السر الثالث ح3: حسين كاظم الزاملي
رواية : تتحدث عن الرجل الموعود والذي سيأتي قبل فوات الأوان ليعيد للإنسان كرامته
السلام على بقية الله في أرضه وحجته على عباده صاحب العصر والزمان
الفصـل الخامس
ـ سأذهب وربما سأمر في السوق هل لديك حاجة اجلبها لك من هناك؟.
ـ نعم بعض البصل ،كنت قد طلبت منك ذلك قبل يومين ونسيت ، لا تنسى الآن
ـ سأفعل سوف لن أنسى .
قال ديوجينس ذلك لزوجته وهو يهم أن يصعد إلى عربته والتي تحركت ما إن صعد بها ، كان يجرها جوادان أحداهما أحمر داكن أما الأخر فابيض ذات بقع سوداء كبيرة خاصة عند الطرف السفلي من بطنه ، هذا الجواد يدعى ريا أما الأحمر الداكن فيسمونه سو وهو أسرع واصغر عمرا من ذلك الجواد ذات النقوش السوداء ، في هذه القرية كما في القرى الأخرى يحب الناس أن يطلقوا على حيواناتهم بعض الأسماء .
صاح بصوت مبحوح.
ـ هيا أسرع سو لا يعلمك ريا على الكسل أسرع لدي عمل لا بد من إنجازه بسرعة والرجوع مبكرا .
تقافزت العربة فوق الطريق ، كانت هناك بعض الحجارة الصخرية الصغيرة يقذفها بعض الصبيان فوق الطريق وهم يلعبون بها ثم يتركونها ويمضون وما إن تسحقها العربة حتى تقفز إلى الأعلى وكأنها تطير في الهواء لذا ترى أصحاب العربات ممن يمتازون بالسرعة وهم قلة جدا فهناك إضافة إلى ديوجينس ثلاثة من الشيبة وشباب واحد ، تراهم وهم ينهالون دوما بالشتم على أولئك الصبية ولطالما حدثت بعض المشاكل بين الرجال من جراء ذلك ، وضمن الروتين اليومي كان على ديوجينس أن يمر على الحقل أولا يعمل به قليلا ثم يذهب بعد ذلك إلى السوق وبعدها يعود إلى الحقل ويعمل به إلى ما بعد الزوال بساعتين ثم يقفل راجعا إلى بيته ، حينما اجتازت العربة الجسر الصغير والذي يقع عند مفترق الطرق الرئيسية وهناك في القرية من يسميه جسر الرقيق ولا يوجد تاريخ دقيق لهذه التسمية ، حينما اجتاز ذلك الجسر كان عليه أن يتوقف بسبب بعض الرعاة وهم يجتازون الجسر بماشيتهم الكثيرة ، حينما لمحه الراعي بريتوريوس وكان يرتدي قميصا ازرقا ومعطفا اسودا وسروالا بلون رمال الصحراء ممزقا من ركبتيه وقد وضع على رأسه قماشة بلون رمادي صاح .
ـ كيف حالك ديوجينس ، ما زلت تسير مسرعا ؟ ، هذه العربة متهرئة لا تسرع بها أما آن لك أن تستبدلها ؟.
ـ أهلا بريتوريوس كيف حالك ، لمن هذه الموشي هل لك فيها شيء؟.
ـ لا إنها للسيد نيوماتري لقد اشترى مزرعة أخرى ، إن المهاجرين أكثر منكم مالا وهم يتوسعون بشكل ملحوظ.
سارت العربة بينما ظل الشاب بريتوريوس واقفا على الجانب الأيسر للجسر ينظر إلى العربة تهبط بسرعة نحو المنحدر الذي يلي الجسر وقد تركت خلفها ذيلا من الأتربة ، قال ديوجينس بنفسه." إن المهاجرين ينمون بسرعة إنهم مثل المرض الذي لا يدع صاحبه يتنفس منه ، ماذا سنعمل كل أولادنا يعملون في حقولهم هم يشترون المزارع بثمن مغري تماما ويدفعون للعمال اجرا غير متوقع " لمح ديوجينس المقبرة من بعيد إنها تقع الآن في الجهة اليمنى ، يمكن له أن يرى عربة الملك واقفة هناك لمحها إلا انه لا يستطيع أن يلمح الملك اوقيدمو ولا مرافقه السيد تومالين من المكان الذي توقفت فيه العربة ، قال في نفسه وربما خرجت منه بعض الكلمات " هؤلاء من التجار ما ذا يصنعون في المقبرة علي أن أتأكد منهم" حرك عربته باتجاه المقبرة ، تقدم كامادي ما إن رأى العربة تتوجه نحوهما ، هذا الرجل يتمتع بقدرة قتالية فائقة بينما بقى سائق العربة في مكانه، وضع يده على مقبض سيفه دون أن يخرجه ، حينما وصلت العربة بقربه رفع يده اليمنى إشارة منه إلى أن يتوقف صاحب العربة القادمة، لو كان ديوجينس لديه سرعة بديهية لعرف إن هذا الشاب رجل عسكري محنك وذلك من حركة يده .
