مجاهد منعثر منشد .
قال أبو العلاءِ المعرّيّ :
لـقد عجِبُوا لآل البيتِ لمّا أتـاهم علمُهم في جلْدِ جَفْرِ
ومرآةُ المُنجِّمِ وهْي صُغرى تُـريهم كـلَّ عامرةٍ وقَفْرِ!
قال الامام الباقر ( عليه السلام )مشيرا الى الامام الصادق ( عليه السلام ) :ـ هذا خير البريّة (1) .
وقال عم الامام الصادق ( عليه السلام )زيد بن علي :ـ في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زمانناابن أخي جعفر لايضلّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه (2) .
في الذكرى الثمانين تحتفل الأمةالإسلامية بمولد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... وفي مظاهر السروروالبهجة ولد الامام ابو عبد الله جعفرالصادق (عليه السلام) بالمدينة المنورة يوم17من شهر ربيع الأول عام 80 هـ (3) ، وهو السادس من أئمة أهل البيت ( عليه السلام )،ودامت فترة إمامته ثلاث وأربعون سنة ، وقد نسب إليه الشيعة الاثنى عشرية، فيقاللهم ايضا ( الجعفرية ).
وكانَتْ ولادَتُه ( عليه السلام ) فيزمن الأموي عبد الملك بن مَرْوان ، وتربَّى في أحضان أبيه الإمام الباقر وجَدِّهالإمام السجَّاد ( عليهما السلام ) ، وعنهما أخذَ ( عليه السلام ) علوم الشريعةِومعارِفَ الإسلام .
أمّه السيدة المهذبة الزكية أم فروةبنت الفقيه قاسم بن عمر بن أبي بكر ، والقاسم ابوها هو من ثقاة الامام زينالعابدين واحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، وجدها محمد بن ابي بكر كان بمثابة ولد مناولاد الامام امير المؤمنين ( عليه السلام ) (4) .
كان يُكنَّى بأبي عبد اللّه، وأبيإِسماعيل ، وأبي موسى ، وأوّلها أشهرها، ويُلقَّب بالصادق (5) ، والفاضل (6) ،والقائم (7) ، والكافل (8) ، والمنجي (9) ، الصابر (10) ، الطاهر (11) ، و لقَّبهبالصادق أبوه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلم ) ، كما في كفاية الأثر لعليبن محمّد بن علي الخزاز عند ترجمة الصادق عليه السلام مسنداً عن أبي هريرة عنالنبي صلّى اللّه عليه وآله في حديث طويل ، ومنه أنه قال ( صلّى اللّه عليه وآلهوسلّم ) : ويخرج اللّه من صُلبه ـ أي صُلب محمّد الباقر ـ كلمة الحق، ولسان الصدق،فقال له ابن مسعود : فما اسمه يا نبيّ اللّه ؟ قال : يقال له جعفر ، صادق في قولهوفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليّ، والرادّ عليه كالرادّ عليَّ، (12) .
وأبلغت القابلة جده الامام زينالعابدين له عينين زرقاوين جميلتين فتبسم الإمام ( عليه السلام ) وقال: إنه يشبهعيني والدتي (13) ، فعيناه تشبهان عيني جدنه السيدة شهربانو بنت يزدجرد الثالث آخرملوك الامبراطورية الساسانية، وهي والدة الإمام زين العابدين ، عينان زرقاوان ،وها هو جعفر الصادق يرث حسب قانون مندل (14) ، لون عينيه من جدّته .
وهناك رواية تقول أن كيهان بانو ، وهيشقيقة شهر بانو بنت يزدجرد ، وقعت في الأسر في فتح عاصمة الأكاسرة ( المدائن )،حيث أتوا بها مع بقية الأسرى إلى المدينةن وكانت لها بدورها عينان زرقاوان ، فإنصحت هذه الرواية، فالإمام الصادق قد ورث عينيه من أميرتين فارسيتين ، لأن كيهانبانو بنت يزدجرد كانت جدة الإمام الصادق من ناحية الأم أيضاً.
وكان الإمام علي ( عليه السلام ) قدعطف على الأسرى من الأسرة المالكة، وزوج شهر بانو بنت يزدجرد لابنه الحسين ( عليهالسلام )، وكذلك زوج كيهان بانو لمحمد ابن أبي بكر (الخليفة الأول)، والذي كانيحبه ويرعاه كأحد أبنائه، وقد ولاّه في ما بعد مصر ، ولكنه قُتل في أثناء ولايتهبتواطوء من معاوية بن أبي سفيان.
وقد ولد لمحمد بن أبي بكر وكيهان بانوولد سمي ( القاسم )، وولدت للقاسم بنت سميت ( أم فروة ) تزوجها الغام محمد الباقر( عليه السلام )، فأنجبت له جعفراً الصادق ( عليه السلام )، وبهذا ارتبط جعفرالصادق (عليه السلام) من ناحيتي الأب والأم بأميرتين فارسيتين كما ارتبط بالخليفةأبي بكر من ناحيتين أيضاً.
وأن والد الصادق وجده ( عليهما السلام) اهتما برعايته وتعليمه وتربيته من السنة الثانية، ويعترف علماء التربية في هذاالعصر بأن أفضل سني تعليم الطفل هي ما بين الثانية والخامسة ، لأن قوة الذاكرة لدىالطفل تكون في هذه الفترة أقوى منها في غيرها .
كان الإمام الباقر ( عليه السلام )والد الصادق ( عليه السلام ) باعتراف الجميع، أعظم العلماء في عصره ، وكان جدُّهزين العابدين ( عليه السلام ) أيضاً من أكابر العلماء والزّهاد (15) .
حيث كانت حياة الامام ما بين عام 83و148 هـ فقد قارنت شطراً من حياة الامام السجاد وأيام امامته، حيث كانت امامته مابين عام 61 و95 هـ ، فقد عاش معه أثنى عشر سنة ، ثم عايش إمامة أبيه الباقر عليهالسلام التي شرعت عام 95 هـ وامتدت إلى عام 114هـ .
وقد تميزت امامة الباقر ( عليه السلام) بتصديه لنشر العلم، ولذا يقول الشيخ المفيد: ولم يظهر عن أحد من ولد الحسنوالحسين ( عليهما السلام ) من علم الدين والاثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنونالادب ما ظهر عن أبي جعفر.
قام جعفر بن محمَّد الصادق ( عليهالسلام ) بإمامة الأمّة في سنة 114هجرية ، عاصر في مجمل فترة إمامته عدّة حكّام منبني أميّة وبني العباس، فمن الأمويين: هشام بن عبد الملك بن مروان ، ووليد بن يزيدبن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك ، وإبراهيم بن وليد بن عبد الملك ، ومروان بنمحمَّد ، ومن العباسيين: أبي عبد اللّه بن محمَّد السفاح وأبي جعفر منصورالدوانيقي.
عاصر من المجازر المروعة في عهد بنيأميّة ما لحق بزيد بن عليّ الذي صلب وعلق على المشنقة في سنة 122هـ ، ناهيك عمالحق به من تمثيل ، ولـم يكتفِ الأمويون بذلك فقتلوا ولده يحيى بشكل مروع .
وعايش الامام الصادق ( عليه السلام )حقائق ثلاثة في تاريخ الامة الاسلامية وهي
قدرة الإسلام على التجديد والابداعوالعطاء في كافة المجالات.
انحراف الحكام وحدوث هوة سحيقة بين المبادئالإسلامية وبين السلطة الحاكمة .
حيوية الامة الإسلامية وقدرتها علىالتحرك ضد الحكام المنحرفين عن الإسلام .
