إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

السر الثالث : رواية في حلقات تتحدث عن الإمام المهدي (ع) الحلقة 1

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • ابو ابراهيم
    عضو جديد
    • 29-10-2011
    • 8

    السر الثالث : رواية في حلقات تتحدث عن الإمام المهدي (ع) الحلقة 1

    ( في أحدى المواقع وجدت هذه الرواية وهي تتحدث فعلا عن دور الإمام المهدي ع في حركة التأريخ وقد سمى الراوي الإمام ع باوقيدمو أحد أسماء الإمام ع في التوراة وهي رواية جميلة سوف انقلها لكم على شكل حلقات كما وردت ببعض المواقع )


    السر الثالث ح1 : حسين كاظم الزاملي
    رواية : تتحدث عن الرجل الموعود والذي سيأتي قبل فوات الأوان ليعيد للإنسان كرامته

    السلام على بقية الله في أرضه وحجته على عباده صاحب العصر والزمان



    الإهـــــــــــــداء

    إلى : فرانسيسكو... جاسنتا ... والسيدة لوسيا
    الذين تشرفوا برؤية الأم السماوية السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) وتزودوا من فيض
    عطائها النوراني .

    في زمن ما أخبر الله تعالى ملائكته عن مشروع كبير يريد أن ينفذه على الأرض وكان يتمثل بخلق الإنسان... يومها أبدت الملائكة بعض التحفظات وأطلقت مجموعة من التساؤلات حول ذلك الإنسان الذي سيثير المتاعب ويعلن العصيان ويسفك الدماء ويرفع راية الفساد عاليا إلا أن الله تعالى قال لهم أني علمي فوق ما تعلمون ... فكان مشروع الإنسان ... أدم ... حواء ... ومن تلك اللحظة بدأت التحديات ، ولأن الله تعالى أراد أن تسجد كل الملائكة لذلك المشروع ولأن إبليس بصورة أو بأخرى كان ممن شملهم الأمر الإلهي فرفض بشدة ذلك الأمر وطرح مجموعة من التبريرات التي لم تصل إلى درجة أن يقبلها الرب وهنا تجرأ إبليس ليعلن عدواته المطلقة لذلك المشروع وأعلن تحديه بكل وقاحة بشرط أن يعطيه الله تعالى العمر المديد وسعة الحركة في مديات ذلك الإنسان ، فقبل الله تعالى التحدي ... وأعطاه ما أراد ... وبدأت المعركة ... وقتل قابيل هابيل كنتيجة أولى لذلك الصراع ... واستمرت المعركة بكل شراسة ... وماتت أمم وانبعثت أخرى ... وقتل الأنبياء ... وبقى الصراع على أوجه ... وحينما بقى أخر رجل من سلسلة الرجال المُخلَصين الموكلين بهداية الناس وإصلاحهم ... أعلن الرب عن تخفيه ... وهكذا حتى تأتي اللحظة التي وعد بها الرب ذلك الإنسان بأن يقتل إبليس ويتحقق العدل الإلهي على كل بر وبحر ... هذه الرواية تتحدث عن ذلك الرجل المتخفي منذ قرون بعيدة ... لقد أطلق الله تعالى عليه أسماء كثيرة وهو يتحدث مع الأمم الماضية عنه وعن زمانه الموعود إلا أن أسمه في الرواية " اوقيدمو " الأسم الذي أطلقته التوراة بلغة أهل بابل القديمة " تركوم " على الرجل الأخير والقادم من وراء الغيب ... للرواية شخوصها وزمانها وأماكنها الخاصة بها والتي نبعت من خيال الكاتب .
    ـــــــــ

    الأبهة المقدسة ستخفض جناحيهـــــــا
    عند قدوم صاحب الشريعة العظيـــــم
    سيرفع المتواضع ويقلق بال المتمــــرد
    لن يظهر مثيله على الأرض مرة أخرى

    نوستر أداموس
    ــــــــ
    حينما يلوح في السماء شيء مخيف ، مخيف جدا ، ليس لكم لأنكم ستكونون فرحين مستبشرين ، بل لأولاك الذين تجاهلوا الله تعالى ، وأعلنوا العصيان ، يومها سترون الشمس تشرق من مغيبها وتتغير الأمور بشكل لم يسبق له مثيل ، حينئذ سيتأكد لكم أن اوقديمو ليس أكذوبة لأنكم حينها سترونه وأنتم في أي مكان وهو يتحدث معكم بلغتكم .
    القديس أوتانيا
    أحد أبطال الرواية
    من كلماته التي كتبها على جدار سجن المحرقة المرعب
    ـــــــــــ
    المقدمة...
    اليوم هو الخميس 24/2/2005 ، الساعة الثامنة مساءا

