السر الثالث ح5 : حسين كاظم الزاملي
رواية : تتحدث عن الرجل الموعود والذي سيأتي قبل فوات الأوان ليعيد للإنسان كرامته
السلام على بقية الله في أرضه وحجته على عباده صاحب العصر والزمان
ونبارك له وللمؤمنين والمؤمنات حلول عيد الإضحى المبارك.
الفصـل العاشر
لقد تحدث الملاك كثيرا مع الملك اوقيدمو ، وفي الختام قال له .
ـ لديك بعض الأموال في بيت المال عليك أن تقسمها بسرعة على المناطق النائية من المملكة لأن الوقت يداهمك.
ثم سما له سيروس قال له .
ـ هو مخلص لك ، اعتمد عليه في هذا المجال فسيكفيك همه.
كما أوضح الملاك ملابسات بعض الأمور التي لم تكن لدى الملك معلومات تفصيلية عنها ومع إن الملك اوقيدمو يحمل علوم شتى ورثها من أبيه إلا إن هذا اللقاء أفضى على الملك أشياء وعلوم جديدة ، لقد أخبره أن يوم الاثنين سيكون اليوم العاشر من السنة الجديدة وهو اليوم الذي ستجتاح به جيوش الدول المؤتلفة المملكة وستعلن حالة من الفوضى في كل أرجاء المملكة يصنعها المهاجرون من الدول الأخرى وستكون هناك مقاومة شرسة يقوم بها بعض المريدين للملك وستبقى فترة من الزمن ثم تضمحل شيئا فشيئا وسوف لا يستطيع الجيش الملكي أن يصنع أي شيء بفعل ضخامة القوات المتقدمة والمندسين في القصر وأخبره أن مجلس الحكمة وهو المجلس المتكون من أربعين شخصية منها عشرة نساء وتتصف شخصياته بأن لديها حكمة وعلم في المجالات المختلفة وكان لا يسمح في دخول هذا المجلس إلا بعد أن يبلغ الشخص من العمر أربعين عام ، أخبره الملاك أن هذا المجلس به سبعة من المتآمرين مع الدول المجاورة وأبرزهم جيروس إما البقية فإنهم ليسوا محل ثقة واستثنى من ذلك العجوز تومالين فقط وامرأتان اسماهما الملاك آفلين وكريستيا والناس تسميها كريستا وكان الملك اوقيدمو يسميها كريستيا باسمها الحقيقي وهو ما قاله الملاك وهنا سأل الملك عن العجوز نورماتي الذي يحبه كثيرا فقال "إنه مخلص لك ولو كان حيا لقلت اسمه انه الآن مع الأرواح الخيرة قتله صبيحة هذا اليوم جيروس ورمى جثته في نهر روك وسيبارك الرب في ذريته وسيكون لهم شأن في حكومتك والتمهيد لها" وسمى له السائس بريكماس وقال له أنه معهم وقد حاول قتلك وقد نبهناك لذلك وقال إنهوولده سيحكمون زمنا طويلا وكلهم ملعونون إلا واحدا منهم وهو قليل الحكم ، ثم أخبره " حينما تكون في قاعة الحكم الكبيرة يوم الاثنين وقبل الزوال بنصف ساعة سيحدث تمرد في القصر وسيدخلون عليك القاعة وأول الداخلين جيروس يحمل سيفا وهو يصرخ " أين هذا الذي يزعم انه يعلم الغيب ولا يموت حتى يقيم مملكة الرب على كل الناس" ثم قال الملاك "إلا إنني سأكون هناك وقبل دخولهم سأرمي عليك جلباب النور الذي يمنع أي احد أن يراك أو يؤذيك إلا إذا شئت أن تخرج نفسك لمن تريد ، سيدخلون ويبحثون عليك وأنت جالس ثم ستخرج من بينهم وهم لا يرونك وسترى كيف يذبح المخلصين من شعبك في القصر وفي الشوارع ، وسيقيم جيروس محكمة في قاعة