قال ديوجينس .
ـ من أنت ؟، وماذا تصنع هنا؟.
قال كامادي بلغة فظة .
ـ ومن أنت حتى تسأل؟ .
ـ أنا ديوجينس من القرية.
قال كامادي وهو ينظر إلى داخل العربة ليتأكد من خلوها من أي شخص يمكن أن يكون مستلقيا فيها.
ـ ونحن هنا لنترحم على بعض أمواتنا هل لديك ممانعة .
لمح ديوجينس الملك هو والعجوز الذي معه، اندهش لزيه ووجه البهي ومشيته ، أحس أنه أمام أناس ليسوا من أهل القرية كما أحس أنهم من الكبار وربما من التجار هكذا كانت أحاسيسه تتجه ، قال بلغة اقل تشنجا.
ـ هؤلاء أموات أهل القرية وأنا من القرية ولا أعرفكم؟.
جاء الملك يسير بهدوء وخلفه تومالين ، قال الملك وكان يوجه كلماته إلى تومالين وقبل أن يصل إلى المكان الذي تقف فيه عربة ديوجينس.
ـ لكم تمنيت أن أبقى هنا بعض الوقت لكن علينا أن نصل قبل العصر.
قال ديوجينس وهو يترجل من عربته .
ـ سيدي لم يبقى في القرية شاب واحد ، أمامك بعض القرى يمكن أن تأخذ منها الشباب إلى حقولكم ، ألستم من تجار المهاجرين؟.
قال الملك وهو يبتسم .
ـ لسنا من التجار ولا من الذين جاءوا مهاجرين.
ـ إذا ما تصنعون هنا في المقبرة ؟.
ـ لنا بعض الأموات نحبهم جئنا نترحم عليهم .
ـ أنا أسف ولكن لم أراكم قبل هذا الوقت.
ـ لكنني أعرفك .
قال ديوجينس بلغة المندهش.
ـ تعرفني سيدي؟.
ـ نعم أعرفك.
ـ وكيف ذلك؟.
ـ ألست ديوجينس ، المسرع دوما في عربته والذي لا يتوانى أن يسب الأطفال كلما رآهم يمرحون على الطرقات .
ـ نعم أنا هو سيدي ولكنني لا أعرفك.
ـ عليك أن تمتنع عن ذلك ، لا يوجد شيء أجمل من الطفل حينما يمرح .
ـ سيدي هم يضعون الصخر على الطريق حتى تقفز العربة فيضحكون على ذلك.
ـ نعم اعرف ذلك ولكن شتمك لهم سيزيد من عنادهم ، علموهم ، هم لا يعرفون من الدنيا غير ذلك.
ـ أريد منك أن تأتي معي للغداء ، أرجوك سيدي لقد وقع حبك في قلبي .
ـ لا ، لدي عمل علي أن أقوم به قبل الليل.
قال ديوجينس.
ـ أرى ملامح الإيمان على وجهك بالله عليك إلا ما جئت معي أو وعدتني أن تأتي للغداء أن كان لديك مانع هذا اليوم .
تبسم الملك اوقيدمو ، قال .
ـ أما الآن فلا ولكن سآتيك يوما ما إنشاء الله.
قال ديوجينس.
ـ هذا وعد .
سكت قليلا ، أردف .
ـ هل لي أن أتعرف عليكم أكثر ، أسمائكم مثلا ، أعمالكم ؟.
قال الملك .
ـ أنت مخير بين أن تستمع لجوابنا ولا نعطيك شيء مما عندنا وبين أن نعطيك هدية ، مالا تستعين به على دنياك على أن لا نجيبك وأنت مخير في ذلك.
تبسم ديوجينس ، تبسم الملك كذلك بينما راح العجوز تومالين يخرج كيسا ابيض اللون مطرز بنقوش صفراء وهو يحتوي دوما على بعض المسكوكات الذهبية ، قال ديوجينس.
ـ سيدي معرفتكم مهمة بالنسبة لي ولكنني محتاج إلى المال واقبله منك كهدية .
ـ نعم هو هدية وليبارك لك الرب فيه لأنك محتاج إليه.
قال الملك ذلك وهو يعطي ذلك الكيس الأبيض ذات النقوش الصفراء إلى ديوجينس صاحب اللحية البيضاء والذي دخل قبل أيام في عامه الخمسين ومن خلال هذا الكيس سيتعرف ديوجينس يوما ما على أن الذي حدثه في المقبرة هو المنقذ اوقيدمو لأن في القرية من يعرف هذه المسكوكات بل وحتى ذلك الكيس والذي هو خاص بالبيت الملكي ، تحركت عربة الملك قليلا ، توقفت ، اخرج الملك اوقيدمو رأسه منها ، قال .
ـ سيد ديوجينس أدنوا مني ، هناك شيء أحب أن أحدثك عنه.
تقدم ديوجينس كان يكثر من القول.
ـ نعم سيدي .
قال الملك.