    بضحكة تقليدية ، تقليدية تماما ، أعتاد مشاهدوا برنامج " لا مكان لليأس" أن يشاهدوها وهي تتربع على شفتي مقدمة البرنامج الآنسة كاترين أنتوني وهي تستقبل من تستضيفه في البرنامج ، وهاهي اليوم تستقبل ضيفتها السيدة ماريا الأفريقية الأصل بتلك الابتسامة ، قالت.
    ـ مرحبا بك سيدة ماريا، نبارك لك شفائك ، لقد سمعنا عنك الكثير ولكم تمنينا أن نلتقي بك ، أنت معنا على الهواء في هذا البرنامج الذي يبث من المحطة الرابعة من التلفزيون الأسباني، قبل البدء كيف تقيمين هذا البرنامج أو لنقل كيف ترينه سيدتي؟.
    تبسمت السيدة ماريا ، قالت.
    ـ أشكرك آنسة كاترين ، مؤكد أنه برنامج رائع ، رائع جدا ، هو غني عن التعريف ، إنه يحاول أن يصنع شيئا جديدا ، هو خلاف كل الاتجاهات المطروحة ، إنه يذكرنا بنقطة البدء بعدما أضعنا الطريق ، كنت من المتابعين له باستمرار ، أتذكر أنه فآتني مرة واحدة ، حينما أبدلتم بثه من عصر السبت إلى مساء الخميس ولم أكن أشعر بذلك التغير مع إنكم حسبما عرفت قد نوهتم أكثر من مرة على ذلك التغيير .
    صمتت قليلا وهي تنظر في وجه كاترين ، كانت مبتسمة ، أكملت حديثها.
    ـ في أسوء ساعات مرضي كنت أتذكر تلك الحالات التي عرضها البرنامج أمثال الأب روفري والعجوز فينيا ربسون والشابة نيكولا، وكنت أقول في نفسي أن ثمة قوة قادرة على إعادتي إلى الحياة وكنت أحس أنها بمتناول الأيدي ، المهم أن برنامجكم زرع في روحي شعورا وهو أن تلك القوة ليست محض وهم وعلينا أن نتوجه إليها لأنها هي القادرة على أن تصلح ما بنا من علل.
    ـ جيد سيدة ماريا ، وأشكرك ، هل يمكن أن تحديثنا ، وبالتحديد ، ماذا حدث لك ، هناك الكثير من المشاهدين في عموم أوربا يشاهدونك الآن ، بالتحديد ماذا حدث لك سيدة ماريا ؟.
    قالت.
    ـ نعم وبكل سرور .
    أردفت بعد لحظات من الصمت .
    ـ كنت مصابة بأورام سرطانية مميتة ، لا مجال لأن أعيش ، هكذا قال معظم الأطباء ، لقد استوعبت هذا الشيء وأخذت بالاستعداد ورحت أصلي كثيرا من أجل المغفرة ، أتذكر إن الدكتور أدواردز بيفان وهو المشرف الأول على حالتي قال لي بعد أن فقت من غيبوبتي ، أكثري من الصلاة سيدة ماريا فتأكدت أنها الساعات الأخيرة ، كنت حينها في الغرفة الرابعة والعشرين من الطابق الخامس في مستشفى القديسة ماتينا الخيري ، كنت أشعر أن ثمة قوة قادرة على إرجاعي إلى الحياة ، كنت أفكر في أولادي الثلاثة ، ريد ، جوكور، كابانيس وهو أصغرهم سنا كنت أفكر به كثيرا ، قبل أيام بلغ عامه الثاني عشر ، كنت أنظر إلى الجسر المعلق البعيد ، حينها أحسست أن هناك رجل يقف جنب الباب ، تصورته أول الأمر أنه طبيب كالذين يدخلون علي كل يوم ، أدرت وجهي إليه ، كان شابا وسيما يرتدي ملبسا أبيضا ، أبيض تماما وقد وضع على رأسه شيئا من ذلك القماش الأبيض، كان وسيما جدا ، تبسم في وجهي ، كانت ابتسامة تبعث الطمأنينة في النفس ، قال وهو مبتسم " كيف حالك سيدة ماريا ، جئت لأساعدك " كان يحمل في يده قارورة صغيرة لم أميز لونها أول الأمر ولكن بعد أن أقترب مني رأيتها بيضاء ، أحسست أنه ليس من الأطباء ملبسه وشكله يوحي بذلك ، كان وجهه أسمرا مشوبا بالحمرة والتي لم أرى مثلها وكأنها النور ، على خده الأيمن شامة سوداء لم أرى أجمل منها ، لحيته خفيفة وكانت بيضاء إلا أن عمره في عقد الأربعين هكذا ترائى لي ، أردت أن أقول له أنني أموت لكنني لم استطع أن انطق بأي حرف ، قال " تكلمي أنا أسمعك ، لقد قلت توا إنك تموتين ، لا تتعبي نفسك وتحركي شفتيك أنا أسمعك سيدة ماريا " حدثته في روحي وقلت باستغراب كيف يتسنى لك أن تسمعني ، وقبل هذا من تكون أنت أيها الشاب هل أنت المسيح ، تبسم ، وتقدم بخطوات قال بهدوء " أنا لست السيد المسيح ، إلا أن السيد المسيح يعلم بحالتك أيضا هو دوما معي ويعلم بقدومي إليك ، أما من أكون فأنا البقية الصالحة ، أنا الذي أدخره الرب لنصرة الضعفاء ، أما كيف أسمعك فذلك من العلوم التي ما زال أمامكم وقت حتى تتعلموا شيئا منها ، المهم إنني أسمعك سيدة ماريا " قلت له ما أسمك قال لي وهو يبتسم " وما ينفعك أسمي لقد أطلقت الناس علي أسماء كثيرة فأي أسم تريدين منها ، أنت أبنت العزيز كونتي بيرا لقد عاصرته وكان طيب القلب ، لقد كان اسمي يوم ذاك اوقيدمو " أردت أن أقول له من هو كونتي بيرا إلا أنني رأيت نفسي أقول له " اوقيدمو ، لم اسمع بهذا الاسم سيدي " تبسم مرة أخرى قال لي " نعم كان ذلك في القديم ، افتحي فمك " فتحت فمي فوضع ما كان في القارورة من سائل وكان طعمه طعم الماء ، بعدها لم أحس بأي شيء وعرفت بعد ذلك أن غيبوبتي استمرت ثلاثة أيام ، ولما استيقظت وجدت مجموعة من الأطباء تجري علي فحوصات مختلفة وعلمت من أحد الأطباء إنني قد شفيت تماما ورجعت قواي الجسدية إلى عهد الشباب.
    قالت كاترين" كيف لنا أن نوثق هذا الحدث سيدة ماريا؟"." لكم أن تتصلوا في المستشفى وتسألوا عن ملفي الصحي ، هناك طبيب دخل إلى الغرفة وهو أول طبيب يدخل بعد دخول ذلك الشاب فوجد تلك القارورة وهي عنده الآن وسمعت أنه وجد بها قطرات فأعطى زوجته المصابة بسرطان الثدي وشفيت تماما هو نقل لي ذلك بعدما زارني إلى بيتي""ـ هل لنا أن نتعرف على اسمه ؟"." لكم أن تسألوا عنه "صمتت ، أردفت ،"ـ ربما لا يرضى أن أقول لكم عن أسمه".
    قالت كاترين.
    ـ لا تذهبوا ، لحظات لنعود إليكم ، ما زالت هناك أشياء كثيرة في برنامج لا مكان لليأس، فاصل لنعود إليكم.