الحكم يقتل بها كل من لم يسبك أو يتبرأ منك ومن آبائك وسيقتل هو وأنصاره في يوم واحد خمسة ألاف في المدينة وضواحيها" وهنا قال الملك اوقيدمو " ما صنعت لجيروس حتى إنني احترمه لماذا كل هذه الضغينة لي ولآبائي هل لي أن أقتله بجرم قتل نورماتي؟" فقال له الملاك "لا ، إلا ببينة تظهر لك وهذا ما لا يكون أبدا"ثم إن الملاك أوصاه "أن يؤرخ هذا اللقاء وكل ما جرى فيه ويدفع الكتاب إلى تومالين بعد شهر من الموعد وان يأمر تومالين أن يحتفظ به وان يطلع عليه إلا هو فقط وبعد عام من الحدث ولا يطلع عليه بعده احد وليكلف أحدا من ذريته للحفاظ عليه وعلى بعض حاجاتك المهمة وضعها في صندوق الذي ورثته من آبائك وسوف لا ندعه وحده في ذلك الاختيار ، كما اخبره أن يخرج تومالين هو وعائلة الملك وأهله إلى مدينة كوبيان البعيدة والتي تجاور مملكة سالي قبل عشرة أيام من الموعد وان يتنكر كما اخبره أنه يحرم عليه أن يذكر اسم الملك اوقيدمو ولا حتى أن ينوه عنه وأعطاه الملاك مجموعة من الأسماء نساء ورجالا وقال للملك اوقيدمو اخبرهم أن يخرجوا في نفس موعد خروج العجوز تومالين إلى أطراف المدن البعيدة عن المملكة وأن يتنكروا ولا يشعر بهم أحد وقال له الملاك دع سيروس يقوم بمهة تبليغهم هو رجل مخلص" وسيروس هذا هو الشاب المسؤول عن البحث عن الفقراء في كل المدن وعنده مجاميع كثيرة ويثق به الملك كثيرا حتى انه قال له يوما ما "يا سيروس إذا سألني ربي عن الفقراء أقول له رب إنه ذنب سيروس وليس ذنبي"وهو لا يكذب أبدا حتى إن الملك ذكره في إحدى خطبه بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس المملكة قال "إن مثل الشاب الصادق العامل في ذات الله هو سيروس إنني لا اعرف شابا اصدق منه لهجة وهو لا ينام ليله يبحث مع أخوته عن المستضعفين ليصل إليهم القوت ويلبي حاجاتهم "
الفصـل الحادي عشر
وصل الملك فجرا إلى المملكة ، وكان خروجه من الصومعة بعد المغيب بساعة ، ذهب ما إن وصل إلى فراشه بعد أن صلى الفجر هو وتومالين وكامادي في مصلى القصر ، قال لتومالين .
ـ سأراك العصر إنشاء الله من اجل أن نشرف على تجهيز جنازة الطيب نورماتي.
قال تومالين مستغربا .
ـ وهل مات نورماتي سيدي؟.
ـ نعم صبيحة أمس وسوف تخرج جثته من نهر روك عصر هذا اليوم .
ـ مات غرقا وفي نهر روك ما الذي جعله يذهب إلى روك وكيف يغرق وقد عمل معظم حياته صيادا ؟ .
صمت العجوز ، أردف.
ـ نعم سيدي سأكون على أتم الاستعداد بعد الظهر إنا لله وإنا إليه راجعون.
لم يتحدث الملك اوقيدمو مع تومالين في الطريق ، كان مهموما حزينا ، لقد حدثه الملاك عن أشياء كثيرة لم تخطر على بال احد ، لقد حدد له السنين التي سيتوارى فيها عن أنظار شعبه ، كانت سنينا طويلة جدا ، حتى أن الملك اوقيدمو نهض أكثر من مرة حينما سمع ذلك الرقم من السنين والقرون البعيدة ، حينها قال للملاك .
ـ وكيف ستصبر الناس على ذلك الظلم وذلك الغياب الطويل الذي تتحدث عنه؟.