ـ قبل أن تلدك أمك بشهر وثلاثة أيام توفي والدك السيد هارديان ريلاند بفعل مرض قلبي وهو يعمل في حقله وكان قد أوصى والدتك أن تسميك يوهان تيمنا بجدك الثالث السيد يوهان جايمر الذي بنى المصلى الكبير في القرية ولكن حين وضعتك ضغط بعض أقاربك لأمك على والدتك لتسميك بهذا الاسم ، احفظ عني هذا القول سيد ديوجينس وان زوجتك على وشك أن تنجب أخر أبنائك فليكن اسم المولود الجديد بما أراده أبيك لك.
قال ديوجينس وهو مرتبك قليلا بفعل تلك المعلومات.
ـ سيدي هل إن جدي الثالث هو الذي بنى المصلى الكبير؟.
ـ نعم هو وأعانه على ذلك بعض أهل القرية .
ـ ولكنهم يقولون غير ذلك يقولون إن الذي بناه السيد ريكو وهناك مزار له قرب المصلى.
ـ لا عليك بما يقولون ، حينما وصل السيد ريكو وهو رجل طيب كذلك كان المصلى قد مر على بنائه عام وسبعة اشهر ويومان إلا انه قام بخدمة المصلين فيه ، إن الذي بناه جدك السيد يوهان جايمر وانفق معظم أمواله في بنائه بذلك الشكل الرائع.
ـ لكنك شاب فكيف تعرف كل هذه الأشياء القديمة جدا وكيف لك أن تعرف ان زوجتي على وشك الولادة فهي لم يبقى لها إلا شهر.
قال الملك .
ـ بل عشرون يوم بإذن الله ، الآن سأذهب ديوجينس وداعا.
تحركت العربة بينما بقى السيد ديوجينس مندهشا يفكر بعمق كيف أن هذا الشاب يعرف كل تلك المعلومات القديمة أو تلك المعلومات التي تخص زوجته وكان ينظر إلى العربة وكيف أنها بدأت تأخذ طريق التجار حيث سيأخذها إلى منتصف القرية حيث قبر المقدس مارسل سيمون وهو قبر صغير جدا تحيطه بعض الأشجار وبنيت فوقه قبة صغيرة من الطين وكانت تجلس تحتها أي جنب القبر فتاة صغيرة عمياء ولم يكن في القبر أي شخص آخر ، حينما دخل إليها الملك اوقيدمو والعجوز تومالين ، كانت الطفلة متمسكة بالقبر وهي تبكي وتطلب العون من سيمون ان يدعو الرب لشفائها ، وكانت ثمة حصران متآكلة فرشت في الرواق الصغير وقد خصصت للصلاة والدعاء ، حينما إنتهى الملك من صلاته قال وهو يجلس جنب تلك الطفلة.
ـ ما هو أسمك يا صغيرتي وأين أهلك لماذا أنت وحيدة هنا ؟.
كانت الطفلة جميلة جدا وكانت تبكي ، عمرها تجاوز العاشرة وهي ترتدي ملابس رثة وهي داكنة نوعا ما ، قالت .
ـ منذ سنة وأنا أتي كل يوم إلى هنا أطلب من سيمون ان يدعو الرب لشفائي ولكنه لم يفعل لقد سئموا أهلي من المجيء معي كل يوم ، إن بيتنا في أطراف القرية ، قبل الغروب يأتي أخي ماتن ليأخذني وهو من جاء بي قبل قليل وأجلب معي غدائي ، كل يوم يصنع بي هكذا لدي شعور أنني سأشفى يوما ما.
قال الملك .
ـ منذ متى وآنت هكذا؟ .
ـ بعد ولادتي بعام أصابني مرض في عيوني ولم أعد أرى أي شيء هذا ما قالته أمي لي.
هز الملك رأسه ، قال.
ـ ما هو أسمك ؟.
ـ لوشيا دوسانتوس.
تبسم الملك قال .
ـ ما معنى لوشيا؟.
قالت وهي تمسح الدموع من عينيها.
ـ لا أدري سيدي ولكن لا توجد فتاة في القرية بهذ الاسم .
ـ لوشيا هل تحبين ألله؟.
كانت لوشيا تضع رأسها على القبر ، رفعته ، قالت.
ـ نعم سيدي وكيف لا أحب ألله أنا أحبه كثيرا.
ـ جيد سأسألك ولكن اجيبيني بصراحة .
قالت وهي ترتب القماشة الصفراء التي غطت بها شعرها من غير إتقان .
ـ نعم سيدي تفضل فأنا لا أكذب.
ـ لو ان ألله أراد أن تقضي حياتك كلها بهذا الشكل أترضين لرضاه أم تسخطين لذلك القدر؟.
صمتت لوشيا طويلا قالت .
ـ قبل أن أجيبك سيدي هل أسألك ؟.
ـ نعم تفضلي.
ـ لأسألك هل هو يحبني أم لا ؟.
ـ نعم هو يحبك ما دمت انت تحبينه ولم تخطئي بحقه إن الله يحبك أكثر من أمك .
ـ إذا كيف يرضى لحبيبه أن يكون ذليلا ومحتاجا لغيره فأنا لا أقدر أن أذهب للغائط دون مساعدة كيف يرضى لذلك وهو يقدر ولو كان لا يقدر لعذرته ولكنه على كل شيء قدير .