كان الامام الصادق ( عليه السلام )منصرفا عن الصراع السياسي المكشوف الى بناء المقاومة بناءً علميا وفكريا وسلوكيايحمل روح الثورة، ويتضمن بذورها لتنمو بعيدة عن الانظار وتولد قوية راسخة ، وبهذهالطريقة راح يربّي العلماء والدعاة وجماهير الامة على مقاطعة الحكام الظلمة ،ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في احكام الشريعةومفاهيمها ، ويثبت لهم المعالم والاسس الشرعية الواضحة، كقوله ( عليه السلام ) : (من عذر ظالما بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه ، فان دعا لم يستجب له ولم يأجره اللهعلى ظلامته )، ( العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم ) ، واستفادالإمام الصادق ( عليه السلام ) من حالة الارتباك والفوضى التي سادت أوضاع الدولةالإسلامية ما بين نهايات الحكم الأموي وبدايات الحكم العباسي ، وسمحت الظروفالسياسية والاجتماعية في هذه الفترة للإمام ، لأن يقوم بواجبه عن طريق نشر العلوموالآثار الإسلامية وتربية التلاميذ ، وأن يستكمل بناء تلك الجامعة الكبرى التي وضعوالده الكريـم أساسها.
واحد اهل الخلاف ابن أبي العوجاء قالفيه : ولقد سمع جعفرُ بنُ محمّدٍ كلامَنا أكثرَ ممّا سمعت ، فما أفحشَ في خطابنا ،ولا تعدّى في جوابنا ، وإنّه الحليمُ الرزين ، العاقلُ الرصين ، لا يعتريه خرْق ،ولا طيشٌ ولا نزْق ، يسمع كلامنا ويُصغي إلينا ، ويتعرّف حجّتَنا ، حتّى إذااستفرَغْنا ما عندنا ، وظننّا أنّا قد قطعناه... دحض حجّتَنا بكلامٍ يسير ، وخطابٍقصير ، يُلزِمُنا به الحُجّة، ويقطع العُذْر، فلا نستطيع لجوابه ردّا، و أن الامامالصادق ( عليه السلام ) هو استاذ العلماء وامام الفقهاء وهو امام عصره كما هو امامالعصور واستاذ الاجيال ، و قد انصرف هو وابوه الباقر ( عليه السلام ) لانشاء مدرسةأهل البيت العلمية في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه و آله وسلم ) في المدينةالمنورة ، ثم استمر في تنمية هذه الجامعة العلمية ومواصلة حماية الشريعة ، وحريةالرأي والبحث ما تميزت به مدرسة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) على المذاهبالأخرى ...
أن المذهب الكاثوليكي بقي طوال ألف سنةفي حالة من الركود والافتقار إلى النشاط الفكري، و المذهب الأرثوذكسي لا يختلفاليوم عما كان عليه في القرن الثاني الميلادي في أنطاكية.
وقبل نهاية القرن الثاني الهجري أرسىالثقافة والمعارف الشيعية الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، فاصبحت هذهالثقافة نموذجاً لحرية الرأي والبحث ، فاقتدت الفرق الإسلامية الأخرى بالشيعة فيالمباحث الكلامية والعلمية ، وحرية البحث في أمور الدين ، فقد بدأت في الإسلامبعصر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وبعد انتشار المذهب الجعفري.
وقد تولى الإمام الصادق ( عليه السلام) بنفسه تدريس هذه العلوم، ولم يستبعد منها الفلسفة أو الحكمة أو العرفان، لأن هذهالعلوم كانت تمثل المبادئ والمجادلات التي يستعان بها في إثبات حقيقة الله والكون، وهي علوم كانت قد وصلت فعلاً إلى المدينة .
وقد ابتدأ الإمام جعفر الصادق ( عليهالسلام ) بتدريس مبادئ الفلسفة أو أسلوب الاستدلال والجدل المنطقي، وكانت مباحثالفلسفة في مدرسته تتناول في بادئ الأمر آراء سقراط وأفلاطون وأرسطو ونظريتهم .
وأن مجلس الإمام الصادق ( عليه السلام) ومدرسته كانا يمثلان منبراً حراً لتلامذته ومريديه ، لهم أن يسألوا ، ولهم أنيعترضوا ، ولهم أن يعبروا عن آرائهم وإحساساتهم بحرية تامة ، كما أن من حقهم أنينتقدوا آراء أساتذتهم، ولم يكن الإمام يفرض على تلامذته رأياً معيناً ، ولا كانيطلب منهم الإذعان لرأيه، ومع ذلك، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بإذعانهم ، بالنظرإلى الأسلوب العلمي الذي كان الإمام يتوسل به للتدليل على رأيه بالحجة الناصعةوالمنطق السليم والبيان الرائق.
وكان الإمام الصادق ( عليه السلام )يؤمن بما يقول ، ويأخذ بالواقع لا بالمثاليات ، ولهذا لم يتوسل أبداً في دروسهبأسلوب ( البوتوبيا ) ، الذي سيطر على تفكير المجتمع الأوروبي منذ بداية القرنالسادس عشر الميلادي، ومن هنا انتفت من دروس الإمام الصادق ( عليه السلام ) أيدعوة إلى قيام حكومة مثالية لا تتفق مع واقع الحياة في المجتمع البشري.
وقد اغتذت الثقافة الشيعية من هذهالحرية التي هيأت لهذه الثقافة أسباب الذيوع والانتشار الواسعين ، وأقبل عليهاالراغبون في حرية البحث والاستدلال ، كما أقبل عليها الموالون للشيعة مدفوعين إلىذلك برغبة باطنية ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقاة على اختلافهم فيالآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل (16) .
ومن يتصفح التاريخ قبل قيام الدولةالصفوية ، يلاحظ أن الحكومات الشيعية التي قامت في البلاد الشرقية كانت معدودة ،وأشهرها حكومة البوهيين ، كما يلاحظ أن هذه الدول لم تتوسل بالقوة أو النفوذ السياسيلنشر المذهب الشيعي ، وإنما اقتصرت على التمسك بالتقاليد والأعراف والمبادئالشيعية، وفي مقدمتها الاحتفالات الدينية في أيام التعزية، وبصورة خاصة يومعاشوراء عام 61 للهجرة الذي استشهد فيه الإمام الحسين بن علي ( عليه السلام ) فيكربلاء ، ولم يكتب لدولة شيعية أن تستقر طويلاً في بلاد الشرق بعد البوهيين،باستثناء دولة الفاطميين في غرب العالم الإسلامي، إلى أن قامت الدولة الصفوية فيالقرن العاشر الهجري ( 1502 ـ 1736م ).
ومع ذلك ، أخذ التشييع ينتشر في ربوعالشرق بثقافته العلمية المنطقية المبسطة ، بإصرار وثبات في مقاومة التيار الحكوميالمعادي له ، وإن لم ينجح في إنشاء مركز سياسي أو نظام حكومي يستند إليه، أي أنهنجح بالفكر لا بالسلطان ، وبالروح لا بالقدرة المادية .
ان الامام كان يستهدف بعمله ومدرستهالاهداف الاتية:
اولاً: حماية العقيدة من التياراتالعقائدية والفلسفية والالحادية والمقولات التي لا تنسجم وعقيدة التوحيد التي نشأتكتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة ، لذا انصبت جهود الامام (عليه السلام ) على الحفاظ على اصالة عقيدة التوحيد ونقاء مفهومها ، وايضاحجزئياتها وتفسير مضامينها وتصحيح الافكار والمعتقدات في ضوئها ولذا فقد دربتلامذته امثال هشام بن الحكم على الكلام والجدل والمناظرة والفلسفة ليقوموابالدفاع عن عقيدة التوحيد وحمايتها من المعتقدات الضالة ، كما الجبر والتفويضوالتجسيم والغلو وامثالها من الاراء والمعتقدات الشاذة عن عقيدة التوحيد.
ثانياً: نشر الإسلام اما الهدف الثانيلمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وجهوده فهو نشر الإسلام وتوسيعدائرة الفقه والتشريع ، وتثبيت معالمها وحفظ اصالتها ، إذ لم يُرو عن احدٍ منالحديث ولم يُؤخذ عن امام من الفقه والاحكام ما أًخذا عنه ، اساسا وقاعدة لاستنباطالاحكام لدى العلماء والفقهاء والسائرين على نهجه والملتزمين بمدرسته والمنتسبينالى مذهبه الذي سُمي باسمه ( المذهب الجعفري ).