    *****
    قبل ذلك الوقت بقرون عديدة.

    الفصـل الأول

    اليوم هو الاثنين الثامن عشر من الشهر الثاني عشر من عام 328 على الحساب الأوقدومي القمري.
    قالت بتأوه أكثر مرارة من ذي قبل " لا مناص من الذهاب إلى النهر" صمتت ولكنها سرعان ما أردفت " ألا أنه بعيد وبعيد جدا " ، كانت محنية الظهر تنظر بعينيها الداكنتين والغائرتين في ذات الوقت إلى النهر، نهر ريس ، والذي مد نفسه بين الأعشاب والأحراش والأراضي المنبسطة بتعرج واضح ومعقد بدآ للناظر من فوق قمة سيمون ، وهي أعلى قمة جبلية يمكن أن تشاهد في تلك السلسلة الطويلة والتي يطلقون عليها جبال نسرون ، بدا وكأنه أفعى هاربة من مسحات فلاح ضليع ، هذه هي المرة الرابعة التي تتأوه بها السيدة آنيتا منذ أن خرجت من الكوخ ونظرت إلى ريس ، تأملت وقد أسندت ظهرها على جذع شجرة من أشجار الصندل المنتشر هنا وهناك ، كانت على مقربة من باب الكوخ ، الكوخ الكبير وليس الصغير والذي لم تدخل إليه السيدة آنيتا منذ ثلاثة أيام ، أغمضت عينيها وراحت تتنفس بعمق ، كان وجهها هادئا ، هادئا جدا ، ويبدو أنها كانت مستطردة في التفكير ، التفكير العميق ، كانت عصا التوت ما تزال بيدها اليمنى وهي تتوكأ عليها حينما تريد أن تسير لمسافات طويلة ، ارتجفت العصا تحت يدها ، هذا يعني أنها بدأت تتضجر في نفسها ، نظرت برقبة نصف معوجة إلى عربات الشراء ، شراء بعض الخضر من الحقول القريبة على منزل السيدة آنيتا ، كانت نظرة خاطفة وبائسة ، بائسة تماما ، كانت تنظر إلى سائقي العربات والى الأطفال وهم يمرحون حول العربات وكانوا يتسببون بإزعاج حقيقي إلى العمال ، حركت رأسها وتبسمت في نفسها ، كانت ابتسامة ساخرة ، تماما مثلما يبتسم المستخف من كل شيء حينما يواجه قدر سيء لا يقدر عليه ، لمحت في الأرض الجرداء القريبة حصاة تلمع بفعل انعكاس الشمس التي لم يبقى عليها إلا ساعة لتتوارى خلف الجبال البعيدة ، فكرت أن تلتقطها ثم سرعان ما عدلت عن تلك الفكرة ، كانت قديما جدا تفعل ذلك ، حينما كانت ما تزال صغيرة ترعى الأغنام بالسهول كانت تلتقط كل حصاة تلمع إلا إنها ومنذ زمن بعيد نأت بنفسها عن تلك الأفكار ، نظرت إلى ريس مرة أخرى ، حركت رأسها وقد لاح لها شيء من الماضي وبالتحديد ذكريات زوجها آوتاني ، كانت دوما تلح عليها تلك الذكريات خاصة حينما تتجه نحو ريس ، نباح الكلاب عكر مجيء تلك الذكريات بالشكل الذي ترغب به السيدة آنيتا ، قالت في نفسها " الأشياء تتغير كل شيء يتغير بسرعة ، هذه الشجرة بالأمس كانت صغيرة لقد غرسها آوتاني هنا ، أتذكر جيدا كيف غرسها وكنت أساعده في ذلك قلت له لنغرسها هناك إلا انه أصر على أن يغرسها هنا ، قال لي سنجلس تحت ظلها في يوم ما وسيكون شيئا جميلا إلا إنه مات ولم يرى ظلها ، حتى داوود ذهب هو الآخر ، كان عليّ أن أتوقع ذهابه ، كيف لي أن أثق بالأشياء ما دامت تتحرك بسرعة كبيرة " ، قالت ذلك وهي تلمح سرب من اللقالق البيضاء غادية في السماء إلى نحو الجنوب ، عشرة أيام مضت على غياب داوود ، كان دوما يأتي وقبل أن ينسحب من عمله الحقلي عصرا لينجز ما تحتاجه العجوز من أشياء وأول تلك الأشياء ملأ القربة من ريس ، كان يجلب حزمة من القش تطوعا ويرميها قرب بيت الدجاج وليس في باحة القش ، ذات مرة قالت له العجوز ذلك ، قالت له " ضعها في باحة القش " صنع ذلك أياما ولكنه عاد ليرميها قرب بيت الدجاج، وكانت العجوز تتلقاه مبتسمة ، دوما تتلقاه مبتسمة وحتى لو كانت ابتسامة مصطنعة ، وكانت السيدة آنيتا لا تجيد ذلك ، كانت دوما تحاول ولكنها لم تكن تجيد ذلك ، كانت تقول له إذا ما رأته حاملا القش أو القربة " أشكرك يا ولدي لقد أتعبتك معي " ، دوما الكلمات ذاتها وكأن العجوز لا تعرف غير تلك الكلمات ، لم يكن نهر ريس بعيدا ولا هو بعيد جدا ، قديما كانت تقول العجوز انه قريب وقريب جدا ولكم تمنت أن يكون بيتها عند مفترق طريق التجار حيث لا يمكن لك أن تشاهد أشجار الصندل والخيزران وبعض الدردار من هناك وهي تساير النهر وتفترق عنه عند المنعطف حيث يذهب النهر باتجاه الشلال ، شلال ديمتروس الكبير ، وهناك من يسميه القديس ديمتروس ، مسكت القربة وقد تركت العصا ، عصا التوت حيث كانت تجلس وراحت تمشي باتجاه ريس ، كانت تتمتم بكلمات مبهمة جدا ، حتى لو أصغيت إليها لا تخرج بطائل منها ، هذه القربة كانت العجوز تفكر دوما باستبدالها ، ستة أعوام مضت حينما فكرت أول مرة باستبدالها يومها قالت في نفسها " لأنتظر بعض الأشهر ، ما زالت جيدة " الصبية في القرية هم الذين صنعوها من جلد الضأن ، حينما اشترتها منهم قالوا لها " يمكن أن تنتفعي بها خمسة أعوام قبل أن تفكري في استبدالها " يومها ضحكت وقالت ساخرة " وما أدراكم إنني سأعيش خمسة أعوام" ، مسكتها من الحبل فراحت تتدلى راقصة على أنغام خطواتها المرتبكة بفعل تعرج الطريق وكان بإمكانها أن تأخذ طريق السواقي فهو اقل تعرجا إلا أن العجوز كانت تنظر إلى داوود وهو يسلك هذا الطريق وكان يقفز على المروز وهو يتسابق مع الفراش ذي الذيل المدبب ، من المنطقي جدا أن تأخذ العجوز غير هذا الطريق فقد لا يعود الصبي داوود إليها أبدا ، لقد ذهب إلى حقول المهاجرين ، قال له أبوه " لقد أصبحت فتى وعليك أن تلتحق بحقول المهاجرين إنهم يدفعون إضعاف ما يدفعه المزارعون هنا ، لو كانوا يرضون بالشيبة لذهبت معهم ، إنهم يريدون الشباب فقط " يومها جمع داوود حاجياته وذهب مع أول عربة طافت تبحث عن العمال الشباب وكان في كل عربة خبير من المهاجرين يرى ما إذا كان العامل شابا أو شيخا فإذا اقتنع به يأخذه ويعطي أهله أجر أسبوع كمنحة غير قابلة للرد ، ثم يكتب اسمه في رق ويمضي ، يومها فكر داوود أن يخبر العجوز إلا أنه أستدرك قبل أن يصل إلى الكوخ بأمتار ،أطرق وأقفل راجعا ، حينما شعرت انه تأخر عنها أياما سألت عنه فقيل لها " لقد ذهب إلى حقول المهاجرين " تأسفت له وتمنت رجوعه وصلت من اجل ذلك كثيرا .