خرجت من عيني الملك قطرات من الدموع قال .
ـ أحسنت لوشيا في قولك لو كان لا يقدر لعذرته ولكنه على كل شيء قدير.
وقف الملك ورفع يديه ، خرجت من عينية دموع غزيرة ، أحس تومالين أن الملك سيدعو لها ، فرح في نفسه فهو يعرف أن الطفلة ستشفى إذا دعى لها الملك ، راح تومالين يسمع كلمات الملك " إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ، ولا تمكر بي في حيلتك ، من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك ؟ ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك ؟ لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك ، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك ، يا رب يا رب يا رب ، أنت دللتني عليك ، ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر ما أنت . الحمد الله الذي أدعوه فيجيبني ، وإن كنت بطيئا حين يدعوني . والحمد الله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلا حين يستقرضني . والحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي ، وأخلو به حيث شئت لسري بغير شفيع ، فيقضي لي حاجتي . والحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي . والحمد لله الذي أرجوه ولا أرجو غيره ، ولو رجوت غيره لأخلف رجائي . والحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني ، ولم يكلني إلى الناس فيهينوني . والحمد لله الذي تحبب إلي ، وهو غني عني . والحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي ، فربي أحمد شئ عندي ، وأحق بحمدي " كان لا يسمع من الملك إلا انينه وتلك الكلمات التي راح يترنح أمامها تومالين لعذوبتها ، حاول أن يحفظها حتى ينقلها في يوم ما للأخرين وهذا ديدن الأوقدوميون فهم يحرصون على أن تكون الكلمات التي يخاطب بها الرب كلمات تكلم بها الملك اوقديمو أو أحد أبائه ، أرادت لوشيا أن تتكلم فهي لم ترى الملك وهو يدعو سوى انها سمعت تلك الكلمات المصحوبة بالصوت الحزين إلا أن تومالين همس بإذنها قال لها " أصمتي لا تتحدثي حتى يتحدث معك أنه يدعو لك" " اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة ومناهل الرجاء لديك مترعة والاستعانة بفضلك لمن أملك مباحة ، و أبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة . وأعلم أنك للراجين بموضع إجابة ، و للملهوفين بمرصد إغاثة ، وأن في اللهف إلى جودك ، والرضا بقضائك عوضا من منع الباخلين ، ومندوحة عما في أيدي المستأثرين ، وأن الراحل إليك قريب المسافة . وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك ، وقد قصدت إليك بطلبتي ، وتوجهت إليك بحاجتي ، وجعلت بك استغاثتي ، و بدعائك توسلي من غير استحقاق لاستماعك مني ، ولا استيجاب لعفوك عني ، بل لثقتي بكرمك ، وسكوني إلى صدق وعدك ، ولجائي إلى الاقرار بتوحيدك ، ويقيني بمعرفتك مني أن لا رب لي غيرك ، ولا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك . اللهم أنت القائل ، وقولك حق ووعدك صدق " واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما " وليس من صفاتك يا سيدي أن تأمر بالسؤال وتمنع العطية ، وأنت المنان بالعطيات على أهل مملكتك ، والعائد عليهم بتحنن رأفتك . إلهي ربيتني في نعمك وإحسانك صغيرا ، ونوهت باسمي كبيرا ، فيا من رباني في الدنيا بإحسانه وتفضله ونعمه ، وأشار لي في الآخرة إلى عفوه وكرمه . معرفتي يا مولاي دلتني عليك ، وحبي لك شفيعي إليك ، وأنا واثق من دليلي بدلالتك ، وساكن من شفيعي إلى شفاعتك . أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه ، رب أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه . أدعوك يا رب راهبا راغبا راجيا خائفا ، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت ، وإذا رأيت كرمك طمعت ، فإن عفوت فخير راحم ، وأن عذبت فغير ظالم .
لحظات مرت والملك اوقيدمو يعيش مع الله في دعاءه ومناجاته ، صرخت الطفلة " سيدي ماذا صنعت إنني أراك" ، فرحت لوشيا وسجدت تشكر الرب ، سجد تومالين وهو يبكي ، سجد الملك اوقيدمو قال " الشكر لك يا رب " قالها عدة مرات ، قال .
ـ لوشيا هذا حبيبك الرب قد أرجع عليك نور عينيك لترين بها لقد كانت كلماتك مؤثرة جدا من علمك ذلك ؟.
كانت لوشيا تبكي من الفرح فهي ترى كل شيء بوضوح تام ، قالت وهي تبكي .
ـ سيدي خرجت الكلمات من على لساني دون ان أشعر بها وكأن شخصا قال لي قولي ذلك.
قال الملك .
ـ صدقت لوشيا الآن أذهبي .
ـ سيدي من تكون؟ .
قال الملك وهو يخرج من القبر المتواضع.
ـ لوشيا في ودي أن أقول لك من أكون ولكنني أخشى أن يقتلوك الأعداء بعد سنوات ، أذهبي حفظك الرب من كل مكروه .