قال له الملاك .
ـ سيمد الله في بصائر الناس المؤمنة بك حتى تكون عندهم غيبتك بمثابة المشاهدة ، وأنت معهم متى أرادوك بحق لقد أعطاك الرب ما لم يعطي أحدا من قبلك.
قال الملك اوقيدمو.
ـ هل لي أن أعينهم وادفع عنهم ؟.
قال الملاك .
ـ نعم لك ذلك متى شئت.
ـ وهل سينتفعون بي وأنا بعيدا عنهم؟.
ـ نعم مثل انتفاع الناس بالشمس حين تحجبها الغيوم.
وكان تومالين يريد أن يسأل الملك عما جرى ، إلا انه فهم ومن خلال علاقته بالعائلة المالكة أن المواضيع الخطرة والحساسة جدا هم من يبادر في الكلام ، حينما خرج من الصومعة وبيده السراج يترنح تعبا وكانت ثمة ريح باردة ذات رائحة عطرة قد هبت من جهة الشمال أوشكت أن تطفأ السراج قال الملك بعد أن جلس على صخرة بيضاء قرب باب الكهف وأعانه على ذلك تومالين ، قال.
ـ هناك تطورات خطيرة جدا سيد تومالين سأحدثك بها بعد حين ، إن الأمر في غاية الخطورة وهو محير حقا.
ومنذ تلك الساعة وحتى وصل القصر لم يتفوه الملك ببنت شفه ومع إن العجوز كانت تضج في عالمه عشرات من المسائل المهمة جدا إلا أنه لم يجرأ على سؤاله إلا أن الملك قبل أن يذهب تومالين وبعد أن أخبره عن موت نورماتي قال له .
ـ هل اتفق أن تكلمت مع السائس بريكماس؟ .
ـ نعم سيدي أتكلم معه دوما فهو رجل يبدو لي انه طيب القلب وله أولاد أربعة .
قال الملك اوقيدمو .
ـ وهل حدثك شيء عن أولاده ؟.
ـ سيدي ذات مرة قال لي سيد تومالين هل لك في الرؤيا فقلت له بعض الشيء مما تعلمته فقال لي كأن نارا خرجت من موضع بولي وراحت تلتف على الدنيا وكأنها أفعى وبقت وقتا طويلا تحرق كل من يدنوا لها ثم اضمحلت شيئا فشيئا.
تبسم الملك كانت ابتسامة حزينة ، قال الملك .
ـ وما كان تأويلك لها ؟.
ـ سيدي قلت له لا أعرف تأويل ذلك إلا أنني بقيت متفكرا بها بعض الوقت وقلت في نفسي ربما يتأذى الناس من شخص يخرج من ذريته لكنني لم أكن متأكدا لذلك لم أخبره.
قال الملك وهو يهز رأسه بتأس.
ـ أوشكت أن تصل .
صمت ، قال " أذهب سيد تومالين لدينا عصرا من العمل الشاق ما يكفي".
فكر تومالين وهو يذهب إلى بيته بسؤال الملك عن بريكماس وفضل أن يمر به ليتحدث معه قليلا إلا انه حينما وصل لم يجده ووجد أبنه الأكبرناتيوبارس، قال له.
ـ لقد خرج سيدي قبل قليل هل تأمرني بشيء أنا أقوم بما تأمرني به .
ـ لا يا بني أشكرك فقط أحببت أن أسلم عليه .
الفصـل الثاني عشر
عصرا وبالتحديد عند اصفرار الشمس أخرجت جثة العجوز نورماتي من نهر روك ، أخرجها صياد كان يعمل هو وابنه في النهر دون أن يعرف أن هذه الجثة لرجل حكومي مهم في المملكة ، بعد دقائق وصل موكب الملك الكبير إلى المكان ، كان بصحبته كبار مساعديه وبعض الوزراء ، لم يقل لهم إن تلك الرحلة تخص وفاة نورماتي بل قال لهم .
ـ سنذهب إلى مكان أحب أن تكونوا معي .
