بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وال محمد الائمه والمهدیین وسلم تسلیما
كانت السيدة المعصومة اختاً للإمام الرضا لامه ، فأمهما واحدة (1) .
فمن كانت امهما ؟ وكيف اختارها الإمام الكاظم لتكون أمّاً لاولاده ؟
هذا ما ستقراه في الحديث التالي : ـ
قال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لهشام بن احمد (2) : هل علمت احدا من اهل المغرب قدم ؟
قال : لا .
فقال (عليه السّلام) : بلى قد قدم رجل أحمر (3) ، فانطلق بنا .
قال هشام : فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق (4) .
____________
(1) دلائل الامامة : ص 309 .
(2) هشام بن أحمد : من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ولعلّه هشام بن أحمر وصُحف كما في أصول الكافي : ج1 ص 486 ح1 ، حيث ذكر نفس هذا الحديث .
(3) أي رجل أحمر البشرة ، وهو عادة لون بشرة بعض أهل المغرب وما والاها من أوربا .
(4) أي عبيد أو جواري أو كليهما .
===============
( 16 ) فقال ( عليه السلام ) : أعرض علينا (1) .
فعرض علينا تسع جوار ، كل ذلك وأبو الحسن يقول له : لا حاجة لي فيها .
ثم قال له : اعرض علينا .
قال : ما عندي شيء .
فقال ( عليه السلام ) : بلى ، اعرض علينا .
قال : لا والله ! ما عندي إلا جارية مريضة .
فقال له : ما عليك أن تعرضها ؟
فأبى عليه صاحب الرقيق ، ثم انصرف ( عليه السلام ) .
قال هشام : ثم إنه ( عليه السلام ) أرسلني من الغد إليه . .
وقال لي : قل له كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا . فقُل : قد أخذتها . ( قال هشام : ) .
فاتيتُه . . .
قلتُ : كم غايتُك فيها ؟
فقال : ما أريد أن اُنقصها من كذا (2) .
فقلت : قد أخذتها .
فقال : هي لك ، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟
فقلت : قد أخذتها .
فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالامس ؟
فقلت : رجل من بني هاشم .
فقلت : من نقبائهم (3) .
____________
(1) أي أعرض علينا ما عندك من الرقيق .
(2) أي لا اريد أن تنقص قيمة الجارية عن المبلغ الكذائي .
(3) فلما سمع النخاس ذلك طمع في مزيد من المال .
===============
( 17 ) فقال : أريد اكثر .
فقلت : ما عندي اكثر من هذا .
فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة (1) ؟ إنّي اشتريتها من اقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأه من أهل الكتاب . .
فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟
فقلت : اشتريتها لنفسي .
فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ! ! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الارض ، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه علاماً يدين له شرق الارض وغربها .
قال هشام : فأتيت الإمام ( عليه السلام ) بالجارية (2) .
وكانت لهذه الجارية عدة اسماء منها : نجمة وتكتم (3) .
وقد كانت بكراً حين شرائها (4) .
والظاهر أن الإمام ( عليه السلام ) اشتراها ـ ابتداءً ـ لامّه حميدة المصفّاة .
وكانت السيدة تُكتم من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة حتى انها ما جلست بين يديها إجلالاً لها (5) .
____________
(1) قد يكون بمعنى الاستفهام وقد يكون بمعنى الإخبار ولعل الثاني اظهر . أي : أريد ان اخبرك عن هذه الوصيفة . والوصيفة هنا أي الجارية .
(2) عيون أخبار الرضا : ج1 بص 17 .
(3) المصدر السابق : ج1 ص 16 ، ص 17 .
(4) المصدر السابق : ج1 ص 17 .
(5) عيون أخبار الرضا : ج1 بص 14 .
===============
( 18 ) ثم إن السيدة حميدة ذكرت انّها رأت في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول لها : يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنّه سيولد له منها خير أهل الارض (1) .
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) : يا بني ! إن تُكتم جارية ما رايت جارية قط افضل منها . . . وقد وهبتها لك (2) .