يتبع إن شاء الله
رواية : تتحدث عن الرجل الموعود والذي سيأتي قبل فوات الأوان ليعيد للإنسان كرامته
السلام على بقية الله في أرضه وحجته على عباده صاحب العصر والزمان
الفصـل الخامس
ـ سأذهب وربما سأمر في السوق هل لديك حاجة اجلبها لك من هناك؟.
ـ نعم بعض البصل ،كنت قد طلبت منك ذلك قبل يومين ونسيت ، لا تنسى الآن
ـ سأفعل سوف لن أنسى .
قال ديوجينس ذلك لزوجته وهو يهم أن يصعد إلى عربته والتي تحركت ما إن صعد بها ، كان يجرها جوادان أحداهما أحمر داكن أما الأخر فابيض ذات بقع سوداء كبيرة خاصة عند الطرف السفلي من بطنه ، هذا الجواد يدعى ريا أما الأحمر الداكن فيسمونه سو وهو أسرع واصغر عمرا من ذلك الجواد ذات النقوش السوداء ، في هذه القرية كما في القرى الأخرى يحب الناس أن يطلقوا على حيواناتهم بعض الأسماء .
صاح بصوت مبحوح.
ـ هيا أسرع سو لا يعلمك ريا على الكسل أسرع لدي عمل لا بد من إنجازه بسرعة والرجوع مبكرا .
تقافزت العربة فوق الطريق ، كانت هناك بعض الحجارة الصخرية الصغيرة يقذفها بعض الصبيان فوق الطريق وهم يلعبون بها ثم يتركونها ويمضون وما إن تسحقها العربة حتى تقفز إلى الأعلى وكأنها تطير في الهواء لذا ترى أصحاب العربات ممن يمتازون بالسرعة وهم قلة جدا فهناك إضافة إلى ديوجينس ثلاثة من الشيبة وشباب واحد ، تراهم وهم ينهالون دوما بالشتم على أولئك الصبية ولطالما حدثت بعض المشاكل بين الرجال من جراء ذلك ، وضمن الروتين اليومي كان على ديوجينس أن يمر على الحقل أولا يعمل به قليلا ثم يذهب بعد ذلك إلى السوق وبعدها يعود إلى الحقل ويعمل به إلى ما بعد الزوال بساعتين ثم يقفل راجعا إلى بيته ، حينما اجتازت العربة الجسر الصغير والذي يقع عند مفترق الطرق الرئيسية وهناك في القرية من يسميه جسر الرقيق ولا يوجد تاريخ دقيق لهذه التسمية ، حينما اجتاز ذلك الجسر كان عليه أن يتوقف بسبب بعض الرعاة وهم يجتازون الجسر بماشيتهم الكثيرة ، حينما لمحه الراعي بريتوريوس وكان يرتدي قميصا ازرقا ومعطفا اسودا وسروالا بلون رمال الصحراء ممزقا من ركبتيه وقد وضع على رأسه قماشة بلون رمادي صاح .
ـ كيف حالك ديوجينس ، ما زلت تسير مسرعا ؟ ، هذه العربة متهرئة لا تسرع بها أما آن لك أن تستبدلها ؟.
ـ أهلا بريتوريوس كيف حالك ، لمن هذه الموشي هل لك فيها شيء؟.
ـ لا إنها للسيد نيوماتري لقد اشترى مزرعة أخرى ، إن المهاجرين أكثر منكم مالا وهم يتوسعون بشكل ملحوظ.
سارت العربة بينما ظل الشاب بريتوريوس واقفا على الجانب الأيسر للجسر ينظر إلى العربة تهبط بسرعة نحو المنحدر الذي يلي الجسر وقد تركت خلفها ذيلا من الأتربة ، قال ديوجينس بنفسه." إن المهاجرين ينمون بسرعة إنهم مثل المرض الذي لا يدع صاحبه يتنفس منه ، ماذا سنعمل كل أولادنا يعملون في حقولهم هم يشترون المزارع بثمن مغري تماما ويدفعون للعمال اجرا غير متوقع " لمح ديوجينس المقبرة من بعيد إنها تقع الآن في الجهة اليمنى ، يمكن له أن يرى عربة الملك واقفة هناك لمحها إلا انه لا يستطيع أن يلمح الملك اوقيدمو ولا مرافقه السيد تومالين من المكان الذي توقفت فيه العربة ، قال في نفسه وربما خرجت منه بعض الكلمات " هؤلاء من التجار ما ذا يصنعون في المقبرة علي أن أتأكد منهم" حرك عربته باتجاه المقبرة ، تقدم كامادي ما إن رأى العربة تتوجه نحوهما ، هذا الرجل يتمتع بقدرة قتالية فائقة بينما بقى سائق العربة في مكانه، وضع يده على مقبض سيفه دون أن يخرجه ، حينما وصلت العربة بقربه رفع يده اليمنى إشارة منه إلى أن يتوقف صاحب العربة القادمة، لو كان ديوجينس لديه سرعة بديهية لعرف إن هذا الشاب رجل عسكري محنك وذلك من حركة يده .
قال ديوجينس .