    تعثرت العجوز إلا إنها لم تقع ، دخلت في ألاماكن التي تنتشر بها أزهار النسرين والخزامي وهذا يعني أنها وصلت تقريبا إلى حافة نهر ريس حيث السلالم الصخرية السبع ولم يبقى أمامها إلا أمتار ، وقفت وقد سمعت أنينا لحيوان يحتضر وتبادر إلى ذهنا بمجرد أن سمعته انه احد الجراء وقد انقطع حديثها مع نفسها والذي بدأته منذ أن كانت مسندة ظهرها على جذع الصندل ، انقطع تماما وراحت تركز على مصدر ذلك الصوت وهي تدير برأسها على كل الاتجاهات ، لحظات ليجرها إليه صوته الخافت الذليل والذي كان يصدره متقطعا ، وجدته بين الأدغال والنسرين وهو يجود بنفسه ، تململت كثيرا حينما رأته وكذلك حينما كانت تبحث عنه ، وقفت على مقربة منه بحيث لامس ردائها الأصفر ظهره ، حرك رأسه وذيله كذلك ، محاولة منه لأن يقول لذلك القادم القريب منه إنه يموت وكان قبل ذلك قد ألقى رأسه بين الأدغال وهو لا يقوى على تحريكه ، تبسمت وقد هرع زوجان من القطا من بين أقدامها ، تأملت ، استدارت دورة كاملة ، لم تسمع غير أصوات اللقالق وبعض الضفادع وهناك في البعيد أصوات الأطفال تمرح قرب عربات سحب القش ، يمكن للعجوز أيضا أن تسمع ذلك الصوت الذي يطلقه شلال القديس ديمتروس من بعيد وهذا يحتاج من العجوز إلى شيء من الإصغاء ، قالت في نفسها " لا يوجد غيره " ثم ذهبت نحو السلالم الصخرية كانت تفكر في أمره قالت في نفسها ولكن بحزن شديد "لا يوجد أي خيار أمامي علي أن أخذه معي إلى الكوخ ، إنه أمر محير تماما إنه يموت" ملئت القربة ثم وقفت جنبه مرة أخرى قالت في نفسها " لأبحث عن أخوته ربما لديه أخوة " تفقدت مابين السيقان ، سيقان النسرين وبعض الأدغال لخطوات ، خطوات فقط ، لم تبتعد كثيرا كانت تتمنى أن لا تجد أحدا وفعلا لم تجد غيره ، حملته على تضجر ، قالت وهي تضعه في الكوخ ، الكوخ الذي يقع في المؤخرة والذي لم تدخل إليه العجوز منذ ثلاثة أيام إذ لا يوجد فيه ما تحتاجه ، قالت " أبقى هنا حتى أعود إليك " ثم وضعت له بعض الحليب وهشمت له بعض الخبز وراحت تغذيه وهو يئن ، تركته بعد أن تذكرت أنها لم تضع حزمة القش حيث تغطي بها بيت الدجاج بعد أن بعثرتها الريح العاتية التي هبت ليلة أمس وكان هذا مناف لطبيعة المناخ في مثل هذا الوقت ، حينما عادت تحمل حزمة القش مرت ببالها فكرة انه ربما يكون هناك آخرين وربما كانوا بعيدا عنها وأنها لم تبحث عنهم جيدا وكان ثمة صوت في روحها يقول لها أنها كانت مقصرة في هذا الأمر ، حركت رأسها محاولة منها أن تبعثر ذلك الصوت إلا أنها لم تفلح ، صاحت بصوت عال " لم أسمع أي صوت يدل على وجودهم ومع ذلك فسوف ابحث عنهم غدا صباحا ".
    لم يكن احد هناك ليسمعها ، وكان ذلك من حسن حظها ، وإلا لكان هناك من يتحدث في القرية عن جنون السيدة آنيتا .
    في الصباح بحثت جيدا في الأدغال ولمسافات بعيدة لكنها لم تجد أحدا ، أبدا لم تجد أحدا ، حينها رجعت وراحت تفكر في بناء بيت له ، أخيرا وقع اختيارها أن يكون وراء الكوخ الصغير، وفعلا في اليوم التالي بنت له من بعض الجذوع المتيبسة والقش بيتا متواضعا جدا وقالت له وهي تضحك " هذا بيتك يا تول"هذه المرة الأولى التي تنطق بها السيدة آنيتا اسمه والحقيقة أنها فكرت في اسمه الليلة التي مضت وتذكرت أن آوتاني حدثها ذات مرة عن كلب قد رباه حينما كان شابا وقد أطلق عليه ذلك الاسم أي تول.
    لقد ألقته أمه ذات الأصول البنجابية مع ستة من أمثاله ثم تولت عنهم باحثة عن شيء تأكله لكنها لما عادت مسرعة تشق سيقان النسرين بصعوبة بالغة لم تجد منهم أحدا إلا ذاك الذي وجدته العجوز آنيتا ، هي وضعتهم بين السيقان كي لا يلمحهم طائر الكلندور المستبد جدا على ذلك الضفاف إلا إن ريس أفجعها وجعلها تعوي ليالي كثيرة ، ربما لم تكن تعلم أن ريس يشكل خطرا أيضا ، لقد تحركوا وهم مغمضين العيون إلا لمحات يرون من خلالها تشابك السيقان وقسوة الأدغال ، كانوا يتقلبون بين الصخور الصغيرة كل حسب استطاعته ، كانوا يريدون أن يستكشفوا العالم حولهم ، خمسة أيام ، هذا الزمن لا يكفي لأن يعطي الجراء الخبرة لأن يسيروا عدة خطوات ، فكيف وقد وصلوا الضفاف ، كانوا يتبعون ذلك الذي بدآ وكأنه الأقوى ، كان يفتح لهم تشابك النسرين وهو فرح بذلك الإنجاز ، لم يشعر انه يذهب بهم إلى الهاوية ، خطوة واحدة ليسقط في المنحدر ، ثم تبعه الثاني وهكذا الذي خلفه ، وليأخذهم المجرى إلى شلال ديمتروس الكبير والذي يمكن لك إذا أصغيت أن تسمع صوت هديره وأنت تقف حيث سقط الجراء ، إلا ذالك الذي عثرت عليه العجوز آنيتا فأن قدمه علقت بإحدى الصخور وحين أفلتها كان كل شيء قد انتهى ، انتهى تماما.
    لم تعلم العجوز وهي تلتقطه من بين النسرين متضجرة وغاضبة جدا من أن أمه قتلها فلاح وهي تجتاز حقول الذرة الصفراء وكان ذلك بعد حادثة ريس بعشرين يوم ، كان الفلاح يريد أن يجرب حظه في الرمي وكان قبل ذلك يجرب على شاخص خشبي أحمر متآكل وضعه لطرد الطيور عن الحقول وكانت الطيور وبعض العصافير تقف عليه تستريح وخاصة على يديه الممدودتين وهي تتابع حركة النمل وبعض الحشرات وكانت تلتقط منها ثم تهرب ، لمحها وهي تسير على أحد المروز القريبة فوجه إليها سهمه ثم أطلقه وليصيبها ، أصابها في حين انه لو وجه سهمه إلى الشاخص سبعين مرة لما أصابه ، حينما هوت قفز وركض باتجاهها ، رآها وهي تركل الأرض برجليها ، عينيها مفتوحتان ترقرقان بالدموع ويعلوهما التراب ، كانت تصدر أصوات مؤلمة جدا ، تضجر كثيرا لأنه لم يفكر في قتلها ، أخرج السهم ثم أقفل راجعا إلى البيت ولم يتابع عمله وكان يستطيع أن يعمل لساعات ، في اليوم التالي وجدها متيبسة هي والجرذ الذي كانت تحمله في فمها لحظة ما أصابها السهم وهناك مجاميع من النمل مجتمعة تأكل منهما ، شق لها حفرة صغيرة ورماها بها ثم أرجع التراب عليها وذهب وهو يتحسر.
    الفصـل الثاني