فقالت لابنها موسى ( عليه السلام ) ـ لمّا أتى بها ـ قد جمع أصحابه وأخبرهم بأنّه ما اشتراها الا بامر من الله ووحيه . .
قال (عليه السّلام) : بينا انا نائم ، إذا أتاني جدّي رسول الله وأبي ( عليهما السلام ) ومعهما شقّة حرير (3) ، فنشراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية .
فقالا : يا موسى ! ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الارض بعدك . ثم أمراني أن أسمه عليا .
وقالا لي : إن الله تعالى يظهر به العدل والرافة ، طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده (4) .
ولما ولدت (السيدة تكتم) الامام الرضا ( عليه السلام ) قالت : اعينوني بمرضعة ! ! فقيل لها : انقص الدر (5) ؟
____________
(1) عيون اخبار الرضا : ص 17 .
(2) المصدر السابق : ص 14 .
(3) أي قطعة حرير .
(4) إثبات الوصيّة : ص 170 .
(5) أي : هل نقص لبن الرضاع ؟
===============
( 19 ) قالت : ما أكذب . ما نقص الدّر ، ولكن علي ورد (1) من صلاتي وتسبيحي . وقد نقص منذ ولدت (2) .
وهذا مما يدل على حرصها على عبادتها ووردها وانقطاعها إلى الله تعالى .
____________
(1) الورد : أي المندوب والمستحب في مقابل الواجب ، وجمعه أوراد .
(2) عيون اخبار الرضا : ج1 ص15 .
===============
( 20 ) ===============
( 21 ) (ب) السيدة تكتم
قد ذكرت للسيدة تكتم اسماء اخرى ، منها : نجمة ، أروى ، سمان ، سكن أو سكنى (1) . .
وتكتم هو ما استقر عليه اسمها حين ملكها ابو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) (2) .
فلما ولدت له الإمام الرضا ( عليه السلام ) سمّاها الطاهرة (3) .
وكانت تكنى : أم البنين (4) .
والمستفاد من الروايات أن لها أسماء أخرى نذكرها فيما يلي :
1 ـ نجمة :
روي عن أبي بصير ، قال : لمّا حضر أبا جعفر ـ محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) ـ الوفاة ، دعا بابنه الصادق ( عليه السلام ) ليعهد إليه عهداً . . . ثم دعا بجابر بن عبدالله الانصاري .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 ، ص 17 .
(2) المصدر نفسه : ص 14 .
(3) المصدر نفسه : ص 15 ، ص 17 .
(4) أصول الكافي : ج1 ص 486 ، وعيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 .
===============
( 22 ) فقال : يا جابر ! حدّثنا بما عاينت من الصحيفة ؟
فقال له جابر : نعم يا أبا جعفر . دخلتُ على مولاتي فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) لاهنئها بولادة الحسين ( عليه السلام ) ، فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة .
فقلت : يا سيدة النسوان ! ما هذه الصحيفة التي أراها معك
. قالت : فيها أسماء الأئمة من ولدي .
قلت لها : ناوليني لانظر فيها !
قالت : يا جابر ! لولا النهي لكنت افعل ، ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي ، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها .
قال جابر : فقرأت ، فإذا فيها :
أبو ا لقاسم محمد بن عبدالله المصطفى ، أمه : آمنة .
أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى ، أمه : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .
أبو محمد الحسن بن علي البر .
أبو عبدالله الحسين بن علي ، أمهما : فاطمة بنت محمد .
أبو محمد علي بن الحسين العدل ، أمه : شهربانو (يه) بنت يزدجر .
أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، أمّه : أم عبدالله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب .
أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، وأمه : أم فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بكر .
===============
( 23 ) أبو إبراهيم موسى بن جعفر ، أمه جارية إسمها : حميدة المصفاة .
أبو الحسن علي بن موسى الرضا ، أمه جارية إسمها : نجمة . . . » (1) الحديث .
