة الاخرى , مما اسفر عن استخراج العدد الوفير من الوثائق المدونة بعضها باللغات السامية القديمة كالاكدية والبابلية والاشورية وبعضها باللغة السومرية. فساعد ذلك على تفهم اللغة السومرية وآدابها.(3)
برنامج طباعي للكتابة المسمارية
ان الكتابة المسمارية العراقية التي كُتِبَ بها كل التراث العراقي القديم، السومري والاكدي، وكذلك التراث السوري ـ الشامي القديم (بالاضافة الى كل التراث القديم لبلدان الشرق الاوسط، مثل ايران والاحواز وتركيا والخليج، باستثناء مصر)، وطيلة ثلاثة آلاف عام. وهذه الكتابة تدَّرَس خصوصاً في الجامعات العراقية والسورية، مع الكثير من جامعات العالم. إن هذه الكتابة المهمة وطنياً وعالمياً، ظلت محرومة من إمكانية الطباعة الرقمية (الكومبيوتر)!
لقد بادرت استاذة بلجيكية في جامعة بروكسل الحرة في مركز اللغات القديمة، إسمها (سيلفي فانسفرن ـ Sylvie Vanséveren) وأبدعت برنامج للكتابة في الحاسوب بالخط المسماري. وهذا البرنامج يمكن تسجيله مجاناً، في الرابط التالي :
http://www.hethport.uni-wuerzburg.de/cuneifont
وعنوان صفحتها الجامعية الرسمية على الرابط التالي :
http://www.ulb.ac.be/rech/inventaire.../4/CH7054.html
كذلك يوجد برنامج (Cuneiform Software) ندخل فيه الكتابة المسمارية التي تخص السومرية لاجل ترجمتها للانكليزية :
http://www.sumerian.org/cuneisof.htm
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أطوار اللغة السومرية
ترجمة د. حميد حسون بجية
(عن دائرة المعارف البريطانية2006 )
2. اعداد / طارق كامل
3. من الواح سومر .. طه باقر
Comment