    ثلاثة أعوام وقت لا بأس به لأن يجعل تول يستكشف ما حوله ويراه البعض كاف لأن يبلغ تول من القوة ما تخشاه الثعالب وبعض الكلاب المتطفلة ، لقد عوى ألليل كله ، ليس هنا ، أي جنب الكوخ ، بل على مفترق الطريق حيث لا يتسنى للسيدة آنيتا أن تسمعه ، بعض العجائز يتشائمن كثيرا حينما يعوي الكلب بعض الوقت فما بالك وقد عوى الليل كله ، هناك من تقول إن هذا العواء حينما يحدث أكثر من مرة وفي أماكن مختلفة فأنه يشير إلى أن هناك زمن سيئ جدا على وشك أن يقدم وما ذلك العواء إلا نعيا لذلك الزمن القادم ،لا أدري ما العمق التاريخي لهذه الفكرة إلا أنه يمكن القول أنها منتشرة جدا وتكاد تكون من البديهيات والأشياء المسلم بها هنا وهناك ، لم يتسنى لهن أي العجائز أن يسمعن تول وهو يعوي الليل كله وبصوت حزين وإلا لقلن إن ذلك الزمن سيء جدا ويحمل بين طياته أياما مرعبة ، ودمارا شامل سوف يجتاح الجميع .
    في كل صباح يلهو تول مع الشاتين اللتين اشترتهما العجوز من الراعي بريتوريوس أيام ما كان يمر بقطيعه جنب الكوخ ، يومها قالت له سأشتري منك يا بريتوريوس ، قالت ذلك بصوت عال ، لم يصدق ذلك ، مع كونها لم تكذب عليه قبل هذا الوقت ، إلا إنه لم يصدق أن العجوز ستشتري منه ، قالت " لماذا لا تصدق أقترب أيها الشاب سأشتري منك شاتين" ، قال لها " هذا القطيع للسيد نورم وقد خولني ببيع بعضها إذا كنت جادة اقتربي حتى ترين "
    بريتوريوس هذا له أكثر من أسم في القرية ، أعتاد بعض القرويين على تسميته بالطيب لأنه متسامح مع الجميع ، يقول البعض إن جده الأول هو المهاجر الذي جاء من أفريقا والحقيقة إن جده الثاني هو الذي جاء وكان أسمه بنسون ، وفعلا اشترت العجوز تلك الشاتين حيث يمرح معهما تول كل صباح ، يمرح معهما وهما في البيت المخصص وذلك عبر الفتحة صغيرة في الجدار الطيني حيث يدس فمه وعيناه عبر الفتحة وكان تول يذهب بعيدا ثم سرعان ما يرجع ، هذا هو ديدنه منذ أن اشترت العجوز الشاتين ، حينما كان تول يمرح فأنه يحرص على أن لا يصدر أي صوت ، ذلك لأن العجوز ستعاقبه حينما يصدر صوتا يجعلها تستيقظ مبكرا ، كل تلك التقنية أكتسبها بالتجربة والعقوبات الكثيرة .
    كانت الشمس قد ارتفعت قليلا في الأفق ، وكان الكلب ينظر إلى كوخ العجوز ، أصدر صوتا ، كأنه يريد أن يجلس العجوز وهذه ليست عادته ، هذه المرة كان مصرا على أن يصدر صوتا ويريد به أن تجلس العجوز من نومها ، منذ عدة أشهر لم يفعل ذلك ، أصدر صوتا أخر ثم أسرع باتجاه الطرق المؤدية للغابات أي الجهة التي كانت العجوز إذا ما جلست صباحا أو عصرا تنظر من خلالها للبعيد وهي الجهة الوحيد التي يتسنى للعجوز أن تنظر من خلالها للبعيد ولكم تذكرت آوتاني وهي تنظر بحزن فقد كان يأتي بعربته من خلال ذلك الطريق.







