تخطى مرحلة المراهقة ودخل المرحلة الشبابية والتي هي تفصل بين نهاية فترة المراهقة والعتبة الشبابية.
كان متهورا على جميع الأصعدة السياسية والأجتماعية ولكنه لم يكن بذلك الشرير الذي يخشى منه العباد يعني مثلا كان يحترم الصداقة ويكره الحسد او ضرب الناس او السرقة وكان بشوشا ويحب الأبتسامة والرياضة ولكن رغم كل ذلك فالشيطان ذكي فهو يغوي في الأفكار كما يغوي في الأفعال ففي الأفكار فكل فكر ليس له صله بالله تعالى يفرشه لك الأبليس على طبق من ذهب وفي الأفعال فكل فعل يناغم الشهوة يدفعك اليه الشيطان دفعا.
كان في ذلك العالم متّهما فهرب من يد السلطات كي لا يعتقل فهرب وهو في مقتبل العشرينات الى ان وصل مكانا قالوا له: هنا امان لا يصلك يد السلطان فدخل غابة مسيّجة بالأشجار الكثيفة وحولها سور من الجبال الشاهقة لا يصلها احد وداخل الغابة المسيّجة كان هناك حقل كبير جدا وواسع فسأل الشاب: لمن هذه البساتين وهذه الضيعة الجميلة التي بجانبها؟
فأجابه رجل يسكن خارج السور: انها لذلك الكريم المتفضل لأهل الضيعة. وكل هذه الخدم والحشم بين يديه يفلحون ارضه ويزرعون ويحصدون فيأكلون ويأخذون منها معاشهم وهو يمن عليهم بأعظم الأجور.
فقال الشاب: وانا هارب اخشى ان اذهب اليه ويسلمني للسلطات فقال: لا أظن ذلك فهو اكرم مما تتصور فتشجّع وادخل بستانه فديوانه في جانب البستان هناك (وهو يشير اليه بيده).
فترك الشاب ذلك الدليل الذي تحدث معه ودخل البستان ووقف امام الديوان الكبير الضخم الجميل فنظر له الحاجب وعرف بأنّه غريب قد حلّ عندهم.
فسلّم الشاب ورد الحاجب السلام وأومأ بيده ان يدخل كي يستريح فدخل الشاب وكأنه دخل جنة الخلد فلم ير مطلقا ديوانا جميلا كهذا الديوان وضيوفه وخدمه وحشمه الكرماء وكان يفصل بين الجالسين والخدم والحشم وبين صاحب الديوان حجابا سميكا نوعا ما كان يحجب ما وراءه.
فجلس الشاب وقدموا له ماءا باردا وهو يتصبّب عرقا ومن بعد ما ان اخذ قسطا من الراحة قدموا له قدحا من الشراب الحلو المذاق.