كان العجوز تومالين الوحيد الذي يعرف أنهم يتجهون إلى نهر روك ومن اجل جثة نورماتي ، حينما نظر الملك إلى الجثة دنى بخطوات ثقيلة جدا وجلس بقربها ، جلس عند الرأس ، قال .
ـ هذه جثة أخوكم نورماتي ، من يصدق إن نورماتي يموت غرقا .
صمت بينما راح بعض الوزراء يقتربون وهم يبكون ، قال الملك اوقيدمو وهو يمسح بعض الطين العالق في وجه نورماتي ولحيته البيضاء .
ـ رحمك الله يا نورماتي ، لقد وفيت بالعهد ، حشرك الله مع الطيبين .
نهض الملك ، لمح العجوز الذي اخرج الجثة وهو بيد رجال الحرس الملكي وكانوا قد مسكوه مع ابنه وأبعدوهما عن مكان الجثة ، قال لهم الملك اوقيدمو.
ـ لماذا تمسكون بهذا العجوز الطيب ، لقد فضل عليكم لولاه لما استطعتم أن تجدوا جثة نورماتي ،أطلقوا سراحه .
حينها جاء يركض هو وابنه وسجدوا أمام الملك ، قال الصياد.
ـ سيدي لقد علقت الشبكة فلما سحبتها وجدتها قد علقت بهذا العجوز .
قال الملك .
ـ صدقت ، انهض من علمك أن تسجد للعبيد ، إلا تعلم إنني عبد مثلك أرجو رحمة الله وعتقه ، لا تسجد لي ، السجود لا ينبغي إلا لله .
قال الصياد بعد أن نهض ودنى من الملك هامسا في أذنه اليمنى .
ـ سيدي لقد وجدت تلك الصخرة الكبيرة مربوطة في قدمه اليسرى ، أحببت أن تعرف هذا .
أخذ الملك الصياد وراح يسايره مبتعدا قليلا عن الموكب، قال .
ـ ما اسمك واسم ولدك؟ .
قال الصياد .
ـ سيدي خادمك غوردن وهذا ابني العبد ألقن لكم نابير.
ـ جعله الله عبدا له ، اسمع يا أخي غوردن اكتم ما رأيت من موضوع الصخرة ولا تحدث به أحد.
ـ أمرك سيدي .
ـ سأقول لك شيئا جزاء بما قدمته من أمر نورماتي ولا تتحدث به أبدا إلا بعد عامين من يومك هذا.
ـ سأفعل سيدي ولكم تمنيت أن التقي بك وأتشرف بالنظر إلى طلعتك البهية يابن الكرام الطيبين والذين لا يظلم عندهم أحد.
قال الملك على نحو الهمس.
ـ إن قاتل نورماتي هو من يطلبك بعد خمسين يوما من سقوط المملكة سيقول لك ماذا همس في أذنك الملك وماذا قال لك ، هو الآن ينظر إلينا .
تبسم غوردن ، قال " سقوط المملكة أيعقل ذلك ، ثم يا سيدي لماذا لا تقتص منه الآن "صمت ، أردف " سيدي وما أقول له إذا ما دعاني ، إنه أمر عجيب" قال الملك" لا تعجب من أمر الله ، قل له أي شيء إلا الحقيقة هو سيسرسل إليك ليقتلك لكنه سوف يدعك لأنه سينشغل عنك بحدث اكبر، اكتم هذا الحديث حتى على ولدك نابير ، سأرسل لك شيئا من المال بعد ثلاثة أيام عليك أن تكون هنا صباحا ، في حفظ الله ورعايته غوردن " قال غوردن " سيدي لماذا قلت لي ذلك " "في يوم ما ستقول الناس عني أنا من قتلت نورماتي يومها تحتاج إلى هذا الحديث وسوف لن تستطيع أن تتحدث به إلا لزوجتك وبعض أقاربك إلا أنه بعد موتك سينتشر بين الناس وهذا مهم لمن يتفحص في الأمور.