ـ من أنت ؟، وماذا تصنع هنا؟.
قال كامادي بلغة فظة .
ـ ومن أنت حتى تسأل؟ .
ـ أنا ديوجينس من القرية.
قال كامادي وهو ينظر إلى داخل العربة ليتأكد من خلوها من أي شخص يمكن أن يكون مستلقيا فيها.
ـ ونحن هنا لنترحم على بعض أمواتنا هل لديك ممانعة .
لمح ديوجينس الملك هو والعجوز الذي معه، اندهش لزيه ووجه البهي ومشيته ، أحس أنه أمام أناس ليسوا من أهل القرية كما أحس أنهم من الكبار وربما من التجار هكذا كانت أحاسيسه تتجه ، قال بلغة اقل تشنجا.
ـ هؤلاء أموات أهل القرية وأنا من القرية ولا أعرفكم؟.
جاء الملك يسير بهدوء وخلفه تومالين ، قال الملك وكان يوجه كلماته إلى تومالين وقبل أن يصل إلى المكان الذي تقف فيه عربة ديوجينس.
ـ لكم تمنيت أن أبقى هنا بعض الوقت لكن علينا أن نصل قبل العصر.
قال ديوجينس وهو يترجل من عربته .
ـ سيدي لم يبقى في القرية شاب واحد ، أمامك بعض القرى يمكن أن تأخذ منها الشباب إلى حقولكم ، ألستم من تجار المهاجرين؟.
قال الملك وهو يبتسم .
ـ لسنا من التجار ولا من الذين جاءوا مهاجرين.
ـ إذا ما تصنعون هنا في المقبرة ؟.
ـ لنا بعض الأموات نحبهم جئنا نترحم عليهم .
ـ أنا أسف ولكن لم أراكم قبل هذا الوقت.
ـ لكنني أعرفك .
قال ديوجينس بلغة المندهش.
ـ تعرفني سيدي؟.
ـ نعم أعرفك.
ـ وكيف ذلك؟.
ـ ألست ديوجينس ، المسرع دوما في عربته والذي لا يتوانى أن يسب الأطفال كلما رآهم يمرحون على الطرقات .
ـ نعم أنا هو سيدي ولكنني لا أعرفك.
ـ عليك أن تمتنع عن ذلك ، لا يوجد شيء أجمل من الطفل حينما يمرح .
ـ سيدي هم يضعون الصخر على الطريق حتى تقفز العربة فيضحكون على ذلك.
ـ نعم اعرف ذلك ولكن شتمك لهم سيزيد من عنادهم ، علموهم ، هم لا يعرفون من الدنيا غير ذلك.
ـ أريد منك أن تأتي معي للغداء ، أرجوك سيدي لقد وقع حبك في قلبي .
ـ لا ، لدي عمل علي أن أقوم به قبل الليل.
قال ديوجينس.
ـ أرى ملامح الإيمان على وجهك بالله عليك إلا ما جئت معي أو وعدتني أن تأتي للغداء أن كان لديك مانع هذا اليوم .
تبسم الملك اوقيدمو ، قال .
ـ أما الآن فلا ولكن سآتيك يوما ما إنشاء الله.
قال ديوجينس.
ـ هذا وعد .
سكت قليلا ، أردف .
ـ هل لي أن أتعرف عليكم أكثر ، أسمائكم مثلا ، أعمالكم ؟.
قال الملك .
ـ أنت مخير بين أن تستمع لجوابنا ولا نعطيك شيء مما عندنا وبين أن نعطيك هدية ، مالا تستعين به على دنياك على أن لا نجيبك وأنت مخير في ذلك.
تبسم ديوجينس ، تبسم الملك كذلك بينما راح العجوز تومالين يخرج كيسا ابيض اللون مطرز بنقوش صفراء وهو يحتوي دوما على بعض المسكوكات الذهبية ، قال ديوجينس.
ـ سيدي معرفتكم مهمة بالنسبة لي ولكنني محتاج إلى المال واقبله منك كهدية .
ـ نعم هو هدية وليبارك لك الرب فيه لأنك محتاج إليه.
قال الملك ذلك وهو يعطي ذلك الكيس الأبيض ذات النقوش الصفراء إلى ديوجينس صاحب اللحية البيضاء والذي دخل قبل أيام في عامه الخمسين ومن خلال هذا الكيس سيتعرف ديوجينس يوما ما على أن الذي حدثه في المقبرة هو المنقذ اوقيدمو لأن في القرية من يعرف هذه المسكوكات بل وحتى ذلك الكيس والذي هو خاص بالبيت الملكي ، تحركت عربة الملك قليلا ، توقفت ، اخرج الملك اوقيدمو رأسه منها ، قال .
ـ سيد ديوجينس أدنوا مني ، هناك شيء أحب أن أحدثك عنه.
تقدم ديوجينس كان يكثر من القول.
ـ نعم سيدي .
قال الملك.