فقال الحاجب له: كيف نخدمك؟
قال الشاب: ارغب بلقاء صاحب هذه الضيعة الكبيرة الجميلة الواسعة بحدائقها وبساتينها وفاكهتها وخدمها
قال الحاجب: انت هنا في امان ولا تستعجل في سؤالك
فقال الشاب: اين صاحب الضيعة ؟
فردّ الحاجب:هو موجود ولكنه محجوب
فقال الشاب:وكيف ألتقي بحضرته؟
فردّ الحاجب: لن تلتقي به. يمكنك التحدث من هنا فذلك الرجل الشيخ المسن ذو اللحية البيضاء الملائكي الوجه الواقف بجانب الحاجب الفاصل سيوصل كلامك
قال الشاب: ولكن اريد رؤيته والحديث معه
فردّ الحاجب: لن تقدر رؤيته لأنه لاطاقة لك بالنظر اليه لأنه عظيم الهيبة فلو رأيته لمحوت من الوجود وان نظرت له في المرآة فيتعذّر عليك في طرح مشكلتك ويكلّ لسانك فنحن نأتي الى ديوانه ونجلس هنا وهو يكرمنا ولا يتحدث معنا الا عن طريق ذلك الشيخ المسن الملائكي الوجه فهو اهل الثقة لا يخدعنا وهو امين فيوصل كلامنا من غير ان يراه ويوصل كلامنا بحذافيره ولا يبخل علينا ابدا
فنطق الشيخ الملائكي الواقف بجانب الحجاب الكبير وقال: تحدث بنيّ لا تخشى فمولاي يسمعك
فقال الشاب: (مستحيا) فعلت كذا وكذا وانا هارب فهل يجيرني مولاكم؟
فأختفى الشيخ وراء الحجاب ثم عاد وقال له: قم واخرج معي
فأصطحبه معه فقال له: (وبينما هما يسيران في المزرعة) مولاي كريم جدا ورغم انك تستحق العقاب الا انه ليس من شيمه البخل فقد اكرمك فأنك ستبقى هنا سنين ونحن نوفّر لك الأمان ولن نبلّغ السلطات خارج هذه المزرعة بوجودك بيننا و رزقك وكسوتك وسكنك علينا ولك ان تتزوج كذلك ان شئت ولا تخشى شيئا ولكن حاول ان تستعدل امورك
فقال الحاجب: ستسكن (واشار بيده الى مسكن في زاوية الحقل) هناك وفي كل صباح ووقت الظهيرة والعشاء سنحضر لك طعامك وكل شهر نعطي كسوتك اما البستان فيمكن ان تحضره بنفسك وتقطف من ثمره بقدر حاجتك ثم تعود ولكن لا تسرف
فقال الشاب: كم انتم كرماء وانا ممتن لكم وخاصة لمولاكم الكريم صاحب كل هذا العز
بقي الشاب مدة في المزرعة وكان يرى جدية الخدم والحشم وعمال وعاملات المزرعة والبستان في عملهم واصبح الشاب ضيفا مكرّما ومدللا ،وبعد مدة وعن طريق الصدفة اكتشف ان هناك مجموعة من الضيوف يسكنون بجواره فصادقهم وكانوا مستهترين ويشوب تصرفاتهم المنكر ولكن بسبب العشرة والصداقة كان استهتارهم يمر على الشاب مرور الكرام فلم ينتبه لذلك واحيانا كان هو كذلك يستهتر مثلهم وتعلمّ منهم ان يأخذ فوق نصيبه من ثمر البستان ونسي وصية ذلك الشيخ المسن الملائكي الوجه له ان لا يسرف وأن يستعدل اموره في معاملاته اليومية.
وقبل الغروب كان يتجوّل مع اصحابه الضيوف الاخرين في المزرعة وكانوا يسترقون النظر للفتيات العاملات وهن يعملن في المزرعة ونسي انهن ملك لصاحب الضيعة المهيب الجليل الشأن.
وهكذا وقع الشاب مرة اخرى في مصيدة حب الشهوة والعدوان والتجبّر بغير حق ونكران جميل صاحب الكرم والفضل.
لقد شكى بعض الصلحاء الى صاحب الفضل ولكنه للطفه وحبّه لعدم فضحه وستره على افراد ضيعته ومنهم الضيوف حلم به وصبر عليه وبينما كان الشاب غافلا عن ذلك وما زال يعمل المنكرات ورمى عرض الحائط قوانين الضيافة والأستجارة.
ومضت السنون وهو بهذا الحال المزري الى ان سقط في أعين روّاد المضيفة او الديوان وكانوا اذا لقونه استخفّوا به وكانوا يشحّون بوجوههم عنه واذا ردّوا التحية ردّوها بأسلوب يستشف منها انهم ينكرون عليه سوء اعماله. وفي تلك الفترة نسي الشاب انه مجرد ضيف في المزرعة وكان احيانا يتمرد على نوع الغذاء او الملبس المقدم إليه ، وبدأ الغرور والتعالي يدسّان بنفسه الى الحضيض و نسي انه هو مجرد ذلك المتمرد الهارب اللاجئ عند هذا المجير الكريم.