    يتبع إن شاء الله
  • حجج الله
    عضو مميز
    • 12-02-2010
    • 2119

    #2
    رد: السر الثالث : رواية في حلقات تتحدث عن الإمام المهدي (ع) الحلقة 1

    رواية جميلة جدا . هل هي مترجمة؟

    ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: (( ترد على احدهم القضيه في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضيه بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله وإلاههم واحد ، ونبيهم واحد ، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه ؟ ام نهاهم عنه فعصوه ؟ أم انزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فأستعان بهم على اتمامه ؟ أم كانوا شركاء لهُ، فلهم أن يقولوا ، وعليه أن يرضى ؟ أم انزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول (( صلى الله عليه واله وسلم )) عن تبليغه وادائه ؟ والله سبحانه يقول ( ما فرطنا في الكتاب من شيء) وفيه تبيان لكل شيء وذكر ان الكتاب يصدق بعضة بعضا ، وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) وان القرآن ظاهره انيق ، وباطنه عميق ، لاتفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولاتكشف الظلمات الا به ) نهج البلاغه ج1 ( ص 60-61 ).

    صدقت أيها الصديق الأكبر


    Comment

    • ابو ابراهيم
      عضو جديد
      • 29-10-2011
      • 8

      #3
      السر الثالث : رواية في حلقات تتحدث عن الامام المهدي (ع) الحلقة 2

      السر الثالث ح2 : حسين كاظم الزاملي
      رواية : تتحدث عن الرجل الموعود والذي سيأتي قبل فوات الأوان ليعيد للإنسان كرامته

      السلام على بقية الله في أرضه وحجته على عباده
      صاحب العصر والزمان

      الفصل الثالث

      لم تجلس العجوز على تلك الأصوات التي أطلقها تول قبل أن يتجه نحو الغابات بل جلست على عادتها وقد تأخرت قليلا ، كانت متعبة ، لقد أنجزت أمس بعض الأعمال التي كانت تؤجلها حتى مر بعض الوقت أمثال تنظيف الأرض التي تقع خلف الكوخ وفكرت العجوز في أن تزرعها بعض الخضرة ولم تكن هذه الفكرة من بنات أفكارها بل أن صديقتها العجوز آنثيلا والتي وكانت تتردد على آنيتا كثيرا هي من أشارت عليها بذلك وكانت كلما قالت غدا سأنظفها تقاعست وأجلت الأمر ، خرجت ، تفقدت بيت الدجاج ، ليس الدجاج فقط بل هناك خمسة من الديكة ، كان مغلقا كعادته في مثل هذا الوقت ، أطلقت الدجاج والديكة وليمرح الجميع في المحيط القريب ، أطلقت الشاتين أيضا ، جلست على جذع شجرة سدر متآكل ومتفحم ، كان آوتاني قد وضعه هنا يستريح عليه وينظر إلى طريق الغابات والذي يقع أمامه مباشرة ، نظرت إلى البعيد ، أحست بغياب تول ، نهضت ، راحت تمشي بخطوات ثقيلة حول الكوخ الصغير ، لم يكن لذلك أي معنى ألا أنها فعلت ذلك ، وكأنها تبحث عن شيء ثمين ، سمعت نباح تول من بعيد ، نظرت إلى طريق الغابات حيث كان مصدر الصوت ، لم ترى أي شيء ، كانت الشمس قد شقت الأفق وهي بذلك الاتجاه وضعت يدها اليمنى لترى ، تبسمت حينما سمعته وحينما رأته أيضا ، وصل تول وهو ينبح بقوة ويبدي حركات لم تتعرف عليها العجوز ، تفاجئت ، تفاجئت تماما حينما رأته يمسك ثوبها بفمه وكأنه يريد أن يجرها إلى مكان ما ، لم ترى هذه الحالة من تول أبدا ، هذه الحالة في أدبيات العجوز كارثة وسيدفع ذلك الكلب ثمنها ، هذا ما فكرت به العجوز وقررته في نفسها ، قالت .
      ـ ما بك ، ماذا أصابك أيها الوغد الحقير أترك ثوبي.
      كان تول ينبح وأحيانا يجرها من ثوبها المورد بشيء من الإفراط ، قالت بشيء من الغضب بعدما أحست أن تول تمادى كثيرا.
      ـ ماذا تريد أن تقول سأضربك إن لم تتوقف .
      تركها ، هرع نحو طريق الغابات الذي جاء منه قبل قليل ، تبسمت العجوز وهي تنظر إلى ذيل ثوبها وكانت تريد أن تتأكد من أن الكلب لم يصبه بأذى ، جلست حيث كانت تجلس قبل قليل على جذع شجرة السدر تنظر واضعة يدها اليمنى على جبهتها لتتفادى أشعة الشمس ، نظرت إلى الأفق البعيد ، لم ترى تول وهو يركض ولكنها كانت تسمعه وهو ينبح ، توقف وقبل أن ينعطف إلى اليمين حيث لا يمكن رؤيته بعد ، كانت هناك عربة تركت الطريق وراحت تتجه نحو بيت العجوز وراح تول يسايرها، وقفت العجوز بشيء من الـتأمل كانت تريد أن تتأكد من هوية تلك العربة القادمة نحوها ، منذ زمن لم تتجه أي عربة إلى بيت العجوز وبالتحديد منذ وفاة آوتاني أي قبل عام وبعض الأشهر ، يومها اتجهت إليها ثلاث عربات من القرية محملة بالرجال ويتقدمهم العجوز سايمسيوس بعدما سمعوا بوفاة آوتاني ، كانت وفاته ليلا إلا أن العجوز آنيتا لم تعثر عليه إلا مع الفجر وجدته ملقى وبجنبه السراج الذي انطفاء مع سقوطه ولو لم ينطفئ لعثرت عليه ليلا ، كان عائدا من زيارة سايمسيوس صديقه القديم والمبلغ عن الملك اوقيدمو في هذه القرى بعدما سمع بمرضه ، حينما رجع ليلا عبر الحقول لدغته أفعى مقرنة رملية الشكل، بعد عدة خطوات أحس أنه يموت ، لم يدعه السم يصل إلى آنيتا ، وقع ووقع معه السراج ، حينما أحست أنه تأخر خرجت تبحث عنه ، صاحت عدة مرات وقد مرت بقربه وكان في لحظاته الأخيرة ، لم يسعفها السراج الذي معها في أن تراه لتودعه على الأقل ، أقفلت راجعة بينما حضر الملاك عنده ، في الصباح وجدته ولم تستطع أن تذهب ليلا إلى القرية التي تبعد عنها فرسخين لتسأل عنه ، يومها دفن تحت التلة بعدما صلى عليه المبلغ سايمسيوس وترحم عليه كثيرا.