تميز عصر الامام الصادق عليه السلامبأنه عصر النمو والتفاعل العلمي والحضاري بين الثقافة والتفكير الاسلامي من جهة ،وبين ثقافات الشعوب ومعارف الامم وعقائدها من جهة اخرى ، ففي عصره نمت الترجمة ،ونقلت كثير من العلوم والمعارف والفلسفات من لغات أجنبية الى اللغة العربية .
أن المنهل العلمي للمذاهب الأربعةالسنية مصدره الامام الصادق ( عليه السلام ) وسنقراء أقوالهم في وصف الامام عليهالسلام من الاحترام والتوقير ، ولابد من ايضاح مسئلة قبل الحديث في هذا الموضوع... وهي في القرن السادس الهجري أصدر الخليفة العباسي المنتصر بالله امرا بإغلاقباب الاجتهاد وحصر التقليد في المذاهب الفقهية الأربعة لدى السنة (17) .
وكان من تلاميذ الامام جعفر الصادق (عليه السلام ) التالي ذكرهم :
1 ـ أبو حنيفة (18) النعمان بن ثابت بنزوطي ... وهو أحد المذاهب الأربعة عند أبناء السنّة، وحاله أشهر من أن يُذكر ،يقول أبو حنيفة: ( ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ... ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناسأعلمهم باختلاف الناس ) .
ويقول : لما أقدمه المنصور بعث اليَّفقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من المسائلالشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة ، فدخلتعليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلما بصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر مالميدخلني لأبي جعفر المنصور ، فسلمت وأومأ فجلست ، ثم التفت إليه قائلاً: يا أباعبدالله هذا أبو حنيفة ، فقال: نعم أعرفه ، ثم التفت المنصور فقال: يا أبا حنيفةالق على أبي عبدالله مسائلك ، فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا وهميقولون كذا ونحن نقول كذا ، فربّما تابعنا وربّما تابعهم وربّما خالفنا حتى أتيتعلى الأربعين مسألة ، ما أخلّ منها مسألة واحدة ، ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناسأعلمهم باختلاف الناس ) (19) ، وكان أبو حنيفة يستنبط فقهه من القرآن الكريم وما صحعنده من الحديث مع توسع في استعمال الرأي والقياس ، وقد تلقى الدرس لمدة سنتين عندالإمام جعفر الصادق حيث اشتهر عنه قوله في مدح الإمام : ( لولا السنتان لهلكالنعمان ) .
2 ـ أحمد بن حنبل وهو آخر المذاهبالأربعة وأقلها أتباعا وقال فيه ابن خلدون : فأما أحمد بن حنبل فمقلدوه قليلونلبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية بعضها ببعض (20) ، وقد كان ابنحنبل في رأي العلماء القدماء ـ كابن جرير وابن قتيبة والمقدسي وابن عبد البر ـ منرجال الحديث لا من الفقهاء (21) ، وما يشهد على ذلك أنه لم يكتب أي كتاب في الفقه، وإنما اشتهر بكتابه المعروف بمسند أحمد والذي يحوي على أربعين ألف حديث ، ولهأيضا كتب أخرى كطاعة الرسول ، الناسخ والمنسوخ ، والعلل .
3 ـ محمد بن إدريس الشافعي المولود فيغزة وهو يتميز من بين المذاهب الأربعة بتنظيمه على أصول موضوعة وقواعد ثابتة ومضبوطةضبطا ( دقيقا ) ، والمذهب بجملته وسط بين أهل الرأي وأهل الحديث (22) ، وقد كانللدولة الأيوبية في مصر بقيادة صلاح الدين العامل الأقوى في نشر مذهبه هناك حيثمنع تدريس المذهب الشيعي في الجامع الأزهر الذي أسسه الفاطميون ، واستبدل بتدريسمذاهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك ، وبنى لهم المدارس ورغب الناس فيها (23) .
4 ـ مالك بن أنس المدني أحد المذاهبالأربعة وهو يمني الأصل ، يقول مالك بن أنس: ( ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطرعلى قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً )، (24) ، وكذلكيقول مالك (25) : ( إنه كان من العلماء العبّاد الزهّاد، ولم يمنعه زهده وتبتله عنالكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والاعتدال في الإنفاقوأداء الحقوق، كما أنه ينهى عن الكسل والبطالة ) ، يقول مالك بن أنس: ( اختلفت الىجعفر بن محمد زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إما مصلّياً وإماصائماً وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله إلاّ على الطهارة، ولايتكلم بما لا يعنيه ، وكان من العلماء العبّاد والزهاد الذين يخشون الله (26) ،وكان انتشار مذهبه على أيدي القضاة والأمراء في الأندلس وشمال إفريقيا حيث حلمذهبي الأوزاعي والظاهري اللذين كانا سائدين هناك ، ولا زال المذهب المالكي المذهبالرئيسي في بلاد المغرب العربي .
وأهم دعاة المذهب هم : القاضي أبو بكرالعربي وابن عبد البر القرطبي والقاضي عياض السبتي وأبو الوليد الباجي وابن القطانالفاسي (27) .
5 ـ سفيان بن سعيد بن مسروق الثوريالكوفي وكان أحد تلامذة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، وهو أحد الأئمةالمجتهدين ، وله مذهب لم يدم العمل به لقلة أتباعه ،وأراد الخليفة أبو جعفرالمنصور قتله ، فهرب ، وبقي مذهبه معمولا به لغاية القرن الرابع ، وقد لقب بأميرالمؤمنين في الحديث وسيد الحفاظ ، وقال ابن المبارك : كتبت عن ألف شيخ كان سفيانالثوري أفضلهم ، وقال القطان : الثوري أحب إلي من مالك (28) .
6 ـ يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري منبني النجّار تابعي ، كان قاضياً للمنصور في المدينة، ثمّ قاضي القضاة، ماتبالهاشميّة عام 143 ، ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.
7 ـ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريحالمكّي، وقال ابن خلكان : عبد الملك أحد العلماء المشهورين، وكانت ولادته سنة 80للهجرة ، و ذكرته رجال الشيعة.
8 ـ أيوب بن أبي تميمة السجستانيالبصري، وقيل السختياني، والأول أشهر، مولى عمّار بن ياسر وعدُّوه في كبار الفقهاءالتابعين (29) .
9 ـ شعبة بن الحجّاج الأزدي كان منأئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إِبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن، وقيلكان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبد اللّه ، (30) ... قال ابن الحجاجوهو الشاعر المشهور:
يا سيداً أروي أحاديثه رواية المستبصرالحادق كأنني أروي حديث النبي محمد عن جعفر الصادق .
10 ـ محمّد بن إسحاق بن يسار صاحبالمغازي والسير ، مدنيّ سكن مكّة، أثنى عليه ابن خلكان كثيراً ، (31) .
11 ـ سفيان بن عيينة بن أبي عمرانالكوفي المكّي ولد بالكوفة عام 107 ومات بمكّة عام 198 ، ودخل الكوفة وهو شاب علىعهد أبي حنيفة (32) .
12 ـ أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّانالبصري، كان من أئمة الحديث واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم (33) .
13 ـ جابر بن حيان المعلم الرياضيالشهير الذي لا يزال العالم يعرف له فضلاً كبيراً على هذه العلوم وأيادي طويلة علىأهلها .
ألّف زهاء خمسمائة رسالة في الرياضياتكلها من إملاء الإمام الصادق ( عليه السلام ) (34) .
وقد قال علماء ابناء السنة في الامامالصادق ( عليه السلام ) :
1 ـ ابن حجر العسقلاني ( جعفر بن محمدبن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقيه صدوق ) (35) .
2 ـ أبو بحر الجاحظ ( جعفر بن محمد ،الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال: أن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري،وحسبك بهما في هذا الباب ) (36) .
3 ـ عبدالرحمن بن الجوزي ( جعفر بنمحمد بن علي بن الحسين كان مشغولاً بالعبادة عن حب الرئاسة ) (37) .
4 ـ أبو المظفر يوسف شمس الدين ( جعفربن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب وكنيته أبو إسماعيل ويلقّب بالصادق والفاضل، وأشهر ألقابه الصادق ... (38) .
