(3) الرمزية في ألواح سومر
مأساة دموزي ورحلة جلجامش نموذجاً
.
الخطأ الذي وقع فيه أغلب علماء الآثار - كما علماء الأديان أيضاً - هو ركونهم إلى التفسير اللغوي للنصوص السومرية في أغلب الأحيان، وإغفال الرمزية الواضحة التي انطوت عليها؛ خصوصاً ما يتعلق منها بالجانب الديني.
هذا الخطأ المنهجي كلّف السومريين الشيء الكثير؛ كلّفهم اتهامهم بأنهم أسرى أساطير وطرف نسجها ذهنهم وخيالهم، وكانت (الأساطير والطرف) هي سلوتهم ومتنفسهم الوحيد في التفكير وتفسير الظواهر المادية والروحية معاً، يتبع ذلك - بطبيعة الحال - أن يكون دينهم ومعتقدهم أسير الذهن والخيال أيضاً.
.
لا شك أنّ فهم أيّ نصٍ كان لا ينبغي إغفال قائله والمتحدث به، فالنص الديني مثلاً له حكمته ومنهجه الخاص به الذي يستعمله في إيصال الفكرة إلى المعنيّين بها، وقد لا يلتقي بالضرورة بمنهج التفهيم الذي نعتمده أنا وأنت في إيصال الفكرة. وعادة ما تكون النصوص الدينية مرمّزة لغايات كثيرة ليس مجال بحثها الآن.
.
ما أريد بيانه هنا:
إنّ فهم النصوص الدينية من خلال ظاهر اللفظ فقط وإغفال الرمزية فيها يؤدي إلى نتائج كارثية وخطيرة، وليس المحسوبين على الدين الإلهي من وقعوا في هذا المنحدر الخطير وأثبت بعضهم أنّ لله يداً وعيناً ووجهاً على نحو الحقيقة أو ألّه عبداً من عباد الله ألوهية مطلقة، بل حتى غيرهم وقع في شباك هذا الخطأ، فعلماء الآثار - مثلاً - صوّروا سبب نواح السومريين الذي استمر آلاف السنين بـ "الخصب والجدب" اللذين يتعاقبان في السنة بحسب الفصول فيها اعتماداً على ظواهر بعض النصوص المسمارية !
وسأكتفي بعرض قصة شخصيتين عظيمتين تكرر اسمهما كثيراً في بلاد ما بين النهرين لنرى التصوّر العام الذي كوّنه العلماء والباحثون عنهما، والذي أعتبره تصوراً كلاسيكياً؛ لأنه السائد لدى الكثير من العلماء والباحثين الآثاريين والدينيين معاً، وأقارنه بتصور آخر (قدمه السيد أحمد الحسن) لنفس الشخصيتين لم يغفل الرمزية في النصوص، ومن ثم نرى النتائج ومدى الفارق الكبير الذي يترتب على كلا النظرتين. والقصتان ترتبطان بالملكين الإلهيين "دموزي" و"جلجامش".
.
3/1- أنانا ومأساة دموزي:
يطرح علماء السومريات ما يسموه بـ "عقيدة الخصب" ويعتبرونها - إلى جنب عقيدة التكوين - من صلب الديانة السومرية؛ نظراً للحيز الكبير الذي شغلته هاتان العقيدتان في المصادر المسمارية.
.
يصوّر د. فاضل عبدالواحد هذه العقيدة: (عندما جسّد الإنسان القوى المهيمنة في آلهة تصورها قياساً على البشر في جنسين مذكر ومؤنث، فقد كان منطقياً أن يعزو كل مظاهر الخصب والتكاثر في الطبيعة بما في ذلك تكاثر الإنسان والحيوان والنبات إلى قوى الخصب الإلهية المتمثلة بالإلهة الأم "التي عرفت فيما بعد تحت اسم أنانا أو عشتار" وبإله الخصب "دموزي أو تموز". وكان منطقياً بالمثل أن يعزو أيضاً كل مظاهر الجفاف والنقص في الخيرات كاصفرار العشب وندرة الأمطار وقلة اللبن في الماشية إلى اختفاء "أو موت" إله الخصب في العالم الأسفل) (1).
.
فعقيدة الخصب بنظرهم لها طرفان لتكتمل وتؤدي هدفها، هما: أنانا ودموزي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 16 - 17.
المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين
يتبع...
مأساة دموزي ورحلة جلجامش نموذجاً
.