في احد الليالي وبينما كان هو في غرفته ساهرا واذا دقّ أحدهم الباب وفتحه فلم يجد أحدا ونظر الى اسفل الباب فوجد طبقا من الطعام الشهي وفواكه ومن اجود الأنواع ويظهر ان الذي وضعه كان مأمورا أن يوصله ولا يرى نفسه له.
ففرح بالطعام واكل الشاب منه وشبع ومن ثم تمدد على ظهره وعلى فراشه الوثير فخطر بباله صاحب الضيعة الكريم.
فقال في نفسه: ما أكرمه صاحب هذه الضيعة؟ وحقا أنا لا أستحق كل هذا
فأنا مجرد ضيف هنا
لا حق لي في ماله وانا اسرف في ماله واعتدي على مملكته،
فلا يجوز لي هذا فتذكّر خطاب الشيخ الملائكي عندما قال له: لا تسرف وإستعدل
بعد تمعّن طويل حيث استغرق اياما واشهرا من التفكير بدأ ضمير الشاب يصحو ويؤنّب نفسه
فقال في نفسه: لابدّ ان أذهب يوما للديوان كي أعتذر وأعترف بأني لا أستحق كل هذا الجميل
ففي امسية احد الأيام ذهب و اقترب من باب الديوان فكان روّاد الديوان ينظرون له بريبة وهو لا يعلم انهم يعلمون بسوء افعاله
فجاء الشيخ الملائكي ونظر في وجه الشاب وبكى
فقال الشاب: ما يبكيك يا شيخ يا طيب؟ هل هناك امر مفجع لا يسرك وآلمك؟
قال: لا يا بني انا بعيد عن فواجع الدنيا ما دمت خادم في هذا الباب
فقال الشاب: فأذن ما يبكيك؟
فقال الشيخ: ابكي من اجلك
فقال الشاب: من أجلي؟
قال الشيخ: بلى من اجلك
قال الشاب: لكني لا أفهم
فقال الشيخ: لما اتيت الى هنا بنيّ؟
فقال الشاب: (مطأطأ الرأس) جئت كي أعتذر من مولاي صاحب العز وصاحب هذه الجنان
فقال: وتعترف على ماذا يا بنيّ؟
فقال الشاب: جئت كي اعترف على نفسي
فقال الشيخ: وما بها نفسك يا بنيّ؟
فقال الشاب: طاوعتها وخنت مولاي صاحب العز والكرم واسرفت في ملكه ومملكته واسترقت النظر على إماءه اللاتي كن يعملن في المزرعة
فبكى الشيخ وبكى الشاب
فأختفى الشيخ وراء الحجاب ثم عاد وقال: أنبأني مولاي ان اخبرك انه عفا عنك فقد وهبك احدى تلك الفتيات العاملات في المزرعة وتزوجها ولكن يا بنيّ لا اريدك ان تضل ثانية والا سأسلمك للسلطات
فبكى الشاب وقال: وا ويلاه انا أسئ وهو يعفو ويمنّ كم كريم ومنان صاحب هذا العز؟
فقال الشيخ: يابني اني بكيت عندما رأيتك لأن مولاي كان محيط بكل افعالك المسيئة وكنت اخشى ان يعاقبك وويل لمن عاقبه مولاي فعقابه لا يتحمله احد
فقال الشيخ: (وهو يمسح دموعه على خديه ولحيته البيضاء المسترسلة) إتبعني يا بني كي اوصلك الى خطيبتك
فقال الشاب: معذرة يا شيخي الكريم فلقد أسأت اليك كذلك وجعلتك تحزن وتبكي لأجلي
فقال الشيخ: لا بأس يا بني مادام صاحب الفضل قد عفا عنك فأنا سعيد بعفوه عنك وسعيد بسعادتك ولكن يابني ارجوك ان لا تنسى وصيتي لاتسرف واستعدل جهد امكانك وإياك ان يضلك الشيطان
(انتهى)
ملاحظة/
هذه القصة مستمدة من نسج خيالي
واستمدتها من افكار تبلورت عندي بعد دخولي الدعوة المباركة ومن علم الأمام احمد عليه السلام فيما طرحه عن الذر الأول ومن ثم انتقالنا الى هذا العالم الجسماني اي عالم الدنيا
الهروب الأولي كان في عالم الذر فبعد معصية الشاب أجاره الله تعالى في بستانه اي في الأرض لكي يعطيه فرصة اخرى في الأمتحان الثاني ولكنه نسى وأسرف ثانية.