5 ـ أحمد بن حجر الهيثمي ( جعفر الصادقروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانين وأبي حنيفةوشعبة وأيوب السجستاني ) (39) .
6 ـ محمد بن طاهر بن علي المقدسي (جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضيالله عنهم أجمعين، وكنيته أبو عبدالله وقيل: أبوإسماعيل وألقابه الصادق والفاضلوالطاهر وأشهرها الأول، نقل اُناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيتهفي جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الكبار كيحيى ومالك وأبي حنيفة ) (40) .
7 ـ وقال البخاري في فصل الخطاب ( 756ـ 822 هـ ) : اتفقوا على جلالة الصادق ( عليه السلام ) وسيادته (41) .
وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمامالصادق ( عليه السلام ): إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه: ( ثم اورثناالكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات(42) .
وقد قال المؤرخ الشهير أبو نعيمالأصفهاني : ( روى عن جعفر عدة من التابعين منهم : يحيى بن سعيد الأنصاري ، وأيوبالسختياني ، وأبان بن تغلب ، وأبو عمـرو بن العلاء ، ويزيد بن عبد اللـه بن هاد ،وحدث عنه الأئمة الأعلام : مالك بن أنس ، وشعبة الحجـــــاج ، وسفيان الثوري ،وابن جريح ، وعبد اللـه بن عمر ، وروح بن القاسم ، وسفيان بن عيينه ، وسليمان بنبلال ، وإسماعيل بن جعفر ، وحاتم بن إسماعيل ، وعبد العزيز بن المختار ، ووهب بنخالد ، وإبراهيم بن طهمان ، في آخرين ، وأخرج عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه محتجاًبحديثه (43) .
ومن حكم الامام الصادق ( عليه السلام ):
ـ كثرة النظر في العلم يفتح العقل (44).
ـ من هجم على أمر بغير علم جدع أنفنفسه (45) .
ـ إِن هذا العلم عليه قفل ومفتاحهالمسألة (46) .
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوميبعث حيا .
المصادر
1 ـ الكافي : 1 / 307 .
2 ـ الكافي : 1 / 306
3 ـ تأريخ ابن الوردي: 1/266 ، الاتحافبحب الإشراف: 54 ، سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري: 34 ، ينابيع المودة: 457، تذكرة الحفاظ: 1/157 ، نور الأبصار للشبلنجي: 132، وفيات الأعيان: 1/191
وقيل إنه وُلد سنة ( 83 هـ ) يوم الجمعة أو يومالإثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول[6]. أصول الكافي: 1/472 ، مناقبآل أبي طالب : 4/280 ، أعلام الورى: 271 وجاء فيه أنه ولد بالمدينة لثلاث عشر ليلةبقيت من شهر ربيع الأول.
4 ـ صفة الصفوة: 2/249 ، المعارف: 175.
5 ـ قال السمعاني في أنسابه : 3 / 507،الصادق لقب لجعفر الصادق لصدقه في مقاله
6 ـ مرآة الزمان : 5 / ورقة 166 منمصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
7 ـ مناقب آل أبي طالب: 4/281.
8 ـ مناقب آل أبي طالب: 4/281.
9 ـ مناقب آل أبي طالب: 4/281.
10 ـ مرآة الزمان : 5 / ورقة 166 منمصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
11 ـ مرآة الزمان : 5 / ورقة 166 منمصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
12 ـ الخرائج والجرائح ، وكما فيالبحار ج 11 في أحواله عليه السلام عن علل الشرائع .
13 ـ الإمام الصادق كما عرفه علماءالغرب: 72.
14 ـ يوحنا مندل ( MENDEL) ولد عام 1822 وتوفي عام 1884 ، وهو راهب وعالم نباتي نمسوي، قام بإجراء تجاربعلى الصفات المتوارثة في النيات والحيوان ، واستنبط ناموس الوراثة المعروف باسمه (المترجم ).
15 ـ ذكر ابن النديم في كتابه(الفهرست) بعض مؤلفاته
يقول محمد بن أبي رندفة، وهو من مؤرخي المغربالإسلامي ( ولد 451هـ وتوفي 520هـ ) في كتابه (الاختصار): أن جعفراً الصادق ( عليهالسلام ) كان يحضر درس والده محمد الباقر وهو في سن العاشرة.
16 ـ المناقب ج4 |ص247 . وأورد أبونعيم في ( الحلية ) أسماء أعلام الأئمة الذين أخذوا عن الصادق ( عليه السلام ) .
17 ـ مفيد الفقيه ، الفعل في أصولالدين ، ص 32 . شريف الأمين ، معجم الفرق الإسلامية ، ص 104.
18 ـ أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ولدسنة 80 هـ في نسا، وتوفي سنة150 هـ في بغداد ، وأصله فارسي .
19 ـ مناقب أبي حنيفة للموفق: 1/173،وجامع أسانيد أبي حنيفة: 1/252، وتذكرة الحفاظ للذهبي: 1/157.
20 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 169.
21 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 169.
22 ـ محمد إبراهيم ، أئمة المذاهبالأربعة ، ص 40 .
23 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 168 .
24 ـ تهذيب: 2/104.
25 ـ مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامرالأصبعي ولد سنة 93 بالمدينة وتوفي سنة 179 .
26 ـ مالك بن أنس، للخولي: 94 ، كتابمالك لمحمد أبو زهرة: 28، نقلاً عن المدارك للقاضي عياض: 212 ، وأيضاً الى هناعبارة التهذيب وما بعدها زيادة في كتاب المجالس السنية: ج5 وقد ذكر ابن تيمية فيكتاب التوسل والوسيلة: 52 ط2 هذه العبارة في جملة طويلة في ضمنها هذه الجملة.
27 ـ مفيد الفقيه ، الفعل في أصولالدين ، ص 32 . شريف الأمين ، معجم الفرق الإسلامية ، ص 104 .
28 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 160 .
29 ـ عدَّه في رجال الصادق عليه السلامفي نور الأبصار، والتذكرة ، والمطالب، والصواعق ، والحلية ، والفصول ، وغيرها ،وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه .
30 ـ وعَدَّه في أصحاب الصادق عليهالسلام جماعة من السنّة منهم صاحب التهذيب، والصواعق ، والحلية ، والينابيع ،والفصول ، والتذكرة وغيرها، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضاً.
31 ـ ذكر أخذه عن الصادق في التهذيب،والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ في رجاله، والعلامة في الخلاصة، والكشي فيرجاله، وغيرهم من الشيعة.
32 ـ ذكر أخذه عن الصادق عليه السلامفي التهذيب، ونور الأبصار، والمطالب، والصواعق، والينابيع، والحلية، والفصول، وماسواها، وذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة أيضاً.
33 ـ ذكره في رجال الصادق ( عليهالسلام ) التهذيب، والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ، وابن داود، والنجاشي،وغيرهم من الشيعة .
34 ـ وروى عنه محمد بن مسلم ستة عشرألف حديث في مختلف العلوم ، وآخرون من هؤلاء الأفذاذ ، حتى قال قائلهم رأيت في هذاالمسجد ـ أي مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كل يقول : ( قال : جعفر بن محمد ) . حتى أنأبا حنيفة كان يقول :
( لولا السَّنتان لهلك النُّعمان )
35 ـ تقريب التهذيب: 68.
36 ـ رسائل الجاحظ للسندوبي: 106.
37 ـ صفوة الصفوة: 2/94.
38 ـ تذكرة الخواص: 351.
39 ـ الصواعق المحرقة: 120.
40 ـ جواهر الكلام: 13.
41 ـ ينابيع المودّة : 380 ط اسلامبول
42 ـ تاريخ اليعقوبي : 3 / 17 .
43 ـ حلية الأولياء : ( 3 / 199) .
44 ـ بحار الأنوار : 1/159/32.
45 ـ الكافي، باب العقل .
46 ـ الكافي، باب سؤال العلم وتذاكره.