فالسيدة نجمة ، نجمة تألقت في سماء بيت الإمامة حيث إنها ولدت الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
2 ـ طاهرة :
عندما اشترت أم الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) هذه الجارية ـ نجمة ـ ، ذكرت حميدة انها رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لها : يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى ، فإنه سيولد له منها خير أهل الارض . . . فلمّا ولدت له الرضا ( عليه السلام ) سمّاها الطاهرة (2) .
ومن قبلها كانت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تسمى بالطاهرة ، كما وأن أمها خديجة ( عليها السلام ) كانت أيضاً تدعى بالطاهرة .
3 ـ تُكْتَم :
وتكتم آخر أسمائها ، وعليه استقر اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) (3) .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 40 ، وإكمال الدين : ج1 ص 305 .
(2) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 16 .
(3) المصدر السابق : ج1 ص14 ، ص 17 .
===============
( 24 ) قال الصولي : والدليل على أن اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا ( عليه السلام ) :
ألا إن خير الناس نفساً ووالداً * ورهطاً واجداداً (عليُّ) المعظم
أتتنا بـه للعلم والحلم ثامنـا * إمامـا يؤدي حجة الله تُكتم (1)
ولا بأس بصرف عنان الكلام إلى البحث في معنى كلمة ( تكتم ) ، ووجه تسمية السيدة بهذا الإسم الجميل : ـ
طاف الخيالان فهاجا سقما * خيال تُكنى وخيال تكتما (2)
وفي القاموس المحيط : « تكتم : ـ على ما لم يسم فاعله (3) ـ إمرأة ، واسم بئر زمزم » (4) .
وفي لسان العرب : « في حديث زمزم : أن عبد المطلب رأى في المنام قيل له : إحفر تكتم بين الفرث والدم ؛ تكتم : إسم بئر زمزم ، سميت بذلك لأنها كانت ا ندفنت بعد ( جرهم ) (5) فصارت مكتومة حتى أظهرها عبد المطلب » (6) .
____________
(1) ( تكتم ) : فاعل (أتتنا) ، والمعنى : أتننا تكتم به . عيون أخبار الرضا : ج1 ص 15 .
(2) أي مبني للمجهول ، فيضم اوله ويفتح ما قبل آخره ، وهو علم على وزن الفعل .
(3) أي مبني للمجهول ، فيضم اوله ويفتح ما قبل ~خره ، وهو على وزن الفعل .
(4) القاموس المحيط : ج4 ص 239 باب الميم فصل الكاف .
(5) أي قبيلة جرهم : إحدى القبائل العربية .
(6) لسان العرب : ج12 ص 508 باب الميم فصل الكاف .
===============
( 25 ) فلماذا سميت السيدة بهذا الإسم ؟
هل ـ يا ترى ـ من مناسبة لذلك ؟
إن التسمية ـ عادة ـ إنما تكون لسبب أو مناسبة ، فمثلاً : الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) إبنا وصي نبي الإسلام سميا باسم ابني هارون وصي موسى ( عليهما السلام ) ، وسيدتنا ومولاتنا الزهراء سميت بفاطمة لأن الله فطمها وولدها ومحبيهم من النار ، وهكذا فما هي المناسبة في تسمية السيدة نجمة بـ ( تكتم ) ؟
وهل هناك وجه شبه بين تسمية السيدة بـ ( تكتم ) وبين تسمية بئر زمزم بهذا الإسم ؟
الجواب : يمكن أن يكون السبب أحد الأوجه التالية :
الوجه الأوّل :
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : « ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض . . . » (1) .
وفي حديث آخر : « خير ماء ينبع على وجه ا لأرض ماء زمزم . . » (2) .
وقد مرٌ عليكم الخبر المروي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أنه رأى في المنام جدّه رسول الله واباه (صلوات الله عليهما) يقولان له : « يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك » (3) .
والسيدة حميدة المصفّاة ذكرت أنّها رأت في المنام رسول الله
____________
(1) وسائل الشيعة : ج25 كتاب الاطعمة والاشربة : ص 260 باب 16 ح1 .
(2) مستدرك الوسائل : ج17 كتاب الأطعمة والأشربة : ص 18 باب 13 ح3 .