ثم تذكّر بأنه لا يملك شيئا في هذا البستان او الأرض او حطام عالم هذه الدنيا وهو قدم اليها ضيفا ومبتلى بقوانين دار الضيافة او قوانين الدنيا. والمضيفة او الديوان هو ظل استظل به الشاب في ولاية أئمة الهدى عليهم السلام الذين كانوا في ضيافة الرحمن وفي ديوانه تعالى في كل يوم.
والضيعة والبستان هي الأرض وما فيها وصاحب البستان او الضيعة (الأرض) هو الله سبحانه وتعالى ونحن ضيوف فقراء عنده وسنبقى في ضيافته الى أجل مسمى والشيخ المسن هم ملاك الرحمة.
فأسأل الله تعالى ان يعفو عنا وعن هفواتنا وان يعفو عن زملائي في البستان وهم سكان الأرض ويهديهم الله سبيله .
اللهم اعف عنا غرورنا فنحن مجرد ضيوف عندك واكرمتنا في ارضك فنسألك يا الهي ان تدم نعمائك علينا ولا تقطعها عنا ابدا وارض عنا يا مجير يا اكرم الأكرمين
(اعتذر عن بساطة التعابير المستخدمة لأني والعباذ بالله من الأنا لا املك قلم الحوار القصصى او حتى في كتابة القصص)
ابو سجاد
ستوكهولم
كتبت في تأريخ
2011/02/13
كان متهورا على جميع الأصعدة السياسية والأجتماعية ولكنه لم يكن بذلك الشرير الذي يخشى منه العباد يعني مثلا كان يحترم الصداقة ويكره الحسد او ضرب الناس او السرقة وكان بشوشا ويحب الأبتسامة والرياضة ولكن رغم كل ذلك فالشيطان ذكي فهو يغوي في الأفكار كما يغوي في الأفعال ففي الأفكار فكل فكر ليس له صله بالله تعالى يفرشه لك الأبليس على طبق من ذهب وفي الأفعال فكل فعل يناغم الشهوة يدفعك اليه الشيطان دفعا.
كان في ذلك العالم متّهما فهرب من يد السلطات كي لا يعتقل فهرب وهو في مقتبل العشرينات الى ان وصل مكانا قالوا له: هنا امان لا يصلك يد السلطان فدخل غابة مسيّجة بالأشجار الكثيفة وحولها سور من الجبال الشاهقة لا يصلها احد وداخل الغابة المسيّجة كان هناك حقل كبير جدا وواسع فسأل الشاب: لمن هذه البساتين وهذه الضيعة الجميلة التي بجانبها؟
فأجابه رجل يسكن خارج السور: انها لذلك الكريم المتفضل لأهل الضيعة. وكل هذه الخدم والحشم بين يديه يفلحون ارضه ويزرعون ويحصدون فيأكلون ويأخذون منها معاشهم وهو يمن عليهم بأعظم الأجور.
فقال الشاب: وانا هارب اخشى ان اذهب اليه ويسلمني للسلطات فقال: لا أظن ذلك فهو اكرم مما تتصور فتشجّع وادخل بستانه فديوانه في جانب البستان هناك (وهو يشير اليه بيده).
فترك الشاب ذلك الدليل الذي تحدث معه ودخل البستان ووقف امام الديوان الكبير الضخم الجميل فنظر له الحاجب وعرف بأنّه غريب قد حلّ عندهم.