يتبع إن شاء الله
رواية : تتحدث عن الرجل الموعود والذي سيأتي قبل فوات الأوان ليعيد للإنسان كرامته
السلام على بقية الله في أرضه وحجته على عباده صاحب العصر والزمان
ونبارك له وللمؤمنين والمؤمنات حلول عيد الإضحى المبارك.
الفصـل العاشر
لقد تحدث الملاك كثيرا مع الملك اوقيدمو ، وفي الختام قال له .
ـ لديك بعض الأموال في بيت المال عليك أن تقسمها بسرعة على المناطق النائية من المملكة لأن الوقت يداهمك.
ثم سما له سيروس قال له .
ـ هو مخلص لك ، اعتمد عليه في هذا المجال فسيكفيك همه.
كما أوضح الملاك ملابسات بعض الأمور التي لم تكن لدى الملك معلومات تفصيلية عنها ومع إن الملك اوقيدمو يحمل علوم شتى ورثها من أبيه إلا إن هذا اللقاء أفضى على الملك أشياء وعلوم جديدة ، لقد أخبره أن يوم الاثنين سيكون اليوم العاشر من السنة الجديدة وهو اليوم الذي ستجتاح به جيوش الدول المؤتلفة المملكة وستعلن حالة من الفوضى في كل أرجاء المملكة يصنعها المهاجرون من الدول الأخرى وستكون هناك مقاومة شرسة يقوم بها بعض المريدين للملك وستبقى فترة من الزمن ثم تضمحل شيئا فشيئا وسوف لا يستطيع الجيش الملكي أن يصنع أي شيء بفعل ضخامة القوات المتقدمة والمندسين في القصر وأخبره أن مجلس الحكمة وهو المجلس المتكون من أربعين شخصية منها عشرة نساء وتتصف شخصياته بأن لديها حكمة وعلم في المجالات المختلفة وكان لا يسمح في دخول هذا المجلس إلا بعد أن يبلغ الشخص من العمر أربعين عام ، أخبره الملاك أن هذا المجلس به سبعة من المتآمرين مع الدول المجاورة وأبرزهم جيروس إما البقية فإنهم ليسوا محل ثقة واستثنى من ذلك العجوز تومالين فقط وامرأتان اسماهما الملاك آفلين وكريستيا والناس تسميها كريستا وكان الملك اوقيدمو يسميها كريستيا باسمها الحقيقي وهو ما قاله الملاك وهنا سأل الملك عن العجوز نورماتي الذي يحبه كثيرا فقال "إنه مخلص لك ولو كان حيا لقلت اسمه انه الآن مع الأرواح الخيرة قتله صبيحة هذا اليوم جيروس ورمى جثته في نهر روك وسيبارك الرب في ذريته وسيكون لهم شأن في حكومتك والتمهيد لها" وسمى له السائس بريكماس وقال له أنه معهم وقد حاول قتلك وقد نبهناك لذلك وقال إنهوولده سيحكمون زمنا طويلا وكلهم ملعونون إلا واحدا منهم وهو قليل الحكم ، ثم أخبره " حينما تكون في قاعة الحكم الكبيرة يوم الاثنين وقبل الزوال بنصف ساعة سيحدث تمرد في القصر وسيدخلون عليك القاعة وأول الداخلين جيروس يحمل سيفا وهو يصرخ " أين هذا الذي يزعم انه يعلم الغيب ولا يموت حتى يقيم مملكة الرب على كل الناس" ثم قال الملاك "إلا إنني سأكون هناك وقبل دخولهم سأرمي عليك جلباب النور الذي يمنع أي احد أن يراك أو يؤذيك إلا إذا شئت أن تخرج نفسك لمن تريد ، سيدخلون ويبحثون عليك وأنت جالس ثم ستخرج من بينهم وهم لا يرونك وسترى كيف يذبح المخلصين من شعبك في القصر وفي الشوارع ، وسيقيم جيروس محكمة في قاعة الحكم يقتل بها كل