اللهم صل على محمد وال محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
روي الشيخ المفيد عن الحسن بن محبوب، عن عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت عن ابن أبي ليلي يقول: لقد قضي أميرالمؤمنين علیه السلام بقضيّة ما سبقه إلیها أحد.
وذلك أنّ رجلين اصطحبا في سفر، فجلسا يتغذّيان، فأخرج أحدهما خمسة أرغفة، وأخرج الآخر ثلاثة، فمرّ بهما رجل، فسلّم. فقالا له: الغداء! فجلس يأكل معهما. فلمّا فرغ من أكله، رمي إلیهما ثمانية دراهم، وقال: هذه عوض ما أكلت من طعامكما.
فاختصما ] في تقسيم الدراهم المذكورة [. وقال صاحب الثلاثة: هذه نصفان بيننا. فقال صاحب الخمسة: بل لي خمسة ولك ثلاثة. فارتفعا إلی أميرالمؤمنين علیه السلام، وقصّا علیه القصّة.
وقال لهما: هذا أمر فيه دناءة؛ والخصومة غير جميلة فيه؛ والصلح أحسن.
فقال صاحب الثلاثة أرغفة: لست أرضي إلاّ بمُرّ القضاء ( حقيقة الامر نفسه )!
قال أمير المؤمنين علیه السلام: فإذا كنتَ لا ترضي إلاّ بمرّ القضاء، فإنّ لك واحداً من ثمانية، ولصاحبك سبعة! فقال: سُبْحَانَ اللَهِ! وكيف صار هذا هكذا؟
فقال ] أمير المؤمنين علیه السلام [ له: أُخبرك! إلیس كان لك ثلاثة أرغفة؟ قال: بلي. قال: ولصاحبك خمسة؟ قال: بلي!
قال ] الإمام [: فهذه أربعة وعشرون ثلثاً. أكلت أنت ثمانية! وصاحبك ثمانية، والضيف ثمانية! فلمّا أعطاكم الثمانية، كان لصاحبك السبعة، ولك واحدة. فانصرف الرجلان علی بصيرة من أمرهما في القضيّة. [21]
إنّ قصد الإمام علیه السلام هو أنّ صاحبك الذي كان له خمسة عشر ثلثاً من الرغيف، وأكل منها ثمانية، أعطي للضيف سبعة، فاستحقّ سبعة دراهم؛ وأنت الذي كانت لك تسعة أثلاث من الارغفة وأكلت منها ثمانية! أعطيت الضيفَ ثلثاً واحداً من أرغفتك، فاستحققت درهماً واحداً من ثمانية دراهم!
وروي الكلينيّ هذه القصّة بسندين: الاوّل عن محمّدبن يحيي، عن أحمدبن محمّد؛ والثاني عن علیّبن إبراهيم، عن أبيه، وكلاهما يروي عن ابن محبوب، عن عبدالرحمنبن الحجّاج، عن ابن ليلي أ نّه كان يحدّث أصحابه بها. [22] ورواها الشيخ الطوسيّ علی هذا المنوال بالسند الاوّل الذي ذكره الكلينيّ. [23]
ورواهـا من العامّة ابن عبد البرّ في « الاستيعاب » عن شـيخه أبيالاصبع: عيسيبن سعدبن سعيد المُقري، أحد معلّمي القرآن، عن الحسنبن أحمدبن محمّدبن قاسم المقري، قرأها علیه في منزله ببغداد، عن أبيبكر أحمدبن ] يحيي بن [ موسي بن عبّاسبن مجاهد المقري بمسـجده، عن العبّاسبن محمّد الدوريّ، عن يحيـي بن مُعين، عن أبيبكربن عيّاش، عن عاصم بن زِرّ بن حُبَيْش أنّ رجلين جلسا يتغدّيان. ثمّ ذكر هذه القصّة مفصّلاً بتفصيل أكثر ممّا نقلناه عن « الإرشاد ». [24]
ينبغي أن نعلم بأنّ هذه الروايات التي ذكرناها نقلاً عن الكلينيّ في « الكافي »، والشيخ الطوسيّ في « التهذيب » كلّها صحيحة السند. وأنّ رواية المفيد في « الإرشاد » هي عن ابن أبي ليلي: قاضي الكوفة ومفتيها في عصر الإمام الصادق علیه السلام. وكانت بينه وبين أبي حنيفة، وسليمانبن مَهْران الاعمش ( الشيعيّ نادرة زمانه ) مناقشات، وهو الذي اعترض علیه الإمام الصادق علیه السلام بشدّة في مسجد المدينة ـكما رأينا ذلك أخيراًـ لاخذه بفتاوي أبيبكر وعمر، حتّي سكت، واصفّر لونه.
والعجيب أنّ هذا الرجل هو الذي روي عن عمر قوله: علیٌّ أَقْضَانَا كما روي ابن عبدالبرّ، عن عبدالوارث بن سفيان، عن القاسمبن الاصبغ، عن أبيبكر أحمدبن زُهَيْر، عن أبي خَيْثَمة، عن أبي سَلَمة التَبُوذَكيّ، عن عبدالواحدبن زياد، عن أبي فَرْوَة أ نّه قال: سمعت عبدالرحمنبن أبي ليلي يقول: قال عمر : علیٌّ أَقْضَانَا. [25] « علیّ أكثرنا سداداً واستقامة في قضائه المطابق للواقع. وهو أحذق وأمهر في هذا الامر ».
وتوضح هذه المسألة هو أنّ الإمام أخرج مضاعفاً مشتركاً لعددهم ـوهم ثلاثةـ وأرغفتهم الثمانية، ودراههم الثمانية أيضاً، وهذا المضاعف المشترك هو24. ثمّ أوضح أنّ كلّ واحد منهم أكل ثماني وحدات، وأنّ صاحب الارغفة الخمسة التي تشكّل خمس عشرة وحدة أعطي الضيفَ سبع وحدات من حصّته. وأنّ صاحب الارغفة الثلاثة التي تشكّل تسع وحدات أعطي الضيفَ وحدة واحدة، فلهذا ينبغي أن يأخذ الاوّل سبعة دراهم، ويأخذ الثاني درهماً واحداً.
المقدار الذي أعطاه الثاني للضيف ( 3*5 ) - 8 = 7
8 أرغفة: 3 1 = 1 24 = 24
المقدار الذي أعطاه الاوّلُ للضيف ( 3*3 ) - 8 = 1
وإذا قسّمنا الدراهم الثمانية بنسبة 7 و 1، تكون الحصّة سبعة دراهم ودرهماً واحداً.
حصّة الثاني من الدراهم هي 8 7 * 8 = 7، وحصّة الاوّل منها 8 1 * 8 =1