ـ قبل أن تلدك أمك بشهر وثلاثة أيام توفي والدك السيد هارديان ريلاند بفعل مرض قلبي وهو يعمل في حقله وكان قد أوصى والدتك أن تسميك يوهان تيمنا بجدك الثالث السيد يوهان جايمر الذي بنى المصلى الكبير في القرية ولكن حين وضعتك ضغط بعض أقاربك لأمك على والدتك لتسميك بهذا الاسم ، احفظ عني هذا القول سيد ديوجينس وان زوجتك على وشك أن تنجب أخر أبنائك فليكن اسم المولود الجديد بما أراده أبيك لك.
قال ديوجينس وهو مرتبك قليلا بفعل تلك المعلومات.
ـ سيدي هل إن جدي الثالث هو الذي بنى المصلى الكبير؟.
ـ نعم هو وأعانه على ذلك بعض أهل القرية .
ـ ولكنهم يقولون غير ذلك يقولون إن الذي بناه السيد ريكو وهناك مزار له قرب المصلى.
ـ لا عليك بما يقولون ، حينما وصل السيد ريكو وهو رجل طيب كذلك كان المصلى قد مر على بنائه عام وسبعة اشهر ويومان إلا انه قام بخدمة المصلين فيه ، إن الذي بناه جدك السيد يوهان جايمر وانفق معظم أمواله في بنائه بذلك الشكل الرائع.
ـ لكنك شاب فكيف تعرف كل هذه الأشياء القديمة جدا وكيف لك أن تعرف ان زوجتي على وشك الولادة فهي لم يبقى لها إلا شهر.
قال الملك .
ـ بل عشرون يوم بإذن الله ، الآن سأذهب ديوجينس وداعا.
تحركت العربة بينما بقى السيد ديوجينس مندهشا يفكر بعمق كيف أن هذا الشاب يعرف كل تلك المعلومات القديمة أو تلك المعلومات التي تخص زوجته وكان ينظر إلى العربة وكيف أنها بدأت تأخذ طريق التجار حيث سيأخذها إلى منتصف القرية حيث قبر المقدس مارسل سيمون وهو قبر صغير جدا تحيطه بعض الأشجار وبنيت فوقه قبة صغيرة من الطين وكانت تجلس تحتها أي جنب القبر فتاة صغيرة عمياء ولم يكن في القبر أي شخص آخر ، حينما دخل إليها الملك اوقيدمو والعجوز تومالين ، كانت الطفلة متمسكة بالقبر وهي تبكي وتطلب العون من سيمون ان يدعو الرب لشفائها ، وكانت ثمة حصران متآكلة فرشت في الرواق الصغير وقد خصصت للصلاة والدعاء ، حينما إنتهى الملك من صلاته قال وهو يجلس جنب تلك الطفلة.
ـ ما هو أسمك يا صغيرتي وأين أهلك لماذا أنت وحيدة هنا ؟.
كانت الطفلة جميلة جدا وكانت تبكي ، عمرها تجاوز العاشرة وهي ترتدي ملابس رثة وهي داكنة نوعا ما ، قالت .
ـ منذ سنة وأنا أتي كل يوم إلى هنا أطلب من سيمون ان يدعو الرب لشفائي ولكنه لم يفعل لقد سئموا أهلي من المجيء معي كل يوم ، إن بيتنا في أطراف القرية ، قبل الغروب يأتي أخي ماتن ليأخذني وهو من جاء بي قبل قليل وأجلب معي غدائي ، كل يوم يصنع بي هكذا لدي شعور أنني سأشفى يوما ما.
قال الملك .
ـ منذ متى وآنت هكذا؟ .
ـ بعد ولادتي بعام أصابني مرض في عيوني ولم أعد أرى أي شيء هذا ما قالته أمي لي.
هز الملك رأسه ، قال.
ـ ما هو أسمك ؟.
ـ لوشيا دوسانتوس.
تبسم الملك قال .
ـ ما معنى لوشيا؟.
قالت وهي تمسح الدموع من عينيها.
ـ لا أدري سيدي ولكن لا توجد فتاة في القرية بهذ الاسم .
ـ لوشيا هل تحبين ألله؟.
كانت لوشيا تضع رأسها على القبر ، رفعته ، قالت.
ـ نعم سيدي وكيف لا أحب ألله أنا أحبه كثيرا.
ـ جيد سأسألك ولكن اجيبيني بصراحة .
قالت وهي ترتب القماشة الصفراء التي غطت بها شعرها من غير إتقان .
ـ نعم سيدي تفضل فأنا لا أكذب.
ـ لو ان ألله أراد أن تقضي حياتك كلها بهذا الشكل أترضين لرضاه أم تسخطين لذلك القدر؟.
صمتت لوشيا طويلا قالت .
ـ قبل أن أجيبك سيدي هل أسألك ؟.
ـ نعم تفضلي.
ـ لأسألك هل هو يحبني أم لا ؟.
ـ نعم هو يحبك ما دمت انت تحبينه ولم تخطئي بحقه إن الله يحبك أكثر من أمك .
ـ إذا كيف يرضى لحبيبه أن يكون ذليلا ومحتاجا لغيره فأنا لا أقدر أن أذهب للغائط دون مساعدة كيف يرضى لذلك وهو يقدر ولو كان لا يقدر لعذرته ولكنه على كل شيء قدير .