من لم يسبك أو يتبرأ منك ومن آبائك وسيقتل هو وأنصاره في يوم واحد خمسة ألاف في المدينة وضواحيها" وهنا قال الملك اوقيدمو " ما صنعت لجيروس حتى إنني احترمه لماذا كل هذه الضغينة لي ولآبائي هل لي أن أقتله بجرم قتل نورماتي؟" فقال له الملاك "لا ، إلا ببينة تظهر لك وهذا ما لا يكون أبدا"ثم إن الملاك أوصاه "أن يؤرخ هذا اللقاء وكل ما جرى فيه ويدفع الكتاب إلى تومالين بعد شهر من الموعد وان يأمر تومالين أن يحتفظ به وان يطلع عليه إلا هو فقط وبعد عام من الحدث ولا يطلع عليه بعده احد وليكلف أحدا من ذريته للحفاظ عليه وعلى بعض حاجاتك المهمة وضعها في صندوق الذي ورثته من آبائك وسوف لا ندعه وحده في ذلك الاختيار ، كما اخبره أن يخرج تومالين هو وعائلة الملك وأهله إلى مدينة كوبيان البعيدة والتي تجاور مملكة سالي قبل عشرة أيام من الموعد وان يتنكر كما اخبره أنه يحرم عليه أن يذكر اسم الملك اوقيدمو ولا حتى أن ينوه عنه وأعطاه الملاك مجموعة من الأسماء نساء ورجالا وقال للملك اوقيدمو اخبرهم أن يخرجوا في نفس موعد خروج العجوز تومالين إلى أطراف المدن البعيدة عن المملكة وأن يتنكروا ولا يشعر بهم أحد وقال له الملاك دع سيروس يقوم بمهة تبليغهم هو رجل مخلص" وسيروس هذا هو الشاب المسؤول عن البحث عن الفقراء في كل المدن وعنده مجاميع كثيرة ويثق به الملك كثيرا حتى انه قال له يوما ما "يا سيروس إذا سألني ربي عن الفقراء أقول له رب إنه ذنب سيروس وليس ذنبي"وهو لا يكذب أبدا حتى إن الملك ذكره في إحدى خطبه بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس المملكة قال "إن مثل الشاب الصادق العامل في ذات الله هو سيروس إنني لا اعرف شابا اصدق منه لهجة وهو لا ينام ليله يبحث مع أخوته عن المستضعفين ليصل إليهم القوت ويلبي حاجاتهم "
الفصـل الحادي عشر
وصل الملك فجرا إلى المملكة ، وكان خروجه من الصومعة بعد المغيب بساعة ، ذهب ما إن وصل إلى فراشه بعد أن صلى الفجر هو وتومالين وكامادي في مصلى القصر ، قال لتومالين .
ـ سأراك العصر إنشاء الله من اجل أن نشرف على تجهيز جنازة الطيب نورماتي.
قال تومالين مستغربا .
ـ وهل مات نورماتي سيدي؟.
ـ نعم صبيحة أمس وسوف تخرج جثته من نهر روك عصر هذا اليوم .
ـ مات غرقا وفي نهر روك ما الذي جعله يذهب إلى روك وكيف يغرق وقد عمل معظم حياته صيادا ؟ .
صمت العجوز ، أردف.
ـ نعم سيدي سأكون على أتم الاستعداد بعد الظهر إنا لله وإنا إليه راجعون.
لم يتحدث الملك اوقيدمو مع تومالين في الطريق ، كان مهموما حزينا ، لقد حدثه الملاك عن أشياء كثيرة لم تخطر على بال احد ، لقد حدد له السنين التي سيتوارى فيها عن أنظار شعبه ، كانت سنينا طويلة جدا ، حتى أن الملك اوقيدمو نهض أكثر من مرة حينما سمع ذلك الرقم من السنين والقرون البعيدة ، حينها قال للملاك .
ـ وكيف ستصبر الناس على ذلك الظلم وذلك الغياب الطويل الذي تتحدث عنه؟.
قال له الملاك .