فسلّم الشاب ورد الحاجب السلام وأومأ بيده ان يدخل كي يستريح فدخل الشاب وكأنه دخل جنة الخلد فلم ير مطلقا ديوانا جميلا كهذا الديوان وضيوفه وخدمه وحشمه الكرماء وكان يفصل بين الجالسين والخدم والحشم وبين صاحب الديوان حجابا سميكا نوعا ما كان يحجب ما وراءه.
فجلس الشاب وقدموا له ماءا باردا وهو يتصبّب عرقا ومن بعد ما ان اخذ قسطا من الراحة قدموا له قدحا من الشراب الحلو المذاق.
فقال الحاجب له: كيف نخدمك؟
قال الشاب: ارغب بلقاء صاحب هذه الضيعة الكبيرة الجميلة الواسعة بحدائقها وبساتينها وفاكهتها وخدمها
قال الحاجب: انت هنا في امان ولا تستعجل في سؤالك
فقال الشاب: اين صاحب الضيعة ؟
فردّ الحاجب:هو موجود ولكنه محجوب
فقال الشاب:وكيف ألتقي بحضرته؟
فردّ الحاجب: لن تلتقي به. يمكنك التحدث من هنا فذلك الرجل الشيخ المسن ذو اللحية البيضاء الملائكي الوجه الواقف بجانب الحاجب الفاصل سيوصل كلامك
قال الشاب: ولكن اريد رؤيته والحديث معه
فردّ الحاجب: لن تقدر رؤيته لأنه لاطاقة لك بالنظر اليه لأنه عظيم الهيبة فلو رأيته لمحوت من الوجود وان نظرت له في المرآة فيتعذّر عليك في طرح مشكلتك ويكلّ لسانك فنحن نأتي الى ديوانه ونجلس هنا وهو يكرمنا ولا يتحدث معنا الا عن طريق ذلك الشيخ المسن الملائكي الوجه فهو اهل الثقة لا يخدعنا وهو امين فيوصل كلامنا من غير ان يراه ويوصل كلامنا بحذافيره ولا يبخل علينا ابدا
فنطق الشيخ الملائكي الواقف بجانب الحجاب الكبير وقال: تحدث بنيّ لا تخشى فمولاي يسمعك
فقال الشاب: (مستحيا) فعلت كذا وكذا وانا هارب فهل يجيرني مولاكم؟
فأختفى الشيخ وراء الحجاب ثم عاد وقال له: قم واخرج معي
فأصطحبه معه فقال له: (وبينما هما يسيران في المزرعة) مولاي كريم جدا ورغم انك تستحق العقاب الا انه ليس من شيمه البخل فقد اكرمك فأنك ستبقى هنا سنين ونحن نوفّر لك الأمان ولن نبلّغ السلطات خارج هذه المزرعة بوجودك بيننا و رزقك وكسوتك وسكنك علينا ولك ان تتزوج كذلك ان شئت ولا تخشى شيئا ولكن حاول ان تستعدل امورك
فقال الحاجب: ستسكن (واشار بيده الى مسكن في زاوية الحقل) هناك وفي كل صباح ووقت الظهيرة والعشاء سنحضر لك طعامك وكل شهر نعطي كسوتك اما البستان فيمكن ان تحضره بنفسك وتقطف من ثمره بقدر حاجتك ثم تعود ولكن لا تسرف
فقال الشاب: كم انتم كرماء وانا ممتن لكم وخاصة لمولاكم الكريم صاحب كل هذا العز
بقي الشاب مدة في المزرعة وكان يرى جدية الخدم والحشم وعمال وعاملات المزرعة والبستان في عملهم واصبح الشاب ضيفا مكرّما ومدللا ،وبعد مدة وعن طريق الصدفة اكتشف ان هناك مجموعة من الضيوف يسكنون بجواره فصادقهم وكانوا مستهترين ويشوب تصرفاتهم المنكر ولكن بسبب العشرة والصداقة كان استهتارهم يمر على الشاب مرور الكرام فلم ينتبه لذلك واحيانا كان هو كذلك يستهتر مثلهم وتعلمّ منهم ان يأخذ فوق نصيبه من ثمر البستان ونسي وصية ذلك الشيخ المسن الملائكي الوجه له ان لا يسرف وأن يستعدل اموره في معاملاته اليومية.