      الفصـل الرابع

      وصلت العربة ، كانت عربة الملك اوقيدمو الملك الثاني عشر من السلالة الطاهرة كما تسمى على صعيد الشعب والتأريخ ، وقفت العربة على مقربة من العجوز والتي هرعت قبل وصول العربة لأن تضع ما تغطي به رأسها بشيء لائق بعدما كانت تغطيه بقماشه زرقاء كانت تضعها العجوز حينما كانت تعمل في شؤون المنزل أو في الحقل ، لم تكن العجوز تشعر أن هذه العربة هي عربة الملك اوقيدمو، كانت عربة متواضعة أي لا يوجد فيها ما يميزها بل إن عربة التجار أكثر إثارة منها ، نزل المرافق الشخصي للملك اوقيدمو ويدعى تومالين ، وهناك في القصر الملكي من يسميه العجوز تومالين وهو مستودع أسرار الملك ، كان قد دخل قبل أيام في عامه السبعين ثم نزل من بعده الملك اوقيدمو كان شابا وسيما ، ملبسه أبيض ، وضع على رأسه قماشة خضراء اللون ، العجوز الذي كان معه كان ملبسه أبيض والقماشة التي غطى بها رأسه كانت بيضاء أيضا ، نزل أيضا الحارس الشخصي ، كان شابا يافعا وتحرك بخطوات بعيدا عن العربة باتجاه الأشجار ، أشجار الصندل وغيرها وكان ينظر حول الآفاق ، ينظر بريبة للمحيط ، يده اليمنى على مقبض سيفه ذو الحمائل الطويلة ، كان يجلس قرب السائق والذي كان شابا أيضا ويبدوا انه مقاتل متمرس، قال العجوز تومالين .
      ـ تفضل سيدي.
      تحرك الملك اوقيدمو خطوات ، قال.
      ـ أشكرك تومالين.
      تحركت العربة لتبتعد قليلا ، قال تومالين بصوت خافت جدا وهو ينظر إلى العجوز واقفة على مقربة من باب الكوخ متفاجئة .
      ـ تقدمي سيدتي لتحي الملك اوقيدمو.
      تبسم الملك اوقيدمو ، قال وهو مبتسم.
      ـ لا ، ينبغي أن نحيها نحن ، السلام عليكم سيدتي، أرجو أن تكوني بخير.
      اندهشت العجوز أكثر من ذي قبل وأخذت قدماها بالارتجاف لم تصدق أن الملك اوقيدمو يقف أمامها ، لقد سمعت به ، سمعت به كثيرا وكانت تترقب ولادته ،شأنها شأن كل الناس في المملكة ، الجميع كان ينتظر ولادة اوقيدمو ، ثمة حديث قديم تتناقله الناس هنا وهناك وهو أن ولادته ستكون الحد الفاصل في تأريخ الإنسانية وأنه سيكون المنقذ وكانت العجوز آنيتا شأنها شأن الجميع تترقب ولادته وكان هناك من يحدثها من العجائز من أن ألملك اوقيدمو هو الرجل المدخر والموعود العظيم ، جلست على ركبتيها ، وأطرقت برأسها ودمعت عينيها ، سجدت على الأرض قالت وهي ساجدة .
      ـ سيدي هل حقا أنت الطاهر اوقيدمو؟ .
      ما يزال الملك مبتسما قال وهو يتقدم نحوها بخطوات هادئة جدا .
      ـ انهضي سيدتي ، لا ينبغي لك أن تصنعي ذلك لمخلوق أيا كانت منزلته .
      صمت قليلا ، أردف.
      ـ إصنعي ذلك لله فقط ، الله العظيم ، ما أنا إلا عبد من عباده ، انهضي ، انهضي بارك الله فيك وأرضاك.
      ما تزال العجوز على هيئتها وقد ازداد بكائها ، قال العجوز تومالين.
      ـ انهضي سيدتي ، الملك يقول لك ذلك.
      رفعت العجوز رأسها وهي تمسح دموعها بيديها ، كانت تنظر إلى وجه الملك ، قال الملك .
      ـ سيدتي أحب أن اجلس تحت ظلال هذه الشجرة .
      ـ نعم سيدي سآتي بحصير تجلس عليه .
      دخلت العجوز إلى الكوخ ثم خرجت على نحو السرعة وهي تحمل حصير صنع من القش كان آوتاني قد صنعه في أيام زواجه الأولى وهو متهرئ نوعا ما ، فرشته ، قالت.
      ــ سيدي الملك هذا ليس من مقامكم ولكن هو اعز شيء عندي لذلك فرشته لك.
      قال الملك وهو يجلس متكأ على الشجرة .
      ـ لا ، هذا هو مقامي تماما ، اجلس تومالين .
      قال تومالين وهو يجلس.
      ـ نعم سيدي.
      نظر الملك إلى يمينه حيث يقع الكوخ ، الكوخ الكبير قال.
      ـ أجلسي سيدتي ، أراك وحيدة ، أحب أن اتحدت معك لدقائق لدي رحلة طويلة.
      صمت الملك ، أردف .
      ـ هذه قرية العبد الصالح مارسل سيمون أليس كذلك ؟.
      ـ سيدي الناس يسمونها قرية المقدس سيمون .
      ـ هل تعلمين معنى ذلك ؟.
      ـ لا ، لا أعرف معنى ذلك سيدي ولكن قبر السيد سيمون هناك وأزوره بين الحين والأخر .