خرجت من عيني الملك قطرات من الدموع قال .
ـ أحسنت لوشيا في قولك لو كان لا يقدر لعذرته ولكنه على كل شيء قدير.
وقف الملك ورفع يديه ، خرجت من عينية دموع غزيرة ، أحس تومالين أن الملك سيدعو لها ، فرح في نفسه فهو يعرف أن الطفلة ستشفى إذا دعى لها الملك ، راح تومالين يسمع كلمات الملك " إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ، ولا تمكر بي في حيلتك ، من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك ؟ ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك ؟ لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك ، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك ، يا رب يا رب يا رب ، أنت دللتني عليك ، ودعوتني إليك ، ولولا أنت لم أدر ما أنت . الحمد الله الذي أدعوه فيجيبني ، وإن كنت بطيئا حين يدعوني . والحمد الله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلا حين يستقرضني . والحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي ، وأخلو به حيث شئت لسري بغير شفيع ، فيقضي لي حاجتي . والحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي . والحمد لله الذي أرجوه ولا أرجو غيره ، ولو رجوت غيره لأخلف رجائي . والحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني ، ولم يكلني إلى الناس فيهينوني . والحمد لله الذي تحبب إلي ، وهو غني عني . والحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي ، فربي أحمد شئ عندي ، وأحق بحمدي " كان لا يسمع من الملك إلا انينه وتلك الكلمات التي راح يترنح أمامها تومالين لعذوبتها ، حاول أن يحفظها حتى ينقلها في يوم ما للأخرين وهذا ديدن الأوقدوميون فهم يحرصون على أن تكون الكلمات التي يخاطب بها الرب كلمات تكلم بها الملك اوقديمو أو أحد أبائه ، أرادت لوشيا أن تتكلم فهي لم ترى الملك وهو يدعو سوى انها سمعت تلك الكلمات المصحوبة بالصوت الحزين إلا أن تومالين همس بإذنها قال لها " أصمتي لا تتحدثي حتى يتحدث معك أنه يدعو لك" " اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة ومناهل الرجاء لديك مترعة والاستعانة بفضلك لمن أملك مباحة ، و أبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة . وأعلم أنك للراجين بموضع إجابة ، و للملهوفين بمرصد إغاثة ، وأن في اللهف إلى جودك ، والرضا بقضائك عوضا من منع الباخلين ، ومندوحة عما في أيدي المستأثرين ، وأن الراحل إليك قريب المسافة . وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك ، وقد قصدت إليك بطلبتي ، وتوجهت إليك بحاجتي ، وجعلت بك استغاثتي ، و بدعائك توسلي من غير استحقاق لاستماعك مني ، ولا استيجاب لعفوك عني ، بل لثقتي بكرمك ، وسكوني إلى صدق وعدك ، ولجائي إلى الاقرار بتوحيدك ، ويقيني بمعرفتك مني أن لا رب لي غيرك ، ولا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك . اللهم أنت القائل ، وقولك حق ووعدك صدق " واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما " وليس من صفاتك يا سيدي أن تأمر بالسؤال وتمنع العطية ، وأنت المنان بالعطيات على أهل مملكتك ، والعائد عليهم بتحنن رأفتك . إلهي ربيتني في نعمك وإحسانك صغيرا ، ونوهت باسمي كبيرا ، فيا من رباني في الدنيا بإحسانه وتفضله ونعمه ، وأشار لي في الآخرة إلى عفوه وكرمه . معرفتي يا مولاي دلتني عليك ، وحبي لك شفيعي إليك ، وأنا واثق من دليلي بدلالتك ، وساكن من شفيعي إلى شفاعتك . أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه ، رب أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه . أدعوك يا رب راهبا راغبا راجيا خائفا ، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت ، وإذا رأيت كرمك طمعت ، فإن عفوت فخير راحم ، وأن عذبت فغير ظالم .
لحظات مرت والملك اوقيدمو يعيش مع الله في دعاءه ومناجاته ، صرخت الطفلة " سيدي ماذا صنعت إنني أراك" ، فرحت لوشيا وسجدت تشكر الرب ، سجد تومالين وهو يبكي ، سجد الملك اوقيدمو قال " الشكر لك يا رب " قالها عدة مرات ، قال .
ـ لوشيا هذا حبيبك الرب قد أرجع عليك نور عينيك لترين بها لقد كانت كلماتك مؤثرة جدا من علمك ذلك ؟.
كانت لوشيا تبكي من الفرح فهي ترى كل شيء بوضوح تام ، قالت وهي تبكي .
ـ سيدي خرجت الكلمات من على لساني دون ان أشعر بها وكأن شخصا قال لي قولي ذلك.
قال الملك .
ـ صدقت لوشيا الآن أذهبي .
ـ سيدي من تكون؟ .
قال الملك وهو يخرج من القبر المتواضع.
ـ لوشيا في ودي أن أقول لك من أكون ولكنني أخشى أن يقتلوك الأعداء بعد سنوات ، أذهبي حفظك الرب من كل مكروه .
يتبع إن شاء الله