(3) إثبات الوصية : ص 170 .
===============
( 27 ) ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول لها : « يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض » (1) .
فكما أن بئر زمزم ـ التي كانت تسمى تكتم ـ خير نبع على وجه الأرض لأنه ينبعُ منها خير ماء وهو شفاء من كل داء (2) ، ودواء لما شرب له (3) .
كذلك السيدة نجمة سميت بـ « تكتم » لأنّها ستلد خير اهل الارض بعد أبيه ، ومنه سيولد أربعة من أنوار أهل بيت العصمة والطهارة ، آخرهم إمامنا وسيدنا صاحب العصر والزمان ـ عجل الله ظهوره الشريف ـ ، والخير كل الخير يكون ممن « بيمنه رزق الورى ، وبوجوده ثبتت الأرض والسما » .
الوجه الثاني :
إنّ زمزم كانت خافية ومكتومة عن الجميع فأظْهَرَها عبد المطَّلب ( عليه السّلام ) ، كذلك السيدة نجمة كانت مكتومة وخافية فأظهَرَها الإمام ( عليه السلام ) ، إذ البائع كَتَمَ أمرها ، وأراد أن يدخرَها لنفسه لولا أنّ الإمام ( عليه السلام ) أظهرها .
الوجه الثالث :
قد تكون تسميتها بـ « تكتم » كناية عن العفة والطهارة ، فهي امرأه مكتومة وخافية عن الرجال ، ويؤيد هذا الوجه ما ذكره الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا : « . . . كانت نجمة بكراً لمّا
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 17 .
(2) فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « ماء زمزم شفاءٌ من كل داء » .
(3) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : ماء زمزم دواء مما شرب له » .
===============
( 27 ) اشترتها حميدة » (1) .
ولا مانع من الوجوه كلّها .
* * *
نعم . . . هذه السيدة تكتم والدة السيدة فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) وقد عرفتم كيفية انتخاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لها لتكون أما لأولاده ، فولدت له خير أهل الأرض بعده ، وهو الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص 17 .
===============
( 28 ) ===============
( 29 ) (ج) متى ولدت السيدة المعصومة (عليها السلام)
إن السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم ( عليه السلام ) هي أختُ الإمام الرضا لأمّه ، فأمّهما واحدة ، وهي من قد عرفت فضلها وعقلها ودينها .
وأبوها مثله كمثل الشمس في وسط ا لسماء ، فهو « مَعدن التنزيل ، وصاحب التأويل ، وحامل التوارة والإنجيل » (1) ، « وصي الأبرار ، وإمام الأخيار ، وعيبة (2) الأنوار ، ووارث السكينة والوقار ، والحكم والآثار ، الذي كان يحيي الليل بالسّهر إلى السٌحر بمواصلة الإستغفار ، حليف السجدة الطويلة ، والدموع الغزيرة ، والمناجاة الكثيرة ، والضرّاعات المتصلة . ومقر النهي والعدل ، والخير والفضل ، والندى والبذل ، ومألف البلوى والصبر . . . » (3) .
فالسيدة المعصومة ( عليها السلام ) قد وُلدت في بيت لا يتنفس فيه إلا عبير التقى ، ولا يُرتضعُ فيه إلا بلبان الإيمان ، ولا يتربى فيه إلا بتربية القرآن ، ولا ينهل فيه إلا من رواء العلم ، ولا يُطعم فيه إلا من رياض
____________
(1) هذا شطر من زيارة للإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
(2) عيبة الشيء خاصته وموضع سره .
(3) شطر من زيارة أخرى للإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
===============
( 30 ) الخلق والأدب والطهر والعفة .
وأمّا تاريخ ولادتها : ذكروا أنّها ( سلام الله عليها ) قد ولدت في المدينة المنورة في غرة ذي القعدة من سنة 173 هـ (1) .
وعلى هذا التاريخ يكون عمرها الشريف حين وفاتها ثمان وعشرين سنة حيث توفيت في عام 201 هـ .