قال أبو العلاءِ المعرّيّ :
لـقد عجِبُوا لآل البيتِ لمّا أتـاهم علمُهم في جلْدِ جَفْرِ
ومرآةُ المُنجِّمِ وهْي صُغرى تُـريهم كـلَّ عامرةٍ وقَفْرِ!
قال الامام الباقر ( عليه السلام )مشيرا الى الامام الصادق ( عليه السلام ) :ـ هذا خير البريّة (1) .
وقال عم الامام الصادق ( عليه السلام )زيد بن علي :ـ في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زمانناابن أخي جعفر لايضلّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه (2) .
في الذكرى الثمانين تحتفل الأمةالإسلامية بمولد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... وفي مظاهر السروروالبهجة ولد الامام ابو عبد الله جعفرالصادق (عليه السلام) بالمدينة المنورة يوم17من شهر ربيع الأول عام 80 هـ (3) ، وهو السادس من أئمة أهل البيت ( عليه السلام )،ودامت فترة إمامته ثلاث وأربعون سنة ، وقد نسب إليه الشيعة الاثنى عشرية، فيقاللهم ايضا ( الجعفرية ).
وكانَتْ ولادَتُه ( عليه السلام ) فيزمن الأموي عبد الملك بن مَرْوان ، وتربَّى في أحضان أبيه الإمام الباقر وجَدِّهالإمام السجَّاد ( عليهما السلام ) ، وعنهما أخذَ ( عليه السلام ) علوم الشريعةِومعارِفَ الإسلام .
أمّه السيدة المهذبة الزكية أم فروةبنت الفقيه قاسم بن عمر بن أبي بكر ، والقاسم ابوها هو من ثقاة الامام زينالعابدين واحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، وجدها محمد بن ابي بكر كان بمثابة ولد مناولاد الامام امير المؤمنين ( عليه السلام ) (4) .
كان يُكنَّى بأبي عبد اللّه، وأبيإِسماعيل ، وأبي موسى ، وأوّلها أشهرها، ويُلقَّب بالصادق (5) ، والفاضل (6) ،والقائم (7) ، والكافل (8) ، والمنجي (9) ، الصابر (10) ، الطاهر (11) ، و لقَّبهبالصادق أبوه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلم ) ، كما في كفاية الأثر لعليبن محمّد بن علي الخزاز عند ترجمة الصادق عليه السلام مسنداً عن أبي هريرة عنالنبي صلّى اللّه عليه وآله في حديث طويل ، ومنه أنه قال ( صلّى اللّه عليه وآلهوسلّم ) : ويخرج اللّه من صُلبه ـ أي صُلب محمّد الباقر ـ كلمة الحق، ولسان الصدق،فقال له ابن مسعود : فما اسمه يا نبيّ اللّه ؟ قال : يقال له جعفر ، صادق في قولهوفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليّ، والرادّ عليه كالرادّ عليَّ، (12) .
وأبلغت القابلة جده الامام زينالعابدين له عينين زرقاوين جميلتين فتبسم الإمام ( عليه السلام ) وقال: إنه يشبهعيني والدتي (13) ، فعيناه تشبهان عيني جدنه السيدة شهربانو بنت يزدجرد الثالث آخرملوك الامبراطورية الساسانية، وهي والدة الإمام زين العابدين ، عينان زرقاوان ،وها هو جعفر الصادق يرث حسب قانون مندل (14) ، لون عينيه من جدّته .
وهناك رواية تقول أن كيهان بانو ، وهيشقيقة شهر بانو بنت يزدجرد ، وقعت في الأسر في فتح عاصمة الأكاسرة ( المدائن )،حيث أتوا بها مع بقية الأسرى إلى المدينةن وكانت لها بدورها عينان زرقاوان ، فإنصحت هذه الرواية، فالإمام الصادق قد ورث عينيه من أميرتين فارسيتين ، لأن كيهانبانو بنت يزدجرد كانت جدة الإمام الصادق من ناحية الأم أيضاً.
وكان الإمام علي ( عليه السلام ) قدعطف على الأسرى من الأسرة المالكة، وزوج شهر بانو بنت يزدجرد لابنه الحسين ( عليهالسلام )، وكذلك زوج كيهان بانو لمحمد ابن أبي بكر (الخليفة الأول)، والذي كانيحبه ويرعاه كأحد أبنائه، وقد ولاّه في ما بعد مصر ، ولكنه قُتل في أثناء ولايتهبتواطوء من معاوية بن أبي سفيان.
وقد ولد لمحمد بن أبي بكر وكيهان بانوولد سمي ( القاسم )، وولدت للقاسم بنت سميت ( أم فروة ) تزوجها الغام محمد الباقر( عليه السلام )، فأنجبت له جعفراً الصادق ( عليه السلام )، وبهذا ارتبط جعفرالصادق (عليه السلام) من ناحيتي الأب والأم بأميرتين فارسيتين كما ارتبط بالخليفةأبي بكر من ناحيتين أيضاً.
وأن والد الصادق وجده ( عليهما السلام) اهتما برعايته وتعليمه وتربيته من السنة الثانية، ويعترف علماء التربية في هذاالعصر بأن أفضل سني تعليم الطفل هي ما بين الثانية والخامسة ، لأن قوة الذاكرة لدىالطفل تكون في هذه الفترة أقوى منها في غيرها .
كان الإمام الباقر ( عليه السلام )والد الصادق ( عليه السلام ) باعتراف الجميع، أعظم العلماء في عصره ، وكان جدُّهزين العابدين ( عليه السلام ) أيضاً من أكابر العلماء والزّهاد (15) .
حيث كانت حياة الامام ما بين عام 83و148 هـ فقد قارنت شطراً من حياة الامام السجاد وأيام امامته، حيث كانت امامته مابين عام 61 و95 هـ ، فقد عاش معه أثنى عشر سنة ، ثم عايش إمامة أبيه الباقر عليهالسلام التي شرعت عام 95 هـ وامتدت إلى عام 114هـ .
وقد تميزت امامة الباقر ( عليه السلام) بتصديه لنشر العلم، ولذا يقول الشيخ المفيد: ولم يظهر عن أحد من ولد الحسنوالحسين ( عليهما السلام ) من علم الدين والاثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنونالادب ما ظهر عن أبي جعفر.
قام جعفر بن محمَّد الصادق ( عليهالسلام ) بإمامة الأمّة في سنة 114هجرية ، عاصر في مجمل فترة إمامته عدّة حكّام منبني أميّة وبني العباس، فمن الأمويين: هشام بن عبد الملك بن مروان ، ووليد بن يزيدبن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك ، وإبراهيم بن وليد بن عبد الملك ، ومروان بنمحمَّد ، ومن العباسيين: أبي عبد اللّه بن محمَّد السفاح وأبي جعفر منصورالدوانيقي.
عاصر من المجازر المروعة في عهد بنيأميّة ما لحق بزيد بن عليّ الذي صلب وعلق على المشنقة في سنة 122هـ ، ناهيك عمالحق به من تمثيل ، ولـم يكتفِ الأمويون بذلك فقتلوا ولده يحيى بشكل مروع .
وعايش الامام الصادق ( عليه السلام )حقائق ثلاثة في تاريخ الامة الاسلامية وهي
قدرة الإسلام على التجديد والابداعوالعطاء في كافة المجالات.
انحراف الحكام وحدوث هوة سحيقة بين المبادئالإسلامية وبين السلطة الحاكمة .
حيوية الامة الإسلامية وقدرتها علىالتحرك ضد الحكام المنحرفين عن الإسلام .