      ـ نعم زيارة قبر سيمون لا بأس بها وكذلك زيارة قبر آوتاني سأحدثك عن سيمون بعض الشيء ، قبل مائتي عام وثلاثين سنة أي في عهد أبينا السيد الكبير كانت تسمى هذه القرية دوراك ، يومها جاء العبد الصالح مارسل سيمون إليها وقد أرسله جدنا الكبير للتبليغ عنه وسكن بين الناس وكان يعمل في حقول الذرة وكان يسعى لتعليم الناس في كل وقت فشهدت الناس بركة لم تراها من قبل وكان الناس إذا مرض عندها رجل أو امرأة تأتي لغرض دعاء مارسل وكان دعائه مستجابا وذات يوم مات شاب في القرية يدعى يوسف وبعد موته بساعة جاءت أمه لمارسل تطلب منه الدعاء لأحيائه فأبى وقال هذا منافي لآداب الدعاء فألحت عليه فرفع يده وقال ربي لا أشك في قدرتك ولست المسيح أبن مريم ولا أحمد ولا احد من أولاده ولكن بحقهم عليك اجبر خاطر هذه الأم المفجوعة بولدها بما تراه ثم بكى حياءا من الله تعالى ، حينما عادت المرأة وجدت الشاب وقد رجعت إليه الحياة والناس فرحة بذلك حينها تجمعت حوله الناس وبدأ أسمه على كل لسان ولما مات أصبح قبره ملاذا للمحتاجين والمتقربين به إلى الله وأصبحت فيما بعد يسمى هذ المكان بسيمون وهو الاسم الغالب عليه .
      ـ نعم سيدي لقد سمعت أن رجلا عاش هنا كان يحي الموتى ولكنهم لم يقولوا انه سيمون .
      ـ لم تكن عدة حالات ، كانت واحدة فقط هي حالة الشاب يوسف ، يوسف جروتيوس .
      قال الملك وهو ينظر للدجاج يمرح منع الديكة في الجوار وهو يبحث عن بعض الديدان وهناك في البعيد خلف العربة جلس تول يحرك بذيله.
      ـ كنت متجها لصومعة الرب فأحببت أن أسلم عليك وأتحدث معك ولدي بعض الأعمال في القرية منها زيارة قبر سيمون وآوتاني وزيارة السيد سايمسيوس.
      قالت السيدة آنيتا.
      ـ سيدي لقد التقيت بأبيك الملك ذات مرة وهو يتجه إلى صومعة الرب وكان ذلك قبل وفاته بشهرين لقد مر من هنا وجلس هناك هو وبعض رجاله وعلى ما أظن إن هذا الرجل الطيب كان معه .
      أشارت إلى العجوز تومالين بينما حرك العجوز رأسه أشارة منه على انه هو الذي كان مع الملك آنذاك بينما راحت العجوز آنيتا تكمل حديثها.
      ــ ثم أخذ آوتاني وانفرد به وتكلم معه بعض الوقت ثم قبل آوتاني قبلتين وذهب ولم يحدثني آوتاني عما جرى من حديث بينهما إلى أن مات آوتاني إلا انه قال لي في أحد الأيام " لا تموتين يا آنيتا حتى تجالسين المنقذ اوقيدمو فإذا حدث ذلك ابلغيه عني السلام" ، وحينما سألته عن كلمة المنقذ ما تعني لم يجبني ، سيدي هل اعرف ماذا جرى من حديث بين الملك و آوتاني وما معنى كلمة المنقذ اوقيدمو؟ .
      تبسم الملك اوقيدمو ، منذ شهر لم يرى الملك مبتسما هكذا وبالتحديد منذ عصفت مشاكل الاجتماع الكبير للدول السبعة والتي تحد مملكة الرب أو مملكة العدل على حد التسميات المحلية أو الإقليمية من كل جوانبها وكانت الملكة سالي هي التي دعت إلى ذلك الاجتماع وقالت في أول كلماتها " إننا أمام خيار وحيد وهو لا بد من إسقاط هذه المملكة وذلك بمساندة المعارضين لاوقيدمو ، إننا نعاني من تفردها ببعض التصرفات مما تجعلنا أمام شعوبنا إننا طغاة وهذه المملكة هي ممكلة الرب ، إن كل شعوبنا يطلقون هذه التسمية عليها وهذا مزعج تماما وعلينا أن نتصرف بسرعة قبل فوات الأوان إن لدي اتصال وثيق مع إطراف مهمة قريبة على اوقيدمو وهي متعاونة معنا لقد كتبوا إلي قبل أيام بأن نسرع في التحرك فأخبرتهم بأن يتخلصوا من المؤثرين على قرار الملك ونحن نجهز أمورنا للهجوم على كل حدود المملكة واخبروني كذلك إن للملك حاشية ترتكب انتهاكات في حق الشعب" يومها قرر المجتمعون بالتحرك الفوري وأن يكون هناك تواجد عسكري هائل على جميع الحدود الكبيرة للملكة إضافة إلى ذلك التحرك فأن بعض الدول وقبل هذا الاجتماع بسنوات تقريبا قد اتخذت عمليات هجرة منظمة لرجال لديهم خبرات في استقطاب الشباب من الداخل وحينما رأى الملك اوقيدمو إن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة توجه مع أحب الرجال إليه العجوز تومالين ومع حارسه الشخصي كامادي إلى صومعة الرب في جبال القديس موريان وبالتحديد في جبل الرمان وذلك في يوم الاثنين الثامن عشر من الشهر الثاني عشر لعام ثلاثة مائة وثماني وعشرين من التاريخ الاوقيدومي ليجد مع الرب الحلول لهذه المشاكل ، هذه الصومعة بنيت بأمر من الرب منذ عصر الرسالات الأولى وحينما يدخلها الملك فأنه سيجد الجواب لما يريد ولكن بشرط هو أن يدخل إليها وليس في ذمته مثقال ذرة من ظلم لأي شخص من رعيته .
      يتبع إن شاء الله تعالى

      Comment

      • ابو ابراهيم
        عضو جديد
        • 29-10-2011
        • 8

        #4
        رد: السر الثالث : رواية في حلقات تتحدث عن الامام المهدي (ع) الحلقة 2


        السلام على حجة الله صاحب العصر والزمان .

        أشكر الأخ حجج الله الحقيقة لا أعرف هل هي الرواية مترجمة أم لا ولكن أطلعت على حلقات كثيرة منها ووجدتها كتبت برمزية ملفتلة للنظر وبها دلالات ومعاني جميلة تستحق الوقوف عندها .

        Comment

        Working...
        X
        😀
        🥰
        🤢
        😎
        😡
        👍
        👎