وعلى كل تقدير لا يمكن أن يتصور عمرها الشريف أقل من إثنين وعشرين عاماً ، أي ولادتها لا تتصور بعد عام 179 هـ .
لماذا ؟ وكيف ؟
الجواب : في أصول الكافي : « . . . قبض ( عليه السلام ) (2) ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفة من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون إلى الحج وحمَله معه ، ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر (3) ، ثم أشخصه إلى بغداد ، فحسبه عند السندي بن شاهك ، فتوفي ( عليه السلام ) في حبسه . . . » (4) .
فالإمام الكاظم ( عليه السلام ) قد فارق بيته ومدينة جدّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) في شوال سنة 179 هـ . وعليه فولادة السيدة
____________
(1) مستدرك سفينة البحار : ج8 ص 257 مادة « فَطَم » .
(2) أي الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
(3) أي عيسى بن جعفر المنصور الدوانيقي والي هارون على البصرة ، وهو الذي حبس الإمام ( عليه السلام ) لمدة سنة . راجع الإرشاد : ج2 ص 239 .
(4) أصول الكافي : ج1 ص 476 .
===============
( 31 ) المعصومة ( عليها السلام ) كان قبل هذا التاريخ (1) ، فيكون عمرها الشريف ـ على أقل التقادير ـ حين وفاتها إثنتين وعشرين سنة ، ولكن الأقرب أن عمرها كان اكثر من ذلك ، وخاصة إذا عرفنا أنها كبرى الفاطمتين أو الفواطم (2) ، فالظاهر أن عمرها الشريف ثمان وعشرون سنة .
____________
(1) وعلى هذا فلا يصح ما ذكر من أن ولادتها ( عليها السلام ) كانت في المدينة المنورة سنة 183 هـ ـ أي سنة وفاة أبيها ( عليه السلام ) الذي كان رهين السجون ـ .
(2) ذكر سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص : ص 351 أن للإمام ( عليه السلام ) اربعاً كل منهن تسمى فاطمة .
===============
( 32 ) ===============
( 33 ) (د) إخوتها
ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد أنه كان لأبي الحسن موسى ( عليه السلام ) سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى .
فالذكور : الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وإبراهيم ، والعباس ، والقاسم ، لأمّهات أولاد (1) .
وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسين لأم ولد .
وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة ، لأمّ ولد .
وعبدالله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وسليمان ، لأمهات أولاد .
والإناث :
فاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقيّة ، ورقيّة الصغرى ، وأم أبيها ، وحكيمة وكلثم ، وأم جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجه ، وعليّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وأم كلثوم ، لأمهات أولاد (2) .
____________
(1) أم ولد : هي الجارية التي أولدها مالكها ، فتصبح حرة وتعتق من نصيب ولدها .
(2) الإرشاد : ج2 ص244 .
===============
( 34 ) وذكر النوبختي أنّ للإمام ( عليه السلام ) ثلاثة وثلاثين ولداً : ثمانية عشر ذكراً وخمس عشرة بنتا (1) .
وفي تاريخ اليعقوبي أنّ له ( عليه السلام ) واحداً وأربعين ولداً : ثمانية عشر ذكراً ، وثلاث وعشرين بنتاً (2) .
وفي عمدة الطالب أن له ( عليه السلام ) ستين ولداً : ثلاثة وعشرين إبنا ، وسبع وثلاثين بنتاً (3) .
فهذه أربعة أقوال ، ولعل الاقرب هو المروي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) نفسه في الخبر الذي ذكره الشيخ الصدوق في عيون الأخبار ، الموافق لما ذكره الشيخ المفيد والنوبختي ، أن هارون العباسي سأل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) عن عياله فقال : « . . . أما الولد فلي نيف (4) وثلاثون . . . » (5) .
____________
(1) فرق الشيعة : ص 87 .
(2) تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 415 .
(3) عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب : ص 226 .
(4) نيف : هو ما زاد على العشرات من أعداد الآحاد ، فيشمل من واحد إلى تسعة .
(5) عيون أخبار الرضا : ج1 باب 7 الحديث 11 ص 89 .