كان الامام الصادق ( عليه السلام )منصرفا عن الصراع السياسي المكشوف الى بناء المقاومة بناءً علميا وفكريا وسلوكيايحمل روح الثورة، ويتضمن بذورها لتنمو بعيدة عن الانظار وتولد قوية راسخة ، وبهذهالطريقة راح يربّي العلماء والدعاة وجماهير الامة على مقاطعة الحكام الظلمة ،ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في احكام الشريعةومفاهيمها ، ويثبت لهم المعالم والاسس الشرعية الواضحة، كقوله ( عليه السلام ) : (من عذر ظالما بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه ، فان دعا لم يستجب له ولم يأجره اللهعلى ظلامته )، ( العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم ) ، واستفادالإمام الصادق ( عليه السلام ) من حالة الارتباك والفوضى التي سادت أوضاع الدولةالإسلامية ما بين نهايات الحكم الأموي وبدايات الحكم العباسي ، وسمحت الظروفالسياسية والاجتماعية في هذه الفترة للإمام ، لأن يقوم بواجبه عن طريق نشر العلوموالآثار الإسلامية وتربية التلاميذ ، وأن يستكمل بناء تلك الجامعة الكبرى التي وضعوالده الكريـم أساسها.
واحد اهل الخلاف ابن أبي العوجاء قالفيه : ولقد سمع جعفرُ بنُ محمّدٍ كلامَنا أكثرَ ممّا سمعت ، فما أفحشَ في خطابنا ،ولا تعدّى في جوابنا ، وإنّه الحليمُ الرزين ، العاقلُ الرصين ، لا يعتريه خرْق ،ولا طيشٌ ولا نزْق ، يسمع كلامنا ويُصغي إلينا ، ويتعرّف حجّتَنا ، حتّى إذااستفرَغْنا ما عندنا ، وظننّا أنّا قد قطعناه... دحض حجّتَنا بكلامٍ يسير ، وخطابٍقصير ، يُلزِمُنا به الحُجّة، ويقطع العُذْر، فلا نستطيع لجوابه ردّا، و أن الامامالصادق ( عليه السلام ) هو استاذ العلماء وامام الفقهاء وهو امام عصره كما هو امامالعصور واستاذ الاجيال ، و قد انصرف هو وابوه الباقر ( عليه السلام ) لانشاء مدرسةأهل البيت العلمية في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه و آله وسلم ) في المدينةالمنورة ، ثم استمر في تنمية هذه الجامعة العلمية ومواصلة حماية الشريعة ، وحريةالرأي والبحث ما تميزت به مدرسة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) على المذاهبالأخرى ...
أن المذهب الكاثوليكي بقي طوال ألف سنةفي حالة من الركود والافتقار إلى النشاط الفكري، و المذهب الأرثوذكسي لا يختلفاليوم عما كان عليه في القرن الثاني الميلادي في أنطاكية.
وقبل نهاية القرن الثاني الهجري أرسىالثقافة والمعارف الشيعية الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، فاصبحت هذهالثقافة نموذجاً لحرية الرأي والبحث ، فاقتدت الفرق الإسلامية الأخرى بالشيعة فيالمباحث الكلامية والعلمية ، وحرية البحث في أمور الدين ، فقد بدأت في الإسلامبعصر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وبعد انتشار المذهب الجعفري.
وقد تولى الإمام الصادق ( عليه السلام) بنفسه تدريس هذه العلوم، ولم يستبعد منها الفلسفة أو الحكمة أو العرفان، لأن هذهالعلوم كانت تمثل المبادئ والمجادلات التي يستعان بها في إثبات حقيقة الله والكون، وهي علوم كانت قد وصلت فعلاً إلى المدينة .
وقد ابتدأ الإمام جعفر الصادق ( عليهالسلام ) بتدريس مبادئ الفلسفة أو أسلوب الاستدلال والجدل المنطقي، وكانت مباحثالفلسفة في مدرسته تتناول في بادئ الأمر آراء سقراط وأفلاطون وأرسطو ونظريتهم .
وأن مجلس الإمام الصادق ( عليه السلام) ومدرسته كانا يمثلان منبراً حراً لتلامذته ومريديه ، لهم أن يسألوا ، ولهم أنيعترضوا ، ولهم أن يعبروا عن آرائهم وإحساساتهم بحرية تامة ، كما أن من حقهم أنينتقدوا آراء أساتذتهم، ولم يكن الإمام يفرض على تلامذته رأياً معيناً ، ولا كانيطلب منهم الإذعان لرأيه، ومع ذلك، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بإذعانهم ، بالنظرإلى الأسلوب العلمي الذي كان الإمام يتوسل به للتدليل على رأيه بالحجة الناصعةوالمنطق السليم والبيان الرائق.
وكان الإمام الصادق ( عليه السلام )يؤمن بما يقول ، ويأخذ بالواقع لا بالمثاليات ، ولهذا لم يتوسل أبداً في دروسهبأسلوب ( البوتوبيا ) ، الذي سيطر على تفكير المجتمع الأوروبي منذ بداية القرنالسادس عشر الميلادي، ومن هنا انتفت من دروس الإمام الصادق ( عليه السلام ) أيدعوة إلى قيام حكومة مثالية لا تتفق مع واقع الحياة في المجتمع البشري.
وقد اغتذت الثقافة الشيعية من هذهالحرية التي هيأت لهذه الثقافة أسباب الذيوع والانتشار الواسعين ، وأقبل عليهاالراغبون في حرية البحث والاستدلال ، كما أقبل عليها الموالون للشيعة مدفوعين إلىذلك برغبة باطنية ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقاة على اختلافهم فيالآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل (16) .
ومن يتصفح التاريخ قبل قيام الدولةالصفوية ، يلاحظ أن الحكومات الشيعية التي قامت في البلاد الشرقية كانت معدودة ،وأشهرها حكومة البوهيين ، كما يلاحظ أن هذه الدول لم تتوسل بالقوة أو النفوذ السياسيلنشر المذهب الشيعي ، وإنما اقتصرت على التمسك بالتقاليد والأعراف والمبادئالشيعية، وفي مقدمتها الاحتفالات الدينية في أيام التعزية، وبصورة خاصة يومعاشوراء عام 61 للهجرة الذي استشهد فيه الإمام الحسين بن علي ( عليه السلام ) فيكربلاء ، ولم يكتب لدولة شيعية أن تستقر طويلاً في بلاد الشرق بعد البوهيين،باستثناء دولة الفاطميين في غرب العالم الإسلامي، إلى أن قامت الدولة الصفوية فيالقرن العاشر الهجري ( 1502 ـ 1736م ).
ومع ذلك ، أخذ التشييع ينتشر في ربوعالشرق بثقافته العلمية المنطقية المبسطة ، بإصرار وثبات في مقاومة التيار الحكوميالمعادي له ، وإن لم ينجح في إنشاء مركز سياسي أو نظام حكومي يستند إليه، أي أنهنجح بالفكر لا بالسلطان ، وبالروح لا بالقدرة المادية .
ان الامام كان يستهدف بعمله ومدرستهالاهداف الاتية:
اولاً: حماية العقيدة من التياراتالعقائدية والفلسفية والالحادية والمقولات التي لا تنسجم وعقيدة التوحيد التي نشأتكتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة ، لذا انصبت جهود الامام (عليه السلام ) على الحفاظ على اصالة عقيدة التوحيد ونقاء مفهومها ، وايضاحجزئياتها وتفسير مضامينها وتصحيح الافكار والمعتقدات في ضوئها ولذا فقد دربتلامذته امثال هشام بن الحكم على الكلام والجدل والمناظرة والفلسفة ليقوموابالدفاع عن عقيدة التوحيد وحمايتها من المعتقدات الضالة ، كما الجبر والتفويضوالتجسيم والغلو وامثالها من الاراء والمعتقدات الشاذة عن عقيدة التوحيد.
ثانياً: نشر الإسلام اما الهدف الثانيلمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وجهوده فهو نشر الإسلام وتوسيعدائرة الفقه والتشريع ، وتثبيت معالمها وحفظ اصالتها ، إذ لم يُرو عن احدٍ منالحديث ولم يُؤخذ عن امام من الفقه والاحكام ما أًخذا عنه ، اساسا وقاعدة لاستنباطالاحكام لدى العلماء والفقهاء والسائرين على نهجه والملتزمين بمدرسته والمنتسبينالى مذهبه الذي سُمي باسمه ( المذهب الجعفري ).