وقبل الغروب كان يتجوّل مع اصحابه الضيوف الاخرين في المزرعة وكانوا يسترقون النظر للفتيات العاملات وهن يعملن في المزرعة ونسي انهن ملك لصاحب الضيعة المهيب الجليل الشأن.
وهكذا وقع الشاب مرة اخرى في مصيدة حب الشهوة والعدوان والتجبّر بغير حق ونكران جميل صاحب الكرم والفضل.
لقد شكى بعض الصلحاء الى صاحب الفضل ولكنه للطفه وحبّه لعدم فضحه وستره على افراد ضيعته ومنهم الضيوف حلم به وصبر عليه وبينما كان الشاب غافلا عن ذلك وما زال يعمل المنكرات ورمى عرض الحائط قوانين الضيافة والأستجارة.
ومضت السنون وهو بهذا الحال المزري الى ان سقط في أعين روّاد المضيفة او الديوان وكانوا اذا لقونه استخفّوا به وكانوا يشحّون بوجوههم عنه واذا ردّوا التحية ردّوها بأسلوب يستشف منها انهم ينكرون عليه سوء اعماله. وفي تلك الفترة نسي الشاب انه مجرد ضيف في المزرعة وكان احيانا يتمرد على نوع الغذاء او الملبس المقدم إليه ، وبدأ الغرور والتعالي يدسّان بنفسه الى الحضيض و نسي انه هو مجرد ذلك المتمرد الهارب اللاجئ عند هذا المجير الكريم.
في احد الليالي وبينما كان هو في غرفته ساهرا واذا دقّ أحدهم الباب وفتحه فلم يجد أحدا ونظر الى اسفل الباب فوجد طبقا من الطعام الشهي وفواكه ومن اجود الأنواع ويظهر ان الذي وضعه كان مأمورا أن يوصله ولا يرى نفسه له.
ففرح بالطعام واكل الشاب منه وشبع ومن ثم تمدد على ظهره وعلى فراشه الوثير فخطر بباله صاحب الضيعة الكريم.
فقال في نفسه: ما أكرمه صاحب هذه الضيعة؟ وحقا أنا لا أستحق كل هذا
فأنا مجرد ضيف هنا
لا حق لي في ماله وانا اسرف في ماله واعتدي على مملكته،
فلا يجوز لي هذا فتذكّر خطاب الشيخ الملائكي عندما قال له: لا تسرف وإستعدل
بعد تمعّن طويل حيث استغرق اياما واشهرا من التفكير بدأ ضمير الشاب يصحو ويؤنّب نفسه
فقال في نفسه: لابدّ ان أذهب يوما للديوان كي أعتذر وأعترف بأني لا أستحق كل هذا الجميل
ففي امسية احد الأيام ذهب و اقترب من باب الديوان فكان روّاد الديوان ينظرون له بريبة وهو لا يعلم انهم يعلمون بسوء افعاله
فجاء الشيخ الملائكي ونظر في وجه الشاب وبكى
فقال الشاب: ما يبكيك يا شيخ يا طيب؟ هل هناك امر مفجع لا يسرك وآلمك؟
قال: لا يا بني انا بعيد عن فواجع الدنيا ما دمت خادم في هذا الباب
فقال الشاب: فأذن ما يبكيك؟
فقال الشيخ: ابكي من اجلك
فقال الشاب: من أجلي؟
قال الشيخ: بلى من اجلك
قال الشاب: لكني لا أفهم
فقال الشيخ: لما اتيت الى هنا بنيّ؟
فقال الشاب: (مطأطأ الرأس) جئت كي أعتذر من مولاي صاحب العز وصاحب هذه الجنان
فقال: وتعترف على ماذا يا بنيّ؟