===============
( 35 ) 2 ـ ألقابها
===============
( 36 ) ===============
( 37 ) للسيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم ( عليهما السلام ) عدة القاب ، منها :
(1) المعصومة :
وهي أكثر ما تعرف به ، وقد نقل عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال : « من زار المعصومة بقم [ كان ] كمن زارني » (1) .
(ب) كريمة أهل البيت :
ينقل عن آية الله السيد محمود المرعشي ( قدس سره ) انه كان قد توسل بالأئمة الطاهرين ( صولات الله وسلامه عليهم ) ، كي يبينوا له موضع قبر الصديقة الطاهرة سيدة النساء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) .
وبعد توسّلات كثيرة تلقى الجواب منهم ( صلوات الله عليهم ) أن لا تطلب منّا هذا الشيء فإنه ليس من المقدر أن نظهر قبرها المخفي ، لكن لاجل أن لا تُحرم شيعتنا ومحبونا من فيض زيارة قبرها عليكم بزيارة كريمة أهل البيت . .
فاستفسر السيد : ومن هي كريمة أهل البيت ؟
____________
(1) ناسخ التواريخ : ج7 ص 337 .
===============
( 38 ) أجابوه : فاطمة بنت موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) المدفونة بقم .
فهذه وإن كانت رؤيا صالحة ، ولكنٌ الواقع الخارجي يصدقها ، فما نسمعه ونراه من كبير كرم ، وحسن استضافة هذه السيدة الجليلة لدليل واضح على ذلك ، ولا عجب فهي سليلة أصل الجود والكرم .
ويكفي في كرمها احتضانها لحوزة التشيع في العصر الأخير ، بل منذ العصور الغابرة ، حيث كانت قم بلد التشيع ، ومركز حفظة أحاديث وعلوم أهل البيت ( عليهم السلام ) . حتى أنه دفن في جوارها مائة الف محدث كما هو المعروف .
فببركة التمسك بحبل ولائهم ( عليهم السلام ) أفاضوا على قم وأهلها ما أفاضوا ، وذلك عبر سليتهم الكريمة ، فاطمة المعصومة .
(ج) اُخت الرضا :
. . . قال أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (1) للإمام الجواد ( عليه السلام ) : إن قوماً من مخالفيكم يزعمون أباك إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه بولاية عهده .
فقال ( عليه السلام ) : كذبوا والله وفجروا ، بل الله تبارك وتعالى سمّاه الرضا ، لأنّه كان رضى لله عز وجل في سمائه ، ورضى لرسوله والأئمة من بعده ( صلوات الله عليهم ) في أرضه .
____________
(1) أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي : من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وكان من خواص أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، كما وأنه أدرك الإمام الجواد ( عليه السلام ) و(بزنط) موضع في العراق .
===============
( 39 ) قال الراوي : ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين ( عليهم السلام ) رضى لله تعالى ولرسوله والأئمة ( عليهم السلام ) ؟
فقال ( عليه السلام ) : بلى .
قال الراوي : فلم سمي أبوك من بينهم الرضا ؟
قال : لانّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه ( عليهم السلام ) ، فلذلك سمي من بينهم الرضا ( عليه السلام ) » (1) .
فلأن الإمام رضي به المخالف والمؤالف ، كان كل من يتصل به نسباً يُنسب إليه ، فالإمام الجواد ( عليه السلام ) عرف بابن الرضا ، وكان من القابه (2) ، كما أن الإمام الهادي والعسكري ( عليهم السلام ) كان يعرف كل منهما في زمانه بابن الرضا (3) .
ولذلك أيضاً كانت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) تعرف بـ ( اخت الرضا ) .
وهذا وإن لم يذكر في كتاب معتبر ، ولكن الشواهد السالفة كافية لإثبات هذا اللقب لها . فهي كانت ( عليه السلام ) اخت الرضا حقيقة ، كما عرفت به القبا .
____________
(1) عيون أخبار الرضا : ج1 ص13 .
(2) مناقب آل ابي طالب : ج4 ص 379 .
(3) المصدر السابق : ج4 ص 421 .