تميز عصر الامام الصادق عليه السلامبأنه عصر النمو والتفاعل العلمي والحضاري بين الثقافة والتفكير الاسلامي من جهة ،وبين ثقافات الشعوب ومعارف الامم وعقائدها من جهة اخرى ، ففي عصره نمت الترجمة ،ونقلت كثير من العلوم والمعارف والفلسفات من لغات أجنبية الى اللغة العربية .
أن المنهل العلمي للمذاهب الأربعةالسنية مصدره الامام الصادق ( عليه السلام ) وسنقراء أقوالهم في وصف الامام عليهالسلام من الاحترام والتوقير ، ولابد من ايضاح مسئلة قبل الحديث في هذا الموضوع... وهي في القرن السادس الهجري أصدر الخليفة العباسي المنتصر بالله امرا بإغلاقباب الاجتهاد وحصر التقليد في المذاهب الفقهية الأربعة لدى السنة (17) .
وكان من تلاميذ الامام جعفر الصادق (عليه السلام ) التالي ذكرهم :
1 ـ أبو حنيفة (18) النعمان بن ثابت بنزوطي ... وهو أحد المذاهب الأربعة عند أبناء السنّة، وحاله أشهر من أن يُذكر ،يقول أبو حنيفة: ( ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ... ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناسأعلمهم باختلاف الناس ) .
ويقول : لما أقدمه المنصور بعث اليَّفقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من المسائلالشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة ، فدخلتعليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلما بصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر مالميدخلني لأبي جعفر المنصور ، فسلمت وأومأ فجلست ، ثم التفت إليه قائلاً: يا أباعبدالله هذا أبو حنيفة ، فقال: نعم أعرفه ، ثم التفت المنصور فقال: يا أبا حنيفةالق على أبي عبدالله مسائلك ، فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا وهميقولون كذا ونحن نقول كذا ، فربّما تابعنا وربّما تابعهم وربّما خالفنا حتى أتيتعلى الأربعين مسألة ، ما أخلّ منها مسألة واحدة ، ثم قال أبو حنيفة: أعلم الناسأعلمهم باختلاف الناس ) (19) ، وكان أبو حنيفة يستنبط فقهه من القرآن الكريم وما صحعنده من الحديث مع توسع في استعمال الرأي والقياس ، وقد تلقى الدرس لمدة سنتين عندالإمام جعفر الصادق حيث اشتهر عنه قوله في مدح الإمام : ( لولا السنتان لهلكالنعمان ) .
2 ـ أحمد بن حنبل وهو آخر المذاهبالأربعة وأقلها أتباعا وقال فيه ابن خلدون : فأما أحمد بن حنبل فمقلدوه قليلونلبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية بعضها ببعض (20) ، وقد كان ابنحنبل في رأي العلماء القدماء ـ كابن جرير وابن قتيبة والمقدسي وابن عبد البر ـ منرجال الحديث لا من الفقهاء (21) ، وما يشهد على ذلك أنه لم يكتب أي كتاب في الفقه، وإنما اشتهر بكتابه المعروف بمسند أحمد والذي يحوي على أربعين ألف حديث ، ولهأيضا كتب أخرى كطاعة الرسول ، الناسخ والمنسوخ ، والعلل .
3 ـ محمد بن إدريس الشافعي المولود فيغزة وهو يتميز من بين المذاهب الأربعة بتنظيمه على أصول موضوعة وقواعد ثابتة ومضبوطةضبطا ( دقيقا ) ، والمذهب بجملته وسط بين أهل الرأي وأهل الحديث (22) ، وقد كانللدولة الأيوبية في مصر بقيادة صلاح الدين العامل الأقوى في نشر مذهبه هناك حيثمنع تدريس المذهب الشيعي في الجامع الأزهر الذي أسسه الفاطميون ، واستبدل بتدريسمذاهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك ، وبنى لهم المدارس ورغب الناس فيها (23) .
4 ـ مالك بن أنس المدني أحد المذاهبالأربعة وهو يمني الأصل ، يقول مالك بن أنس: ( ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطرعلى قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً )، (24) ، وكذلكيقول مالك (25) : ( إنه كان من العلماء العبّاد الزهّاد، ولم يمنعه زهده وتبتله عنالكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والاعتدال في الإنفاقوأداء الحقوق، كما أنه ينهى عن الكسل والبطالة ) ، يقول مالك بن أنس: ( اختلفت الىجعفر بن محمد زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إما مصلّياً وإماصائماً وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله إلاّ على الطهارة، ولايتكلم بما لا يعنيه ، وكان من العلماء العبّاد والزهاد الذين يخشون الله (26) ،وكان انتشار مذهبه على أيدي القضاة والأمراء في الأندلس وشمال إفريقيا حيث حلمذهبي الأوزاعي والظاهري اللذين كانا سائدين هناك ، ولا زال المذهب المالكي المذهبالرئيسي في بلاد المغرب العربي .
وأهم دعاة المذهب هم : القاضي أبو بكرالعربي وابن عبد البر القرطبي والقاضي عياض السبتي وأبو الوليد الباجي وابن القطانالفاسي (27) .
5 ـ سفيان بن سعيد بن مسروق الثوريالكوفي وكان أحد تلامذة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، وهو أحد الأئمةالمجتهدين ، وله مذهب لم يدم العمل به لقلة أتباعه ،وأراد الخليفة أبو جعفرالمنصور قتله ، فهرب ، وبقي مذهبه معمولا به لغاية القرن الرابع ، وقد لقب بأميرالمؤمنين في الحديث وسيد الحفاظ ، وقال ابن المبارك : كتبت عن ألف شيخ كان سفيانالثوري أفضلهم ، وقال القطان : الثوري أحب إلي من مالك (28) .
6 ـ يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري منبني النجّار تابعي ، كان قاضياً للمنصور في المدينة، ثمّ قاضي القضاة، ماتبالهاشميّة عام 143 ، ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.
7 ـ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريحالمكّي، وقال ابن خلكان : عبد الملك أحد العلماء المشهورين، وكانت ولادته سنة 80للهجرة ، و ذكرته رجال الشيعة.
8 ـ أيوب بن أبي تميمة السجستانيالبصري، وقيل السختياني، والأول أشهر، مولى عمّار بن ياسر وعدُّوه في كبار الفقهاءالتابعين (29) .
9 ـ شعبة بن الحجّاج الأزدي كان منأئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إِبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن، وقيلكان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبد اللّه ، (30) ... قال ابن الحجاجوهو الشاعر المشهور:
يا سيداً أروي أحاديثه رواية المستبصرالحادق كأنني أروي حديث النبي محمد عن جعفر الصادق .
10 ـ محمّد بن إسحاق بن يسار صاحبالمغازي والسير ، مدنيّ سكن مكّة، أثنى عليه ابن خلكان كثيراً ، (31) .
11 ـ سفيان بن عيينة بن أبي عمرانالكوفي المكّي ولد بالكوفة عام 107 ومات بمكّة عام 198 ، ودخل الكوفة وهو شاب علىعهد أبي حنيفة (32) .
12 ـ أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّانالبصري، كان من أئمة الحديث واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم (33) .
13 ـ جابر بن حيان المعلم الرياضيالشهير الذي لا يزال العالم يعرف له فضلاً كبيراً على هذه العلوم وأيادي طويلة علىأهلها .
ألّف زهاء خمسمائة رسالة في الرياضياتكلها من إملاء الإمام الصادق ( عليه السلام ) (34) .
وقد قال علماء ابناء السنة في الامامالصادق ( عليه السلام ) :
1 ـ ابن حجر العسقلاني ( جعفر بن محمدبن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقيه صدوق ) (35) .
2 ـ أبو بحر الجاحظ ( جعفر بن محمد ،الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال: أن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري،وحسبك بهما في هذا الباب ) (36) .
3 ـ عبدالرحمن بن الجوزي ( جعفر بنمحمد بن علي بن الحسين كان مشغولاً بالعبادة عن حب الرئاسة ) (37) .
4 ـ أبو المظفر يوسف شمس الدين ( جعفربن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب وكنيته أبو إسماعيل ويلقّب بالصادق والفاضل، وأشهر ألقابه الصادق ... (38) .