ـ سيمد الله في بصائر الناس المؤمنة بك حتى تكون عندهم غيبتك بمثابة المشاهدة ، وأنت معهم متى أرادوك بحق لقد أعطاك الرب ما لم يعطي أحدا من قبلك.
قال الملك اوقيدمو.
ـ هل لي أن أعينهم وادفع عنهم ؟.
قال الملاك .
ـ نعم لك ذلك متى شئت.
ـ وهل سينتفعون بي وأنا بعيدا عنهم؟.
ـ نعم مثل انتفاع الناس بالشمس حين تحجبها الغيوم.
وكان تومالين يريد أن يسأل الملك عما جرى ، إلا انه فهم ومن خلال علاقته بالعائلة المالكة أن المواضيع الخطرة والحساسة جدا هم من يبادر في الكلام ، حينما خرج من الصومعة وبيده السراج يترنح تعبا وكانت ثمة ريح باردة ذات رائحة عطرة قد هبت من جهة الشمال أوشكت أن تطفأ السراج قال الملك بعد أن جلس على صخرة بيضاء قرب باب الكهف وأعانه على ذلك تومالين ، قال.
ـ هناك تطورات خطيرة جدا سيد تومالين سأحدثك بها بعد حين ، إن الأمر في غاية الخطورة وهو محير حقا.
ومنذ تلك الساعة وحتى وصل القصر لم يتفوه الملك ببنت شفه ومع إن العجوز كانت تضج في عالمه عشرات من المسائل المهمة جدا إلا أنه لم يجرأ على سؤاله إلا أن الملك قبل أن يذهب تومالين وبعد أن أخبره عن موت نورماتي قال له .
ـ هل اتفق أن تكلمت مع السائس بريكماس؟ .
ـ نعم سيدي أتكلم معه دوما فهو رجل يبدو لي انه طيب القلب وله أولاد أربعة .
قال الملك اوقيدمو .
ـ وهل حدثك شيء عن أولاده ؟.
ـ سيدي ذات مرة قال لي سيد تومالين هل لك في الرؤيا فقلت له بعض الشيء مما تعلمته فقال لي كأن نارا خرجت من موضع بولي وراحت تلتف على الدنيا وكأنها أفعى وبقت وقتا طويلا تحرق كل من يدنوا لها ثم اضمحلت شيئا فشيئا.
تبسم الملك كانت ابتسامة حزينة ، قال الملك .
ـ وما كان تأويلك لها ؟.
ـ سيدي قلت له لا أعرف تأويل ذلك إلا أنني بقيت متفكرا بها بعض الوقت وقلت في نفسي ربما يتأذى الناس من شخص يخرج من ذريته لكنني لم أكن متأكدا لذلك لم أخبره.
قال الملك وهو يهز رأسه بتأس.
ـ أوشكت أن تصل .
صمت ، قال " أذهب سيد تومالين لدينا عصرا من العمل الشاق ما يكفي".
فكر تومالين وهو يذهب إلى بيته بسؤال الملك عن بريكماس وفضل أن يمر به ليتحدث معه قليلا إلا انه حينما وصل لم يجده ووجد أبنه الأكبرناتيوبارس، قال له.
ـ لقد خرج سيدي قبل قليل هل تأمرني بشيء أنا أقوم بما تأمرني به .
ـ لا يا بني أشكرك فقط أحببت أن أسلم عليه .
الفصـل الثاني عشر
عصرا وبالتحديد عند اصفرار الشمس أخرجت جثة العجوز نورماتي من نهر روك ، أخرجها صياد كان يعمل هو وابنه في النهر دون أن يعرف أن هذه الجثة لرجل حكومي مهم في المملكة ، بعد دقائق وصل موكب الملك الكبير إلى المكان ، كان بصحبته كبار مساعديه وبعض الوزراء ، لم يقل لهم إن تلك الرحلة تخص وفاة نورماتي بل قال لهم .
ـ سنذهب إلى مكان أحب أن تكونوا معي .