الخطأ الذي وقع فيه أغلب علماء الآثار - كما علماء الأديان أيضاً - هو ركونهم إلى التفسير اللغوي للنصوص السومرية في أغلب الأحيان، وإغفال الرمزية الواضحة التي انطوت عليها؛ خصوصاً ما يتعلق منها بالجانب الديني.
هذا الخطأ المنهجي كلّف السومريين الشيء الكثير؛ كلّفهم اتهامهم بأنهم أسرى أساطير وطرف نسجها ذهنهم وخيالهم، وكانت (الأساطير والطرف) هي سلوتهم ومتنفسهم الوحيد في التفكير وتفسير الظواهر المادية والروحية معاً، يتبع ذلك - بطبيعة الحال - أن يكون دينهم ومعتقدهم أسير الذهن والخيال أيضاً.
.
لا شك أنّ فهم أيّ نصٍ كان لا ينبغي إغفال قائله والمتحدث به، فالنص الديني مثلاً له حكمته ومنهجه الخاص به الذي يستعمله في إيصال الفكرة إلى المعنيّين بها، وقد لا يلتقي بالضرورة بمنهج التفهيم الذي نعتمده أنا وأنت في إيصال الفكرة. وعادة ما تكون النصوص الدينية مرمّزة لغايات كثيرة ليس مجال بحثها الآن.
.
ما أريد بيانه هنا:
إنّ فهم النصوص الدينية من خلال ظاهر اللفظ فقط وإغفال الرمزية فيها يؤدي إلى نتائج كارثية وخطيرة، وليس المحسوبين على الدين الإلهي من وقعوا في هذا المنحدر الخطير وأثبت بعضهم أنّ لله يداً وعيناً ووجهاً على نحو الحقيقة أو ألّه عبداً من عباد الله ألوهية مطلقة، بل حتى غيرهم وقع في شباك هذا الخطأ، فعلماء الآثار - مثلاً - صوّروا سبب نواح السومريين الذي استمر آلاف السنين بـ "الخصب والجدب" اللذين يتعاقبان في السنة بحسب الفصول فيها اعتماداً على ظواهر بعض النصوص المسمارية !
وسأكتفي بعرض قصة شخصيتين عظيمتين تكرر اسمهما كثيراً في بلاد ما بين النهرين لنرى التصوّر العام الذي كوّنه العلماء والباحثون عنهما، والذي أعتبره تصوراً كلاسيكياً؛ لأنه السائد لدى الكثير من العلماء والباحثين الآثاريين والدينيين معاً، وأقارنه بتصور آخر (قدمه السيد أحمد الحسن) لنفس الشخصيتين لم يغفل الرمزية في النصوص، ومن ثم نرى النتائج ومدى الفارق الكبير الذي يترتب على كلا النظرتين. والقصتان ترتبطان بالملكين الإلهيين "دموزي" و"جلجامش".
.
3/1- أنانا ومأساة دموزي:
يطرح علماء السومريات ما يسموه بـ "عقيدة الخصب" ويعتبرونها - إلى جنب عقيدة التكوين - من صلب الديانة السومرية؛ نظراً للحيز الكبير الذي شغلته هاتان العقيدتان في المصادر المسمارية.
.
يصوّر د. فاضل عبدالواحد هذه العقيدة: (عندما جسّد الإنسان القوى المهيمنة في آلهة تصورها قياساً على البشر في جنسين مذكر ومؤنث، فقد كان منطقياً أن يعزو كل مظاهر الخصب والتكاثر في الطبيعة بما في ذلك تكاثر الإنسان والحيوان والنبات إلى قوى الخصب الإلهية المتمثلة بالإلهة الأم "التي عرفت فيما بعد تحت اسم أنانا أو عشتار" وبإله الخصب "دموزي أو تموز". وكان منطقياً بالمثل أن يعزو أيضاً كل مظاهر الجفاف والنقص في الخيرات كاصفرار العشب وندرة الأمطار وقلة اللبن في الماشية إلى اختفاء "أو موت" إله الخصب في العالم الأسفل) (1).
.
فعقيدة الخصب بنظرهم لها طرفان لتكتمل وتؤدي هدفها، هما: أنانا ودموزي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. فاضل عبدالواحد علي، عشتار ومأساة تموز: 16 - 17.
المصدر: من أسرار سومر؛ دراسة مقارنة بين رؤيتين
يتبع...
Comment