5 ـ أحمد بن حجر الهيثمي ( جعفر الصادقروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانين وأبي حنيفةوشعبة وأيوب السجستاني ) (39) .
6 ـ محمد بن طاهر بن علي المقدسي (جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضيالله عنهم أجمعين، وكنيته أبو عبدالله وقيل: أبوإسماعيل وألقابه الصادق والفاضلوالطاهر وأشهرها الأول، نقل اُناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيتهفي جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الكبار كيحيى ومالك وأبي حنيفة ) (40) .
7 ـ وقال البخاري في فصل الخطاب ( 756ـ 822 هـ ) : اتفقوا على جلالة الصادق ( عليه السلام ) وسيادته (41) .
وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمامالصادق ( عليه السلام ): إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه: ( ثم اورثناالكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات(42) .
وقد قال المؤرخ الشهير أبو نعيمالأصفهاني : ( روى عن جعفر عدة من التابعين منهم : يحيى بن سعيد الأنصاري ، وأيوبالسختياني ، وأبان بن تغلب ، وأبو عمـرو بن العلاء ، ويزيد بن عبد اللـه بن هاد ،وحدث عنه الأئمة الأعلام : مالك بن أنس ، وشعبة الحجـــــاج ، وسفيان الثوري ،وابن جريح ، وعبد اللـه بن عمر ، وروح بن القاسم ، وسفيان بن عيينه ، وسليمان بنبلال ، وإسماعيل بن جعفر ، وحاتم بن إسماعيل ، وعبد العزيز بن المختار ، ووهب بنخالد ، وإبراهيم بن طهمان ، في آخرين ، وأخرج عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه محتجاًبحديثه (43) .
ومن حكم الامام الصادق ( عليه السلام ):
ـ كثرة النظر في العلم يفتح العقل (44).
ـ من هجم على أمر بغير علم جدع أنفنفسه (45) .
ـ إِن هذا العلم عليه قفل ومفتاحهالمسألة (46) .
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوميبعث حيا .
المصادر
1 ـ الكافي : 1 / 307 .
2 ـ الكافي : 1 / 306
3 ـ تأريخ ابن الوردي: 1/266 ، الاتحافبحب الإشراف: 54 ، سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري: 34 ، ينابيع المودة: 457، تذكرة الحفاظ: 1/157 ، نور الأبصار للشبلنجي: 132، وفيات الأعيان: 1/191
وقيل إنه وُلد سنة ( 83 هـ ) يوم الجمعة أو يومالإثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول[6]. أصول الكافي: 1/472 ، مناقبآل أبي طالب : 4/280 ، أعلام الورى: 271 وجاء فيه أنه ولد بالمدينة لثلاث عشر ليلةبقيت من شهر ربيع الأول.
4 ـ صفة الصفوة: 2/249 ، المعارف: 175.
5 ـ قال السمعاني في أنسابه : 3 / 507،الصادق لقب لجعفر الصادق لصدقه في مقاله
6 ـ مرآة الزمان : 5 / ورقة 166 منمصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
7 ـ مناقب آل أبي طالب: 4/281.
8 ـ مناقب آل أبي طالب: 4/281.
9 ـ مناقب آل أبي طالب: 4/281.
10 ـ مرآة الزمان : 5 / ورقة 166 منمصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
11 ـ مرآة الزمان : 5 / ورقة 166 منمصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
12 ـ الخرائج والجرائح ، وكما فيالبحار ج 11 في أحواله عليه السلام عن علل الشرائع .
13 ـ الإمام الصادق كما عرفه علماءالغرب: 72.
14 ـ يوحنا مندل ( MENDEL) ولد عام 1822 وتوفي عام 1884 ، وهو راهب وعالم نباتي نمسوي، قام بإجراء تجاربعلى الصفات المتوارثة في النيات والحيوان ، واستنبط ناموس الوراثة المعروف باسمه (المترجم ).
15 ـ ذكر ابن النديم في كتابه(الفهرست) بعض مؤلفاته
يقول محمد بن أبي رندفة، وهو من مؤرخي المغربالإسلامي ( ولد 451هـ وتوفي 520هـ ) في كتابه (الاختصار): أن جعفراً الصادق ( عليهالسلام ) كان يحضر درس والده محمد الباقر وهو في سن العاشرة.
16 ـ المناقب ج4 |ص247 . وأورد أبونعيم في ( الحلية ) أسماء أعلام الأئمة الذين أخذوا عن الصادق ( عليه السلام ) .
17 ـ مفيد الفقيه ، الفعل في أصولالدين ، ص 32 . شريف الأمين ، معجم الفرق الإسلامية ، ص 104.
18 ـ أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ولدسنة 80 هـ في نسا، وتوفي سنة150 هـ في بغداد ، وأصله فارسي .
19 ـ مناقب أبي حنيفة للموفق: 1/173،وجامع أسانيد أبي حنيفة: 1/252، وتذكرة الحفاظ للذهبي: 1/157.
20 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 169.
21 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 169.
22 ـ محمد إبراهيم ، أئمة المذاهبالأربعة ، ص 40 .
23 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 168 .
24 ـ تهذيب: 2/104.
25 ـ مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامرالأصبعي ولد سنة 93 بالمدينة وتوفي سنة 179 .
26 ـ مالك بن أنس، للخولي: 94 ، كتابمالك لمحمد أبو زهرة: 28، نقلاً عن المدارك للقاضي عياض: 212 ، وأيضاً الى هناعبارة التهذيب وما بعدها زيادة في كتاب المجالس السنية: ج5 وقد ذكر ابن تيمية فيكتاب التوسل والوسيلة: 52 ط2 هذه العبارة في جملة طويلة في ضمنها هذه الجملة.
27 ـ مفيد الفقيه ، الفعل في أصولالدين ، ص 32 . شريف الأمين ، معجم الفرق الإسلامية ، ص 104 .
28 ـ أسد حيدر ، الإمام الصادقوالمذاهب الأربعة ، ج 1 ص 160 .
29 ـ عدَّه في رجال الصادق عليه السلامفي نور الأبصار، والتذكرة ، والمطالب، والصواعق ، والحلية ، والفصول ، وغيرها ،وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه .
30 ـ وعَدَّه في أصحاب الصادق عليهالسلام جماعة من السنّة منهم صاحب التهذيب، والصواعق ، والحلية ، والينابيع ،والفصول ، والتذكرة وغيرها، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضاً.
31 ـ ذكر أخذه عن الصادق في التهذيب،والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ في رجاله، والعلامة في الخلاصة، والكشي فيرجاله، وغيرهم من الشيعة.
32 ـ ذكر أخذه عن الصادق عليه السلامفي التهذيب، ونور الأبصار، والمطالب، والصواعق، والينابيع، والحلية، والفصول، وماسواها، وذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة أيضاً.
33 ـ ذكره في رجال الصادق ( عليهالسلام ) التهذيب، والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ، وابن داود، والنجاشي،وغيرهم من الشيعة .
34 ـ وروى عنه محمد بن مسلم ستة عشرألف حديث في مختلف العلوم ، وآخرون من هؤلاء الأفذاذ ، حتى قال قائلهم رأيت في هذاالمسجد ـ أي مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كل يقول : ( قال : جعفر بن محمد ) . حتى أنأبا حنيفة كان يقول :
( لولا السَّنتان لهلك النُّعمان )
35 ـ تقريب التهذيب: 68.
36 ـ رسائل الجاحظ للسندوبي: 106.
37 ـ صفوة الصفوة: 2/94.
38 ـ تذكرة الخواص: 351.
39 ـ الصواعق المحرقة: 120.
40 ـ جواهر الكلام: 13.
41 ـ ينابيع المودّة : 380 ط اسلامبول
42 ـ تاريخ اليعقوبي : 3 / 17 .
43 ـ حلية الأولياء : ( 3 / 199) .
44 ـ بحار الأنوار : 1/159/32.
45 ـ الكافي، باب العقل .
46 ـ الكافي، باب سؤال العلم وتذاكره.