فقال الشاب: جئت كي اعترف على نفسي
فقال الشيخ: وما بها نفسك يا بنيّ؟
فقال الشاب: طاوعتها وخنت مولاي صاحب العز والكرم واسرفت في ملكه ومملكته واسترقت النظر على إماءه اللاتي كن يعملن في المزرعة
فبكى الشيخ وبكى الشاب
فأختفى الشيخ وراء الحجاب ثم عاد وقال: أنبأني مولاي ان اخبرك انه عفا عنك فقد وهبك احدى تلك الفتيات العاملات في المزرعة وتزوجها ولكن يا بنيّ لا اريدك ان تضل ثانية والا سأسلمك للسلطات
فبكى الشاب وقال: وا ويلاه انا أسئ وهو يعفو ويمنّ كم كريم ومنان صاحب هذا العز؟
فقال الشيخ: يابني اني بكيت عندما رأيتك لأن مولاي كان محيط بكل افعالك المسيئة وكنت اخشى ان يعاقبك وويل لمن عاقبه مولاي فعقابه لا يتحمله احد
فقال الشيخ: (وهو يمسح دموعه على خديه ولحيته البيضاء المسترسلة) إتبعني يا بني كي اوصلك الى خطيبتك
فقال الشاب: معذرة يا شيخي الكريم فلقد أسأت اليك كذلك وجعلتك تحزن وتبكي لأجلي
فقال الشيخ: لا بأس يا بني مادام صاحب الفضل قد عفا عنك فأنا سعيد بعفوه عنك وسعيد بسعادتك ولكن يابني ارجوك ان لا تنسى وصيتي لاتسرف واستعدل جهد امكانك وإياك ان يضلك الشيطان
(انتهى)
ملاحظة/
هذه القصة مستمدة من نسج خيالي
واستمدتها من افكار تبلورت عندي بعد دخولي الدعوة المباركة ومن علم الأمام احمد عليه السلام فيما طرحه عن الذر الأول ومن ثم انتقالنا الى هذا العالم الجسماني اي عالم الدنيا
الهروب الأولي كان في عالم الذر فبعد معصية الشاب أجاره الله تعالى في بستانه اي في الأرض لكي يعطيه فرصة اخرى في الأمتحان الثاني ولكنه نسى وأسرف ثانية.
ثم تذكّر بأنه لا يملك شيئا في هذا البستان او الأرض او حطام عالم هذه الدنيا وهو قدم اليها ضيفا ومبتلى بقوانين دار الضيافة او قوانين الدنيا. والمضيفة او الديوان هو ظل استظل به الشاب في ولاية أئمة الهدى عليهم السلام الذين كانوا في ضيافة الرحمن وفي ديوانه تعالى في كل يوم.
والضيعة والبستان هي الأرض وما فيها وصاحب البستان او الضيعة (الأرض) هو الله سبحانه وتعالى ونحن ضيوف فقراء عنده وسنبقى في ضيافته الى أجل مسمى والشيخ المسن هم ملاك الرحمة.
فأسأل الله تعالى ان يعفو عنا وعن هفواتنا وان يعفو عن زملائي في البستان وهم سكان الأرض ويهديهم الله سبيله .
اللهم اعف عنا غرورنا فنحن مجرد ضيوف عندك واكرمتنا في ارضك فنسألك يا الهي ان تدم نعمائك علينا ولا تقطعها عنا ابدا وارض عنا يا مجير يا اكرم الأكرمين
(اعتذر عن بساطة التعابير المستخدمة لأني والعباذ بالله من الأنا لا املك قلم الحوار القصصى او حتى في كتابة القصص)
ابو سجاد
ستوكهولم
كتبت في تأريخ
2011/02/13
Comment