كان العجوز تومالين الوحيد الذي يعرف أنهم يتجهون إلى نهر روك ومن اجل جثة نورماتي ، حينما نظر الملك إلى الجثة دنى بخطوات ثقيلة جدا وجلس بقربها ، جلس عند الرأس ، قال .
ـ هذه جثة أخوكم نورماتي ، من يصدق إن نورماتي يموت غرقا .
صمت بينما راح بعض الوزراء يقتربون وهم يبكون ، قال الملك اوقيدمو وهو يمسح بعض الطين العالق في وجه نورماتي ولحيته البيضاء .
ـ رحمك الله يا نورماتي ، لقد وفيت بالعهد ، حشرك الله مع الطيبين .
نهض الملك ، لمح العجوز الذي اخرج الجثة وهو بيد رجال الحرس الملكي وكانوا قد مسكوه مع ابنه وأبعدوهما عن مكان الجثة ، قال لهم الملك اوقيدمو.
ـ لماذا تمسكون بهذا العجوز الطيب ، لقد فضل عليكم لولاه لما استطعتم أن تجدوا جثة نورماتي ،أطلقوا سراحه .
حينها جاء يركض هو وابنه وسجدوا أمام الملك ، قال الصياد.
ـ سيدي لقد علقت الشبكة فلما سحبتها وجدتها قد علقت بهذا العجوز .
قال الملك .
ـ صدقت ، انهض من علمك أن تسجد للعبيد ، إلا تعلم إنني عبد مثلك أرجو رحمة الله وعتقه ، لا تسجد لي ، السجود لا ينبغي إلا لله .
قال الصياد بعد أن نهض ودنى من الملك هامسا في أذنه اليمنى .
ـ سيدي لقد وجدت تلك الصخرة الكبيرة مربوطة في قدمه اليسرى ، أحببت أن تعرف هذا .
أخذ الملك الصياد وراح يسايره مبتعدا قليلا عن الموكب، قال .
ـ ما اسمك واسم ولدك؟ .
قال الصياد .
ـ سيدي خادمك غوردن وهذا ابني العبد ألقن لكم نابير.
ـ جعله الله عبدا له ، اسمع يا أخي غوردن اكتم ما رأيت من موضوع الصخرة ولا تحدث به أحد.
ـ أمرك سيدي .
ـ سأقول لك شيئا جزاء بما قدمته من أمر نورماتي ولا تتحدث به أبدا إلا بعد عامين من يومك هذا.
ـ سأفعل سيدي ولكم تمنيت أن التقي بك وأتشرف بالنظر إلى طلعتك البهية يابن الكرام الطيبين والذين لا يظلم عندهم أحد.
قال الملك على نحو الهمس.
ـ إن قاتل نورماتي هو من يطلبك بعد خمسين يوما من سقوط المملكة سيقول لك ماذا همس في أذنك الملك وماذا قال لك ، هو الآن ينظر إلينا .
تبسم غوردن ، قال " سقوط المملكة أيعقل ذلك ، ثم يا سيدي لماذا لا تقتص منه الآن "صمت ، أردف " سيدي وما أقول له إذا ما دعاني ، إنه أمر عجيب" قال الملك" لا تعجب من أمر الله ، قل له أي شيء إلا الحقيقة هو سيسرسل إليك ليقتلك لكنه سوف يدعك لأنه سينشغل عنك بحدث اكبر، اكتم هذا الحديث حتى على ولدك نابير ، سأرسل لك شيئا من المال بعد ثلاثة أيام عليك أن تكون هنا صباحا ، في حفظ الله ورعايته غوردن " قال غوردن " سيدي لماذا قلت لي ذلك " "في يوم ما ستقول الناس عني أنا من قتلت نورماتي يومها تحتاج إلى هذا الحديث وسوف لن تستطيع أن تتحدث به إلا لزوجتك وبعض أقاربك إلا أنه بعد موتك سينتشر بين الناس وهذا مهم لمن يتفحص في الأمور.
يتبع إن شاء الله